الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآيات: (13- 20)[سورة غافر (40) : الآيات 13 الى 20]
هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً وَما يَتَذَكَّرُ إِلَاّ مَنْ يُنِيبُ (13) فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (14) رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ (15) يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ لا يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ (16) الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (17)
وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ (18) يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ (19) وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (20)
التفسير:
قوله تعالى:
هو لقاء مع الناس، بهذا العرض الكاشف لقدرة الله، وتفرّده بالخلق والأمر، بعد أن شهدوا صورا من مشاهد القيامة، وما يلقى المؤمنون من إحسان ورضوان، وما يلقى الكافرون من خزى وعذاب.. فمن كان من المؤمنين ازداد بهذا اللقاء إيمانا، وتمسكا بما هو فيه، من طاعة وهدى، ومن كان من أهل الكفر والضلال، فليطلب لنفسه النجاة والسلامة، وليعد إلى الله من
قريب.. فهذه هى الفرصة التي كان يتمناها أهل النار، ولا يجدون سبيلا إليها.
وقوله تعالى: «هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ» - إشارة إلى هذه الآيات التي كشفت عن أحوال الناس، وبينت لهم ما هم فيه من استقامة وعوج، فيعرف كلّ ما يأخذ وما يدع، مما هو خير له، وأصلح لشأنه..
وقوله تعالى: «وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً» إشارة إلى ما يسوق الله سبحانه وتعالى إلى العباد من رزق، وأن خير هذا الرزق وأعظمه هو هذا الكتاب الكريم، الذي بين يدى هذا النبي الكريم..
وقوله تعالى: «وَما يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ» أي لا ينتفع بهذا الرزق، ولا يحصّل منه ثمرا طيبا إلا من يرجع إلى هذا الكتاب، ويعرض نفسه عليه، فيكون له فيه نظر واعتبار..
قوله تعالى:
«فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ» .
هو دعوة إلى المؤمنين أن يمضوا فى طريقهم الذي استقاموا فيه على عبادة الله، وعلى إخلاص العبودية له وحده، دون أن يلتفتوا إلى موقف هؤلاء الكافرين وإلى كراهيتهم لهذا الطريق أن يسلكه المؤمنون.
قوله تعالى:
«رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ» - خبر لمبتدأ محذوف، تقديره هو، الله سبحانه وتعالى.. أي أن الله سبحانه وتعالى هو الكبير المتعال، ذو العرش والسلطان، المتفرد بهذا المقام العالي، والسلطان العظيم، لا يشاركه أحد، ولا ينازعه سلطان..
«يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ» الروح، هو القرآن الكريم، وإلقاؤه: نزوله.. أي أن الله سبحانه هو الذي ينزل هذا القرآن
وحيا منه بأمره، على من يشاء من عباده، والمراد هنا، هو رسول الله، صلوات الله وسلامه عليه..
وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: «وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا» (52: الشورى) .
وقوله تعالى: «لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ» أي لينذر الرسول الناس، «يَوْمَ التَّلاقِ» ، وهو يوم القيامة، الذي يكون فيه لقاء الله، للحساب والجزاء.
قوله تعالى:
هو بيان ليوم التلاق، وهو يوم القيامة يوم هم بارزون» أي ظاهرون، ظاهرا وباطنا، قد انكشفت سرائرهم، وظهر مستورهم:«لا يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ» .. كما يقول سبحانه: «يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ» (18: الحاقة) .
والمراد ببروز الناس، وظهور حفاياهم فى هذا اليوم، هو ما يشهدون بأنفسهم مما انطوت عليه سرائرهم، وما أخفاه بعضهم عن بعض.. ففى هذا اليوم ينكشف كل مستور منهم، لهم، ولغيرهم، كما يقول سبحانه:«يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ» (9: الطارق) .
أما علم الله سبحانه وتعالى، فهو علم كامل شامل، لا يحدّه زمان ولا مكان..
وقوله تعالى: «لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ؟» هو سؤال بلسان الحال، حيث يظهر سلطان الله عيانا لأهل الحشر، مؤمنهم وكافرهم.
وقوله تعالى: «لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ» - هو جواب بلسان الحال أيضا..
حيث لا جواب غيره..
وفى وصف الله سبحانه وتعالى بالوحدانية والقهر- إشارة إلى هاتين الصفتين اللتين يتجلى بهما الله سبحانه وتعالى فى هذا الموقف، حيث يتصاغر كل سلطان ويخفت كل صوت، ويذلّ كل جبار.، كما يقول سبحانه:«وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً» (111: طه) .
قوله تعالى:
«الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ.. إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ» ..
ومع تفرد الله سبحانه وتعالى فى هذا اليوم بالوحدانية المطلقة، والسلطان القاهر، فإنه سبحانه، لا يسلط سلطانه وقهره وجبروته على أحد من خلقه، بل إن عدله ليقوم إلى جانب قهره وجبروته، فلا يظلم أحدا، «لا ظلم اليوم» .. بل إن كل نفس بما كسبت رهينة.. «إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ» .. لا يشغله شأن عن شأن، ولا يعوقه حساب أحد عن أحد، حتى يتصور أن يقع ظلم، أو خطأ فى حساب هذا الجمع العظيم من المحاسبين.: وهذا- والله أعلم- هو السر فى ذكر هذا القيد الوارد على نفى الظلم «لا ظلم اليوم» .. حيث هذه الحشود الكثيرة التي تحاسب فى هذا اليوم.. فإنه مع هذه الحشود من الأمم فى هذا اليوم، فإنها تحاسب حسابا سريعا، بلا معوّق.. إذ كان الله سبحانه وتعالى يعلم بعلمه كل شىء.. قبل الحساب، وأثناء الحساب، وبعد الحساب.
قوله تعالى:
هو خطاب للنبى الكريم بإنذار قومه، بما أوحى إليه عن يوم التلاق، وهو يوم الآزفة.. أي يوم الساعة الآزفة، أي القريبة.
وقوله تعالى: «إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ» .
«إذ» ، ظرف.. بدل من يوم الآزفة.. والحناجر: جمع حنجرة، وهى الغلصمة فى أعلى الزور، والكاظم: المأخوذ من كظمه، أي من مخنقه.. يقال كظم القربة أي ربط فمها، ومنه كظم الغيظ: أي حبسه فى الصدر.
والمعنى: وأنذر الناس- أيها النبي- وحذرهم يوم القيامة وقد أزف، وهو يوم عظيم، تختنق فيه الأنفاس، وتضيق الصدور، وتجف القلوب وتضطرب، حتى لتبلغ القلوب الحناجر فى خفقها واضطرابها..
وقوله «كاظمين» حال من أصحاب القلوب.
وقوله تعالى: «ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ» .. أي ليس للظالمين فى هذا اليوم العظيم، من صاحب أو صديق يعين، أو من شفيع تقبل شفاعته فيهم..
قوله تعالى:
خائنة الأعين: أي نظرة العين تكون عن خلسة، لا يراها الناس، ولا يعلم بها المنظور إليه.
وقوله تعالى: «يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ» هو تعليل لما فى الآية السابقة من وعيد للظالمين الذين أنذروا بيوم القيامة، وما فيه من أهوال، وأن الذي سيحاسبهم هناك هو الله سبحانه، الذي يعلم ما يبدون وما يكتمون، لا تخفى عليهم منهم خافية، ولا يردّ عنهم بأسه أحد، ولا تقبل فيهم عنده شفاعة من أحد..
وقوله تعالى: «وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ» أي أنه سبحانه- مع بأسه، وسلطانه