الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
محمد بن قيس مولى سهل بن حُنَيف من بني ساعدة أخبره أن سهلاً أخبره أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعثه، قال:"أنت رسولي إلى أهل مكة .... وإذا تخليتم فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها".
وأخرجه الدارمي (1/ 170) ثم قال: عبد الكريم شبه المتروك.
وفي الباب: عن أبي أمامة أشار إليه الترمذي، وعن سهل بن سعد، وأسامة بن زيد، وسراقة بن مالك ــ ورجح أبو حاتم وقْفَه ــ وعن أسامة بن زيد، وعن نافع عن رجل من الأنصار عن أبيه، وهو في "الموطأ"
(1)
. إلى غير ذلك، وتأتي في أحاديث الرخصة، وفيها دلالة على هذا في الجملة.
والذي علينا أن ننظر في
قوله: "إذا أتى أحدكم الغائط" هل يفيد إخراج الأبنية
؟
فأقول: المتبادر من هذه العبارة أنها كناية عن إرادة قضاء الحاجة، كما ذكروا أن قوله تعالى:{أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [النساء: 43] كناية عن الحَدَث، ومن شأن الكناية أن يكون النظر فيها إلى المعنى الكنائي، سواءً أوافق الحقيقة أم لا، كما ذكروه في: طويل النجاد، وكثير الرماد ونحوهما، كما إذا قيل: إن اللصوص نهبوا قافلة وذهبوا. فيقال: يد السلطان طويلة. أي: أن قدرته متمكنة من أخذهم، ولو بعدوا.
ويؤيد أن المعنى هو هذا أمور:
منها: أن الصحابي فهم العموم، كما في رواية عنه في الصحيحين
(2)
(1)
(1/ 193).
(2)
البخاري (394) ومسلم (264).
وغيرهما، ذكر الحديث ثم قال:"فقدمنا الشامَ، فوجدنا مراحيضَ قد بُنِيت قِبَلَ القبلة، فننحرف عنها ونستغفر الله".
قال الشافعي: "وسمع أبو أيوب الأنصاري النهي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يعلم ما علم ابن عمر من استقباله بيتَ المقدس لحاجته، فخاف المأثم في أن يجلس على مرحاضٍ مستقبلَ الكعبة، وتحرَّف لئلا يستقبل الكعبة، وهكذا يجب عليه إذا لم يعرف غيره". كتاب اختلاف الحديث بهامش "الأم"(7/ 270 - 271)
(1)
.
ومنها: أنه كذلك فهم الرواة، فأسقط بعضهم العبارة المذكورة:"إذا أتى أحدكم الغائط" كما مر في رواية أحمد والزعفراني عن ابن عيينة، وأسقط بعضهم قوله:"ببول أو غائط" كما مر عن صحيح البخاري.
فلو حملت تلك الرواية على الحقيقة لشملت من أتى مكانًا منخفضًا، فمشى فيه أو وقف أو جلس لغير قضاء الحاجة.
وتصرف بعضهم فيها، فقال بعضهم:"إذا أتى أحدكم الخلاء". وقال غيره: "إذا جلس أحدكم لحاجته". إلى غير ذلك، كما مر بعضه.
ومنها: أنه لا فرق في المعنى بين المكان المنخفض في الفضاء، وهو حقيقة الغائط لغة، وبين المكان المرتفع والمكان المستوي، بل ولا بين الفضاء والبيوت؛ لأننا إن قلنا بأن الانحراف يكفي، فواضح.
وإن قلنا: لا بد أن تجعل القبلة عن اليمين أو اليسار، وأن [هذا] قد يتعسَّر في المراحيض، فهذا لا يدفع أصل العموم؛ لأن أكثر العمومات مقيدة
(1)
(10/ 221) ط. دار الوفاء.
بالاستطاعة، قال الله تبارك وتعالى:{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286].
بل يمكننا أن نقول: إن تبادر المعنى الكنائي من العبارة المذكورة يدل أنها صارت حقيقةً عرفيةً فيه.
فإن قيل: فما فائدة الإتيان بها مع "إذا"؟ فإنه لو اجتزئ عنها بقوله: "لا تستقبلوا القبلة ببول ولا غائط" لصح المعنى.
قلت: من فائدتها التنبيه على أنه ينبغي للإنسان أن يستحضر هذا الحكم قبل القعود، لأنه إذا لم يفعل قد يغفل عنه، وقد لا يتذكره إلا بعد الشروع، فيشق عليه التحرف.
والحاصل أنه لا حجة في العبارة المذكورة لمن يُخصِّص الحكم المذكور. والله أعلم.