الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومما يشهد أن
التلفع يعني تغطية الوجه:
- قول ابن بطال (ت 449 هـ) في شرح صحيح البخارى (2/ 222): وذلك أن تلفعهن وتسترهن بمروطهن مانع من معرفتهن، وكان الرجال يصلون ووجوههم بادية بخلاف زى النساء وهيئاتهن.
- وقول البيضاوي (ت 685 هـ) في تحفة الأبرار (1/ 238) والطيبي (ت 743 هـ) في شرحه على المشكاة (3/ 886) والكرماني (ت 786 هـ) في الكواكب الدراري (4/ 218) والعيني (ت 855 هـ) في عمدة القاري (5/ 74): التلفع شد اللفاع وهو ما يغطي الوجه ويتلحف به.
- وقول علي القاري (ت 1014 هـ) في مرقاة المفاتيح (2/ 530): (ملتفعات) أي: مستترات وجوههن وأبدانهن.
- وقول المناوي (ت 1031 هـ) في فيض القدير (3/ 174): (والالتفاع) وهو تغطية الرأس وأكثر الوجه.
* وهو كذلك عند أهل اللغة:
- قال أبو منصور الهروي (ت 370 هـ) في الزاهر (ص: 52): فالمتلفعات: النساء اللاتي قد اشتملن بجلابيبهن حتى لا يظهر منهن شيء غير عيونهن، ويقال: وقد تلفع بثوبه والتفع به إذا اشتمل به أي تغطى به.
- قال ابن القطّاع (ت 515 هـ) في الأفعال (3/ 127): لفع ومنه لفاع المرأة كالقناع.
2) قال الشيخ الألباني: وقد ذكر هذا الشوكاني عن الباجي. اهـ
وبالرجوع إلى قول الباجي يتبين أنه لا يقول بجواز كشف الوجه:
قال أبو الوليد الباجي في المنتقى شرح الموطأ (1/ 4): وروى يحيى متلففات والأكثر على متلفعات والمعنى متقارب إلا أن التلفع يستعمل مع تغطية الرأس، والمروط أكسية مربعة سداها شعر، وقوله ما يعرفن من الغلس يحتمل أمرين؛ أحدهما لا يعرف أرجال هن أم نساء من شدة الغلس إنما يظهر إلى الرائي أشخاصهن خاصة، قال ذلك الراوي،
ويحتمل أيضا أن يريد لا يعرفن من هن من النساء من شدة الغلس وإن عرف أنهن نساء، إلا أن هذا الوجه يقتضي أنهن سافرات عن وجوههن ولو كن غير سافرات لمنع النقاب وتغطية الوجه من معرفتهن لا الغلس، إلا أنه يجوز أن يبيح لهن كشف وجوههن أحد أمرين؛ إما أن يكون ذلك قبل نزول الحجاب أو يكون بعده لكنهن أمِنَّ أن تدرك صورهن من شدة الغلس فأبيح لهن كشف وجوههن. اهـ
وعلى فرض أنهن كن كاشفات لوجوههن لكونهن في الغلس، لا يعرف بعضهن وجوه بعض، فكيف يستشهد به على جواز كشفهن في حال يستطيع الرجال معرفتهن ورؤية وجوههن! هذا استشهاد باطل ولا شك.
3) أن خروجهن هذا كان على غير مرأى من الرجال كما يدل على ذلك قولها (فينصرفن نساء المؤمنين لا يعرفن من الغلس أو لا يعرفن بعضهن بعضا)
(1)
(1)
صحيح البخاري 1/ 396 (834).
فهذا يدل على أنهن كن كلهن نساء لا يخالطهن في انصرافهن رجال. وهذا يشهد له ما جاء في الصحيح عن أم سلمة رضي الله عنها (أن النساء في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كُنَّ إذا سَلَّمن من المكتوبة قمن، وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن صلى من الرجال ما شاء الله فإذا قام رسول الله صلى الله عليه وسلم قام الرجال).
(1)
وفي رواية (كان يسلم فينصرف النساء فيدخلن بيوتهن من قبل أن ينصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم)
(2)
وفي رواية عن الزهري قال؛ قالت (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلّم قام النساء حين يقضي تسليمه ويمكث هو في مقامه يسيرا قبل أن يقوم) قال نرى والله أعلم أن ذلك كان لكي ينصرف النساء قبل أن يدركهن أحد من الرجال.
(3)
4) أما قول الشيخ الألباني ثم وجدت رواية صريحة في ذلك بلفظ: "وما يعرف بعضنا وجوه بعض" فبالرجوع لهذه الرواية بتمامها يتبين أن عائشة رضي الله عنها إنما أرادت بقولها توجيه النساء إلى زيادة التستر؛ لا الدعوة إلى السفور والتكشف! فقالت منكرة على النساء ما رأت من تعرضهن للرجال: (لو رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم من النساء ما نرى لمنعهن من المساجد كما منعت بنو إسرائيل نساءها، لقد رأيتنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر في مروطنا وننصرف وما يعرف بعضنا وجوه بعض (
(4)
.
(1)
صحيح مسلم 2/ 1114 (1480)، 4/ 2261 (2942).
(2)
صحيح البخاري 1/ 290 (812).
(3)
صحيح البخاري 1/ 296 (832).
(4)
مسند أبي يعلى (4493) صحح الألباني إسناده في جلباب المرأة /66 ..
(الحديث الخامس) الذي استشهد به الشيخ الألباني:
* حديث فاطمة بنت قيس: أن أبا عمرو بن حفص طلقها البتة، وهو غائب
…
فأمرها أن تعتد في بيت أم شريك، ثم قال:(تلك امرأة يغشاها أصحابي، اعتدي عند ابن أم مكتوم، فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك) وفي رواية: فقال: (انتقلي إلى أم شريك)، وأم شريك امرأة غنية، من الأنصار عظيمة النفقة في سبيل الله، ينزل عليها الضيفان، فقلت: سأفعل، فقال: (لا تفعلي، إن أم شريك امرأة كثيرة الضيفان، فإني أكره أن يسقط عنك خمارك أو ينكشف الثوب عن ساقيك، فيرى القوم منك بعض ما تكرهين ولكن انتقلي إلى ابن عمك عبد الله بن عمرو ابن أم مكتوم
…
)
(1)
قال الشيخ الألباني: أمره صلى الله عليه وسلم إياها بالانتقال إلى ابن أم مكتوم الأعمى وقال لها: " فإنك إذا وضعت خمارك لم يرك" وجه دلالة الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لها في أن تظهر أمام الضيفان بخمارها الذي لا يغطي الوجه لولا خشية سقوطه عنها فيرون رأسها ولذلك أمرها بالانتقال إلى ابن أم مكتوم وعلل صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله: "فإنك إذا وضعت خمارك لم يركِ" والخمار غطاء الرأس عند جماهير العلماء كما تقدم تحقيقه.
(1)
صحيح مسلم 2/ 1114 (1480)، 4/ 2261 (2942).
والجواب عليه بالآتي:
أولا: من العجيب استشهاد الشيخ الألباني بهذا الحديث على جواز كشف الوجه مع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأذن لفاطمة بالاعتداد عند رجل يبصرها! ولذلك لم يستشهد أحد من أهل العلم بهذا الحديث على جواز النظر إلى المرأة فضلا عن أن يستشهدوا به على جواز كشف وجهها!
- فهذا النووي يقول في شرحه على صحيح مسلم (10/ 99): قوله صلى الله عليه وسلم (تضعين ثيابك عنده) وفي الرواية الأخرى (فإنك إذا وضعت خمارك لم يرك) هذه الرواية مفسرة للأولى ومعناه لا تخافين من رؤية رجل إليك.
- وقال ابن العربي في أحكام القرآن (3/ 381): إن انتقالها من بيت أم شريك إلى بيت ابن أم مكتوم كان أولى بها من بقائها في بيت أم شريك إذ كانت في بيت أم شريك يكثر الداخل فيه والرائي لها وفي بيت ابن أم مكتوم كان لا يراها أحد.
- وقال ابن عبد البر في التمهيد (19/ 152 - 156): وفي هذا الحديث وجوب استتار المرأة إذا كانت ممن للعين فيها حظ عن عيون الرجال، وفي ذلك تحريم للنظر إليهن. . . أمرت فاطمة بأن تصير إلى ابن أم مكتوم الأعمى حيث لا يراها هو ولا غيره في بيته ذلك.
ثانيا: أن ما بناه الشيخ الألباني على قولها (فأني أكره أن يسقط عنك خمارك) أنه أذن لها أن تخرج بخمار يستر شعرها دون وجهها؛ فعليه ينبني على قولها (أو ينكشف الثوب عن ساقيك) أنه أذن لها تخرج لهم بثوب يستر ساقيها دون
قدميها أيضا!! وهذا مما لم يقل الشيخ الألباني بجواز إظهاره من المرأة الحرة للرجال الأجانب!! وهذا يكشف أن إباحة كشف وجهها وقدميها للرجال الأجانب؛ لكونها من الإماء المملوكات، يشهد لذلك الآتي:
1 -
ما صح عن شعبة قال أخبرني أبو بكر بن أبي الجهم قال دخلت أنا وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف على فاطمة بنت قيس في ملك آل الزبير فسألناها عن المطلقة ثلاثا
(1)
.
