المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أقوال بعض أئمة وعلماء الأشاعرةفي أن القرآن الذي بين دفتي المصحف مخلوق، وأن الخلاف بينهم وبين المعتزلة إنما هو في إثبات الكلام النفسي ونفيه - مذهب جمهور الأشاعرة في القرآن

[محمد بن عبد الله المقشي]

فهرس الكتاب

- ‌ أقوال بعض السلف والأئمة في أنّ القرآن حيثما تصرَّف كلام الله تعالى غير مخلوق:

- ‌مذهبُ جمهور الأشاعرة في القرآنباطنُه الاعتزالوظاهره التستُّر بمذهب السلف

- ‌أقوال بعض أئمة وعلماء الأشاعرةفي أنّ القرآن الذي بين دفتي المصحف مخلوق، وأنّ الخلاف بينهم وبين المعتزلة إنما هو في إثبات الكلام النفسي ونفيه

- ‌أقوال بعض الأئمة والعلماء من غير الأشاعرة

- ‌إنكار السلف على الجهمية والمعتزلةكان بسبب قولهم بخلق القرآن العربي لا لنفي الكلام النفسي

- ‌ أقوال بعض السلف التي فيها ما يدل صراحة بأن إنكار السلف على المعتزلة كان بسبب قولهم بخلق القرآن العربي الموجود بين دفتي المصحف:

- ‌بعض المحذورات التي وقع فيها الأشاعرةوبعض اللوازم التي تلزمهم

- ‌قول الأشاعرة هذا يشبه السفسطة، ومجرّد تصوّره يوجب العلم الضروري بفساده

- ‌مراد الأشاعرة بقولهم:"القرآن قديم

- ‌سببُ منع الإمام أحمد وغيرهإطلاق: "لفظي بالقرآن مخلوق

- ‌ اللفظ يُراد به أمران:

- ‌هل ثبت عن الإمام البخاريأنه قال: "لفظي بالقرآن مخلوق

- ‌تلخيص شيخ الإسلام ابن تيميةللخلاف والافتراق في مسألة اللفظ بالقرآنوما فيها من اللبس، وبيان الحق في ذلك

- ‌ملحق فيه بعض الفوائد

- ‌قولُ ابن كلاب - وتبعه أبو الحسن الأشعري- بأن كلام الله معنى واحد قائم بذاته تعالى قولٌ لم يُسبق إليه

- ‌ البدع تكون في أولها شبرًا، ثم تكثر في الأتباع حتى تصير أذرعًا وأميالاً وفراسخ:

- ‌ لا يصح تشبيه كون القرآن في المصحف بكون الله تعالى أو رسوله في الصحف أو الورق:

- ‌ لم يقل أحدٌ من السلف والأئمة: إنّ صوت العبد بالقرآن والمداد المكتوب به قديمٌ:

- ‌ أكثر المتكلمين لا يعرفون قول السلف في كلام الله تعالى، وأكثر بحثهم ونقاشهم مع القول بأن أصوات العباد قديمة:

- ‌ قاعدة في تمييز الصحيح من العقائد من المبتَدَع الفاسد:

الفصل: ‌أقوال بعض أئمة وعلماء الأشاعرةفي أن القرآن الذي بين دفتي المصحف مخلوق، وأن الخلاف بينهم وبين المعتزلة إنما هو في إثبات الكلام النفسي ونفيه

‌أقوال بعض أئمة وعلماء الأشاعرة

في أنّ القرآن الذي بين دفتي المصحف مخلوق، وأنّ الخلاف بينهم وبين المعتزلة إنما هو في إثبات الكلام النفسي ونفيه

هناك نصوص كثيرة لأئمة وعلماء الأشاعرة فيها التصريح بخلق القرآن العربي المنزل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وأنهم متفقون مع المعتزلة في ذلك، وأنّ الخلاف بينهم وبين المعتزلة إنما هو في إثبات الكلام النفسي ونفيه، وسنقتصر هنا على إيراد بعض هذه النصوص من دون شرح وتوضيح؛ فهي أصرح من أن تُوضَّح، وأظهر من أن تُشرح.

- قال إمام الحرمين أبو المعالي الجويني (المتوفى: 478 هـ) في معرض الردّ على المعتزلة: "فإنّ معنى قولهم [أي المعتزلة]: هذه العبارات كلام الله: أنها خَلْقُه، ونحن لا نمنع أنها خلق الله، ولكن نمتنع من تسمية خالق الكلام متكلمًا به، فقد أطبقنا على المعنى وتنازعنا بعد الاتفاق في تسميته"

(1)

.

- وقال الإمام أبو حامد الغزالي (المتوفى: 505 هـ): "فقد انكشف الغطاء ولاح وجود معنى هو مدلول اللفظ زائداً على ما عداه من المعاني، ونحن نسمي ذلك كلاماً وهو جنس مخالف للعلوم والإرادات والاعتقادات، وذلك لا يستحيل ثبوته لله تعالى، بل يجب ثبوته؛ فإنه نوع كلام، فإذًا هو المعني بالكلام القديم، وأما الحروف فهي حادثة، وهي دلالات على الكلام، والدليل غير المدلول، ولا يتصف بصفة المدلول، وإن كانت دلالته ذاتية كالعالَم فإنه حادث ويدل على صانع قديم، فمن أين يبعد أن تدل حروف حادثة على صفة قديمة"

(2)

.

(1)

الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد (ص: 117) تحقيق: أسعد تميم، مؤسسة الكتب الثقافية، ط/ الثالثة، 1416 هـ.

(2)

الاقتصاد في الاعتقاد (ص: 70) وضع حواشيه: عبد الله محمد الخليلي، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، ط/ الأولى، 1424 هـ - 2004 م.

ص: 23

- وقال أبو الفتح الشهرستاني (المتوفى: 548 هـ): "قال [أي: أبو الحسن الأشعري]: وعلمه واحد يتعلق بجميع المعلومات

وكلامه واحد هو: أمر ونهي، وخبر، واستخبار، ووعد، ووعيد. وهذه الوجوه ترجع إلى اعتبارات في كلامه، لا إلى عدد في نفس الكلام.

والعبارات والألفاظ المنزلة على لسان الملائكة إلى الأنبياء عليهم السلام دلالات على الكلام الأزلي، والدلالة مخلوقة محدثة، والمدلول قديم أزلي"

(1)

.

