الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هو فى مقابل قوله تعالى: «وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ» . فإذا كان الويل للمشركين الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر فإن الثواب العظيم، والجزاء الكريم للذين آمنوا وعملوا الصالحات.. فهؤلاء لهم أجر غير ممنون.. أي جزاء حسن، متصل لا ينقطع أبدا حيث جنات النعيم، هم، فيها خالدون.
الآيات: (9- 12)[سورة فصلت (41) : الآيات 9 الى 12]
قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ (9) وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ (10) ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ (11) فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَحِفْظاً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (12)
التفسير:
قوله تعالى:
بعد أن تهددت الآيات السابقة المشركين الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم
الآخر- جاءت هذه الآيات لتلقاهم بما لله سبحانه وتعالى من علم وقدرة وسلطان، حتى يكون لهم من ذلك ما يفتح مغالق عقولهم، فينظروا إلى جلال الله، ثم لينظروا إلى آلهتهم على سنا هذا الجلال، ثم ليحكموا عليها، ماذا تكون هذه الدّمى إزاء ربّ الأرباب، خالق الأرض والسموات! وفى قوله تعالى: «قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ..
الآية» ..
تهديد لهؤلاء المشركين، الذين يكفرون بالله، ويعبدون هذى الدّمى الجاثمة على التراب! والاستفهام إنكارى.. أي ما كان لكم أن تكفروا يمن هذه قدرته، وتلك آثاره..
وفى قوله تعالى: «خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ» قلنا فى أكثر من موضع فى تفسيرنا للآيات التي تشير إلى زمن محدّد لما خلق الله من مخلوقات، مثل قوله تعالى:«إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ» (54: الأعراف) - قلنا إن هذا الزّمن إنما هو منظور فيه إلى طبيعة المخلوق لا إلى قدرة الخالق.. وإلى أن هذا الزمن، هو الذي قدّره الخالق سبحانه وتعالى لينضج فيه المخلوق، ويستوفى فيه تمام خلقه، كالجنين فى الرحم، حيث يتم تكوينه فى تسعة أشهر، فى عالم الإنسان، وفى زمن أقل أو أكثر فى العوالم الأخرى من الأحياء.. فالزمن جزء من وجود كلّ موجود، وفى تطوره من حال إلى حال.. سواء فى هذا، الحيوان، والنبات، والجماد..
فقوله تعالى: «خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ.. وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها
وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ»
.. إشارة إلى الزمن الذي نضجت فيه الأرض، وتمّ تكوينها، وتهيأت لاستقبال الحياة فيها..
والأيام هنا هى أيام الله.. أي الأيام التي يحويها فلك هذا الوجود، فكل فلك له زمن معلوم، تتم فيه دورته، وتلك الدورة هى يوم، كيوم عالمنا الأرضى.. ففى يومين من أيام الله.. ولا يعلم قدر هذا اليوم إلا الله- ثمّ تكوين جرم الأرض، فكانت أشبه بالعلقة فى رحم الأم..
ثم بعد ذلك بدأت تظهر عليها الجبال، وتجرى فيها الأنهار، وتتحدد عليها كميات الهواء، والحرارة، إلى أن أصبحت صالحة لأن تلد الكائنات الحيّة، وأن تمدّها بالغذاء الذي يحفظ عليها حياتها.. وذلك فى مدى يومين آخرين من أيام الله.. فكانت حضانة الأرض فى كيان الكون أربعة أيام، من أيام الله، قبل أن تتهيأ لاستقبال الحياة، وظهور الكائنات الحية على ظهرها..
وقوله تعالى: «وَبارَكَ فِيها» إشارة إلى توالد الأحياء على الأرض، وتكاثرها بما توالد فيها من عوالم النبات والحيوان والإنسان» .. فهذا من بركة الله سبحانه وتعالى على هذه الأرض! وقوله تعالى:«وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها» .. أي وقدّر على هذه الأرض الأقوات التي تضمن الحياة لهذه المواليد المتكاثرة فيها.. وذلك بما أودع فيها من هواء، وماء، وطعام..
وقوله تعالى: «سَواءً لِلسَّائِلِينَ» هو حال من الأقوات، أي أن هذه الأقوات مقدّرة بقدر معلوم، وموزونة بميزان دقيق.. فالهواء مثلا، لو زادت نسبة الأوكسجين فيه عن قدر معلوم لاحترق الأحياء، ولو نقصت تلك النسبة عن قدر معلوم كذلك لاختنق الناس والحيوان والنبات.. وهكذا كلّ ما فى هذه
الأرض، وما عليها.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى:«وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ» (19: الحجر) والسائلون هنا، هم أصناف الأحياء، الذين يسألون، أي يطلبون ما يمسك عليهم حياتهم.. فكل حىّ يسأل، ويطلب ما تطلبه حياته، سواء أكان هذا إنسانا أو حيوانا أو نباتا.
