الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثاني في الرخصة
2 -
ترجم البخاري لحديث أبي أيوب بقوله: [باب لا تُستقبل القبلة بغائطٍ أو بولٍ إلّا عند البناء: جدارٍ أو نحوه]
(1)
.
فقال الحافظ في "الفتح": [
…
]
(2)
.
أقول: المختار من هذه الأجوبة هو الثالث، والاعتراض عليه ليس بسديد؛ لأن البخاري إنما فصَّل التراجم لأحكام أخرى، فإنه قال:"باب من تبرز على لبنتين"، ثم ذكر حديث ابن عمر، ومراده الدلالة على استحباب مثل أن يكون قاضي الحاجة على لبنتين أو نحوهما مما يرفعه عن الأرض؛ لأن ذلك أبعد عن احتمال تنجس رجله أو ثيابه.
ثم قال: "باب خروج النساء إلى البراز"، وساق حديث الإذن في ذلك، ثم قال:"باب التبرز في البيوت"، وساق فيه حديث ابن عمر، قال الحافظ في "الفتح"
(3)
: "عقب المصنف بهذه الترجمة ليشير إلى أن خروج النساء للبراز لم يستمر، بل اتُّخِذتْ بعد ذلك الأخليةُ في البيوت، فاستغنين عن الخروج إلا للضرورة".
(1)
هنا بياض في الأصل.
(2)
بياض في الأصل. وراجع "الفتح"(1/ 245) حيث ذكر ثلاثة أجوبة لمن قال: ليس في حديث الباب دلالة على الاستثناء المذكور، ثالثها أن الاستثناء مستفاد من حديث ابن عمر المذكور في الباب الذي بعده.
(3)
(1/ 250).
وحاصله الاستدلال بأن الخروج إنما هو رخصة قبل اتخاذ الأخلية في البيوت، فلا ينبغي للمرأة التي في بيتها خلاء أن تخرج.
نعم قد يقال: إذا كان البخاري إنما أخذ الاستثناء من حديث ابن عمر، فقد كان ينبغي له أن يذكره في تلك الترجمة، أو يشير إليه.
وبالجملة، فمن المحتمل أن البخاري إنما أخذ الاستثناء من حديث ابن عمر، ولم يلتفت إلى هذا الاعتراض الصناعي، ومن المحتمل أن يكون جوَّز دلالة قوله في الحديث:"إذا أتى أحدكم الغائط" على الاستثناء المذكور [ص 10] ببول أو استدباره بغائط؛ لأنه لم يستقبل القبلة ولم يستدبرها.
وقوله: "ولكن شرِّقوا أو غرِّبوا" محمولٌ إما على موضع الاشتباه، وإما على أن المراد: انحرِفُوا إلى جهة الشرق، أو إلى جهة الغرب، وذلك الانحراف يحصل بمثل انحراف من بالمدينة إذا استقبل بيت المقدس تمامًا، وإما على أنه ترغيب في الاحتياط، وليس على الوجوب، والصارف ما تقدم من أن المحذور هو استقبال نفس القبلة أو استدبارها، وإما على أنه مقيد بعدم المشقة، كما يشير إليه قول الله عز وجل:{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} . وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم"
(1)
. وذلك الموضع الذي كان في بيته صلى الله عليه وآله وسلم مما يشق فيه التشريق والتغريب تمامًا؛ إما لأن البقعة ضيقة، لا يتيسر وضع المرحاض فيها إلا على تلك الهيئة، وإما لأنه بُنِي قبل النهي؛ وكان في تغييره كلفة.
(1)
أخرجه البخاري (7288) ومسلم (1337) عن أبي هريرة.
فغاية ما في هذا الحديث أنه يدل على جواز الاقتصار على التحرف عن القبلة الخاصة إذا لم يتيسر أن يجعلها عن يمينه أو يساره، وهذا مما ينبغي الأخذ به، وقد أخذ به أبو أيوب كما تقدم، مع أنه لم ينقل عنه إلا حديث النهي. والله أعلم.
