الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآيات: (149- 170)[سورة الصافات (37) : الآيات 149 الى 170]
فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَناتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ (149) أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِناثاً وَهُمْ شاهِدُونَ (150) أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (151) وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (152) أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ (153)
ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (154) أَفَلا تَذَكَّرُونَ (155) أَمْ لَكُمْ سُلْطانٌ مُبِينٌ (156) فَأْتُوا بِكِتابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (157) وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (158)
سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (159) إِلَاّ عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (160) فَإِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ (161) ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ (162) إِلَاّ مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ (163)
وَما مِنَّا إِلَاّ لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ (164) وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (165) وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ (166) وَإِنْ كانُوا لَيَقُولُونَ (167) لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً مِنَ الْأَوَّلِينَ (168)
لَكُنَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (169) فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (170)
التفسير:
قوله تعالى:
«فَاسْتَفْتِهِمْ.. أَلِرَبِّكَ الْبَناتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ؟» .
مناسبة هذه الآية والآيات التي بعدها، للآيات التي قبلها، والتي عرضت قصّة يونس مع قومه- أنها دعوة، مجدّدة إلى هؤلاء المشركين، ومقابلة- ربما تكون أخيرة- بين هؤلاء المشركين وبين رسول الله إليهم،
إنها أشبه بذلك اللقاء الجديد الذي كان بين يونس وقومه.. وقد آمن قوم يونس.. فهل يؤمن هؤلاء المشركون، بعد هذا اللقاء الجديد بينهم وبين رسول الله؟
وفى هذا اللقاء بين رسول الله وبين المشركين، يدعوهم الرسول إلى أن يستحضروا عقولهم، وإلى أن يفتوه فيما يستفتيهم فيه.. إنهم هنا فى مقام الفتيا، ذلك المقام الذي لا يقوم فيه إلا أصحاب العلم والعقل، وإلا أهل الرأى والفهم.
فهل هم أهل لهذا؟ وهل هم مستعدّون لأن يفتوا فيما يستفتون فيه؟ وإن الذي يستفتون فيه ليس إلّا بديهة من بدهيّات العقل عند العقلاء.. فهل يخطئون وجه الصواب فى هذه البديهيّات؟
- «أَلِرَبِّكَ الْبَناتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ؟» .
هذه هى القضية التي يطلب إليهم الرأى فيها: - إذا كان هناك فى المخلوقات بنات وبنون.. ثم كانت هناك قسمة بينهم وبين الله.. فأىّ تكون له البنات، وأىّ يكون له البنون؟
لا شكّ أن البنات عندهم أنزل درجة من البنين.. فهل يقضى العقل- عندهم- أن يكون لله البنات، ويكون لهم البنون؟ أهذه قسمة عادلة؟
أيكون للإله الخالق دون ما لهم؟ إن ذلك جور فى الحكومة، وخرق فى الرأى، وضلال فى الفتيا.. ولهذا نقض الله عليهم رأيهم هذا، وردّ قسمتهم تلك الجائرة.. فقال تعالى:«أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى» (21، 22: النجم) .
قوله تعالى:
إنهم كانوا يقولون عن الملائكة: إنهم بنات الله.. وقد جعلوهم إناثا..
وهذا الحكم على الله بأنه لا يلد إلا البنات- تعالى الله عن أن يلد أو يولد- فيه عدوان عظيم على الله.. فهو فوق أنه عدوان بنسبة الولد إلى الله تعالى هو عدوان آخر بجعل هذا الولد من صنف الإناث لا الذكور.. فلو أنه كان لله أن يتخذ ولدا، أفيتخذه أنثى؟ إنهم لا يرضون أن تولد لهم البنات.
فإذا ولدت لهم بنت- ضاقوا بها، بل خجلوا أن يظهروا فى الناس ولهم بنات ينتسبن إليهم..
وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: «وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ» (58- 59: النحل) .
وقوله تعالى: «وَهُمْ شاهِدُونَ» جملة حالية، ينكر بها عليهم أنهم لم يشهدوا خلق هؤلاء الملائكة، ولم يشاركوا فيه، حتى يكون لهم قول فى هذا الأمر.. إنهم يحكمون بلا علم، ويقضون بغير حجة..
قوله تعالى:
فى هذه الآيات عرض لمقولتهم فى تلك الفتيا التي استفتوا فيها. وتسفيه لهذا القول الأحمق الجهول الذي قالوه..
إنهم يقولون.. إفكا وبهتانا «وَلَدَ اللَّهُ» أي أن الله يلد ولدا..
وهذا إفك وضلال، سواء كان هذا الولد ذكرا أم أنثى.. تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.. «وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ» .
ثم إنهم ليقولون- إفكا وبهتانا- إن مواليد الله إناث، وليسوا ذكورا..
- «أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ؟» فما لكم إذن لا ترضون بأن يولد لكم الإناث؟ ..
- «ما لَكُمْ؟ كَيْفَ تَحْكُمُونَ؟» أهذا حكم يستقيم حتى مع منطقكم أنتم؟ «أَفَلا تَذَكَّرُونَ» ؟ أفلا تصححون هذا التناقض الذي وقعتم فيه، أيها المستفتون؟ ..
قوله تعالى:
«أَمْ لَكُمْ سُلْطانٌ مُبِينٌ؟ فَأْتُوا بِكِتابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ» .
