المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الآيات: (36- 43) [سورة فصلت (41) : الآيات 36 الى 43] - التفسير القرآني للقرآن - جـ ١٢

[عبد الكريم يونس الخطيب]

فهرس الكتاب

- ‌الآيات: (28- 44) [سورة يس (36) : الآيات 28 الى 44]

- ‌الآيات: (45- 54) [سورة يس (36) : الآيات 45 الى 54]

- ‌الآيات: (55- 70) [سورة يس (36) : الآيات 55 الى 70]

- ‌الآيات: (71- 83) [سورة يس (36) : الآيات 71 الى 83]

- ‌37- سورة الصافّات

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 10) [سورة الصافات (37) : الآيات 1 الى 10]

- ‌الآيات: (11- 26) [سورة الصافات (37) : الآيات 11 الى 26]

- ‌الآيات: (27- 39) [سورة الصافات (37) : الآيات 27 الى 39]

- ‌الآيات: (40- 61) [سورة الصافات (37) : الآيات 40 الى 61]

- ‌الآيات: (62- 74) [سورة الصافات (37) : الآيات 62 الى 74]

- ‌الآيات: (75- 98) [سورة الصافات (37) : الآيات 75 الى 98]

- ‌الآيات: (99- 113) [سورة الصافات (37) : الآيات 99 الى 113]

- ‌الآيات: (114- 132) [سورة الصافات (37) : الآيات 114 الى 132]

- ‌الآيات: (133- 148) [سورة الصافات (37) : الآيات 133 الى 148]

- ‌الآيات: (149- 170) [سورة الصافات (37) : الآيات 149 الى 170]

- ‌الآيات: (171- 182) [سورة الصافات (37) : الآيات 171 الى 182]

- ‌38- سورة ص

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 11) [سورة ص (38) : الآيات 1 الى 11]

- ‌الآيات: (12- 20) [سورة ص (38) : الآيات 12 الى 20]

- ‌الآيات: (21- 26) [سورة ص (38) : الآيات 21 الى 26]

- ‌داود.. وما خطيئته

- ‌الآيات: (27- 29) [سورة ص (38) : الآيات 27 الى 29]

- ‌الآيات: (30- 40) [سورة ص (38) : الآيات 30 الى 40]

- ‌الآيات: (41- 44) [سورة ص (38) : الآيات 41 الى 44]

- ‌الآيات: (45- 54) [سورة ص (38) : الآيات 45 الى 54]

- ‌الآيات: (55- 64) [سورة ص (38) : الآيات 55 الى 64]

- ‌الآيات: (65- 88) [سورة ص (38) : الآيات 65 الى 88]

- ‌39- سورة الزّمر

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 7) [سورة الزمر (39) : الآيات 1 الى 7]

- ‌الآيات: (8- 18) [سورة الزمر (39) : الآيات 8 الى 18]

- ‌الآيات: (19- 26) [سورة الزمر (39) : الآيات 19 الى 26]

- ‌الآيات: (27- 31) [سورة الزمر (39) : الآيات 27 الى 31]

- ‌الآيات: (32- 40) [سورة الزمر (39) : الآيات 32 الى 40]

- ‌الآيات: (41- 46) [سورة الزمر (39) : الآيات 41 الى 46]

- ‌الآيات: (47- 54) [سورة الزمر (39) : الآيات 47 الى 52]

- ‌الآيات: (53- 61) [سورة الزمر (39) : الآيات 53 الى 61]

- ‌الآيات: (62- 66) [سورة الزمر (39) : الآيات 62 الى 67]

- ‌الآيات: (68- 75) [سورة الزمر (39) : الآيات 68 الى 75]

- ‌40- سورة غافر

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 6) [سورة غافر (40) : الآيات 1 الى 6]

- ‌الآيات: (7- 9) [سورة غافر (40) : الآيات 7 الى 9]

- ‌الآيات: (10- 12) [سورة غافر (40) : الآيات 10 الى 12]

- ‌الآيات: (13- 20) [سورة غافر (40) : الآيات 13 الى 20]

- ‌الآيات: (21- 27) [سورة غافر (40) : الآيات 21 الى 27]

- ‌الآيات: (28- 35) [سورة غافر (40) : الآيات 28 الى 35]

- ‌الآيات: (36- 46) [سورة غافر (40) : الآيات 36 الى 46]

- ‌الآيات: (47- 53) [سورة غافر (40) : الآيات 47 الى 52]

- ‌الآيات: (53- 59) [سورة غافر (40) : الآيات 53 الى 59]

- ‌الآيات: (60- 65) [سورة غافر (40) : الآيات 60 الى 65]

