الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ــ::
مناقشة البحث التاسع::
ــ
نوافق الشيخ الألباني فيما ذكر من أن الحديث "إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا وأشار إلى وجهه وكفيه" أنه يصلح حينئذٍ أن يكون مبيناً لقوله تعالى {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا}
…
أي: وجهها وكفيها، فالمنهي في الآية هو المنهي في الحديث، والمستثنى فيها هو المستثنى في الحديث"
ولكن!!! هل حُملت هذه الآية {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} على ما أراد الله عز وجل؛ أم حيد عن مراد الله منها وحُملت أقوال المفسرين لها من الصحابة والتابعين وأئمة المفسرين على غير محملها؟ وهل المراد من قوله تعالى {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} هو ما يجوز للمرأة الحرة إظهاره أمام الرجال الأحرار الأجانب؛ حتى يكون فيه حجة على جواز كشف وجه المرأة الحرة لهم؟!! فإنه كما قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (1/ 246): والمنقول عن السلف والعلماء يحتاج إلى معرفة بثبوت لفظه ودلالته، كما يحتاج إلى ذلك المنقول عن الله ورسوله. فقد حمل المتأخرين هذه الآية {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} على أنها تبين ما يجوز للمرأة الحرة إبداؤه أمام الرجال الأحرار الأجانب الذين يجب عليها الاحتجاب منهم، فحملوا ما نقل عن ابن مسعود وابن عباس وغيرهم في تأويلها على ذلك، ولذلك انقسموا إلى فريقين؛ الفريق الذي يرى وجوب ستر وجه المرأة أخذ بقول ابن مسعود وتجاهل قول ابن عباس!! والفريق الذي يرى جواز كشفه أخذ بقول ابن عباس ولم يلتفت إلى قول ابن مسعود!! ولو حُملت هذه الآية {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} على أنها تبين ما يجوز للمرأة إظهاره لمن يحل لهم الدخول عليها والنظر إليها دون حجاب ممّن لم يستثنَ في الآية؛ وأن هذا مراد ابن مسعود وابن عباس في تأويلهما لزال ما يعد خلافا بين ابن مسعود وابن عباس في تفسير هذه الآية.
فإن هناك فئات من الناس يحل لهم الدخول على المرأة ورؤيتها دون حجاب لم يستثنوا في الآية وهم: العم والخال، والمحرم بالمصاهرة (زوج البنت، وزوج الأم، وابن الزوج، وأبو الزوج)
(1)
والمحرم بالرضاع، والعبيد المملوكون للغير، والعبد المملوك إذا كان من أولي الإربة، والصبية المميزون الذين لم يبلغوا الحلم، والنساء غير المسلمات؛ فهؤلاء هم المعنيون بنهي المرأة الحرة عن إبداء زينتها لهم {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا}
…
فإن الذي تحقق؛ أنه بعد أن ضُرب الحجاب في البيوت ومُنع الرجال الأحرار الأجانب من الدخول على النساء الأجنبيات الحرائر، وبقي الأِذن بالدخول عليهن ورؤيتهن للمحارم وللعبيد المملوكين من الأجانب؛ نزلت هذه الآيات من سورة النور لتبين حدود ما تظهره المرأة من الزينة أمامهم: فأمرت بالتحرز والتحفظ باتخاذ الثياب الظاهرة (من رداء أو ملحفة وهو ما يسميه العامة الآن الجلال) وبضرب الخمار على الجيب فلا تبدي إلا الوجه والكفين بما فيهما من الزينة؛ وهذا تظهره المرأة الحرة لمن يحل له الدخول عليها والنظر إليها دون حجاب ممن لم يستثن في الآية، وهو أيضا ما يحل أن تظهره الأمة المملوكة لجميع الرجال الأجانب، أما من استثناهم الله في الآية ممن أبيح لهم النظر للمرأة بقوله تعالى {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ} النور 310
…
فقد أباح الله عز وجل لها أن تضع الرداء ولا تضرب الخمار على جيبها أمامهم.
