المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ مناقشة البحث العاشر:: - مختصر كشف الغمة عن أدلة الحجاب في الكتاب والسنة

[أمل آل خميسة]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌ أولا: أن المراد بقوله تعالى {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ}

- ‌ ثانيا: أن قول ابن عباس " تدني الجلباب إلى وجهها ولا تضرب به

- ‌ ثالثاً: أن مفاد آية الحجاب {فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ}

- ‌ رابعاً: أن الحجاب (تغطية الوجه) الذي تقتضيه آية الحجاب الأولى: {فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ}

- ‌ خامساً: الأصل الذي اعتمد عليه أهل العلم في بيان معنى آية إدناء الجلابيب

- ‌ سادساً: من الشواهد التي تقوي حديث ابن عباس هذا وتعضده

- ‌ سابعاً: أن الاعتجار والتقنع والتلفع بالجلابيب تعني تغطية الوجه عند مجموع أهل العلم

- ‌ ثامناً: هناك حُكمان شرعيان ذهل عنهما أكثر أهل العلم المتأخرين

- ‌ تاسعاً: للمرأة الحرّة عورتان:

- ‌ عورة في النظر

- ‌عورة في الصلاة

- ‌ عاشراً: أن جميع ما استشهد به الشيخ الألباني من الأحاديث والآثار؛ ليس فيها حجة على جواز كشف الوجه للنساء الحرائر

- ‌ الحادي عشر: عن خالد بن دريك عن عائشة

- ‌ الثاني عشر: أن المراد بقوله تعالى {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا}

- ‌ الثالث عشر: الثابت في السنة أن الأكسية التي سارعت إلى لبسها النساء عند الخروج امتثالا لآية إدناء الجلابيب

- ‌ توطئة::

- ‌ البحث الأول:: ــآية الجلباب: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ}

- ‌ مناقشة البحث الأول::

- ‌ مناقشة البحث الثاني::

- ‌ مناقشة البحث الثالث::

- ‌ البحث الرابع: الخمار والاعتجار::

- ‌ مناقشة البحث الرابع::

- ‌ التقنع يعني تغطية الوجه

- ‌ مناقشة البحث الخامس::

- ‌ مناقشة تتمة البحث الخامس (1)::

- ‌ هل يسوغ قياس عورة النظر على عورة المرأة في الصلاة

- ‌ هل نهي المرأة المحرمة عن النقاب ثابت عن النبي

- ‌ مناقشة تتمة البحث الخامس (2)::

- ‌ مناقشة البحث السادس::

- ‌ التلفع يعني تغطية الوجه:

- ‌ مناقشة البحث السابع::

- ‌ مناقشة تتمة البحث السابع (1)::

- ‌ الأدلة التي تشهد أن الحجاب المفروض على النساء الحرائر يقتضي تغطية الوجه::

- ‌ البحث الثامن:: ــ(إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا وجهها وكفيها)

- ‌ مناقشة البحث الثامن::

- ‌ مناقشة البحث التاسع::

- ‌ المراد بالنهي في قوله {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ}

- ‌ عورة المرأة عند النساء والمحارم

- ‌ مناقشة البحث العاشر::

- ‌ خاتمة الكتاب::

الفصل: ‌ مناقشة البحث العاشر::

ــ::‌

‌ مناقشة البحث العاشر::

ــ

(1)

الإمام السرخسي ممن يقول بالفرق بين الحرائر والإماء في الحجاب: فقد قال في كتابه المبسوط في الصفحة السابقة للصفحة للتي أشار إليها الشيخ الألباني (10/ 151): وأما النظر إلى إماء الغير والمدبرات وأمهات الأولاد والمكاتبات فهو كنظر الرجل إلى ذوات محارمه لقوله تعالى {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} الآية فأمر الله تعالى الحرائر باتخاذ الجلباب ليعرفن به من الإماء.

