الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «بِئْسَ الْقَوْمُ قَوْمٌ لَا يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ، وَبِئْسَ الْقَوْمُ قَوْمٌ لَا يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَا يَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ» .
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ شُعَيْبٍ لَمَّا نَهَى قَوْمَهُ {وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ} [هود: 84]{وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ} [هود: 85] .
وَقَالَ {أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ} [الشعراء: 181]{وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ} [الشعراء: 182]{وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ} [الشعراء: 183] .
وَقَالَ: صلى الله عليه وسلم «لَا يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَا يَنْهَى عَنْ الْمُنْكَرِ إلَّا رَفِيقٌ فِيمَا يَأْمُرُ بِهِ رَفِيقٌ فِيمَا يَنْهَى عَنْهُ حَكِيمٌ فِيمَا يَأْمُرُ بِهِ حَكِيمٌ فِيمَا يَنْهَى عَنْهُ فَقِيهٌ فِيمَا يَأْمُرُ بِهِ فَقِيهٌ فِيمَا يَنْهَى عَنْهُ» ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ فَقِيهًا مُطْلَقًا بَلْ فِيمَا يَأْمُرُ بِهِ.
وَأَوْصَى بَعْضُ السَّلَفِ بَنِيهِ، وَقَالَ: إذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْمُرَ بِالْمَعْرُوفِ فَلْيُوَطِّنْ نَفْسَهُ عَلَى الصَّبْرِ، وَلْيَثِقْ بِالثَّوَابِ مِنْ اللَّهِ فَمَنْ وَثِقَ بِالثَّوَابِ لَمْ يَجِدْ مَسَّ الْأَذَى فَأَدَبٌ مِنْ آدَابِ الْحِسْبَةِ تَوْطِينُ النَّفْسِ عَلَى الصَّبْرِ، وَلِذَلِكَ قَرَنَ اللَّهُ الصَّبْرَ حَاكِيًا عَنْ لُقْمَانَ {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} [لقمان: 17] .
[مَسْأَلَة مِنْ رَأَى مُنْكَرًا فَلِيُغَيِّرهُ]
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ عَيْنٍ رَأَتْ مُنْكَرًا أَوْ مَعْصِيَةً لِلَّهِ فَلَمْ تُغَيِّرْهُ إلَّا أَبْكَاهَا اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَإِنْ كَانَ، وَلِيًّا لِلَّهِ» .
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: صلى الله عليه وسلم «مَنْ رَأَى مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَهُوَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ» .
وَقَالَ
الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: صلى الله عليه وسلم «أَفْضَلُ شُهَدَاءِ أُمَّتِي رَجُلٌ قَامَ إلَى إمَامٍ جَائِرٍ فَأَمَرَهُ بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهَاهُ عَنْ الْمُنْكَرِ فَقَتَلَهُ عَلَى ذَلِكَ فَذَلِكَ الشَّهِيدُ مَنْزِلَتُهُ فِي الْجَنَّةِ بَيْنَ حَمْزَةَ، وَجَعْفَرٍ» .
وَعَنْ أَحْمَدَ بْنِ إبْرَاهِيمَ الْمُقْرِي قَالَ: كَانَ أَبُو الْحَسَنِ النُّورِيُّ رَجُلًا قَلِيلَ الْفُضُولِ لَا يَسْأَلُ عَمَّا لَا يَعْنِيهِ، وَلَا يُفَتِّشُ عَمَّا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ، وَكَانَ إذَا رَأَى مُنْكَرًا غَيَّرَهُ، وَلَوْ كَانَ فِيهِ تَلَفُهُ فَنَزَلَ ذَاتَ يَوْمٍ إلَى مَشْرَعَةٍ تُعْرَفُ بِمَشْرَعَةِ الْفَحَّامِينَ يَتَطَهَّرُ لِلصَّلَاةِ إذْ رَأَى زَوْرَقًا فِيهِ ثَلَاثُونَ دَنًّا مَكْتُوبٌ عَلَيْهَا بِالْقَارِ لُطْفٌ، فَقَرَأَهُ، وَأَنْكَرَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ فِي التِّجَارَاتِ، وَلَا فِي الْبُيُوعِ شَيْئًا يُعَبِّرُ عَنْهُ لُطْفٌ فَقَالَ لِلْمَلَّاحِ: أَيُّ شَيْءٍ هَذِهِ الدِّنَانُ قَالَ: وَأَيُّ شَيْءٍ عَلَيْك امْضِ لِشُغْلِك فَلَمَّا سَمِعَ النُّورِيُّ مِنْ الْمَلَّاحِ هَذَا الْقَوْلَ ازْدَادَ تَعَطُّشًا إلَى مَعْرِفَتِهِ فَقَالَ: لَهُ أُحِبُّ أَنْ تُخْبِرَنِي أَيَّ شَيْءٍ فِي هَذِهِ الدِّنَانِ فَقَالَ الْمَلَّاحُ: أَنْتَ وَاَللَّهِ صُوفِيٌّ فُضُولِيٌّ هَذَا خَمْرٌ لِلْمُعْتَضِدِ يُرِيدُ أَنْ يُتَمِّمَ بِهِ مَجْلِسَهُ، فَقَالَ النُّورِيُّ: هَذَا خَمْرٌ قَالَ نَعَمْ فَقَالَ أُرِيدُ أَنْ تُعْطِينِي الْمُدْرَى فَاغْتَاظَ الْمَلَّاحُ عَلَيْهِ.
