الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَلَيْهِ، وَلَا كَشْفُ الْأَسْتَارِ عَنْهُ، حُكِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه دَخَلَ عَلَى قَوْمٍ يَتَعَاقَرُونَ عَلَى شَرَابٍ، وَيُوقِدُونَ فِي الْأَخْصَاصِ فَقَالَ نَهَيْتُكُمْ عَنْ الْمُعَاقَرَةِ فَعَاقَرْتُمْ، وَنَهَيْتُكُمْ عَنْ الْإِيقَادِ فِي الْأَخْصَاصِ فَأَوْقَدْتُمْ فَقَالُوا نَهَاك اللَّهُ عَنْ التَّجَسُّسِ فَتَجَسَّسْت، وَعَنْ الدُّخُولِ بِغَيْرِ إذْنٍ فَدَخَلْت فَقَالَ هَاتَيْنِ بِهَاتَيْنِ، وَانْصَرَفَ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُمْ، فَإِنْ سَمِعَ الْمُحْتَسِبُ أَصْوَاتَ مَلَاهٍ مُنْكَرَةٍ مِنْ دَارٍ تَظَاهَرَ أَهْلُهَا بِأَصْوَاتِهَا أَنْكَرَهَا خَارِجَ الدَّارِ، وَلَمْ يَهْجُمْ عَلَيْهَا بِالدُّخُولِ؛ لِأَنَّ الْمُنْكَرَ ظَاهِرٌ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَكْشِفَ عَمَّا سِوَاهُ.
[الْبَاب الرَّابِع فِي الْحَسَبَة عَلَى أَهْل الذِّمَّة]
اعْلَمْ أَنَّ التَّسَاهُلَ مَعَ أَهْلِ الذِّمَّةِ فِي أُمُورِ الدِّينِ خَطَرٌ عَظِيمٌ، وَقَدْ قَالَ سبحانه وتعالى فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} [الممتحنة: 1] .
وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ «لَأُخْرِجَنَّ الْيَهُودَ، وَالنَّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ حَتَّى لَا أَدَعَ بِهَا إلَّا مُسْلِمًا، وَقَالَ لَا تُسَاكِنُوا الْيَهُودَ، وَالنَّصَارَى فِي أَمْصَارِكُمْ إلَّا أَنْ يُسْلِمُوا، وَمَنْ يَرْتَدَّ بَعْدَ إسْلَامِهِ فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ» .
وَلَمَّا «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم -
إلَى بَدْرٍ تَبِعَهُ رَجُلٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ إنِّي أُرِيدُ أَنْ أُصِيبَ مَعَك فَقَالَ: أَتُؤْمِنُ بِاَللَّهِ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَارْجِعْ فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ، ثُمَّ لَحِقَهُ عِنْدَ الشَّجَرَةِ فَفَرِحَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ، وَكَانَ شُجَاعًا فَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَقَالَتِهِ الْأُولَى، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ ارْجِعْ فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ، ثُمَّ لَحِقَهُ الثَّالِثَةَ فَأَسْلَمَ هَذَا، وَقَدْ خَرَجَ لِيُقَاتِلَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَيُرَاقَ دَمُهُ» .
وَلَمَّا وُلِّيَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ الْبَصْرَةَ، وَقَدِمَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه فَوَجَدَهُ فِي الْمَسْجِدِ فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ فَأَذِنَ لَهُ، وَاسْتَأْذَنَ لِكَاتِبِهِ، وَكَانَ نَصْرَانِيًّا فَلَمَّا دَخَلَ عَلَى عُمَرَ، وَرَآهُ فَقَالَ قَاتَلَكَ اللَّهُ يَا أَبَا مُوسَى، وَلَّيْت نَصْرَانِيًّا عَلَى الْمَالِ أَمَا سَمِعْت قَوْلَ اللَّهِ سبحانه وتعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة: 51] ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لِي كِتَابَتُهُ، وَلَهُ دِينُهُ فَقَالَ عُمَرُ لَا أُكْرِمُهُمْ بَعْدَ أَنْ أَهَانَهُمْ اللَّهُ، وَلَا أُعِزُّهُمْ بَعْدَ أَنْ أَذَلَّهُمْ اللَّهُ، وَلَا أُدْنِيهِمْ بَعْدَ أَنْ أَقْصَاهُمْ اللَّهُ.
وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إلَى بَعْضِ عُمَّالِهِ، وَقَدْ اتَّصَلَ بِهِ أَنَّهُ اتَّخَذَ كَاتِبًا يُقَالُ لَهُ: حَسَّانُ بَلَغَنِي أَنَّك اسْتَعْمَلَتْ حَسَّانَ، وَهُوَ عَلَى غَيْرِ دِينِ الْإِسْلَامِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} [الممتحنة: 1] . وَقَالَ تَعَالَى {لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة: 57] ، وَإِذَا أَتَاك كِتَابِي هَذَا فَادْعُ حَسَّانَ إلَى الْإِسْلَامِ فَإِنْ أَسْلَمَ فَهُوَ مِنَّا، وَنَحْنُ مِنْهُ، وَإِنْ أَبَى فَلَا تَسْتَعِنْ بِهِ، فَلَمَّا جَاءَهُ الْكِتَابُ قَرَأَهُ عَلَى حَسَّانَ فَأَسْلَمَ، وَعَلَّمَهُ الطَّهَارَةَ، وَالصَّلَاةَ
، وَهَذَا أَصْلٌ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فِي تَرْكِ الِاسْتِعَانَةِ بِالْكَافِرِ فَكَيْفَ اسْتِعْمَالُهُمْ عَلَى رِقَابِ الْمُسْلِمِينَ.
فَحِينَئِذٍ يَجِبُ عَلَى الْمُحْتَسِبِ النَّظَرُ فِي أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَأَنْ يُلْزِمَهُمْ بِمَا هُوَ مَشْرُوطٌ عَلَيْهِمْ، وَبِمَا الْتَزَمُوهُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ مِنْ قَدِيمِ الزَّمَانِ، وَلَا يُرَخِّصَ لَهُمْ فِي تَرْكِ شَيْءٍ مِنْهُ قَوْلًا، وَلَا فِعْلًا، وَيُلْزِمَهُمْ بِمَا كَتَبُوهُ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه وَهُوَ: هَذَا كِتَابٌ لِعَبْدِ اللَّه عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ نَصَارَى مَدِينَةِ كَذَا، وَمَدِينَةِ كَذَا لَمَّا قَدِمْتُمْ عَلَيْنَا، وَقَدْ سَأَلْنَاكُمْ الْأَمَانَ لِأَنْفُسِنَا، وَذَرَارِيّنَا، وَأَمْوَالِنَا عَلَى أَنْ لَا نُحْدِثَ فِي مَدَائِنِنَا، وَلَا حَوْلَهَا كَنِيسَةً، وَلَا دَيْرًا، وَلَا قِلَّايَةً، وَلَا صَوْمَعَةَ رَاهِبٍ، وَلَا نُحْدِثَ مِنْهَا مَا خَرِبَ، وَلَا مَا كَانَ مِنْهَا فِي خُطَطِ الْمُسْلِمِينَ فِي لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ، وَأَنْ نُوَسِّعَ عَلَى مَنْ مَرَّ بِنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي الضِّيَافَةِ ثَلَاثَ لَيَالٍ، وَلَا نُنْزِلَ فِي كَنَائِسِنَا، وَلَا مَنَازِلِنَا جَاسُوسًا، وَلَا نَكْتُمَ عَيْنًا لِلْمُسْلِمِينَ، وَلَا نُعَلِّمَ أَوْلَادَنَا الْقُرْآنَ، وَلَا نُظْهِرَ شَرْعَنَا، وَلَا نَدْعُوَ إلَيْهِ أَحَدًا، وَلَا نَمْنَعَ أَحَدًا مِنْ ذَوِي قَرَابَتِنَا مِنْ الدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ إنْ رَأَوْا ذَلِكَ، وَأَنْ نُوَقِّرَ الْمُسْلِمِينَ، وَنَقُومَ لَهُمْ فِي مَجَالِسِنَا إذَا أَرَادُوا الْجُلُوسَ، وَلَا نَتَشَبَّهَ بِهِمْ فِي شَيْءٍ مِنْ لِبَاسِهِمْ فِي قَلَنْسُوَةٍ، وَلَا عِمَامَةٍ، وَلَا نَعْلٍ، وَلَا فَرْقِ شَعْرٍ، وَلَا نَتَكَلَّمَ بِكَلَامِهِمْ، وَلَا نَتَسَمَّى بِأَسْمَائِهِمْ، وَلَا نَتَكَنَّى بِكُنْيَتِهِمْ، وَلَا نَرْكَبَ بِالسُّرُوجِ، وَلَا نَتَقَلَّدَ بِالسُّيُوفِ، وَلَا نَتَّخِذَ شَيْئًا مِنْ السِّلَاحِ، وَلَا نَعْمَلَهُ، وَلَا نَحْمِلَهُ مَعَنَا، وَلَا نَنْقُشَ عَلَى خَوَاتِمِنَا بِالْعَرَبِيَّةِ، وَلَا نَبِيعَ الْخُمُورَ، وَلَا نَسْقِيَهَا أَحَدًا، وَأَنْ نَجُزَّ مَقَادِيمَ رُءُوسِنَا، وَنَجْعَلَ الزَّنَانِيرَ عَلَى أَوْسَاطِنَا، وَلَا نُظْهِرَ صُلْبَانَنَا، وَكُتُبَنَا فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا أَسْوَاقِهِمْ، وَلَا نَضْرِبَ النَّوَاقِيسَ فِي شَيْءٍ مِنْ
كَنَائِسِنَا إلَّا ضَرْبًا خَفِيفًا.
وَلَا نَرْفَعَ أَصْوَاتَنَا بِالْقِرَاءَةِ فِي شَيْءٍ بِحَضْرَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا نَرْفَعَ أَصْوَاتَنَا مَعَ مَوْتَانَا، وَلَا نُظْهِرَ النِّيرَانَ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا أَسْوَاقِهِمْ، وَلَا نُظْهِرَ بَاعُوثًا، وَلَا شَعَانِينَ، وَلَا نُجَاوِرَهُمْ بِمَوْتَانَا، وَلَا نَتَّخِذَ مِنْ الرَّقِيقِ مَا جَرَى عَلَيْهِ سِهَامُ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا نَطَّلِعَ عَلَى مَنَازِلِهِمْ، فَلَمَّا جَاءَ الْكِتَابُ إلَى عُمَرَ رضي الله عنه زَادَ فِيهِ، وَلَا نَضْرِبَ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ شَرَطْنَا ذَلِكَ عَلَى أَنْفُسِنَا، وَأَهْلِ مِلَّتِنَا، وَقَبِلْنَا عَلَيْهِ الْأَمَانَ فَإِنْ نَحْنُ خَالَفْنَا عَنْ شَيْءٍ مِمَّا شَرَطْنَاهُ لَكُمْ عَلَى أَنْفُسِنَا فَلَا ذِمَّةَ لَنَا، وَقَدْ حَلَّ مِنَّا مَا يَحِلُّ مِنْ أَهْلِ الْمُعَانَدَةِ، وَالشِّقَاقِ، فَكَتَبَ إلَيْهِ أَنْ أَمْضِ ذَلِكَ، وَأَلْحِقْ فِيهِ هَذَا، وَلَا يَشْتَرُوا شَيْئًا مِنْ سَبَايَا الْمُسْلِمِينَ، وَأَنَّ مَنْ ضَرَبَ مُسْلِمًا عَمْدًا أَوْ شَتَمَهُ فَقَدْ خَلَعَ عَهْدَهُ، وَكَتَبَ إلَيْهِ أَنْ اقْطَعْ رُكَبَهُمْ، وَإِنْ تَرَكْنَا يَرْكَبُوا عَلَى الْأَكُفِّ، وَأَنْ يَرْكَبُوا مِنْ شِقٍّ وَاحِدٍ، وَأَنْ يَلْبَسُوا خِلَافَ لِبَاسِ الْمُسْلِمِينَ لِيُعْرَفُوا بِهِ، وَاللَّوْنُ الْأَصْفَرُ أَوْلَى بِالْيَهُودِ عَلَى رُءُوسِهِمْ، وَيَشُدُّونَ النَّصَارَى الزَّنَانِيرَ أَيْ خُيُوطًا غِلَاظًا فِي أَوْسَاطِهِمْ فَوْقَ الثِّيَابِ، وَالتَّمْيِيزُ يَحْصُلُ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ، تَعُمُّ لَوْ شُرِطَ عَلَيْهِمْ الْغِيَارُ، وَالزُّنَّارُ جَمِيعًا أَخَذُوا بِهِمَا، وَيَكُونُ فِي رِقَابِهِمْ خَاتَمٌ مِنْ الرَّصَاصِ أَوْ نُحَاسٍ يَدْخُلُ مَعَهُمْ الْحَمَّامَ لِيَتَمَيَّزُوا بِهِ، وَلَهُمْ أَنْ يَلْبَسُوا الْعَمَائِمَ، وَالطَّيْلَسَانَ؛ لِأَنَّ التَّمَيُّزَ يَحْصُلْ بِغَيْرِ ذَلِكَ، وَهَلْ يُمْنَعُونَ مِنْ لُبْسِ الدِّيبَاجِ وَجْهَانِ
وَتَشُدُّ الْمَرْأَةُ الزُّنَّارَ تَحْتَ الْإِزَارِ، وَفَوْقَ الثِّيَابِ حَتَّى لَا تَصِفَ أَبْدَانَهُنَّ، وَتَكْشِفَ رُءُوسَهُنَّ، وَقِيلَ بَلْ فَوْقَ الْإِزَارِ كَالرَّجُلِ، وَيَكُونُ فِي عُنُقِهَا خَاتَمٌ يَدْخُلُ مَعَهَا الْحَمَّامَ، وَيَكُونُ أَحَدُ خُفَّيْهَا أَسْوَدَ، وَالْآخَرُ أَبْيَضَ لِيَتَمَيَّزْنَ بِهِ عَلَى غَيْرِهِنَّ، وَلَا يَرْكَبُونَ الْخَيْلَ لِشَرَفِهَا، وَقِيلَ لَا يُمْنَعُونَ، وَيَرْكَبُونَ الْبِغَالَ، وَالْحَمِيرَ بِالْأَكُفِّ عَرْضًا أَيْ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ.
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: يَرْكَبُونَ مُسْتَوِيًا، وَلَكِنْ يَكُونُ الرِّكَابُ مِنْ خَشَبٍ، وَلَا يُصَدَّرُونَ فِي الْمَجَالِسِ، وَلَا يُبْدَءُونَ بِالسَّلَامِ، وَيُلْجَئُونَ إلَى أَضْيَقِ الطُّرُقِ، وَيُمْنَعُونَ أَنْ يَعْلُوا عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي الْبِنَاءِ، وَلَا يُمْنَعُونَ مِنْ الْمُسَاوَاةِ، وَقِيلَ يُمْنَعُونَ، وَهَلْ يُمْنَعُونَ مِنْ الْعُلُوِّ فِي مَحَلَّة وَاحِدَةٍ يَنْفَرِدُونَ بِهَا مِنْ الْبَلْدَةِ فِيهِ وَجْهَانِ، وَإِنْ زَادُوا أَبْنِيَتَهُمْ بِإِخْرَاجِ الْأَجْنِحَةِ وَالرَّوَاشِينَ إلَى السَّابِلَةِ وَجْهَانِ، وَالْمَقْصُودُ التَّمْيِيزُ بَيْنَهُمْ، وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى وَجْهٍ لَا يَكُونُ فِيهِ تَشْرِيفٌ، وَإِنْ تَمَلَّكُوا دَارًا عَالِيَةً أُقِرُّوا عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُمْ مَلَكُوهَا عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ نَعَمْ لَوْ انْهَدَمَتْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَنْ يُعِيدُوهَا كَمَا كَانَتْ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الْوَجْهَيْنِ فَلَوْ شَاهَدَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه الْيَهُودَ، وَالنَّصَارَى فِي زَمَانِنَا هَذَا، وَآدُرُهُمْ تَعْلُو عَلَى يُثَيْعٍ الْمُسْلِمِينَ، وَمَسَاجِدِهِمْ، وَهُمْ يُدْعَوْنَ بِالنُّعُوتِ الَّتِي كَانَتْ لِلْخُلَفَاءِ، وَيُكَنَّوْنَ بِكُنَاهُمْ فَمِنْ نُعُوتِهِمْ الرَّشِيدُ، وَهُوَ أَبُو الْخُلَفَاءِ، وَيُكَنُّونَ بِأَبِي الْحَسَنِ، وَهُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه وَبِأَبِي الْفَضْلِ، وَهُوَ الْعَبَّاسُ عَمُّ رَسُولِ اللَّهِ، وَقَدْ جَاوَزُوا حَدَّ أَقْدَارِهِمْ، وَتَظَاهَرُوا بِأَقْوَالِهِمْ، وَأَفْعَالِهِمْ
وَأَظْهَرَتْ مِنْهُمْ الْأَيَّامُ طَبَائِعَ شَيْطَانِيَّةً مَكَّنَتْهَا، وَعَضَّدَتْهَا يَدٌ سُلْطَانِيَّةٌ فَرَكِبُوا مَرْكُوبَ الْمُسْلِمِينَ، وَلَبِسُوا أَحْسَنَ لِبَاسِهِمْ، وَاسْتَخْدَمُوهُمْ فَرَأَيْت الْيَهُودِيَّ، وَالنَّصْرَانِيَّ رَاكِبًا يَسُوقُ بِمَرْكَبِهِ، وَالْمُسْلِمَ يَجْرِي فِي رِكَابِهِ، وَرُبَّمَا تَضَرَّعُوا، وَتَذَلَّلُوا لَهُ؛ لِيَرْفَعَ عَنْهُمْ مَا أَحْدَثَهُ عَلَيْهِمْ.
وَأَمَّا نِسَاؤُهُمْ إذَا خَرَجْنَ مِنْ دُورِهِنَّ، وَمَشَيْنَ فِي الطُّرُقَاتِ فَلَا يَكَدْنَ يُعْرَفْنَ، وَكَذَلِكَ فِي الْحَمَّامَاتِ، وَرُبَّمَا جَلَسَتْ النَّصْرَانِيَّةُ فِي أَعْلَى مَكَان مِنْ الْحَمَّامِ، وَالْمُسْلِمَاتُ يَجْلِسْنَ دُونَهَا، وَيَخْرُجْنَ الْأَسْوَاقَ، وَيَجْلِسْنَ عِنْدَ التُّجَّارِ فَيُكْرِمُونَهُنَّ بِمَا يُشَاهِدُونَ مِنْ حُسْنِ زِيِّهِنَّ فَلَا يَدْرُونَ أَنَّهُنَّ أَهْلُ ذِمَّةٍ فَيَجِبُ عَلَى الْمُحْتَسِبِ الِاهْتِمَامُ بِهَذَا الْأَمْرِ، وَإِنْكَارُ ذَلِكَ، وَيُعَزِّرُ مَنْ يَظْهَرُ بِهِ مِنْ هَؤُلَاءِ، وَيُمْنَعُونَ مِنْ إحْدَاثِ بِيَعٍ، وَكَنَائِسَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَقَدْ أَمَرَ عُمَرُ رضي الله عنه بِهَدْمِ كُلِّ كَنِيسَةٍ اسْتَجَدَّتْ بَعْدَ الْهِجْرَةِ، وَلَمْ يُبْقِ إلَّا مَا كَانَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ، وَأَرْسَلَ عُرْوَةُ مِنْ نَجْدٍ فَهَدَمَ الْكَنَائِسَ بِصَنْعَاءَ، وَصَانَعَ الْقِبْطَ عَلَى كَنَائِسِهِمْ بِمِصْرَ، وَهَدَمَ بَعْضَهَا، وَلَمْ يُبْقِ مِنْ الْكَنَائِسِ إلَّا مَا كَانَ قَبْلَ مَبْعَثِهِ صلى الله عليه وسلم.
