الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ــ::
مناقشة البحث السابع::
ــ
أولا: أطلق الشيخ الألباني الحكم بالضعف على الآثار التي استشهد بها المخالفين له ولم يُعمل معها قواعد التحديث التي عمل بها مع أدلته، وإنما حكم عليها بالضعف بما لا يوجب لها الضعف! مما يوهم أن كل ما احتجوا به ضعيف واهٍ!!
ثانيا: أنكر الاستشهاد بالأثر الثابت ابن عباس في تفسير آية إدناء الجلابيب: (أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب ويبدين عينا واحدة)
(1)
وذلك لعلتين في إسناده - خفة في ضبط راويين - رغم أن هذه العلل لا تسقطه من درجة الاحتجاج به! فإنه لاينزل بها عن رتبة الحسن، كما أن له شواهد صحيحة يتقوى بها، ويرتقي بها من الحسن إلى الصحيح.
والجواب على هاتين العلّتين بالآتي:
العلّة الأولى؛ علة الانقطاع بين علي وابن عباس تندفع بما قيل بأن بين علي وابن عباس؛ مجاهد، وهذا ما صرح به الشيخ الألباني نفسه فقال (وقد قيل بينهما مجاهد، فإن صح هذا في هذا الأثر فهو متصل)
(1)
صحح هذا الإسناد ابن حجر في فتح الباري (13/ 271)، والسيوطي في الإتقان (2/ 5)، وحسّنه حكمت بن بشير في الصحيح المسبور من التفسير بالمأثور (3/ 464).
قال الإمام أبو جعفر الطحاوي في شرح مشكل الآثار (12/ 389): وحملنا على قبول رواية علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وإن كان لم يلقه لأنها في الحقيقة عنه عن مجاهد وعكرمة عن ابن عباس.
وقال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير (4/ 110): "وعلي يقال لم يسمع من ابن عباس لكنه إنما أخذ التفسير عن ثقات أصحابه مجاهد وغيره وقد اعتمده البخاري وأبو حاتم وغيرهما في التفسير". وقال في الأمالي المطلقة (1/ 62): " قالوا لم يسمع علي بن أبي طلحة من ابن عباس وإنما أخذ التفسير عن مجاهد وسعيد بن جبير عنه. قلت بعد أن عرفت الواسطة وهي معروفة بالثقة حصل الوثوق به".اهـ.
فهذه شهادة باتصال تفسيره إلى ابن عباس.
أما قول الشيخ الألباني أن علي بن أبي طلحة " قد تكلم فيه" فهذه إشارة إلى أنه ليس بالضعيف الذي يرد حديثه؛ فقد روى عنه الثقات وخرج له مسلم، ووثقه العجلي وذكره ابن حبان في ثقاته، وعدّه الدارقطني في كتابه (ذكر أسماء التابعين ومن بعدهم ممن صحت روايته عن الثقات عند البخاري ومسلم). وقال الحافظ ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (3/ 541): علي بن أبي طلحة ثقة. وقال الحافظ ابن حجر في الأمالي المطلقة (1/ 62): وقد اعتمد البخاري في أكثر ما يجزم به معلقا عن ابن عباس في التفسير على نسخة معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة هذا.
قال السيوطي في الإتقان (2/ 3 - 5): عن ابن عباس من طريق ابن أبي طلحة خاصة فإنها من أصح الطرق عنه وعليها اعتمد البخاري في صحيحه. اهـ
العلّة الثانية: وهي قوله عن عبد الله بن صالح "فيه ضعف" وهذه إشارة إلى أنه ليس بالضعيف الذي يرد حديثه، إذ أن حديثه لا ينزل عن رتبة الحسن:
- قال عمر الوادياشي الأندلسي في تحفة المحتاج إلى أدلة المنهاج (2/ 253) منكرا على ابن حزم تضعيفه له فقال: وقد روى عنه ابن معين والبخاري وقال أبو زرعة حسن الحديث.
