الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يخلق الأحياء، ويمسك عليهم الحياة «ويميت» أي يميت الأحياء، التي ألبسها ثوب الحياة..
وعمليات الإحياء والإماتة، ليست بالأمر الذي يتكلف له الله- سبحانه- جهدا، أو يبذل فيه عملا.. إذ أن كل شىء فى هذا الوجود خاضع لسلطانه، مستجيب لقدرته. منفذ لمشيئته، من غير تأبّ أو انحراف.. «فَإِذا قَضى أَمْراً.. فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ» أي أنه سبحانه إذا شاء أمرا، كان هذا الأمر، وجاء كما شاءت مشيئته..
«إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً» (93: مريم)
الآيات: (69- 77)[سورة غافر (40) : الآيات 69 الى 77]
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ (69) الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتابِ وَبِما أَرْسَلْنا بِهِ رُسُلَنا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (70) إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ (71) فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ (72) ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ (73)
مِنْ دُونِ اللَّهِ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكافِرِينَ (74) ذلِكُمْ بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ (75) ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (76) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ (77)
التفسير:
قوله تعالى:
«أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ» ..
بعد هذا الاستعراض الرائع لقدرة الله، وآثاره فى خلقه، لا يزال هناك كثير من أهل الضلال، يقفون من هذه الآيات موقف العناد والتكذيب..
فإلى أين يصرفون عن هذا الحق الذي بين أيديهم؟ وماذا بعد الحق إلا الضلال؟ ..
وفى تعدية الفعل «يجادلون» بحرف الجر «فى» إشارة إلى أنهم يجادلون بغير علم، لجاجة وسفها وتطاولا.. ولهذا ضمن الفعل معنى الخوض.
قوله تعالى:
«الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتابِ وَبِما أَرْسَلْنا بِهِ رُسُلَنا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ» .
هو بيان يكشف عن الذين يجادلون فى آيات الله.. إنهم هم هؤلاء الذين كذبوا بهذا الكتاب، أي القرآن الكريم، وهم هؤلاء الذين كذبوا من قبلهم بما أرسل الله به الرسل من آيات ومعجزات.. فهؤلاء الذين يجادلون فى القرآن الكريم، هم وأولئك الذين سبقوهم من المكذبين، الذين جادلوا فى آيات الله التي جاءهم بها رسل الله- هؤلاء وأولئك جميعا سوف يعلمون ما ينتظرهم من بأس الله وعذابه، وسوف يرون ما أنذرهم به رسلهم من عذاب، فلم تغنهم النذر!.
قوله تعالى:
«إذ» ظرف متعلق بقوله تعالى: «فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ» أي فسوف يعلمون الحق الذي أنكروه، حين يساقون إلى جهنم يسحبون على وجوههم، والأغلال فى أعناقهم، والسلاسل فى أيديهم وأرجلهم..
وقوله تعالى: «فِي الْحَمِيمِ» متعلق بقوله تعالى: «يُسْحَبُونَ» أي يسحبون بالأغلال التي فى أعناقهم، فى الحميم.. والحميم هو ما يغلى من السوائل..
وقوله تعالى: «ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ» أي يربطون على النار، لتشوى عليها أجسامهم، بعد أن غرقت فى هذا الحميم..
قوله تعالى:
فى قوله تعالى: «قِيلَ لَهُمْ» بدلا من: يقال لهم، حيث نسق النظم الذي جاء معلّقا الأمر بالمستقبل، فى الأفعال «فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ» .. «ويُسْحَبُونَ» «ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ» - فى هذا حكاية لما يقال لأصحاب النار يومئذ، وكأنه قيل بالفعل، وذلك لتقرير وقوعه وتوكيده، ثم ليسمع هؤلاء المشركون ما قيل لمن سبقوهم من أهل الضلال، فهذا خبر من أخبارهم، وأنهم إنما يسألون عن معبوداتهم الذين عبدوهم من دون الله، فيلتفتون فلا يجدون لهم ظلّا.. فيقولون: لقد ضلوا عنا، أي تاهوا فى هذا المزدحم.. ثم إذ يتبين
لهم أن ما كانوا يدعونه من دون الله، باطل، وضلال، يقولون:«لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئاً» أي شيئا يعتدّ به، ويستند عليه.. تلك هى حال المشركين الذين سبقوا هؤلاء المكذبين من قريش، وهذا ما سئلوا عنه، وذلك هو جوابهم.. فماذا يكون جواب هؤلاء المكذبين المشركين من قريش حين يسألون هذا السؤال؟ أيجدون ما يقولون غير هذا القول؟
وهل يرون لمعبوداتهم وجها يوم الحساب؟ وإذا رأوا لهم وجها فهل يغنون عنهم من عذاب الله من شىء؟.
وقوله تعالى: «كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكافِرِينَ» أي كما أضل الله المكذبين برسل الله، كذلك يضل الله هؤلاء المشركين الذين يكذبون رسول الله..
لأنهم جميعا ظالمون كافرون، إذ خرجوا عن سنن العدل والإنصاف بإنكارهم الصبح المبين، وتكذيبهم الحق الواضح..
قوله تعالى:
«ذلِكُمْ بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ» ..
أي ذلكم الذي أنتم فيه من بلاء وعذاب فى الآخرة، هو بسبب ما كنتم عليه فى الدنيا، من غرور، بما ملكتم فيها، وزهو وعجب بما بين أيديكم من زخرفها ومتاعها، فصرفكم ذلك عن أن تنظروا إلى ما وراء يومكم الذي أنتم فيه، فقطعتم حياتكم فى فرح ومرح، ولهو وعبث..
وفى قوله تعالى: «بِغَيْرِ الْحَقِّ» إشارة إلى أن الفرح المذموم، هو الفرح الذي ينبع من استرضاء عواطف خسيسة، وإشباع شهوات بهيمية، كما يقول الله تعالى: «فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا
بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ»
(81: التوبة) ..
أما الفرح الذي يقع فى نفس الإنسان، ويهزّ مشاعره، من انتصار حق، أو استعلاء على شهوة، فهو فرح محمود، بل ومطلوب، كما يقول الله تعالى:
«وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ» (4- 5: الروم) .
والمرح: الفرح الشديد، الذي يصحبه عبث ولهو..
قوله تعالى:
«ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ» - هو دعوة إلى أهل الكفر والضلال، أن ينزلوا منازلهم التي أعدت لهم فى الآخرة.. فلكل جماعة بابها الذي تدخل منه إلى منزلها المعدّ لها فى جهنم، كما يقول الله سبحانه:«لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ» (44: الحجر) ودخول الأبواب- كما قلنا من قبل- هو دخول فى جهنم ذاتها، إذ كانت تلك الأبواب قطعة من جهنم، مطبقة على أهلها..
قوله تعالى:
هو دعوة إلى النبي الكريم بالصبر على ما يلقى من عنت قومه، وتكذيبهم له، والتربص لدعوته، وللمؤمنين بها.. وفى الدعوة إلى الصبر، مع كل موقف، وفى أعقاب كل مواجهة بين النبي وقومه- فى هذا ما يشير إلى ما كان يلقى النبىّ من أذى وما يحتمل من ضرّ، وأنه ليس له إلا أن يصبر