وفى التعبير بالسائلين، إشارة إلى أن هذه المخلوقات- ومنها الإنسان- إنما تقف جميعها سائلة من فضل الله وإحسانه، الذي بثّه فى هذه الأرض..
هذا، وقد رأى بعض المفسرين أن مدة خلق الأرض هى ستة أيام، أخذا بما ذكر فى هذه الآية، من اليومين، والأربعة الأيام.. ولما كانت مدة خلق السموات يومين، فتكون مدة خلق السموات والأرض، هى ثمانية أيام.. والقرآن الكريم صريح الدلالة فى أن خلق السموات والأرض كان فى ستة أيام، وذلك بما نطق به فى أكثر من موضع منه..
ولا يمكن أن يقع هذا الاختلاف فى كتاب الله.. «وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً» ..
والذي ينظر فى قوله تعالى: «قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ» - الذي ينظر فى هاتين الآيتين، يرى أن مدة خلق الأرض هى أربعة الأيام، وهى التي ذكرت فى الآية الثانية، ويدخل فيهما اليومان اللذان ذكرا فى الآية الأولى.. ولهذا عطف قوله تعالى:«وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ» على قوله تعالى: «خَلَقَ الْأَرْضَ» .. أي خلقها وجعل فيها رواسى من فوقها
وبارك فيها وقدّر فيها أقواتها فى أربعة أيام.. منهما يومان كان فيهما خلق جرم الأرض.. أما ذكر اليومين فللدلالة على أن الخلق غير الجعل..
فخلق الأرض، كان له زمن تمّ فيه هذا الخلق.. ثم كان لتلك الإضافات التي دخلت على الأرض بعد خلقها، زمن آخر، ومجموع هذا وذاك هو أربعة أيام من أيام الله.. وهذا مثل قوله تعالى:«وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً» (15: الأحقاف) وقوله فى آية أخرى: «وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ» (14: لقمان) .
قوله تعالى:
استوى إلى السماء، أي نظر إلى السماء، نظر تمكن واستعلاء..
وهى دخان: أي بخار.
أي أنه بعد أن تمّ خلق الأرض، وتهيأت لاستقبال الحياة، بعد هذا نظر سبحانه وتعالى إلى السماء، نظرة تمكن واستعلاء، وكانت دخانا، أي بخارا غير متماسك، «فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ» - أي دعا الأرض والسماء أن يأتياه، أي يستجيبا له، ويخضعا لمشيئته، ويستقيما على ما أراد منهما، إما طائعتين أو مكروهتين أي أن تأتيا إما مستسلمتين بلا إرادة، أو مكرهتين، فتكون إرادتهما تبعا لإرادة الله سبحانه وتعالى:«قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ» أي مستسلمين، دون أن نخرج على النظام الذي أقمتنا عليه.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى:
«إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ» (72: الأحزاب) .. فقد خيرت السموات والأرض فى أن تأتيا طوعا أو كرها، فاختارتا أن تأتيا طائعتين، وذلك معناه، إباؤهنّ قبول الأمانة التي عرضت عليهن، وتلك الأمانة هى أن يوكل إليهن تصريف شئونهن بإرادتهن.. فأبين ذلك، وأسلمن الأمر كله لله..
أما الإنسان، فهو وحده الذي حمل الأمانة، وهو الذي يأتى ما أراد الله منه سواء أكان طائعا أو عاصيا، لأن إرادة الله تعلو إرادته، وكل ما يفعله الإنسان وإن كان بإرادته، هو من إرادة الله له، ومشيئته فيه..
فهو مكره فى صورة مريد!.
قوله تعالى:
أي فدبّر أمرهن وقضى فيهن بما شاءت إرادته، فكنّ سبع سموات..
والضمير فى «قضاهن» هو للسبع السموات، وقد قدم الضمير هنا للدلالة على أن التدبير والقضاء قد وقع عليهن بعد أن خلقن، وكنّ سموات سبعا.. فالضمير يعود إلى وجود قائم، وإن لم يجر له ذكر، وذلك أدل على وجوده وتحققه.. وسبع سموات بدل من هذا الضمير، كما تقول:
أكرمته عليا، وأكلته عنبا..
وقوله تعالى: «وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها» أي أوحى، وأنزل فى كل سماء ما أمرها به، وما قدره لها من نظام تجرى عليه.