2 -
لم يصرح أحد ممن ترجم لها أنها كانت زوجة لأبي عمرو وإنما اتفقت أقوالهم عند ترجمتها (كانت عند أبي عمرو
…
) وهذا يدل على أنها كانت أمة مملوكة فتزوجها.
3 -
أنها حينما خرجت من بيت زوجها لم تعتد في بيت من أهلها وإنما حولت إلى بيت رجل غريب عنها وهو الأعمى، وما جاء في بعض الروايات أنها ابنة عم للأعمى وأنها من البطن الذي هو منه قد نفاه القاضي كما نقله عنه النووي في شرحه على صحيح مسلم (10/ 103): قال القاضي والمشهور خلاف هذا وليس هما من بطن واحد هي من بنى محارب بن فهر
(2)
وهو من بنى عامر بن لؤي
(3)
. اهـ
(1)
مسند الطيالسي 1/ 228 (1645) سنن البيهقي الكبرى 7/ 181 (13817) وبنحوه في التمهيد لابن عبد البر 19/ 139.
(2)
هي فاطمة بنت قيس بن خالد بن وهب بن ثعلبة بن وائل بن عمرو بن شيبان بن محارب بن فهر الفهرية، كما في الثقات (3/ 336).
(3)
هو عبد الله بن عمرو بن شريح بن قيس بن زائدة بن الأصم من بنى عامر بن لؤي، كما في الثقات (3/ 214).
4 -
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي تولى تزويجها دون إرجاع الأمر إلى وليها.
5 -
أن الرجل الذي زوجها إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الموالي وهو أسامة بن زيد.
ثالثا: قال بعض أهل العلم أن هذا الحديث معلل الإسناد والمتن:
قال الزيلعي الحنفي (ت 743 هـ) في تبيين الحقائق (3/ 60): وحديث فاطمة لا يجوز الاحتجاج به لوجوه: أحدها: أن كبار الصحابة أنكروا عليها كعمر وابن مسعود وزيد بن ثابت وأسامة بن زيد وعائشة حتى قالت لفاطمة فيما رواه البخاري "ألا تتقي الله"
(1)
وروي أنها قالت لها
"لا خير لك فيه"
(2)
ومثل هذا الكلام لا يقال إلا لمن ارتكب بدعة محرمة، وفي صحيح مسلم لما حدث الشعبي عنها بهذا الحديث أخذ الأسود بن يزيد كفا من حصى وحصب به الشعبي فقال له "ويلك أتحدث بمثل هذا الحديث"
(3)
، وقال أبو سلمة أنكر الناس عليها فصار منكرا فلا يجوز الاحتجاج به، والثاني: لاضطرابه؛ فإنه جاء طلقها ألبتة وجاء طلقها ثلاثا، وجاء أرسل إليها بتطليقة كانت بقيت من طلاقها وجاء طلقها ألبتة وهو غائب، وجاء مات عنها وجاء حين قتل زوجها، وجاء طلقها أبو عمرو بن حفص وجاء طلقها أبو حفص بن المغيرة، فلما اضطرب سقط الاحتجاج به،
(1)
صحيح البخاري 5/ 2039 (5016)
(2)
صحيح البخاري 5/ 2040 (5017)
(3)
صحيح مسلم 2/ 1118 (1480)
وقال كمال الدين ابن الهمام (ت 861 هـ) في فتح القدير (4/ 405 - 407): شرط قبول خبر الواحد عدم طعن السلف فيه وعدم الاضطراب وعدم معارض يجب تقديمه والمتحقق في هذا الحديث ضد كل من هذه الأمور.
فإحدى هذه العلل كافية لإسقاط الاحتجاج بهذا الحديث؛ فكيف بها مجتمعة!!
(الحديث السادس) الذي استشهد به الشيخ الألباني:
* حديث ابن عباس رضي الله عنه: عن ابن عباس قيل له أشهدت العيد مع النبي صلى الله عليه وسلم قال نعم ولولا مكاني من الصغر ما شهدته .. فصلّى ثم خطب ثم أتى النساء ومعه بلال (فقال يا أيّها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك الآية ثم قال حين فرغ منها أنتن على ذلك قالت امرأة واحدة منهن لم يُجبه غيرها نعم) فوعظهن وذكرهن وأمرهن بالصدقة (قال فبسط بِلال ثوبه ثم قال هلُم لكن فداء أبي وأمي) فرأيتهن يهوين بِأيديهنّ يقذفنه (فيلقين الفتخ
(1)
والخواتيم) في ثوب بلال ثم انطلق هو وبلال إلى بيته.
(2)
قال الشيخ الألباني: قال ابن حزم: "فهذا ابن عباس بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى أيديهن، فصح أن اليد من المرأة والوجه ليسا بعورة، وما عداهما ففرض ستره".اهـ
والجواب عليه بالآتي؛ أولا؛ أن رؤية ابن عباس لهن ليس فيها حجة على جواز نظر الرجال الأجانب للنساء الأجنبيات فضلا عن أن يكون فيها حجة على جواز
(1)
الفتخ: جمع فتخة وهي خواتيم تلبس في الأَيدي، وربما وضعت في أَصابع الأَرجل (لسان العرب 3/ 40).
(2)
صحيح البخاري 1/ 331 - 332 (934)(936).
الكشف وذلك لأنه ثبت في الحديث تصريح ابن عباس بصغر سِنِّه (ولولا مكاني من الصغر ما شهدته) وأما بلال فكان عبدا مملوكا لا تحتجب منه النساء، وعلى فرض أنه كان حينها حرا فليس في الحديث ما يدل على أنه رأى وجوههن ولا أنهن كن كاشفات عن وجوههن.
قال ابن حجر في فتح الباري (9/ 344): والحجة منه هنا مشاهدة ابن عباس ما وقع من النساء حينئذ وكان صغيرا فلم يحتجبن منه وأما بلال فكان من ملك اليمين كذا أجاب بعض الشراح وفيه نظر لأنه كان حينئذ حرا والجواب أنه يجوز ألا يكون في تلك الحالة يشاهدهن مسفرات.
ثانيا؛ أن مراد ابن حزم قصر ما يجوز إظهاره من الأمة، وما يجوز إظهاره من الحرة أمام من يحل له النظر إليها من الرقيق؛ على الوجه والكفين فقط، كما إن استشهاد ابن حزم بهذا الحديث كان على نظر بلال لأكفهن وليس لوجوههن حيث قال (فلولا ظهور أكفهن ما أمكنهن إلقاء الفتخ)
(1)
فلا حجة فيه على كشف الوجه!
كما أن قول ابن حزم (فلولا ظهور أكفهن ما أمكنهن إلقاء الفتخ) ضعيف؛ فإنه بإمكانهن إلقاء الخواتم مع ستر أيديهن! وسياق الحديث يشهد لذلك (فرأيتهن يهوين بأيديهن يقذفنه) وفي الرواية الأخرى (فرأيتهن يهوين إلى آذانهن وحلوقهن
(1)
المحلى 10/ 31.
يدفعن إلى بلال)
(1)
فهل يؤخذ منه أنهن كن كاشفات عن حلوقهن وآذانهن!! وهذا يشهد لكونهن لم يكن كاشفات عن أكفهن وأن ابن عباس إنما رأى حركة أيديهن من تحت الجلابيب، وهذا ما جاء مصرحا به في رواية أخرى عند البخاري قال فيها ابن عباس (ثم أمر بالصدقة، فجعل النساء يشرن إلى آذانهن وحلوقهن، فأمر بلالا فأتاهن).
(2)
ثالثا: أن في الحديث ما يشهد أن النساء كن مغطيات وجوههن وذلك فيما أسقط من الحديث وهو قوله (قالت امرأة واحدة منهن لم يُجبه غيرها "نعم" [لا يدري حسن من هي])
(3)
وحسن هو راوي الحديث. وفي رواية مسلم (فقالت امرأة واحدة لم يُجبه غيرها منهنَّ نعم يا نبي الله [لا يُدْرَى حينئذ من هي])
(4)
وهذا تصريح من الراوي أن المرأة المتحدثة لا يُدرى من هي لأنها كانت مغطية وجهها فلم تُعرف.
قال النووي في شرحه على صحيح مسلم (6/ 172): (لا يدري حينئذ من هي) لكثرة النساء واشتمالهن ثيابهن لا يدري من هي.
وبذلك يبطل الاحتجاج بهذا الحديث، ويضم إلى أدلة وجوب تغطية الوجه.
(1)
صحيح البخاري 5/ 2010 (4951)، قال ابن حجر في فتح الباري (10/ 331): ومعنى الإهواء الإيماء باليد إلى الشيء ليؤخذ. وفي لسان العرب (1/ 201): أشار مثل أومأ.
(2)
صحيح البخاري 6/ 2671 (6894).
(3)
صحيح البخاري 1/ 332 (936).
(4)
صحيح مسلم 2/ 602 (884).