- ‌الآيات: (66- 68) [سورة غافر (40) : الآيات 66 الى 68]

- ‌الآيات: (69- 77) [سورة غافر (40) : الآيات 69 الى 77]

- ‌الآيات: (78- 84) [سورة غافر (40) : الآيات 78 الى 85]

- ‌41- سورة فصلت

- ‌مناسبتها لما قبلها

- ‌الآيات: (1- 8) [سورة فصلت (41) : الآيات 1 الى 8]

- ‌الآيات: (9- 12) [سورة فصلت (41) : الآيات 9 الى 12]

- ‌الآيات: (13- 18) [سورة فصلت (41) : الآيات 13 الى 18]

- ‌الآيات: (19- 24) [سورة فصلت (41) : الآيات 19 الى 24]

- ‌الآيات: (25- 29) [سورة فصلت (41) : الآيات 25 الى 29]

- ‌الآيات: (30- 35) [سورة فصلت (41) : الآيات 30 الى 35]

- ‌الآيات: (36- 43) [سورة فصلت (41) : الآيات 36 الى 43]

- ‌الآيات: (44- 46) [سورة فصلت (41) : الآيات 44 الى 46]

- ‌فهرس الموضوعات

الفصل: ‌الآيات: (36- 43) [سورة فصلت (41) : الآيات 36 الى 43]

‌الآيات: (36- 43)[سورة فصلت (41) : الآيات 36 الى 43]

وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (36) وَمِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (37) فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ (38) وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39) إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا أَفَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (40)

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ (41) لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42) ما يُقالُ لَكَ إِلَاّ ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقابٍ أَلِيمٍ (43)

التفسير:

قوله تعالى:

«وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» ..

النزغ: المسّ والنخس، ويراد به ما يكون من لمّة يدخل بها الشيطان على الإنسان ليعد به عن سواء السبيل..

ص: 1320

ومناسبة الآية لما قبلها أن الآية السابقة دعت إلى دفع السيئة بالحسنة، وإنه لن يقوم بالوفاء بهذه الدعوة إلّا من كان على درجة عالية من وثاقة الإيمان وقوة العزيمة.. وللشيطان هنا مداخل يدخل بها على من يجمع أمره على دفع السيئة بالحسنة، فيكون له نخسات ينخس بها فى صدر المؤمن، كى يخرج به عن هذا الموقف الكريم.. وهنا لا يكون للمؤمن- كى يردّ كيد الشيطان ويخزيه- إلا أن يستعين بالله منه.. فالاستعاذة بالله من الشيطان خزى للشيطان، ودحر له، إذ يرى المؤمن وقد دخل فى هذا الحمى الذي لا ينال، فيرتدّ مذموما مدحورا.

قوله تعالى:

«وَمِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ» .

هو معطوف على قوله تعالى: «إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» .. أي وإن من آيات الله السميع العليم، الليل والنهار والشمس والقمر..

فهذه العوالم، هى بعض الآيات التي تشهد بجلال الله، وقدرته، وأن المستعيذ بالله إنما يستعيذ بمالك الملك، ربّ الأرباب، فلا يصل إليه أذّى، ولا يناله مكروه..

و «من» هنا للتبعيض.. أي ومن بعض آيات الله الليل والنهار والشمس والقمر.. وهناك آيات كثيرة لا تحصى، وإنما خصت هذه الآيات بالذكر لأنها تجمع الناس جميعا تحت لوائها، وكل إنسان داخل تحت سلطانها طوعا أو كرها..

وقوله تعالى: «لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ» نهى عن عبادة هذين

ص: 1321

الكوكبين- الشمس والقمر- واختصاصهما بالذكر لأنهما أظهر الكواكب وأكثرها أثرا فى العالم الأرضى..

فهما بهذا السلطان، قد فتنا كثيرا من الناس، حتى لقد اتخذهما بعض الشعوب آلهة يعبدونها من دون الله، فى صور وأشكال شتّى من المراسم والطقوس.

وقوله تعالى: «وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ» أمر بعبادة الإله المستحق للعبادة، وهو الخالق، لا المخلوق.. فالشمس والقمر مما خلق الله، وعبادتهما ضلال..

وفى عود الضمير على الشمس والقمر جمعا للمؤنث العاقل فى قوله تعالى:

«الَّذِي خَلَقَهُنَّ» - فى هذا أكثر من إشارة:

فأولا: الإشارة ضمنا إلى النهى عن عبادة الليل والنهار، لأن النهى عن عبادة الشمس والقمر، يتضمن- من باب أولى- النهى عن عبادة الليل والنهار، إذ كان الليل والنهار من مواليد الشمس، فهذا أشبه بالمخلوقين التابعين لهما، فإذا وقع النهى على عبادتهما، شمل ذلك النهى عن عبادة توابعهما، ولهذا جاء الضمير جمعا:«الَّذِي خَلَقَهُنَّ» .