وَقَالَ لِغُلَامِهِ أَعْطِهِ الْمُدْرَى حَتَّى أَنْظُرَ مَا يَصْنَعُ فَلَمَّا صَارَتْ الْمُدْرَى فِي يَدِهِ صَعِدَ إلَى الزَّوْرَقِ فَلَمْ يَزَلْ يُكَسِّرُهَا دَنًّا دَنًّا حَتَّى أَتَى عَلَى آخِرِهَا إلَّا دَنًّا، وَاحِدًا، وَالْمَلَّاحُ يَسْتَغِيثُ إلَى أَنْ رَكِبَ صَاحِبُ الْجِسْرِ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ مُوسَى بْنُ أَفْلَحَ فَقَبَضَ عَلَى النُّورِيِّ، وَأَشْخَصَهُ إلَى حَضْرَةِ الْمُعْتَضِدِ، وَكَانَ الْمُعْتَضِدُ سَيْفُهُ قَبْلَ كَلَامِهِ، وَلَمْ يَشُكَّ النَّاسُ أَنَّهُ سَيَقْتُلُهُ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ فَدَخَلْت عَلَيْهِ، وَهُوَ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيٍّ حَدِيدٍ، وَبِيَدِهِ عَمُودٌ يُقَلِّبُهُ فَلَمَّا رَآنِي قَالَ: مَنْ أَنْتَ؟ قُلْت: مُحْتَسِبٌ قَالَ مَنْ وَلَّاك الْحِسْبَةَ قُلْت الَّذِي وَلَّاك الْإِمَامَةَ، وَلَّانِي الْحِسْبَةَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ فَأَطْرَقَ إلَى الْأَرْضِ سَاعَةً ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ إلَيَّ
وَقَالَ، وَمَا الَّذِي حَمَلَك عَلَى مَا صَنَعْت فَقُلْت شَفَقَةً مِنِّي عَلَيْك إذْ بَسَطْت يَدِي إلَى صَرْفِ مَكْرُوهٍ عَنْك فَقَصُرَتْ عَنْهُ قَالَ: فَأَطْرَقَ مُفَكِّرًا مِنْ كَلَامِي ثُمَّ رَفَعَ رَأْسِهِ وَقَالَ: كَيْفَ تَخَلَّصَ هَذَا الدَّنُّ الْوَاحِدُ مِنْ جُمْلَةِ الدِّنَانِ فَقُلْت فِي تَخَلُّصُهُ عِلَّةٌ أُخْبِرُ بِهَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنْ أَذِنَ لِي فَقَالَ: أَخْبِرْنِي، فَقُلْت يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنِّي أَقْدَمْت عَلَى الدِّنَانِ بِمُطَالَبَةِ الْحَقِّ سبحانه وتعالى بِذَلِكَ، وَعَمَّ قَلْبِي شَاهِدُ الْإِجْلَالِ لِلْحَقِّ وَخَوْفِ الْمُطَالَبَةِ فَغَابَتْ هَيْبَةُ الْخَلْقِ عَنِّي فَأَقْدَمْت عَلَيْهِ بِالْحَالِ الْأَوَّلِ إلَى أَنْ صِرْت إلَى هَذَا الدَّنِّ فَجَزِعَتْ نَفْسِي كَثِيرًا عَلَى أَنِّي قَدْ أَقْدَمْت عَلَى مِثْلِك فَمُنِعَتْ.
وَلَوْ أَقْدَمْت بِالْحَالِ الْأَوَّلِ، وَكَانَتْ مِلْءُ الدُّنْيَا دِنَانًا لَكَسَّرْتهَا، وَلَمْ أُبَالِ فَقَالَ الْمُعْتَضِدُ اذْهَبْ فَقَدْ أَطْلَقْنَا يَدَك غَيِّرْ مَا أَحْبَبْت أَنْ تُغَيِّرَهُ مِنْ الْمُنْكَرِ قَالَ: أَبُو الْحَسَنِ فَقُلْت: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَبْغَضُ التَّغْيِيرَ؛ لِأَنِّي كُنْت أُغَيِّرُ عَنْ اللَّهِ، وَأَنَا الْآنَ أُغَيِّرُ شُرْطِيًّا فَقَالَ الْمُعْتَضِدُ مَا حَاجَتُك قُلْت يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ تَأْمُرُ بِإِخْرَاجِي سَالِمًا فَأَمَرَ لَهُ بِذَلِكَ، وَخَرَجَ إلَى الْبَصْرَةِ فَكَانَ أَكْثَرَ أَيَّامِهِ بِهَا خَوْفًا مِنْ أَنْ يُسْأَلَ عَنْ حَاجَةٍ يَسْأَلُهَا الْمُعْتَضِدُ فَأَقَامَ بِالْبَصْرَةِ إلَى أَنْ تُوُفِّيَ الْمُعْتَضِدُ ثُمَّ رَجَعَ إلَى بَغْدَادَ، فَهَذِهِ كَانَتْ سِيرَةُ الْعُلَمَاءِ، وَعَادَاتُهُمْ فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَقِلَّةِ مُبَالَاتِهِمْ بِسَطْوَةِ الْمُلُوكِ لَكِنَّهُمْ اتَّكَلُوا عَلَى فَضْلِ اللَّهِ أَنْ يَحْرُسَهُمْ، وَرَضُوا بِحُكْمِ اللَّهِ أَنْ يَرْزُقَهُمْ الشَّهَادَةَ فَلَمَّا أَخْلَصُوا لِلَّهِ النِّيَّةَ أَثَّرَ كَلَامُهُمْ فِي الْقُلُوبِ الْقَاسِيَةِ فَلَيَّنَهَا، وَأَزَالَ قَسَاوَتَهَا، وَأَمَالَهَا لِلْخَيْرِ، وَأَمَّا الْآنَ فَقَدْ اسْتَوْلَى عَلَيْهِمْ حُبُّ الدُّنْيَا، وَمَنْ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ حُبُّ الدُّنْيَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْحِسْبَةِ