المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ مناقشة البحث الثاني:: - مختصر كشف الغمة عن أدلة الحجاب في الكتاب والسنة

[أمل آل خميسة]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌ أولا: أن المراد بقوله تعالى {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ}

- ‌ ثانيا: أن قول ابن عباس " تدني الجلباب إلى وجهها ولا تضرب به

- ‌ ثالثاً: أن مفاد آية الحجاب {فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ}

- ‌ رابعاً: أن الحجاب (تغطية الوجه) الذي تقتضيه آية الحجاب الأولى: {فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ}

- ‌ خامساً: الأصل الذي اعتمد عليه أهل العلم في بيان معنى آية إدناء الجلابيب

- ‌ سادساً: من الشواهد التي تقوي حديث ابن عباس هذا وتعضده

- ‌ سابعاً: أن الاعتجار والتقنع والتلفع بالجلابيب تعني تغطية الوجه عند مجموع أهل العلم

- ‌ ثامناً: هناك حُكمان شرعيان ذهل عنهما أكثر أهل العلم المتأخرين

- ‌ تاسعاً: للمرأة الحرّة عورتان:

- ‌ عورة في النظر

- ‌عورة في الصلاة

- ‌ عاشراً: أن جميع ما استشهد به الشيخ الألباني من الأحاديث والآثار؛ ليس فيها حجة على جواز كشف الوجه للنساء الحرائر

- ‌ الحادي عشر: عن خالد بن دريك عن عائشة

- ‌ الثاني عشر: أن المراد بقوله تعالى {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا}

- ‌ الثالث عشر: الثابت في السنة أن الأكسية التي سارعت إلى لبسها النساء عند الخروج امتثالا لآية إدناء الجلابيب

- ‌ توطئة::

- ‌ البحث الأول:: ــآية الجلباب: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ}

- ‌ مناقشة البحث الأول::

- ‌ مناقشة البحث الثاني::

- ‌ مناقشة البحث الثالث::

- ‌ البحث الرابع: الخمار والاعتجار::

- ‌ مناقشة البحث الرابع::

- ‌ التقنع يعني تغطية الوجه

- ‌ مناقشة البحث الخامس::

- ‌ مناقشة تتمة البحث الخامس (1)::

- ‌ هل يسوغ قياس عورة النظر على عورة المرأة في الصلاة

- ‌ هل نهي المرأة المحرمة عن النقاب ثابت عن النبي

- ‌ مناقشة تتمة البحث الخامس (2)::

- ‌ مناقشة البحث السادس::

- ‌ التلفع يعني تغطية الوجه:

- ‌ مناقشة البحث السابع::

- ‌ مناقشة تتمة البحث السابع (1)::

- ‌ الأدلة التي تشهد أن الحجاب المفروض على النساء الحرائر يقتضي تغطية الوجه::

- ‌ البحث الثامن:: ــ(إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا وجهها وكفيها)

- ‌ مناقشة البحث الثامن::

- ‌ مناقشة البحث التاسع::

- ‌ المراد بالنهي في قوله {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ}

- ‌ عورة المرأة عند النساء والمحارم

- ‌ مناقشة البحث العاشر::

- ‌ خاتمة الكتاب::

الفصل: ‌ مناقشة البحث الثاني::

ــ::‌

‌ مناقشة البحث الثاني::

ــ

أولا: أنكر الشيخ الألباني أن معنى الحجاب (تغطية الوجه) الذي تقتضيه آية الحجاب الأولى {فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} هو معنى الحجاب الذي تقتضيه آية الحجاب الثانية {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} !! مخالفا بذلك ما أجمع عليه أهل العلم، قال ابن عبد البر في التمهيد (8/ 235): (كانوا يرون النساء ولا يستتر نساؤهم عن رجالهم حتى نزلت آيات الحجاب

فأمر النساء بالحجاب ثم أمرن عند الخروج أن يدنين عليهن من جلابيبهن وهو القناع) اهـ

فإن آية الجلابيب نزلت تتمة لآية الحجاب {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} فآية الحجاب هذه نزلت لبيان أحكام الحجاب في البيوت؛ فبينت أنه لا يجوز للرجال الأحرار الأجانب الدخول على النساء الحرائر في البيوت ومخالطتهن والجلوس معهن، بل عليهم إذا كان لهم حاجة أن يسألوهن من وراء حجاب؛ من جدار أو الستر الذي يرخى بين مصراعي الباب ونحوه.