(1)
كما سيأتي لاحقا أنهم ليسوا المعنيون بقوله (أو آباء بعولتهن. .. أو أبناء بعولتهن)
وسنذكر من الشواهد والقرائن في الآية ومما أُثر عن الصحابة والتابعين ومن أقوال المفسرين وغيرهم من أهل العلم ما يؤكد ما ذكرنا؛ من أن هذه الآية {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} تُبين ما يجوز للمرأة إظهاره لمن يحل له الدخول عليها والنظر إليها دون حجاب ممّن لم يستثن في الآية؛ وليس المراد ما تظهره المرأة الحرة للرجال الأحرار الأجانب الذين يجب عليها الاحتجاب منهم:
- أولا: ما أثر عن الصحابة والتابعين في تفسير هذه الآية يؤكد هذا المعنى ويشهد له:
وقد أشار الشيخ الألباني إلى من فسّر الزينة الظاهرة بالوجه والكفين؛ مكتفيا بسرد أسمائهم ومخرجي أقوالهم! وبالرجوع إلى أقوالهم في المواضع المشار إليها يتبين أنهم لم يقتصروا في تفسير الزينة الظاهرة على (الوجه والكفين) فقط بل زاد بعضهم (الخاتم والسوار) مما يشهد لما ذكرنا لأنه لم يقل أحد من أهل العلم بجواز إبدائها للرجال الأجانب ولا الشيخ الألباني نفسه! وهذه أقوالهم في تفسير قوله تعالى {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} :
1 -
عائشة رضي الله عنها:
- عند الطبري في تفسيره (18/ 119): قالت: (القلب والفتخة) والقلب: هو السوار، والفتخة: وهي خواتيم كبار.
(1)
إسناده صحيح.
- عند ابن أبي شيبة وابن المنذر والبيهقي؛ قالت: (القلب والفتخة).
(2)
إسناده صحيح.
- عند البيهقي في سننه الكبرى (2/ 226) قالت: (الوجه والكفان) إسناده ضعيف.
(3)
2 -
عبد الله بن عباس رضي الله عنه
- عند ابن أبي شيبة (3/ 546): قال (الكف ورقعة الوجه) وفي إسناده مقال.
- عند الطحاوي قال: (الكحل والخاتم)
(4)
اسناده صحيح
- عند البيهقي من عدة طرق قال (الكحل والخاتم)
(5)
اسناده صحيح
(1)
النهاية في غريب الأثر (4/ 98)(3/ 408).
(2)
مصنف ابن أبي شيبة (3/ 546) تفسير ابن أبي حاتم (8/ 2575) سنن البيهقي الكبرى (7/ 86).
(3)
ضعفه الشيخ الألباني في الرد المفحم/ 129.
(4)
شرح معاني الآثار (4/ 332).
(5)
سنن البيهقي الكبرى (7/ 85)(2/ 225).
- عند ابن جرير الطبري (18/ 118) قال (الوجه وكحل العين وخضاب الكف والخاتم فهذا تظهره في بيتها لمن دخل عليها). اسناده حسن.
- عند ابن أبي حاتم (8/ 2574) قال (وجهها وكفاها والخاتم)
(1)
.اسناده صحيح
- عند ابن جرير الطبري (18/ 119) قال (الخاتم والمسكة). المسكة: السوار. اسناده صحيح
- عند ابن أبي شيبة (3/ 547) قال: (وجهها وكفها) وعند البيهقي في السنن الكبرى (2/ 225): قال (ما في الكف والوجه) وإسنادهما ضعيف.
(2)
3 -
عبد الله بن عمر رضي الله عنه:
- عند ابن أبي شيبة (3/ 546) قال: (الوجه والكفان).
(3)
وما أشبه إسناده بإسناد أثر ابن عباس في تفسير آية الإدناء الذي رماه الشيخ بالضعف!! ولذلك عزا تصحيحه لابن حزم!!
(1)
صحح إسناده يحيى بن معين في الجزء الثاني (الفوائد) 1/ 88.
(2)
ضعفه الشيخ الألباني في الرد المفحم /133.
(3)
في إسناده هشام بن الغاز: قال المزي في تهذيب الكمال (30/ 259): قال أحمد بن حنبل: صالح الحديث، وقال يحيى بن معين: ليس به بأس، قال عبد الرحمن بن إبراهيم: مستقيم الحديث. وفيه شبابة بن سوار: قال المزي في تهذيب الكمال (12/ 347): قال علي بن المديني: شيخ صدوق إلا أنه كان يقول بالإرجاء، وقال محمد بن سعد: صالح الحديث، وقال أبو حاتم: صدوق يكتب حديثه ولا يحتج به، قال ابن عدي: لا بأس به.
4 -
أنس بن مالك رضي الله عنه:
- عند ابن المنذر كما في الدر المنثور (6/ 179) والبيهقي في سننه الكبرى (2/ 225) قال: (الكحل والخاتم) إسناده صحيح
5 -
أبو هريرة رضي الله عنه:
- عند ابن عبد البر في التمهيد (6/ 368) قال: (القلب والفتخة) إسناده صحيح.
6 -
المسور بن مخرمة رضي الله عنه:
- عند ابن جرير الطبري في تفسيره (18/ 119) قال (القلبين والخاتم والكحل).
وبعد أن عرضنا هذه الأقوال التي أشار إليها الشيخ الألباني دون أن ينقلها؛ ننقل أيضا ما أشار إليه من تصحيح ابن حزم لبعض هذه الأقوال دون أن ينقل قول ابن حزم أو يشير إلى الموضع الذي صححها فيه!!