وقال أيضًا: "قالت الأشعرية: إذا قام الدليل على أنّ الكلام معنى قائم بذات الباري تعالى، وكل معنى أو صفة له فهي واحدة،

وخصومنا [أي: المعتزلة] لو وافقونا على أن الكلام في الشاهد معنى في النفس سوى العبارات القائمة باللسان، وأن الكلام في الغائب معنى قائم بذات الباري تعالى سوى العبارات التي نقرؤوها باللسان ونكتبها في المصاحف لوافقونا على اتحاد المعنى.

لكن لما كان الكلام لفظاً مشتركاً في الإطلاق لم يتوارد على محل واحد، فإن ما يُثبته الخصم كلاماً فالأشعرية تثبته وتوافقه على أنه كثير، وأنه محدث مخلوق، وما يثبته الأشعري كلاماً [أي: الكلام النفسي] فالخصم ينكره أصلاً"

(2)

.

(1)

الملل والنحل (1/ 96) تحقيق: محمد سيد كيلاني، دار المعرفة - بيروت، 1404 هـ.

(2)

نهاية الإقدام على علم الكلام (ص: 164 - 165) تحقيق: محمد حسن إسماعيل، دار الكتب العلمية - بيروت، ط/ الأولى، 1425 ه.

ص: 24

- وقال جمال الدين محمد بن أحمد الغزنوي (المتوفى: 593 هـ): "وكلامه صفته، وصفاته قائمة بذاته لا تقبل الانفصال عنه والافتراق، وهذه العبارات دالة على كلامه القديم الأزلي القائم بذاته، وتسمى العبارات كلام الله تعالى، وهي محدثة مخلوقة، وهي الحروف والأصوات وتتابع الحروف والكلمات"

(1)

.

- وقال الفخر الرازي (المتوفى: 606 هـ): "لا ننازع في إطلاق لفظ "القرآن" و"كلام الله تعالى" على هذه الحروف والأصوات، وما ذكروه [أي: المعتزلة] من الأدلة فهو إنما يفيد حدوث القرآن بهذا التفسير، وذلك متفق عليه، وإنما نحن بعد ذلك ندّعي صفة قائمة بذات الله تعالى وندعي قدمها.

وقد بينا أن تلك الصفة يستحيل وصفها بكونها عربية وعجمية ومحكمة ومتشابهة، لأن كل ذلك من صفات الكلام الذي هو عبارة عن الحروف والأصوات.

والحاصل أن الكلام الذي حاولوا إثبات حدوثه، فنحن لا ننازعهم في حدوثه، والكلام الذي ندّعي قِدَمه لا يجري فيه ما ذكروه من الأدلة"

(2)

.

وقال أيضًا: "أجمع المسلمون على أن الله تعالى متكلم، لكن المعتزلة زعموا أن المعنى بكونه متكلما أنه خلق هذه الحروف والأصوات في جسم، وأما نحن فنزعم أنّ كلام الله تعالى صفة حقيقية مغايرة لهذه الحروف والأصوات، وأن ذاته تعالى موصوفة بتلك الصفة.

(1)

أصول الدين (ص: 101 - 102) المحقق: عمر وفيق الداعوق، دار البشائر الإسلامية - بيروت - لبنان، ط/ الأولى، 1419 - 1998 م.

(2)

نهاية العقول في دراية الأصول (2/ 325) عني بتحقيقه: سعيد فودة، دار الذخائر - بيروت - لبنان.

ص: 25

واعلم أن التحقيق أنا لا ننازع المعتزلة في كونه متكلمًا بالمعنى الذي ذكروه، لأنّ النزاع بيننا وبينهم إما في المعنى وإما في اللفظ، أما في المعنى

ثبت أنه لا نزاع بيننا وبينهم من جهة المعنى في كونه متكلما بالتفسير الذي قالوه.

وأما النزاع من جهة اللفظ فهو أن يقال لا نسلِّم أن لفظة المتكلِّم في اللغة موضوعة لموجِد الكلام، والناس قد أطنبوا من الجانبين في هذا المقام، وليس ذلك مما يستحق الإطناب؛ لأنه بحث لغوي، وينبغي أن يرجع فيه إلى الأدباء، وليس هذا من المباحث العقلية في شيء"

(1)

.

وقال أيضًا بعد أن قرّر أنّ الله تعالى إذا أراد شيئًا أو كَرِه شيئًا فإنه قادر على خلق الأصوات بتقطيعات مخصوصة في جسم جمادي أو حيواني، لتدل هذه الأصوات على كونه تعالى مريدًا لذلك الشيء المعين أو كارهًا له:

"فثبت بما ذكرنا أنّ كونه تعالى متكلمًا بالمعنى الذي يقوله المعتزلة مما نقول به ونعترف به ولا ننكره بوجه من الوجوه. إنما الخلاف بيننا وبينهم في أنّا نثبت أمراً آخر وراء ذلك، وهم ينكرونه"

(2)

.

(1)

المصدر السابق (2/ 303 - 304).

(2)

الأربعين في أصول الدين (1/ 249) تعليق: أحمد حجازي، مكتبة الكليات الأزهرية، مطبعة دار التضامن- القاهرة، ط/ الأولى، 1406 هـ.

ص: 26

وقال أيضًا في أثناء ردّه على شبه القائلين بحدوث القرآن: "أما جميع الشبه السمعية فالجواب عنها شيء واحد، وهو أن تُصرف كل تلك الوجوه الى هذه الحروف والأصوات، فإنا معترفون بأنها محدثة، وعندهم [أي: المعتزلة] القرآن ليس إلا ما تركب عن هذه الحروف والأصوات، فكانت الدلائل التي ذكروها دالة على حدوث هذه الحروف والأصوات.

ونحن لا ننازع في ذلك، وإنما ندعي قِدم القرآن بمعنى آخر. فكانت كل هذه الشبه ساقطة عن محل النزاع"

(1)

.

وقال أيضًا: "أما أصحابنا فقد اتفقوا على أنه تعالى ليس بمتكلم بالكلام الذي هو الحروف والأصوات، بل زعموا أنه متكلم بكلام النفس، والمعتزلة ينكرون هذه الماهية ..

فالحاصل أنّ الذي ذهبوا إليه [أي: المعتزلة] فنحن من القائلين به، إلا أنّا أثبتنا أمرًا آخر"

(2)

.

(1)

المصدر السابق (1/ 257).

(2)

المحصل في علم الكلام (ص: 403) تحقيق: حسين أتاي، دار التراث، ط/ الأولى، 1411 هـ.

