الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ــ::
مناقشة البحث السادس::
ــ
أشار الشيخ الألباني في هذا البحث إلى بعض الأحاديث والآثار التي أستشهد بها في كتابه الجلباب محتجا بها على جواز كشف الوجه! فسنتتبعها كلها ونجيب عليها بعون الله:
(الحديث الأول)
عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، قال: كان الفضل رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاءت امرأة من خثعم، فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم، يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر، فقالت: يا رسول الله إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخا كبيرا، لا يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال: نعم، وذلك في حجة الوداع.
(1)
كان أول ما استشهد به الشيخ الألباني في رده المفحم هو حديث المرأة الخثعمية وهو الثاني في كتابه الجلباب/62 وسنجيب عنه أولا لأن الجواب عنه هو جواب لكثير من الأحاديث والآثار التي استشهد بها الشيخ الألباني فنقول:
أولا: لن نستطرد في نقل رد الشيخ الألباني على مخالفيه لضعف جوابهم عن هذا الحديث لأننا لا نخالفه في كونها كانت كاشفة عن وجهها وكان الفضل ينظر إليها
(1)
صحيح البخاري 2/ 551 (1442) صحيح مسلم 2/ 973 (1334).
معجبا بحسنها، فأنكر رسول صلى الله عليه وسلم عليه ذلك بأقوى درجات الإنكار، فأخذ بذقن الفضل وصرف وجهه عنها.
ولكن الحكم الشرعي الذي أباح للخثعمية كشف وجهها والذي ذهل عنه أكثر أهل العلم المتأخرين، وانطوت آثاره في التصانيف المتأخرة، ولم يشر إليه بعض المتقدمين لما هو معلوم عندهم بالضرورة؛ هو ما بيناه في مناقشة البحث الخامس؛ أن الحجاب (تغطية الوجه) إنما هو فرض على النساء الحرائر دون الإماء. وهذا هو سبب كشف المرأة الخثعمية لوجهها (أنها كانت جارية؛ أي أمة مملوكة)
(1)
ولذلك لم يأمرها الرسول صلى الله عليه وسلم بتغطية وجهها لعدم وجوب ذلك على الإماء، وقد يكون والدها قد أعتق عند كبر سنه فلزمته فريضة الحج ولذلك قالت (إن أبي شيخ كبير قد أدركته فريضة اللَّه في الحج). وقد جاء التصريح بأنها كانت جارية في الرواية التي أخرجها أحمد والترمذي والبيهقي:
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال (وقف رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بعرفة
…
حتى جاوز الوادي فوقف وأردف الفضل، ثم أتى الجمرة فرماها، ثم أتى المنحر فقال هذا المنحر ومنى كلها منحر، واستفتته جارية شابة من خثعم؛ فقالت إن أبي شيخ كبير قد أدركته فريضة اللَّه في الحج أفيجزئ أن أحج عنه؟ قال: حجي عن أبيك، قال
(1)
الجارية مصطلح يطلق على الأمة ـ المرأة المملوكة ـ كما في التوقيف على مهمات التعاريف للمناوي (1/ 240): والجارية السفينة سميت به لجريها في البحر ومنه قيل للأمة جارية على التشبيه لجريها مسخرة في أشغال مواليها والأصل فيها الشابة لخفتها ثم توسعوا فسموا كل أمة جارية وإن كانت عجوزا. أهـ
ولوى عنق الفضل، فقال العباس: يا رسول اللَّه لم لويت عنق بن عمك؟ قال: رأيت شابا وشابة فلم آمن الشيطان عليهما)
(1)
.
