الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يُصَالِحَ عَنْ حَدِّ الْقَذْفِ بِمَالٍ لَمْ يَجُزْ، وَإِذَا لَمْ يُحَدَّ الْقَاذِفُ حَتَّى زَنَا الْمَقْذُوفُ لَمْ يَسْقُطْ حَدُّ الْقَذْفِ، وَلَوْ قَالَ يَا عَاهِرُ كَانَ كِنَايَةً عِنْدَ بَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَصَرِيحًا عِنْدَ آخَرِينَ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ» .
وَجَعَلَ مَالِكٌ التَّعَرُّضَ فِيهِ كَالتَّصْرِيحِ فِي وُجُوبِ الْحَدِّ، وَلَا حَدَّ فِي التَّعْرِيضِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى يُقِرَّ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْقَذْفَ، وَإِذَا قَذَفَ الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ بِالزِّنَا حُدَّ إلَّا أَنْ يُلَاعِنَ مِنْهَا.
[فَصَلِّ وَطِئَ امْرَأَة فِي نِكَاح مُخْتَلِف فِي إبَاحَته]
(فَصْلٌ) وَمَنْ وَطِئَ امْرَأَةً فِي نِكَاحٍ مُخْتَلَفٍ فِي إبَاحَتِهِ كَنِكَاحٍ بِلَا وَلِيٍّ، وَلَا شُهُودٍ لَمْ يُحَدَّ وَقِيلَ إنْ كَانَ يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَهُ حُدَّ، وَنِكَاحُ الْمُتْعَةِ رُبَّمَا يُؤَوَّلُ إلَى الزِّنَا وَجَبَ عَلَيْهِ التَّعْزِيرُ. وَأَمَّا إذَا وُجِدَ رَجُلٌ مَعَ امْرَأَةٍ فِي فِرَاشٍ وَاحِدٍ وَهُوَ يُقَبِّلُهَا وَيُعَانِقُهَا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ التَّعْزِيرُ، وَإِنْ وَطِئَ امْرَأَةً أَجْنَبِيَّةً فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ عُزِّرَ؛ لِأَنَّهَا مَعْصِيَةٌ لَا حَدَّ فِيهَا، وَلَا كَفَّارَةَ، وَإِنْ اسْتَمْنَى بِيَدِهِ عُزِّرَ؛ لِأَنَّهَا مُبَاشَرَةٌ مُحَرَّمَةٌ مِنْ غَيْرِ إيلَاجٍ، وَإِنْ أَتَتْ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ عُزِّرَتَا قِيَاسًا عَلَى الْمُبَاشَرَةِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ.
وَإِنْ وَطِئَ جَارِيَةً مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ أَوْ جَارِيَةَ ابْنِهِ عُزِّرَ، وَلَا يُحَدُّ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ، وَإِنْ وَطِئَ أُخْتَهُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ فَفِيهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا يُحَدُّ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْيَمِينِ لَمْ يُبِحْ وَطْأَهَا فَلَمْ يَسْقُطْ الْحَدُّ.
وَالثَّانِي: يُعَزَّرُ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَإِنْ وَطِئَ امْرَأَةً وَهِيَ حَائِضٌ عُزِّرَ، وَلَا حَدَّ لِلشُّبْهَةِ وَكَذَا إنْ وَطِئَهَا فِي الْمَكَانِ الْمَكْرُوهِ عُزِّرَ، وَلَا يُحَدُّ قَوْلًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّهَا مَحَلُّ الشَّهْوَةِ.
[فَصَلِّ فِي التعازير]
وَالتَّعْزِيرُ اسْمٌ يَخْتَصُّ بِفِعْلِهِ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ فِي غَيْرِ الْحُدُودِ وَالتَّأْدِيبِ وَالدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِ التَّعْزِيرِ مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم -
قَالَ «لَا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ، وَلَا كَثْرَ حَتَّى يَأْوِيَهُ الْجَرِينُ فَإِذَا أَوَاهُ الْجَرِينُ وَبَلَغَ ثَمَنُهُ ثَمَنَ الْمِجَنِّ فَفِيهِ الْقَطْعُ، وَإِنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَفِيهِ غُرْمُ مِثْلِهِ وَجَلَدَاتٌ نَكَالًا» ، فَأَمَّا ضَرْبُ الزَّوْجِ زَوْجَتَهُ وَالْمُعَلِّمُ الصَّبِيَّ فَذَاكَ يُسَمَّى تَأْدِيبًا.