ولما كانت النساء قد يحتجن إلى الخروج من البيوت أنزل الله تعالى في حقهن آية إدناء الجلابيب {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} فأمرهن إذا خرجن أن يدنين عليهن من جلابيبهن ليسترن

ص: 35

وجوههن وسائر أبدانهن وبهذا تم أمر الحجاب في حالتي الخروج والاستقرار في البيوت. كما قال شيخ الإسلام "فآية الجلابيب في الأردية عند البروز من المساكن، وآية الحجاب عند المخاطبة في المساكن"

ومما يثبت اتفاق الآيتين على معنى الحجاب (تغطية الوجه) ما ثبت في صحيح السنّة من تسمية كل من الآيتين بـ (آية الحجاب):

أما آية الحجاب الأولى {فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} فقد ثبت من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: أنا أعلم الناس بهذهِ الآية آية الحجاب لما أهديت زينب بنت جحش رضي الله عنها إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كانت معه في البيت، صنع طعاما ودعا القوم فقعدوا يتحدثون فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يخرج ثم يرجع وهم قعود يتحدثون فأنزل الله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ} إلى قوله تعالى {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} الأحزاب: 53 فضُرب الحجاب وقام القوم.

(1)

أما آية الحجاب الثانية {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} فقد ثبت تسميتها آية الحجاب في القصة التي كانت سببا لنزولها كما جاء في الصحيحين أن عائشة رضي الله عنها قالت (خرجت سودة بعد ما ضُرب الحجاب لحاجتها وكانت امرأة جسيمة لا تخفى على

(1)

صحيح البخاري 4/ 1799 (4514).

ص: 36

من يعرفها فرآها عمر بن الخطاب فقال يا سودة أما والله ما تخفين علينا فانظري كيف تخرجين قالت فانكفأت راجعة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي وإنه ليتعشى وفي يده عرق، فدخلت فقالت: يا رسول الله إني خرجت لبعض حاجتي فقال لي عمر كذا وكذا، قالت: فأوحى الله إليه ثم رفع عنه، وإن العرق في يده ما وضعه فقال: إنه قد أذن لكن أن تخرجن لحاجتكن"

(1)

وفي رواية قالت (فرآها عمر بن الخطاب وهو في المجلس فقال عرفتك يا سودة حرصا على أن ينزل الحجاب قالت: فأنزل الله عز وجل آية الحجاب).

(2)

ومما يؤكد أن المراد بقولها (فأنزل الله آية الحجاب) آية إدناء الجلابيب؛ أنها صرحت في الرواية الأولى أن خروج سودة هذا كان بعدما ضُرب عليهن الحجاب بقوله تعالى {فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ}

1 -

قول شيخ الإسلام أحمد بن تيمية (ت 728 هـ) في مجموع الفتاوى (22/ 110): قبل أن تنزل آية الحجاب كان النساء يخرجن بلا جلباب يرى الرجل وجهها ويديها ثم أنزل الله آية الحجاب بقوله {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ}

فحجب النساء عن الرجال.

(1)

صحيح البخاري 4/ 1800 (4517) صحيح مسلم 4/ 1709 (2170).

(2)

صحيح البخاري 5/ 2303 (5886).

ص: 37

2 -

قول ابن حجر (ت 852 هـ) في فتح الباري (1/ 249): أسباب نزول الحجاب تعددت

والمراد بآية الحجاب في بعضها قوله تعالى {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ}

.

3 -

قول بدر الدين العيني الحنفي (ت 855 هـ) في عمدة القاري (2/ 283 - 285): الحجب ثلاثة؛ الأول: الأمر بستر وجوههن يدل عليه قوله تعالى {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ}

الثاني: هو الأمر بإرخاء الحجاب بينهن وبين الناس يدل عليه قوله تعالى {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} الثالث: هو الأمر بمنعهن من الخروج من البيوت إلا لضرورة شرعية

وقال الداودي قوله (قد أذن أن تخرجن) دال على أنه لم يرد هنا حجاب البيوت فإن ذلك وجه آخر إنما أراد أن يستترن بالجلباب حتى لا يبدو منهن إلا العين.

وبذلك ثبت أن كلا من الآيتين تسمى آية الحجاب، وأن إدناء الجلباب يحمل معنى الحجاب في قوله تعالى {فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} ، وأن كلا الأمرين يقتضي تغطية وجه المرأة الحرة عن الرجال الأحرار الأجانب.

