الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أحمد بن محمد بن الحسين أبو حامد
حدث عن أبي بكر محمد بن الحسن بن أبي الذيال الأصبهاني بسنده عن أبي هريرة قال: لما مات أبو طالب ضرب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما أسرع ما وجدت فقدك يا عم.
أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال
ابن أسد بن إدريس بن عبد الله بن حيان بن عبد الله بن أنس بن عوف بن قاسط بن مازن بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل، أبو عبد الله الشيباني الإمام أصله من مرو، ومولده ببغداد ومنشؤه بها. أحد الأعلام من أئمة الإسلام.
حدث عن أبيه بسنده عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أخنع اسم عند الله عز وجل يوم القيامة رجل تسمى ملك الأملاك.
قال عبد الله: قال أبي: سألت أبا عمرو الشيباني عن أخنع اسم عند الله فقال: أوضع اسم عند الله عز وجل.
وأحمد بن حنبل من بني مازن بن ذهل بن شيبان بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار أخي مضر بن نزار.
وكان في ربيعة رجلان لم يكن في زمانهما مثلهما: لم يكن في زمان قتادة مثل قتادة، ولم يكن في زمان أحمد بن حنبل مثله. وهما جميعاً سدوسيان.
قال الخطيب: وقول من قال: إن أحمد من بني ذهل بن شيبان، غلط، إنما كان من بني شيبان بن ذهل بن ثعلبة، وذهل بن ثعلبة هذا هو عم ذهل بن شيبان. قال: حدثني من أثق به من
العلماء بالنسب قال: مازن بن ذهل بن ثعلبة الحصن، هو ابن عكابة بن صعب بن علي، ثم ساق النسب إلى ربيعة بن نزار، فإذا قيل الشيباني لم يفد المطلق من هذا إلا ولد شيبان بن ثعلبة الحصن، وإذا قلت الذهلي لم يفد مطلق هذا إلا ولد ذهل بن ثعلبة الحصن فينبغي أن يقال أحمد بن حنبل الذهلي. على الإطلاق.
كان أحمد إماماً في النقل وعلماً في الزهد والورع، وكان أعلم الناس بمذاهب الصحابة والتابعين. أصله مروزي، وقدمت به أمه بغداد ونو حمل وولدته بها.
قال يحيى بن معين: ما رأيت خيراً من أحمد بن حنبل قط، ما افتخر علينا قط بالعربية ولا ذكرها.
وقال: ما سمعت أحمد بن حنبل يقول: أنا من العرب قط.
قال محمد بن الفضل: وضع أحمد بن حنبل عندي نفقته، فكان يجيء في كل يوم فيأخذ منه حاجته، فقلت له يوماً: يا أبا عبد الله بلغني أنك من العرب فقال: يا أبا النعمان، نحن قوم مساكين، فلم يزل يدافعني حتى خرج ولم يقل لي شيئاً.
ولد أحمد بن حنبل في سنة أربع وستين ومئة في ربيع الأول، وطلب الحديث في سنة تسع وسبعين وهو ابن ست عشرة.
ومات في رجب يوم الجمعة سنة إحدى وأربعين ومئتين وسنه سبع وسبعون سنة وكان رجلاً حسن الوجه، ربعة من الرجال، يخضب بالحناء خضاباً ليس بالقاني، في لحيته شعرات سود، وكانت ثيابه غلاظاً إلا أنها بيض، وكان يعتم وعليه إزار.
وقيل: كان شيخاً مخضوباً طوالاً أسمر شديد السمرة. رحمه الله.
وجده حنبل بن هلال ولي سرخس، وكان من أبناء الدعوة.
كان أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل ثقة، ثبتاً، صدوقاً، كثير الحديث، وقد كان
امتحن، وضرب بالسياط. أمر بضربه أبو إسحاق أمير المؤمنين على أن يقول القرآن مخلوق فأبى أن يقول، وقد كان حبس قبل ذلك قفثبت على قوله ولم يجبهم إلى شيء، ثم دعي ليخرج إلى الخليفة المتوكل ثم أعطي مالاً فأبى أن يقبل ذلك المال.
قال أبو بكر الخطيب: أحمد بن محمد بن حنبل إمام المحدثين، الناصر للدين، والمناضل عن السنة، والصابر في المحنة، نشأ ببغداد، ورحل إلى الكوفة، والبصرة، ومكة، والمدينة، واليمن، والشام والجزيرة.
قال أحمد: حججت خمس حجج منها ثلاث راجلاً أنفقت في إحدى هذه الحجج ثلاثين درهماً. قال: وخرجت إلى الكوفة فكنت في بيت تحت رأسي لبنة.
