الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كذبت وبيت الله حلفة صادقٍ
…
سيسبكنا بعد الثوى من له الملك
ونرجع أجساماً صحاحاً سليمةً
…
تعارف في الفردوس ما بيننا شك
توفي سنة اثنتي عشرة وخمس مئة خارج الكرخ، بالجانب الغربي، رحمه الله.
محمد بن عثمان بن إبراهيم بن زرعة
ابن أبي زرعة بن إبراهيم أبو زرعة الثقفي مولاهم قاضي دمشق ومصر كان عفيفاً حسن المذهب شديد التوقف عن إنفاذ الحكم وكان جد جده إبراهيم يهودياً فأسلم.
قال أبو زرعة القاضي: عرض يحيى بن خالد القضاء على عبد الله بن وهب المصري فكتب إليه: إني لم أكتب العلم أريد أن أحشر به في زمرة القضاة، ولكني كتبت العلم أريد أن أحشر به في زمرة العلماء.
لما اتصل الخبر بأبي أحمد الموفق أن أحمد بن طولون خلعه بدمشق، أمر الموفق بلعن أحمد بن طولون على المنابر بالعراق، فلما بلغ ذلك أحمد بن طولون أمر بلعن الموفق على المنابر بالشام ومصر، فكان أبو زرعة محمد بن عثمان القاضي الدمشقي ممن خلع الموفق ولعنه، فوقف قائماً عند المنبر بدمشق يوم الجمعة حين خطب الإمام ولعن الموفق؛ فقال أبو زرعة محمد بن عثمان: نحن أهل الشام، نحن أصحاب صفين، وقد كان فينا من حضر الجمل، ونحن القائمون بمن عاند أهل الشام، وأنا أشهد الله وأشهدكم أني قد خلعت أبا أحمق يريد أبا أحمد كما يخلع الخاتم من الإصبع، فالعنوه لعنه الله.
ولما رجع أحمد بن الموفق من وقعة الطواحين إلى دمشق من الحرب الذي كان بينه وبين أبي الحسن بن طولون بعد موت أحمد بن طولون سنة إحدى وسبعين ومئتين، قال لأبي عبد الله أحمد بن محمد الواسطي: انظر من انتهى إليك ممن كان يبغض دولتنا من أهل دمشق فليحمل إلى الحضرة؛ فحمل يزيد بن محمد بن عبد الصمد، وأبو
زرعة عبد الرحمن بن عمرو، وأبو زرعة محمد بن عثمان القاضي، حتى صاروا بهم إلى أنطاكية مقيدين محمولين إلى بغداد، فبينا أحمد بن الموفق وهو المعتضد يسير يوماً إذ نظر إلى محامل الشاميين، وهم المحمولون يزيد بن عبد الصمد وأصحابه فالتفت إلى أبي عبد الله الواسطي فقال: من هؤلاء؟ قال: هؤلاء أهل دمشق؛ فقال: وفي الأحياء هم؟ إذا نزلت فأذكرني بهم.
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو: فلما نزل أحمد بن الموفق أحضر أبا عبد الله الواسطي وأحضرنا بعد أن فكت قيودنا، فأوقفنا بين يديه ونحن مذعورون، فقال: أيكم القائل: قد نزعت أبا أحمق يعني أبا أحمد من هذا الأمر كنزعي لخاتمي من إصبعي؟ قال: فربت ألسنتنا في أفواهنا حتى خيل لنا أننا مقتولون. قال أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو: أما أنا فأبلست، وأما يزيد بن عبد الصمد فخرس، وكان تمتاماً؛ وكان أبو زرعة محمد بن عثمان أحدثنا سناً فتكلم فقال: أصلح الله الأمير؛ فالتفت إليه أبو عبد الله الواسطي فقال: أمسك حتى يتكلم أكبر منك سناً؛ ثم عطف إلينا فقال: ماذا عندكم؟ فقلنا: هذا رجل متكلم يتكلم عنا؛ فقال: تكلم؛ فقال: أصلح الله الأمير، والله ما فينا هاشمي صريح ولا قرشي صحيح ولا عربي فصيح، ولكنا قوم ملكنا يعني قهرنا وروى أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في السمع والطاعة في المنشط والمكره، ثم روى أحاديث في العفو والإحسان، وكان هو المتكلم بالكلمة التي كنا نطالب بجرتها؛ قال: أصلح الله الأمير إني أشهدك أن نسائي طوالق، وعبيدي أحرار ومالي علي حرام إن كان في هؤلاء القوم أحدٌ قال هذه الكلمة، ووراءنا حرمٌ وعيال، وقد تسامع الناس بهلاكنا، وقد قدرت، وإنما العفو بعد المقدرة؛ فالتفت المعتضد إلى الواسطي فقال: يا أبا عبد الله أطلقهم لا كثر الله في الناس مثلهم.
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو: فأطلقنا قال: فاشتغلت أنا ويزيد بن عبد الصمد عند عثمان بن حرزاد في
ترهة أنطاكية وطينها وحماماتها، وسبق أبو زرعة محمد بن عثمان إلى حمص، ورحلنا نحن من أنطاكية نريد حمص، فهو خارجٌ من بلد ونحن نازلون حتى ورد دمشق قبلنا بأيام كثيرة.
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو: فنعينا على أبي زرعة محمد بن عثمان ونعي عليه أهل دمشق فوضعوا عليه كتاباً وذكروا له مثالب وأن أباه كان مجنوناً، وقد كان خرج إلى مصر إلى أبي الجيش يخبره بالسلامة، فدفع أبو الجيش إليه كتاب أهل دمشق بمثالبه؛ فقال: أعز الله الأمير، ما هذا الكتاب بصحيحٍ عن أهل بلدي وإنه لمختلق؛ وذكر دمشق وأهلها بجميل فكتب له بولاية القضاء على دمشق، ورجع أبو زرعة محمد بن عثمان إلى دمشق ووضع يده يشتفي من كل من تكلم فيه من شيوخهم حتى أفضى به الأمر إلى شيخين يعرف أحدهما بابن إياد والآخر بابن نجيح وكانا يلبسان الطويلة فمدا في خضراء دمشق وضربا بالدرة.
قال أبو زرعة محمد بن عثمان القاضي: لما حملنا ابن سليمان إلى العراق قال لي الوزير: ألست من أهل الشام؟ ما ذنبك؟ قلت: ذنبي ما قال أيوب السختياني؛ قال: وما قال أيوب؟ قلت: قال: من أحب أبا بكر الصديق فقد أقام الدين، ومن أحب عمر بن الخطاب فقد أوضح السبيل، ومن أحب عثمان بن عفان فقد استنار بنور الله، ومن أحب علي بن أبي طالب فقد استمسك بالعروة الوثقى، ومن أحسن القول في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد برئ من النفاق؛ قال: فأعجبه ذلك.
توفي أبو زرعة محمد بن عثمان سنة اثنتين وثلاث مئة، وقيل: سنة ثلاث وثلاث مئة. وقيل: سنة إحدى وثلاث مئة.
وكان حافظاً للحديث وهو من موالي بني أمية وكان يرمي بالنصب.