ص: 38

ثانياً: قال الشيخ الألباني إن مفاد آية الحجاب {فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ}

لا يقتضي تغطية الوجه وأن كل ما تعنيه (أن المرأة في دارها لا تكون متجلببة ولا مختمرة فلا تبرز للسائل)! وهذا مخالف لما فسر به أئمة التفسير هذه الآية، بل ومخالف قبل ذلك لمراد الله منها! فإن الله تعالى أراد بهذا الأمر الحد من دخول الرجال الأجانب على النساء، ومنع النساء عندها من البروز لهم حتى وإن كن مستترات بالجلابيب:

* قال إمام المفسرين محمد بن جرير الطبري (ت 310 هـ) في تفسيره جامع البيان (22/ 39): يقول وإذا سألتم أزواج رسول الله ونساء المؤمنين اللواتي لسن لكم بأزواج متاعا {فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} يقول من وراء ستر بينكم وبينهن ولا تدخلوا عليهن بيوتهن

* قال الإمام الواحدي (ت 468 هـ) في تفسيره (2/ 872): فخاطبوهن من وراء حجاب وكانت النساء قبل نزول هذه الآية يبرزن للرجال فلما نزلت هذه الآية ضرب عليهن الحجاب فكانت هذه آية الحجاب بينهن وبين الرجال.

* قال القاضي ابن العربي المالكي (ت 543 هـ) في أحكام القرآن (3/ 616): وهذا يدل على أن الله أذن في مساءلتهن من وراء حجاب في حاجة تعرض أو مسألة يستفتى فيها والمرأة كلها عورة بدنها وصوتها فلا يجوز كشف ذلك.

ص: 39

* قال الإمام الرازي الشافعي (ت 604 هـ) في تفسيره مفاتح الغيب (25/ 195): أمر بسدل الستر عليهن وذلك لا يكون إلا بكونهن مستورات محجوبات.

* قال الإمام النسفي الحنفي (ت 710 هـ) في تفسيره مدارك التنزيل (3/ 313): وكانت النساء قبل نزول هذه الآية يبرزن للرجال.

* قال الإمام الحافظ إسماعيل بن عمر بن كثير الشافعي (ت 774 هـ) في تفسيره (3/ 506): أي وكما نهيتكم عن الدخول عليهن كذلك لا تنظروا إليهن بالكلية ولو كان لأحدكم حاجة يريد تناولها منهن فلا ينظر إليهن ولا يسألهن حاجة إلا من وراء حجاب.

* قال العلامة محمد بن علي الشوكاني (ت 1250 هـ) في فتح القدير (4/ 298): وفي هذا أدب لكل مؤمن وتحذير له من أن يثق بنفسه في الخلوة مع من لا تحل له والمكالمة من دون حجاب لمن تحرم عليه. اهـ

وكما سبق من قول شيخ الإسلام (وآية الحجاب عند المخاطبة في المساكن) فلم يقيد شيخ الإسلام ولا أحد ممن سبقه؛ المخاطبة في المساكن من وراء حجاب بكونها إنما تشرع إذا كانت المرأة غير مختمرة ولا متجلببة كما قيدها الشيخ الألباني!! بل إن الثابت أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهن من النساء؛ كن إذا جاء من يسألهن من الرجال يكلمنه من وراء حجاب، ولم يرد أنهن كن يلبسن الجلباب ويبرزن بأشخاصهن للسائل في البيوت!! يشهد لذلك الآثار الآتية:

ص: 40

1 -

عن يوسف بن ماهك قال كان مروان على الحجاز. . . فقال عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنه شيئا فقال خذوه فدخل بيت عائشة رضي الله عنها فلم يقدروا عليه فقال مروان إن هذا الذي

فقالت عائشة رضي الله عنها من وراء الحجاب ما أنزل الله فينا شيئا من القرآن إلا أن الله أنزل عذري.

(1)

2 -

عن مسروق بن الأجدع أنه أتى عائشة فقال لها إن رجلاً يبعث بالهدي إلى الكعبة ويجلس في المصر فيوصي أن تقلد بدنته. . . قال فسمعت تصفيقها من وراء الحجاب وقالت لقد كنت أفتل قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(2)

3 -

قال عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث: اجتمع ربِيعة بن الحارث والعباس بن عبد المطلب فقالا والله لو بعثنا هذين الغلامين

ثم دخل ودخلنا عليه وهو يومئذ عند زينب بِنت جحش

حتى أردنا أن نكلمه قال وجعلت زينب تلمع علينا من وراء الحجاب أن لا تكلماه.

(3)

4 -

عن أبي موسى رضي الله عنه قال كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم وهو نازل بالجعرانة بين مكة والمدينة ومعه بلال. . . ثم قال اشربا منه وأفرغا على وجوهكما ونحوركما وأبشرا فأخذا القدح ففعلا ما أمرهما به رسول الله صلى الله عليه وسلم فنادتهما أم سلمة من وراء الستر أفضلا لأمكما مما في إنائكما.