ص: 27

- وقال أبو الحسن الآمدي (المتوفى: 631 هـ): "فإنّا [أي: الأشاعرة والمعتزلة] مجمعون على أنّ القرآن الحقيقي ليس بمعجزة الرسول، وإنما الاختلاف في أمر وراءه، وهو أن ذلك القرآن الحقيقي ماذا هو؟

فنحن نقول: إنه المعنى القائم بالنفس

على أن لا تنازع في أن ما جاء به الرسول من الحروف المنتظمة والأصوات المقطعة معجزة له، وأنه يسمى قرآنا وكلامًا، وأن ذلك ليس بقديم، وإنما النزاع في مدلول تلك العبارات هل هو صفة قديمة أزلية أم لا"

(1)

.

- وقال الإمام القرافي (المتوفى: 684 هـ): "فإن قلتَ: إذا قلنا بالحلف بصفات الله تعالى المعنوية كالعلم والكلام ونحوهما، فهل القرآن من هذا القبيل؟ وكذلك التوراة والإنجيل والزبور وسائر الكتب المنزلة؟ أم ليس كذلك؟

قلتُ: قال أبو حنيفة هذه الأشياء ليست منها وإن كان كلام الله تعالى النفسي منها؛ لاشتهار لفظ القرآن في الأصوات المسموعة عرفًا وأنه لا يفهم من إطلاق لفظ القرآن إلا هذه الأصوات والحروف، والأصوات والحروف مخلوقة فعند الإطلاق ينصرف اللفظ إليها، والحلف بالمخلوق منهي عنه. والمنهي عنه لا يوجب كفارة فلا يجب بالحلف بالقرآن كفارة وكذلك بقية الكتب

(1)

غاية المرام في علم الكلام (ص: 107 - 108) المحقق: حسن محمود عبد اللطيف، الناشر: المجلس الأعلى للشئون الإسلامية - القاهرة.

ص: 28

والظاهر ما قاله أبو حنيفة رحمه الله فإنا لا نفهم من قول القائل: القرآن، وهو يحفظ القرآن، وكتب القرآن، إلا هذه الأصوات والرقوم المكتوبة بين الدفتين، وهو الذي يفهم من نهيه صلى الله عليه وسلم «عن أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو» ؛ فإن المسافرة متعذرة بالقديم"

(1)

.

- وقال العضد الإيجي (المتوفى: 756 هـ): "قالت الحنابلة: كلامه [أي: الله تعالى] حرف وصوت يقومان بذاته،

وقالت المعتزلة: أصوات وحروف يخلقها الله في غيره كاللوح المحفوظ أو جبريل أو النبي وهو حادث.

وهذا لا ننكره، لكنا نثبت أمرًا وراء ذلك، وهو المعنى القائم بالنفس ونزعم أنه غير العبارات"

(2)

.

وقال أيضًا: "إذا عرفت هذا فاعلم أنّ ما يقوله المعتزلة وهو خلق الأصوات والحروف وكونها حادثة قائمة، فنحن نقول به ولا نزاع بيننا وبينهم في ذلك.

(1)

الفروق، وبهامشه أنوار الفروق، وتهذيب الفروق والقواعد السنية في الأسرار الفقهية (3/ 28 - 29) عالم الكتب.

(2)

شرح المواقف (3/ 128 - 129) دار الجيل - بيروت.

ص: 29

وما نقوله من كلام النفس فهم ينكرون ثبوته. ولو سلموه لم ينفوا قدمه، فصار محل النزاع نفي المعنى وإثباته.

فإذاً الأدلة الدالة على حدوث الألفاظ إنما تفيدهم [أي: المعتزلة] بالنسبة إلى الحنابلة، وأما بالنسبة إلينا فيكون نصبا للدليل في غير محل النزاع.

وأما ما دل على حدوث القرآن مطلقًا فحيث يمكن حمله على حدوث الألفاظ لا يكون لهم فيه حجة علينا"

(1)

.

- وقال سعد الدين التفتازاني (المتوفى: 791 هـ) بعد أن ذكر اختلاف الفرق في صفة الكلام: "ولا عبرة بكلام الكرامية والحشوية، فبقي النزاع بيننا وبين المعتزلة وهو في التحقيق عائد إلى إثبات كلام النفس ونفيه، وأنّ القرآن هو أو هذا المؤلف من الحروف الذي هو كلام حسي، وإلا فلا نزاع لنا في حدوث الكلام الحسي، ولا لهم في قِدم النفسي لو ثبت"

(2)

.

وقال أيضًا: "وتحقيق الخلاف بيننا وبينهم [أي: المعتزلة] يرجع إلى إثبات الكلام النفسي ونفيه، وإلا فنحن لا نقول بقدم الألفاظ والحروف، وهم لا يقولون بحدوث الكلام النفسي

(1)

المصدر السابق (3/ 129).

(2)

شرح المقاصد في علم الكلام (2/ 100) دار المعارف النعمانية.

ص: 30

وأما استدلالهم بأن القرآن متصف بما هو من صفات المخلوقين وسمات الحدوث من التأليف والتنظيم والإنزال، وكونه عربيًا مسموعًا فصيحًا معجزا إلى غير ذلك، فإنما يقوم حجة على الحنابلة لا علينا؛ فإنا قائلون بحدوث النظم، وإنما الكلام في المعنى القديم"

(1)

.

وقال أيضًا: "لا نزاع في إطلاق اسم القرآن وكلام الله تعالى بطريق الاشتراك أو المجاز المشهور شهرة الحقائق على هذا المؤلف الحادث، وهو المتعارف عند العامة والقراء والأصوليين والفقهاء، وإليه ترجع الخواص التي هي من صفات الحروف وسمات الحدوث"

(2)

.

وقال أيضًا: "فإن قيل: لو كان كلام الله تعالى حقيقة في المعنى القديم، مجازاً في النظم المؤلّف لصح نفيه عنه، بأن يقال: ليس النظم المنزل المعجز المفصل إلى السور والآيات كلام الله تعالى. والإجماع على خلافه. وأيضًا المعجز المتحدى به هو كلام الله حقيقة مع القطع بأن ذلك إنما يتصور في النظم المؤلف المفصل إلى السور والآيات، إذ لا معنى لمعارضة الصفة القديمة.

قلنا: التحقيق أنّ كلام الله تعالى اسم مشترك بين الكلام النفسي القديم، ومعنى الإضافة كونه صفة لله تعالى، وبين اللفظي الحادث المؤلّف من السور والآيات، ومعنى الإضافة أنه مخلوق لله تعالى ليس من تأليفات المخلوقين"

(3)

.

(1)

شرح العقائد النسفية (ص: 44) تحقيق: أحمد حجازي السقا، مكتبة الكليات الأزهرية - القاهرة، 1408 هـ.