3 -
أخرج الدارقطني
(1)
من طريق عيسى الحناط عن الشعبي عن ابن عمر قال: "أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حاجة، فلما دخلت إليه فإذا النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحَرَج على لبنتينِ مستقبلَ القبلة".
قال الدارقطني: عيسى بن أبي عيسى الحناط ضعيف.
وأخرج هو
(2)
وغيره من طريق عيسى الحناط أيضًا قال: قلت للشعبي: عجبت لقول أبي هريرة ونافع عن ابن عمر! قال: وما قالا؟ قلت: قال أبو هريرة: "لا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها". وقال نافع عن ابن عمر: "رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذهب مذهبًا مواجه القبلة". فقال: أما قول أبي هريرة ففي الصحراء، إن لله تعالى خلقًا من عباده يصلون في الصحراء، فلا تستقبلوهم ولا تستدبروهم، وأما بيوتكم هذه التي تتخذونها للنتن، فإنه لا قبلة لها.
قال الدارقطني: عيسى بن أبي عيسى هو عيسى الحناط، وهو عيسى بن ميسرة، وهو ضعيف.
أقول: عيسى مجمع على ضعفه، وقال جماعة: متروك الحديث
(3)
.
(1)
في "السنن"(1/ 60). والحرج مجتمع شجر ملتفّ كالغيضة. "النهاية"(1/ 362).
(2)
المصدر نفسه (1/ 61).
(3)
انظر "تهذيب التهذيب"(8/ 234 ــ 236).
4 -
أخرج جماعة منهم الحاكم في "المستدرك" والدارقطني
(1)
من طريق صفوان بن عيسى ثنا الحسن بن ذكوان عن مروان الأصفر قال: رأيت ابن عمر أناخ راحلته مستقبلَ القبلة، ثم جلس يبول إليها، فقلت: يا أبا عبد الرحمن أليس قد نُهِي عن هذا؟ قال: "إنما نُهِي عن ذلك في الفضاء، فإذا كان بينك وبين القبلة شيء يسترك فلا بأس".
قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط البخاري، فقد احتج بالحسن بن ذكوان. وأقره الذهبي. "المستدرك مع تلخيصه"(1/ 154).
وقال الدارقطني: هذا صحيح، كلهم ثقات.
وقال الحافظ في "الفتح"
(2)
: رواه أبو داود والحاكم بسند لا بأس به.
أقول: بلى وأي بأس؟ فإن الحسن بن ذكوان ضعفه الأئمة: أحمد ويحيى وعلي وأبو حاتم والنسائي وغيرهم. قال أحمد: أحاديثه أباطيل، يروي عن حبيب بن أبي ثابت، ولم يسمع من حبيب، إنما هذه أحاديث عمرو بن خالد الواسطي. وجاء نحو هذا عن يحيى بن معين وأبي داود، كما في "التهذيب"
(3)
. قال: وأورد ابن عدي حديثين من طريق الحسن بن ذكوان، وقال: إنما سمعهما الحسن من عمرو بن خالد عن حبيب، فأسقط الحسن بن ذكوان عمرو بن خالد من الوسط.
أقول: إن كان الحسن قال: حدثنا حبيب أو نحو ذلك، فهذا هو الكذب.
(1)
"المستدرك"(1/ 154) و"سنن الدارقطني"(1/ 58).
(2)
(1/ 247). والحديث عند أبي داود (11).
(3)
(2/ 276، 277).
وإن كان قال: قال حبيب أو نحو ذلك، فهذا تدليس عن الهلكى، فإن عمرو بن خالد تالف، رماه بالكذب ووضع الحديث: وكيع وأحمد وإسحاق ويحيى وأبو زرعة وأبو داود وغيرهم
(1)
.