وَأَصْلُهُ الْعَزْرُ وَهُوَ الْمَنْعُ وَالزَّجْرُ يُقَالُ عَزَرَهُ إذَا رَفَعَهُ وَهُوَ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَضْدَادِ، وَمِنْهُ سُمِّيَ النَّصْرُ تَعْزِيرًا؛ لِأَنَّهُ يَدْفَعُ الْعَدُوَّ وَيَمْنَعُهُ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى -:{وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ} [الفتح: 9] فَكُلُّ مَنْ أَتَى مَعْصِيَةً لَا حَدَّ فِيهَا، وَلَا كَفَّارَةَ كَالْمُبَاشَرَةِ الْمُحَرَّمَةِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ وَالسَّرِقَةِ فِيمَا دُونَ النِّصَابِ وَالْقَذْفِ بِغَيْرِ الزِّنَا وَالْخِيَانَةِ بِمَا لَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ وَالشَّهَادَةِ بِالزُّورِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْمَعَاصِي عُزِّرَ.
وَرَوَى ذَلِكَ عَنْ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ رضي الله عنهم، وَلِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - أَبَاحَ الضَّرْبَ لِلزَّوْجِ عِنْدَ نُشُوزِ الزَّوْجَةِ وَقِسْنَا عَلَيْهِ سَائِرَ الْمَعَاصِي عَلَى حَسَبِ مَا يَرَاهُ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ وَيَخْتَلِفُ حُكْمُهُ بِاخْتِلَافِ حَالِهِ وَحَالِ فَاعِلِهِ، فَيُوَافِقُ الْحُدُودَ مِنْ وَجْهٍ وَهُوَ أَنَّهُ تَأْدِيبُ
اسْتِصْلَاحٍ وَزَجْرٍ
يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الذَّنْبِ، وَيُخَالِفُ الْحُدُودَ مِنْ وَجْهٍ وَهُوَ أَنَّ تَأْدِيبَ ذَوِي الْهَيْئَةِ مِنْ أَهْلِ الصِّيَانَةِ أَخَفُّ مِنْ تَأْدِيبِ أَهْلِ الْبَذَاءَةِ وَالسَّفَاهَةِ
فَيُدْرَجُ فِي النَّاسِ عَلَى مَنَازِلِهِمْ
، وَإِنْ تُسَاوَوْا فِي الْحُدُودِ الْمُقَدَّرَةِ فَيَكُونُ تَعْزِيرُ مَنْ جَلَّ قَدْرَهُ بِالْإِعْرَاضِ عَنْهُ وَتَعْزِيرُ مَنْ دُونَهُ مِنْ زَوَاجِرِ الْكَلَامِ وَغَايَتُهُ اسْتِحْقَاقُ الذَّنْبِ الَّذِي لَا قَذْفَ فِيهِ وَلَا سَبَّ، ثُمَّ يَعْدِلُ بِمَنْ دُونَ ذَلِكَ إلَى الْحَبْسِ الَّذِي يَنْزِلُونَ فِيهِ عَلَى حَسَبِ رُتَبِهِمْ بِحَسَبِ هَفَوَاتِهِمْ
فَمِنْهُمْ مَنْ يُحْبَسُ يَوْمًا، وَمِنْهُمْ مَنْ يُحْبَسُ أَكْثَرَ إلَى غَايَةٍ مَقْدُورَةٍ.
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ تُقَدَّرُ غَايَتُهُ شَهْرًا لِلِاسْتِبْرَاءِ وَالْكَفِّ وَسِتَّةَ أَشْهُرٍ لِلتَّأْدِيبِ وَالتَّقْوِيمِ، وَإِنْ رَأَى الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ أَنْ يَجْلِدَهُ جَلَدَهُ، وَلَا يَبْلُغُ بِهِ أَدْنَى الْحَدِّ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ بَلَغَ مَا لَيْسَ بِحَدٍّ فَهُوَ مِنْ التَّعْزِيرِ» وَلِأَنَّ هَذِهِ الْمَعَاصِيَ دُونَهَا فَلَا يَجِبُ فِيهَا مَا يَجِبُ فِي ذَلِكَ. فَإِنْ كَانَ حُرًّا لَمْ يَبْلُغْ بِهِ أَرْبَعِينَ جَلْدَةً، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا لَمْ يَبْلُغْ بِهِ عِشْرِينَ جَلْدَةً.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: أَكْثَرُهُ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ فِي الْحُرِّ وَالْعَبْدِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ.
وَقَالَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ الضَّرْبُ إلَى الْإِمَامِ يَضْرِبُهُ مَا يَرَى وَدَلِيلُنَا مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تَجْلِدْ أَحَدًا فَوْقَ عَشْرِ جَلَدَاتٍ إلَّا فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى» وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى الْعَشَرَةِ بِحَالٍ إلَّا مَا دَلَّ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَعَلَ الْحُدُودَ عُقُوبَةَ الْمَعَاصِي مُقَدَّرَةً فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعَاقِبَ عَلَى مَا دُونَ تِلْكَ الْمَعَاصِي عُقُوبَتَهَا بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يُنْقِصَ مِنْهَا، وَإِنْ رَأَى الْإِمَامَ أَوْ نَائِبَهُ تَرَكَ التَّعْزِيرَ جَازَ هَذَا.
نَقْلُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ آدَمِيٍّ أَوْ لَا يَتَعَلَّقُ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «أَقِيلُوا ذَوِي الْهَيْئَاتِ عَثَرَاتِهِمْ إلَّا فِي الْحُدُودِ» وَأَدْنَى دَرَجَاتِ الْأَمْرِ الْإِبَاحَةُ؛ لِأَنَّهُ ضَرْبٌ غَيْرُ مَحْدُودٍ فَلَمْ يَكُنْ وَاجِبًا كَضَرْبِ الزَّوْجَةِ.
وَقَالَ فِي الْمُهَذَّبِ: لَيْسَ لَهُ تَرْكُهُ إذَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْآدَمِيِّ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ إذَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ
الْآدَمِيِّ فَلَيْسَ لَهُ الْإِهْمَالُ مَعَ الطَّلَبِ لَكِنْ هَلْ يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى التَّوْبِيخِ بِاللِّسَانِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، وَعَلَى الْمُتَوَلِّي أَنْ يَسْتَوْفِيَ لَهُ حَقَّهُ مِنْ تَعْزِيرِ الشَّاتِمِ وَالضَّارِبِ، فَإِنْ عَفَى الْمَشْتُومُ أَوْ الْمَضْرُوبُ كَانَ وَلِيُّ الْأَمْرِ بَعْدَ عَفْوِهِمَا عَلَى خِيَارِهِ فِي فِعْلِ الْمَصْلَحَةِ وَتَعْزِيرِهِ تَقْوِيمًا؛ لِأَنَّ التَّقْوِيمَ مِنْ حُقُوقِ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ أَوْ الصَّفْحِ عَنْهُ عَفْوًا، فَإِنْ تَعَافَوْا عَنْ الشَّتْمِ وَالضَّرْبِ قَبْلَ التَّرَافُعِ إلَيْهِ سَقَطَ مِنْ التَّعْزِيرِ حَقُّ الْآدَمِيِّ، وَإِذَا عَزَّرَ الْإِمَامُ رَجُلًا فَمَاتَ وَجَبَ الضَّمَانُ عَلَيْهِ وَقِيلَ لَا يَجِبُ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه وَعَلِيٍّ - كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ - وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا وَلِأَنَّهُ ضَرْبٌ غَيْرُ مَحْدُودٍ فَكَانَ مَضْمُونًا كَضَرْبِ الزَّوْجِ زَوْجَتَهُ وَالْمُعَلِّمِ الصَّبِيَّ، وَإِنَّمَا ضَمِنَا التَّعْزِيرَ؛ لِأَنَّهُ تَأْدِيبٌ مَشْرُوطٌ فِيهِ السَّلَامَةُ فَإِذَا أَفْضَى فِيهِ إلَى التَّلَفِ تَبَيَّنَّا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَأْذُونًا فِيهِ فَوَجَبَ ضَمَانُهُ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إذَا رَأَى الْإِمَامُ أَنَّهُ لَا يُصْلِحُهُ إلَّا الضَّرْبُ لَزِمَهُ أَنْ يَضْرِبَهُ، وَإِنْ رَأَى أَنَّهُ يُصْلِحُهُ غَيْرُ الضَّرْبِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ فِي ذَلِكَ وَأَيَّ الْأَمْرَيْنِ فَعَلَ فَمَاتَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا صِفَاتُ الضَّرْبِ فِي التَّعْزِيرِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِالْعَصَا وَبِالسَّوْطِ الَّذِي كُسِرَتْ ثَمَرَتُهُ، لَا تَجُوزُ أَنْ يُبَلِّغَ بِتَعْزِيرِهِ كَمَا تَقَدَّمَ إنْهَارَ الدَّمِ، وَضَرْبُ الْحَدِّ يَجُوزُ أَنْ يُفَرَّقَ فِي الْبَدَنِ كُلِّهِ بَعْدَ تَوَقِّي مَوَاضِعِ الْمَقَاتِلِ لِيَأْخُذَ كُلُّ عُضْوٍ نَصِيبَهُ مِنْ الْحَدِّ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَجْمَعَ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ مِنْ الْجَسَدِ وَاخْتُلِفَ فِي ضَرْبِ التَّعْزِيرِ فَأَجْرَاهُ جُمْهُورُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ مَجْرَى ضَرْبِ الْحَدِّ فِي التَّفْرِيقِ وَجَوَّزَ أَبُو عَبْدُ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ جَمِيعَهُ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ مِنْ الْجَسَدِ وَيَجُوزُ فِي مَكَانِ التَّعْزِيرِ أَنْ يُجَرَّدَ مِنْ