الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فإن هذا مختصر لكتابي (كشف الغمة عن أدلة الحجاب في الكتاب والسنة بمناقشة رأي الشيخ الألباني وجلاء الحق للأمة) وقد راعيت فيه الاختصار مع الإبقاء للمسائل والفوائد والفرائد التي تم بسطها في الأصل في مناقشة البحوث التي حوت ما احتج به الشيخ الألباني- رحمه الله في مسألة الحجاب في كتابيه (الرد المفحم)
(1)
و (جلباب المرأة المسلمة) والتي أحدثت ضجة في المجتمعات الإسلامية بين مؤيد ومعارض، ولما كان للشيخ من مكانة علمية في الأمة الإسلامية كان ذلك داعيا إلى قبول رأيه من قبل البعض، وظهور حجته عند البعض الآخر لاستناده على بعض النصوص الصحيحة!! ولكن المتمحص في المسألة يجد أن هذه النصوص قد حُملت على غير محملها لأن هناك لَبس في المسألة وحقيقة غابت لغياب أحكامها وانقطاع أسبابها، وهي إنقطاع العبودية (ملك اليمين) فقد كان العبيد المملوكين الذين فرّق الشرع بينهم وبين الأحرار في بعض الأحكام الشرعية يمثلون جزء من المجتمع المسلم إلى أوائل القرن الماضي، ويعد وجوب الحجاب (تغطية الوجه) أحد الأحكام التي تختص بالحرية؛ فقد فرض الله
(1)
كتاب الرد المفحم: هو جمع علي حسن عبدالحميد تلميذ الشيخ الألباني وترتيبة نشره بعد وفاة الشيخ الألباني وهو من سمّاه.
الحجاب (تغطية الوجه) على المرأة الحرة عن الرجل الحر، فلم يُفرض على المرأة الحرة أن تحتجب من العبد المملوك، ولم يُفرض على المرأة المملوكة أن تغطي وجهها، وكان هذا داعيا للخلاف بين الفقهاء المتقدمين في مسألتين: جواز نظر (الأجنبي) العبد المملوك للوجه والكفين من المرأة الحرة، ومالذي يجب عند خوف الفتنة؛ أن يغض الرجل بصره أم تغطي المرأة وجهها. كان هذا مدار اختلاف الفقهاء المتقدمين في هذه المسألة وهو الذي أحدث اللبس عند المتأخرين ومنهم الشيخ الألباني الذي بنى رأيه في هذه المسألة على هذا الخلاف! أما وجوب ستر المرأة الحرة لوجهها عن الرجال الأحرار الأجانب فلا خلاف فيه بين من تقدم من أهل العلم بل الإجماع على وجوبه باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة، فقد افترض الله تغطية الوجه على جميع النساء الحرائر بقوله تعالى {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ}
صح عن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت (لما نزلت خرج نساء الأنصار كأن على رؤوسهن الغربان من الأكسية) وفي رواية (من أكسية سود يلبسنها)
(1)
وثبت عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال في تأويلها (أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب ويبدين عينا واحدة) وصح عن عبيدة السلماني أنه لما سُئل عن تأويلها (تقنع بردائه فغطى أنفه وعينه اليسرى وأخرج عينه اليمنى وأدنى رداءه من فوق حتى جعله قريبا من حاجبه أو على الحاجب). وهذا ماجرى عليه عمل النساء المسلمات الحرائر منذ
(1)
سنن أبي داود (4101) وصححه الألباني في صحيح أبي داود 4/ 61.