فعلى القول بأن التدليس عن مثل هذا يُسقِط العدالة فظاهر، وأما على القول إنه لا يسقطها إذا كان إذا سئل بيَّن، فالمتفق عليه بين أهل العلم أن مثل هذا لا يُعتدُّ بما رواه غير مصرِّح بالسماع، وحديثه هذا لم يصرح فيه بالسماع، فسقط إجماعًا.
فأما قول الحاكم: "إن البخاري احتج به" ففيه نظر؛ إنما أخرج له البخاري حديثًا واحدًا في الشفاعة
(2)
، رواه من طريق يحيى القطان عن الحسن بن ذكوان حدثنا أبو رجاء.
قال الحافظ في "الفتح"
(3)
: الحسن بن ذكوان .... تكلم فيه أحمد وابن معين وغيرهما، لكنه ليس له في "البخاري" سوى هذا الحديث، من رواية يحيى القطان عنه، مع تعنته ــ يعني يحيى ــ في الرجال، ومع ذلك فهو متابعة.
وقال في المقدمة
(4)
: روى له البخاري حديثًا واحدًا
…
، ولهذا الحديث شواهد كثيرة.
(1)
انظر "تهذيب التهذيب"(8/ 26، 27).
(2)
رقم (6566).
(3)
(11/ 441).
(4)
مقدمة "الفتح"(ص 397).
أقول: فالحديث من رواية يحيى القطان، وتثبته معروف، وهو متابعة [ص 11] وصرح الحسن بالسماع، فكيف يقاس عليه حديث هذا الباب؟ لا والله، بل حديثه في الباب ساقط؛ لاحتمال أنه سمعه من أحد الوضاعين. والله أعلم.
5 -
أخرج جماعة منهم الحاكم في المستدرك وابن خزيمة كما في الفتح وأحمد وأبو داود وغيرهم
(1)
من طريق ابن إسحاق حدثني أبان بن صالح عن مجاهد عن جابر قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد نهانا أن نستدبر القبلة أو نستقبلها بفروجنا إذا أهرقنا الماء، ثم رأيناه قبل موته وهو يبول مستقبلَ القبلة".
قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. وأقره الذهبي. المستدرك مع تلخيصه (1/ 154).
أقول: ابن إسحاق فيه كلام كثير، يتحصل منه أنه مدلس، في حفظه شيء.
فأما التدليس؛ فمأمونٌ هنا للتصريح بالسماع.
وأما سوء الحفظ؛ فتردد نظرهم فيه، وقال الذهبي في "الميزان"
(2)
بعد حشد الأقوال: فالذي يظهر لي أن ابن إسحاق حسن الحديث صالح الحال
(1)
أحمد (3/ 360) وأبو داود (13) والترمذي (9) وابن ماجه (9) وابن خزيمة (58) وابن حبان (1420) والحاكم (1/ 154) والبيهقي (1/ 92). وانظر "الفتح"(1/ 245).
(2)
(3/ 475).
صدوق، وما انفرد به ففيه نكارة، فإن في حفظه شيئًا، وقد احتج به أئمة. فالله أعلم. وقد استشهد به
(1)
مسلم بخمسة أحاديث لابن إسحاق ذكرها في "صحيحه".
وفي "طبقات المدلسين"
(2)
لابن حجر: أن مسلمًا إنما أخرج لابن إسحاق مقرونًا بغيره.
وأبان: وثقه ابن معين وأبو زرعة وأبو حاتم وغيرهم
(3)
.
وقال ابن عبد البر
(4)
في حديثه هذا: ليس صحيحًا؛ لأن أبان بن صالح ضعيف.
وقال ابن حزم
(5)
لما ذكر حديثه هذا: أبان ليس بالمشهور. ذكر ذلك ابن حجر في "التهذيب"
(6)
وتعقبهما.
ومجاهد: إمام، لكن ذكر ابن حجر في "التهذيب"
(7)
عن القطب الحلبي قال: مجاهد معلوم التدليس، فعنعنته لا تفيد الوصل.
قال ابن حجر: ولم أر مَن نسبه إلى التدليس، نعم إذا ثبت قول ابن معين
(1)
كذا في الأصل بزيادة "به". وفي "الميزان" بحذفها، وهو الوجه.
(2)
"تعريف أهل التقديس"(ص 51) ط. مكتبة المنار. ولا يوجد في طبعة المباركي.
(3)
انظر "تهذيب التهذيب"(1/ 94).
(4)
في "التمهيد"(1/ 312).
(5)
في "المحلى"(1/ 198).
(6)
(1/ 95).
(7)
(10/ 44).
إن قول مجاهد: "خرج علينا علي" ليس على ظاهره فهو عين التدليس.
أقول: قد صرحوا بأن مجاهدًا روى عن جماعة من الصحابة الذين عاصرهم وأنه لم يسمع منهم، وهذا تدليس عند جماعة من أهل العلم، وعلى القول بأنه لا يسمى تدليسًا فهو في معناه، خصوصًا على ما ذهب إليه الجمهور من حمل الرواية عن المعاصر على السماع وإن لم يعلم اللقاء، على أني لم أجد ما يصرح بسماع مجاهد من جابر، وقد راجعت مسند جابر في مسند أحمد فلم أر لمجاهد عنه إلا أحرفًا لم يصرح في شيء منها بالسماع.
ومع ذلك فقد روى منصور عن مجاهد عن ابن عباس حديث: "مر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بحائطٍ من حيطان المدينة أو مكة، فسمع صوت إنسانينِ يُعذَّبان". ورواه الأعمش عن مجاهد عن طاوس عن ابن عباس، أخرجهما البخاري
(1)
.
قال ابن حجر في "الفتح"
(2)
: إخراجه له على الوجهين يقتضي صحتهما عنده، فيُحمل على أن مجاهدًا سمعه من طاوس عن ابن عباس، ثم سمعه من ابن عباس بلا واسطة أو العكس، ويؤيده أن في سياقه عن طاوس زيادة. وصرَّح ابن حبان
(3)
بصحة الطريقين معًا، وقال الترمذي
(4)
: رواية الأعمش أصح.
(1)
رقم (216، 218).
(2)
(1/ 317).
(3)
في "صحيحه"(7/ 400).
(4)
عقب الحديث (70).
وفي "الفتح"
(1)
في الكلام على هذه المسألة: وقال قوم بالتحريم مطلقًا، وهو المشهور عن أبي حنيفة وأحمد، وقال به أبو ثور صاحب الشافعي، ورجحه من المالكية ابن العربي، ومن الظاهرية ابن حزم، وحجتهم أن النهي مقدم على الإباحة، ولم يصححوا حديث جابر.
أقول: الحق في هذه الأمور أنه لم يتعيَّن من واحدٍ منها ما هو بيِّنٌ في تضعيف الحديث، إلا أنها بمجموعها تُزلزِل الثقة به، على أنه على فرض صحته واقعةُ حالٍ يكفي في دفعها الاحتمال، فيحتمل أن جابرًا أراد بالقبلة: القبلةَ الموسعة، وهي جهة الجنوب لأهل المدينة، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم قد علم عينَ القبلة، فلعله تحرَّف عنها يمنةً أو يسرةً، فكان في الحقيقة غير مستقبل القبلة، وبنى جابر على توسعة القبلة.
ومما يؤيد هذا قول أبي أيوب ــ كما في رواية عنه في "الصحيحين"
(2)
ــ: "فقدمنا الشام فوجدنا مراحيضَ قد بُنِيتْ قِبَلَ القبلة، فننحرف عنها ونستغفر الله". فإن قوله: "ونستغفر الله" يدل أنه يشكُّ في الانحراف هل يدفع الإثم؟
ويوضحه قوله في رواية أخرى: "والله ما أدري ما أصنعُ بكِسْر
(3)
أبيكم هذه"، فهذا يدل أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يرون أن النهي يتناول ما عن يمين القبلة الخاصة ويسارها، فكأن جابرًا كان قد استقر في نفسه هذا المعنى، فلما رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يبول مستقبلاً يسارَ القبلة الخاصة أو يمينَها،
(1)
(1/ 246).