- قال الحافظ ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (4/ 678): والحديث من أجله حسن
(1)
، والرجل من أهل الصدق، ولم يثبت عليه ما يسقط له حديثه، لكنه مختلف فيه.
قال النووي في التقريب (ص/ 30): إذا كان راوي الحديث متأخراً عن درجة الحافظ الضابط، مشهوراً بالصدق والستر فروي حديثه من غير وجه قوي وارتفع من الحسن إلى الصحيح. اهـ
(1)
الحسن كما في فتح المغيث (1/ 92): الحسن لذاته: هو الحديث المتصل الإسناد برواة معروفين بالصدق، في ضبطهم قصور عن ضبط رواة الصحيح، ولا يكون معلولا ولا شاذا، ومحصله أنه هو والصحيح سواء، إلا في تفاوت الضبط.
وحديث ابن عباس هذا له من الشواهد الصحيحة ما يتقوى بها، ولذلك فإن هذه الرواية تعد من الروايات الثابتة والمعتبرة عند المفسرين والمحدثين:
- قال الإمام جلال الدين السيوطي في الإتقان في علوم القرآن (2/ 5): وأولى ما يرجع إليه في ذلك ما ثبت عن ابن عباس وأصحابه الآخذين عنه فإنه ورد عنهم ما يستوعب تفسير غريب القرآن بالأسانيد الثابتة الصحيحة. وها أنا أسوق هنا ما ورد من ذلك عن ابن عباس من طريق ابن أبي طلحة خاصة فإنها من أصح الطرق عنه وعليها اعتمد البخاري في صحيحه.
- قال الحافظ ابن حجر في كتابه العجاب في بيان الأسباب (1/ 203) بعد أن عدَّ الذين اعتنوا بجمع التفسير: والذين اشتهر عنهم القول في ذلك من التابعين أصحاب ابن عباس وفيهم ثقات وضعفاء؛ فمن الثقات:
1 -
مجاهد بن جبر
…
2 - عكرمة
…
3 - ومن طريق معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، وعلي صدوق لم يلق ابن عباس لكنه إنما حمل عن ثقات أصحابه، فلذلك كان البخاري وابن أبي حاتم وغيرهما يعتمدون على هذه النسخة. اهـ
- قال إدريس الصمدي في تحقيقه لأحكام النظر (ص/176): ورجال هذه الرواية كلهم ثقات
…
وقد احتج برواية علي بن أبي طلحة هذه عن ابن عباس البخاري في "الجامع الصحيح" وجمال الدين القاسمي في تفسيره، والإمام
القرطبي في تفسيره، وكذلك ابن كثير في تفسيره في مواضع عديدة، فكانت هذه الرواية قوية عندهم. اهـ
ثالثا: استشهد الشيخ الألباني بأثر ابن عباس (وإدناء الجلباب أن تقنّع وتشدُّ على جبينها) مع تصريحه بضعفه؛ على أنه يناقض أثر العين الواحدة لابن عباس، وأنكر على مخالفيه استشهادهم لتقوية أثر العين الواحدة بما صح عن قتادة أنه قال" أن الله أخذ عليهن إذا خرجن أن يقنعن على الحواجب"
(1)
؛ لأنه يرى أنه يناقضه!! والصحيح أن أثر ابن عباس (وإدناء الجلباب أن تقنّع وتشد على جبينها) وأثر قتادة (أن الله أخذ عليهن إذا خرجن أن يقنعن على الحواجب) كلها توافق أثر ابن عباس (يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب ويبدين عيناً واحدة)؛ ولا تناقضه، فكلها تحمل معنى تغطية الوجه وإن اختلفت كيفية التغطية، ومما يشهد لصحة ذلك ما يأتي:
1) أن هذا ما حملها عليه أهل التفسير: كالقرطبي والشوكاني وغيرهما فقد حملوا قول ابن عباس وقتادة على تغطية الوجه برد طرف الجلباب وعطفه على الأنف بعد شدّه على الجبين ـ وهذا هوالتقنع ـ ولم يقل أحد منهم أن المراد أن تقنع الشعر وتشد الجلباب على الجبين دون تغطية للوجه!!
(1)
الطبري في تفسيره 22/ 46 صحح الألباني إسناده في الرد المفحم /52.
- قال الإمام القرطبي في تفسيره (14/ 243) والثعالبي في تفسيره (3/ 236): والجلباب هو الثوب الذي يستر جميع البدن، واختلف الناس في صورة إرخائه فقال ابن عباس وعبيدة السلماني ذلك أن تلويه المرأة حتى لا يظهر منها إلا عين واحدة، وقال ابن عباس أيضاً وقتادة ذلك أن تلويه فوق الجبين وتشده ثم تعطفه على الأنف وإن ظهرت عيناها لكنه يستر الصدر ومعظم الوجه.
- قال العلامة محمد بن جزي الكلبي في التسهيل لعلوم التنزيل (3/ 144): والجلابيب جمع جلباب وهو ثوب أكبر من الخمار، وقيل: هو الرداء، وصورة إدنائه عند ابن عباس أن تلويه على وجهها حتى لا يظهر منها إلا عين واحدة تبصر بها، وقيل: أن تلويه حتى لا يظهر إلا عيناها.
- قال أبو حيان الأندلسي في البحر المحيط (7/ 240) والشوكاني في فتح القدير (4/ 304): وقال ابن عباس وقتادة وذلك أن تلويه فوق الجبين وتشده ثم تعطفه على الأنف وإن ظهرت عيناها لكنه يستر الصدر ومعظم الوجه.
- قال الألوسي في روح المعاني (22/ 89): قال ابن عباس وقتادة تلوى الجلباب فوق الجبين وتشده ثم تعطفه على الأنف وإن ظهرت عيناها لكن تستر الصدر ومعظم الوجه وفي رواية أخرى عن الحبر رواها ابن جرير؛ تغطى وجهها من فوق رأسها بالجلباب وتبدي عينا واحدة.
- قال الزمخشري في تفسيره الكشاف (3/ 560): "ترخي المرأة بعض جلبابها وفضله على وجهها تتقنع حتى تتميز من الأمة ".
- وقال الألوسي في تفسيره (روح المعاني)(22/ 89): وإدناء ذلك عليهن أن يتقنعن فيسترن الرأس والوجه بجزء من الجلباب مع إرخاء الباقي على بقية البدن.
- وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (10/ 274) والعيني في عمدة القاري (21/ 308) والعظيم آبادي في عون المعبود (11/ 92) كلهم اتفقت عبارتهم في تعريف التقنع بقولهم: التقنع؛ هو تغطية الرأس وأكثر الوجه برداء أو غيره.
وبذلك تبين أن أثر ابن عباس وأثر قتادة؛ توافق أثر العين الواحدة لابن عباس وتعد من الشواهد التي يتقوى بها.
رابعا: احتج الشيخ الألباني بإدراج الطبري لقول ابن عباس "وإدناء الجلباب أن تقنع وتشد على جبينها" تحت قوله: "وقال آخرون: بل أمرن أن يشددن جلابيبهن على جباههن" مستشهدا بذلك على أن الطبري يريد أن الفريق الآخر يرى أن الإدناء يكون بوضع الجلباب على الرأس وشده على الجبين دون تغطية الوجه!! وهذا تأويل مخالف لمراد الطبري من تقسيمه؛
قال إمام المفسرين محمد بن جرير الطبري (ت 310 هـ): يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين لا يتشبهن بالإماء في لباسهن إذا هن خرجن من بيوتهن لحاجتهن فيكشفن شعورهن ووجوههن ولكن ليدنين عليهن من جلابيبهن لئلا يعرض لهن فاسق إذا علم أنهن حرائر بأذى من قول. ثم اختلف أهل التأويل في صفة الإدناء الذي أمرهن الله به فقال بعضهم هو أن يغطين وجوههن ورؤوسهن فلا يبدين منهن إلا عينا واحدة
…
وقال آخرون بل أمرن أن يشددن جلابيبهن على جباههن ذكر من قال ذلك
…
عن
ابن عباس قال "كانت الحرة تلبس لباس الأمة فأمر الله نساء المؤمنين أن يدنين عليهن من جلابيبهن وإدناء الجلباب أن تقنع وتشد على جبينها"حدثنا ابن حميد عن أبي صالح " يقنعن بالجلباب حتى تعرف الأمة من الحرة".