(الحديث السابع) الذي استشهد به الشيخ الألباني:
* حديث سبيعة بنت الحارث الأسلمية: أنها كانت تحت سعد ابن خولة فتوفي عنها في حجة الوداع فوضعت حملها قبل أن تنقضي أربعة أشهر وعشر من وفاته، فلقيها أبو السنابل يعني ابن بعكك حين تعلت من نفاسها وقد اكتحلت] واختضبت وتهيأت [
(1)
فقال لها: اربعي على نفسك لعلك تريدين النكاح إنها أربعة أشهر وعشر من وفاة زوجك قالت: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له ما قال أبو السنابل بن بعكك، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم " قد حللت حين وضعت حملك "
(2)
والجواب عليه بالآتي: أولا: أن مما لا خلاف فيه أن القائلين بكشف الوجه ومنهم الشيخ الألباني يشترطون ألا يكون على الوجه شيئا من الزينة، وقد صرحت سبيعة بأنها كانت متجملة حين دخل عليها أبو السنابل! ولذلك لم يجد الشيخ الألباني بدا من القول بأنها قد تكون مغطية وجهها ماعدا عينيها! فقال في كتابه جلباب المرأة /69:(والحديث صريح الدلالة على أن الكفين ليسا من العورة في عرف نساء الصحابة، وكذا الوجه أو العينين على الأقل)!!
ثانيا: أن الذي أباح لسبيعة الأسلمية كشف وجهها أنها كانت أمة مملوكة اتخذها سعد بن خولة أم ولد.
(3)
كما جاء ذلك مصرحا به في الرواية التي
(1)
من رواية أخرى عند أحمد في مسنده 6/ 432 (27478) وحسن الألباني إسنادها في جلباب المرأة /69.
(2)
مسند أحمد بن حنبل 6/ 432 (27475) وصحح الألباني إسناده في جلباب المرأة /69.
(3)
أم الولد: هي الأمة التي حملت من سيدها وأتت بولد، كما في معجم لغة الفقهاء ص/88.
نقلها الهيثمي عن أحمد في مجمع الزوائد (5/ 2): عن أبي بن كعب قال: نازعني عمر بن الخطاب في المتوفى عنها وهي حامل، فقلت تزوج إذا وضعت، فقالت أم الطفيل -أم ولدي- لعُمر (قد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أم ولد؛ سبيعة الأسلمية أن تنكح إذا وضعت).
(1)
وفي مسند الشافعي (1/ 298) قال: "أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه قال في أم الولد يتوفى عنها سيدها قال تعتد بحيضة" ثم استشهد بحديث سبيعة، ولذلك لم يعلق أحد من شراح الحديث على دخول أبو السنابل عليها ونظره إليها البتة، بل لم يستشهد أحد من أهل العلم بهذا الحديث - مع كونه مخرج في الصحيحين- على جواز النظر إلى النساء فضلا أن يستشهدوا به على جواز الكشف!
(الحديث الثامن) الذي استشهد به الشيخ الألباني:
* حديث عائشة رضي الله عنها" أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم تبايعه، ولم تكن مختضبة، فلم يبايعها حتى اختضبت"
(2)
قال الشيخ الأباني: حديث حسن أو صحيح، أخرجه أبو داود (2/ 190) وله شواهد كثيرة أوردتها في" الثمر المستطاب في فقه السنة والكتاب". اهـ
(1)
مسند أحمد بن حنبل 6/ 375 (27152) قال الهيثمي رواه أحمد وإسناده حسن إلا أن بسر بن سعيد لم يدرك أبي بن كعب، قلت وفاة أبي بن كعب مختلف فيها فإن صح أنه توفي في خلافة عثمان فإن بسرا يكون بذلك قد أدركه، كما أنه روي موصولا عند أحمد 6/ 375 (27153) عن بسر عن أم الطفيل عن أبي بن كعب.
(2)
مجمع الزوائد (8882)(5/ 172).
أولا: عزّا الشيخ الألباني هذا الحديث لأبي داود! والصحيح أنه بهذا اللفظ للبزار عن ابن عباس وليس عن عائشة! وقد ضعّفه ابن القطان فقال في أحكام النظر (1/ 200): "فيه ليث بن أبي سليم وهو ضعيف، وفيه نكارة فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن تصافحه المبايعات".اهـ أما ما أخرجه أبو داود فهو ما روته صفية بنت عصمة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت (أومأت امرأة من وراء ستر بيدها كتاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبض النبي صلى الله عليه وسلم يده فقال ما أدري أيد رجل أم يد امرأة، قالت بل امرأة، قال لو كنت امرأة لغيرت أظفارك يعني بالحناء).
(2)
وهذا مع ضعف إسناده ليس فيه حجة لأن فيه أنها كانت تكلم النبي صلى الله عليه وسلم من وراء حجاب.
ثانيا: قال الشيخ الألباني: "وله شواهد كثيرة أوردتها في الثمر المستطاب (1/ 311) " وبالرجوع إلى الثمر المستطاب لا تجد إلا أسانيد هالكة لاتصلح لتقوية الحديث، لأن أسانيدها لا تخلو ممن لا يُعرف!! قال ابن القطان: وفي الباب حديثان لعائشة، وهما في غاية الضعف. اهـ
(الحديث التاسع)
*حديث ابن عباس: "عن عطاء بن أبي رباح، قال: قال لي ابن عباس: ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ قلت: بلى، قال: هذه المرأة السوداء، أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني أصرع وإني أتكشف، فادع الله لي، قال: (إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن
(1)
سنن أبي داود 4/ 77 (4166) قال ابن الملقن في البدر المنير (6/ 139): وصفية هذه مجهولة، قال ابن القطان في أحكام النظر (ص/61): هذا حديث في غاية (الضعف) صفية هذه عدم. وقال ابن حجر في التلخيص الحبير (2/ 516): قال أحمد في العلل هذا حديث منكر.
شئت دعوت الله أن يعافيك) فقالت: أصبر، فقالت: إني أتكشف، فادع الله لي أن لا أتكشف، فدعا لها"
(1)
.
وهذا لا حجة فيه أيضا لأن هذه المرأة السوداء كانت من الإماء ولذلك كانت كاشفة عن وجهها، قال البخاري عقب هذا الحديث: حدثنا محمد
…
أخبرني عطاء: " أنه رأى أم زفر تلك امرأة طويلة سوداء، على ستر الكعبة"
(2)
وقال ابن حجر في الإصابة (8/ 210): هي أم زفر الحبشية السوداء.
(الحديث العاشر)
* حديث ابن عباس رضي الله عنه قال" كانت امرأة تصلي خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ حسناء من أحسن الناس فكان بعض القوم يتقدم حتى يكون في الصف الأول لئلا يراها، ويستأخر بعضهم حتى يكون في الصف المؤخر، فإذا ركع نظر من تحت إبطه، فأنزل الله (ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين)
(3)
.
والجواب عليه بالآتي؛ أولا: أن هذا الأثر معلل الإسناد والمتن، أما المتن؛ فإن في متنه نكارة شديدة كما قال ابن كثير في تفسيره (2/ 551) والمباركفوري في تحفة الأحوذي (8/ 438)، أما إسناده؛ فقيل أنه روي موقوفا على أبي الجوزاء دون
(1)
صحيح البخاري 5/ 2140 (5328) صحيح مسلم 4/ 1994 (2576).
(2)
صحيح البخاري 5/ 2140 (5328).
(3)
جامع الترمذي 5/ 296 (3122) سنن النسائي 2/ 118 (870) سنن ابن ماجه 1/ 332 (1046) صححه الألباني في السلسلة الصحيحة 5/ 608 (2472)، وقال الترمذي والقرطبي والزيلعي إنه مرسل.
رفعه لابن عباس وليس فيه ذكر للمرأة، وقال الترمذي والقرطبي وقفه أصح، أي أنه مرسل كما قال الزيلعي فلا يصح الاحتجاج به.
- وقال ابن كثير في تفسيره (2/ 551): {وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ} الحجر: 24 وقد ورد فيه حديث غريب جدا، عن ابن عباس رضي الله عنهم قال (كانت تصلي خلف النبي صلى الله عليه وسلم امرأة حسناء. . .) وهذا الحديث فيه نكارة شديدة وقد رواه عبد الرزاق
…
أنه سمع أبا الجوزاء يقول
…
فالظاهر أنه من كلام أبي الجوزاء فقط، ليس فيه لابن عباس ذكر. اهـ
- وقال الزيلعي في تخريج الكشاف (2/ 211): روي مرسلا.
ثانيا: على فرض ثبوت صحة هذا الأثر؛ فإنه يحتمل أن يكون قبل نزول الحجاب، كما يحتمل أن تكون هذه المرأة من الجواري المملوكات - الإماء - وليست من الحرائر، فلا يكون فيه حجة، ولذلك لم يستشهد أحد من أهل العلم بهذا الخبر على جواز النظر، ولا على جواز كشف وجوه النساء الحرائر!
(الحديث الحادي عشر)
قول ابن مسعود رضي الله عنه " رأى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم امرأة فأعجبته فأتى سودة وهي تصنع طيبا وعندها نساء فأخلينه فقضى حاجته ثم قال أيّما رجل رأى امرأة تعجبه فليقم إلى أهله فإن معها مثل الذي معها".