وثانيا: الإشارة إلى أن هذه المخلوقات الليل والنهار والشمس والقمر، وإن بدت جمادا صامتا فى نظر الإنسان، فإنها عند الله سبحانه وتعالى تسمع، وتبصر، وتعقل، وتتلقى أمر الله سبحانه وتستجيب له فى ولاء مطلق.. ولهذا جاء الضمير للعقلاء.

وثالثا: الإشارة إلى أن هذه العوالم من ليل ونهار، وشمس، وقمر، وإن بدت ذات سلطان قائم على الناس، إلا أنها إلى جانب قدرة الله مستسلمة

ص: 1322

لا تملك من أمرها شيئا.. ولهذا لبست ثوب الأنوثة، الذي يدل غالبا على الضعف، وخاصة عند الجاهلين.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى، فى موضع آخر:«أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ» (18: الزخرف) وقوله تعالى: «إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ» - إشارة إلى أن إخلاص العبادة لله وحده، هو الذي يعتبر عبادة مقبولة.. أما أن يعبد الله فى صورة هذه المخلوقات، أو أن تعبد معه هذه المخلوقات تقربا بها إليه، فهذا ليس من عبادة الله فى شىء.

قوله تعالى:

«فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ» أي إن استكبر هؤلاء المشركون عن عبادة الله، وأبوا أن يعطوا ولاءهم خالصا مطلقا له، فالله سبحانه وتعالى فى غنى عنهم، وإن استكبارهم هذا سيوقعهم تحت غضب الله، الذي لا يرجون له وقارا، ولا يخشون له بأسا.. وهذا ضلال مبين منهم، باستخفافهم بقدرة الله وبأس الله.. فالملائكة الذين هم أقرب خلق الله إليه سبحانه- وهم الملائكة المقربون- لم يكن لهم من هذا القرب ما يخليهم من خوف الله وخشيته لحظة واحدة، بل لقد كان خوفهم من الله وخشيتهم لله على قدر قربهم منه.. فكلما ازدادوا قربا من الله ازدادوا خوفا وخشية، لأنهم يرون من جلال الله، ويشهدون من عظمته وقدرته مالا يشهده غيرهم.. وإنه على قدر المعرفة والشهود، تكون الخشية ويكون الولاء، ولهذا فهم يسبحون الليل والنهار، فى صورة متصلة دائمة، «لا يسأمون» من هذا التسبيح، ولا يملّون، بل يزدادون مع دوام التسبيح نشاطا وقوة، لما يجدون من

ص: 1323

لذة ورضا بهذا الذكر المتصل الذي لا ينقطع به أنسهم وحبورهم فى مناجاة ربهم..

قوله تعالى:

«وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» هو معطوف على قوله تعالى: «وَمِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ» أي ومن آيات الله الدّالة على بسطة سلطانه، وكمال قدرته، ما تراه العين من هذه الحياة التي تلبس الأرض الميتة.. فبينما تقع العين على عالم فسيح من الأرض الجديب، والأصقاع الموات الهامدة، إذا هى- وقد أصابها الغيث، وجرى على وجهها الماء- حياة تموج فى أعصابها، ودماء تتدفق فى شرايينها، وإذا هى جنّات وزروع ونخيل وأعناب.

وقوله تعالى: «تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً» - إشارة إلى ضراعة الأرض، فى جدبها، ومواتها، وما تكون عليه من شحوب الفقر والمسغبة. إنها أشبه بالكائن الحىّ حين تنقطع عنه موارد حياته، فيضرع ويخشع، ويذل..!

وقوله تعالى: «فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ» - إشارة إلى تلك التفاعلات العجيبة، التي يحدثها التقاء الماء بالأرض الميتة.. فهذا الاهتزاز هو فرحة الحياة التي تسرى فى هذا الجسد الهامد، وهذا الرباء والنماء هو من فعل تلك الحرارة التي تملأ كيان هذا الجسد المنكمش المقرور..

وقوله تعالى: إِنَّ الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى.. إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» - هو تعقيب على هذه الحقيقة التي يشهدها الناس من أمر الأرض الميتة، وما يلبسها من حياة دافقة، وشباب ناضر.. وإن هذه المقدرة التي أحيت تلك الأرض الميتة، لا يعجزها أن تعيد الأجسام الميتة الهامدة إلى الحياة مرة أخرى.. فهذا

ص: 1324

من ذاك سواء بسواء: فالله سبحانه الذي «يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ» بقدرته..

«إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» .