(1)
اهـ
ويتبين خطأ الشيخ الألباني في فهمه لمراد الطبري بالآتي:
1 -
قول الطبري: (ثم اختلف أهل التأويل في صفة الإدناء) يدل على أنهم لم يختلفوا على ما ذكره قبل ذلك، وهو قوله:(قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين لا يتشبهن بالإماء في لباسهن إذا هن خرجن من بيوتهن لحاجتهن فكشفن شعورهن ووجوههن) أي أنهم متفقون على أن مراد الله من هذا الأمر هو أن تغطي نساء المؤمنين وجوههن بإدناء الجلابيب عليها، ولكن اختلفوا في صفة
(1)
انظر: جامع البيان 22/ 45 - 47.
الإدناء كيف تكون لتحقيق هذه التغطية، ولذلك نجد أن من نقل من أهل العلم عن الطبري تفسير هذه الآية لا يذكر هذا الخلاف:
كما في عون المعبود (11/ 106): وقوله {جَلَابِيبِهِنَّ} جمع جلباب وهي الملاءة التي تشتمل بها المرأة أي يرخين بعضها على الوجوه إذا خرجن لحاجتهن إلا عينا واحدة كذا في الجلالين، وقال الطبري في جامع البيان الجلباب رداء فوق الخمار تستر من فوق إلى أسفل يعني يرخينها عليهن ويغطين وجوههن وأبدانهن انتهى.
2 -
اسقط الشيخ الألباني من قول ابن عباس ما يبين الضابط في تقسيم الطبري وهو قوله (يغطين وجوههن "من فوق رؤوسهن بالجلابيب" ويبدين) فأسقط قوله (من فوق رؤوسهن بالجلابيب) ولذلك لم يتبين الضابط في تقسيم الطبري، وهو أن هناك فريقا قال إن تغطية الوجهتكون بسدل الجلباب على الوجه من فوق الرأس دون شدّ للجلباب حتى لا يظهر منها إلا عينا واحدة، واستشهد بقول ابن عباس وعبيدة، والفريق الآخر قال أن تغطية الوجه تكون من أسفل؛ بشد الجلباب على الجبين ثم رد طرفه من أسفل وعطفه على الأنف فيغطي بذلك الوجه عدا العينين وهو التقنع. واستشهد بقول ابن عباس " أن تقنع وتشد على جبينها" وبقول قتادة " يقنعن على الحواجب " وقول أبو صالح "يقنعن بالجلباب".
هذا مفاد تقسيم الطبري؛ وهو ما فهمه أهل التفسير من قول ابن عباس وقتادة؛ قال الإمام القرطبي في تفسيره (14/ 243) والمفسر النحوي أبو حيان في
البحر المحيط (7/ 240): "واختلف الناس في صورة إرخائه فقال ابن عباس وعبيدة السلماني ذلك أن تلويه المرأة حتى لا يظهر منها إلا عين واحدة تبصر بها، وقال ابن عباس أيضاً وقتادة ذلك أن تلويه فوق الجبين وتشده ثم تعطفه على الأنف وإن ظهرت عيناها لكنه يستر الصدر ومعظم الوجه".
وهو الموافق لمعنى التقنع كما قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (10/ 274): التقنع؛ هو تغطية الرأس وأكثر الوجه برداء أو غيره.