(2)

شرح المقاصد في علم الكلام (2/ 102).

(3)

شرح العقائد النسفية (ص: 94 - 95).

ص: 31

وقال أيضًا: "وهو [أي: الكلام الأزلي] صفة قديمة منافية للسكوت والآفة،

وهذا الكلام اللفظي الحادث المؤلف من الأصوات والحروف القائمة بمحالها يُسمّى كلام الله تعالى والقرآن على معنى أنه عبارة عن ذلك المعنى القديم"

(1)

.

وقال أيضًا: "المشهور في كلام الأصحاب أن ليس إطلاق كلام الله تعالى على هذا المنتظم من الحروف المسموعة إلا بمعنى أنه دال على كلامه القديم حتى لو كان مخترع هذه الألفاظ غير الله تعالى لكان هذا الإطلاق بحاله، لكن المرضي عندنا أنّ له اختصاصا آخر بالله وهو أنه أخبر عنه بأنه أوجد أولاً الأشكال في اللوح المحفوظ؛ لقوله تعالى:{بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (21) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} [البروج:21 - 22]، أو الأصوات في لسان المَلَك؛ لقوله تعالى:{إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} [الحاقة:40]، الآية، أو لسان النبي؛ لقوله تعالى:{نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ} [الشعراء:193 - 194].

وما يقال إنّ كلام الله تعالى ليس قائمًا بلسان أو قلب، ولا حالاً في مصحف أو لوح فيراد به الكلام الحقيقي الذي هو الصفة الأزلية، ومنعوا من القول بحلول كلامه في لسان أو قلب أو مصحف وإن كان المراد هو اللفظي؛ رعاية للتأدب واحترازًا عن ذهاب الوهم إلى الحقيقي الأزلي"

(2)

.

(1)

شرح التلويح على التوضيح (1/ 49) مكتبة صبيح بمصر.

(2)

شرح المقاصد في علم الكلام (2/ 103).

ص: 32

- وقال الشريف الجرجاني (المتوفى: 814 هـ): "وقالت المعتزلة: كلامه تعالى أصوات وحروف

لكنها ليست قائمة بذاته تعالى، بل يخلقها الله في غيره كاللوح المحفوظ أو جبريل أو النبي، وهو حادث

وهذا الذي قاله المعتزلة لا ننكره نحن، بل نقول به ونسميه كلامًا لفظيًا، ونعترف بحدوثه وعدم قيامه بذاته تعالى، لكنا نثبت أمرًا وراء ذلك وهو المعنى القائم بالنفس الذي يعبر عنه بالألفاظ، ونقول هو الكلام حقيقة، وهو قديم قائم بذاته تعالى"

(1)

.

وقال أيضًا: "إذا عرفت هذا الذي قررناه لك فاعلم أنّ ما تقوله المعتزلة في كلام الله تعالى وهو خلق الأصوات والحروف الدالة على المعاني المقصودة، وكونها حادثة قائمة بغير ذاته تعالى، فنحن نقول به، ولا نزاع بيننا وبينهم في ذلك كما مر آنفًا.

وما نقوله نحن ونثبته من كلام النفس المغاير لسائر الصفات فهم ينكرون ثبوته، ولو سلموه لم ينفوا قدمه الذي ندعيه في كلامه تعالى، فصار محل النزاع بيننا وبينهم نفي المعنى النفسي وإثباته"

(2)

.

(1)

شرح المواقف (3/ 133 - 134).

(2)

المصدر السابق (3/ 135).

ص: 33

وقال أيضًا: "فالشيخ الأشعري لما قال الكلام هو المعنى النفسي فهم الأصحاب منه أن مراده مدلول اللفظ وحده، وهو القديم عنده، وأما العبارات فإنما تسمى كلامًا مجازًا لدلالتها على ما هو كلام حقيقي، حتى صرحوا بأن الألفاظ حادثة على مذهبه أيضًا لكنها ليست كلامه حقيقة"

(1)

.

- وقال ولي الدين أبو زرعة العراقي (المتوفى: 826 هـ): "وهذا الذي ذكرناه من أنّ القرآن غير مخلوق هو في القائم بالذات المقدسة.

أما العبارات الدالة عليه وهي القراءة فهي مخلوقة حادثة، لكن امتنع العلماء من إطلاق الخلق والحدوث عليها إذا سميت قرآنًا لما فيه من الإيهام، وبدّعوا القائل لفظي بالقرآن مخلوق كحسين الكرابيسي سدًا للباب"

(2)

.

- وقال الكمال ابن الهمام (المتوفى: 861 هـ): "لا يخفى أنّ الحلف بالقرآن الآن متعارف فيكون يمينًا كما هو قول الأئمة الثلاثة، وتعليلُ عدم كونه يمينًا بأنه غيره تعالى؛ لأنه مخلوق؛ لأنه حروف، وغير المخلوق هو الكلام النفسي مُنع بأن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق.

(1)

المصدر السابق (3/ 141 - 142).

(2)

الغيث الهامع شرح جمع الجوامع (ص: 745) تحقيق: محمد تامر حجازي، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، ط/ الأولى، 1425 هـ.

ص: 34

ولا يخفى أنّ المنزل في الحقيقة ليس إلا الحروف المنقضية المنعدمة

(1)

، وما ثبت قدمه استحال عدمه، غير أنهم أوجبوا ذلك؛ لأنّ العوام إذا قيل لهم: القرآن مخلوق تعدّوا إلى الكلام مطلقًا"

(2)

.

- وقال جلال الدين الدواني (المتوفى: 918 هـ): "والأشاعرة قالوا: كلامه تعالى معنى واحد بسيط، قائم بذاته تعالى قديم، فهم منعوا أن كلامه تعالى مؤلف من الحروف والأصوات.

ولا نزاع بين الشيخ [أي: أبي الحسن الأشعري] والمعتزلة في حدوث الكلام اللفظي، وإنما نزاعهم في إثبات الكلام النفسي وعدمه"

(3)

.

- وقال الشيخ زكريا الأنصاري (المتوفى: 926): "فيُطلق القرآن على كلٍ من المعنيين [أي: الكلام اللفظي الموجود في المصحف، والكلام النفسي]، كما يُطلق على كلٍ منهما كلام الله.

(1)

قال ابن عابدين: "وقوله: ولا يخفى إلخ ردّ للمنع. وحاصله أنّ غير المخلوق هو القرآن بمعنى كلام الله الصفة النفسية القائمة به تعالى، لا بمعنى الحروف المنزلة، غير أنه لا يقال: القرآن مخلوق؛ لئلا يتوهم إرادة المعنى الأول". رد المحتار (3/ 712) دار الفكر- بيروت، ط/ الثانية، 1412 هـ - 1992 م.

(2)

فتح القدير (5/ 69) دار الفكر.

(3)

جلاء العينين في محاكمة الأحمدين (ص: 304) مطبعة المدني، 1401 هـ - 1981 م.

ص: 35

ووجه الإضافة في تسميته كلام الله بالمعنى الثاني [أي: الكلام النفسي] أنه صفة له، وبالأول [أي: الكلام اللفظي] أنه أنشأه برقومه في اللوح المحفوظ لقوله تعالى: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (21) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} [البروج:21 - 22]، أو بحروفه بلسان المَلَك لقوله تعالى:{إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} [الحاقة:40]، أو بلسان النبي لوله تعالى:{نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ} [الشعراء:193 - 194] الآية"

(1)

.

- وقال شمس الدين محمد بن أحمد الرملي (المتوفى: 1004 هـ): "كلام الله تعالى النفسي صفة قديمة كبقية صفاته القديمة

فإذا عبر عنه بالعربية كان قرآنًا، وبالعبرانية فتوارة، وبالسريانية فإنجيل

أما العبارات الدالة عليه فمخلوق حادثة، لكن امتنع العلماء من إطلاق الخلق والحدوث عليها إذا سميت قرآنًا لما فيه من الإيهام"

(2)

.

- وقال أحمد بن غنيم النفراوي الأزهري المالكي (المتوفى: 1126 هـ): "وحقيقته [أي: القرآن] عند الفقهاء والقراء والأصوليين والعامة اللفظ المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم للإعجاز بأقصر سورة منه المتعبد بتلاوته المحتج بأبعاضه،

ومعنى كون هذا اللفظ كلام الله مع أنه محدث ومخلوق أنّ الله تعالى تولّى تأليفه"

(3)

.

(1)

حاشية الشيخ زكريا الأنصاري على شرح المحلي على جمع الجوامع (1/ 446) مكتبة الرشد.

(2)

غاية البيان شرح زبد ابن رسلان (ص: 11) دار المعرفة - بيروت.

(3)

الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني (1/ 56) دار الفكر، بدون طبعة، 1415 هـ - 1995 م.

ص: 36

وقال أيضًا: "المراد بالقرآن اللفظ المنزل على محمد وهو مخلوق حادث، والقديم مدلوله"

(1)

.

وقال أيضًا: "وأجاب أهل السنة [أي: الأشاعرة] عما تمسكت المعتزلة بأن كل ما دل على الحدوث يجب حمله على اللفظ الدال على المعنى القائم بالنفس المحكوم عليه بأنه قديم

والحاصل أن النزاع بين أهل السنة والمعتزلة في إثبات الكلام النفسي ونفيه، فأهل السنة تثبته والمعتزلة تنفيه، دليلنا أنه ثبت بالكتاب وبالإجماع وتواتر النقل عن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أنه تعالى متكلم، ولا معنى له سوى أنه متصف بالكلام، ويمتنع قيام اللفظ الحادث بذاته تعالى فيتعين النفسي القديم"

(2)

.

وقال أيضًا: "فالحاصل أن الكتاب بهذا المعنى [أي: اللفظ المنزل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم] يوصف بأنه عربي ومرتب وفصيح ومقروء بالألسنة وغير ذلك مما هو من أوصاف الحادث، وما يقال من أن كلام الله ليس قائمًا بلسان، ولا حالاً في مصحف، فالمراد به المعنى القائم بذاته تعالى"

(3)

.

(1)

المصدر السابق (2/ 341).

(2)

المصدر السابق (1/ 56)

(3)

المصدر السابق (1/ 66).

ص: 37

- وقال محمد الأمير الكبير المالكي السنباوي الأزهري (المتوفى: 1232 هـ): "اللفظي: هو حادث، والله عز وجل لا يتكلم به، بل خلقه الله في اللوح المحفوظ، وأنزله على جبريل، ونزل به جبريل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بالمعنى واللفظ جميعا على الراجح"

(1)

.

وقال أيضًا: "وهل القرآن بمعنى اللفظ المقروء أفضل، أو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؟ تمسك بعضهم بما يروى:«كل حرف خير من محمد وآل محمد» لكنه غير محقق الثبوت.

والحق أنه صلى الله عليه وسلم أفضل؛ لأنه أفضل من كل مخلوق،

"

(2)

.

- وقال محمد بن شافعي الفضالي (المتوفى: 1236 هـ): "وليس المراد بكلامه تعالى الواجب له تعالى الألفاظ الشريفة المنزلة على النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنّ هذه حادثة، والصفة القائمة بذاته تعالى قديمة"

(3)

.

وقال أيضًا: "ويُسمّى كلٌ من الصفة القديمة والألفاظ الشريفة: قرآنًا، وكلام الله، إلا أنّ الألفاظ الشريفة مخلوقة، مكتوبة في اللوح المحفوظ، نزل بها جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم، بعد أن نزلت في ليلة القدر في بيت العزة: محل في سماء الدنيا"

(4)

.

(1)

حاشية الأمير على إتحاف المريد (ص: 88).

(2)

حاشية الباجوري على جوهرة التوحيد المسمى بتحفة المريد على جوهرة التوحيد (ص: 161) تعليق: علي جمعة، دار السلام، ط/ الأولى، 1422 ه.

(3)

كفاية العوام فيما يجب عليهم من علم الكلام (ص: 102).

(4)

المصدر السابق (ص: 104 - 105).

ص: 38

- وقال أحمد بن عيسى الأنصاري (المتوفى: 1241 هـ): "واعلم أنه يُطلق على الكتب المنزلة على الرسل أنها كلام الله تعالى؛ لأنها ظهرت منه تعالى إحداثًا وتركيبًا، ولم يحدثها غيره،

وهذه الألفاظ ليست هي نفس الصفة القديمة كما يتوهم البعض، بل هي دالة عليها دلالة عقلية أو عرفية، لأن الألفاظ مركبة وحادثة، والصفة النفسية التي هي الكلام لا يجوز أن تكون كذلك، لأن الحوادث لا تقوم بالخاق، ومن هذا الباب يطلق على هذه الكلمات المنزلة على الرسل أنه كلام الله تعالى، أي لأنها دالة على بعض مدلولات الكلام النفسي"

(1)

.

- وقال أحمد الصاوي المالكي (المتوفى: 1241 هـ): "ما ورد في الكتاب والسنة مما يوهم الحدوث فإنه عند أهل السنة محمول على اللفظ الحادث الدال على بعض مدلول الكلام النفسي، وهو اللفظ المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم للإعجاز بأقصر سورة منه، المتعبد بتلاوته"

(2)

.

- وقال محمد بن حسن العطار (المتوفى: 1250 هـ): "لا نزاع بين الشيخ أبي الحسن الأشعري والمعتزلة في حدوث الكلام اللفظي، إنما نزاعهم في إثبات الكلام النفسي وعدمه"

(3)

.

(1)

شرح أم البراهين، نقلاً عن تهذيب شرح السنوسية لسعيد فودة ص: 40).

(2)

شرح جوهرة التوحيد (ص: 221) تحقيق: عبد الفتاح النبرم، دار ابن كثير - دمشق - بيروت.

(3)

حاشية العطار على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع (2/ 459) دار الكتب العلمية.

ص: 39

وقال أيضًا: "وبالجملة فمسألة الكلام مما كثر فيها النزاع بين العلماء الأعلام

والذي تحرر فيها أن هذه الألفاظ التي نتلوها ونتعبد بتلاوتها حادثة، والقول بقدمها سفسطة إلا أنّ السلف تحاشوا عن القول بحدوثها،

ومعنى كونه كلام الله أنه ليس من تأليف البشر، بل نزل به جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم، ونزل باللفظ والمعنى جميعا على ما هو التحقيق خلافا لما قيل إنّ جبريل يلهم المعنى ويعبر للنبي صلى الله عليه وسلم عنه، ولمن قال: يلقي المعنى في قلبه صلى الله عليه وسلم، وهو الذي يعبر.

ثم إن هذه الألفاظ دالة على الصفة النفسية القديمة، فالدال حادث والمدلول قديم، وهذا المدلول هو المراد بقولهم المقروء قديم والقراءة حادثة"

(1)

.

وقال أيضًا: "ووجه إضافته [أي: الكلام النفسي] بهذا المعنى له تعالى أنه صفته، وبالمعنى الأول [أي: الكلام اللفظي] أنه تعالى أنشأه برقومه في اللوح المحفوظ، ومنع السلف من إطلاق القول بخلق القرآن بهذا المعنى أدبًا وتحرزًا عن ذهاب الوهم إلى المعنى النفسي"

(2)

.

(1)

المصدر السابق (2/ 459 - 460).

(2)

المصدر السابق (1/ 293).

ص: 40

- وقال إبراهيم الباجوري (المتوفى: 1276 هـ): "واعلم أنّ كلام الله يُطلق على الكلام النفسي القديم، بمعنى أنه صفة قائمة بذاته تعالى، وعلى الكلام اللفظي بمعنى أنه خَلَقَه، وليس لأحد في أصل تركيبه كسب. وعلى هذا يحمل قول السيدة عائشة:«ما بين دفتي المصحف كلام الله تعالى»

ومع كون اللفظ الذي نقرؤه حادثًا لا يجوز أن يقال: القرآن حادث إلا في مقام التعليم، لأنه يُطلق على الصفة القائمة بذاته أيضًا لكن مجازًا على الأرجح، فربما يُتوهم من إطلاق أنّ القرآن حادث أن الصفة القائمة بذاته تعالى حادثة، ولذلك ضُرب الإمام أحمد بن حنبل وحُبس على أن يقول بخلق القرآن فلم يرض"

(1)

.

وقال أيضًا: "ومذهب أهل السنة [يعني بهم الأشاعرة] أنّ القرآن بمعنى الكلام النفسي ليس بمخلوق، وأما القرآن بمعنى اللفظ الذي نقرؤه فهو مخلوق، لكن يمتنع أن يقال: القرآن مخلوق ويراد به اللفظ الذي نقرؤه إلا في مقام التعليم؛ لأنه ربما أوهم أنّ القرآن بمعنى كلامه تعالى مخلوق، ولذلك امتنعت الأئمة من القول بخلق القرآن"

(2)

.

وقال أيضًا: "وقد أُضيف له تعالى كلامٌ لفظي كالقرآن، فإنه كلام الله قطعًا بمعنى أنه خلقه في اللوح المحفوظ"

(3)

.

(1)

حاشية الباجوري على جوهرة التوحيد المسمى بتحفة المريد على جوهرة التوحيد (ص: 130).

(2)

المصدر السابق (ص: 160).

(3)

المصدر السابق (ص: 131).

ص: 41

وقال أيضًا عند شرحه لقول صاحب جوهرة التوحيد:

فكلُّ نصٍ للحدوث دلاّ

احْمِلْ على اللفظ الذي قد دلاّ

قال: " (على اللفظ) أي: على القرآن، بمعنى: اللفظ المنزل على نبينا صلى الله عليه وسلم، المتعبّد بتلاوته، المتحدَّى بأقصر سورة منه، والراجح أن المُنْزل اللفظ والمعنى، وقيل: المنزل المعنى وعبّر عنه جبريل بألفاظ من عنده، وقيل: المنزل المعنى وعبّر عنه النبي صلى الله عليه وسلم بألفاظ من عنده، لكن التحقيق الأول؛ لأنّ الله خَلَقَه أولاً في اللوح المحفوظ، ثم أنزله في صحائف إلى سماء الدنيا

والحاصل أنّ كل ظاهر من الكتاب والسنة دلّ على حدوث القرآن فهو محمول على اللفظ المقروء لا على الكلام النفسي، لكن يمتنع أن يقال: القرآن مخلوق إلا في مقام التعليم كما سبق"

(1)

.

- وقال محمد بن أحمد بن عبد الباري الأهدل (المتوفى: 1298 هـ): "ومع كون اللفظ الذي نقرؤه حادثًا لا يجوز أن يقال: القرآن حادث؛ حذرًا من الإيهام، أي: إيهام أن القرآن النفسي حادث، وخوفًا من أن يدعو ذلك إلى أن يقول القائل: لفظي بالقرآن مخلوق.

(1)

المصدر السابق (ص: 162).

ص: 42

فيحصل أنّ المنع من إطلاق الخلق والحدوث على ما في المصاحف والألسن والصدور إنما هو من حيثية شرعية، وهي خشية الإيهام.

وكل نص من الكتاب أو السنة دل على حدوث القرآن فهو محمول على اللفظ المقروء لا على الكلام النفسي، ومع ذلك لا يجوز إطلاق أن القرآن مخلوق لما تقرر"

(1)

.

- وقال إبراهيم بن أحمد المارغيني مفتي المالكية في عصره (المتوفى: بعد 1325 هـ): "كما يسمى الكلام القديم بكلام الله، تسمى الكتب السماوية بكلام الله، إما لأنها دالة على بعض مدلوله المترجم بها عنه

وإما لأنّ الله تعالى خلق تلك الألفاظ وأنزلها على رسله بواسطة جبريل، فهي كلام الله بمعنى أنها مخلوقة لله وليست من تأليف الخلق"

(2)

.

وقال أيضًا: "لا يجوز أن يقال "القرآن مخلوق" أو "حادث"؛ لأنّ القرآن يُطلق على اللفظ المنزل على نبينا ومولانا محمد صلى الله عليه وسلم للإعجاز، وعلى صفة الكلام القائمة بذات الله تعالى، فربما يتوهم من إطلاق أنّ القرآن مخلوق أو حادث حدوث الصفة القائمة بذاته تعالى. نعم يجوز أن يقال ذلك في مقام التعليم"

(3)

.

(1)

نشر الأعلام شرح البيان والإعلام بمهمات أركان الإسلام [مخطوط، لوحة 45 ب].

(2)

طالع البشرى على العقيدة السنوسية الصغرى، نقلاً عن كتاب تهذيب شرح السنوسية لسعيد فودة ص: 40).

(3)

المصدر السابق (ص: 40).

قال سعيد فودة معلقًا على قول المارغيني: "نعم يجوز أن يقال ذلك في مقام التعليم": "يجوز ذلك لئلا يسبق إلى الوهم أن هذه الحروف المركبة المنزلة على الرسل قديمة لا بداية لها".

ص: 43

- وقال محمد بن علي بن حسين مفتي المالكية بمكة (المتوفى: 1367 هـ): " قال كنون: حاصل ما لعبق [أي: عبد الباقي الزرقاني] والبناني أنّ القرآن يطلق على المعنى النفسي الأزلي القائم بذاته تعالى، وعلى العبارات الدالة عليه، المسموعة لنا وعلى نقوش الكتابة الدالة عليه.

وبقي أنه يطلق على المحفوظ في الصدور من الألفاظ المتخيلة كما يقال: حفظت القرآن.

فكلام الله يطلق بالاعتبارات الأربعة، والقديم من ذلك إنما هو الأول [أي: المعنى النفسي]

، فحيث يوصف بما هو من لوازم القديم كقولنا: القرآن أو كلام الله غير مخلوق، فالمراد حقيقته الموجودة في الخارج أعني المعنى النفسي القائم بالذات العلية.

وحيث يوصف بما هو من لوازم المخلوقات والمحدثات يراد به الألفاظ المنطوقة المسموعة"

(1)

.

وقال أيضًا: "وقد ذكر السعد عن المشايخ أنه ينبغي أن يقال: القرآن كلام الله غير مخلوق، ولا يقال القرآن غير مخلوق؛ لئلا يسبق إلى الفهم أن المؤلف من الأصوات والحروف قديم، وكان السلف يمنعون أن يقال: القرآن مخلوق ولو أريد به اللفظ إلخ دفعًا لإيهام خلق المعنى القائم للذات العلية، فلا يجوز ذلك إلا في مقام البيان"

(2)

.

(1)

الفروق، وبهامشه أنوار الفروق، وتهذيب الفروق والقواعد السنية في الأسرار الفقهية (3/ 63 - 64) عالم الكتب.

(2)

المصدر السابق (3/ 64) عالم الكتب.

ص: 44

- وقال محمد زاهد الكوثري (المتوفى: 1371 هـ): "القرآن يُطلق على ما قام بالله من الألفاظ العلمية الغيبية، وهو غير مخلوق، وغير حال في مخلوق.

وعلى المكتوب بين الدفتين، وعلى المحفوظ في القلوب من الألفاظ الذهنية، وعلى الملفوظ بالألسن على سبيل الاشتراك اللفظي عنده [أي: الباقلاني]. والقرينة هي التي تعين المراد منها في كل موضع.

وما سوى الأول مخلوق. وهذا البحث أنضج عند المتأخرين من أئمة الأشاعرة"

(1)

.

- وقال الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي تحت عنوان جوهر الخلاف بين المعتزلة وأهل السنة والجماعة: "ثم إنّ المعتزلة فسّروا هذا الذي أجمع المسلمون على إثباته لله تعالى [أي: الكلام] بأنه أصوات وحروف يخلقهما الله في غيره كاللوح المحفوظ وجبريل، ومن المعلوم أنه حادث وليس بقديم. ثم إنهم لم يثبتوا لله تعالى شيئًا آخر من وراء هذه الأصوات والحروف تحت اسم الكلام.

أما جماهير المسلمين أهل السنة والجماعة [يعني بهم الأشاعرة]، فقالوا: إننا لا ننكر هذا الذي تقوله المعتزلة، بل نقول به، ونسميه كلامًا لفظيًا، ونحن جميعا متفقون على حدوثه، وأنه غير قائم بذاته تعالى؛ من أجل أنه حادث.

(1)

هامش الإنصاف للباقلاني (ص: 26) تحقيق: محمد زاهد الكوثري، مكتبة الخانجي - القاهرة، ط/ الرابعة، 1421 ه.

ص: 45

ولكننا نثبت أمرًا وراء ذلك وهو الصفة القائمة بالنفس والتي يُعبّر عنها بالألفاظ

وهذا هو المقصود بإسناد الكلام إلى الله تعالى، وبه يُفسّر ما أجمع عليه المسلمون.

وهنا افترق المعتزلة عن الجمهور، إذ إنهم لم ينسبوا إلى الله تعالى صفة قديمة بهذا المعنى اسمها الكلام أو الكلام النفسي"

(1)

.

وقال أيضًا: "إذا تأملت فيما ذكرناه، أدركت النقطة الخلافية بين المعتزلة وأهل السنة والجماعة، وهي: أن هنالك معنى لألفاظ القرآن يتكون منه الأمر والنهي والإخبار المتوجه للناس وهو قديم. فما اسم هذا المعنى؟

المعتزلة: اسمه العلم إذا كان إخبارا، والإرادة إن كان أمرا أو نهيا ..

الجمهور: اسمه الكلام النفسي، وهو صفة زائدة على كل من العلم والإرادة، قائمة بذاته تعالى.

أما الكلام الذي هو اللفظ، فاتفقوا على أنه مخلوق، وعلى أنه غير قائم بذاته سبحانه، باستثناء أحمد بن حنبل وبعض أتباعه، فقد ذهبوا إلى أن هذه الحروف والأصوات أيضا قديمة بذاتها، وأنها هي المعني بصفة الكلام.

