المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الشبهة الأولى زعمهم أن رواة الأحاديث هم أزواج محمد وأقرباؤه ولا اعتبار لشهادتهم في حقه] - مختصر إظهار الحق

[رحمت الله الهندي]

فهرس الكتاب

- ‌[تمهيد]

- ‌[مقدمة في بيان الأمور التي يجب التنبيه عليها]

- ‌[الباب الأول بيان أسماء كتب العهد العتيق والجديد وإثبات تحريفها ونسخها]

- ‌[الفصل الأول بيان أسمائها وتعدادها]

- ‌[الفصل الثاني أهل الكتاب لا يوجد عندهم سند متصل لكتاب من كتب العهد العتيق والجديد]

- ‌[الادعاء بنسبة الكتب إلى اسم نبي أو حواري لا يعني إلهامية هذه الكتب ولا وجوب تسليمها]

- ‌[حال التوراة]

- ‌[حال كتاب يوشع بن نون]

- ‌[حال الأناجيل]

- ‌[الفصل الثالث بيان أن هذه الكتب مملوءة من الاختلافات والأغلاط والتحريف]

- ‌[القسم الأول بيان بعض الاختلافات]

- ‌[الاختلاف في أسماء أولاد بنيامين وعددهم]

- ‌[الاختلاف في عدد المقاتلين في إسرائيل ويهوذا]

- ‌[الاختلاف في خبر جاد الرائي]

- ‌[الاختلاف في عمر الملك أخزيا عندما ملك]

- ‌[الاختلاف في عمر الملك يهوياكين عندما ملك]

- ‌[الاختلاف في عدد الذين قتلهم أحد أبطال داود بالرمح دفعة واحدة]

- ‌[الاختلاف في عدد ما يؤخذ من الطير والبهائم في سفينة نوح عليه السلام]

- ‌[الاختلاف في عدد الأسرى الذين أسرهم داود عليه السلام]

- ‌[الاختلاف في عدد الذين قتلهم داود عليه السلام من أرام]

- ‌[الاختلاف في عدد مذاود خيل سليمان عليه السلام]

- ‌[الاختلاف في بيان نسب المسيح عليه السلام]

- ‌[الاختلاف في عدد الذين شفاهم المسيح عليه السلام]

- ‌[الاختلاف في العصا الواردة في وصية المسيح لتلاميذه الاثني عشر]

- ‌[الاختلاف في شهادة المسيح لنفسه]

- ‌[الاختلاف في حامل الصليب إلى مكان الصلب]

- ‌[هل المسيح صانع سلام أم ضده]

- ‌[القسم الثاني بيان بعض الأغلاط]

- ‌[الغلط في مدة إقامة بني إسرائيل في مصر]

- ‌[الغلط في عدد بني إسرائيل حينما خرجوا مع موسى من أرض مصر]

- ‌[الغلط الذي يلزم منه نفي نبوة داود عليه السلام]

- ‌[الغلط في عدد المضروبين من أهل بيتشمس]

- ‌[الغلط في ارتفاع الرواق الذي بناه سليمان عليه السلام]

- ‌[الغلط في عدد جيش أبيا ويربعام]

- ‌[الغلط بخصوص الأكل من الشجرة وبخصوص عمر الإنسان]

- ‌[الغلط في عدد الأجيال الواردة في نسب المسيح عليه السلام]

- ‌[الغلط في جعل رفقاء لداود عند رئيس الكهنة]

- ‌[الغلط في كتابة أحداث لم تقع عند حادثة الصلب]

- ‌[الغلط في اسم والد شالح]

- ‌[القسم الثالث إثبات التحريف اللفظي بالتبديل وبالزيادة وبالنقصان]

- ‌[التحريف في مدة أعمار الأكابر قبل الطوفان]

- ‌[التحريف في مدة أعمار الأكابر بعد الطوفان]

- ‌[التحريف في اسم الجبل المخصص لنصب الحجارة]

- ‌[التحريف في اسم المملكة]

- ‌[التحير بين النفي والإثبات]

- ‌[الدليل على أن التوراة الحالية مكتوبة بعد موسى عليه السلام]

- ‌[التحريف بزيادة عبارة إلى هذا اليوم]

- ‌[التحريف بإضافة مقدمات لبعض الأبواب]

- ‌[التحريف للانتصار لعقيدة التثليث]

- ‌[التحريف لإظهار أن عيسى ابن الله]

- ‌[التحريف في حادثة زنا رأوبين بسرية أبيه]

- ‌[التحريف في حادثة سرقة الصواع]

- ‌[التحريف بإسقاط اسم مريم ابنة عمران أخت موسى]