وفي الاستذكار لابن عبد البر (4/ 299) ولفظه: (ثم أتى المنحر بمنى فقال هذا المنحر ومنى كلها منحر فاستقبلته جارية من خثعم شابة فقالت أبي شيخ كبير). وقد تكون المرأة أمة ولو كانت من نسبةقبلية لكونها سبيّة؛ فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم وسلم يبعث سرايا من أصحابه فيغيروا على القبائل ويسوقوا السبي إلى المدينة النساء منهم والرجال، كما في صحيح مسلم (3/ 1375): عن سلمة بن الأكوع قال: " غزونا فزارة وعلينا أبو بكر، أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم علينا، فلما كان بيننا وبين الماء ساعة، أمرنا أبو بكر فعرسنا، ثم شن الغارة
…
فجئت بهم أسوقهم وفيهم امرأة من بني فزارة معها ابنة لها من أحسن العرب، فسقتهم حتى أتيت بهم أبا بكر، فنفلني أبو بكر ابنتها ".
بل وجاء النص على قبيلة خثعم كما ذكره ابن سعد في الطبقات (2/ 123): سرية قطبة بن عامر إلى خثعم سنة تسع من مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم قطبة بن عامر في عشرين رجلا إلى حي من خثعم
…
فاقتتلوا قتالا شديدا حتى كثر الجرحى في الفريقين جميعا. وقتل قطبة بن عامر من قتل وساقوا النعم والشاء والنساء إلى المدينة).
(1)
مسند أحمد بن حنبل 1/ 75 (562) جامع الترمذي 3/ 232 (885) وقال حسن صحيح، وصححه المقدسي في الأحاديث المختارة 2/ 242، وحسن إسناده الألباني في صحيح جامع الترمذي 3/ 232.
* ومما يشهد أن المرأة الخثعمية من الإماء وليست من النساء الحرائر الآتي:
1) أن البخاري في صحيحه مهد لهذا الحديث بثلاثة آثار في غض البصر؛ بيّن فيها المنع من النظر إلى نساء العجم، والنظر إلى ما يشتهى من الصغيرة، والنظر إلى الإماء؛ ثم ذكر الحديث دون ذكر لغض البصر عن وجوه النساء الحرائر.
قال البخاري في صحيحه (5/ 2299) معلقا: " قال سعيد بن أبي الحسن للحسن إن نساء العجم يكشفن صدورهن ورؤوسهن قال اصرف بصرك عنهن،
وقال الزهري في النظر إلى التي لم تحض من النساء لا يصلح النظر إلى شيء منهن ممن يشتهى النظر إليه وإن كانت صغيرة، وكره عطاء النظر إلى الجواري اللاتي يبعن بمكة إلا أن يريد أن يشتري. اهـ - ثم ساق البخاري حديث المرأة الخثعمية - وكذلك القرطبي في تفسيره حيث قال (12/ 227): وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنى أدرك ذلك لا محالة فالعينان تزنيان وزناهما النظر
…
) الحديث. وقال الزهري في النظر إلى التي لم تحض من النساء: لا يصلح النظر إلى شي منهن ممن يشتهى النظر إليهن وإن كانت صغيرة. وكره عطاء النظر إلى الجواري اللاتي يبعن بمكة إلا أن يريد أن يشتري. وفي الصحيحين عنه عليه السلام أنه صرف وجه الفضل عن الخثعمية حين سألته، وطفق الفضل ينظر إليها
…
فلا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تبدي زينتها إلا لمن تحل له، أو لمن هي محرمة عليه على التأبيد، فهو آمن أن يتحرك طبعه إليها لوقوع اليأس له منها.
