الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
لم يقل أحدٌ من السلف والأئمة: إنّ صوت العبد بالقرآن والمداد المكتوب به قديمٌ:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "اتفق سلفُ الأمة وأئمتها على أنّ القرآن الذي يقرؤه المسلمون كلام الله تعالى، ولم يقل أحد منهم إن أصوات العباد ولا مداد المصاحف قديم، مع اتفاقهم على أن المثبَت بين لوحي المصحف كلام الله، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «زينوا القرآن بأصواتكم»، فالكلام الذي يقرؤه المسلمون كلام الله، والأصوات التي يقرؤون بها أصواتهم"
(1)
.
وقال أيضًا: "ومن قال: نفسُ أصوات العباد أو مدادهم أو شيئًا من ذلك قديم فقد خالف أيضًا أقوال السلف، وكان فساد قوله ظاهرًا لكل أحد، وكان مبتدعًا قولاً لم يقله أحد من أئمة المسلمين، ولا قالته طائفة كبيرة من طوائف المسلمين، بل الأئمة الأربعة وجمهور أصحابهم بريئون من ذلك"
(2)
.
(1)
مجموع الفتاوى (12/ 559).
(2)
المصدر السابق (12/ 55).
وقال أيضًا: "ولم يقل قط أحد من أئمة السلف: إن أصوات العباد بالقرآن قديمة، بل أنكروا على من قال: لفظ العبد بالقرآن غير مخلوق.
وأما من قال: إن المداد قديم فهذا من أجهل الناس وأبعدهم عن السنة، قال الله تعالى:{قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} [الكهف:109] فأخبر أن المداد يكتب به كلماته"
(1)
.
وقال أيضًا: "دعوى أنّ هذا الصوت المسموع من العبد أو بعضه هو صوت الله، أو هو قديم بدعة منكرة مخالفة لضرورة العقل، لم يقلها أحد من أئمة الدين، بل أنكرها أئمة المسلمين من أصحاب الإمام أحمد وغيره، وإنما قال ذلك شرذمة قليلة من الطوائف.
وهي أقبح وأنكر من قول الذين قالوا: لفظنا بالقرآن غير مخلوق، فإن أولئك لم يقولوا: صوتنا، ولا قالوا: قديم، ومع هذا فقد اشتد نكير الإمام أحمد عليهم وتبديعه لهم، وقد صنف الإمام أبو بكر المروزي صاحبه في ذلك مصنفًا جمع فيه مقالات علماء الوقت من أهل الحديث والسنة من أصحاب أحمد وغيرهم على إنكار ذلك، وقد ذكر ذلك أبو بكر الخلال في كتاب السنة"
(2)
.
(1)
المصدر السابق (3/ 403).
(2)
الفتاوى الكبرى (6/ 595) دار الكتب العلمية، ط/ الأولى، 1408 هـ - 1987 م.
وقال أيضًا: "إن فروخ اللفظية النافية الذين يقولون بأن حروف القرآن ليست من كلام الله تروي عن منازعيها أنهم يقولون: القرآن ليس هو إلا الأصوات المسموعة من العبد، وإلا المداد المكتوب في الورق، وإنّ هذه الأصوات وهذا المداد قديمان.
وهذا القول ما قاله أحد ممن يقول إن القرآن ليس إلا الحروف والأصوات، بل أنكروا ذلك وردّوه وكذّبوا من نقل عنهم أن المداد قديم، ولكن هذا القول قد يقوله الجهال المتطرفون كما يُحكى عن أعيانهم مثل سكان بعض الجبال أن الورق والجلد والوتد وما أحاط به من الحائط كلام الله أو ما يشبه هذا اللغو من القول الذي لا يقوله مسلم ولا عاقل"
(1)
.
وقال أيضًا: "وأما صوت العبد فقد تكلم فيه طائفة من المنتسبين إلى الأئمة كالشافعي وأحمد وغيرهما، فمنهم من قال: إن الصوت المسموع قديم، ومنهم من يقول: يسمع شيئين الصوت القديم والمحدث، وهذا خطأ في العقل الصريح، وهو بدعة، وقول قبيح.
والإمام أحمد وجماهير أصحابه منكرون لما هو أخف من ذلك، فإن أحمد وأئمة أصحابه قد أنكروا على من قال: اللفظ بالقرآن غير مخلوق، فكيف بمن قال: اللفظ به قديم، فكيف بمن قال: الصوت غير مخلوق؟ فكيف بمن قال: الصوت قديم؟ وقد بدّعوا هؤلاء، وأمروا بهجرهم، وقد صنف المروذي في ذلك مصنفاً كبيراً ذكره الخلال في كتاب السنة"
(2)
.
(1)
مجموع الفتاوى (12/ 380 - 381).
(2)
درء تعارض العقل والنقل (2/ 312 - 313).
وقال أيضًا: "وأما صوت العبد فهو مخلوق، وقد صرح أحمد وغيره بأن الصوت المسموع صوت العبد ولم يقل أحمد قط من قال إن صوتي بالقرآن مخلوق فهو جهمي، وإنما قال من قال لفظي بالقرآن.
والفرق بين لفظ الكلام، وصوت المبلِّغ له، فرق واضح، فكل من بلّغ كلام غيره بلفظ ذلك الرجل فإنما بلغ لفظ ذلك الغير لا لفظ نفسه، وهو إنما بلّغه بصوت نفسه لا بصوت ذلك الغير.
ونفس اللفظ والتلاوة والقراءة والكتابة ونحو ذلك لما كان يراد به المصدر الذي هو حركات العباد وما يحدث عنها من أصواتهم وشكل المداد.
ويراد به نفس الكلام الذي يقرؤه التالي ويتلوه ويلفظ به ويكتبه منع أحمد وغيره من إطلاق النفي والإثبات الذي يقتضي جعل صفات الله مخلوقة، أو جعل صفات العباد ومدادهم غير مخلوق"
(1)
.
وقال أيضًا: "كما أنّ من قال: إن هذا الصوت المسموع ليس هو صوت العبد أو هو صوت الله كان فساد قوله معلومًا بالضرورة شرعًا وعقلاً، بل هذا هو كلام الله لا كلام غيره، سمعه جبريل من الله، وسمعه النبي صلى الله عليه وسلم من جبريل، وسمعه المسلمون من نبيهم، ثم بلّغه بعضهم إلى بعض، وليس لأحد من الوسائط فيه إلا التبليغ بأفعاله وصوته، لم يحدث منهم أحدٌ شيئًا من حروفه ولا نظمه ولا معانيه، بل جميع ذلك كلام الله تعالى"
(2)
.
(1)
مجموع الفتاوى (12/ 74 - 75).
(2)
المصدر السابق (12/ 172).