الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إنكار السلف على الجهمية والمعتزلة
كان بسبب قولهم بخلق القرآن العربي لا لنفي الكلام النفسي
لقد أجمع السلف والأئمة على تضليل الجهمية والمعتزلة القائلين بخلق القرآن، وأنكروا عليهم أشد الإنكار، وأقوالهم في ذلك كثيرة جدًا.
ومِن أكثر مَن توسع في نقل أقوال السلف في ذلك الحافظ أبو القاسم اللالكائي (المتوفى: 418 هـ) فقد ذكر أقوال السلف والأئمة بأنّ القرآن كلام الله غير مخلوق، وما ورد عنهم من تكفير من يقول ذلك، ثم قال: "فهؤلاء خمسمائة وخمسون نفسًا أو أكثر من التابعين وأتباع التابعين والأئمة المرضيين - سوى الصحابة الخيرين- على اختلاف الأعصار ومضي السنين والأعوام. وفيهم نحو من مائة إمام ممن أخذ الناس بقولهم وتدينوا بمذاهبهم، ولو اشتغلت بنقل قول المحدثين لبلغت أسماؤهم ألوفًا كثيرة، لكني اختصرت وحذفت الأسانيد للاختصار، ونقلت عن هؤلاء عصرًا بعد عصر لا ينكر عليهم منكر، ومن أنكر قولهم استتابوه أو أمروا بقتله أو نفيه أو صلبه.
ولا خلاف بين الأمة أن أول من قال: القرآن مخلوق جعد بن درهم في سني نيف وعشرين، ثم جهم بن صفوان، فأما جعد فقتله خالد بن عبد الله القسري، وأما جهم فقتل بمرو في خلافة هشام بن
عبد الملك"
(1)
.
وواضحٌ تمام الوضوح أنّ إنكار السلف على الجهمية والمعتزلة إنما كان بسبب قولهم بخلق القرآن العربي، المنزل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، المُثبَت في المصحف، المتلو بالألسنة.
أما الكلام النفسي فالمعتزلة لا يثبتونه أصلاً، فلا يقولون عنه بأنه مخلوق ولا غير مخلوق، لأنه غير ثابتٍ عندهم.
فخلافُ السلف مع الجهمية والمعتزلة إنما كان في القرآن الذي بين أيدينا، المثبت في المصاحف، المؤلَّف من الحروف العربية، المفتتح بسورة الفاتحة والمختتم بسورة الناس.
قال موفق الدين ابن قدامة: "واتفق أهل السنة على أن القرآن كلام الله غير مخلوق، ولم يكن القرآن الذى دُعوا إلى القول بخلقه سوى هذه السور التي سماها الله قرآنًا عربيًا وأنزلها على رسوله صلى الله عليه وسلم، ولم يقع الخلاف في غيرها البتة"
(2)
.
(1)
شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (2/ 344) تحقيق: أحمد بن سعد الغامدي، دار طيبة - السعودية، ط/ الثامنة، 1423 هـ.
(2)
المناظرة في القرآن (ص: 47).
وقال أيضًا: "ولما اختلف أهل الحق والمعتزلة فقال أهل الحق: القرآن كلام الله غير مخلوق، وقالت المعتزلة هو مخلوق لم يكن اختلافهم إلا في هذا الموجود دون ما في نفس الباري مما لا يُدرى ما هو ولا نعرفه"
(1)
.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: وقال أيضًا: "إنّ الرجل [أي: الرازي] قد أقرّ أنه لا نزاع بينهم وبين المعتزلة من جهة المعنى في خلق الكلام بالمعنى الذي يقوله المعتزلة
(2)
، وإنما النزاع لفظي
(3)
حيث أن المعتزلة سمّت ذلك المخلوق كلام الله وهم لم يسمّوه كلام الله.
ومن المعلوم بالاضطرار أنّ الجهمية من المعتزلة وغيرهم لما ابتدعت القول بأن القرآن مخلوق أو بأن كلام الله مخلوق أنكر ذلك عليهم سلف الأمة وأئمتها، وقالوا: القرآن كلام الله غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود.
(1)
المصدر السابق (ص: 30 - 31).
(2)
تقدم قول الفخر الرازي في ذلك.
(3)
قال الرازي في نهاية العقول (2/ 304): "والناس قد أطنبوا من الجانبين في هذا المقام، وليس ذلك مما يستحق الإطناب؛ لأنه بحث لغوي ينبغي أن يرجع فيه إلى الأدباء، وليس هو من المباحث العقلية في شيء".
فلو كان ما وصفته المعتزلة بأنه مخلوق هو مخلوق عندهم أيضًا، وإنما خالفوهم في تسمية كلام الله أو في إطلاق اللفظ لم تحصل هذه المخالفة العظيمة والتكفير العظيم بمجرد نزاع لفظي كما قال هو إن الأمر في ذلك يسير وليس هو مما يستحق الإطناب لأنه بحث لغوي، وليس هو من الأمور المعقولة المعنوية. فإذا كانت المعتزلة فيما أطلقته لم تنازع إلا في بحث لغوي لم يجب تكفيرهم وتضليلهم وهجرانهم بذلك كما أنه هو وأصحابه لا يضلّلونهم في تأويل ذلك وإن نازعوهم في لفظه، ومجرد النزاع اللفظي لا يكون كفرًا ولا ضلالاً في الدين"
(1)
.
وقال أيضًا: "السلف والمعتزلة جميعا اتفقوا على أن كلام الله ليس هو مجرد هذا المعنى الذي تثبتونه أنتم [يعني: الأشاعرة]، بل الذي سمته المعتزلة كلام الله وقالوا إنه مخلوق وافقهم السلف على أنه كلام الله لكن قالوا إنه غير مخلوق.
وأنتم تقولون إنه ليس بكلام الله، فكان قولكم خرقًا لإجماع السلف والمعتزلة، وذلك خرق لإجماع الأمة جميعها؛ إذا لم يكن في عصر السلف إلا هذان القائلان، ولم يكن في ذلك الزمان من يقول: القرآن الذي قالت المعتزلة إنه مخلوق ليس هو كلام الله"
(2)
.
(1)
الفتاوى الكبرى (6/ 495).
(2)
المصدر السابق (6/ 525).
وقال أيضًا: "ومن المعلوم أن هذا المعنى الذي ادعيتم [يقصد الأشاعرة] أنه معنى كلام الله لم يظهر في الأمة إلا من حين حدوث ابن كلاب ثم الأشعري بعده؛ إذ قبل قول ابن كلاب لا يعرف في الأمة أحدٌ فسّر كلام الله بهذا"
(1)
.
وقال الحافظ الذهبي: "أما تكفير من قال بخلق القرآن فقد ورد عن سائر أئمة السلف في عصر مالك والثوري، ثم عصر ابن المبارك ووكيع، ثم عصر الشافعي وعفان والقعنبي، ثم عصر أحمد بن حنبل وعلي بن المديني، ثم عصر البخاري وأبي زرعة الرازي، ثم عصر محمد بن نصر المروزي والنسائي ومحمد بن جرير وابن خزيمة وكان الناس في هذه الأزمنة إما قائلا بأنه كلام الله ووحيه وتنزيله غير مخلوق، وإما قائلا بأنه كلام الله وتنزيله وأنه مخلوق"
(2)
.
وقال العلامة محمد بن إبراهيم الوزير (المتوفى: 740 هـ): "ولم يكن قد عرض في زمن الصحابة والتابعين ذكر الكلام النفسي وقدمه، فلم يذكر أحدٌ منهم هذه المسألة، وإنما كان كلامهم في اللفظي"
(3)
.
(1)
المصدر السابق (6/ 522).
(2)
العلو للعلي الغفار (ص: 162).
(3)
العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (4/ 357) تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة- بيروت، ط/ الثالثة،1415 هـ - 1994 م.