2) أنه لم يستشهد أحد من المتقدمين بهذا الحديث على جواز الكشف للمرأة الحرة؛ وإنما كان استشهادهم به على تحريم النظر إلى الأجنبية:
- ومن ذلك ما جاء في شرح النووي على صحيح مسلم (9/ 98): هذا الحديث فيه فوائد؛ منها جواز الإرداف على الدابة إذا كانت مطيقة، وجواز سماع صوت الأجنبية عند الحاجة في الاستفتاء والمعاملة وغير ذلك، ومنها تحريم النظر إلى الأجنبية، ومنها إزالة المنكر باليد لمن أمكنه. اهـ
- قال ابن حجر في تلخيص الحبير (3/ 150): وأولى منه ما رواه البخاري ومسلم عن ابن عباس وفيه قصة المرأة الوضية الخثعمية، واستنبط منه ابن القطان جواز النظر عند أمن الفتنة من حيث إنه لم يأمرها بتغطية وجهها ولو لم يفهم العباس أن النظر جائز ما سأل ولو لم يكن ما فهمه جائزا لما أقره عليه. فائدة اختار النووي أن الأمة كالحرة في تحريم النظر إليها، لكن يعكّر عليه ما في الصحيحين في قصة صفية (فقلنا إن حجبها فهي زوجته وإن لم يحجبها فهي أم ولد) كذا اعترضه ابن الرِّفعة وتُعقِّب بأنه يدل على أن الأمة تُخالف الحرَّة فيما تبديه أكثر مما تبديه الحرة وليس فيه دلالة على جواز النظر إليها مطلقا. اهـ
* إلا ماذكره الشيخ الألباني أن ابن بطال (ت 449 هـ) استدل بحديث الخثعمية على أن "ستر المرأة وجهها ليس فرضاً " وبالرجوع إلى قول ابن بطال يتضح مراده؛ قال ابن بطال في شرح صحيح البخارى في شرحه لحديث المرأة الخثعمية (9/ 11)"فيه أن نساء المؤمنين ليس لزوم الحجاب لهم فرضًا في كل حال كلزومه لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم ولو لزم جميع النساء فرضًا لأمر النبي الخثعمية بالاستتار". اهـ
فقوله (أن نساء المؤمنين ليس لزوم الحجاب لهم فرضًا في كل حال) يؤيد ماذكرنا من أن النساء لم يفرض عليهن الاحتجاب من الرقيق والتابعين غير أولي الإربة والذين لم يبلغو الحلم من الأحرار، وقوله (كلزومه لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم) فإن هناك فريق من أهل العلم ومنهم ابن بطال؛ يرى أن الحجاب مفروض على زوجات النبي صلى الله عليه وسلم حتى عن الرقيق والأتباع فلا يحل لهم الدخول عليهن ولا إظهار شخوصهن إلا لما ملكت أيمانهن كما قال أبو جعفر النحاس (ت 338 هـ) في معاني القرآن (5/ 372):"فكان لا يحل لأحد أن يسألهن طعاما ولا غيره ولا ينظر إليهن متنقبات ولا غير متنقبات إلا من وراء حجاب وكانت عائشة إذا طافت بالبيت سترت، قال أنس كنت أدخل على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فلما نزلت هذه الآية جئت لأدخل فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم وراءك يا بني".اهـ
أما قوله (ولو لزم جميع النساء فرضًا لأمر النبي الخثعمية بالاستتار) فهذا كما ذكرنا أيضا؛ فإن الحجاب لم يفرض إلا على الحرائر من النساء، أما الإماء المملوكات فلم يفرض عليهن الحجاب، ولذلك لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم الخثعمية بالاستتار لأنها كانت أمة مملوكة.
ومما يؤكد أن ابن بطال لا يعني عدم وجوب الحجاب مطلقا؛ قوله في شرح صحيح البخارى (2/ 222): وذلك أن تلفعهن وتسترهن بمروطهن مانع من معرفتهن، وكان الرجال يصلون ووجوههم بادية بخلاف زى النساء وهيئاتهن.