والجواب عليه بالآتي: أولا: أن المراد بقوله صلى الله عليه وسلم (أيما رجل رأى امرأة تعجبه) أي من الإماء اللاتي لم يفرض عليهن الحجاب، أو من نساء العجم الكاشفات لوجوههن، كما أشار إلى ذلك البخاري في صحيحه معلقا (5/ 2299): قال سعيد بن أبي الحسن للحسن إن نساء العجم يكشفن
صدورهن ورؤوسهن قال اصرف بصرك عنهن، وقال الزهري في النظر إلى التي لم تحض من النساء لا يصلح النظر إلى شيء منهن ممن يشتهى النظر إليه وإن كانت صغيرة، وكره عطاء النظر إلى الجواري اللاتي يُبَعن بمكة إلا أن يريد أن يشتري. اهـ
ثانيا: لم يخرج الحديث بهذا اللفظ إلا الدارمي عن ابن مسعود؛ وقد أخرجه مسلم في صحيحه وأبي داود والترمذي وغيرهم عن جابر بلفظ آخر؛ (عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى امرأة فأتى امرأته زينب وهي تمعس
(1)
منيئة
(2)
لها فقضى حاجته ثم خرج إلى أصحابه فقال: إن المرأة تقبل في صورة شيطان وتدبر في صورة شيطان فإذا أبصر أحدكم امرأة فليأت أهله فإن ذلك يرُدُّ ما في نفسه)
(3)
فقوله (إن المرأة تقبل في صورة شيطان وتدبر في صورة شيطان) بيان لما يغلب عند النظر إلى المرأة من إثارة للشهوة، ولذا لم يستشهد أحد من أهل العلم بهذا الحديث على جواز النظر إلى المرأة الحرة فضلا على أن يستشهدوا به على جواز كشف الوجه، وقد ذكر ابن القطان في أحكام
(1)
تمعس: أي تدبغ وأصل المعس المعك والدلك (النهاية في غريب الأثر 4/ 342)
(2)
المنيئة: الجلد أول ما يدبغ (غريب الحديث لابن الجوزي 2/ 376)
(3)
مسلم (1403) أبو داود (2151) صحيح ابن حبان (5572).
النظر (ص/193): أن الحديث مندفع الدلالة من حيث إنه ليس فيه ذكر للإبداء، ولعل حركة النفس من رؤية الشخص مستترا.
وقال النووي في شرح هذا الحديث (9/ 178): قال العلماء معناه الإشارة إلى الهوى والدعاء إلى الفتنة بها لما جعله الله تعالى في نفوس الرجال من الميل إلى النساء والالتذاذ بنظرهن وما يتعلق بهن، فهي شبيهة بالشيطان في دعائه إلى الشر بوسوسته وتزيينه له، ويستنبط من هذا أنه ينبغي لها ألا تخرج بين الرجال إلا لضرورة وأنه ينبغي للرجل الغض عن ثيابها والإعراض عنها مطلقا.
(الحديث الثاني عشر)
*ما روي عن عبد الله بن محمد عن امرأة منهم قالت دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا آكل بشمالي وكنت امرأة عسراء فضرب يدي فسقطت اللقمة فقال لا تأكلي بشمالك وقد جعل الله تبارك وتعالى لك يمينا أو قال قد أطلق الله عز وجل يمينك قال فتحولت شمالي يمنيا فما أكلت بها بعد"
(1)
أولا: مع احتمال أن يكون هذا قبل الحجاب، أو أن هذه المرأة كانت من الإماء، إلا أن ليس فيه حجة؛ لأنه ليس فيه أنها كانت كاشفة عن وجهها!
(1)
مسند أحمد بن حنبل 4/ 69 (16690)
ثانيا: في متنه نكارة؛ وهي الضرب منه صلى الله عليه وسلم وقد صح عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت (ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قط بيده ولا امرأة ولا خادما).
(1)
ثالثا: ضعف إسناد هذا الحديث قال البوصيري في إتحاف الخيرة المهرة 4/ 286: إسناده فيه مقال.
(2)
وعلى هذا فإن إحدى هذه العلل تضعف الحديث وتسقط الاحتجاج به فكيف بها مجتمعه.
(1)
صحيح مسلم 4/ 1814 (2328).
(2)
قال الشيخ الألباني عقب الحديث: (قال الهيثمي في المجمع (5/ 26) رواه أحمد والطبراني ورجال أحمد ثقات) ثم قال الشيخ الألباني (رجاله ثقات كما قال؛ رجال الشيخين؛ غير عبدالله بن محمد وهو ابن عقيل المدني فيما أظن وهو حسن الحديث) لكن قول الهيثمي عقبه أن رجاله ثقات يبعد أن يكون (ابن عقيل) لأنه ليس من الثقات! كما أن الهيثمي صرح بأنه غير ابن عقيل؛ فقال في الموضع الذي أشار إليه الشيخ الألباني في مجمع الزوائد (5/ 26): عن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن زيد عن امرأة منهم قالت دخل علي
…
) فصرح بأنه عبد الله بن زيد الأنصاري، وهذا يكشف علّة في إسناده: وهي الانقطاع بين عبد الله بن زيد الأنصاري والمرأة؛ فإنه إن لم يكن معضلا كان منقطعا! علاوة على أن (عبد الله بن زيد) ليس له موثق غير ابن حبان وعليه قال الهيثمي (رجاله ثقات) قال ابن القطان في " الوهم والإيهام "(3/ 348) هو مجهول لا يعرف حاله. وذكره ابن الجارود وابن عدي في " جملة الضعفاء" اهـ
وليست هذه علّة إسناده فقط فإن فيه علّة أخرى ذكرها أبو بكر بن أبي عاصم الشيباني في الآحاد والمثاني (6/ 175) قال: حدثنا
…
عن إسحاق بن عبد الله عن محمد بن عبد الله الأنصاري عن امرأة من قومه قالت دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا آكل بشمالي
…
) قال أبو بكر بن أبي عاصم: وإسحاق هو بن عبد الله بن أبي فروة ليس بشيء ومن زعم أنه إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة فقد أخطأ. اهـ ففيه أن إسحاق بن عبدالله هو ابن أبي فروة وهو متروك كما ذكر ابن حجر في التقريب (1/ 102). وعليه فمن وثق رواته كالهيثمي؛ فهو لتوهمه أن إسحاق بن عبد الله؛ هو ابن أبي طلحة.
(الحديث الثالث عشر)
وهو آخر ما استشهد به الشيخ الألباني من الأحاديث وهو حديث ثوبان رضي الله عنه قال: جاءت بنت هبيرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يدها فتخ من ذهب (أي خواتيم ضخام) فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يضرب يدها، فدخلت على فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم تشكو إليها الذي صنع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانتزعت فاطمة سلسلة في عنقها من ذهب وقالت هذه أهداها إلي أبو حسن، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم والسلسلة في يدها فقال: يا فاطمة أيغرك أن يقول الناس ابنة رسول الله وفي يدها سلسلة من نار ثم خرج ولم يقعد، فأرسلت فاطمة بالسلسلة إلى السوق فباعتها واشترت بثمنها غلاما فأعتقته فحُدث بذلك فقال الحمد لله الذي أنجى فاطمة من النار"
(1)
والجواب عليه بالآتي: أولا: مع احتمال أن يكون هذا قبل الحجاب، أو أن ابنة هبيرة هذه كانت من الإماء، إلا أن ليس فيه حجة؛ لأنه ليس فيه أنها كانت كاشفة عن وجهها! كما أن راوي الحديث عبد مملوك وهو ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم فليس في نظره حجة على جواز نظر الأحرار الأجانب. والذي كان ينبغي أن يؤخذ من هذا الحديث كما قال بعض أهل العلم كابن حزم أن ضرب النبي صلى الله عليه وسلم ليدها كان لإظهارها هذه الزينة.
(1)
سنن النسائي (5140)(5141).
ثانيا: في متنه نكارة تبعد صحته كالذي سبق، وهي الضرب منه صلى الله عليه وسلم وقد صح عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت (ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قط بيده ولا امرأة ولا خادما).
(1)
ثالثا: الحديث لايصح لأن إسناده منقطع؛ قال ابن الملقن في التوضيح لشرح الجامع الصحيح (28/ 66): حديث ثوبان منقطع. وقال ابن القيم في حاشيته تهذيب سنن أبي داود (11/ 201): قال ابن القطان: علته أن رواية يحي بن أبي كثير عن أبي سلام الرحبي منقطعة. كما قاله الذهبي أيضا في الميزان (7/ 212).
ولهذا قال الشيخ الألباني في كتابه آداب الزفاف /153 (إسناده صحيح موصول) أي إذا ثبت اتصاله! أما إذا لم يثبت اتصال إسناده فلا يصح. وقد ثبت أن إسناده منقطع فلا يصح الحديث إذن. ولذلك لم يستشهد بهذا الحديث أحد من أهل العلم على جواز النظر فضلا أن يستشهدوا به على جواز الكشف.
وبذلك تبين أنه لاحجة فيما استشهد به الشيخ الألباني من الأحاديث على جواز كشف وجه المرأة الحرة للرجال الأحرار الأجانب.