- ‌[التحريف في الزبور إما بالزيادة وإما بالنقصان]

- ‌[التحريف في إنجيل لوقا بالنقصان]

- ‌[التحريف لعناد اليهود والنصارى بعضهم بعضا]

- ‌[مغالطات نصرانية والرد عليها]

- ‌[الأولى زعمهم أن المسلمين فقط هم الذين يدعون أن كتب العهدين محرفة]

- ‌[الثانية زعمهم أن المسيح عليه السلام شهد بحقية كتب العهد العتيق]

- ‌[الثالثة زعمهم أن وقوع التحريف مستبعد لأن نسخ الكتب المقدسة كانت منتشرة شرقا وغربا]

- ‌[الفصل الرابع إثبات وقوع النسخ في كتب العهدين]

- ‌[بيان معنى النسخ]

- ‌[كذب بعض القصص الموجودة في كتب العهدين القديم والجديد]

- ‌[بعض الأمثلة على وجود الحكم الناسخ في شريعة نبي سابق]

- ‌[بعض الأمثلة على وجود الحكم الناسخ والمنسوخ في شريعة النبي نفسه]

- ‌[الباب الثاني إبطال التثليث]

- ‌[مقدمة في بيان أمور تفيد الناظر بصيرة في الفصول]

- ‌[الفصل الأول إبطال التثليث بالبرهان العقلي]

- ‌[الفصل الثاني إبطال التثليث بأقوال المسيح عليه السلام]

- ‌[الفصل الثالث إبطال الأدلة النقلية على ألوهية المسيح]

- ‌[الباب الثالث إثبات كون القرآن الكريم كلام الله ومعجزا ورفع شبهات القسيسين على القرآن والأحاديث]

- ‌[الفصل الأول الأمور التي تدل على أن القرآن الكريم كلام الله تعالى ورفع شبهات القسيسين على القرآن الكريم]

- ‌[الفصل الثاني دفع شبهات القسيسين الواردة على الأحاديث النبوية الشريفة]

- ‌[الشبهة الأولى زعمهم أن رواة الأحاديث هم أزواج محمد وأقرباؤه ولا اعتبار لشهادتهم في حقه]

- ‌[الشبهة الثانية زعمهم أن مؤلفي كتب الحديث ما رأوا الرسول]

- ‌[الباب الرابع إثبات نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم]

- ‌[المسلك الأول ظهور المعجزات الكثيرة على يده عليه السلام]

- ‌[النوع الأول بيان إخباره عن المغيبات الماضية والمستقبلة]

- ‌[النوع الثاني الأفعال التي ظهرت منه صلى الله عليه وسلم على خلاف العادة]

- ‌[المسلك الثاني وجود المحاسن والأخلاق العظيمة في ذاته مما يجزم العقل بأنها لا تجتمع في غير نبي]

- ‌[المسلك الثالث الكمال والشمول في شريعته عليه السلام يدل على أن المبعوث بها نبي مرسل من الله تعالى]

- ‌[المسلك الرابع القرآن الكريم وانتصار النبي على الكافرين لا يكون إلا بعون إلهي]

- ‌[المسلك الخامس حاجة العالم في هذا التوقيت لبعثة النبي ليزيل ظلمة الشرك ولتشرق شموس التوحيد على الأرض]

- ‌[المسلك السادس البشارات المحمدية في الكتب السماوية السابقة]

- ‌[التنبيه إلى بعض الأمور]

- ‌[البشارة الأولى في سفر التثنية أقيم لهم نبيا من وسط إخوتهم مثلك]

- ‌[البشارة الثانية في سفر التثنية وهذه هي البركة التي بارك بها موسى]

- ‌[البشارة الثالثة في سفر التكوين ها أنا أباركه وأثمره وأكثره كثيرا جدا]

- ‌[البشارة الرابعة في سفر التثنية فأنا أغيرهم بما ليس شعبا بأمة غبية أغيظهم]

- ‌[الخاتمة]

الفصل: ‌[الشبهة الأولى زعمهم أن رواة الأحاديث هم أزواج محمد وأقرباؤه ولا اعتبار لشهادتهم في حقه]

[الفصل الثاني دفع شبهات القسيسين الواردة على الأحاديث النبوية الشريفة]

[الشبهة الأولى زعمهم أن رواة الأحاديث هم أزواج محمد وأقرباؤه ولا اعتبار لشهادتهم في حقه]