قوله تعالى:

«إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا أَفَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ: اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ.. إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ» هو تهديد لأولئك الذين أشار إليهم سبحانه فى قوله تعالى: «وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ» .. وقد هدّدوا من قبل بعذاب الله، فى قوله سبحانه:«فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذاباً شَدِيداً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ» .. ثم ها هم أولاء يتهددهم عذاب الله مرة أخرى بعد أن تليت عليهم آيات الله، وفيها معارض كثيرة لقدرة الله سبحانه، وما تملك هذه القدرة من اقتدار على البعث الذي ينكرونه، ولا يعملون له حسابا..

«إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا» أي الذين يستخفون بها، ويسخرون منها ويتعابثون عند الاستماع إليها- هؤلاء:«لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا» بل إن علم الله سبحانه محيط بكل ما يسرون وما يعلنون، لا تخفى على الله منهم خافية.. ثم إنهم لمحاسبون، ومجزيون بأسوأ ما كانوا يعملون..

«أَفَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ» - أي أفهذا العذاب وهذا البلاء، الذي يلقاه هؤلاء المجرمون- خير، أم جنات الخلد التي وعد المتقون؟ لا يستويان أبدا؟

وفى النظم الذي جاء عليه القرآن هنا من الاختلاف بين المتعادلين، ما يجعل هذا النظم على إيجازه يتسع للكثير من المعاني، حيث يرى فى المعادل

ص: 1325

الأول، أن الذين يلقون فى النار لم يلقوا فيها إلا بعد أن قطعوا طريقا طويلا مضنيا إليها، تطلع عليهم فيه المخاوف من كل جانب.. على حين يرى فى المعادل الآخر، أن من يأتى آمنا يوم القيامة قد انتهى به هذا الأمن إلى أمن دائم، وهو الجنة التي طابت لأهلها مستقرا ومقاما:«لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ» (103: الأنبياء) .. «يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ» (12: الحديد) .

وقوله تعالى: «اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ.. إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ» - هو تهديد بعد تهديد لهؤلاء المشركين، الذين لا يريدون أن يتحولوا أبدا عن هذا الموقف الضال من آيات الله، ومن رسول الله.. فليعملوا ما شاءوا.. إن الله بما يعملون بصير.. وإنهم لمحاسبون على ما يعملون، ومجزيّون بأسوأ الذي كانوا يعملون.

قوله تعالى:

«إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ» الذكر: هو القرآن الكريم: وسمى ذكرا، لأنه يذكّر بالله، ويكشف طريق الهدى إليه.

وخبر «إن» محذوف، وفى حذفه إشارة إلى أن يفسح المكان لكل وارد من واردات العذاب، والبلاء، ولكل صورة من صور الانتقام والنكال فيمكن أن يقال:«إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ» سيحشرون على وجوههم إلى جهنم.. لهم مقامع من حديد كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها وذوقوا عذاب الحريق- ويمكن أن يقال هنا، كلّ ما جاء فى القرآن من صور العذاب والنكال لأهل الكفر، والإلحاد..

ص: 1326

وقوله تعالى: «وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ» جملة حالية، تكشف عن هذا القرآن الذي يكفر به الكافرون، ويلحدون فى آياته.. أي أنهم يكفرون بهذا القرآن مع أنه كتاب عزيز، أي منيع:«لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ» وكيف يلم به الباطل من أية جهة، وهو «تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ» ؟ فالحكيم لا يدخل على عمل من أعماله دخل أو فساد، فكيف بأحكم الحاكمين رب العالمين؟ والحميد المستحق لأن يحمد ويمجد، لا يكون حمده وتمجيده إلا لما هو قائم على الحكمة والسداد.. فكيف بمن هو المحمود وحده، حمدا مطلقا فى السراء والضراء؟

قوله تعالى:

«ما يُقالُ لَكَ إِلَّا ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ.. إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقابٍ أَلِيمٍ» أي أنك أيها النبي لست بدعا من الرسل، وإنما أنت رسول الله إلى عباد الله، تحمل دعوة الحق إليهم، أن يؤمنوا بالله وحده، وألا يشركوا به شيئا..

فهذا هو مجمل رسالة رسل الله جميعا، وهو مجمل رسالتك، وعنوانها، وصميمها.. فالقول هنا بمعنى الوحى: أي ما يوحى إليك إلا ما أوحى إلى الرسل من قبلك، كما يقول الله سبحانه:«إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً (163- 164: النساء) ويجوز أن يكون معنى قوله تعالى: «ما يُقالُ لَكَ إِلَّا ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ» أي ما يقال ذلك من هؤلاء المشركين من قومك، من تكذيب لك

ص: 1327