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: قلت لأبي: ما لك لم ترحل إلى جرير بن عبد الحميد كما رحل أصحابك لعلك كرهته؟ فقال: والله، يا بني، ما كرهته وبودي أني رحلت إليه إنه كان إماماً في الرواية. قلت: فما كان السبب؟ فقال: لو كان معي ثلاثون درهماً لرحلت، فقلت: ثلاثون درهماً؟! فقال: لقد حججت في أقل من ثلاثين.
قال حرملة: سمعت الشافعي يقول: خرجت من العراق فما خلفت بالعراق رجلاً أفضل ولا أعلم ولا أتقى من أحمد بن حنبل.
قال البيهقي:
إنما قال هذا إمامنا أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي عن تجربة ومعرفة منه بحال أبي عبد الله. رحمهم الله.
قال أبو إبراهيم المزني: قال الشافعي: لما دخلت على هارون الرشيد قلت له بعد المخاطبة: إني خلفت اليمن ضائعة تحتاج إلى
حاكم قال: فانظر رجلاً ممن يجلس إليك حتى نوليه قضاءها، فلما رجع الشافعي إلى مجلسه ورأى أحمد بن حنبل من أمثلهم أقبل عليه فقال: إني كلمت أمير المؤمنين أن يولي قاضياً باليمن وإنه أمرني أن أختار رجلاً ممن يختلف إلي، وإني قد اخترتك، فتهيأ حتى أدخلك على أمير المؤمنين يوليك قضاء اليمن، فأقبل عليه أحمد بن حنبل وقال: إنما جئت إليك أقتبس منك العلم تأمرني أن أدخل لهم في القضء ووبخه، فاستحيا الشافعي.
قال عبد الله بن أحمد بن شبويه: سمعت قتيبة يقول: لولا الثوري لمات الورع، ولولا أحمد بن حنبل لأحدثوا في الدين. قلت لقتيبة: تضم أحمد بن حنبل إلى أحد التابعين فقال: إلى كبار التابعين.
وقال قتيبة: لو أدرك أحمد بن حنبل عصر الثوري ومالك والأوزاعي والليث بن سعد لكان هو المقدم.
وقال قتيبة: أحمد بن حنبل إمام الدنيا.
وقال قتيبة بن سعيد: لا يضم إلى أحمد بن حنبل أحد، ولولا أحمد لمات الورع، ما أعظم منة أحمد بن حنبل على جميع المسلمين.
وقال: حق كل مسلم أن يستغفر له.
وكان قتيبة يقول: يموت أحمد بن حنبل فتظهر البدع، ومات الشافعي فماتت السنن، ومات سفيان الثوري فمات الورع.
قال إسحاق بن إبراهيم الحنظلي: أحمد بن حنبل حجة بين الله وبين عبيده في أرضه.
قال إسحاق بن راهويه: قال لي أحمد بن حنبل: تعال حتى أريك رجلاً لم تر مثله، فذهب بي إلى الشافعي.
قال إسحاق: وما رأى الشافعي مثل أحمد بن حنبل.
قال إسحاق: ولولا أحمد بن حنبل وبذل نفسه لما بذلها له لذهب الإسلام.
قال علي بن المديني: إن الله أعز هذا الدين برجلين ليس لهما ثالث: أبو بكر الصديق يوم الردة وأحمد بن حنبل يوم المحنة.
قال الميموني: قال لي علي بن المديني: يا ميموني، ما قام أحد في الإسلام ما قام به أحمد بن حنبل، فتعجبت من هذا عجباً شديداً، وأبو بكر الصديق رضي الله عنه قد قام في الردة وأمر الإسلام ما قام به. قال الميموني: فأتيت أبا عبيد القاسم بن سلام فتعجبت إليه من قول علي! فقال لي أبو عبيد مجيباً: إذاً يخصمك، قلت: بأي شيء يا أبا عبيد؟ وذكرت له أمر أبي بكر قال: إن أبا بكر رضي اعنه وجد أنصاراً وأعواناً وإن أحمد بن حنبل لم يجد ناصراً. وأقبل أبو عبيد يطري أبا عبد الله، ويقول: لست أعلم في الإسلام مثله.
قال أحمد بن القاسم بن مساور: كنا عند يحيى بن معين وعنده مصعب الزبيري فذكر رجلٌ أحمد بن حنبل فأطراه وزاد، فقال له رجل:" يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم "، فقال يحيى بن معين: كأن مدح أبي عبد الله غلو في الدين!! ذكر أبي عبد الله من محاسن الذكر، وصاح يحيى بالرجل.