الفصل الثاني دفع شبهات القسيسين الواردة على الأحاديث النبوية الشريفة الشبهة الأولى قولهم: (إن رواة الأحاديث هم أزواج محمد صلى الله عليه وسلم وأقرباؤه وأصحابه ولا اعتبار لشهادتهم في حقه) . والجواب أن هذه الشبهة يمكن أن ترد على القسيسين بأن يقال: إن رواة حالات المسيح وأقواله المندرجة في هذه الأناجيل المعروفة الآن هم أصحابه وتلاميذه، ولا اعتبار لشهادتهم في حقه، وإن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لم يبالغ أحد منهم كما بالغ الإنجيلي الرابع في آخر إنجيله (يوحنا 21 / 25) فقال:(وأشياء أُخَرُ كثيرة صنعها يسوع إن كُتبت واحدة واحدة فلست أظن أن العالم نفسه يسع الكتب المكتوبة) .

ولا شك أن هذا الكلام كذب محض ومبالغة شاعرية قبيحة، ولا يكون دافعا للعقلاء إلى الإيمان، لكنه قد يخدع السفهاء.

وليس للقسيسين حجة فيما تتفوّه به فرقة الشيعة الإمامية الاثني عشرية في حق الصحابة رضي الله عنهم أجمعين؛ لأنه وجدت بعض فرق النصارى تقول أقوالا وتعتقد اعتقادات جعلت القسيسين يحكمون على هذه الفرق بالكفر والابتداع، كقولهم بأن الإله إلهان، أحدهما خالق الخير وثانيهما خالق الشر، وأن إله الشر هو الذي أعطى التوراة لموسى، وأن عيسى نزل إلى الجحيم وأخرج منها كل الأرواح الشريرة، وأبقى فيها أرواح الصالحين، وأن الذي كلم

ص: 173

موسى وخدع أنبياء اليهود هو الشيطان، وأن جميع أنبياء بني إسرائيل هم سُرّاق ولصوص، وهكذا أقوال أخرى لهذه الفرق المبتدعة، ولا شك أن النصارى ينكرون مثل هذه الأقوال والاعتقادات الكفرية ويقولون: إن أقوال هذه الفرق لا تقوم بها الحجة على سائر النصارى، فنقول لهم أيضا: إذا لم تتم أقوال هذه الفرق عليكم، فلا تتم أقوال بعض الفرق الإسلامية على جمهور أهل الإسلام، ولا تقوم بها الحجة، ولا سيما إذا كانت هذه الأقوال مخالفة لنصوص القرآن الكريم ولأقوال بعض الأئمة من آل البيت. ففي القرآن الكريم آيات كثيرة مصرحة بأن الصحابة لم يصدر عنهم شيء يوجب الكفر ويخرجهم عن الإيمان، منها:

1 -

قال الله تعالى في سورة التوبة آية 100: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 100]

بشر الله تعالى السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار برضوانه عليهم وبخلودهم في الجنات، ولا شك أن أبا بكر وعمر وعثمان وعليا رضي الله عنهم كانوا من السابقين الأولين، فثبت أنهم من المبشرين برضوان الله وجناته، وثبتت صحة خلافتهم، وكما أن قول الطاعن في حق عليّ= مردود، فكذلك قول الطاعن في حق الثلاثة مردود، ولا مجال للطعن فيهم ولا في غيرهم من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.

2 -

وقال الله تعالى في سورة التوبة آية 20-22: {الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ - يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ - خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [التوبة: 20 - 22]

ص: 174

فقال الله تعالى في حق المؤمنين المهاجرين المجاهدين في سبيله بأنهم أعظم درجة عند الله وأنهم فائزون، وبشرهم بالرحمة والرضوان وبالخلود الأبدي في الجنات، وأكد ذلك بأنه نعيم مقيم، ولا شك أن الخلفاء الأربعة من المؤمنين المهاجرين المجاهدين في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم، فثبت فوزهم وثبتت لهم البشرى، وثبتت صحة خلافتهم، ولا مجال للطعن فيهم ولا في غيرهم من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.

3 -

وقال الله تعالى في سورة التوبة آية 88-89: {لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ - أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 88 - 89]

فبشر الله تعالى الصحابة المؤمنين المجاهدين الذين كانوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم بأن لهم الخيرات وبالفلاح وبالخلود في الجنات، ولا شك أن الخلفاء الأربعة كانوا من المؤمنين المجاهدين مع الرسول صلى الله عليه وسلم، فثبت لهم الفلاح والخيرات والخلود في الجنات، وثبتت صحة خلافتهم، ولا مجال للطعن فيهم ولا في غيرهم من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.