وإذا لم تكن لكم عقول تعقل، وتقيم لكم على هذا الذي تقولونه حجة- فهل معكم بهذا «سلطان مبين» أي كتاب من عند الله ينطق بهذا؟
«فَأْتُوا بِكِتابِكُمْ»
هذا «إن كنتم صادقين» !.
قوله تعالى:
أي ومن مفترياتهم على الله سبحانه، أن جعلوا بينه- سبحانه- وبين «الجنّة» أي العالم الخفي، غير المنظور لهم، وهو عالم الملائكة والجن- جعلوا بين الله وبين هذه المخلوقات الخفية، نسبا وقرابة، حيث نسبوا إليه
- سبحانه- الولد، والولد لا يكون إلا من زواج، ولا يكون زواج إلا بين متناسبين، متقاربين فى الصورة، والطبيعة..
وهذا العالم الخفي، الذي يرهبه المشركون، ويتخذون منه أربابا يعبدونها من دون الله، لاعتقادهم- الفاسد- أن بينهم وبين الله قرابة ونسبا- هذا العالم يعلمون أنهم محضرون بين يدى الله، ومحاسبون على ما كان منهم..
إنهم خلق الله، ولن يخرجوا عن سلطان الله.. فسبحان الله، وتنزيها له عما يصفه به هؤلاء المشركون، ذلك الوصف الذي يسوون فيه بين الخالق والمخلوق! ..
والمراد بالجنة هنا، هم الشياطين.. وإحضارهم، هو للحساب، والجزاء..
وقوله تعالى: «إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ» هو استثناء من قوله تعالى:
«لَمُحْضَرُونَ» ..
أي أن هذا العالم الخفي، يعلم أنه معبود لله، وأنه محاسب بين يديه، وأنهم سيلقون العذاب الأليم، إلا عباد الله المخلصين منهم، وهم الملائكة..
فإنهم- وإن كانوا من الجنة، أي العالم الخفي- عباد مخلصون، أي ممحّضون للخير، مفطورون على الطاعة، لا يقع منهم مالا يرضاه الخالق، جلّ وعلا..
والجنة: جمع جن.. وهم المخلوقات غير المنظورة من ملائكة، وجن..
وأصله من الخفاء وعدم الظهور، ومنه الجنبن، الذي فى رحم الأم، ومنه الجنون، لأنه يستر العقل ويغطى عليه، ومنه المجنّ، وهو الترس، الذي يستر به المحارب مواطن القتل منه، عن عدوه..
قوله تعالى:
«فَإِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ إِلَّا مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ» ..
الخطاب هنا للمشركين، الذين عبدوا القوى الخفية، من ملائكة وجنّ والفاتن: من يجىء بالفتنة، ليخدع بها غيره، ويغرر من يستجيب له..
وفى الآية الكريمة، استخفاف بشأن المشركين، وبما يعبدون من شياطين، فإنهم وما يعبدون، لا يملكون من أمر الله شيئا، وإنهم لا يستطيعون أن يفتنوا أحدا من عباد الله، إلا من كان من أهل الضلال، ومن سبقت إرادة الله فيه أنه من أصحاب الجحيم.. كما يقول الله تعالى لإبليس- لعنه الله:
«إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ» (42: الحجر) .
والصّالى: المصطلى بالنار، المستدفئ بها، والصّالون للجحيم، هم المعذبون بالنار..
قوله تعالى:
هذا هو لسان حال الملائكة، تتردد أصدؤه من الملأ الأعلى، ليملأ أسماع العالمين، مؤمنهم وكافرهم جميعا.
إن كل ملك منهم، له مكانه الذي أقامه لله فيه، وله منزلته بين إخوانه.
فهم ليسوا على درجة واحدة، بل هم- فى منازل الكرامة والإحسان- درجات عند الله، كما أن الناس درجات، فلا يستوى المؤمنون والكافرون، ولا يستوى مؤمن ومؤمن، ولا كافر وكافر.. فلكلّ مكانه، ولكل درجته، وليس لأحد منهم أن ينتقل من حال إلى حال، أو يتحول من مكان إلى مكان.. بل هو أبدا، حيث أقامه الله سبحانه..
وفى قولهم: «وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ» - إشارة إلى أن الملائكة- وهم فى هذه المنزلة العالية عند ربهم- هم «الصافون» أي القائمون صفوفا يعبدون الله، وهم «المسبحون» بحمده.. كما يقول سبحانه فيهم:«يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ» (20: الأنبياء) .. فكيف يعبد من يعبد؟ أفليس معبوده أولى بالعبادة منه؟ ..
قوله تعالى:
هو حكاية لمقولة من مقولات المشركين، كانوا يرددونها قبل مبعث لنبى إليهم.. إنهم كانوا يتمنون أن يكون عندهم ذكر من الأولين.. أي كتاب من عند الله، تلقاه آباؤهم من قبلهم، ويتلقونه هم عن آبائهم، كما كان ذلك شأن أهل الكتاب، من اليهود والنصارى، الذين يعيشون بينهم..
إنه لو كان لهم ذلك لكانوا- كما يدّعون- من عباد الله القائمين على طريق الحق، الذين لا يدخل عليهم شىء من الباطل والضلال..
و «إن» هنا هى المخففة من الثقيلة «إنّ» .. واسمها ضمير محذوف، أي إنهم.. وخبرها جملة «كانُوا لَيَقُولُونَ» ..