(2)
البخاري (394) ومسلم (264).
(3)
الكِسْر: ناحية البيت، ولكل بيتٍ كسران عن يمين وشمال. انظر "النهاية"(4/ 172).
وقع له أنه مستقبلٌ القبلةَ الموسعةَ، ورأى أن هذا يخالف أصل النهي، لشمول النهي عنده كما سلف.
ثم أقول: إن احتمل في واقعة جابر مشقة جَعْلِ القبلة عن اليمين أو اليسار تمامًا فظاهر، وإن لم يحتمل لأن الظاهر أنه لو كان هناك مشقة لكان الظاهر أن يلاحظها جابر ويخبر بها، ففي الحديث على فرض صحته دليل على أن الانحراف يكفي ولو عند عدم المشقة، وعليه يُشبِه حملُ قوله في حديث أبي أيوب:"ولكن شرِّقوا أو غرِّبوا" على معنى: انحرِفُوا إلى جهة الشرق أو إلى جهة الغرب كما مر، أو على أن الأمر بجعل القبلة يمينًا أو يسارًا تمامًا للندب فقط، ولكن واقعة جابر لبيان الجواز. والله أعلم.
[ص 12] 6 - أخرج الإمام أحمد والدارقطني وآخرون
(1)
من حديث عائشة أنها قالت: "ذُكِر لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن ناسًا يكرهون أن يستقبلوا القبلةَ بفروجهم، فقال: أو قد فعلوها؟ حوِّلوا مقعدي قِبَل القبلة".
وفي سنده اضطراب كثير، فرواه الإمام أحمد في المسند (6/ 137): ثنا وكيع ثنا حماد بن سلمة عن خالد الحذاء عن خالد بن أبي الصلت عن عِراك عن عائشة.
ورواه (ص 219): ثنا بهز ثنا حماد بن سلمة ثنا خالد الحذاء عن خالد بن أبي الصلت قال: ذكروا عند عمر بن عبد العزيز رحمه الله استقبال القبلة بالفروج. فقال عراك بن مالك: قالت عائشة: ....
(1)
أحمد (6/ 227) والدارقطني (1/ 60). وأخرجه أيضًا ابن أبي شيبة في "المصنف"(1/ 151) وابن ماجه (324) والطحاوي في "معاني الآثار"(4/ 234).
ورواه (ص 183): ثنا عبد الوهاب الثقفي ثنا خالد عن رجل عن عمر بن عبد العزيز أنه قال: ما استقبلتُ القبلةَ بفرجي منذ كذا وكذا، فحدَّث عراك بن مالك عن عائشة.
وفي (ص 227): ثنا أبو كامل ثنا حماد بن سلمة عن خالد الحذاء عن خالد بن أبي الصلت أن عراك بن مالك حدث عن (كذا وكأنها زائدة) عمر بن عبد العزيز أن عائشة قالت ....
وقال (ص 239): ثنا يزيد أنا حماد بن سلمة عن خالد الحذاء عن خالد بن أبي الصلت قال كنا عند عمر بن عبد العزيز، فذكروا الرجل يجلس على الخلاء فيستقبل القبلة، فكرهوا ذلك، فحدث عن (كذا وكأنها زائدة) عراك بن مالك عن عائشة.
وقال (ص 184): ثنا علي بن عاصم قال خالد الحذاء: أخبرني عن خالد بن أبي الصلت قال: كنت عند عمر بن عبد العزيز في خلافته، قال: وعنده عراك بن مالك، فقال عمر: ما استقبلتُ القبلةَ ولا استدبرتُها ببول ولا غائط منذ كذا وكذا، فقال عراك: حدثتني عائشة.