4 -

وقال الله تعالى في سورة الحج آية 41: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج: 41]

فهذه أوصاف المهاجرين الذين أُخرجوا من ديارهم بغير حق المذكورين

ص: 175

في الآية (40) التي قبلها، فوصف الله تعالى المهاجرين بأنه إن مكنهم في الأرض وأعطاهم السلطة أتوا بالأمور الأربعة وهي: إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يشك أحد في أن الله تعالى قد مكن للخلفاء الأربعة في الأرض، وتوسعت رقعة الإسلام في عهدهم، فثبت كونهم آتين بالأمور الأربعة، وثبت كونهم على الحق وعلى الطريقة المرضية لله تعالى، هم وأتباعهم من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم.

5 -

وقال الله تعالى في سورة النور آية 55: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 55]

ولا شك أن المخاطبين في هذه الآية هم المؤمنون الموجودون في زمان نزولها، ولفظ الاستخلاف يدل على أن حصول ذلك الوعد يكون بعد الرسول صلى الله عليه وسلم، ومعلوم أنه خاتم الأنبياء ولا نبي بعده، فالمراد بهذا الاستخلاف إذن الأئمة والخلفاء بعد الرسول صلى الله عليه وسلم، وجميع الضمائر الراجعة إليهم في الآية وقعت كلها على صيغة الجمع، والجمع الحقيقي لا يكون محمولا على أقل من ثلاثة، فثبت أن هؤلاء الأئمة والخلفاء الموعودين بهذا الوعد لا يكونون أقل من ثلاثة.

وقوله تعالى: {وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ} [النور: 55] وعد لهم بحصول الشوكة والقوة والنفاذ في العالم، ولا يشك أحد في حصول هذا الوعد للخلفاء الثلاثة أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم.

وقوله تعالى: {دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ} [النور: 55] يدل على أن الدين الذي يظهر

ص: 176

وينتصر في عهدهم هو الدين المرضي لله تعالى.

وقوله تعالى: {وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا} [النور: 55] وعد بأنهم في عهد خلافتهم يكونون آمنين غير خائفين، ولا يشك أحد في حصول هذا الوعد للخلفاء الثلاثة في عهدهم رضي الله عنهم.

وقوله تعالى: {يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} [النور: 55] يدل على أنهم في عهد خلافتهم يكونون مؤمنين لا مشركين.

فدلت هذه الآية على صحة إمامة الخلفاء الأربعة رضي الله عنهم، ولا سيما في عهد الثلاثة منهم: أبي بكر الصديق وعمر الفاروق وعثمان ذي النورين رضي الله عنهم؛ لأن الفتوحات العظيمة والتمكين التام وظهور الدين والأمن الذي حصل في عهدهم لم يحصل مثله في عهد عليّ رضي الله عنه، فثبت أن ما يتفوه به الشيعة في حق الثلاثة وأتباعهم من سائر الصحابة رضي الله عنهم، وما يتفوه به الخوارج في حق عثمان وعلي رضي الله عنهما، باطل بنص القرآن الكريم، فلا يلتفت لأقوالهم ولا يحتج بها على جمهور أهل الإسلام.

6 -

وقال الله تعالى في سورة الفتح آية 26:

: {إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} [الفتح: 26] وقال الله تعالى في سورة الفتح أيضا آية 29: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} [الفتح: 29]

فقال الله تعالى في حق أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أنهم مؤمنون وشركاء للرسول في

ص: 177

نزول السكينة، وأنهم أحق بكلمة التقوى وأهلها وأنها لازمة لهم غير منفكّة عنهم، ومدحهم بأنهم أشداء على الكفار ورحماء بينهم، وبأنهم راكعون وساجدون ويبتغون فضل الله ورضوانه، ولا شك أن الخلفاء الأربعة كانوا من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فهم داخلون في هذا الوصف والمدح، ومن اعتقد في حقهم وحق أتباعه من الصحابة غير هذا فهو مخطئ، وعقيدته باطلة مخالفة لنص القرآن الكريم.

7 -

وقال الله تعالى في سورة الحجرات آية 7:

: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ} [الحجرات: 7]

ويُعلم من هذه الآية أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا محبي الإيمان وكارهي الكفر والفسوق والعصيان، وكانوا راشدين، فاعتقاد ضد هذه الأشياء في حقهم خطأ ومخالف لنص القرآن الكريم.

وقال الله تعالى في سورة الحشر آية 8-9: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ - وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 8 - 9]

فمدح الله تعالى المهاجرين بأن هجرتهم ما كانت لأجل الدنيا، بل كانت لأجل ابتغاء مرضاة الله، ولنصرة دين الله ورسوله، وأنهم كانوا صادقين قولا وفعلا، ومدح الله تعالى الأنصار بأنهم كانوا يحبون من هاجر إليهم، وأنهم كانوا

ص: 178

يسرون إذا حصل خير للمهاجرين، وكانوا يؤثرونهم ويقدمونهم على أنفسهم مع احتياجهم.

