المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الآيات: (1- 11) [سورة ص (38) : الآيات 1 الى 11] - التفسير القرآني للقرآن - جـ ١٢

[عبد الكريم يونس الخطيب]

فهرس الكتاب

- ‌الآيات: (28- 44) [سورة يس (36) : الآيات 28 الى 44]

- ‌الآيات: (45- 54) [سورة يس (36) : الآيات 45 الى 54]

- ‌الآيات: (55- 70) [سورة يس (36) : الآيات 55 الى 70]

- ‌الآيات: (71- 83) [سورة يس (36) : الآيات 71 الى 83]

- ‌37- سورة الصافّات

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 10) [سورة الصافات (37) : الآيات 1 الى 10]

- ‌الآيات: (11- 26) [سورة الصافات (37) : الآيات 11 الى 26]

- ‌الآيات: (27- 39) [سورة الصافات (37) : الآيات 27 الى 39]

- ‌الآيات: (40- 61) [سورة الصافات (37) : الآيات 40 الى 61]

- ‌الآيات: (62- 74) [سورة الصافات (37) : الآيات 62 الى 74]

- ‌الآيات: (75- 98) [سورة الصافات (37) : الآيات 75 الى 98]

- ‌الآيات: (99- 113) [سورة الصافات (37) : الآيات 99 الى 113]

- ‌الآيات: (114- 132) [سورة الصافات (37) : الآيات 114 الى 132]

- ‌الآيات: (133- 148) [سورة الصافات (37) : الآيات 133 الى 148]

- ‌الآيات: (149- 170) [سورة الصافات (37) : الآيات 149 الى 170]

- ‌الآيات: (171- 182) [سورة الصافات (37) : الآيات 171 الى 182]

- ‌38- سورة ص

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 11) [سورة ص (38) : الآيات 1 الى 11]

- ‌الآيات: (12- 20) [سورة ص (38) : الآيات 12 الى 20]

- ‌الآيات: (21- 26) [سورة ص (38) : الآيات 21 الى 26]

- ‌داود.. وما خطيئته

- ‌الآيات: (27- 29) [سورة ص (38) : الآيات 27 الى 29]

- ‌الآيات: (30- 40) [سورة ص (38) : الآيات 30 الى 40]

- ‌الآيات: (41- 44) [سورة ص (38) : الآيات 41 الى 44]

- ‌الآيات: (45- 54) [سورة ص (38) : الآيات 45 الى 54]

- ‌الآيات: (55- 64) [سورة ص (38) : الآيات 55 الى 64]

- ‌الآيات: (65- 88) [سورة ص (38) : الآيات 65 الى 88]

- ‌39- سورة الزّمر

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 7) [سورة الزمر (39) : الآيات 1 الى 7]

- ‌الآيات: (8- 18) [سورة الزمر (39) : الآيات 8 الى 18]

- ‌الآيات: (19- 26) [سورة الزمر (39) : الآيات 19 الى 26]

- ‌الآيات: (27- 31) [سورة الزمر (39) : الآيات 27 الى 31]

- ‌الآيات: (32- 40) [سورة الزمر (39) : الآيات 32 الى 40]

- ‌الآيات: (41- 46) [سورة الزمر (39) : الآيات 41 الى 46]

- ‌الآيات: (47- 54) [سورة الزمر (39) : الآيات 47 الى 52]

- ‌الآيات: (53- 61) [سورة الزمر (39) : الآيات 53 الى 61]

- ‌الآيات: (62- 66) [سورة الزمر (39) : الآيات 62 الى 67]

- ‌الآيات: (68- 75) [سورة الزمر (39) : الآيات 68 الى 75]

- ‌40- سورة غافر

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 6) [سورة غافر (40) : الآيات 1 الى 6]

- ‌الآيات: (7- 9) [سورة غافر (40) : الآيات 7 الى 9]

- ‌الآيات: (10- 12) [سورة غافر (40) : الآيات 10 الى 12]

- ‌الآيات: (13- 20) [سورة غافر (40) : الآيات 13 الى 20]

- ‌الآيات: (21- 27) [سورة غافر (40) : الآيات 21 الى 27]

- ‌الآيات: (28- 35) [سورة غافر (40) : الآيات 28 الى 35]

- ‌الآيات: (36- 46) [سورة غافر (40) : الآيات 36 الى 46]

- ‌الآيات: (47- 53) [سورة غافر (40) : الآيات 47 الى 52]

- ‌الآيات: (53- 59) [سورة غافر (40) : الآيات 53 الى 59]

- ‌الآيات: (60- 65) [سورة غافر (40) : الآيات 60 الى 65]

- ‌الآيات: (66- 68) [سورة غافر (40) : الآيات 66 الى 68]

- ‌الآيات: (69- 77) [سورة غافر (40) : الآيات 69 الى 77]

- ‌الآيات: (78- 84) [سورة غافر (40) : الآيات 78 الى 85]

- ‌41- سورة فصلت

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 8) [سورة فصلت (41) : الآيات 1 الى 8]

- ‌الآيات: (9- 12) [سورة فصلت (41) : الآيات 9 الى 12]

- ‌الآيات: (13- 18) [سورة فصلت (41) : الآيات 13 الى 18]

- ‌الآيات: (19- 24) [سورة فصلت (41) : الآيات 19 الى 24]

- ‌الآيات: (25- 29) [سورة فصلت (41) : الآيات 25 الى 29]

- ‌الآيات: (30- 35) [سورة فصلت (41) : الآيات 30 الى 35]

- ‌الآيات: (36- 43) [سورة فصلت (41) : الآيات 36 الى 43]

- ‌الآيات: (44- 46) [سورة فصلت (41) : الآيات 44 الى 46]

- ‌فهرس الموضوعات

الفصل: ‌الآيات: (1- 11) [سورة ص (38) : الآيات 1 الى 11]

بسم الله الرحمن الرحيم

‌الآيات: (1- 11)[سورة ص (38) : الآيات 1 الى 11]

بسم الله الرحمن الرحيم

ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (1) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ (2) كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنادَوْا وَلاتَ حِينَ مَناصٍ (3) وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقالَ الْكافِرُونَ هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ (4)

أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ (5) وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ (6) ما سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هذا إِلَاّ اخْتِلاقٌ (7) أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ (8) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ (9)

أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ (10) جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ (11)

التفسير:

قوله تعالى:

«ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ» .

«ص» هو حرف من حروف المعجم، بدئت به السورة، كما بدئت كل من سورتى «ق» و «ن» بحرف واحد، على خلاف السور التي بدئت بحروف، حيث بدىء بعضها بحرفين، مثل (طه) و (يس) وبدىء

ص: 1046

بعضها بثلاثة أحرف، مثل «الم» و «الر» ، وبعضها بأربعة مثل «المر» وبعضها بخمسة مثل:«كهيعص» و (حم عسق) ..

والملاحظ أن هذه السور الثلاث التي بدئت بحرف واحد، قد جعل الحرف اسما لها، وإن كان غلب على سورة «ق» اسم القلم، وكذلك الشأن فيما بدىء بحرفين، وهما «طه» و «يس» .. أما السور الأخرى التي بدئت بأكثر من حرفين فلم تكن الحروف التي بدئت بها، علما عليها.. ولعل فى هذا ما يشير إلى أن هذه الحروف ليست حروفا بالمعنى المفهوم لها فى النحو، وإنما هى أسماء، ذات دلالات، وأن الحرف هنا قد صار اسما على السورة، وعلما عليها..

وعلى هذا يصح أن يكون «ص» - والله أعلم- اسما مقسما به، ويكون «وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ» معطوفا عليه، فيكون المقسم به هو (ص) ، والقرآن معا..

وإذ كان قوله تعالى: «وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ» معطوفا على مقسم به وهو «ص» - كان «ص» ذا شأن جليل، وجلال عظيم، كشأن القرآن وجلال القرآن..

والقرآن الكريم، هو كلام الله، وكلام الله صفة من صفات الله، وصفات الله هى ذات الله.

وإذن فيكون القول بأن «ص» هو اسم من أسماء الله، أو صفة من صفاته، قولا له مفهوم على هذا الاعتبار..

ويصح أن يكون «ص» - والله أعلم- إشارة مجملة إلى ما استقبل به النبىّ والمؤمنون قوله تعالى فى آخر الصافات: «سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ» أي سبّحنا بحمدك ربّنا وحقّ ص والقرآن ذى الذكر، الذي آمنا به..

ص: 1047

وعلى القول الأول يكون جواب القسم محذوفا، ويكون المعنى: وحقّ الله، وحقّ القرآن ذى الذكر، لقد تنزهت ربّنا عن الشريك والولد، فلك الحمد، ولرسلك السلام.. ولكن الذين كفروا «فى عزة» أي غرور بأنفسهم، «وشقاق» أي منازعة فى هذا الأمر الذي سلّم لك به الوجود كله..

وعلى القول الثاني، يكون جواب القسم، هو ما ختمت به سورة الصافات، وهو قوله تعالى «سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ» ، وقد تقدم الجواب على القسم.

وقوله تعالى: «بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ» .

وصف المشركين بالعزة، هو فى مقابل قوله تعالى فى آخر «الصافات» «سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ» .. فهذه العزة التي للمشركين هى عزة باطلة مدّعاة، هى عزة غرور، وحمق وجهل، تلك العزة التي يخيل لمدعيها أنه واحد هذه الدنيا، ومالك أمرها، وهذا ما يشير إليه قوله تعالى فى شأن مدعى هذه العزة الكاذبة:«وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ» (206: البقرة) ..

فعزة الكافرين هى من هذه العزة، التي تملأ كيان صاحبها غرورا وتعاليا..

وفى حرف الجر «فى» الذي يفيد الظرفية، إشارة إلى أن هذه العزة الكاذبة، مستولية على أهلها، مغطية على أبصارهم، فلا يرون على صفحة مرآتها إلا أنفسهم، فى هذا الثوب الزائف الذي لبسوه.

والشقاق الذي، فيه هؤلاء الكافرون، هو منازعتهم لله فى عزته، واستكبارهم عن أن يستجيبوا لله، ويؤمنوا به قوله تعالى:

«كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنادَوْا وَلاتَ حِينَ مَناصٍ» .

ص: 1048

«كم» هنا خبرية، تفيد التكثير.. أي ما أكثر ما أهلكنا قبل هؤلاء الكافرين الذي لبسوا هذه العزة الزائفة- ما أكثر ما أهلكنا قبلهم من أمم ظالمة، كانت أكثر منهم قوة، وأعز سلطانا، فلما جاءهم بأسنا نادوا مستغيثين، فلم يغاثوا، إذ كان قد فات أوان الغوث:«وَلاتَ حِينَ مَناصٍ» .

و «لات» أداة تفيد النفي، بمعنى «لا» والتاء زائدة، لتأكيد النفي وتقويته..

و «المناص» المفرّ، والملجأ.. ومنه الناصية، وهى الرأس من كل شىء.

وناصية الجبل أعلاه الذي يعتصم به.

قوله تعالى:

«وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقالَ الْكافِرُونَ هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ» .

أي أن هؤلاء المشركين، قد عجبوا أن جاءهم رسول بشر منهم، وقال الكافرون عن هذا الرسول، «هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ» فرموه بالسحر، واتهموه بالكذب! وفى قوله تعالى:«وَعَجِبُوا» إسناد للعجب إليهم جميعا.. فهذا العجب هو الذي استقبل به المشركون بعثة الرسول فيهم.. ثم كانوا فريقين: فريقا لم يتلبث كثيرا فى عجبه من هذا الرسول البشر.. فما هى إلا وقفة- طالت أو قصرت- ثم رجع إلى عقله، وثاب إلى رشده فآمن بالله.. وفريقا ظل على عجبه هذا، فتولد منه الإنكار والكفر، وعلى حين قال المؤمنون: آمنا بالله، ورسول الله، قال الكافرون: هذا ساحر كذاب..

قوله تعالى:

«أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً؟ إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ» ..

هو من مقولة المشركين، الذين قالوا هذا القول المنكر فى النبي:«ساحِرٌ كَذَّابٌ» ..

ص: 1049

وهم بقولهم: «أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً» هو تعجب من دعوة الرسول لهم إلى توحيد الله، ونبذ ما يعبدون من دونه من آلهة.. إنها دعوة غير معقولة وغير مقبولة عندهم..

إذ كيف تكون الآلهة إلها واحدا؟ وكيف ينزل كل إله منها عن سلطانه إن شيخ القبيلة، أو زعيم الجماعة، لا يقبل أن ينزل عن مكانه من الرياسة لزعيم آخر، ولو كان هذا معقولا ومقبولا، لكانت قريش مثلا تحت زعيم واحد.

فإذا كان هذا غير ممكن فى مجتمع القبائل، فكيف يمكن هذا فى مجتمع الآلهة؟

«إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ» .. أي مثير للعجب، الذي ليس وراءه عجب! قوله تعالى:

«وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ» أي أنه لم يطل العجب منهم، بل أعطوا ظهورهم لما سمعوا من كلام الله، وتنادوا: أن اصبروا على آلهتكم، وتمسكوا بها.. أما هذا الذي سمعتموه من محمد، فإنما هو كيد من كيده، يريد به حاجة فى نفسه!! قوله تعالى:

«ما سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ.. إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ» .

أي إن هذا القول لم نسمع به فى الديانة الآخرة. وهى المسيحية، التي هى آخر الديانات السماوية.. فهاهم أولاء يرون أتباع المسيحية- وهم أهل الكتاب- يجعلون لله ابنا، هو المسيح، ويجعلونه إلها، كما يجعلون أمه إلها.. فكيف إذن يكون الإله إلها واحدا؟ وأين تذهب ألوهية المسيح، وأمّ المسيح؟ «إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ» أي كذب وافتراء على الله.. إذ لو كان الله يأبى أن يكون معه آلهة لما قبل أن يكون المسيح، وأم المسيح إلهين معه!! قوله تعالى:

«أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا؟ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي.. بَلْ لَمَّا

ص: 1050

يَذُوقُوا عَذابِ»

. وإذا اطمأنوا إلى هذا المنطق السقيم، الذي أقاموا منه الحجة الباطلة على كذب النبي ودعوته أن يكون الآلهة إلها واحدا- راحوا ينظرون فى النبي ذاته مع صرف النظر عن محتوى رسالته، بعد أن أظهروا بطلانها- بزعمهم- فرأوا أنه على فرض التسليم بصدق ما جاء به- أنه ليس أهلا لأن يتلقى من الله هذا الذكر، وفيهم من هو أكثر مالا وولدا.. فكيف تتخيره السماء دونهم؟ وأين عين السماء عن هؤلاء السادة منهم؟ وهذا ما يشير إليه قوله تعالى على لسانهم:«لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ» (31: الزخرف) .

وفى تقديم متعلق الفعل «عليه» على فاعله «الذكر» - إشارة إلى أن الإنكار للقرآن هنا، ليس منظورا إليه منهم، بقدر إنكارهم لاختيار الرسول لهذا الأمر، وترك ساداتهم ورجالاتهم.. ولهذا جاء قوله تعالى:«بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي» - إضرابا على إنكارهم لشخص الرسول فيهم.. فإن الأمر ليس أمر الرسول، وإنما هو أمر ما أرسل به، والذي كان أولى بالنظر فيه، وإلى مواقع الصدق منه، وإلى محامله من الهدى والخير.. إنّ ذلك هو الذي كان ينبغى النظر إليه والوقوف عنده، والتعرف عليه، ثم قبوله أو التوقف فيه..

ثم إذ كان لهم نظر فى حامل الرسالة بعد هذا، فليكن نظرا قائما من وراء النظر فيما يحمل إليهم.. ولكنهم قلبوا الأوضاع، فنظروا إلى الرسول بمعزل عن هذا الذي يحمله إليهم، فلم يروا فيه إلا واحدا منهم.. ثم إنهم إذ نظروا إليه فى هذا الوضع، لم ينظروا إلى القيم الإنسانية العالية التي يشتمل عليها كيانه، من مكارم الأخلاق، وصفاء الروح، وعظمة النفس، فكل هذا لا حساب له فى موازينهم التي يزنون بها الرجال، تلك الموازين التي لا يقام وزن الرجال

ص: 1051

فيها إلا بكثرة المال والأولاد! ومحمد- صلوات الله وسلامه عليه- إذا وزن بهذا الميزان المادي، لا يكاد يقام له وزن، ولو أنه كان فى ميزان الروح والنفس يرجح العالمين جميعا.!!

وإنهم ليسوا فى شك من الرسول وحسب، بل إنهم فى شك من الرسالة التي يحملها إليهم، وفى القرآن الكريم الذي يتلوه عليهم.. وإنهم كما نظروا إلى محمد ووزنوه بهذا الميزان الفاسد، نظروا إلى ذكر الله، ووزنوه بميزانهم المضطرب المختل، فقالوا عنه: هو شعر، وهو سحر، وهو أساطير الأولين..

إلى آخر تلك المقولات التي قالوها فى كلام الله..

وفى قوله تعالى: «بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي» - وفى إضافة الذكر إلى الله- إشارة إلى أن حكمهم على القرآن، وتكذيبهم له، ليس حكما، على محمد، ولا تكذيبا له، بل هو حكم على الله وتكذيب لله، فهذا القرآن قرآنه، وهذا الكلام كلامه.. وإذن. فإن حسابهم ليس بينهم وبين محمد، وإنما حسابهم بينهم وبين الله..

وفى قوله تعالى: «بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ» - إضراب على الحديث إليهم بمنطق الحق، وإنهاء لهذا الموقف معهم، إذ لا تجدى معهم حجة.. وإذن فليذوقوا العذاب الذي يسوقه الله إليهم، بعد أن رفضوا هذه الرحمة المهداة لهم..

وفى قوله تعالى: «لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ» تهديد لهم بالعذاب الذي لم يذوفوا طعمه بعد، وأنه آت لا ريب فيه..

قوله تعالى:

«أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ» .

ص: 1052

أي وإلى أن يقع العذاب المرسل إلى هؤلاء المشركين، فلينظروا فى هذه القضية، وليجيبوا منها على هذا السؤال: أعندهم خزائن رحمة الله، حتى يتصرفوا فى هذه الرحمة كما يشاءون، فيسوقوها إلى من شاءوا، ويصرفوها عمّن شاءوا؟ وإذا كانت رحمتنا قد شاءت لها إرادتنا أن تجىء إلى «محمد» وأن تجعله الرسول المصطفى لرسالة السماء من بينهم، فهل فى مقدورهم أن يتحكموا فى إرادتنا، وأن يصرفوا هذه الرحمة عنه، وأن يسوقوها إلى الرجل الذي يتخيرونه منهم؟ أليس ذلك مصادمة منهم لمشيئة الله، وتحديا لإرادته؟ «أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ؟ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ» (32: الزخرف) .. فهل هم يقسمون فيما بينهم رحمة الله فيما أفاء عليهم من نعم، فأغنى وأقنى، ومنح ومنع؟

وفى وصف الله سبحانه وتعالى «بالعزّة» .. إشارة إلى أن مشيئته لا تغلب، وأن إرادته لا تنازع «أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ» (54: الأعراف) ..

وفى وصفه سبحانه «بالوهاب» .. إشارة أخرى إلى أن هباته وعطاياه سبحانه- كثيرة لا تنفد، وأنه ليس لهم- وتلك هى هبات الله الشاملة، وعطاياه الغامرة- أن يحسدوا «محمدا» على ما أعطاه الله، فإن لهم من هذا العطاء شيئا كثيرا لو أرادوا أن ينالوا منه.. فهذا الخير الذي بين يديه، هو خير مسوق إليهم، وهذه الرحمة التي وضعها الله بين يديه، هى لهم، فليردوا مواردها، وليستقوا من ينابيعها، فإنها رحمة السماء إلى الناس جميعا..

قوله تعالى:

«أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما؟ فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ» .

أي ألهؤلاء المشركين ملك ما فى السموات والأرض، ليشاركوا الله فى

ص: 1053

تصريفه، ويكون لهم ما شاءوا من منح ومنع، وإحسان وحرمان؟ إن لم يكن لهم ذلك، أو شىء منه، فليقفوا عند حدّهم، وليأخذوا بالأسباب التي فى أيديهم.. تلك الأسباب، التي لو أحسنوا استخدامها لامتلأت أيديهم من فضل الله وإحسانه.. فما لهم إذن يتطلعون إلى السماء وأسبابها، ويعترضون على أحكامها ومقدّراتها، وبين أيديهم الأسباب القريبة التي ينالون بها الخير من قريب؟ .. وما بالهم لا يتخذون طريقهم إلى كتاب الله، وينظرون بعقولهم فى آياته وكلماته؟. إنهم لو فعلوا لأصابوا كلّ خير، ولظفروا بالسعادة فى الدنيا والآخرة.. ولكنهم فى ضلال يعمهون.. إنهم ينظرون إلى مقادير السماء، ولن يصلوا، وإنهم يعمون عما فى أيديهم فلم ينالوا شيئا.. وذلك هو الخسران المبين..

ويجوز أن يكون هذا تعجيزا لهم، وتحديا لهذا المدّعى الذي يدّعونه فيما تنطق به حالهم من تكبر واستعلاء، واعتراض على ما لله سبحانه وتعالى من تصريف فى ملكه، فيعطى ويحرم، ويغنى ويفقر.. فإن كان لهم مع سلطان الله سلطان، فليمدّوا أسبابهم إلى السماء، وليرتقوا إلى السماء، وليقوموا على سلطانها.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى:«قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ إِذاً لَابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا» (42: الإسراء) .

قوله تعالى:

«جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ» .

أي هم جند.. مبتدأ وخبر.. وقد أضرب عن ذكرهم، إهانة لهم، واستخفافا بهم.. وأنهم مغلوبون مهزومون فى الأرض بجند من جند الله، فكيف يكون لهم سلطان وغلب فى السماء؟

ص: 1054