* وبذلك يتبين صحة الاحتجاج بأثر ابن عباس" أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن ويبدين عيناً واحدة" للأمور الآتية:
(1)
أنه أصح إسنادا: كما أسلفنا عن السيوطي في الإتقان (2/ 3 - 5) قال: عن ابن عباس من طريق ابن أبي طلحة خاصة فإنها من أصح الطرق عنه وعليها اعتمد البخاري في صحيحه. اهـ
وكما قال إدريس الصمدي في تحقيقه لأحكام النظر (ص/176): ورجال هذه الرواية كلهم ثقات
…
وقد احتج برواية علي بن أبي طلحة هذه عن ابن عباس البخاري في "الجامع الصحيح" وجمال الدين القاسمي في تفسيره، والإمام القرطبي في تفسيره، وكذلك ابن كثير في تفسيره في مواضع عديدة، فكانت هذه الرواية قوية عندهم. اهـ
كما أن ظاهر القرآن والسنة وآثار الصحابة والتابعين تؤيدها، فهي ثابتة عمل بها الأئمة واحتجوا بها.
(2)
أنه الموافقة لفعل النبي صلى الله عليه وسلم فإنه عندما اصطفى لنفسه صفية بنت حيي من سبي خيبر (
…
فلما ارتحل وطَّى لها خلفه ومدَّ الحجاب بينها وبين الناس وفي رواية (وجعل رداءه على ظهرها ووجهها)
(1)
. وكما في حديث عائشة رضي الله عنها قالت (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد).
(2)
(3)
أنه الأقرب لمعنى الإدناء لغة كما بيّناه في مناقشة البحث الأول؛ كما فسّرها بذلك أئمة التفسير ممن هم أئمة في اللغة العربية:
- قال إمام العربية أبو جعفر النحاس النحوي اللغوي المفسّر في كتابه إعراب القرآن (3/ 325): {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} أي يرخين على وجوههن منه.
- وقال الإمام البارع العلامة أبو القاسم الزمخشري في تفسيره الكشاف (3/ 274): "يدنين عليهن" يرخين عليهن، ويغطين بها وجوههن وأعطافهن. يقال: إذا زل الثوب عن وجه المرأة: أدنى ثوبك على وجهك.
(1)
صحيح البخاري 5/ 1956 (4797) والرواية الأخرى لابن سعد 8/ 86 وقدصححها الألباني في جلباب المرأة/107.
(2)
صحيح البخاري 5/ 2006 (4938) صحيح مسلم 2/ 608 (892)
(4)
لكثرة شواهده:
1 -
صح عن عبيدة السلماني لما سئل عن قوله {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} فتقنع بردائه فغطى أنفه وعينه اليسرى وأخرج عينه اليمنى وأدنى رداءه من فوق حتى جعله قريبا من حاجبه أو على الحاجب.
(1)
2 -
صح عن ابن عباس في صفة تغطية المحرمة وجهها (تدني الجلباب على وجهها ولا تضرب به، قلت وما لا تضرب به فأشار إلى كما تجلبب المرأة ثم أشار إلى ما على خدها من الجلباب فقال: لاتعطفه فتضرب به على وجهها فذلك الذي يبقى عليها ولكن تسدله على وجهها كما هو مسدولا ولا تقلبه ولا تضرب به ولا تعطفه).
(2)
3 -
عن ابن عباس " كانت الحرة تلبس لباس الأمة فأمر الله نساء المؤمنين أن يدنين عليهن من جلابيبهن وإدناء الجلباب أن تقنع وتشد على جبينها".
(3)
(1)
تفسير الطبري 22/ 46 صححه أ. د. حكمت بن بشير بن ياسين في الصحيح المسبور من التفسير بالمأثور (3/ 463).
(2)
أبو داود في مسائل الإمام أحمد /110، الشافعي في مسنده 1/ 118 وفي الأم 2/ 149، واللفظ له.
(3)
تفسير الطبري 22/ 46 قال الألباني في الرد المفحم /11: ضعيف السند لكن له شواهد.