ولا شك أن مثل هذه الأوصاف تدل على كمال الإيمان، وقد شهد الله تعالى بصدقهم، وبما أنهم كانوا يقولون لأبي بكر رضي الله تعالى عنه:(يا خليفة رسول الله) ، فوجب أن يكونوا صادقين في هذا القول، ووجب الجزم بصحة إمامته وخلافته، ومن اعتقد في حقه أو حق المهاجرين والأنصار غير هذا فهو مخطئ، وعقيدته باطلة مخالفة لنص القرآن الكريم.

9 -

وقال الله تعالى في سورة آل عمران آية 110: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: 110]

فمدح الله تعالى أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بأنهم خير أمة، وأنهم كانوا يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وأنهم كانوا مؤمنين بالله، ولا شك أن الخلفاء الأربعة كانوا من هذه الأمة المحمودة، ومن يعتقد فيهم غير هذا فهو مخطئ ومخالف لصريح القرآن الكريم.

ص: 179

وفيما يلي بعض أقوال أئمة آل البيت: 1 - ورد في كتاب (نهج البلاغة) الذي هو كتاب مقبول عند الشيعة قول علي رضي الله عنه: " لله در فلان (وفي رواية: لله بلاء فلان) فلقد: 1- قوّم الأوَدَ (الاعوجاج) ، 2- وداوى العَمَدَ (العلة) ، 3- وأقام السنّة، 4- وخلّف البدعة (تركها) ، 5- ذهب نقيَّ الثوب، 6- قليل العيب، 7- أصاب خيرها، 8- وسبق شرها، 9- أدى إلى الله طاعته، 10- واتقاه بحقه ".

والمراد بفلان على مختار أكثر الشارحين (منهم الفقيه كمال الدين البحراني الشيعي المتوفى سنة 681هـ / 1282 م) أبو بكر الصديق رضي الله عنه، واختار بعض الشارحين أنه عمر الفاروق رضي الله عنه، فذكر علي رضي الله عنه عشرة أوصاف من أوصاف أبي بكر أو عمر رضي الله عنهما، ولما ثبتت هذه الأوصاف بعد مماتهما بإقرار علي رضي الله عنه، فما بقي شك في صحة الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ووقع في بعض مكاتيب علي رضي الله عنه قوله في حق أبي بكر وعمر رضي الله عنهما على ما نقله شارحو نهج البلاغة كما يلي: (لعمري إن مكانهما من الإسلام لعظيم؛ وإن المصاب بهما لجرح في الإسلام شديد، رحمهما الله وجزاهما الله بأحسن ما عملا) .

2 -

وورد في كتاب (كشف الغمة) الذي صنفه أحد معتمدي الشيعة الإمامية الاثني عشرية (علي بن عيسى الأردبيلي المتوفى سنة 692هـ / 1293 م) قوله: " سئل الإمام أبو جعفر (محمد الباقر) عليه السلام عن حلية السيف: هل يجوز؟ فقال: نعم؛ قد حلى أبو بكر الصديق سيفه. فقال الراوي: أتقول

ص: 180

هكذا؟! فوثب الإمام من مكانه فقال: نعم الصديق، نعم الصديق، نعم الصديق، فمن لم يقل له: الصديق، فلا صدّق الله قوله في الدنيا والآخرة ".

ونقل صاحب كتاب (الفصول المهمة) الذي هو من كبار علماء الشيعة الإمامية الاثني عشرية (محمد بن الحسن الحرّ العاملي) أن جماعة خاضوا في أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، فقال لهم أبو جعفر محمد الباقر: ألا تخبروني، أنتم من (المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله) ؟ قالوا: لا. قال: فأنتم من (الذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم) ؟ قالوا: لا. قال: أما أنتم فقد برئتم أن تكونوا أحد هذين الفريقين، وأنا أشهد أنكم لستم من الذين قال الله تعالى فيهم:{وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر: 10]

فثبت بإقرار أبي جعفر محمد الباقر رحمه الله تعالى أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه صديق حق، وأن منكره كاذب في الدنيا والآخرة، وأن الخائض في الصديق والفاروق وذي النورين رضي الله عنهم، خارج عن جماعة المسلمين الذين مدحهم الله تعالى: نجانا الله تعالى من سوء الاعتقاد في حق الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، وأماتنا على حبهم. آمين.

ص: 181