أَمَّا إذَا اسْتَهْدَمَ مِنْهَا شَيْءٌ فَلَا يُمْنَعُونَ مِنْ إعَادَتِهِ، وَقِيلَ يُمْنَعُونَ؛ لِأَنَّهُ نِسْبَةٌ لِلِاسْتِحْدَاثِ قَالَ فِي الْحَاوِي: وَعِنْدِي أَنَّهُ يُنْظَرُ فِي خَرَابِهَا فَإِنْ صَارَتْ دَارِسَةً مُسْتَطْرَقَةً مُنِعُوا مِنْ بِنَائِهَا، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ دَارِسَةٍ لَهُمْ بِنَاؤُهَا، وَعَلَى الْإِمَامِ حِفْظُ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَدَفْعُ مَنْ قَصَدَهُمْ بِالْأَذِيَّةِ أَيْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ
تَحَاكَمُوا إلَيْنَا مَعَ الْمُسْلِمِينَ، وَجَبَ الْحُكْمُ بَيْنَهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ حَاكِمُ الْكُفَّارِ فَإِنْ تَحَاكَمُوا إلَيْنَا، بَعْضُهُمْ مَعَ بَعْضٍ فَفِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا يَلْزَمُهُ الْحُكْمُ بَيْنَهُمْ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُزَنِيِّ رحمه الله وَالثَّانِي لَا يَلْزَمُ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَعْتَقِدُونَ شَرِيعَتَنَا بِحَسَبِ الْحُكْمِ بَيْنَهُمْ، وَهُمْ كَالْمُعَاهِدِينَ، وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ سبحانه وتعالى نَبِيَّهُ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} [المائدة: 42] فَعَلَى هَذَا إنْ تَرَاضَوْا حَكَمَ بَيْنَهُمْ، وَيُشْتَرَطُ الْتِزَامُهُمْ بَعْدَ الْحُكْمِ، هَذَا إذَا اتَّحَدَ الدِّينَانِ أَمَّا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا نَصْرَانِيًّا، وَالْآخَرُ يَهُودِيًّا فَفِيهِ طَرِيقَانِ:
أَحَدُهُمَا لَا يَلْزَمُ قِيَاسًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّهُمَا كَافِرَانِ فَصَارَا كَمَا لَوْ كَانَا عَلَى دِينٍ وَاحِدٍ.
وَالثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ يَجِبُ الْحُكْمُ بَيْنَهُمَا قَوْلًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ لَا يَرْضَى بِحُكْمِ مِلَّةِ الْآخَرِ، وَقِيلَ يَطَّرِدُ الْقَوْلَانِ بِنَاءً عَلَى وُجُوبِ الْحُضُورِ عَلَيْهِ إذَا طَلَبَهُ الْحَاكِمُ لِلْحُكْمِ، وَقِيلَ الْقَوْلَانِ فِي حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ فَأَمَّا مَا فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَجِبُ الْحُكْمُ بَيْنَهُمَا قَوْلًا وَاحِدًا، وَإِنْ تَبَايَعُوا بُيُوعًا فَاسِدَةً، وَتَقَابَضُوا ثُمَّ تَحَاكَمُوا إلَيْنَا لَمْ نَنْقُضْ مَا فَعَلُوا؛ لِأَنَّهُمْ تَرَاضَوْا بِهِ فَلَمْ يَتَعَرَّضْ إلَيْهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَتَقَابَضُوا نُقِضَ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ حُكْمَ الْإِسْلَامِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: 49] ، وَإِنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ صَبِيٌّ مُمَيِّزٌ أَتَى بِالشَّهَادَتَيْنِ لَمْ يَصِحَّ إسْلَامُهُ لِلْخَبَرِ الْمَشْهُورِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ فَلَا يَصِحُّ إسْلَامُهُ