4 -
صح عن قتادة (أخذ الله عليهن إذا خرجن أن يقنعن على الحواجب)
(1)
5 -
عن سعيد بن جبير (يدنين عليهن من جلابيبهن؛ يسدلن عليهن من جلابيبهن وهو القناع فوق الخمار)
(2)
(5)
جريان العمل به من نساء سلف هذه الأمة امتثالا لهذه الآية:
1 -
عن أم سلمة رضي الله عنها قالت (لما نزل {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} خرج نساء الأنصار كأن على رؤوسهن الغربان من أكسية سود يلبسنها).
(3)
2 -
عن عائشة رضي الله عنها قالت (رحم الله نساء الأنصار لما نزلت {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} شققن مروطهن فاعتجرن بها فصلين خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما على رؤوسهن الغربان)
(4)
وسبق أن بينا في مناقشة البحث الرابع أن الاعتجار يعني تغطية الوجه.
(1)
تفسير الطبري 22/ 46. صحح الألباني إسناده في الرد المفحم /52.
(2)
تفسير ابن أبي حاتم 10/ 3155. عزاه الألباني في جلباب المرأة /85 للدر المنثور ساكتا عليه.
(3)
ابن أبي حاتم في تفسيره، أبو داود (4101) وصححه الألباني في صحيح أبي داود 4/ 61.
(4)
أخرجه ابن مردويه كما في الدر المنثور للسيوطي 6/ 660.
3 -
عن عائشة رضي الله عنها قالت (إن نساء المؤمنات كن يصلين الصبح مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم يرجعن متلفعات بمروطهن لا يعرفهن أحد)
(1)
وسبق أن بينا في مناقشة البحث السادس أن التلفع يعني تغطية الوجه.
4 -
عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت في حادثة الإفك (فخمرت وجهي عنه بجلبابي).
(2)
وصح عنها أنها قالت لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلا ليستغفر لأهل البقيع) اختمرت وتقنعت إزاري ثم انطلقت على إثره).
(3)
وسبق أن بينا في مناقشة البحث الرابع أن التقنع يعني تغطية الوجه.
5 -
عن عائشة رضي الله عنها قالت (فإذا حاذوا بنا أسدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها)
(4)
وقالت (تسدل المرأة جلبابها من فوق رأسها على وجهها)
(5)
.
6 -
عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت (كنا نغطي وجوهنا من الرجال وكنا نتمشط قبل ذلك في الإحرام).
(6)
(1)
صحيح البخاري (1/ 173) صحيح مسلم (1/ 445) واللفظ له.
(2)
صحيح البخاري 4/ 1774 (4473) صحيح مسلم 4/ 2129 (2770).
(3)
صحيح مسلم 2/ 669 (974).
(4)
مسند أحمد (24021) سنن أبي داود (1833) صححه علي القاري في مرقاة المفاتيح (5/ 1852) وصححه الألباني في حجاب المرأة /33 وفي مشكاة المصابيح (2/ 823).
(5)
أخرجه سعيد بن منصور في سننه بإسناد صحيح كما في فتح الباري 3/ 406.
(6)
صحيح ابن خزيمة 4/ 203 (2690) وصححه الألباني في إرواء الغليل 4/ 212.
7 -
عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أنها قالت (خسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعت رجة الناس وهم يقولون آية
…
فخرجت متلفعة بقطيفة للزبير حتى دخلت على عائشة)
(1)
8 -
عن فاطمة بنت المنذر أنها قالت (كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات)
(2)
.
9 -
وجاءت امرأة إلى سمرة بن جندب رضي الله عنه فذكرت أن زوجها لا يصل إليها
…
قال وجاءت المرأة متقنعة)
(3)
10 -
عن زينب امرأة عبد الله قالت كانت عجوز تدخل علينا
…
وكان عبد الله إذا دخل تنحنح وصوت فدخل يوما فلما سمعت صوته احتجبت منه.
(4)
(6)
احتجاج أهل العلم بهذه الرواية؛ فقهاء ومحدثين ومفسرين فكان ذلك إجماعا منهم على حجيتها ووجوب العمل بها.