قال الحارث بن العباس: قلت لأبي مسهر: هل تعرف أحداً يحفظ على هذه الأمة دينها؟ قال: لا أعلمه إلا شاب في ناحية المشرق. يعني أحمد بن حنبل.
وقال الهيثم بن جميل: أحب هذا الفتى - يعني: أحمد بن حنبل - إن عاش سيكون حجة على زمانه.
سئل بشر بن الحارث عن أحمد بن حنبل بعد المحنة قال: ابن حنبل أدخل الكير فخرج ذهبه أحمر.
كان سعيد يقول: قلت لبشر بن الحارث: ألا صنعت كما صنع أحمد بن حنبل؟ فقال: تريد مني مرتبة النبيين؟ لا يقوى بدني على هذا. حفظ الله أحمد من بين يديه ومن خلفه ومن فوقه ومن أسفل منه وعن يمينه وعن شماله.
قال علي بن شعيب: كان أحمد بن حنبل الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم: كائن في أمتي ما كان في بني إسرائيل، حتى إن المنشار ليوضع على فرق رأسه، ما يصرفه ذلك عن دينه. ولولا أحمد بن حنبل قام بهذا الشأن لكان عاراً علينا إلى يوم القيامة أن قوماً سبكوا فلم يخرج منهم أحد.
قال إبراهيم بن منه السمرقندي: سألت أبا محمد عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي عن أحمد بن حنبل قلت: هو إمام؟ قال: إي والله، وكما يكون الإمام. إن أحمد بن حنبل أخذ بقلوب الناس، إن أحمد صبر على الفقر سبعين سنة.
وقال إسماعيل بن خليل: لو كان أحمد في بني إسرائيل لكان آية. وفي رواية: لكان عجباً.
قال حجاج بن الشاعر:
ما رأت عيناي روحاً في جسد أفضل من أحمد بن حنبل. رحمه الله.
قال أبو عمير بن النحاس عيسى بن محمد بن عيسى وذكر عنده أحمد بن حنبل فقال: رحمه الله. عن الدنيا ما كان أصبره، وبالماضين ما كان أشبهه، وبالصالحين ما كان ألحقه. عرضت له الدنيا فأباها، والبدع فنفاها.
قال أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني: كانت مجالسة أحمد بن حنبل مجالسة الآخرة، لا يذكر فيها شيء من أمر الدنيا. ما رأيت أحمد بن حنبل ذكر الدنيا قط.
وقال أبو داود: لقيت مئتين من مشايخ العلم فما رأيت مثل أحمد بن حنبل، لم يكن يخوض في شيء مما يخوض فيه الناس من أمر الدنيا، فإذا ذكر العلم تكلم.
كان أبو زرعة يقول: ما رأت عيني مثل أحمد بن حنبل فقيل له: في العلم؟ فقال: في العلم، والزهد، والفقه، والمعرفة، وكل خير. ما رأيت عيني مثله.
قال أبو حاتم: إذا رأيتم الرجل يحب أحمد بن حنبل فأعلموا أنه صاحب سنة.
وقال أبو جعفر محمد بن هارون: إذا رأيت الرجل يقع في أحمد بن حنبل فاعلم أنه مبتدع.
قال إسحاق بن إبراهيم: كنت ألتقي بالعراق مع يحيى بن معين وخلف وأصحابنا وكنا نتذاكر بالحديث من طريقين وثلاثة، ثم يقول يحيى بن معين: وطريق كذا وطريق كذا، فأقول لهم: أليس قد صح بإجماع؟ فيقولون: نعم، فأقول: ما تفسيره؟ ما مراده، ما فقهه فيبقون كلهم إلا أحمد بن حنبل فإنه يتكلم بكلام له قوي.
قال أبو زرعة الرازي: كان أحمد بن حنبل يحفظ ألف ألف حديث فقيل له: وما يدريك؟ قال: ذاكرته فأخذت عليه الأبواب.
حدث عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه وذكر الشافعي رحمهم الله عنده فقال: ما استفاد منا أكثر مما استفدناه منه. قال عبد الله: كل شيء في كتاب الشافعي: أخبرنا الثقة، فهو عن أبي.
قال أحمد بن حنبل رحمه الله: ضللت الطريق في حجة، وكنت ماشياً فجعلت أقول: يا عباد الله، دلوني على الطريق. قال: فلم أزل أقول ذلك حتى وقفت على الطريق، أو كما قال.