وقوله في موضع آخر منه (4/ 217): وأجمع العلماء أن المرأة تلبس المخيط كله والخمُر والخفاف، وأن إحرامها في وجهها، وأن لها أن تغطى رأسها وتستر شعرها
…
وتسدل الثوب على وجهها سدلا خفيفًا تستتر به عن نظر الرجال. اهـ
(الحديث الثاني) الذي استشهد به الشيخ الألباني:
* حديث جابر رضي الله عنه قال" شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة يوم العيد، فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة، ثم قام متوكئا على بلال
…
ثم مضى حتى أتى النساء، فوعظهن، وذكّرهن، فقال: تصدقن فإن أكثركن حطب جهنم، فقامت امرأة من سطة - سفلة - النساء
(1)
سفعاء الخدين (أي فيهما تغير وسواد) فقالت: لم يا رسول الله؟ قال: لأنكن تكثرن الشكاة وتكفرن العشير"
(2)
قال الألباني في جلباب المرأة /60: والحديث واضح الدلالة، وإلا لما استطاع الراوي أن يصف تلك المرأة بأنها" سفعاء الخدين" اهـ
فيجاب على ذلك بأن هذه المرأة كانت من الإماء المملوكات ولذلك كانت كاشفة عن وجهها، يؤيد ذلك أن جابر وصف تلك المرأة بأنها من (سفلة النساء)
(3)
كما قال ابن الأثير: أي السُّقّاط من الناس، وفي رواية (فقامت امرأة ليست من علية
(1)
قال الألباني: هذه رواية مسلم، ولفظ رواية الآخرين:(سفلة النساء).
(2)
صحيح مسلم 2/ 603 (885)، سنن النسائي الكبرى 1/ 549 (1784).
(3)
مسند أحمد بن حنبل 3/ 318 (14460) سنن النسائي (المجتبى) 3/ 186 (1575) وصححه الألباني في صحيح النسائي 3/ 186.
النساء)
(1)
قال القاضي عياض في إكمال المعلم بفوائد مسلم (3/ 294): حذاق شيوخنا زعموا أن هذا الحرف مغير فى كتاب مسلم، وأن صوابه:" من سفلة الناس " وكذا رواه النسائى فى سننه، وابن أبى شيبة فى مصنفه، وذكره من طريق آخر:" فقامت امرأة ليست من علية النساء " ويعضده قوله بعدها " سفعاء الخدين".اهـ ولذلك لم يستشهد بهذا الحديث أحد من أهل العلم المتقدمين على جواز كشف النساء.
(الحديث الثالث) الذي استشهد به الشيخ الألباني:
* حديث سهل بن سعد" صحيح البخاري (6/ 192): أن امرأة جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم] وهو في المسجد [فقالت: يا رسول الله جئت لأهب لك نفسي، فنظر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فصعد النظر إليها وصوبه، ثم طأطأ رأسه، فلما رأت المرأة أنه لم يقض فيها شيئا جلست"
(2)
أولا: نسوق الحديث بتمامه كما عند البخاري في صحيحه:
عن سهل بن سعد أن امرأة جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، جئت لأهب لك نفسي، فنظر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فصعد النظر إليها وصوبه، ثم طأطأ رأسه، فلما رأت المرأة أنه لم يقض فيها شيئا جلست، فقام رجل من أصحابه،
(1)
كما عند أحمد بن حنبل في مسنده 1/ 376 (3569) والنسائي في سننه الكبرى 5/ 398 (9257) وابن حبان في صحيحه 8/ 115 (3323) المستدرك على الصحيحين 2/ 207 (2772) وصحح إسناده.
(2)
صحيح البخاري 5/ 1956 (4799) صحيح مسلم 2/ 1040 (1425) وما بين الأقواس للطبراني في المعجم الكبير 6/ 190 (5961).
فقال: أي رسول الله، إن لم تكن لك بها حاجة فزوجنيها، فقال:(هل عندك من شيء)؟ قال: لا والله يا رسول الله، قال:(اذهب إلى أهلك فانظر هل تجد شيئا) فذهب ثم رجع، فقال: لا والله يا رسول الله ما وجدت شيئا، قال:(انظر ولو خاتما من حديد) فذهب ثم رجع، فقال: لا والله يا رسول الله ولا خاتما من حديد، ولكن هذا إزاري - قال سهل: ما له رداء - فلها نصفه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(ما تصنع بإزارك؟ إن لبسته لم يكن عليها منه شيء، وإن لبسته لم يكن عليك منه شيء) فجلس الرجل حتى طال مجلسه، ثم قام، فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم موليا فأمر به فدعي، فلما جاء قال:(ماذا معك من القرآن)؟
قال: معي سورة كذا وسورة كذا وسورة كذا - عددها - قال: (أتقرؤهن عن ظهر قلبك)؟ قال: نعم، قال:(اذهب فقد ملكتكها بما معك من القرآن).