وبذلك ثبتت صحة حديث ابن عباس، وتبين خطأ الشيخ الألباني في تضعيفه لأثر ابن عباس، فإن أقل ما يقال في إسناده لو خلا مما ذكرنا مما يقويه ويعضده إنه حسن؛ والحديث الحسن يعمل به ويحتج به؛
(1)
صحيح البخاري 1/ 358 (1005) مسند أحمد 6/ 354 واللفظ له، قال الهيثمي في مجمع الزوائد 10/ 405: رجاله ثقات.
(2)
موطأ مالك 1/ 328 (718) صححه الألباني في إرواء الغليل 4/ 212.
(3)
البيهقي في السنن الكبرى 7/ 228 حسنه الألباني في جلباب المرأة /103.
(4)
سنن ابن ماجه 2/ 1166 (3530) صححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه 2/ 1166.
كما جاء في قواعد التحديث لمحمد جمال الدين القاسمي (1/ 106): بيان كون الحسن حجة في الأحكام: قال الأئمة: الحسن كالصحيح في الاحتجاج به، وإن كان دونه في القوة، ولهذا أدرجه طائفة من نوع الصحيح
…
وقال السخاوى في الفتح: منهم من يدرج الحسن في الصحيح لاشتراكهما في الاحتجاج، بل نقل ابن تيمية إجماعهم إلا الترمذي خاصة عليه، قال الخطابي: على الحسن مدار أكثر الحديث، لأن غالب الأحاديث لا تبلغ رتبة الصحيح، وعمل به عامة الفقهاء، وقبله أكثر العلماء. اهـ وقال السخاوي في فتح المغيث (1/ 93): ونحوه قول البغوي: أكثر الأحكام ثبوتها بطريق حسن. اهـ
فكيف وقد ثبت لحديث ابن عباس ما يقويه؛ من الشواهد، وجريان العمل عليه وقبول أهل العلم واحتجاجهم به مما يرتقي به من الحسن إلى الصحيح!
* وبعد أن تبين صحة الاحتجاج بقول ابن عباس في تفسير آية إدناء الجلابيب؛ فلنا أن نذكر بقول أهل العلم أن "تفسير الصحابي حجة بل هو في حكم المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم "
كما قال الحافظ ابن حجر في النكت (2/ 531): والحق أن ضابط ما يفسره الصحابي رضي الله عنه إن كان مما لا مجال للاجتهاد فيه ولا منقولا عن لسان العرب فحكمه الرفع.
وبذلك ثبت أن تغطية المرأة الحرة لوجهها واجب وفرض بناء على تفسير الحبر (ابن عباس) لآية إدناء الجلابيب.
ــ:: تتمة البحث السابع (1):: ــ
قال الشيخ الألباني: الحديث الثاني: من الضعيف الذي استدلوا به: "سؤال ابن سيرين عبيدة السلماني عن آية (الإدناء)؟ فتقنَّع عبيدة بِملحفة وغطى رأسه كله حتى بلغ الحاجبين وغطّى وجهه وأخرج عينه اليسرى". أخرجه السيوطي في "الدر". وبيان ضعفه من وجوه:
1 -
أنه مقطوع موقوف فلا حجة فيه لأن عبيدة السلماني تابعي اتفاقاً فلو أنه رفع حديثاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم لكان مرسلاً لا حجة فيه فكيف إذا كان موقوفاً عليه كهذا؟!
2 -
أنهم اضطربوا في ضبط العين المكشوفة فيه فقيل: "اليسرى" وقيل: "اليمنى" وهو رواية الطبري وقيل: "إحدى عينيه" وهي رواية أخرى له. وإذا عرفت هذا فاعلم أن الاضطراب عند علماء الحديث علة في الرواية تسقطها عن مرتبة الاحتجاج بها حتى ولو كان شكلياً كهذا لأنه يدل على أن الراوي لم يضبطها ولم يحفظها.
3 -
مخالفته لتفسير ابن عباس للآية كما تقدم بيانه.