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: كنت جالساً عند أبي رحمه الله يوماً فنظر إلى رجلي وهما لينتان ليس فيهما شقاق فقال لي: ما هذه الرجلان لم لا تمشي حافياً حتى تصير رجلاك خشنتين؟ قال: وخرج إلى طرسوس ماشياً على قدميه.
قال عبد الله: وكان أبي أصبر الناس على الوحدة لم يره أحد إلا في مسجد، أو حضور جنازة، أو عيادة مريض. وكان يكره المشي في الأسواق.
قال علي بن محمد بن بدر: صليت الجمعة فإذا أحمد بن حنبل بقربٍ مني، فقام سائل يسأل، فأعطاه أحمد قطعة. فلما فرغوا من الصلاة قام رجل إلى ذلك السائل فقال: أعطني تلك القطعة فأبى قال: أعطني وأعطيك درهماًن فلم يفعل فما زال يزيده حتى بلغ خمسين درهماً، فقال: لا أفعل فإني لأرجو من بركة هذه القطعة ما ترجوه أنت.
قال علي بن أبي فزارة: حدثتني أمي وأفلجت واقعدت من رجليها دهراً فقالت لي يوماً: يا بني لو أتيت أحمد بن حنبل فسألته أن يدعو الله لي. قال: فعبرت إلى أحمد فدققت عليه الباب وكان في الدهليز فقال: من هذا؟ قلت له: يا أبا عبد الله رجل من إخوانك، قال: وما حاجتك؟ قلت: إن إمي مريضة قد أقعدت من رجليها وهي تسألك أن تدعو الله لها قال: فجعل يقول: يا هذا فمن يدعو لنا نحن؟ يا هذا من يدعو لنا نحن؟ قال ذلك مراراً، فكأني استحييت فمضيت، وقلت: سلام عليكم،
فخرجت عجوز من منزله فقالت: إني قد رأيته يحرك شفتيه بشيء، وأرجو أن يكون يدعو الله لك. قال: فرجعت إلى أمي فدققت الباب فقالت: من هذا؟ فقلت: أنا علي، فقامت إلي ففتحت الباب فقلت: لا إله إلا الله إيش القصة؟ فقالت: لا أدري إلا أني قد قمت على رجلي، فتعجبت من ذلك، وحمدت الله عز وجل. قال: وذلك مسافة الطريق.
قال عبد الله بن أحمد: كان أبي يصلي في كل يوم وليلة ثلاث مئة ركعة. فلما مرض من تلك الأسواط أضعفته، فكان يصلي في كل يوم وليلة مئة وخمسين ركعة، وقد كان قرب من الثمانين. وكان يقرأ في كل يوم سبعاً يختم في كل سبعة أيام، وكانت له ختمة في كل سبع ليال سوى صلاة النهار، وكان ساعة يصلي العشاء الآخرة ينام نومةً خفيفة، ثم يقوم إلى الصباح، يصلي ويدعو.
قال عبد الله بن أحمد:
مكث أبي بالعسكر عند الخليفة ستة عشر يوماً وما ذاق شيئاً إلا مقدار ربع سويق. كل ليلة كان يشرب شربة ماء، وفي كل ثلاث ليال يستف حفنة من السويق، فرجع إلى البيت ولم ترجع إليه نفسه إلا بعد ستة أشهر. ورأيت موقيه قد دخلا في حدقتيه.
قال سليمان بن داود: حضرت أحمد بن حنبل باليمن وقد رهن سطلاً عند فامي، فجاء ليفتكه فأخرج إليه سطلين وقال: خذ أيهما سطلك؟ قال: لا أدري فلم يأخذه وترك الفكاك عليه. قال سليمان: فقلت للفامي أخرجت سطلين إلى رجل من أهل الورع والسطول تتشابه حتى شك فيه؟ فقال: والله إنه لسطله بعينه. قال: فسمعت أحمد بن حنبل يقول له: أنت في حلٍ منه ومن الفكاك.
قال حمدان بن سنان الواسطي: قدم علينا أحمد بن حنبل ومعه جماعة قال: فنفدت نفقاتهم. قال: فبررتهم فأخذوا، وجاءني أحمد بن حنبل بفروة فقال: قل لمن يبيع هذه فيجيئني بثمنها فأتسع به. قال:
فأخذت صرة دراهم فمضيت بها إليه فردها. قال: فقالت امرأتي: هذا رجل صالح لعله لم يرضها فأضعفها، قال: فأضعفتها فلم يقبل، فأخذ الفروة مني وخرج.