قال ابن حزم في المحلى (3/ 221): وقد روينا عن ابن عباس في {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} قال (الكف والخاتم والوجه)، وعن ابن عمر (الوجه والكفان)، وعن أنس (الكف والخاتم) وكل هذا عنهم في غاية الصحة، وكذلك أيضا عن عائشة وغيرها من التابعين. اهـ
فالأثر الذي صححه ابن حزم عن ابن عباس وأنس؛ فيه أن الخاتم من الزينة الظاهرة، كما أن ابن حزم أشار إلى صحة ما أثر عن عائشة؛ ولم يصح عنها إلا قولها (القلب والفتخة) وغيرها من التابعين من تلامذة ابن عباس:
- قتادة عند الطبري (18/ 118) قال (المسكتان والخاتم والكحل).
- سعيد بن جبير عند الطبري (18/ 117) قال: (الكحل والخاتم).
- مجاهد عند الطبري (18/ 117) قال: (الكحل والخضاب والخاتم).
فخلاصة ما صح عن الصحابة؛ عائشة، وابن عباس، وأبي هريرة، والمسور بن مخرمة والتابعين؛ سعيد بن جبير ومجاهد وقتادة؛ أن الزينة الظاهرة هي: الكحل والخاتم والسوار. فإذا ثبت عن كبار الصحابة والتابعين أن الخاتم والسوار من الزينة الظاهرة؛ دل ذلك على أن الذين تبدى لهم الزينة الظاهرة هم ممن يباح لهم الدخول على المرأة والنظر إليها دون حجاب، لأنه من الثابت شرعا النهى عن إبداء هذه الزينة للرجال الأجانب.
(1)
(1)
قال الشيخ الألباني في جلباب المرأة /89: فثبت أن الوجه ليس بعورة يجب ستره
…
لكن ينبغي تقييد هذا بما إذا لم يكن على الوجه وكذا الكفين شيء من الزينة لعموم قوله تعالى: (ولا يبدين زينتهن) وإلا وجب ستر ذلك ولا سيما في هذا العصر الذي تفنن فيه النساء بتزيين وجوههن وأيديهن بأنواع من الزينة والأصبغة مما لا يشك مسلم في تحريمه.
قال إمام المفسرين ابن جرير الطبري في تفسيره (19/ 158):
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب: قول من قال: عنى بذلك: الوجه والكفان، يدخل في ذلك: الكحل، والخاتم، والسوار، والخضاب. وإنما قلنا ذلك أولى الأقوال في ذلك بالتأويل؛ لإجماع الجميع على أن على كل مصل أن يستر عورته في صلاته، وأن للمرأة أن تكشف وجهها وكفيها في صلاتها، وأن عليها أن تستر ما عدا ذلك من بدنها، إلا ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أباح لها أن تبديه من ذراعها إلى قدر النصف. اهـ
وقال ابن عطية (ت 542 هـ) في المحرر الوجيز (4/ 178) والقرطبي (ت 671 هـ) في الجامع لأحكام القرآن (12/ 228) والشوكاني في فتح القدير (4/ 27): أمر الله سبحانه وتعالى النساء بألا يبدين زينتهن للناظرين إلا ما استثناه من الناظرين في باقي الآية حذارا من الافتتان، ثم استثنى ما يظهر من الزينة، واختلف الناس في قدر ذلك
…
وقال ابن عباس وقتادة والمسور بن مخرمة: ظاهر الزينة هو الكحل والسوار والخضاب إلى نصف الذراع والقرطة والفتخ، ونحو هذا فمباح أن تبديه المرأة لكل من دخل عليها من الناس. قال القرطبي: فهذا أقوى من جانب الاحتياط، ولمراعاة فساد الناس فلا تبدي المرأة من زينتها إلا ما ظهر من وجهها وكفيها. اهـ
فلما ثبت أن المراد بالزينة الظاهرة؛ ما تبديه المرأة لمن يحل له الدخول عليها والنظر إليها دون حجاب؛ ثبت بذلك براءة ابن عباس مما نسب إليه من القول بجواز كشف الوجه.
