المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الآيات: (32- 40) [سورة الزمر (39) : الآيات 32 الى 40] - التفسير القرآني للقرآن - جـ ١٢

[عبد الكريم يونس الخطيب]

فهرس الكتاب

- ‌الآيات: (28- 44) [سورة يس (36) : الآيات 28 الى 44]

- ‌الآيات: (45- 54) [سورة يس (36) : الآيات 45 الى 54]

- ‌الآيات: (55- 70) [سورة يس (36) : الآيات 55 الى 70]

- ‌الآيات: (71- 83) [سورة يس (36) : الآيات 71 الى 83]

- ‌37- سورة الصافّات

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 10) [سورة الصافات (37) : الآيات 1 الى 10]

- ‌الآيات: (11- 26) [سورة الصافات (37) : الآيات 11 الى 26]

- ‌الآيات: (27- 39) [سورة الصافات (37) : الآيات 27 الى 39]

- ‌الآيات: (40- 61) [سورة الصافات (37) : الآيات 40 الى 61]

- ‌الآيات: (62- 74) [سورة الصافات (37) : الآيات 62 الى 74]

- ‌الآيات: (75- 98) [سورة الصافات (37) : الآيات 75 الى 98]

- ‌الآيات: (99- 113) [سورة الصافات (37) : الآيات 99 الى 113]

- ‌الآيات: (114- 132) [سورة الصافات (37) : الآيات 114 الى 132]

- ‌الآيات: (133- 148) [سورة الصافات (37) : الآيات 133 الى 148]

- ‌الآيات: (149- 170) [سورة الصافات (37) : الآيات 149 الى 170]

- ‌الآيات: (171- 182) [سورة الصافات (37) : الآيات 171 الى 182]

- ‌38- سورة ص

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 11) [سورة ص (38) : الآيات 1 الى 11]

- ‌الآيات: (12- 20) [سورة ص (38) : الآيات 12 الى 20]

- ‌الآيات: (21- 26) [سورة ص (38) : الآيات 21 الى 26]

- ‌داود.. وما خطيئته

- ‌الآيات: (27- 29) [سورة ص (38) : الآيات 27 الى 29]

- ‌الآيات: (30- 40) [سورة ص (38) : الآيات 30 الى 40]

- ‌الآيات: (41- 44) [سورة ص (38) : الآيات 41 الى 44]

- ‌الآيات: (45- 54) [سورة ص (38) : الآيات 45 الى 54]

- ‌الآيات: (55- 64) [سورة ص (38) : الآيات 55 الى 64]

- ‌الآيات: (65- 88) [سورة ص (38) : الآيات 65 الى 88]

- ‌39- سورة الزّمر

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 7) [سورة الزمر (39) : الآيات 1 الى 7]

- ‌الآيات: (8- 18) [سورة الزمر (39) : الآيات 8 الى 18]

- ‌الآيات: (19- 26) [سورة الزمر (39) : الآيات 19 الى 26]

- ‌الآيات: (27- 31) [سورة الزمر (39) : الآيات 27 الى 31]

- ‌الآيات: (32- 40) [سورة الزمر (39) : الآيات 32 الى 40]

- ‌الآيات: (41- 46) [سورة الزمر (39) : الآيات 41 الى 46]

- ‌الآيات: (47- 54) [سورة الزمر (39) : الآيات 47 الى 52]

- ‌الآيات: (53- 61) [سورة الزمر (39) : الآيات 53 الى 61]

- ‌الآيات: (62- 66) [سورة الزمر (39) : الآيات 62 الى 67]

- ‌الآيات: (68- 75) [سورة الزمر (39) : الآيات 68 الى 75]

- ‌40- سورة غافر

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 6) [سورة غافر (40) : الآيات 1 الى 6]

- ‌الآيات: (7- 9) [سورة غافر (40) : الآيات 7 الى 9]

- ‌الآيات: (10- 12) [سورة غافر (40) : الآيات 10 الى 12]

- ‌الآيات: (13- 20) [سورة غافر (40) : الآيات 13 الى 20]

- ‌الآيات: (21- 27) [سورة غافر (40) : الآيات 21 الى 27]

- ‌الآيات: (28- 35) [سورة غافر (40) : الآيات 28 الى 35]