* من المناسب هنا قبل الانتقال إلى مناقشة بحثه السابع؛ أن نجيب على ما استشهد به الشيخ الألباني من الآثار وذلك مما استدرك في الطبعة الجديدة من كتابه (جلباب المرأة ص 96 - 103) لنستوعب الإجابة عن كل ما استشهد به الشيخ الألباني حتى لا نترك مجالا لمن شك، وليتبين الحق لمن أراد الله له قبوله.
(1)
صحيح مسلم 4/ 1814 (2328).
فيُبيّن أولا القول فيها جملة؛ بأن هذه الآثار لو ثبت في شيء منها كشف وجه امرأة حرة لرجل حر أجنبي فلا يعد حجة على جواز الكشف ولا يحل العمل به؛ لأن هذه الآثار إن لم تكن مقطوعة فهي موقوفة
(1)
لم يُرفع منها شيء للنبي صلى الله عليه وسلم وليس لأي منها حكم الرفع، وإنما هي وقائع لا يؤخذ منها حكم شرعي ولا يلزم العمل بها على فرض صحتها، ثم يُبيّن القول فيها تفصيلا:
(الأثر الأول)
عن قيس بن أبي حازم قال: دخلت أنا وأبي على أبي بكر وإذا هو رجل أبيض خفيف الجسم عنده أسماء ابنت عميس تذب عنه وهي] امرأة بيضاء [موشومة اليدين كانوا وشموها في الجاهلية نحو وشم البربر فعرض عليه فرسان فرضيهما فحملني على أحدهما وحمل أبي على الآخر
(2)
.
أولا: روي هذا الأثر موقوفا على قيس وفي رواية أخرى عند الطبراني روي عن قيس عن معاوية، فساقه الشيخ الألباني على أنه غير هذا الأثر وجعله (الأثر الخامس عشر!! (عن قيس قال: قال معاوية رضي الله عنه دخلت مع أبي على أبي بكر رضي الله عنه فرأيت أسماء قائمة على رأسه بيضاء ورأيت أبا بكر رضي الله عنه أبيض نحيفا فحملني
(1)
الموقوف: هو ما روى عن الصحابي مقتصرا عليه، من قوله وفعله، والمقطوع: هو ما أضيف إلى تابعي موقوفا عليه، سواء كان قوله أو فعله، كما في المختصر في علم الأثر ص/ 131، 145.
(2)
تهذيب الاثار لابن جرير 1/ 114 صحح إسناده الشيخ الألباني، وما بين القوسين من رواية الطبراني في المعجم الكبير 24/ 131 (359):(دخلنا على أبي بكر رضي الله عنه في مرضه فرأينا امرأة بيضاء موشومة اليدين تذب عنه، وهي أسماء بنت عميس).
وأبي على فرسين ثم عرضنا عليه وأجازنا)
(1)
وهذا اضطراب في السند يوجب ضعف هذا الأثر.
ثانيا: أن أسماء بنت عميس الخثعمية كانت من الإماء وليست من النساء الحرائر؛ اتخذها أبو بكر أم ولد
(2)
ولذلك لم تحتجب، ومما يشهد لذلك الآتي:
1) ما روي عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال (دخلت أسماء بنت عميس على حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم زائرة وقد كانت هاجرت إلى النجاشي فيمن هاجر، فدخل عمر على حفصة وأسماء عندها، فقال عمر حين رأى أسماء: من هذه؟ قالت: أسماء بنت عميس قال عمر: الحبشية هذه، البحرية هذه؟ قالت أسماء: نعم، قال: سبقناكم بالهجرة
…
فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم قالت: يا نبي الله إن عمر قال: كذا وكذا؟
…
قال (ليس بأحق بي منكم، وله ولأصحابه هجرة واحدة، ولكم أنتم - أهل السفينة - هجرتان) قالت: فلقد رأيت أبا موسى وأصحاب السفينة يأتوني أرسالا، يسألوني عن هذا الحديث).
(3)
(1)
المعجم الكبير للطبراني 1/ 10 (25) قال الألباني في جلباب المرأة: سنده جيد في الشواهد، ورجاله ثقات غير شيخ الطبراني (القاسم بن عباد الخطابي). قلت شيخ الطبراني القاسم بن عباد لا توجد له ترجمه كما قال المحقق في إرشاد القاصي والداني إلى تراجم شيوخ الطبراني (ص/469):(مجهول). وقال محقق أنيس الساري (تخريج أحاديث فتح الباري)(6/ 4400): القاسم بن عباد لم أقف له على ترجمة، وقال محقق المطالب العالية (15/ 693): شيخ الطبراني لم أستطع معرفته.
(2)
أم الولد: هي الأمة التي حملت من سيدها وأتت بولد، كما في معجم لغة الفقهاء ص/88.
(3)
صحيح البخاري 5/ 137 (4230)(4231) صحيح مسلم 4/ 1946 (2503).
فدل بروزها لعمر رضي الله عنه عند دخوله على حفصة دون الاستتار وراء حجاب، وذهابها لرسول الله صلى الله عليه وسلم لسؤاله، وذكرها لدخول الرجال عليها أرسالا من أهل السفينة بما فيهم من الأحرار لسؤالها عن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لها؛ كل ذلك يدل على أنها كانت من الإماء وليست من الحرائر اللاتي لم يعهد عنهن البروز للرجال والخروج والمشي في الطرقات، ودخول الرجال عليهن بعد نزول الحجاب. وقد كان قدوم أسماء بنت عميس من الحبشة حين افتتح خيبر وذلك في العام السابع من الهجرة أي بعد نزول الحجاب.
2) ثبت عن أم عطية، عن النبي صلى الله عليه وسلم قالت: (كنا ننهى أن نحد
(1)
على ميت فوق ثلاث، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا، ولا نكتحل ولا نتطيب ولا نلبس ثوبا مصبوغا)
(2)
قال في تيسير العلام شرح عمدة الأحكام (ص: 608): يؤخذ من الحديث وجوب إحداد المرأة على زوجها المتوفى، أربعة أشهر وعشراً.
وقال ابن دقيق العيد (ت 702 هـ) في إحكام الأحكام (2/ 196): "يؤخذ من هذا الحديث: أنه لا إحداد على الأمة المستولدة، لتعليق الحكم بالزوجية". وقال ابن بطال في شرح صحيح البخاري (7/ 506): "وأجمعوا أن أم الولد لا إحداد عليها إذا توفى سيدها، والحجة في ذلك أن الأحاديث إنما جاءت فى الأزواج، وأم الولد ليست بزوجة، ذكر هذا كله ابن المنذر". وجاء في الجامع لعلوم الإمام
(1)
الإحداد في الشرع هو ترك الطيب والزينة.
(2)
صحيح البخاري (1/ 69).
أحمد (11/ 534): هل على أم الولد إحداد؟ قال سفيان: "إذا مات الرجل عن سريته، تخرج وتطيب وتُخطب".
وقد أخرج أحمد في مسنده (45/ 21): عن أسماء بنت عميس قالت: لما أصيب جعفر أتانا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " تسلبي
(1)
ثلاثا، ثم اصنعي ما شئت". وفي رواية عنها قالت:"دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم الثالث من قتل جعفر فقال: لا تحدي بعد يومك هذا ".
(2)
وبذلك ثبت أنها لم تكن من النساء الحرائر ولذلك لم يجب عليها الإحداد. ثم إن أبا بكر اتخذها بعد ذلك أم ولد له أيضا ولم تكن زوجة له من الحرائر ومما يثبت ذلك:
1) ماجاء في تهذيب الكمال (10/ 150) وتهذيب التهذيب (3/ 437): كان أهل المدينة يكرهون اتخاذ أمهات الأولاد، حتى نشأ فيهم القراء: علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وسالم بن عبد الله بن عمر، ففاقوا أهل المدينة علما وتقى وعبادة وورعا، فرغب الناس حينئذ في السراري.
2) ما جاء في صحيح مسلم (4/ 1711): أن نفرا من بني هاشم دخلوا على أسماء بنت عميس، فدخل أبو بكر الصديق، وهي تحته يومئذ، فرآهم، فكره
(1)
تسلبي: أي البسي ثياب الحداد السود. تهذيب اللغة (12/ 302) تاج العروس (3/ 72).
(2)
صححه الإمام أحمد، وابن الملقن في التوضيح (25/ 553) والألباني في الصحيحة (7/ 684).
ذلك، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: لم أر إلا خيرا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(إن الله قد برأها من ذلك) ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فقال: (لا يدخلن رجل، بعد يومي هذا، على مغيّبة
(1)
، إلا ومعه رجل أو اثنان).
فلما كان الحجاب حائلا دون الدخول على النساء الحرائر منهي عنه بقوله تعالى {فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} وبقوله صلى الله عليه وسلم (إياكم والدخول على النساء)
(2)
فالسماح لدخول جمع من الرجال يدل على أن من أُذن في الدخول عليهن هن ممن لم يفرض عليهن الحجاب من الإماء.
3) ما أخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين (3/ 179) والبيهقي في معرفة السنن والآثار (5/ 231): عن أسماء بنت عميس قالت: (غسلت أنا وعلي فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم)
(3)
ففي مشاركتها لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه في تغسيل فاطمة رضي الله عنها دليل على أنها ليست ممن ضرب عليهن الحجاب من الحرائر. وهذا يسقط الاحتجاج بهذا الأثر.
