الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
الآيات: (1- 6)[سورة غافر (40) : الآيات 1 الى 6]
بسم الله الرحمن الرحيم
حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (2) غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلهَ إِلَاّ هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3) ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللَّهِ إِلَاّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ (4)
كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ (5) وَكَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحابُ النَّارِ (6)
التفسير:
قوله تعالى: «حم» هذه أول سورة من سور الحواميم السّبع، وقد عدّها بعضهم ثمانى سور، وجعل الزّمر واحدة منهن، مع أنها لم تبدأ بالحاء والميم كما بدئن، وإنما بدئت بذكر الكتاب، والقرآن، كما بدئن، فكان ذلك قرينة على أنها واحدة منهن.
وأيّا كان، فإن هذا البدء بالحاء والميم لسبغ سور من القرآن، يجعل منهن وحدة واحدة، فى أسلوب النظم، وفى مضمونه.
وتسمى مجموعة هذه السور: «آل حم» أو «الحواميم» ويروى عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه أنه قال: «آل حم ديباج القرآن» وقال ابن عباس: «إن لكل شىء لبابا ولباب القرآن آل حم..» ويروى عن ابن مسعود
أيضا: «إذا وقعت فى آل حم فقد وقعت فى روضات أتانّق فيهن» .
قوله تعالى:
«تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ» أي منزّل الكتاب، ومصدره، هو من الله العزيز العليم.. وكتاب يكون إلى الله نسبته، هو ما هو فى رفعة الشأن، وعلوّ المقام.. إنه كلام الله، وكلام الله صفة من صفاته..
وفى وصف الله بالعزة والعلم، إشارة إلى بسطة سلطانه على الوجود، وتمكّنه من كل موجود، مع إحاطة علمه بكل شىء، فيعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور.
وفى الجمع بين العزة والعلم هنا، والجمع بين العزة والحكمة فى سورة الزمر- مراعاة للمقام هنا، وهناك..
ففى سورة «الزمر» ناسبت الحكمة دعوة النبي إلى التمسك بهذا الكتاب الحكيم، والاهتداء بهديه، وعبادة الله على ضوئه..
وهنا، ناسب العلم دعوة الناس إلى التوبة، والإقبال على الله بنية خالصة..
لأن الله يعلم ما تكن السرائر، وما تخفى الصدور..
قوله تعالى:
«غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ» هو عرض لبعض صفات الله سبحانه وتعالى، إلى ما عرض فى الآية السابقة.. فمن صفاته سبحانه أنه «غافر الذنب» يغفر للمذنبين، الذين يدرءون بالحسنة، ذبوبهم، كما يقول سبحانه:«إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ» (114: هود)
ومن صفاته سبحانه، أنه «قابل التوب» أي يقبل التائبين، ويتجاوز لهم عما كان منهم..
ومن صفاته سبحانه: أنه «شديد العقاب» .. أي أن عذابه للعاصين، والضالين، شديد، يلقى منه المعذبون الوبال والنكال..
فمع سعة رحمة الله، ومع سوابغ فضله وإحسانه، فإن عقابه شديد راصد..
فالرحمة والفضل والإحسان للمحسنين، والعذاب والنكال للضالين المكذبين..
وبهذا يعتدل ميزان العدل بين الناس.. فلا يسوى بين الأخيار والأشرار، بل ينزل كل من هؤلاء وهؤلاء منزله:«أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ؟ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ» (28: ص) ومن صفاته سبحانه، أنه «ذو الطول» أي البأس والعزة والغلبة، فلا يفوته- سبحانه- مطلوب، ولا يدفع بأسه دافع.
ومن صفاته سبحانه: تفرده بالألوهة.. «لا إله إلا هو» لا إله غيره، ولا ربّ سواه..
ومن صفاته سبحانه: أن مصير كل شىء إليه.. منه البدء، وإليه المنتهى..
قوله تعالى:
«ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ» هذا الكتاب الذي نزل من الله العزيز العليم. هو نور من نور الله، وعلم من علم الله، وسلطان من سلطان الله، بحجته الساطعة، وآياته البينة- هذا الكتاب ما يجادل فيه أحد، إلا الذين كفروا.. فهم لظلام بصائرهم، وضلال عقولهم، ومرض قلوبهم، قد استغلق عليهم هذا الكتاب، فلم يهتدوا إلى ما من فيه
حق، فجعلوا يلقونه بالجدل، سخرية واستهزاء، لا طلبا لعلم، ولا التماسا لمعرفة.
وقوله تعالى: «فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ» - هو إحقار لشأن هؤلاء الكافرين المعاندين، ولما بين أيديهم من مال وسلطان.. والمراد بالذين كفروا هنا، المشركون.. وتقلبهم فى البلاد، هو تنقلهم فى تجاراتهم، إذ كانوا أصحاب تجارات، مع أهل الشام شمالا، ومع اليمن جنوبا.. فى رحلتى الشتاء والصيف..
قوله تعالى:
«كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ» هو تهديد لهؤلاء المشركين بعذاب الله، الذي يقع بالضالين المكذبين.. فهم ليسوا أول من كذب بالله، فقد كذبت من قبلهم أقوام بعد أقوام.. كذبت قبلهم قوم نوح، وكذلك كذب الأحزاب من بعد قوم نوح.. «وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ» أي أرادت كل أمة من هذه الأمم الضالة، أن تلحق الأذى برسولها، أو أن تفتك به.. «وَجادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ» أي وأقبلوا بالباطل الذي معهم ليبطلوا به الحق الذي بين يدى النبي، ويقيموا لهذا الباطل حججا من السفه والضلال..فماذا كان مصيرهم؟ لقد أخذهم الله أخذ عزيز مقتدر: كما يقول سبحانه: «فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ، وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا وَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ»
(40: العنكبوت) وقوله تعالى: «فَكَيْفَ كانَ عِقابِ؟» استفهام يراد به التقرير، والإلفات إلى هذا العذاب الشديد..
والأحزاب، هم جماعات الضالين المكذبين بالرسل، على اختلاف أزمانهم