- ‌الآيات: (36- 46) [سورة غافر (40) : الآيات 36 الى 46]

- ‌الآيات: (47- 53) [سورة غافر (40) : الآيات 47 الى 52]

- ‌الآيات: (53- 59) [سورة غافر (40) : الآيات 53 الى 59]

- ‌الآيات: (60- 65) [سورة غافر (40) : الآيات 60 الى 65]

- ‌الآيات: (66- 68) [سورة غافر (40) : الآيات 66 الى 68]

- ‌الآيات: (69- 77) [سورة غافر (40) : الآيات 69 الى 77]

- ‌الآيات: (78- 84) [سورة غافر (40) : الآيات 78 الى 85]

- ‌41- سورة فصلت

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 8) [سورة فصلت (41) : الآيات 1 الى 8]

- ‌الآيات: (9- 12) [سورة فصلت (41) : الآيات 9 الى 12]

- ‌الآيات: (13- 18) [سورة فصلت (41) : الآيات 13 الى 18]

- ‌الآيات: (19- 24) [سورة فصلت (41) : الآيات 19 الى 24]

- ‌الآيات: (25- 29) [سورة فصلت (41) : الآيات 25 الى 29]

- ‌الآيات: (30- 35) [سورة فصلت (41) : الآيات 30 الى 35]

- ‌الآيات: (36- 43) [سورة فصلت (41) : الآيات 36 الى 43]

- ‌الآيات: (44- 46) [سورة فصلت (41) : الآيات 44 الى 46]

- ‌فهرس الموضوعات

الفصل: ‌الآيات: (32- 40) [سورة الزمر (39) : الآيات 32 الى 40]

‌الآيات: (32- 40)[سورة الزمر (39) : الآيات 32 الى 40]

فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ (32) وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (33) لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ (34) لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (35) أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (36)

وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقامٍ (37) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كاشِفاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (38) قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (39) مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ (40)

التفسير:

قوله تعالى:

«فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جاءَهُ.. أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ» مناسبة هذه الآية لما قبلها، هى أن الله سبحانه وتعالى قد أنذر المشركين بالموت، المقضىّ به على الناس جميعا فى هذه الدنيا، ثم أنذرهم بالحساب، المحكوم به على الناس جميعا فى الآخرة.. ثم جاءت هذه الآية لتكشف

ص: 1151

للمشركين عن المصير الذي هم صائرون إليه يوم الحساب، وهو مصير مشئوم، حيث تكون النار هى مثواهم..

والاستفهام فى قوله تعالى: «فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جاءَهُ» - مراد به النفي، أي أنه لا أظلم ممن جمع بين هذين المنكرين، وهما الكذب على الله، بنسبة الولد إليه، أو اتخاذ تلك المعبودات التي عبدوها شفعاء عنده.. ثم التكذيب بالصدق، وهو القرآن الذي أنزله الله على النبي، فما كان قولهم فيه إلا أنه حديث مفترى، وأنه أساطير الأولين اكتتبها محمد، وتلقاها من علماء أهل الكتاب..

فهؤلاء الذين كذبوا على الله، وكذّبوا بالحق الذي بين أيديهم- هم أكثر الظالمين ظلما، لأنهم قطعوا على أنفسهم كل عذر يعتذرون به عن هذا الكفر الذي هم فيه. وذلك أنه إذ كان لهم عذر بالكذب على الله لجهلهم، فإنه لا عذر لهم بتكذيب الحقّ الذي جاءهم.. إذ كان من البيان والوضوح بحيث لا يكذّب به إلا كل معاند مكابر..

قوله تعالى: «أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ» - هو استفهام يراد به الإثبات، على طريق الإلزام والتوكيد، حيث لا جواب لهذا الاستفهام إلا التسليم بالمستفهم عنه، وإلا أن يجيب المستفهم منه بقوله:«بلى فى جهنم مثوى للكافرين» .. فهى منزلهم المعدّ لهم، لا منزل لهم سواه..

قوله تعالى:

«وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ» الذي جاء بالصدق، هو رسول الله- صلوات الله وسلامه عليه- والصدق الذي جاء به، هو القرآن الكريم، الذي تلقاه وحيا من ربه..

