الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأخير ينبني على كونه مندوبًا أو لا. وقد اختلفوا في أول وقته أيضًا، وفي كونه أفضل صلاة التطوع، أو الرواتب أفضل منه، أو خصوص ركعتي الفجر. هـ.
مقدمة في حقيقة الوتر
الوتر عند أصحابنا صلاةٌ مندوبة مؤكَّدة، أقلُّها ركعة، وأكثرها إحدى عشرة، وقتها ما بين العشاء والفجر. ولا فرقَ عندهم في إطلاق الوتر على الإحدى عشرة بين فَصْلها بتسليمةٍ واحدةٍ وفَصْلها بأكثر.
وأما تحقيق حقيقة الوتر في السُّنَّة فنقول:
بعد استقراء الأحاديث والآثار تلخَّص لنا أن الوتر قد أُطلِق على ثلاثة معانٍ:
أولها: أن يُطلَق مرادًا به صلاةُ الليل التي غايتها ثلاث عشرة، سواءٌ صُلِّيتْ وصلًا أو فصلًا، وعلى هذا حديث الحاكم والبيهقي ومحمد بن نصر
(1)
عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "لا توتروا بثلاثٍ تُشبِّهوا بالمغرب، ولكن أوتروا بخمسٍ أو بسبعٍ أو بتسعٍ أو بإحدى عشرة أو بأكثر من ذلك".
وعليه أيضًا حديث أحمد وأبي داود
(2)
بإسنادٍ صحيح عن عائشة وقد سُئلتْ: بكَمْ كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يُوتر؟ فقالت: كان يُوتر بأربعٍ وثلاث، وستٍّ وثلاث، وثمانٍ وثلاث، وعشرٍ وثلاث، ولم يكن يُوتِر بأنقصَ من سبعٍ
(1)
"المستدرك"(1/ 304) و"السنن الكبرى"(3/ 31) و"مختصر قيام الليل وكتاب الوتر"(ص 125) من حديث أبي هريرة.
(2)
"المسند"(25159) وأبو داود (1362).
ولا بأكثر من ثلاثَ عشرةَ.
وهذا الوجه هو الأقرب لمذهبنا.
الثاني: أن يُطلَق مرادًا به الركعة الفردة، سواء أوقعتْ موصولةً أو مفصولةً. وعلى هذا حديث الصحيحين
(1)
ــ واللفظ لمسلم ــ: "صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشيتَ الصبح فأوتِرْ بركعةٍ".
وعليه حديث مسلم
(2)
عن ابن عمر وابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "الوتر ركعة من آخر الليل". هكذا ورد عنهما.
وقد رواه أبو داود والنسائي
(3)
كلاهما بإسنادٍ صحيح تحت ترجمة (باب كم الوتر)، ولفظه: عن ابن عمر أن رجلًا من أهل البادية سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن صلاة الليل، فقال بإصبعَيْه هكذا "مثنى مثنى، والوتر ركعةٌ من آخر الليل".
ولا يخفى أن تعريف المسند إليه ظاهره الحصر، فهو في قوةِ "ليس الوتر إلا ركعة من آخر الليل". مع أنه قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وصلَ بين ثلاثٍ وبين خمسٍ وبين سبعٍ وبين تسعٍ. والجمعُ بين ذلك أن الوتر في قوله:"الوتر ركعة من آخر الليل" يُرادُ به تلك الركعة الفردة وإن وُصِلَتْ.
الثالث: أن يُطلَق مرادًا به ما كان وترًا بتسليمةٍ واحدةٍ، سواءً أكان واحدةً أو ثلاثًا أو خمسًا
…
إلخ. وعلى هذا أكثر الأحاديث.
(1)
البخاري (1137) ومسلم (749/ 146) عن ابن عمر.
(2)
رقم (753).
(3)
أبو داود (1421) والنسائي (3/ 233).
منها حديث عائشة عند أحمد والشيخين
(1)
بلفظ: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلِّي من الليل ثلاثَ عشرةَ ركعةً يوتر بخمسٍ".
ومنها حديثها المتفق عليه
(2)
: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلِّي وأنا راقدةٌ معترضةٌ على فراشِه، فإذا أراد أن يُوتِر أيقظَني فأوترتُ".
وفي رواية لمسلم
(3)
: فإذا أوتر قال: "قُومي فأوتري يا عائشة". وفي روايةٍ له أيضًا
(4)
: فإذا بقي الوترُ أيقظَها فأوترتْ.
أقول: وقد رأيت أن أقدِّم تحقيق حقيقة الوتر، أعني المعنى الذي يكون إطلاقُ لفظ الوتر عليه حقيقةً شرعية، ثم أشرعُ في بيان الوجوه المختلَف فيها، مفردًا كلَّ وجهٍ بمقالةٍ إن شاء الله تعالى.
* * * *
(1)
"المسند"(24239) ومسلم (737). ولم أجده عند البخاري بهذا اللفظ.
(2)
البخاري (997) ومسلم (744).
(3)
رقم (744/ 134).
(4)
رقم (744/ 135).