(2)

ننقل قول الإمام السرخسي بتمامه ليتبين مراده؛ قال الإمام السرخسي في المبسوط (10/ 152): (ولكنا نأخذ بقول علي وبن عباس رضي الله تعالى عنهما فقد جاءت الأخبار في الرخصة بالنظر إلى وجهها وكفها

وروى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة أنه يباح النظر إلى قدمها أيضا وهكذا ذكر الطحاوي لأنها كما تبتلى بإبداء وجهها في المعاملة مع الرجال وبإبداء كفها في الأخذ والإعطاء تبتلى بإبداء قدميها إذا مشت حافية أو منتعلة وربما لا تجد الخف في كل وقت، وذكر في جامع البرامكة عن أبي يوسف أنه يباح النظر إلى ذراعيها أيضا لأنها في الخبز وغسل الثياب تبتلى بإبداء ذراعيها أيضا).اهـ

فقد ذكر الشيخ الألباني اجتهاد السرخسي في إباحته للنظر إلى الوجه والكفين؛ ولم يذكر اجتهاده في إباحته للنظر إلى القدمين والذراعين!! وهذا يكشف أن مراد الإمام السرخسي هو ما يباح إبداؤه لمن يحل له الدخول على المرأة والنظر إليها دون حجاب من العبيد والأتباع، وليس مراده جواز كشف ذلك

ص: 279

لمن يجب عليها الاحتجاب منهم من الرجال الأحرار الأجانب، ومما يبعد أن يكون مراده فيما سبق إطلاق جواز النظر إلى الوجه والكفين من المرأة الحرة للرجال الأحرار الأجانب: قول السرخسي في المبسوط (2/ 41):

(قال) -الإمام أبو حنيفة - (وليس على النساء خروج في العيدين وقد كان يرخص لهن في ذلك فأما اليوم فإني أكره ذلك) يعني للشواب منهن فقد أمرن بالقرار في البيوت ونهين عن الخروج لما فيه من الفتنة، فأما العجائز فيرخص لهن في الخروج إلى الجماعة لصلاةالمغرب والعشاء والفجر والعيدين، ولا يرخص لهن في الخروج لصلاة الظهر والعصر والجُمَع في قول أبي حنيفة. وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى يرخص للعجائز في حضور الصلوات لأنه ليس في خروج العجائز فتنة والناس قل ما يرغبون فيهن وقد كن يخرجن إلى الجهاد مع رسول الله يداوين المرضى ويسقين الماء ويطبخن. وأبو حنيفة قال في صلوات الليل: تخرج العجوز مستترة، وظلمة الليل تحول بينها وبين نظر الرجال إليها بخلاف صلوات النهار.

(3)

أما قول الشيخ الألباني (هل يجب على النساء أن يسترن وجوههن لفساد الزمان وسداً للذريعة؟) فإن من قال بذلك من الفقهاء الأعلام على اختلاف مذاهبهم وجلالة قدرهم؛ فمرادهم ستر ذلك حال جواز الكشف والنظر؛ أي ستر الإماء لوجوههن، وستر وجوه الحرائر عمن يحل له النظر إليهن من العبيد المملوكين ونحوهم خشية الفتنة وسداً للذريعة؛ أما ستر وجه المرأة الحرة عمن يجب عليها الاحتجاب منهم من الرجال الأحرار الأجانب عنها؛ فهو

ص: 280

واجب وفرض افترضه الله عليها بقوله تعالى {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} وليس الذي أوجبه عليها فساد الزمان وسد الذريعة.

* فقهاء المذهب الحنبلي

- المرداوي في الإنصاف (ت 885 هـ)(8/ 26): قلت الصواب أن - الأمة- الجميلة تنتقب وأنه يحرم النظر إليها كما يحرم النظر إلى الحرة الأجنبية. اهـ

* فقهاء المذهب الشافعي

- غاية البيان للرملي (ت 1004 هـ)(1/ 247): وقضية كلام الناظم حرمة نظر الرجل الفحل - من العبيد - إلى وجه المرأة الأجنبية وكفيها عند أمن الفتنة وهو كذلك كما في المنهاج، لاتفاق المسلمين على منع النساء من الخروج سافرات الوجوه.

(1)

- حاشية قليوبي على شرح منهاج الطالبين (ت 1069 هـ)(3/ 209): قوله (لأن النظر إلخ) فيحرم عليهن الخروج سافرات الوجوه لأنه سبب للحرام.

(1)

قال الرملي الشهير بالشافعي الصغير في نهاية المحتاج (6/ 187): وما نقله الإمام من الاتفاق على منع النساء، أي منع الولاة لهن. اهـ والمراد به كما أسلفنا منع من لم يفرض عليهن الحجاب وهن الإماء لخوف الفتنة بهن فاتفقوا على منعهن من الخروج سافرات.

ص: 281

* فقهاء المذهب الحنفي

- البحر الرائق لابن نجيم (ت 970 هـ)(2/ 381) والدر المختار (1/ 405): تمنع المرأة الشابة من كشف وجهها بين الرجال في زماننا للفتنة. وفي فتاوي قاضيخان: ودلت المسألة على أنها لا تكشف وجهها للأجانب من غير ضرورة.

- مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر لعبد الرحمن الكليبولي المدعو شيخي زادة (ت 1078 هـ)(1/ 122): وفي المنتقى تمنع الشابة عن

كشف وجهها لئلا يؤدي إلى الفتنة، وفي زماننا المنع واجب بل فرض لغلبة الفساد.

* فقهاء المذهب المالكي

- مواهب الجليل للخطاب (ت 954 هـ)(1/ 499): واعلم أنه إن خشي من المرأة الفتنة يجب عليها ستر الوجه والكفين قاله القاضي عبد الوهاب ونقله عنه الشيخ أحمد زروق في شرح الرسالة وهو ظاهر التوضيح فهذا ما يجب عليها.

- الفواكه الدواني للنفراوي (ت 1125 هـ)(2/ 277): اعلم أن المرأة إذا كان يخشى من رؤيتها الفتنة وجب عليها ستر جميع جسدها حتى وجهها وكفيها

وأقول الذي يقتضيه الشرع وجوب سترها وجهها في هذا الزمان.

ص: 282

ــ:: الخاتمة للشيخ الألباني:: ــ

قال الشيخ الألباني: هذا، ولا بد لي في هذه الخاتمة من لفت النظر إلى أن التشدد في الدين شر لا خير فيه. قال صلى الله عليه وسلم: " إن الدين يسير، ولن يشادّ الدين أحد إلا غلبه، فسدِّدوا وقاربوا

" وإني لأعتقد أن مثل هذا التشديد على المرأة لا يمكن أن يخرج لنا جيلاً من النساء يستطعن أن يقمن بالواجبات الملقاة على عاتقهن في كل البلاد والأحوال مع أزواجهن وغيرهم، ممن تحوجهم الظروف أن يتعاملن معهم، كما كن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، كالقيام على خدمة الضيوف، وإطعامهم، والخروج في الغزو، يسقين العطشى، ويداوين الجرحى، وينقلن القتلى، وربما باشرن القتال بأنفسهن عند الضرورة، فهل يمكن للنسوة أن يباشرن مثل هذه الأعمال وهن منقبات ومتقفزات؟ لا وربي، فإن ذلك مما لا يمكن إلا بالكشف عن (إلا ما ظهر منها) كما سنرى في بعض الأمثلة الشاهدة لما كان عليه النساء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم

وعلى هذا المنهج النبوي الكريم يجب على المشايخ والدعاة أن يقوموا بتربية الناس رجالاً ونساءً، ولن يستطيعوا ذلك إلا إذا تعرفوا على السنة، والسيرة النبوية الصحيحة التي تشمل: قوله صلى الله عليه وسلم، وفعله، وتقريره، وما كان عليه سلفنا الصالح مما صح عنهم، فإن فقه العالم لا يستقيم إلا بهذا كله، مستعيناً على ذلك بأقوال الأئمة المجتهدين والعلماء المحققين وإلا حاد عن الحق وسبيل المؤمنين، والله در شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حين نبَّه على هذا بقوله:

" والمنقول عن السلف والعلماء يحتاج إلى معرفة ثبوت لفظه ودلالته، كما يحتاج إلى ذلك المنقول عن الله ورسوله".

ص: 283

ــ:: مناقشة الخاتمة:: ــ

(1)

بعدما تبين خطأ الشيخ الألباني فيما ذهب إليه من جواز كشف وجه المرأة الحرة وكفيها للرجال الأحرار الأجانب، وثبت أن تغطية الوجه فرض افترضه الله عليها؛ تبين الخطأ في تسمية ذلك غلوا وتشددا!! فإن التشدد المنهي عنه هو أن يجهد العبد نفسه في الطاعات حتى يعجز وينقطع، وليس المراد منع طلب الأكمل في العبادة فإنه من الأمور المحمودة

(1)

، فكيف إذا كان العمل بما هو فرض وواجب؟! بل إن الشيخ الألباني مع قوله بجواز الكشف؛ قال بأن تغطية الوجه هي الأفضل كقوله في الرد المفحم (ص: 109): (قد قررنا مرارا أن تغطية المرأة وجهها هو الأفضل) فكيف يوصف التمسك بالأفضل بأنه غلو وتشدد!!

(2)

أما قوله: (الأدلة القاطعة بجريان العمل بكشف الوجه في القرون المشهود لها بالخيرية، وشهادة فضلاء الصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين بجواز ذلك)

فقد بيّنا أن ما جرى من كشف من النساء بعد نزول الحجاب كان بسبب كونهن من الإماء المملوكات اللاتي لم يفرض عليهن الحجاب، أوكشف النساء الحرائر للعبيد المملوكين الذين لم يفرض عليهن الشرع الاحتجاب منهم، إذ لم يرد في حديث صحيح ولا ضعيف أن امرأة من النساء الحرائر كشفت وجهها للرجال الأحرار الأجانب منذ أن نزل الحجاب، بل إن الذي جرى عليه العمل

(1)

كما قال ابن حجر في الفتح 1/ 94.

ص: 284

وظاهر القرآن والسنة والإجماع يدل على وجوب تغطية وجه المرأة الحرة لوجهها من الرجال الأحرار الأجانب.

(3)

أما قوله إن الحجاب فيه تعسير ومشقة، وأنه عائق دون قيام المرأة بواجباتها!! فيقال أليس من أمر المرأة بالقيام بواجباتها هو من أمرها بالحجاب؟! وجعل دائرة واجباتها تنحصر في بيتها؛ من رعاية شؤون بيتها وتربية أبنائها والقيام بحق زوجها (والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها) وهذا كله لم يكن الحجاب حائلا دون شيء منه، بل إن من فرض عليها الحجاب أمرها بالقرار في بيتها {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} فأعفاها من الجمع والجماعات وأوجب نفقتها على وليّها قطعا لأسباب الخروج. قال القرطبي في تفسيره (14/ 179): والشريعة طافحة بلزوم النساء بيوتهن والانكفاف عن الخروج منها إلا لضرورة.

ومنذ أن فرض الله الحجاب؛ والمرأة المتحجبة تقوم بدورها في بيتها وأسرتها بل ومجتمعها أحسن القيام، فلم تتعطل حركة السير ولم تتوقف دفة القيادة! بل إن الحياة الأسرية أفضل ما تكون في الأسر المحافظة، بخلاف الأسر التي سارعت نساؤها إلى هتك الحجاب وأهملن بيوتهن وخرجن يطالبن مساواتهن بالرجال!!!

وأما قوله بأن غطاء الوجه عائق دون القيام بما قد تضطر إليه المرأة من خدمة الضيوف وإطعامهم

فإن الذي يحول دون المرأة وخدمة الرجال والاختلاط بهم ليس غطاء الوجه، وإنما الوقوف عند قوله تعالى {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} ثم هل غاية التيسير على المرأة والسماحة والرفق

ص: 285

بها؛ أن تكشف وجهها لتعمل خادمة للضيفان وتزاول الشاق من الأعمال؟!! فليست القضية قضية هل تستطيع المرأة مباشرة تلك الأعمال وهي منتقبة! فقد رأينا في زماننا هذا البارعات في الطب وهن من المنتقبات، بل إن أدق الأعمال وأصعبها لا يزاولها الرجال إلا باللثام

(1)

، ولكن القضية هل من الضرورة خروج المرأة واختلاطها بالرجال لمزاولة تلك الأعمال؟!!

(4)

استشهد ببعض الأمثلة كشاهد لما كان عليه النساء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولكن استشهاده ليس فيه حجة على جواز الكشف للنساء الحرائر؛ وذلك لكون النساء الكاشفات من الإماء اللاتي لم يفرض عليهن الحجاب، أو لكون ما استشهد به كان قبل نزول الحجاب، ولذلك لم يستشهد بهذه الأمثلة ضمن أدلته التي استشهد بها مسبقا!! وإليك هذه الأمثلة والجواب عليها:

1 -

عن سهل بن سعد قال: "لما عرَّس أبو أسيد الساعدي دعا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فما صنع لهم طعاماً ولا قدمه إليهم إلا امرأته أم أسيد

فكانت امرأته يومئذ خادمهم، وهي العروس" رواه البخاري ومسلم

قال النووي في شرحه على صحيح مسلم (13/ 177): هذا محمول على أنه كان قبل الحجاب. اهـ

كما أن امرأته هذه قد تكون من الإماء ولذلك كانت يومئذ خادمهم.

(1)

كالخوذة في القتال، والكمامات للأطباء، والمهندسين في المصانع.

ص: 286

2 -

عن أسماء بنت أبي بكر قالت: "تزوجني الزبير وما له غير الأرض من مال ولا شيء غير فرسه

فلقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه نفر من أصحابه، فدعاني، ثم قال:"إخ إخ". ليحميني خلفه، قالت: فاستحييت". أخرجه البخاري ومسلم

وهذا مع أن ليس فيه أنها كانت كاشفة إلا أنه محمول على ما كان قبل الحجاب ولذلك لم يستشهد به أحد من أهل العلم على جواز النظر أو الكشف، يؤكد ذلك ما أسلفنا مما روته أسماء (كنا نغطي وجوهنا من الرجال) (فخرجت متلفعة بقطيفة) ولذلك قال ابن حجر في فتح الباري (9/ 324): والذي يظهر أن القصة كانت قبل نزول الحجاب ومشروعيته

ولم تزل عادة النساء قديما وحديثا يسترن وجوههن عن الأجانب.

3 -

عن جابر: " أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى امرأة من الأنصار، فبسطت له عند صور ورشت حوله وذبحت شاة، وصنعت له طعاماً فأكل وأكلنا معه".

وهذا أيضا مع أنه ليس فيه دلالة على أنها كانت كاشفة على مرأى منهم؛ إلا أنه محمول على ما قبل الحجاب، أو أنها كانت من الجواري المملوكات، ولذلك لم يستشهد به أحد من أهل العلم على جواز النظر أو الكشف.

4 -

عن أنس قال: " لما كان يوم أحد

رأيت عائشة بنت أبي بكر وأم سُليم، وإنهما لمشمِّرتان أرى خدم سوقهما (يعني: الخلاخيل) تنفران (أي: تحملان) القِرَب على متونهما تفرغانه في أفواه القوم

أخرجه الشيخان.

قال ابن حجر في فتح الباري (6/ 78): وهذه كانت قبل الحجاب.

ص: 287

فقد جاء التصريح فيه بأن هذا كان في غزوة أحد التي كانت قبل الحجاب!!

5 -

عن الرُّبيِّع بنت معوذ قالت: " كنا نغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم، فنسقي القوم، ونخدمهم، ونردُّ الجرحى والقتلى إلى المدينة". أخرجه البخاري

6 -

عن أم عطية قالت: " غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات، أخلفهم في رحالهم، فأصنع لهم الطعام وأداوي الجرحى وأقوم على المرضى" أخرجه مسلم.

مع أنه ليس في هذين الأثرين حجة على جواز الكشف إذ أن هذا يمكن القيام به مع تغطية الوجه بالبرقع واللثام؛ إلا أن اللاتي كن يشاركن معهم في الغزو للقيام على خدمتهم؛ العجائز والمتجالات من الإماء، كأم عطيّة، والربيّع بنت معوّذ، وأم سليم، وفي هذا شاهد أن لكل جنس وظائف تختص به، فكانت وظيفة النساء في الغزو إعداد الطعام، ومداواة الجرحى، وقد روى المروزي في السنة 1/ 48 (151): أن الربيّع قالت "كنا نغزو ولا نقاتل" وقال ابن حجر في فتح الباري (6/ 78): ولم أر في شيء من ذلك التصريح بأنهن قاتلن. اهـ

قال الإمام السرخسي في المبسوط (2/ 41): وقال أبو يوسف ومحمد يرخص للعجائز في حضور الصلوات كلها لأنه ليس في خروج العجائز فتنة، وقد كن يخرجن إلى الجهاد مع رسول الله يداوين المرضى ويسقين الماء ويطبخن.

7 -

عن أنس: " أن أم سليم اتخذت يوم حنين خنجراً، فرآها أبو طلحة. فقال: يا رسول الله! هذه أم سليم معها خنجر! فقال لها رسول الله: " ما هذا الخنجر؟ "

ص: 288

قالت: اتخذته إن دنا أحد من المشركين بقرت به بطنه" وفي رواية: " كان يغزو بأم سليم ونسوة من الأنصار معه إذا غزا، فسيقين الماء ويداوين الجرحى".

أما اتخاذ أم سليم يوم حنين خنجراً، فإن إخبار أبي طلحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك دال على أن حمل السلاح غير مستساغ للنساء، ولذلك سألها رسول الله صلى الله عليه وسلم منكرا " ما هذا الخنجر؟ فبينت أنها لم تتخذه للمشاركة في القتال مع الرجال. وانظر إلى رأي السرخسي الحنفي الإمام المجتهد الذي احتج الشيخ الألباني بقوله آنفا؛ ماذا يقول في حج المرأة الذي قيل إنه جهادها:

قال الإمام السرخسي في المبسوط (4/ 33): ولا رمل عليها في الطواف بالبيت ولا بين الصفا والمروة لأن الرمل لإظهار التجلد والقوة والمرأة ليست من أهل القتال لتظهر الجلادة من نفسها ولا يؤمن أن يبدو شيء من عورتها في رملها وسعيها أو تسقط لضعف بنيتها فلهذا تمنع من ذلك وتؤمر بأن تمشي مشيا

وكذلك لا تستلم الحجر إذا كان هناك جمع لأنها ممنوعة عن مماسة الرجال والزحمة معهم فلا تستلم الحجر إلا إذا وجدت ذلك الموضع خاليا عن الرجال.

أما ما استشهد به الشيخ الألباني على جريان الأمر على هذا المنوال بعد وفاته صلى الله عليه وسلم فكلها آثار لا تصح ولا تقوم بها حجة.

الأول: عن مهاجر الأنصاري: " أن أسماء بنت يزيد الأنصارية شهدت اليرموك مع الناس، فقتلت سبعة من الروم بعمود فسطاط ظلتها".

ص: 289

وليس في هذا ما يحتج به على جواز الكشف! علاوة على ضعف إسناده لأن مدار هذا الأثر على مهاجر الأنصاري وهو مولى (مملوك) لأسماء بنت يزيد قال عنه ابن حجر في تقريب التهذيب (1/ 548): مقبول. وقال الشيخ الألباني عقب هذا الأثر إسناده حسن! وقد أنكر على من حسن إسناد حديث نبهان مولى أم سلمة!! ثم إنه على فرض صحة إسناد هذا الأثر؛ فإن أسماء بنت يزيد لم تحمل سلاحا ولم تشارك الرجال في القتال، وإنما دافعت عن نفسها بعمود خيمتها، ولا يمكن أن يقول أحد أن من لوازم الحجاب أن تبقى المرأة مكتوفة الأيدي لا تدافع عن نفسها عندما يحصل لها مثل ذلك!

الثاني: عن العوام بن مزاحم عن خالد بن سيحان قال: شهدت تُستر مع أبي موسى ومعنا أربع نسوة يداوين الجرحى، فأسهم لهن" أخرجه ابن أبي شيبة بسند يحتمل التحسين.

وهذا إسناد لا يصح ولا تقوم به حجة؛ فيه مجاهيل؛ وهم خالد بن سيحان؛ ليس له رواية عند أصحاب السنن ولا المسانيد، والعوام بن مزاحم؛ ليس ممن عرف بحمل العلم، وعلى فرض ثبوته فليس فيه حجة على جواز الكشف لأنه كما ذكرنا قد يداوين المرضى وهن منتقبات، كما يمكن أن تكون هؤلاء النسوة من العجائز المتجالات من الإماء كما أسلفنا.

الثالث: عن عبدالله بن قرط الأزدي قال: " غزوت الروم مع خالد بن الوليد، فرأيت نساء خالد بن الوليد ونساء أصحابه مشمرات يحملن الماء للمهاجرين يرتجزن". أخرجه سعيد بإسناد صحيح، وله عنده طريق آخر ضعيف معضل.

ص: 290

وهذا أيضا ليس فيه حجة لأنه لم يذكر رؤيته لوجوههن وإنما رآهن يحملن الماء وهذا من وظيفتهن في الغزوات، علاوة على أن هؤلاء النسوة قد يكن من الإماء. هذا على فرض صحة إسناده وإلا فإنه لا يصح لأنه مرسل فيه شريح بن عبيد الحضرمي وهو كما قال عنه ابن حجر في التقريب 1/ 265:"كان يرسل كثيرا" وفي التهذيب 4/ 288: "أنه لم يسمع من أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم " ولذلك قال الشيخ الألباني عقبه أن له طريق آخر ضعيف معضل ولكن هل يصح تقوية المرسل بضعيف معضل؟!

وبذلك فلا حجة فيما استشهد به الشيخ الألباني على خروج النساء الحرائر ومشاركتهن للرجال في الأعمال، فمن أشد الخطأ في حق المرأة أن ينادى بهذه المساواة؛ فهذه خديجة بنت خويلد قبل الحجاب وقبل الإسلام لم تكن تخرج بتجارتها وإنما كانت تبحث عمّن يخرج بها من الرجال، وهذه عائشة لما خرجت للكوفة كانت مستترة في الهودج على البعير يقوده الرجال

وبذلك تبين أن الشيخ الألباني رحمه الله قال قولا شذ فيه وجانب الحق والصواب في هذه المسألة، وخالف الأدلة والبراهين، وخالف جماهير العلماء؛ فسقطت بذلك حجته وبطل ماذهب إليه من إباحة كشف الوجه للمرأة الحرة، وإني أختم بما ختم به الشيخ الألباني وهو قول شيخ الإسلام ابن تيمية:" والمنقول عن السلف والعلماء يحتاج إلى معرفة ثبوت لفظه ودلالته، كما يحتاج إلى ذلك المنقول عن الله ورسوله".

ص: 291