وفي ترجمة خالد بن أبي الصلت من "التهذيب"
(1)
: وقال إبراهيم بن الحارث: أنكر أحمد قول من قال [عن] عراك: سمعت عائشة. وقال: عراك من أين سمع من عائشة؟ وقال أبو طالب عن أحمد: إنما هو عراك عن عروة عن عائشة، ولم يسمع عراك منها.
(1)
(3/ 98).
وفي ترجمة عراك
(1)
: عن الأثرم أنه ذكر لأحمد رواية خالد بن أبي الصلت عن عراك سمعت عائشة. فقال أحمد: مرسل، عراك بن مالك من أين سمع عن عائشة؟ إنما يروي عن عروة، هذا خطأ. ثم قال: من يروي هذا؟ قلت: حماد بن سلمة عن خالد الحذاء. فقال: قال غير واحد عن خالد الحذاء ليس فيه سمعتُ. وقال غير واحد أيضًا عن حماد بن سلمة ليس فيه سمعت. وقال أحمد في موضع آخر: أحسن ما روي في الرخصة ــ يعني في استقبال القبلة ــ حديث عراك، وإن كان مرسلاً؛ فإن مخرجه صحيح
(2)
.
وفي ترجمة خالد بن أبي الصلت من "التهذيب"
(3)
: قال البخاري: خالد بن أبي الصلت عن عراك مرسل ..... قال البخاري في "التاريخ"
(4)
: قال موسى: ثنا حماد هو ابن سلمة عن خالد الحذاء عن خالد بن أبي الصلت قال: كنا عند عمر بن عبد العزيز فقال عراك بن مالك: سمعت عائشة .... وقال موسى: ثنا وهيب عن خالد عن رجل أن عراكًا حدّث عن عمرة عن عائشة. وقال ابن بكير: حدثني بكر عن جعفر بن ربيعة عن عراك عن عروة أن عائشة كانت تنكر قولهم: لا يستقبل القبلة. وهذا أصح.
قال
(5)
: وقال الترمذي في العلل: سألت محمدًا ــ البخاري ــ عن هذا الحديث. فقال: فيه اضطراب، والصحيح عن عائشة قولها. وذكر أبو حاتم
(1)
من "تهذيب التهذيب"(7/ 173).
(2)
في "التهذيب": "حسن" بدل "صحيح".
(3)
(3/ 97).
(4)
"التاريخ الكبير"(3/ 156).
(5)
في "التهذيب"(3/ 98).
نحو قول البخاري، وأن الصواب: عراك عن عروة عن عائشة قولها، وأن من قال فيه: عن عراك سمعت عائشة مرفوعًا، وهم فيه سندًا ومتنًا.
أقول: فهذا كلام أئمة الفن: أحمد والبخاري وأبي حاتم، جزموا بأن عراكًا لم يسمع من عائشة، وزاد البخاري وأبو حاتم فحكما بأن المرسل المرفوع خطأ، وأن الصواب موقوف على عائشة.
وأخرج الدارقطني
(1)
الحديث من طريق يحيى بن مطر نا خالد الحذاء عن عراك بن مالك عن عائشة قالت: "سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
…
". ثم قال: هذا القول أصح، هكذا رواه أبو عوانة والقاسم بن مطيب ويحيى بن مطر عن خالد الحذاء عن عراك. ورواه علي بن عاصم وحماد بن سلمة عن خالد الحذاء عن خالد بن أبي الصلت عن عراك. وتابعهما عبد الوهاب الثقفي إلا أنه قال: عن رجل.
ثم ساقه من طريق علي بن عاصم، ثم قال: هذا أضبط إسناد (؟ )
(2)
، وزاد فيه خالد بن أبي الصلت، وهو الصواب.
ثم ساقه من طريق يحيى بن إسحاق ووكيع كلاهما عن حماد بن سلمة عن خالد عن خالد عن عراك عن عائشة مرفوعًا.