(4)

(1)

صحيح البخاري 4/ 1827 (4550).

(2)

صحيح البخاري 5/ 2115 (5246) صحيح مسلم 2/ 959 (1321).

(3)

صحيح مسلم 2/ 752 (1072).

(4)

صحيح مسلم 4/ 1943 (2497).

ص: 41

5 -

عن يزيد بن بابنوس قال ذهبت أنا وصاحب لي إلى عائشة فاستأذنا عليها فألقت لنا وسادة وجذبت إليها الحجاب فقال صاحبي يا أمّ المؤمنين ما تقولين في العراك.

(1)

6 -

عن مسروق قال بكت عائشة رضي الله عنها وبيني وبينها حجاب فقلت يا أم المؤمنين ما يبكيك

(2)

7 -

عن شهر بن حوشب قال دخلت على أم سلمة بالمدينة وبيني وبينها حجاب فسمعتها تقول (كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك)

(3)

.

- قال ابن عبد البر في الاستذكار 6/ 170: إن نساء النبي صلى الله عليه وسلم لا يكلمن إلا من وراء حجاب

- وقال النووي في المجموع (16/ 351): وقد ثبت أن كثيرا من راويات الحديث وحافظاته يسمعهن الأجانب عنهن من وراء حجاب، وقد كان أبو الشعثاء جابر بن زيد يسأل عائشة من وراء حجاب.

(1)

مسند أحمد بن حنبل 6/ 219 (25883) قال الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 33) رجاله ثقات. وحسنه الألباني في جلباب المرأة /109.

(2)

تهذيب الآثار وتفصيل الثابت عن رسول الله من الأخبار 2/ 696 (1008)، قال الشيخ شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح على شرط مسلم.

(3)

جامع الترمذي (3522) المعجم الأوسط للطبراني 3/ 33 (2381) واللفظ له، صححه الألباني في صحيح جامع الترمذي 5/ 538.

ص: 42

ثالثاً: مما يؤكد أن آية إدناء الجلابيب تقتضي وجوب ستر الوجه من المرأة؛ إشراك أمهات المؤمنين مع غيرهن في هذا الأمر فقال تعالى {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} ومن المجمع عليه أن الله تعالى أوجب على أزواج النبي التستر الكامل

بما في ذلك الوجه والكفين في آية الحجاب {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} ولم يستثن عضواً من عضو، فلو كان المراد بإدناء الجلباب تغطية الرأس دون الوجه؛ لكان كلامه تعالى في آية الجلابيب عبثاً في حق أمهات المؤمنين! تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. فإذا دل هذا الأمر على وجوب ستر الوجه والكفين في حق طائفة من إحدى الثلاث طوائف التي وجه لها الأمر في هذه الآية: أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وبناته ونساء المؤمنين؛ دل ذلك على وجوبه في حق الطائفتين الأخريين.

- قال العلامة الشنقيطي في أضواء البيان (6/ 244): والقرينة المذكورة هي قوله تعالى {قُلْ لِأَزْوَاجِكَ} ووجوب احتجاب أزواجه وسترهن وجوههن لا نزاع فيه بين المسلمين فذكر الأزواج مع البنات ونساء المؤمنين يدلّ على وجوب ستر الوجوه بإدناء الجلابيب.

رابعاً: أنكر الشيخ الألباني دلالة آية إدناء الجلابيب على تغطية الوجه بقوله: فلأن الجلباب هو الملاءة التي تلتحف بها المرأة فوق ثيابها وليس على وجهها وعلى هذا كتب اللغة قاطبة، ليس في شيء منها ذكر للوجه البتة.

ص: 43

والجواب عليه بالآتي:

1) أنه سبق أن أقرَّ بهذا المعنى في كتابه جلباب المرأة المسلمة (ص: 152) في معرض كلامه عن تشبه النساء بالرجال وتشبه الرجال بالنساء حيث قال (الجلابيب التي تسدل من فوق الرؤوس حتى لا يظهر من لابسها إلا العينان).

2) أن كون الجلباب؛ هو الملاءة التي تلتحف بها المرأة فوق ثيابها؛ لا ينفي كون الوجه داخل فيما تستره الملاءة! لأن الالتحاف لا يشترط في معناه أن يخرج الوجه من جسد الملتحف!! كما أن تغطية الوجه فرضت بأمر زائد على لبس الجلباب {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} وهو إدناءه عليها حتى يستر وجهها كما أجمع على ذلك جل أهل العلم من لغويين ومفسرين وفقهاء ومحدثين كما أسلفنا في مناقشة البحث الأول وكما سيأتي:

- قال العلامة الزمخشري في الكشاف (3/ 569): الجلباب: الرداء الذي يستر من فوق إلى أسفل. وقيل: الملحفة وكل ما يستتر به من كساء أو غيره. ومعنى {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} يرخينها عليهن ويغطين بها وجوههنّ وأعطافهنّ.