(1)

كبرى اليقينيات الكونية (ص: 125 - 126) دار الفكر.

ص: 46

ولا ندخل - بعد أن عرفت نقطة الوفاق والخلاف - في شيء من المناقشة والجدال اللذين قاما حول هذا البحث، لاعتقادنا أن الخطب أيسر من ذلك، وإن كنا نعتقد ما ذهب إليه الجمهور من أن المعنى الذي هو مدلول العبارات اسمه الكلام النفسي، وأنه صفة زائدة على كل من صفتي العلم والإرادة، غير أن المعتزلة متفقون على كل مع الجمهور في ثبوت هذا المعنى لله تعالى، وأنه صفة قديمة قائمة بذاته، وإن لم يسموها مثلنا كلامًا. ومعظم ما تسمعه من الأصداء الرهيبة للخلاف التاريخي في هذه المسألة، إنما منشؤه الخلاف بين أحمد بن حنبل رحمه الله والفرق الأخرى كالجهمية والمعتزلة"

(1)

.

وقال أيضًا: "وقد علمت أنهم [أي: المعتزلة والأشاعرة] جميعًا متفقون على أن ألفاظ القرآن حادثة، وأن معانيه قديمة، وأن خلافهم محصور فقط في تسمية المعنى القديم هل يسمى صفة الكلام أم يسمى صفة العلم والإرادة"

(2)

.

- وقال وهبي سليمان غاوجي: "قال علماء أصول الدين: إن الكلام ينقسم إلى قسمين: الأول: الكلام اللفظي، والثاني: الكلام النفسي.

فأما اللفظي فهو ذلك القرآن الكريم المنزل على سيدنا محمد، وكذا سائر الكتب المنزلة على الرسل عليهم السلام، ولا ريب في أن الكلام اللفظي مخلوق له تعالى.

وأما النفسي: فهو صفة قديمة زائدة على ذاته تعالى، ليست بحرف ولا صوت، ويدل عليها الكلام اللفظي"

(3)

.

(1)

المصدر السابق (ص: 126 - 127).

(2)

المصدر السابق (ص: 129).

(3)

أركان الإيمان (ص: 201).

ص: 47

- وقال حسن بن علي السقاف: "وقد خلق الله عز وجل كلمات من حروف وأصوات ولغات مختلفة، وجعلها تعبر عن كلامه الأزلي، ليست من تصنيف أحد من خلقه.

فكلامه القديم الذي هو صفة من صفات ذاته القديم يعبر عنها الإنجيل باللغة السريانية، والتوراة باللغة العبرانية، والقرآن باللغة العربية، وكذا باقي الكتب التي أنزلها

وهذه العبارات والجمل العربية المعبّر عنها بالقرآن الكريم

خلقها وأحدثها وجعلها تعبر عن صفة كلامه الأزلي الأبدي التي متى شاء أسمعنا إياه بدليل قوله تعالى: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ} [الأنبياء:2].

وقد أخبر المولى تبارك وتعالى الخلق أنهم لا يستطيعون أن يأتوا بمثل هذه العبارات المخلوقة المعبرة عن كلامه الأزلي الأبدي الذي ليس بحرف ولا صوت ولا لغة، كما أخبر أنهم عاجزون أن يخلقوا إنسانا بل بعوضة، وهي التي تعبر عن قدرته تبارك وتعالى، وأن هذه الألفاظ المخلوقة باللغة العربية المنزلة على سيدنا رسول الله

ولو كانت قديمة لما كانت في كتاب حادث مخلوق ولما تصور مسها ولا كتابتها في اللوح المحفوظ الذي خلقه الله تعالى وأحدثه وأجرى القلم عليه بأشياء كثيرة"

(1)

.

(1)

إلقام الحجر للمتطاول على الأشاعرة من البشر (ص: 22 - 23) مكتبة الإمام النووي - عمان، ط/ الثانية، 1412 هـ.

ص: 48

وقال أيضًا: "وأما معنى قوله تعالى {فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} [التوبة:6]، أي اتل عليه هذه الألفاظ التي خلقتها، وعلمتك إياها، والتي تعبر عن كلامي الأزلي، والتي لم يصنفها أحد"

(1)

.

- وقال محمد صالح الغرسي: "النوع الثاني من الكلام الذي أثبته الأشاعرة لله تعالى الكلام اللفظي، وبعد اتفاقهم على ثبوته لله تعالى على وجه الحقيقة لا المجاز اختلفوا في قدمه وحدوثه، فذهب جمهور الأشاعرة والمعتزلة عامة إلى حدوثه، وإلى أنه غير قائم بالله تعالى، لأنه تعالى لا يكون محلا للحوادث، بل هو قائم بغيره تعالى، وذلك لأنهم رأوا أنّ الكلام اللفظي لا يتحقق إلا بحروف وكلمات وألفاظ مترتبة متعاقبة موقوف وجود المتأخر منها على انقضاء المتقدم، وهذا من صفات المحدثات، فمن أجل ذلك قالوا بحدوثه، بمعنى أنّ الله تعالى هو الذي استقل بإحداثه بدون كسب لأحد فيه، أوجده الله تعالى في اللوح المحفوظ أو في الشجرة أو في جبريل مثلا

ومع قولهم بحدوث الكلام اللفظي لله تعالى قالوا: لا يجوز التصريح بذلك إلا في مقام التعليم لئلا يسبق الوهم إلى حدوث الكلام المعنوي النفسي القديم القائم بالله تعالى"

(2)

.

(1)

المصدر السابق (ص: 23).

(2)

منهج الأشاعرة في العقيدة بين الحقائق والأوهام (ص: 127).

ص: 49

وقال أيضًا: "وذهب جمهورهم [أي: الأشاعرة والماتريدية] إلى حدوث الكلام اللفظي، بمعنى أنّ الله تفرّد بخلقه بدون كسب لأحد فيه"

(1)

.

وقال أيضًا: "قدمنا أنّ مذهب الأشاعرة أن القرآن معناه ولفظه كلام الله على الحقيقة لا المجاز، وأنهم قد اختلفوا في القرآن بمعنى اللفظ المعجز المنزل هل هو قديم قائم بالله كالمعنى، أو أنه حادث تولّى الله تخليقه وتأليفه بدون كسب لأحد في هذا التأليف؟ هذا مذهب جمهورهم، والأول مذهب فريق منهم"

(2)

.

(1)

المصدر السابق (ص: 132).

(2)

المصدر السابق (ص: 139 - 140).

ص: 50