وقوله في الأول: وهذا القول أصح، وفي الثاني: وزاد فيه خالد بن أبي الصلت وهو الصواب، ليس تناقضًا، وإنما صحَّح من الأول قولهم: عراك
(1)
في "السنن"(1/ 59).
(2)
كذا في الأصل. وكأنه يشير إلى الإشكال في كلمة "إسناد" أو "أضبط". وانظر ما يأتي (ص 57).
عن عائشة، أي ليس فيه تصريح بالسماع، وصوَّب من الثاني زيادة خالد بن أبي الصلت، فليس في كلامه مخالفة لكلام من تقدمه، كما قد يتوهم.
[ص 13] وساق الحازمي في "الاعتبار"
(1)
الحديث من طريق علي بن عاصم، ثم قال: وتابعه حماد بن سلمة وعبد الله بن المبارك.
أقول: لم أظفر برواية ابن المبارك، ولا أدري كيف السند إليه، وهل مراد الحازمي متابعته لعلي في زيادة خالد بن أبي الصلت في السند فقط، أو في ذلك وفي ذكر عراك أنه سمع من عائشة؟
وبالجملة فالحق زيادة خالد بن أبي الصلت في السند، فأما تصريح عراك بالسماع، فإنه ثابت عن علي بن عاصم عن خالد الحذاء عن خالد بن أبي الصلت، ولكن علي بن عاصم على يَدَيْ عدلٍ. قال يزيد بن هارون: ما زلنا نعرفه بالكذب. ذكره في "التهذيب"
(2)
. وقال محمد بن المنهال
(3)
: ثنا يزيد بن زريع قال: لقيت علي بن عاصم بالبصرة، وخالد الحذاء حي، فأفادني أشياءَ عن خالد، فسألته عنها، فأنكرها كلها، وأفادني عن هشام بن حسان حديثًا، فأتيت هشامًا فسألته عنه، فأنكره. وقال البخاري
(4)
: قال وهب بن بقية: سمعت يزيد بن زريع ثنا علي عن خالد بسبعة عشر حديثًا، فسألنا خالدًا عن حديث فأنكره، ثم آخر فأنكره، ثم ثالث فأنكره، فأخبرناه، فقال: كذّاب فاحذروه.
(1)
(ص 25) ط. المنيرية.
(2)
(7/ 346).
(3)
"التهذيب"(7/ 347).
(4)
"التاريخ الكبير"(6/ 290، 291).
وفيه
(1)
: قال عباد بن العوام: ليس يُنكَر عليه أنه لم يسمع، ولكنه كان رجلاً موسرًا، وكان الوراقون يكتبون له، فنراه أُتِي من كتبه. وذكر نحوه عن يعقوب بن شيبة.
أقول: فأحسن حال علي بن عاصم أنه كان يعتمد على وراقين غير مرضيين، فيُدخِلون في كتبه أحاديثَ لم يسمعها، ومنها ما هو كذب وغلط، فلا يَفطَن لذلك، ويتحفظ من تلك الكتب، ويحدث بما وجده فيها، فبهذا وقع ما حكاه يزيد بن زريع، وهذا أمرٌ لا يمكن من يدافع عن علي بن عاصم أحسن منه، وإذًا فعلي بن عاصم لا يُعتدُّ بحديثه.
وأما حماد بن سلمة؛ فيتلخص مما تقدم أن جماعة رووه عنه، وفيه عراك عن عائشة، منهم وكيع وبهز ويزيد بن هارون وعبد الوهاب الثقفي وأبو كامل، وهؤلاء أئمة أثبات، ورواه موسى بن إسماعيل عن حماد فقال فيه: عراك بن مالك سمعت عائشة. وموسى ثقة متقن، ولكن أعرف الناس به تلميذاه البخاري وأبو حاتم حكمَا على روايته بالغلط، وكذلك الإمام أحمد. والذين قالوا: عن حماد عن خالد عن خالد عن عراك عن عائشة أكثر، وبعضهم أثبتُ من موسى وأكبر منه، فسماعهم من حماد أقدم من سماع موسى، وحماد تغير حفظه بأَخَرةٍ.