ص: 1152

والذي صدق بهذا الصدق هم المؤمنون..

وقوله تعالى: «أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ» هو وصف شامل، للذى جاء بالصدق، وللذين صدّقوا به.. وفى الإشارة إليهم بقوله تعالى:«أُولئِكَ» - إشارة إلى علو منزلتهم، وأنهم بهذا المقام العالي الذي تتقطع دونه الأعناق.. وفى ضمير الفصل «هم» - إشارة أخرى إلى اختصاصهم وحدهم بهذا المقام الرفيع الكريم الذي هم فيه..

قوله تعالى:

«لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ.. ذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ» .

هو بيان لما يلقى هؤلاء المتقون من أجر عظيم، ورزق كريم، وهم فى هذا المقام الرفيع الذي هم فيه «لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ» .. حيث يجدون كل ما يشتهون من نعيم الجنة، حاضرا بين أيديهم..

وقوله تعالى: «ذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ» - إشارة إلى أن هذا الذي للمتقين عند ربهم من فضل وإحسان، هو الجزاء الذي يجزى الله به المحسنين من عباده.. كما يقول سبحانه:«لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ، وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ» (26: يونس) .

قوله تعالى:

«لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ» ..

هو تعليل لهذا الجزاء الذي يجزاه المحسنون من الله.. وهو جزاء

ص: 1153

يضاعف فيه الإحسان إلى المحسن، حتى ليسأل السائلون: ما بال هؤلاء المحسنين يجزون الحسنة أضعافا مضاعفة، على حين يجزى المسيئون السيئة بمثلها؟ أليس العدل يقضى بالتسوية فى الجزاء، فيجزى المحسنون الحسنة بالحسنة، كما يجزى المسيئون السيئة بالسيئة؟ فيجاب على هذا التساؤل: إن جزاء السيئة بالسيئة، عدل، وإن جزاء الحسنة بأضعافها، إحسان.. فالمسيئون مأخوذون بعدل الله، والمحسنون مجزيّون بإحسانه، وذلك «لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا» أي بهذا الإحسان المضاعف يمحو الله عنهم أسوأ ما فى صحفهم من أعمال، وهى السيئات التي تقع منهم وهم على طريق الإحسان، حتى تصبح صحفهم كلها إحسان، فيكون جزؤهم الإحسان بهذا الإحسان..

وهذا مثل قوله تعالى: «أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ» (16: الأحقاف) ..

قوله تعالى:

«أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ» .

الكافي: الكافل: والحافظ..

وعبده: هو رسول الله، صلوات الله وسلامه عليه.. وفى الإشارة إلى رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، بضمير الغيبة دون ذكره.. تنويه بشأنه وإعلاء لذكره، وأنه- صلوات الله وسلامه عليه- هو وحده المعنىّ بهذا الحديث، وأنّه وحده الجدير بهذه الإضافة بالعبودية الخالصة إلى ربّه..

والاستفهام هنا، للوجوب.. أي أن الله سبحانه وتعالى، هو الذي يكفى

ص: 1154

عبده محمدا ويكفله، ويحفظه من كل سوء يراد به.. إذ كيف يعجز سبحانه عن أن يحمى حماه هذا، ويدفع المكروه عنه؟ تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا..

وقوله تعالى: «وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ» .. هو معطوف على مضمون قوله تعالى: «أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ» - أي الله هو الذي يرعاك ويحفظك، والمشركون يخوفونك بآلهتهم، وما يقدّرون أن يلحقوه بك من سوء..

فهل يقع فى نفسك شىء من هذا الخوف الموهوم، وأنت فى حراسة الله ورعايته؟ ..

وقوله تعالى: «وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ» أي هذا ضلال من ضلال المشركين، إذ يحسبون أن آلهتهم تلك تملك ضرّا أو نفعا.. إنهم فى ضلال مبين. فقد أضلهم الله وطمس على عقولهم، فلم يروا إلا ظلاما وضلالا:

«وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ» .

وقوله تعالى: «وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍّ.. أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقامٍ» ..

أي الله سبحانه وتعالى، هو وحده، الذي يملك الضرّ والنفع.. وهو سبحانه الذي أضلّ هؤلاء المشركين، وهو سبحانه الذي هدى المهتدين.