قال أحمد بن محمد القشيري: ذكروا أنه أتى على أحمد بن حنبل ثلاثة أيام ما كان طعم فيها، فبعث إلى صديق له فاستقرض شيئاً من الدقيق، فعرفوا في البيت شدة حاجته إلى الطعام فخبزوا بالعجلة. فلما وضع بين يديه قال: كيف عملتم، خبزتم بسرعة؟ فقيل له: كان التنور في دار صالح ابنه مسجراً وخبزنا بالعجلة، فقال: ارفعوا ولم يأكل وأمر بسد بابه إلى دار صالح.
قال علي بن الجهم بن بدر: كان لنا جار، فأخرج إلينا كتاباً فقال: أتعرفون هذا الخط؟ قلنا: نعم، هذا خط أحمد بن حنبل، فقلنا له: كيف كتب ذلك؟ قال: كنا بمكة مقيمين عند سفيان بن عيينة ففقدنا أحمد بن حنبل أياماً لم نره، ثم جئنا إليه لنسأل عنه، فقال لنا أهل الدار التي هو فيها: هو في ذلك البيت، فجئنا إليه والباب مردود عليه، وإذا عليه خلقان، فقلنا له، يا أبا عبد الله، ما خبرك لم نرك منذ أيام؟! فقال: سرقت ثيابي، فقلت له: معي دنانير فإن شئت خذ قرضاً، وإن شئت صلة. فأبى أن يفعل، فقلت: تكتب لي بأجرة؟ قال: نعم. فأخرجت ديناراً فأبى أن يأخذه، وقال لي: اشتر لي ثوباً واقطعه بنصفين، فأومأ أنه يأتزر بنصف، ويرتدي النصف الآخر، وقال: جئني ببقيته، ففعلت وجئت بورق، فكتب لي. فهذا خطه رحمه الله.
قال رجاء بن السندي: قلت لأحمد بن حنبل وقد عقد شراك نعله شبه التصليب: يا أبا عبد الله، إن هذا يكره! قال: فدعا بسكين فقطعه، وما قال لي كيف ولا لم؟! وسئل أحمد بن حنبل عن التوكل. فقال: قطع الاستشراف بالإياس من الخلق. قيل له: فما الحجة فيه؟ قال: قول إبراهيم عليه السلام لما وضع في المنجنيق ثم
طرح في النار، اعترض له جبريل عليه السلام فقال: هل من حاجة؟ فقال: أما إليك فلا، قال: فسل من لك إليه الحاجة. فقال: أحب الأمرين إلي أحبهما إليه.
وقال أحمد بن حنبل: إن لكل شيء كرماً، وكرم القلوب الرضا عن الله عز وجل.
كان أبو إبراهيم المزني يقول: أحمد بن حنبل أبو بكر يوم الردة، وعمر يوم السقيفة، وعثمان يوم الدار، وعلي يوم صفين.
قال الربيع: إن الشافعي خرج إلى مصر وأنا معه فقال لي: يا ربيع، خذ كتابي هذا وامض به، وسلمه إلى أبي عبد الله أحمد بن حنبل، وائتني بالجواب. قال الربيع: فدخلت بغداد، ومعي الكتاب، فلقيت أحمد بن حنبل صلاة الصبح، فصليت معه الفجر. فلما انفتل من المحراب سلمت إليه الكتاب وقلت له: هذا كتاب أخيك الشافعي من مصر، فقال أحمد: نظرت فيه؟ قلت: لا، فكسر أبو عبد الله الختم، وقرأ الكتاب، فتغرغرت عيناه بالدموع فقلت: إيش فيه يا أبا عبد الله؟! قال: يذكر أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فقال له: اكتب إلى أبي عبد الله أحمد بن حنبل واقرأ عليه مني السلام وقل: إنك ستمتحن وتدعى إلى خلق القرآن فلا تجبهم، فسيرفع الله لك علماً إلى يوم القيامة. قال الربيع: فقلت: البشارة، فخلع أحد قميصيه الذي يلي جلده ودفعه إلي فأخذته، وخرجت إلى مصر، وأخذت جواب الكتاب، فسلمته إلى الشافعي، فقال لي الشافعي: يا ربيع، إيش الذي دفع إليك؟ قلت: القميص الذي يلي جلده. قال الشافعي: ليس نفجعك به ولكن بله وادفع إلي الماء لأتبرك به. وفي رواية: حتى أشركك فيه.