قال أ. د. حكمت بن بشير بن ياسين في الصحيح المسبور من التفسير بالمأثور (3/ 463): أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) قال: " والزينة الظاهرة: الوجه، وكحل العين، وخضاب الكف، والخاتم فهذه تظهر في بيتها لمن دخل من الناس عليها" هكذا تمام كلام ابن عباس ولكن كثيراً من العلماء ينقلون عنه الشق الأول! فما نسب إلى ابن عباس بأن المراد من قوله تعالى (إلا ما ظهر منها) الوجه والكفان، ليس مطلقاً وإنما هو مقيد في بيتها لمن دخل من الناس عليها. ومما يؤكد هذا تفسيره لقوله تعالى (يدنين عليهن من جلابيبهن) فقد أخرج الطبري بسنده الحسن عن ابن عباس قال:" أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب ويبدين عيناً واحدة" فقد صح مثله عن عبيدة السلماني. وانظر الرواية التالية لابن عباس: أخرج الطبري بسنده الحسن عن ابن عباس، قال {ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن} إلى قوله:{عورات النساء} قال: الزينة التي يبدينها لهؤلاء: قرطاها وقلادتها وسوارها، فأما خلخالاها ومعضداها، ونحرها، وشعرها فإنه لا تبديه إلا لزوجها " وفيها أن الزينة التي تبديها لهؤلاء قرطاها وقلادتها وسواراها، وأما الخلخال والنحر والشعر فلا تبديه إلا لزوجها. ومع الأسف الشديد أن مسألة جواز كشف الوجه واليدين ينسبه العلماء لابن عباس على إطلاقه، فليحرر.
- ثانيا: توافق المعنى الذي يحمله تأويل ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهم لهذه الآية {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} فإن الآية تضمنت معنيين مترادفين أشار ابن عباس إلى أحدهما وأشار ابن مسعود إلى الآخر، فإن الله تعالى نهى المرأة في هذه الآية عن إبداء زينتها؛ وهي كما صح عن ابن مسعود " القرط والدملج
(1)
والخلخال والقلادة"
(2)
وذلك بلبس ما يخفي هذه الزينة من رداء أو ملحفة مما تتخذه المرأة في بيتها - وهو ما يسميه العامة الآن الجلال - وهو ما عبر عنه ابن مسعود بقوله (الثياب) فإذا أخفت المرأة هذه الزينة بلبس هذه الثياب وضربت الخمار على جيبها فلن يظهر من الزينة إلا مافي (الوجه والكفين) من الكحل والخضاب والخاتم والسوار، وإلى هذا المعنى أشار ابن عباس. فالخلاف خلاف تنوع وليس خلاف تضاد؛ فإن ابن مسعود لم يعُدّ مما سيَخفَى من الزينة تحت الثياب ما أظهره ابن عباس من الوجه والكفين، وابن عباس لم يُظهر ما أخفاه ابن مسعود تحت الثياب من القرط والدملج والخلخال والقلادة!!
(3)
وبذلك اتضح اتفاقهما في المراد من الآية وأمكن الجمع بين كل ما ورد في تأويل قوله تعالى (إلا ما ظهر منها).
(1)
الدملج: المعضد من الحلي (النهاية في غريب الأثر 2/ 134).
(2)
ابن جرير 18/ 117، ابن أبي حاتم 8/ 2574، والطبراني في المعجم الكبير 9/ 228 (9116) واللفظ له.
(3)
صح عن بعض التابعين الجمع بين هذين القولين (الوجه والثياب) في تفسير هذه الآية كمجاهد وعكرمة والشعبي؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه حجاب المرأة ولباسها في الصلاة (1/ 19): ولذلك ذهب بعض السلف إلى الجمع بين قوليهما فقال ابن جرير في تفسيره (18/ 94): وقال آخرون عني به الوجه والثياب؛ ثم روى بإسنادين صحيحين له عن الحسن البصري أنه قال: "الوجه والثياب".
مما يشهد لصحة تأويل ابن مسعود:
1 -
أن الرخصة بوضع الثياب للنساء القواعد في آخر سورة النور هي استثناء من هذه الآية، كما جاء ذلك عن ابن عباس قال {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} فنسخ واستثنى من ذلك {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ} النور 60.
(1)
فإذا كانت الآية الناسخة فيها استثناء النساء القواعد بالإذن لهن بوضع الثياب؛ دل ذلك على أن الآية الأولى فيها عدم الإذن بوضع الثياب، وهذا يوافق ما قال ابن مسعود.
2 -
أخرج الطبري (8/ 160) عن ابن عباس في قوله تعالى {يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} الأعراف: 31
…
{خُذُوا زِينَتَكُمْ} قال (الثياب). وهذه موافقة من ابن عباس لابن مسعود في تفسير الزينة بالثياب.
3 -
أن تفسير الزينة بالوجه والكفين هو خلاف ظاهر القرآن ولغة العرب، إلا أن يكون المراد مافي الوجه والكفين من الزينة:
قال الشنقيطي في أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (5/ 516): الزينة في لغة العرب، هي ما تتزين به المرأة مما هو خارج عن أصل خلقتها: كالحلي
…
كما أن لفظ الزينة يكثر تكرره في القرآن العظيم مرادا به الزينة الخارجة عن أصل
(1)
سنن أبي داود 4/ 63 (4111) حسن إسناده الألباني في صحيح سنن أبي داود 4/ 63. وانظر ناسخ القرآن ومنسوخه 1/ 43.