زمن الرسالة، قال الحافظ ابن حجر في الفتح (9/ 324):"ولم تزل عادة النساء قديماً وحديثاً يسترن وجوههن عن الأجانب" اهـ. وقد استمرت النساء المسلمات في مختلف العصور وفي جميع البلاد الإسلامية على ستر وجوههن عن الرجال الأجانب، إلى أن بدأ السفور في أوائل القرن الرابع عشر الهجري إثر الاستعمار الغربي، ففي أوائل القرن الثالث عشر الهجري (أواخر القرن الثامن عشر الميلادي ومطلع القرن التاسع عشر) فوجئت الممالك الإسلامية بطوفان من الاستعمار الغربي الذي أخذ يمتد من قطر إلى قطر، وما أن انتصف القرن التاسع عشر حتى أصبحت معظم الأمم المسلمة تحت سطوة المستعمر الغربي الأوربي، وفي هذه الفترة من الضعف والانهزامية أصبحت الأمم الإسلامية تحاكي أمم الغرب في الزي واللباس وسائر المظاهر الاجتماعية، وأصبح المنهزمون يستحيون من كل ما نظر إليه أعداء الإسلام بالتحقير والتعيير - ومن ذلك الحجاب والنقاب الذي نظر إليه الغرب بعين المقت والازدراء وصوره أقبح تصوير فيما كتب ونشر- ولو كان من الأمور الثابتة في الشرع، ومن هنا بدأت الدعوة إلى السفور ونزع الحجاب؛ حيث قام هؤلاء المنهزمون بحركة ما يسمى (تحرير المرأة) التي بدأوها في أوائل القرن الرابع عشر الهجري (أواخر القرن التاسع عشر الميلادي) لحمل المرأة المسلمة على اقتفاء آثار المرأة الأوربية واتباع المناهج الاجتماعية الرائجة بين أمم الغرب، ونشط دعاة السفور والانحلال في بث أفكارهم التي استقوها من البلاد الغربية الكافرة لمحاربة الحجاب ونزعه؛ فقام الملك "زوغو" في ألبانيا بنزع الحجاب عن وجوه المؤمنات وفرض السفور على نساء وطنه مسايرة للدول الأوروبية، وفي بلاد الأفغان قامت
"شاه خانم" ملكة الأفغان بخلع الحجاب بطلب من زوجها لتكون قدوة للأفغانيات، وفي بلاد المغرب بعد أن خرج الاستعمار الفرنسي ترك نخبة تكونت بفرنسا واستطاعت تلك النخبة المغتربة أن تؤكد أن تحرير المرأة المغربية هو نزعها للحجاب، وفي تركيا دعا إلى تحرير المرأة "أحمد فارس الشدياق" في صحيفته (الجوائب)،
وفي العراق اتفق "جميل الزهاوي" وصاحبه "الرصافي" على الهجوم على الدين والاستهزاء بتعاليمه فكانا أول داعيين إلى السفور فيها، وفي لبنان قامت المحاربة للحجاب والداعية إلى السفور "نظيرة زين الدين" صاحبة أول كتاب صدر في الشام وشرارة الإفساد الذي كان عنوانه (السفور والحجاب)، وفيمصر كانت الريادة في الدعوة إلى تحرير المرأة لـ " قاسم أمين" الذي رحل إلى فرنسا لإكمال تعليمه فانبهر بالحياة في أوروبا فخرج بكتابيه (تحرير المرأة) و (المرأة الجديدة)؛ فكانت أول امرأة مصرية أزالت الحجاب عن وجهها "هدى شعراوي" في القرن الماضي، وأول امرأة كشفت وجهها في بلاد الشام وكيلة مدرسة ثانوية، وبعد أن سرت تلك الأفكار الملوثة التي نشرها متزعموا الإفساد، كان من المؤسف أن صمت المصلحون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والمجتمع بأكمله أمام تلك الأفكار، ولم يواجهها بقوة وحزم، حتى تطورت وطبقت على أرض الواقع، فالأساس الذي بني عليه هذا الانفلات من النساء في البلاد العربية والإسلامية هو التقليد لنساء الغرب.
(1)
(1)
انظر: عودة الحجاب لمحمد إسماعيل المقدم (1/ 15)، هل يكذب التاريخ لعبد الله الداوود، الطبعه الثالثة 1429، توزيع مؤسسة الجريسي.