(1)
المغيّبة هي التي غاب عنها زوجها والمراد غاب زوجها عن منزلها سواء غاب عن البلد بأن سافر أو غاب عن المنزل وإن كان في البلد. كما في شرح النووي على مسلم (14/ 155)
(2)
صحيح البخاري (7/ 37)
(3)
حسن إسناده الألباني في إرواء الغليل (3/ 162) وقال ابن حجر في التلخيص الحبير (2/ 327): إسناده حسن وقد احتج بهذا الحديث أحمد وابن المنذر وفي جزمهما بذلك دليل على صحته عندهما.
(الأثر الثاني)
وهو الخامس في كتابه قدمته لتعلقه بالأثر الثاني؛ (عن أبي أسماء الرحبي أنه دخل على أبي ذر وهو بالربذة وعنده امرأة له سوداء مسغبة قال فقال ألا تنظرون إلى ما تأمرني به هذه السويداء).
أولا: ننقل هذا الأثر بتمامه ليتبين ما أسقط من سياقه:
عن قتادة عن أبي قلابة عن أبي أسماء الرحبي (أنه دخل على أبي ذر وهو بالربذة وعنده امرأة له سوداء مسغبة
(1)
ليس عليها أثر المجاسد
(2)
ولا الخلوق
(3)
قال فقال ألا تنظرون إلى ما تأمرني به هذه السويداء).
(4)
وهذا يبين أنها لم تكن كاشفة لوجهها وكفيها فقط؛ بل كانت تكشف أوسع من ذلك حتى تمكن من وصفها بأنها شعثة الرأس وليس عليها أثر صفرة الطيب والزينة! وهذا مما لم يقل بجواز كشفه ولا النظر إليه الشيخ الألباني نفسه!! فإن دل ذلك على شيء؛ فإنما يدل على أنها كانت أمة مملوكة، يشهد لذلك قوله
(1)
حلية الأولياء (1/ 164) كما عزاه الألباني لابن سعد ولم أجده عنده ولعله وهم إذ إنه أشار إلى نفس موضعه من الحلية! وقال إسناده جيد في الشواهد!
(2)
انظر: تهذيب الكمال للمزي 13/ 310، تهذيب التهذيب لابن حجر 4/ 401.
(3)
وذلك أن الرجل إذا تزوج أمة مملوكة لغيره يكون ولده رقيقا تبعا لها. وفي عمدة القاري 11/ 168: وكل أمة تلد من غير سيدها فولدها عبد.
(4)
مسند أحمد بن حنبل (21454)، الطبقات 4/ 236. وصححه الألباني.
(امرأة له سوداء) وما جاء في إتحاف الخيرة المهرة (7/ 436): عن عبد الله بن الصامت "أنه كان مع أبي ذر رضي الله عنه فخرج عطاؤه، وكان معه جارية له، فجعلت تقضي حوائجه) رواه أبو بكر بن أبي شيبة وأحمد بن حنبل بسند صحيح.
وهذا يسقط الاحتجاج به على جواز الكشف للنساء الحرائر.
(الأثر الثالث)
(عن أبي السليل قال جاءت ابنة أبي ذر وعليها مجنبتا صوف سفعاء الخدين ومعها قفة لها فمثلت بين يديه وعنده أصحابه فقالت يا أبتاه زعم الحراثون والزراعون أن أفلسك هذه بهرجة فقال يا بنية ضعيها فإن أباك أصبح بحمد الله ما يملك من صفراء ولا بيضاء إلا أفلسه هذه)
(1)
.
الجواب عليه بالآتي:
أولا: إسناده ضعيف لا يحتج به لأنه منقطع، فإن أبا السليل لم يدرك أبا ذر الغفاري.
(2)
ثانيا: على فرض صحته فإن ابنة أبي ذر هذه قد تكون صغيرة لم تحتجب بعد فلا يكون فيه حجة على جواز كشف المرأة البالغة.
(1)
حلية الأولياء (1/ 164) كما عزاه الألباني لابن سعد ولم أجده عنده ولعله وهم إذ إنه أشار إلى نفس موضعه من الحلية! وقال إسناده جيد في الشواهد!
(2)
انظر: تهذيب الكمال للمزي 13/ 310، تهذيب التهذيب لابن حجر 4/ 401.
ثالثًا: إن ابنة أبي ذر قد تكون رقيقة تبعا لأمّها
(1)
كما تبين في الأثر السابق، فلا يكون في كشفها حجة على جواز كشف النساء الحرائر.
(الأثر الرابع)
أخرجه ابن جرير قال حدثنا عبد الأعلى بن واصل الأسدي قال حدثنا عمرو بن طلحة القناد عن مسهر بن عبد الملك بن سلع الهمداني عن عتبة أبي معاذ البصرى عن عكرمة (عن عمران بن حصين قال كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعدا إذ أقبلت فاطمة رحمها الله فوقفت بين يديه فنظرت إليها وقد ذهب الدم من وجهها وغلبت الصفرة من شدة الجوع قال فنظر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أدني يا فاطمة
…
فدنت حتى قامت بين يديه فرفع يده فوضعها على صدرها في موضع القلادة وفرج بين أصابعه ثم قال" اللهم مشبع الجاعة ورافع الوضعة لا تجع فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم " قال عمران فنظرت إليها وقد غلب الدم على وجهها وذهبت الصفرة كما كانت الصفرة قد غلبت على الدم. قال عمران: فلقيتها بعد فسألتها فقالت ما جعت بعد يا عمران!)
أولا: هذا الأثر إسناده ضعيف؛ ولذلك قال عنه الشيخ الألباني: إسناده لا بأس به في الشواهد.
(1)
وذلك أن الرجل إذا تزوج أمة مملوكة لغيره يكون ولده رقيقا تبعا لها. وفي عمدة القاري 11/ 168: وكل أمة تلد من غير سيدها فولدها عبد.
(2)
تهذيب الاثار للطبري 1/ 286، الكنى والأسماء للدولابي (1823) 3/ 1038.
ثانيا: أن فاطمة رضي الله عنها كانت حينئذ صغيرة لم تحتجب بعد يشهد لذلك قوله (فرفع يده فوضعها على صدرها في موضع القلادة) وهذا مما لم يقل أحد من أهل العلم بجواز كشفه من المرأة الحرة للرجال الأجانب، أما قوله (فلقيتها بعد فسألتها فقالت ما جعت بعد يا عمران) فهذا ليس فيه شاهد أنه رأى وجهها ولا أنها كانت كاشفة عن وجهها! كما أنه قد يكون قبل نزول الحجاب؛ أو أن عمران كان من الموالي، ولذلك لم يستشهد بهذا الأثر أحد من أهل العلم على جواز النظر؛ فضلا على أن يستشهدوا به على جواز الكشف!!
(الأثر الخامس)
(عن قبيصة بن جابر قال كنا نشارك المرأة في السورة من القرآن نتعلمها فانطلقت مع عجوز من بني أسد إلى ابن مسعود في بيته فرأى جبينها يبرق فقال أتحلقينه فغضبت ثم قالت التي تحلق جبينها امرأتك قال فادخلي عليها فإن كانت تفعله فهي مني بريئة فانطلقت ثم جاءت فقالت لا والله ما رأيتها تفعله فقال ابن مسعود سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلعن المتنمصات والمتفلجات والمتوشمات اللائي يغيرن خلق الله تعالى)
(1)
.
لم يخرج هذا الأثر بهذا اللفظ الذي فيه نظر ابن مسعود إلى جبين تلك العجوز؛ إلا الشاشي في مسنده، وقد استشهد به الشيخ الألباني دون عزوه لأحد، واكتفى بقوله: سنده حسن وهو مخرج في" آداب الزفاف" وبالرجوع إلى
(1)
مسند الشاشي 2/ 256.
كتابه آداب الزفاف تجد أنه إنما ذكر الحديث مقتصرا على قول الرسول صلى الله عليه وسلم (لعن الله الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله، قال فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها أم يعقوب
…
) المذكور في الرواية المشتهرة للحديث المروية في الصحاح والجوامع والمسانيد والمصنفات والتي ليس فيها ذكر لرؤية جبين هذه المرأة. ومع ذلك فكلا الروايتين لا حجة فيها على جواز كشف النساء الحرائر لأن هذه المرأة العجوز كانت من الإماء كما هو مصرح به في الحديث؛ (عجوز من بني أسد) من الحبش (يقال لها أم يعقوب) فلا يكون فيه حجة على جواز كشف النساء الحرائر.
(الأثر السادس)
قال الشيخ الألباني وفي" تاريخ ابن عساكر (67/ 79) " وفي قصة صلب ابن الزبير أن أمه (أسماء بنت أبي بكر) جاءت مسفرة الوجه متبسمة.
استشهد الشيخ الألباني بهذا الأثر دون التعليق على إسناده!! الذي يتبين بالرجوع إليه عند ابن عساكر أنه إسناد هالك لا يحتج ولا يستشهد به: أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة (مدلس له مناكير) أبو عثمان (مبهم) عن شيخ يسمى عطية (مجهول) فهو رواية مجهول عن مجهول! والراوي عن المجهولَين مدلس له مناكير.