قال أبو جعفر الأنصاري:
لما حمل أحمد بن حنبل يراد به المأمون، اجتزت فعبرت الفرات إليه، فإذا هو في الخان، فسلمت عليه فقال: يا أبا جعفر تعنيت! فقلت: ليس هذا عناء. قال: فقلت له: يا هذا أنت اليوم رأس والناس يقتدون بك، فوالله إن أجبت إلى خلق
القرآن ليجيبن بإجابتك خلق من خلق الله، وإن أنت لم تجب ليمتنعن خلق من الناس كثير. ومع هذا فإن الرجل إن لم يقتلك، فإنك تموت، ولابد من الموت، فاتق الله ولا تجبهم إلى شيء، فجعل أحمد يبكي وهو يقول: ما شاء الله، ما شاء الله. قال: ثم قال لي أحمد: يا أبا جعفر، أعد علي ما قلت. قال: فأعدت عليه. قال: فجعل يقول ما شاء الله، ما شاء الله.
قال أبو بكر الشهرزوري: رأيت أبا ذر بسهرورد، وقد قدم مع واليها وكان مقطعاً بالبرص. يعني: وكان ممن ضرب أحمد بن حنبل بين يدي المعتصم. قال: دعينا في تلك الليلة ونحن خمسون ومئة جلاد فلما أمرنا بضربه كنا نغدو حتى نضربه، ثم نمر، ثم يجيء الآخر على أثره، ثم يضرب.
قال أبو بكر النجاحي: لما كان في تلك الغداة التي ضرب فيها أحمد بن حنبل زلزلنا ونحن بعبادان.
قال محمد الحنفي: كنت في الدار وقت أدخل أحمد بن حنبل وعشرة من العلماء. فلما أن مد أحمد ليضرب بالسوط دنا منه رجل وقال له: يا أبا عبد الله، أنا رسول خالد الحدد من الحبس، يقول لك: اثبت على ما أنت عليه، وإياك أن تجزع من الضرب، واصبر فإني قد ضربت ألف حد في الشيطان، وأنت تضرب في الله عز وجل.
قال سلمة بن شبيب: كنا عند أحمد بن حنبل إذ جاءه شيخ معه عكازه فسلم وجلس فقال: من منكم أحمد؟ قال أحمد: أنا، ما حاجتك؟ قال ضربت إليك من أربع مئة فرسخ، أريت الخضر عليه السلام في المنام قال لي: قم فصر إلى أحمد بن حنبل وسل عنه وقل له: إن ساكن العرش والملائكة راضون عنك بما صبرت نفسك.
حدث أبو بكر المروزي بطرسوس قال: رأيت أحمد بن حنبل في المنام، وعليه ثوبان مصقولان، وعلى رأسه تاج له ثمانية
أركان، في كل ركن منه ياقوتة تضيء، وكذا في رجليه نعل من لؤلؤ رطب شراكها من زبرجد أخضر، فقلت: يا أحمد، بماذا نلت ذا من ربك؟ قال: بقولي: القرآن كلام الله وليس بمخلوق.
قال هلال بن العلاء الرقي: من الله على هذه الأمة بأربعة في زمانهم: بأحمد بن حنبل ثبت في المحنة، ولولا ذلك لكفر الناس، وبالشافعي تفقه بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبيحيى بن معين نفى الكذب عن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبأبي عبيد القاسم بن سلام فسر الغريب من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ولولا ذلك لاقتحم الناس في الخطاء.
قال صالح بن أحمد بن حنبل: قلت لأبي يوماً: إن فضلاً الأنماطي جاء إليه رجل فقال: اجعلني في حلٍ قال: لا جعلت أحداً في حل أبداً، قال: فتبسم، فلما مضت أيام قال: يا بني، مررت بهذه الآية " فمن عفا وأصلح فأجره على الله " فنظرت في تفسيرها فإذا هو إذا كان يوم القيامة قام منادٍ فنادى: لا يقوم إلا من كان أجره على الله فلا يقوم إلا من عفا، فجعلت الميت في حلٍ من ضربه إياي، ثم جعل يقول: وما على رجل ألا يعذب الله أحداً بسببه.
قال أبو عيسى عبد الرحم بن زاذان: كنت في المدينة بباب خراسان وقد صلينا، ونحن قعود، وأحمد بن حنبل حاضر، فسمعته وهو يقول: اللهم من كان على هوىً أو على رأيٍ وهو يظن أنه على الحق فرده إلى الحق حتى لا يضل من هذه الأمة أحد، اللهم لا تشغل قلوبنا بما تكفلت لنا به، ولا تجعلنا في رزقك خولاً لغيرك، ولا تمنعنا خير ما عندك بشر ما عندنا، ولا ترانا حيث نهيتنا ولا تفقدنا من حيث أمرتنا، أعزنا ولا تذلنا، أعزنا بالطاعة، ولا تذلنا بالمعاصي. وجاء إليه رجلٌ فقال له شيئاً لم أفهمه، فقال له: اصبر، فإن النصر مع الصبر، والفرج مع الكرب، وإن مع العسر يسراً، إن مع العسر يسراً.