- قال الإمام الخازن في لباب التأويل (5/ 276): يدنين. أن يرخين ويغطين عليهن من جلابيبهن جمع جلباب وهو الملاءة التي تشتمل بها المرأة فوق الدرع والخمار، وقيل الملحفة وكل ما يستتر به من كساء وغيره، قال ابن عباس: أمر نساء المؤمنين أن يغطين رؤوسهن ووجوههن بالجلابيب إلا عينا واحدة.

ص: 44

- وقال برهان الدين أبو الحسن البقاعي في نظم الدرر (6/ 135): ثوب واسع دون الملحفة تلبسه المرأة

وإن كان ما يغطي الرأس فإدناؤه ستر وجهها وعنقها

وإن كان المراد ما دون الملحفة فالمراد ستر الوجه واليدين.

- وقال العلامة زين الدين أبو الفرج الشهير بابن رجب في فتح الباري (2/ 138): (الجلباب): قال ابن مسعود ومجاهد وغيرهما: هو الرداء، يستر أعلاها، إلا أنه يقنعها فوق رأسها، وقد فسر عبيدة السلماني قول

الله {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} بأنها تدنيه من فوق رأسها فلا تظهر إلا عينها.

3) إن عدم ذكر الوجه والكفين في كتب اللغة لا يلزم منه إخراجهما مما يستر؛ لأن كتب اللغة لم تصرح كذلك بستر القدمين ولا الشعر ولا الذراعين؛ فهل يخرج ذلك كله مما يستره الجلباب؟!! كما إن ما جاء في كتب اللغة أن الجلباب؛ (ما تتغطى به المرأة) و (تغطي به المرأة رأسها) فإن المراد به تغطية الرأس كله بما فيه الوجه كما ذكر صاحب نظم الدرر: (وإن كان ما يغطي الرأس فإدناؤه ستر وجهها وعنقها) كما إن التغطية إذا أطلقت على المرأة (امرأة متغطية) فالمراد أنها مغطية لوجهها ومن ذلك:

- تفسير غريب ما في الصحيحين للحميدي (1/ 575): الجلباب: ما تتغطى به المرأة من ثوب أو غيره.

ص: 45

- تاج العروس للزبيدي (2/ 175): وخصه بعضهم بالمشتمل على البدن كله

وقال تعالى (يُدنِينَ عَلَيهِنَّ من جلابِيبِهِنَّ) وقيل: هو ما تغطّي به المرأة.

- المصباح المنير للفيومي (1/ 104): (الجلباب) ثوب أوسع من الخمار ودون الرداء وقال ابن فارس (الجلباب) ما يغطى به من ثوب وغيره.

كما إنه قد ثبت في كتب اللغة أن من معاني الجلباب؛ المقنعة:

- كما في مشارق الأنوار (1/ 149): الجلباب

قال النضر هو ثوب أقصر وأعرض من الخمار وهي المقنعة تغطي به المرأة رأسها.

- وفي النهاية في غريب الحديث والأثر (1/ 283): والجلباب: الإزار والرداء. وقيل الملحفة. وقيل هو كالمقنعة تغطي به المرأة رأسها وظهرها وصدرها.

- وفي تاج العروس (2/ 175): الجلباب: ثوب أقصر من الخمار وأعرض منه، وهو المقنعة.

وقد جاء التصريح في كتب اللغة أن المقانع التي تغطي بها النساء رؤوسهن؛ شامل لوجوههن:

- كما في التكملة للصغاني (ت 650)(5/ 521) والقاموس المحيط (ص: 1060) وتاج العروس للزبيدي (30/ 437): والمميلات؛ اللاتي يملن قلوب الرجال إليهن، أو يملن المقانع عن رؤوسهن لتظهر وجوههن وشعورهن.

ص: 46

ــ:: البحث الثالث:: ــ

قال الشيخ الألباني: ومن تناقضهم، أنهم- في الوقت الذي يوجبون على المرأة أن تستر وجهها- يجيزون لها أن تكشف عن عينها اليسرىوتسامح بعضهم فقال: بالعينين كلتيهما! بناء على بعض الآثار الواهية التي منها حديث لابن عباس.

ص: 47