وأن آلهتهم تلك لا تملك من هذا الأمر شيئا، فلا سبيل لها إلى هداية عابديها الذين أضلهم الله، كما لا سبيل إليها إلى ضلال المؤمنين الذين يحقرونها ويستخفّون بها.. «أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ» فيحمى بعزته أولياءه «ذى انتقام» «ينتقم لأوليائه ممّن يكيدون لهم؟ بلى.. إنه سبحانه عزيز بعز بعزّته من يلوذبه، ذو انتقام، ينتقم بقوته ممن يخرجون عن طاعته، ويؤذون أولياءه، وأهل ودّه..

ص: 1155

قوله تعالى:

«وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ.. قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كاشِفاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكاتُ رَحْمَتِهِ.. قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ.. عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ» أي أن هؤلاء المشركين الذين يتهدّدون النبىّ صلوات الله وسلامه عليه.. ويخوفونه بآلهتهم، وما يمكن أن يريدوه به من سوء، إذا هو أصرّ على إعراضه عنها، أو التعرض لها- هؤلاء المشركون إذا سئلوا عمن خلق السموات والأرض، ما كان لهم جواب إلّا أن يقولوا، خلقهن الله.. إذ كانت هذه الحقيقة من الجلاء والظهور، بحيث لا يستطيع مكابر أو معاند أن ينكرها، فهى من الأمور المسلّمة التي لا اختلاف عليها.

وقد كان مقتضى هذا التسليم بأن الله هو الذي خلق السموات والأرض- أن يقيم للمشركين منطقا سليما مع اعتقادهم فى الله، فلا يجعلوا لغيره شركة معه فى تصريف هذا الوجود، وفيما يجرى فيه.. ولكنهم- مع تسليمهم بهذا السلطان المطلق لله- يجعلون لآلهتهم شركة معه فى تدبير هذا الملك، وسلطانا مع سلطانه فى تصريفه..

وفى قوله تعالى: «قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كاشِفاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكاتُ رَحْمَتِهِ؟» ..

هذا هو السؤال المطلوب من المشركين أن يعطوا له جوابا.. هل هذه الآلهة التي يتهددون بها النبىّ تملك ضرّا أو نفعا؟ وهل لها إرادة مع إرادة الله، وسلطان مع سلطانه؟ وهل إذا أراد الله بالنبيّ ضرّا هل يمكن أن تردّه

ص: 1156

عنه؟ وهل إذا أراد الله بالنبي خيرا ورحمة، هل تستطيع أن تمسك هذا الخير وتلك الرحمة عنه؟ إن يكن ذلك مما يقولون، فكيف يتفق هذا مع تسليمهم بأن الله خالق السموات والأرض؟ وهل من يخلق السموات والأرض يكون مقهورا من تلك الدّمى التي يعبدونها؟ أيتفق هذا مع ذاك؟.

وقوله تعالى: «قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ» هو أمر للنبى بما يلقى به ضلال هؤلاء الضّالّين، وما يتهددون به من أوهام وأباطيل.. إن الله هو حسبه وكافيه من كل ضر يراد به، وهو حسبه وكافيه، من كل خير يرجوه..

وقوله تعالى: «عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ» أي أن الله وحده، هو الذي يتوكل عليه المتوكلون، الذين يؤمنون به، ويضيفون وجودهم إليه، فيجدون فى ظله الأمن، والسلامة، والخير..

وفى الحديث عن الآلهة بضمير المؤنث «هنّ» تشنيع على هؤلاء المشركين، وتسخيف لعقولهم المريضة، التي تتخذ من هذه الدّمى آلهة تعبد من دون الله، ثم تقيم منها- بهذا الخيال السقيم- كائنات عاقلة، فيخاطبونها، ويلقون إليها بآمالهم وآلامهم، وهى- بين أيديهم- صمّاء لا تسمع، خرساء، لا تجيب!.

قوله تعالى:

«قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ» ..

المكانة: المنزلة، والحال التي يكون عليها الإنسان..

وقوله تعالى: «اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ» أي اعملوا على ما أنتم عليه من ضلال، ومن معتقد فاسد مع آلهتكم تلك..

ص: 1157