قال أبو حاتم الرازي: قلت لأحمد بن حنبل: كيف نجوت من سيف الواثق؟ وعصا المعتصم؟ فقال لي: يا أبا حاتم، لو وضع الصدق على جرح برأ.
كان أحمد بن إبراهيم يقول: من سمعتموه يذكر أحمد بن حنبل بسوء فاتهموه على الإسلام.
قال أبو الحسن الطرخاباذي: أحمد بن حنبل محنة به يعرف المسلم من الزنديق.
قال سفيان بن وكيع: أحمد بن حنبل محنة، من عاب أحمد فهو فاسق.
قال محمد بن فضيل البلخي:
كنت أتناول أحمد بن حنبل. قال: فوجدت في لساني ألماً، فاغتممت، ثم وضعت رأسي فنمت، فأتاني آت فقال: هذا الذي وجدت في لسانك بتناولك الرجل الصالح. قال: فانتبهت فجعلت أستغفر الله وأقول: لا أعود إلى شيء من هذا. قال: فذهب ذلك الألم.
قال صالح بن أحمد: حضرت أبي الوفاة فجلست عنده وبيدي الخرقة لأشد بها لحييه، فجعل يعرق ثم يفيق، ويفتح عينيه ويقول بيده هكذا. لا، بعد، لا، بعد. ثلاث مرات، فقلت له: يا أبه، إيش هذا الذي قد لهجت به في هذا الوقت؟ قال: يا بني، ما تدري! قلت: لا. قال: إبليس لعنه الله قائماً بحذائي عاضاً على أنامله يقول لي: يا أحمد، فتني، فأقول: لا، حتى أموت.
قال عبد الله بن أحمد: لما مرض أبي، واشتد مرضه ما أن، فقيل له في ذلك، فقال: بلغني عن طاوس أنه
قال: أنين المريض شكوى لله. قال عبد الله: فما أن حتى مات. قال: فلما كان قريب موته بيوم أخرج من جيبه صريرة فيها مقدار درهمين فضة فقال: كفروا عني كفارة يمين واحدة، فإني أظن أني حنثت في دهري في يمين واحدة.
قال بيان بن حمد بن أبي خالد القصباني: حضرت الصلاة على جنازة أحمد بن حنبل يوم الجمعة سنة إحدى وأربعين ومئتين، وكان الإمام عليه محمد بن عبد الله بن طاهر، فأخرجت جنازة أحمد فوضعت في صحراء أبي قيراط وكان الناس خلفه إلى عمارة سوق الرقيق. فلما انقضت الصلاة قال محمد بن عبد الله بن طاهر: انظروا كم صلى عليه ورائي قال: فنظرا، فكانوا ثمان مئة ألف رجل وستين ألف امرأة، ونظروا من صلى في مسجد الرصافة للعصر فكانوا نيفاً وعشرين ألف رجل.
قال مجمع بن مسلم: كان لنا جار قتل بقزوين. فلما كان الليلة التي مات فيها أحمد بن حنبل خرج إلينا أخوه في صبيحتها فقال: إني رأيت رؤيا عجيبة: رأيت أخي الليلة في أحسن صورة راكباً على فرس. فقلت له: يا أخي، ألي قد قتلت فما حاجتك؟ قال: إن الله عز وجل أمر الشهداء وأهل السماوات أن يحضروا جنازة أحمد بن حنبل، فكنت فيمن أمر بالحضور فأرخنا تلك الليلة فإذا أحمد بن حنبل مات فيها.
قال إبراهيم بن جعفر المروزي: رأيت أحمد بن حنبل في المنام يمشي مشيةً يختال فيها، فقلت: ما هذه المشية يا أبا عبد الله؟ فقال: هذه مشية الخدام في دار السلام.
قال فتح بن الحجاج: سمعت في ذلك الأمر محمد بن عبد الله بن طاهر أن الأمير بعث عشرين رجلاً فحرروا كم صلى على أحمد بن حنبل؛ قال: فحرروا فبلغ ألف ألف وثمانين ألفاً سوى من كان في السفن في الماء.
وقال في رواية أخرى: ألف ألف وثلاث مئة ألف سوى من كان في السفن.
قال الوركاني جار أحمد بن حنبل: وأسلم يوم مات أحمد بن حنبل عشرون ألفاً من اليهود والنصارى والمجوس. وقال: يوم مات أحمد بن حنبل وقع المأتم والنوح في أربعة أصناف من الناس: المسلمين واليهود والنصارى والمجوس.