(1)
والجواب عليه بالآتي:
1) ليس في نظر سهل بن سعد إليها حجة: لأن سهل حينها كان غلاما لم يبلغ الحلم، كما ثبت في السير أنه كان له من العمر عند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم خمس عشرة سنة.
(2)
كما يحتمل أن هذا كان قبل نزول الحجاب، وليس في الحديث ما يبعد ذلك.
(1)
صحيح البخاري 5/ 1956 (4799).
(2)
تهذيب التهذيب 4/ 221، الإصابة 3/ 200.
2) على فرض أن هذا الحديث كان بعد الحجاب وأن هذه المرأة كانت كاشفة لوجهها على مرأى من الصحابة، فلا حجة فيه أيضا؛ لأن هذه المرأة كانت من الإماء، أذن لها مولاها أن تتزوج ومما يشهد لذلك:
أن البخاري بوب لهذا الحديث في صحيحه (5/ 1956) باب تزويج الْمُعْسِرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} والآية هي كما قال تعالى {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} النور: 32 يشهد لذلك فقر الرجل الذي تزوجها حتى إنه لم يجد حتى خاتما من حديد، بل كان لا يملك إلا إزاره الذي عليه من غير رداء. كما يشهد لذلك أيضا المهر الذي رضيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذه المرأة؛ (أعطها ولو خاتما من حديد)
(1)
. كما أن رسول الله تولى تزويجها دون الرجوع لأهلها، ولذلك لم يستشهد بهذا الحديث أحد من أهل العلم على جواز النظر للنساء؛ فضلا عن أن يستشهدوا به على جواز كشف المرأة لوجهها، بل لم يتطرق شراح الحديث ولا غيرهم ممن يستشهد بهذا الحديث إلا لنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم لها على أنه من باب نظر الرجل للمرأة يريد أن يتزوجها.
(1)
قال ابن حجر في فتح الباري (9/ 210): قوله تعالى (ومن لم يستطع منكم طولا) النساء: 25 يدل على أن صداق الحرة لا بد وأن يكون ما يطلق عليه اسم مال له قدر، ليحصل الفرق بينه وبين مهر الأمة.
(الحديث الرابع) الذي استشهد به الشيخ الألباني:
* حديث عائشة رضي الله عنها قالت "كن نساء المؤمنات يشهدن مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر متلفعات بمروطهنّ
(1)
ثم ينقلبن إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة لا يُعرفن من الغلس
(2)
"
(3)
قال الشيخ الألباني: ووجه الاستدلال به هو قولها" لا يُعرفن من الغلس"، فإن مفهومه أنه لولا الغلس لعرفن، وإنما يعرفن عادة من وجوههن وهي مكشوفة. وقد ذكر هذا الشوكاني عن الباجي. ثم وجدت رواية صريحة في ذلك بلفظ:"وما يعرف بعضنا وجوه بعض".
(4)
والجواب عليه بالآتي:
1) استشهد الشيخ الألباني بقولها (لا يعرفن من الغلس) وأعرض عن قولها (متلفعات بمروطهن) الذي يعني؛ مغطيات وجوههن بما يشتملن به من الأكسية، وقد ثبت عنها في رواية أخرى أنها قالت (أن نساء المؤمنات كن يصلين الصبح مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم يرجعن متلفعات بمروطهن لا يعرفهن أحد).
(5)
(1)
المرط: كساء من خز أو صوف يؤتزر به وتتلفع به المرأة (المعجم الوسيط 2/ 864).
(2)
الغلس: ظلمة آخر الليل (القاموس المحيط 1/ 723)
(3)
صحيح البخاري 1/ 210 (553) صحيح مسلم 1/ 446 (645).
(4)
جلباب المرأة المسلمة /65.
(5)
صحيح البخاري (1/ 173) صحيح مسلم (1/ 445) واللفظ له.