الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صورة سليمان، وجلس على كرسىّ المملكة، واتصل بنسائه، وسليمان ينادى فى الناس معلنا أنه سليمان، فلا يصدّقه أحد، حتى زوجاته.. وقد ظل سليمان هكذا زمنا لا يجد مكانا يؤويه، أو لقمة عيش يتبلغ بها، وهو دائب التوبة والاستغفار؟؟؟ قالوا، وكان الشيطان قد خاف أن يقبل الله توبة سليمان، وأن يعيد إليه الملك، فأمسك بالخاتم ورمى به فى البحر..
قالوا، ولما قبل الله توبة سليمان، وأراد ردّ ملكه إليه، دفع به إلى شاطىء البحر، فاصطاد سمكة فلما شقّ بطنها وجد خاتمه.. فلبسه، وعاد إلى ما كان عليه..!!
ثم تمضى القصة فتقول: إن سليمان أخذ هذا الشيطان فحبسه فى قمقم، ثم ختم عليه بالرصاص وألقاه فى البحر.. فهو فى هذا القمقم إلى يوم الدين!.
وهذه القصة أيضا أكثر من سابقتها سخافة وسذاجة، وتناقضا، وفسادا، فى كل حدث من أحداثها..
وهكذا تمضى الروايات حول تأويل هذا الجسد الذي ألقى على كرسى سليمان، وكلها من هذا العالم الخرافى، الذي لا مكان فيه للعقل، أو المنطق، إذ كل ما ينبت، فى هذا العالم هو أطياف وأشباح، يموج بعضها فى بعض، ويضرب بعضها وجه بعض!!.
الآيات: (41- 44)[سورة ص (38) : الآيات 41 الى 44]
وَاذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ (41) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ (42) وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (43) وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44)
التفسير:
قوله تعالى:
«وَاذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ» ..
هو دعوة أخرى إلى النبي الكريم من الله سبحانه وتعالى، أن يذكر هذا الذي بذكره له ربّه من أمر عبد من عباده الصالحين، ونبى من أنبيائه المقربين، هو أيوب عليه السلام..
والذي يدعى النبي- عليه الصلاة والسلام إلى تذكره، والوقوف على موضع العبرة والعظة منه، من أمر أيوب- عليه السلام هو ضراعته لربه، ولجوؤه إليه، فيما مسه من ضرّ..
وأيوب- عليه السلام إنما يقف على حدود هذا الأدب النبوي الرفيع، حين يرفع إلى الله- سبحانه- شكواه مما به، ولا يسأل العافية، وكشف الضر..
فذلك إلى الله سبحانه وتعالى، حسب مشيئته وإرادته فى عبده.. فقد يكون هذا البلاء خيرا له من العافية.. وإنه كبشر، يشكو إلى ربه ما يجد من آلام، ويفوض الأمر إليه سبحانه فيما يريد به.. ولو أنه استطاع ألا يشكو لفعل، فالله سبحانه وتعالى أعلم بحاله، ولكنها، أنّات موجوع، وزفرات محموم! «أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ» .. والنّصب، كالنّصب، وهو الرهق والتعب، والعذاب: الألم الناجم عن هذا التعب.
وفى إسناد المسّ إلى الشيطان، إشارة إلى أن هذا الّذى نزل بأيوب، هو من الأسباب المباشرة، التي تجىء من النفس الأمارة بالسوء، ومثل هذا ما كان من موسى عليه السلام، حين قتل المصري فقال:«هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ» .
قوله تعالى:
«ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ» .
وهذا جواب الحق سبحانه وتعالى على ما سأله أيوب، ولم يفصل بين السؤال والجواب فاصل، للإشارة إلى أن الإجابة كانت متصلة بالسؤال والطلب، من غير تراخ.. فما هو إلا أن سأل، حتى وجد ما طلب حاضرا..
وهذا يشير إلى أن أيوب صبر زمنا طويلا لا يشكو، فلما شكا، أزال الله سبحانه شكاته..
والركض: الجري، والمراد به الضرب بالرجل على الأرض بقوّة، حيث أن الرّجل تخدّ الأرض وتضربها أثناء الجري..
وقد ضرب أيوب برجله الأرض، كما أمره ربّه، فتفجر نبع من الماء! وماذا يعمل أيوب بهذا الماء؟ هكذا وقف عليه متسائلا.. فكشف له ربّه عمّا وراء هذا الماء، فقال له:«هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ» .. إنه ماء عذب، بارد سائغ للشاربين.. فاغتسل به، واشرب منه.
قوله تعالى:
«وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ» .
أي وهبنا له أهله، الذين كانوا قد نفروا منه، وتخلّوا عنه أثناء محنته، فلما لبس ثوب العافية، وخرج من ضباب المحة، عاد إليه أهله، وعاد إليه الغرباء، فكانوا له مثل أهله، تقرّبا إليه، وتودّدا له، إذ أفاض الله سبحانه
وتعالى عليه من الخير، ما جعل العيون تتطلع إليه، والآمال تتجه نحوه..
وهكذا الناس.
والناس من يلق خيرا قائلون له
…
ما يشتهى ولأمّ المخطئ الهبل
وفى التعبير بالهبة عن عودة أهله وغير أهله إليه فى قوله تعالى: «وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ» - فى هذا التعبير إشارة إلى أن هذا التحول فى حال «أيوب» من تلك العزلة الموحشة بينه وبين أهله وغير أهله، إلى إقبال القريب والبعيد عليه، وتوددهم له- إنما كان هبة من هبات الله له، ورحمة من رحماته، على هذا العبد الذي ابتلى هذا الابتلاء العظيم، فصبر راضيا بأمر الله سبحانه وتعالى فيه.. والله سبحانه وتعالى يقول:«إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ» (10: الزمر) .. وفى ذلك ذكرى وموعظة لأولى الألباب، الذين يأخذون العبر من الأحداث التي تمر بهم، أو بالناس من حولهم.
قوله تعالى:
الضّغث: الخليط من كل شىء.. والمراد به هنا، مجموعة من العيدان الدقيقة، من حطب أو غيره.. والحنث: الذنب المؤثم، واليمين الغموس.
والآية معطوفة على قوله تعالى: «وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ» الذي هو اعتراض بين الآيتين اللتين يحملان خطابا من الله سبحانه وتعالى إلى «أيوب» .. فالأمر الموجّه من الله سبحانه وتعالى إلى «أيوب» هو: «ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ
…
وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ» .. وقد جاء قوله تعالى: «وَوَهَبْنا