(1)
(1)
طبقات المدلسين 1/ 19 - لسان الميزان 1/ 295 - ميزان الاعتدال 1/ 296.
ومما يبطل الاستشهاد بهذا الأثر؛ ماساقه الشيخ الألباني (ص 108) بسند صحيح عن أسماء بنت أبي بكر أنها قالت: (كنا نغطي وجوهنا من الرجال، وكنا نمتشط قبل ذلك في الإحرام) فمن لم تكشف عن وجهها حال إحرامها فكيف تكشفه حال حلِّها!!
(الأثر السابع)
(عن أنس بن مالك قال دخلت على عمر بن الخطاب أمة قد كان يعرفها ببعض المهاجرين أو الأنصار وعليها جلباب متقنعة به فسألها عتقت قالت لا قال فما بال الجلباب ضعيه عن رأسك إنما الجلباب على الحرائر من نساء المؤمنين فتلكأت فقام إليها بالدرة فضرب بها رأسها حتى ألقته عن رأسها)
(1)
.
أولا: استشهاد الشيخ الألباني بهذا الأثر فيه إقرار لما أنكره مسبقا من التفريق بين الحرائر والإماء في الحجاب.
ثانيا: أن هذا الأثر يعد من أدلة وجوب تغطية الوجه؛ وبيان ذلك من عدة وجوه:
1 -
أن عمر رضي الله عنه ضربها حتى ألقت الجلباب عن رأسها؛ فلو كان الجلباب على رأسها فوق الخمار دون أن تكون مغطية به وجهها فما الذي سينكشف إذا ألقته عن رأسها حتى يعد هذا المنكشف منها هو الفارق بين الحرائر والإماء؟!
(1)
مصنف ابن أبي شيبة 2/ 41، صححه الألباني في جلباب المرأة /99.
2 -
أن أنس صرح بأنها كانت متقنعة بالجلباب وقد سبق أن بيّنا في مناقشة البحث الرابع أن التقنع يعني تغطية الوجه، وكان الشيخ الألباني يقول بذلك كما في كتابه حجاب المرأة، ولكنه عاد مؤخرا في كتابه الجلباب فعدل عن رأيه! فقال في كتابه الجلباب/ 103:(وجاءت المرأة متقنعة) قال في حاشيته: "كنت قد وهمت في إيراد هذا الأثر في جملة ما يدل على جريان العمل على ستر الوجه من النساء في العهد الأول، ثم تبين لي أن الأمر على العكس من ذلك"!
3 -
يشهد لما ذكرنا: ما روي عن عمر رضي الله عنه أنه رأى- وهو يخطب الناس- أمة خرجت من بيت حفصة تجوس الناس ملتبسة لباس الحرائر (متقنعة) فلما انصرف دخل على حفصة فقال: من المرأة التي خرجت من عندك تجوس الرجال؟ قالت تلك جارية عبد الرحمن. قال: فما يحملك أن تلبسي جارية أخيك لباس الحرائر فقد دخلت عليك ولا أراها إلا حرّة فأردت أن أعاقبها.
(1)
فها هو عمر رضي الله عنه لم يعرف جارية ابنه عبد الرحمن لما كانت متقنعة بالجلباب. فهل بعد هذا حجة على أن التقنع لا يعني تغطية الوجه، وأنه مما افترض على الحرائر دون الإماء!
(1)
موطأ مالك 2/ 981 (1773) سنن البيهقي الكبرى 2/ 226 (3037) صححه البيهقي في معرفة السنن والآثار 2/ 93، وقال الذهبي في المهذب 2/ 666 إسناده قوي.
(الأثر الثامن)
(عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل: أن أروى خاصمته في بعض داره، فقال دعوها وإياها فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول" من أخذ شبرا من الأرض بغيرحقه طوقه في سبع أرضين يوم القيامة" (اللهم إن كانت كاذبة فأعم بصرها واجعل قبرها في دارها) قال فرأيتها عمياء تلتمس الجدر تقول أصابتني دعوة سعيد بن زيد فبينما هي تمشي في الدار مرت على بئر في الدار فوقعت فيها فكانت قبرها).
(1)
وهذا الأثر ليس فيه حجة؛ إذ ليس فيه أنه رأى وجهها ولا أنها كانت كاشفة عن وجهها، وكل ما فيه أنه رآها تلتمس الجدر! وهذا لا يشترط معه أن تكون كاشفة عن وجهها ولا حتى عن عينيها لأنها عمياء لن تنتفع بكشف ذلك!! كما أن أروى هذه قد تكون من الإماء، ولذلك لم يستشهد أحد من أهل العلم بهذا الأثر على جواز النظر للمرأة ولا على جواز كشف الوجه.
(الأثر التاسع)
(عن عطاء بن أبي رباح يقول رأيت عائشة تفتل القلائد للغنم تساق معها هديا).
(2)
(1)
صحيح مسلم (1610).
(2)
التمهيد لابن عبد البر 17/ 221.
ليس في هذا الأثر حجة على جواز كشف الوجه، لأنه ليس فيه إلا رؤية الكفين، ومع ذلك فإن من المتفق عليه عند أهل العلم أن الحجاب واجب على أمهات المؤمنين دون استثناء لوجه أو كف، وأنهن لم يكن يبرزن للرجال الذين يجب عليهن الاحتجاب منهم ولو كن مستترات بالجلابيب كما قال ابن عبد البر في الاستذكار 6/ 170:"إن نساء النبي صلى الله عليه وسلم لا يكلمن إلا من وراء حجاب متجالات كن أو غير متجالات" فكيف يسوغ الاستشهاد بهذا الأثر على أنها كانت كاشفة لكفيها على مرأى من رجل حر أجنبي يجب عليها الاحتجاب منه؟!! ولذلك يُبطِل الاستشهاد بهذا الأثر أمرين:
الأول؛ قال ابن عبد البر في التمهيد (17/ 221): ذكر عبد الرزاق
…
وساق هذا الأثر الذي استشهد به الشيخ الألباني؛ ولم أجد هذا الأثر بهذا اللفظ في مصنف عبد الرزاق ولا في غيره! ولذلك قال الشيخ الألباني في حاشية جلباب المرأة ص/101 (كذا في "التمهيد" لابن عبد البر "17/ 221") ولم يجزم بعزوه لعبدالرزاق!! ولعل ابن عبد البر أرادما روى البخاري (7/ 102) ومسلم (2/ 959): عن مسروق قال: سمعت عائشة، وهي من وراء الحجاب تصفق، وتقول:(كنت أفتل قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي)
(1)
فقد ذكره في كتابيه التمهيد والاستذكار، وهذا هو الثابت في الصحيحين.
(1)
تقليد البدنة: أن يعلق في عنقها شيء ليعلم أنها هدي. وأصل القلد: الفتل، يقال قلدت الحبل، إذا فتلته. مقاييس اللغة (5/ 19).
فقد يكون قول عطاء من باب الإخبار بأنه رأى القلائد التي فتلت دون أن تكون وقعت منه الرؤية لها عند فتلها، فأراد الإخبار أنها كانت تفتل القلائد للهدي؛ ولم يكن مراده الإخبار بوقوع النظر منه لها عندما كانت تفتلها.
الثاني: أن عطاء بن أبي رباح كان من الموالي (عبد مملوك) قال ابن المديني: هو مولى حبيبة بنت ميسرة بن أبي خيثم.
(1)
ولذلك فليس في هذا الأثر حجة على جواز كشف الكفين للرجال الأحرار الأجانب، هذا على فرض ثبوت رؤيته لكفيها.
(الأثر العاشر)
عن الحميدي قال ثنا سفيان قال ثنا (عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب قال أرسلني علي بن الحسين إلى الربيع بنت معوذ بن عفراء أسألها عن وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يتوضأ عندها فأتيتها، فأخرجت إلي إناء يكون مدا أو مدا وربع، فقالت بهذا كنت أخرج لرسول الله صلى الله عليه وسلم الوضوء. . . الحديث).
1) هذا الحديث ضعيف كما قال النووي في المجموع (1/ 499): حديث الربيع ضعيف رواه البيهقي وغيره من رواية عبد الله بن محمد بن عقيل وهو ضعيف عند أكثر أهل الحديث.
(1)
انظر: تقريب التهذيب 1/ 391، التاريخ الكبير 6/ 463 وقال فيه (1/ 446): كان عطاء بن أبي رباح أسود شديد السواد.
2) مع أنه ليس في هذا الأثر أنها كانت كاشفة أو أنه رأى وجهها؛ إلا أن ليس فيه حجة؛ لأن الربيع بنت معوذ كانت من الإماء يشهد لذلك ما روى عنها الترمذي في سننه (1185) 3/ 491؛ وصححه الشيخ الألباني (أنها اختلعت على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أو أمرت أن تعتد بحيضة) وقد ذكر البغوي في شرح السنة (9/ 317): أم الولد قال قوم: (تعتد بحيضة) روي ذلك عن ابن عمر
…
وإليه ذهب مالك، والشافعي، وأحمد.