وقولهم موافق لرواية غير حماد عن خالد، ومع ذلك فخالد الحذاء تغير حفظه بأخرة، ولا يبعد أن يكون الاضطراب منه، فقد رواه عنه وهيب فقال: عراك عن عمرة عن عائشة.
(1)
"التهذيب"(7/ 345).
وفوق هذا كله، فخالد بن أبي الصلت مجهول الحال، قال الإمام أحمد: ليس معروفًا. وقال عبد الحق: ضعيف. وقال ابن حزم: مجهول
(1)
. يريد: مجهول الحال. فلا يدفعه تعقب ابن مفوّز بقوله: هو مشهور بالرواية، معروف بحمل العلم.
ولا ينفعه ذكر ابن حبان له في "الثقات"
(2)
، فإن معنى الثقة عنده كما صرح به: أن يروي الرجل عن ثقة، ويروي عنه ثقة، ولا يكون حديثه منكرًا.
وهذا خلاف ما عليه الجمهور، ومع ذلك فإنه لا يراعي هذا الشرط كما ينبغي، بل قد عرفتُ بالتتبع أنه ربما ذكر الرجل، ولا يدري عمن روى، ولا من روى عنه، ولا ما روى، وربما كان ينظر في "تاريخ البخاري" ثم يلخصه في "الثقات"، ووجدتُ تراجم كثيرة في "تاريخ البخاري" لا يصرح فيها البخاري بقوله:"روى عن فلان، وروى عنه فلان". ووجدتُ ابن حبان يذكرهم في الثقات قائلًا: "يروي المراسيل، روى عنه أهل بلده"، أو نحو ذلك.
فهذا ظاهر جدًّا أنه إنما وجد التراجم في تاريخ البخاري، فذكرهم في الثقات، مع الجهل بهم البتةَ.
وكذلك قد يصرح البخاري بمن روى عنه الرجل، ولا يذكر من روى عنه، أو عكس ذلك، فيذكره ابن حبان، فيصرح بما صرح به البخاري، ويُمَجْمِجُ
(3)
عما تركه البخاري، وقد نبهتُ في حواشي "تاريخ البخاري"
(1)
انظر "تهذيب التهذيب"(3/ 98).
(2)
(6/ 252) وفيه: "خالد بن الصلت"، وهو خطأ.
(3)
أي لا يُبيِّن.
على كثير من هذا.
وأوضح من ذلك أن حديث خالد هذا منكر كما يأتي، فلم يتحقق فيه شرطُ أن لا يكون حديثه منكرًا.
ورأيت لبعض أجلّة العصر كلامًا في تصحيح هذا الحديث، وجزم بأنه صحيح على شرط مسلم.
وأقول: في هذا نظر من وجوه:
أظهرها: أن خالد بن أبي الصلت مجهول الحال كما علمت، وليس من مذهب مسلم الاحتجاج بأمثاله.
الثاني: أن المعاصرة لم تتحقق، فإنه لا يثبت أن عراكًا أدرك سِنَّ السماع والضبط في حديث عائشة.
نعم احتج ابن دقيق العيد على ذلك بأنه عراكًا سمع من أبي هريرة وروى عنه، ووفاة أبي هريرة وعائشة في عام واحد.
ولكن في هذا نظر؛ لأنه لم يثبت ثبوتًا يقوم به الحجة أن أبا هريرة وعائشة توفيا في عام واحد، وإنما قال ذلك هشام بن عروة: إن عائشة توفيت سنة 57، وتوفي أبو هريرة بعدها في السنة.
وهشام لم يدرك ذلك، وقد قال بعضهم: إن أبا هريرة تأخر إلى سنة 58، وقال بعضهم: تأخر إلى سنة 59.