قال أبو يوسف بن تحتان وكان من خيار المسلمين قال: لما مات أحمد بن حنبل رأى رجل في منامه كأن على كل قبر قنديلاً، فقال: ما هذا؟ فقيل له: أما علمت أنه نور لأهل القبور، قبورهم بنزول هذا الرجل بين أظهرهم، قد كان فيهم من يعذب فرحم.
قال أبو عبد الله محمد بن خزيمة الاسكندراني:
لما مات أحمد بن حنبل اغتممت غماً شديداًن فبت من ليلتي، فرأيته في المنام وهو يتبختر في مشيته، فقلت له: يا أبا عبد الله، أي مشية هذه؟ فقال: هذه مشية الخدام في دار السلام. فقلت له: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي، وتوجني وألبسني نعلين من ذهب، وقال لي: يا أحمد، هذا بقولك القرآن كلامي، ثم قال لي: يا أحمد، ادعني بتلك الدعوات التي بلغتك عن سفيان الثوري التي كنت تدعو بهن في دار الدنيا. قال: قلت: يا رب كل شيء بقدرتك على كل شيء. لا تسألني عن شيء، اغفر لي كل شيء، فقال لي: يا أحمد، هذه الجنة، قم ادخل إليها، فدخلت. فإذا أنا بسفيان الثوري وله جناحان أخضران يطير بهما من نخلة إلى نخلة وهو يقول: الحمد لله الذي أورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين. قال: فقلت: ما فعل عبد الوهاب الوراق؟ قال: تركته في بحرٍ من نور يزار به إلى الملك الغفور. قال: فقلت: ما فعل بشر؟ فقال لي: بخ بخ ومن مثل بشر؟ تركته بين يدي الجليل وبين يديه مائدة من الطعام، والجليل مقبل عليه، وهو يقول: كل يا من لم تأكل واشرب يا من لم تشرب وانعم يا من لم تنعم. أو كما قال.
قال بلال الخواص: كنت في تيه بني إسرائيل فإذا رجل يماشيني، فتعجبت، ثم ألهمت أنه الخضر عليه السلام، فقلت له: بحق الحق من أنت؟ فقال: أنا أخوك الخضر. قلت: أريد أن أسألك. قال: سل، قلت: ما تقول في الشافعي؟ فقال لي: هو من الأوتاد. قلت: فما تقول في أحمد بن حنبل؟ فقال رجل صديق. قلت: فما تقول في بشر بن الحارث؟ فقال: رجل لم يخلف بعده مثله. فقلت له: بأي وسيلة رأيتك؟ قال: ببرك أمك.
قال عبد الله بن حنين: قدم علينا رجل من أهل العراق يقال: إنه من أفاضلهم، فقال لي يوماً: رأيت رؤيا وقد احتجت أن تدلني على رجل حسن العبارة يعبر. قال: قل. فقال لي: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم كأنه في فضاءٍ من الأرض وعنده نفر، فقلت لبعضهم: من هذا؟ فقال لي: هذا محمد النبي صلى الله عليه وسلم. فقلت: وما تصنعون ها هنا؟ قال: ننتظر أمته أن يوافوه. فقلت في منامي: لأقعدن حتى أنظر ما يكون حال في أمته، فبينا أنا كذلك إذ اجتمع الناس وإذا مع كل رجل منهم قناة فظننت أنه يريد أن يبعث بعثاً. قال: فنظر صلى الله عليه وسلم فرأى قناة أطول من تلك القناة كلها. فقال: من صاحب القناة؟ قالوا: أحمد بن حنبل، فقال صلى الله عليه وسلم ائتوني به، قال: فجيء به، والقناة في يده فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم فهزها ثم ناوله إياها وقال له: اذهب فأنت أمير القوم، ثم قال للناس اتبعوه فإنه أميركم، واسمعوا له، وأطيعوا. قال عبد الله بن حنين: فقلت له: هذه رؤيا لا تحتاج إلى عبارة.
قال صدقة المقابري: كان في نفسي على أحمد بن حنبل. قال: فرأيت في النوم كأن النبي صلى الله عليه وسلم يمشي في طريق، وهو آخذ بيد أحمد بن حنبل وهما يمشيان على تؤدة ورفق، وأنا خلفهما أجهد نفسي أن ألحق بهما فما أقدر. فلما استيقظت ذهب ما كان في نفسي، ثم رأيت بعد كأني في الموسم وكأن الناس مجتمعون فنادى منادٍ: الصلاة جامعة، فاجتمع الناس، فنادى منادٍ: