المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌قول ابن كلاب - وتبعه أبو الحسن الأشعري- بأن كلام الله معنى واحد قائم بذاته تعالى قول لم يسبق إليه - مذهب جمهور الأشاعرة في القرآن

[محمد بن عبد الله المقشي]

فهرس الكتاب

- ‌ أقوال بعض السلف والأئمة في أنّ القرآن حيثما تصرَّف كلام الله تعالى غير مخلوق:

- ‌مذهبُ جمهور الأشاعرة في القرآنباطنُه الاعتزالوظاهره التستُّر بمذهب السلف

- ‌أقوال بعض أئمة وعلماء الأشاعرةفي أنّ القرآن الذي بين دفتي المصحف مخلوق، وأنّ الخلاف بينهم وبين المعتزلة إنما هو في إثبات الكلام النفسي ونفيه

- ‌أقوال بعض الأئمة والعلماء من غير الأشاعرة

- ‌إنكار السلف على الجهمية والمعتزلةكان بسبب قولهم بخلق القرآن العربي لا لنفي الكلام النفسي

- ‌ أقوال بعض السلف التي فيها ما يدل صراحة بأن إنكار السلف على المعتزلة كان بسبب قولهم بخلق القرآن العربي الموجود بين دفتي المصحف:

- ‌بعض المحذورات التي وقع فيها الأشاعرةوبعض اللوازم التي تلزمهم

- ‌قول الأشاعرة هذا يشبه السفسطة، ومجرّد تصوّره يوجب العلم الضروري بفساده

- ‌مراد الأشاعرة بقولهم:"القرآن قديم

- ‌سببُ منع الإمام أحمد وغيرهإطلاق: "لفظي بالقرآن مخلوق

- ‌ اللفظ يُراد به أمران:

- ‌هل ثبت عن الإمام البخاريأنه قال: "لفظي بالقرآن مخلوق

- ‌تلخيص شيخ الإسلام ابن تيميةللخلاف والافتراق في مسألة اللفظ بالقرآنوما فيها من اللبس، وبيان الحق في ذلك

- ‌ملحق فيه بعض الفوائد

- ‌قولُ ابن كلاب - وتبعه أبو الحسن الأشعري- بأن كلام الله معنى واحد قائم بذاته تعالى قولٌ لم يُسبق إليه

- ‌ البدع تكون في أولها شبرًا، ثم تكثر في الأتباع حتى تصير أذرعًا وأميالاً وفراسخ:

- ‌ لا يصح تشبيه كون القرآن في المصحف بكون الله تعالى أو رسوله في الصحف أو الورق:

- ‌ لم يقل أحدٌ من السلف والأئمة: إنّ صوت العبد بالقرآن والمداد المكتوب به قديمٌ:

- ‌ أكثر المتكلمين لا يعرفون قول السلف في كلام الله تعالى، وأكثر بحثهم ونقاشهم مع القول بأن أصوات العباد قديمة:

- ‌ قاعدة في تمييز الصحيح من العقائد من المبتَدَع الفاسد:

الفصل: ‌قول ابن كلاب - وتبعه أبو الحسن الأشعري- بأن كلام الله معنى واحد قائم بذاته تعالى قول لم يسبق إليه

‌قولُ ابن كلاب - وتبعه أبو الحسن الأشعري- بأن كلام الله معنى واحد قائم بذاته تعالى قولٌ لم يُسبق إليه

(1)

.

- قال أبو المظفر السمعاني (المتوفى: 489 هـ): " وللأمر صيغة مفيدة بنفسها في كلام العرب من غير قرينة تنضم إليها، وكذلك النهي. وهذا قول عامة أهل العلم.

وذهب أبو الحسن الأشعري ومن تبعه إلى أنه لا صيغة للأمر والنهى وقالوا: لفظ افعل لا يفيد بنفسه شيئًا إلا بقرينة تنضم إليه ودليل يتصل به. وعندي أنّ هذا قول لم يسبقهم إليه أحد من العلماء

وإذا قالوا: إنّ حقيقة الكلام معنى قائم في نفس المتكلم، والأمر والنهي كلام فيكون قوله افعل ولا تفعل عبارة عن الأمر والنهي، ولا يكون حقيقة الأمر والنهي، وهذا أيضا لا يعرفه الفقهاء، وإنما يعرفوا قوله (افعل) حقيقة في الأمر، وقوله (لا تفعل) حقيقة في النهي"

(2)

.

(1)

قال الإمام الشافعي: "كل من تكلّم بكلام في الدين، أو في شيء من هذه الأهواء، ليس له فيه إمام متقدم من النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فقد أحدث في الإسلام حدثًا". الانتصار لأصحاب الحديث للسمعاني (ص: 7) مكتبة أضواء المنار - السعودية، ط/ الأولى، 1417 هـ.

وقال الإمام أحمد في رواية الميموني: "إياك أن تتكلم بكلمة واحدة ليس لك فيها إمام". المسودة في أصول الفقه (ص: 450) المحقق: محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الكتاب العربي.

(2)

قواطع الأدلة في الأصول (1/ 49) المحقق: محمد حسن اسماعيل الشافعي، دار الكتب العلمية، بيروت- لبنان، ط/ الأولى، 1418 هـ.

ص: 181

- وقال الحافظ أبو القاسم التيمي الأصبهاني: "وقال بعض الأئمة: "وفي قول أبي بكر رضي الله عنه: «ليس بكلامي، ولا كلام صاحبي، إنما هو كلام الله تعالى» إثبات الحرف والصوت، لأنه إنما تلا عليهم القرآن بالحرف والصوت، وقال: هو كلام الله، ولم يقل أحدٌ إنّ القرآن قائم بالذات، وذلك قول يخالف قول الجماعة"

(1)

.

- وقال الإمام يحيى ابن أبي الخير العمراني: "وادعت الأشعرية قرآنًا وكلامًا لله لا يعقل [أي: المعنى النفسي]، ولم يسبقهم إلى هذا القول أحدٌ من أهل الملل والنحل"

(2)

.

وقال أيضًا: "وأما الإجماع فإن أحدًا من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من العلماء إلى أن حدث ابن كلاب والأشعري ومن تابعهما أطلقوا اسم القرآن على هذه السور والآيات، وقالوا من قال بخلقه فهو كافر، وقد كان حدث الكلام في خلقه، ولا يعرف أحدٌ القرآن القائم بذات الله حتى أحدث ذلك ابنُ كلاب"

(3)

.

(1)

الحجة في بيان المحجة (1/ 360 - 361).

(2)

الانتصار في الرد على المعتزلة القدرية الأشرار (2/ 583).

(3)

المصدر السابق (2/ 598).

ص: 182

- وقال الفخر الرازي: "كلام النفس الذي لا يقول به أحدٌ إلا أصحابنا"

(1)

.

- وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ما قاله ابنُ كلاب في مسألة الكلام واتبعه عليه الأشعري، فإنه لم يَسبق ابنَ كلاب إلى ذلك أحدٌ، ولا وافقه عليه أحدٌ من رؤوس الطوائف"

(2)

.

وقال أيضًا: "وأول من قال هذا في الإسلام عبد الله بن سعيد بن كلاب، وجعل القرآن المنزل حكاية عن ذلك المعنى"

(3)

.

وقال أيضًا: "لم يذكر الله قط، ولا قال أحدٌ من المسلمين قبل ابن كلاب أن كلام الله ليس إلا معنى واحدًا، ولا خطر هذا بقلب أحد"

(4)

.

وقال أيضًا: "ما زال أئمة الطوائف طوائف الفقهاء وأهل الحديث وأهل الكلام يقولون: إنّ هذا القول الذي قاله ابنُ كلاب والأشعري في القرآن والكلام من أنه معنى قائم بالذات، وأن الحروف ليست من الكلام، قول مبتدع مخالف لأقوال سلف الأمة وأئمتها، مسبوق بالإجماع على خلافه، حتى الذين يحبون الأشعري ويمدحونه بما كان منه من الرد على أهل البدع الكبار من المعتزلة والرافضة ونحوهما، ويذبون عنه عند من يذمه ويلعنه، ويناصحون عنه من أئمة الطوائف يعترفون بذلك ويقولون: إنا نخالفه في ذلك، ويجعلون ذلك من أقواله المتروكة"

(5)

.

(1)

المحصول (4/ 318) تحقيق: طه جابر العلواني، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - الرياض، ط/الأولى، 1400 هـ.

(2)

درء تعارض العقل والنقل (2/ 99).

(3)

جامع المسائل (5/ 127).

(4)

الفتاوى الكبرى (6/ 575).

(5)

المصدر السابق (6/ 597 - 598).

ص: 183

وقال أيضًا: "ولم يكن في مسمى الكلام نزاع بين الصحابة والتابعين لهم بإحسان وتابعيهم، لا من أهل السنة، ولا من أهل البدعة، بل أول من عُرف في الإسلام أنه جعل مسمى الكلام المعنى فقط، هو عبد الله بن سعيد بن كُلاب، وهو متأخر في زمن محنة أحمد بن حنبل، وقد أنكر ذلك عليه علماء السنة، وعلماء البدعة، فيمتنع أن يكون الكلام - الذي هو أظهر صفات بني آدم كما قال تعالى: {فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (23)} [الذاريات:23] ولفظه لا تحصى وجوهه كثرة - لم يعرفه أحد من الصحابة والتابعين وتابعيهم حتى جاء من قال فيه قولًا لم يسبقه إليه أحد من المسلمين، ولا غيرهم"

(1)

.

وقال أيضًا: "فلا خلاف بين الناس أن أول من أحدث هذا القول [أي: أن الكلام هو المعنى القائم بالنفس] في الإسلام أبو محمد عبد الله بن سعيد بن كلاب البصري، واتبعه على ذلك أبو الحسن الأشعري ومن نصر طريقتهما، وكانا يخالفان المعتزلة ويوافقان أهل السنة في جمل أصول السنة، ولكن لتقصيرهما في علم السنة، وتسليمهما للمعتزلة أصولاً فاسدة صار في مواضع من قوليهما مواضع فيها من قول المعتزلة ما خالفا به السنة وإن كانا لم يوافقا المعتزلة مطلقًا.

(1)

الإيمان (ص: 110 - 111) المحقق: محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، عمان - الأردن، ط/ الخامسة، 1416 ه.

ص: 184

وهذه المسألة مسالة حدّ الكلام قد أنكرها عليهما جميع طوائف المسلمين حتى الفقهاء والأصوليون والمصنفون في أصول الفقه على مذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد يذكرون الكلام وأنواعه من الأمر والنهي والخبر وما فيه من العام والخاص، وأنّ الصيغة داخلة في مسمى ذلك عند جميع فرق الأمة أصوليها وفقيهها ومحدثها وصوفيها إلا عند هؤلاء"

(1)

.

وقال أيضًا: "وهذا القول أيضا لم يقله أحد من الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين وأصحابهم الذين يفتى بقولهم، بل كان الشيخ أبو حامد الإسفراييني يقول: مذهبي ومذهب الشافعي وأحمد بن حنبل وسائر علماء الأمصار في القرآن مخالف لهذا القول، وكذلك أبو محمد الجويني - والد أبي المعالي - قال: مذهب الشافعي وأصحابه في الكلام ليس هو قول الأشعري"

(2)

.

(1)

الاستقامة (1/ 212) المحقق: د. محمد رشاد سالم، جامعة الإمام محمد بن سعود - المدينة المنورة، ط/ الأولى، 1403 هـ.

(2)

مجموع الفتاوى (12/ 557 - 558).

ص: 185

- وقال الحافظ الذهبي: "وكان [أي: ابن كلاب] يقول بأن القرآن قائم بالذات بلا قدرة ولا مشيئة. وهذا ما سُبق إليه أبدًا، قاله في معارضة من يقول بخلق القرآن"

(1)

.

- وقال بدر الدين الزركشي الشافعي الأشعري (المتوفى: 794 هـ): "أصحابنا لما أثبتوا الكلام النفسي، وأن الله تعالى لم يزل آمرا ناهيا مخبرا. قيل عليهم من قبل الخصوم القائلين بحدوثه: إن الأمر والنهي بدون المخاطب عبث، فاضطرب الأصحابُ في التخلص من ذلك على فرقتين:

إحداهما: قالت: إن المعدوم في الأزل مأمور على معنى تعلق الأمر به في الأزل على تقدير الوجود، واستجماع شرائط التكليف لا أنه مأمور حال عدمه، فإن ذلك مستحيل، بل هو مأمور بتقدير الوجود، بمعنى أنه يجوز أن يكون الأمر موجودًا في الأزل، ثم إن الشخص الذي سيوجد بعد ذلك يصير مأمورًا بذلك الأمر.

وهذا مفرّع على إثبات كلام النفس، ولم يقل به إلا الأشاعرة، هكذا نقلوه عن الشيخ أبي الحسن منهم ابن القشيري

"

(2)

.

(1)

سير أعلام النبلاء (11/ 175).

(2)

البحر المحيط في أصول الفقه (2/ 98 - 99) دار الكتبي، ط/ الأولى، 1414 هـ.

ص: 186

* قول الحافظ أبي نصر السجزي في بيان نشأة قول ابن كلاب ومَن اتَّبَعه في كلام الله تعالى:

قال الحافظ أبو نصر السجزي: "اعلموا- أرشدنا الله وإياكم- أنه لم يكن خلاف بين الخلق على اختلاف نِحَلهم من أول الزمان إلى الوقت الذي ظهر فيه ابن كلاب والقلانسي والصالحي والأشعري وأقرانهم - الذين يتظاهرون بالرد على المعتزلة وهم معهم، بل أخس حالاً منهم في الباطن- في أن الكلام لا يكون إلا حرفاً وصوتاً ذا تأليف واتساق وإن اختلفت به اللغات.

وعبر عن هذا المعنى الأوائلُ الذين تكلموا في العقليات وقالوا: الكلام حروف متسقة، وأصوات مقطعة.

وقالت العرب: الكلام: اسم وفعل وحرف جاء لمعنى، فالاسم مثل: زيد، وعمرو، وحامد. والفعل مثل: جاء، وذهب، وقام، وقعد. والحرف الذي يجيء لمعنى مثل: هل، وبل، وما شاكل ذلك.

فالإجماع منعقد بين العقلاء على كون الكلام حرفاً وصوتاً، فلما نبغ ابنُ كلاب وأضرابه وحاولوا الرد على المعتزلة من طريق مجرد العقل، وهم لا يخبرون أصول السنة، ولا ما كان السلف عليه، ولا يحتجون بالأخبار الواردة في ذلك زعماً منهم أنها أخبار آحاد، وهي لا توجب علماً، وألزمتهم المعتزلة أن الاتفاق حاصل على أن الكلام حرف وصوت ويدخله التعاقب والتأليف، وذلك لا يوجد في الشاهد إلا بحركة وسكون، ولا بد له من أن يكون ذا أجزاء وأبعاض، وما كان بهذه المثابة لا يجوز أن يكون من صفات ذات الله، لأنّ ذات الله سبحانه لا توصف بالاجتماع والافتراق، والكل والبعض، والحركة والسكون. وحكم الصفة الذاتية حكم الذات.

ص: 187

قالوا: فعلم بهذه الجملة أن الكلام المضاف إلى الله سبحانه خلق له، أحدثه وأضافه إلى نفسه كما تقول: عبد الله، وخلق الله، وفعل الله.

فضاق بابن كلاب وأضرابه النفس عند هذا الإِلزام لقلة معرفتهم بالسنن وتركهم قبولها، وتسليمهم العنان إلى مجرد العقل، فالتزموا ما قالته المعتزلة وركبوا مكابرة العيان وخرقوا الإِجماع المنعقد بين الكافة، المسلم والكافر، وقالوا للمعتزلة: الذي ذكرتموه ليس بحقيقة الكلام، وإنما يسمى ذلك كلاماً على المجاز لكونه حكاية أو عبارة عنه، وحقيقة الكلام: معنى قائم بذات المتكلم.

فمنهم من اقتصر على هذا القدر، ومنهم من احترز عما علم دخوله على هذا الحد، فزاد فيه ما ينافي السكوت والخرس والآفات المانعة من الكلام.

ثم خرجوا من هذا إلى أن إثبات الحرف والصوت في كلام الله سبحانه تجسيم، وإثبات اللغة فيه تشبيه

فألجأهم الضيق مما يدخل عليهم في مقالتهم إلى أن قالوا: الأخرس متكلم، وكذلك الساكت والنائم، ولهم في حال الخرس والسكوت والنوم كلام هم متكلمون به، ثم أفصحوا بأن الخرس والسكوت والآفات المانعة من النطق ليست بأضداد الكلام.

وهذه مقالة تبين فضيحة قائلها في ظاهرها من غير ردّ عليه. ومن عُلم منه خرق إجماع الكافة، ومخالفة كل عقلي وسمعي قبله لم يناظر بل يجانب ويقمع"

(1)

.

(1)

رسالة الحافظ أبي نصر السجزي إلى أهل زبيد في الرد على من أنكر الحرف والصوت (ص: 115 - 122).

ص: 188

* السببُ الذي جعل ابن كلاب وأبا الحسن الأشعري يقولان ما قالاه في صفة كلام الله تعالى:

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "لما حدث أبو محمد بن كلاب وناظر المعتزلة بطريق قياسية سلّم لهم فيها أصولاً هم واضعوها - من امتناع تكلّمه تعالى بالحروف، وامتناع قيام الصفات الاختيارية بذاته مما يتعلق بمشيئته وقدرته من الأفعال والكلام وغير ذلك؛ لأن ذلك يستلزم أنه لم يخل من الحوادث، وما لم يخل من الحوادث فهو حادث - اضطره ذلك إلى أن يقول: ليس كلام الله إلا مجرد المعنى، وإن الحروف ليست من كلام الله، وتابعه على ذلك أبو الحسن الأشعري"

(1)

.

وقال أيضًا: "وإنما اضطر ابن كلاب والأشعري ونحوهما إلى هذا الأصل [أي: القول بأن كلام الله معنى واحد قائم بنفس الله تعالى] أنهم لما اعتقدوا أن الله لا يقوم به ما يتعلق بمشيئته وقدرته، لا فِعْل ولا تكلّم ولا غير ذلك.

(1)

مجموع الفتاوى (12/ 376).

ص: 189

وقد تبين لهم فساد قول من يقول: القرآن مخلوق، ولا يجعل لله تعالى كلاماً قائماً بنفسه، بل يجعل كلامه ما خلقه في غيره، وعرفوا أنّ الكلام لا يكون مفعولاً منفصلاً عن المتكلّم، ولا يتصف الموصوف بما هو منفصل عنه، بل إذا خلق الله شيئاً من الصفات والأفعال بمحل كان ذلك صفة لذلك المحل، لا لله،

وهذا التقرير مما اتفق عليه القائلون بأن القرآن غير مخلوق من جميع الطوائف مثل أهل الحديث والسنة، ومثل الكرامية والكلابية وغيرهم

ولكن منشأ اضطراب الفريقين [أي: المعتزلة والأشاعرة] اشتراكهما في أنه لا يقوم به ما يكون بإرادته وقدرته، فلزم هؤلاء إذا جعلوه يتكلم بإرادته وقدرته واختياره أن يكون كلامه مخلوقاً منفصلاً عنه، ولزم هؤلاء إذا جعلوه غير مخلوق أن لا يكون قادراً على الكلام، ولا يتكلم بمشيئته وقدرته، ولا يتكلم بما يشاء

فاحتاجوا حينئذ أن يثبتوا ما لا يكون مقدوراً مراداً، قالوا: والحروف المنظومة والأصوات لا تكون إلا مقدورة مرادة، فأثبتوا معنى واحداً، لم يمكنهم إثبات معان متعددة، خوفاً من إثبات ما لا نهاية له، فاحتاجوا أن يقولوا (معنى واحداً) فقالوا القول الذي لزمته تلك اللوازم التي عظم فيها نكير جمهور المسلمين، بل جمهور العقلاء عليهم"

(1)

.

(1)

درء تعارض العقل والنق ل (2/ 111 - 114).

ص: 190

* حكم إطلاق القول بأن القرآن قول جبريل أو محمد صلى الله عليه وسلم وهل قال أبو الحسن الأشعري ذلك؟

قال الحافظ أبو نصر السجزي: "وإذا أفصح بأنها عبارة محمد وافق الوليد بن المغيرة لما قال: {إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ} [المدثر:25] ونحن نقول: هو كلام الله تعالى، لقوله سبحانه: {فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} [التوبة:6] "

(1)

.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "والقرآن يتناول معانيه ولفظه، ومجموع هذا ليس قولاً لغير الله بإجماع المسلمين، وإطلاق القول بأن القرآن كلام جبريل أو محمد أو غيرهما من المخلوقين كفر لم يقله أحد من أئمة المسلمين

وإنما يقول إنه قول جبريل أحدُ رجلين: إما رجل من الملاحدة والفلاسفة

(1)

رسالة الحافظ أبي نصر السجزي إلى أهل زبيد في الرد على من أنكر الحرف والصوت (ص: 239).

ص: 191

أو رجل ينتسب إلى مذهب الأشعري ويظن أنّ هذا قول الأشعري، بناء على أن الكلام العربي لم يتكلم الله به عنده، وإنما كلامه معنى واحد قائم بذات الرب، هو الأمر والخبر، إن عبر عنه بالعربية كان قرآنًا، وإن عبر عنه بالعبرانية كان توراة، وإن عبر عنه بالسريانية كان إنجيلاً.

وهذا القول وإن كان قول ابن كلاب والقلانسي والأشعري ونحوهم فلم يقولوا إن الكلام العربي كلام جبريل.

ومن حكى هذا عن الأشعري نفسه فهو مجازف، وإنما قال طائفة من المنتسبين إليه، كما قالت طائفة أخرى إنه نظم محمد صلى الله عليه وسلم.

ولكن المشهور عنه أن الكلام العربي مخلوق، ولا يطلق عليه القول بأنّه كلام الله، لكن إذا كان مخلوقًا فقد يكون خلقه في الهواء أو في جسم، لكن القول إذا كان ضعيفًا ظهر الفساد في لوازمه"

(1)

.

(1)

مجموع الفتاوى (12/ 556 - 557).

ص: 192