(الأثر الحادي عشر)
عن عروة بن عبد الله بن قشير أنه دخل على فاطمة بنت علي بن أبي طالب
(1)
قال "فرأيت في يديها مسكا غلاظا في كل يد اثنين اثنين قال ورأيت في يدها خاتما".
(2)
ولو أتم الشيخ الألباني هذا الأثر لتبين أنليس فيه حجة: (قال فرأيت في يديها مسكا غلاظا في كل يد اثنين اثنين قال ورأيت في يدها خاتما وفي عنقها خيطا فيه خرز). فقوله (وفي عنقها خيطا فيه خرز
…
) يدل على أنها كانت حاسرة عن عنقها وهذا مما لم يقل بجواز كشفه للرجال الأجانب أحد من أهل العلم ولا الشيخ الألباني! وهذا يكشف أن رؤية عروة لفاطمة ودخوله عليها إما لصغر سنّها أو لسببٍ من رق أو رضاع، لأن مما هو مجمع عليه أن موضع القلادة من العنق من الزينة الباطنة التي لا يجوز كشفها إلا لمن سمى
(1)
فاطمة بنت علي بن أبي طالب القرشية الهاشمية، وهي فاطمة الصغرى. أمها أم ولد. كما في تهذيب الكمال (35/ 261).
(2)
الطبقات الكبرى 8/ 465، تاريخ مدينة دمشق 70/ 38 وصحح إسناده الألباني في جلباب المرأة /102.
الله تعالى في آية النور، وبذلك يبطل الاحتجاج بهذا الأثر على جواز كشف الوجه للرجال الأجانب.
(الأثر الثاني عشر)
(عن عيسى بن عثمان قال كنت عند فاطمة بنت علي فجاء رجل يثني على أبيها عندها فأخذت رمادا فسفت في وجهه).
(1)
مع ضعف إسناد هذا الأثر؛ فإن ليس فيه حجة لأنه لم يثبت فيه أن فاطمة كانت كاشفة عن وجهها!! وقد تكون فاطمة حينها صغيرة لم تبلغ، أو أن هؤلاء من الرقيق، فلا يكون فيه حجة.
(الأثر الثالث عشر)
(عن محمد بن يزيد الواسطي عن أبي بلج يحيى بن أبي سليم
(2)
قال رأيت سمراء بنت نهيك وكانت قد أدركت النبي صلى الله عليه وسلم عليها درع غليظ وخمار غليظ بيدها سوط تؤدب الناس وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر).
(3)
(1)
الطبقات الكبرى 8/ 465 وقال الألباني في جلباب المرأة /102: إسناده جيد.
(2)
أبو بلج هذا هو جارية بن بلج التميمي الصغير، فهو الذي روى عن سمراء بنت نهيك كما ذكر الدارقطني في المؤتَلِف والمختَلِف (1/ 220). فقد وهم من قال إنه يحيى بن أبي سليم، وقد ذكر جارية بن بلج التيمي ابن حجر في التقريب واللسان، والمزي في تهذيب الكمال، وأبو حاتم في الجرح والتعديل؛ دون جرح له أو تعديل إلا قول ابن حجر في لسان الميزان (7/ 455): شيخ ليزيد بن هارون.
(3)
المعجم الكبير 24/ 311 قال الألباني في جلباب المرأة /102: سنده جيد.
قال ابن عبد البر في الاستيعاب 4/ 1863: سمراء بنت نهيك الأسدية أدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمّرت وكانت تمر في الأسواق وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتضرب الناس على ذلك بسوط كان معها، روى عنها أبو بلج جارية بن بلج. اهـ
وهذا يشهد أن سمراء بنت نهيك كانت من الإماء؛ لأن المشي في الأسواق كان من عادة الإماء دون الحرائر، كما أنها كانت من القواعد يشهد لذلك قول ابن عبد البر السابق (أدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمّرت) وهذا سبب خروجها بلا جلباب، كما ذكر أبو بلج أنه إنما رأى عليها درعا وخمارا، ولكن الشيخ الألباني أوّل معنى الدرع هنا إلى الجلباب فقال: الدرع هنا فيما يبدو لي هو الجلباب؛ ففي كتب اللغة" درع المرأة قميصها" ومن معاني القميص الجلباب
(1)
! لكنه لم يرد في أيّ من كتب اللغة أن من معاني الدرع الجلباب!! كما أن المتعارف عليه في عرف الصحابة أن الدرع للمرأة يطلق على الثوب الملاصق للبدن، أما ما تلبسه فوق الثياب فهو الملحفة والرداء والجلباب، كما سيأتي بيان ذلك في مناقشة البحث الثامن. وبذلك يسقط الاستشهاد بهذا الأثر على جواز كشف الوجه للنساء الحرائر.
(الأثر الرابع عشر)
عن أبي القاسم بن السمرقندي أنا أبو الحسين أنا عيسى أنا (البغوي نا عيسى بن سالم الشاشي نا أبو المليح عن ميمون بن مهران قال: دخلت على أم الدرداء
(1)
جلباب المرأة، هامش / 19.
فرأيتها مختمرة بخمار صفيق قد ضربت على حاجبها قال وكان فيه قصر فوصلته بسير قال وما دخلت عليها في ساعة صلاة إلا وجدتها مصلية).
(1)
أولا: ميمون بن مهران كان عبدا مملوكا لها ولذلك كان يدخل عليها ويراها دون حجاب؛ ذكره ابن حبان في ثقاته وقال: " كان مولى بنيأسد، كان مملوكا لامرأة بالكوفة"
(2)
. وهذا كاف لإبطال الاستشهاد به على جواز كشف وجه المرأة الحرة للرجال الأحرار الأجانب.
ثانيا: إسناده ضعيف لا يعرف بعض رجاله، والشيخ الألباني إنما حكم بالصحة على آخر الإسناد (البغوي: نا عيسى بن سالم الشاشي: نا أبو المليح عن ميمون) أما أوله (أخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي أنا أبو الحسين أنا عيسى) فلم يتطرق له بذكر! فهل يصح أثر صح آخر إسناده دون أوله؟!
(الأثر السادس عشر)
عن عيينة بن عبد الرحمن عن أبيه قال جاءت امرأة إلى سمرة بن جندب فذكرت أن زوجها لا يصل إليها. . . قال وجاءت المرأة متقنعة
…
"
(3)
الصواب أن يستشهد بهذا الأثر على تغطية الوجه، لأن فيه أن المرأة جاءت متقنعة، والتقنع كما بيناه في مناقشة البحث الرابع يعني تغطية الوجه، يشهد
(1)
تاريخ مدينة دمشق 70/ 158.
(2)
الثقات 5/ 417 - وانظر تذكرة الحفاظ 1/ 98 - التاريخ الكبير 7/ 338.
(3)
البيهقي في السنن الكبرى 7/ 228 وسنده حسن.
لذلك أن البخاري أشار في صحيحه إلى هذا الأثر في التعاليق واصفا هذه المرأة التي جاءت متقنعة بقوله: (وأجاز سمرة بن جندب شهادة امرأة منتقبة)
(3)
. وقد سبق أن استشهد الشيخ الألباني بهذا الأثر في كتابه حجاب المرأة على أنه شاهد على جريان العمل على ستر الوجه، ثم عاد وعدل عن رأيه ليستشهد به على جواز الكشف في كتابه الجلباب!! فقال بعد أن ساق هذا الأثر في هامش /103: "كنت قد وهمت في إيراد هذا الأثر في جملة ما يدل على جريان العمل على ستر الوجه من النساء في العهد الأول، ثم تبين لي أن الأمر على العكس من ذلك
…
"!! كان هذا كل ما استشهد به الشيخ الألباني من الأحاديث والآثار التي لم يثبت في أي واحد منها دلالة على جواز كشف الوجه للنساء الحرائر، ولذلك فلا حجة للقول بجواز كشف الوجه للمرأة، بل الحجة قائمة على وجوب تغطيته كما سيأتي مزيد بيان لذلك في البحوث القادمة.
(1)
صحيح البخاري 2/ 939.
ــ:: البحث السابع:: ــ
قال الشيخ الألباني: استدلالهم بالأحاديث الضعيفة والآثار الواهية وإليك بعض الأمثلة: الحديث الأول: عن ابن عباس قال: " أمر الله النساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن
…
ويبدين عيناً واحدة" لقد بينت أن للحديث علتين فأغمضوا أعينهم عنهما وتتابعوا جميعاً على الاحتجاج به وكتموا الرواية الأخرى عن ابن عباس ونصها في تفسير آية الإدناء: "وإدناء الجلباب أن تقنع وتشد على جبينها" رواه ابن جرير وذكره تحت قوله: " وقال آخرون: بل أمرن أن يشددن جلابيبهن على جباههن". وقتادة فإنه قال في تفسير (الإدناء) ""أخذ الله عليهن إذا خرجن أن يُقَنِّعن على الحواجب". أخرجه ابن جرير (22/ 23) بسند صحيح عنه. فمن العجيب الغريب حقاً أن يذكر بعضهم هذا الأثر عقب حديث ابن عباس الضعيف هذا وعقب أثر عبيدة السلماني مستشهداً به! وهو حجة عليه!