الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الْبَاب السَّادِس فِي الْمُعَامَلَات الْمُنْكَرَة]
كَالْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ، وَالرِّبَا، وَالسَّلَمِ الْفَاسِدِ، وَالْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ، وَالشَّرِكَةِ الْفَاسِدَةِ، وَبَيَانِ شُرُوطِ الشَّرْعِ فِي صِحَّةِ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي هِيَ مَدَارُ الْمَكَاسِبِ، مِنْهَا تَرْكُ الْإِيجَابِ، وَالْقَبُولِ، وَالِاكْتِفَاءُ بِالْمُعَاطَاةِ لَكِنَّ ذَلِكَ فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ فَلَا يُنْكَرُ إلَّا عَلَى مَنْ اعْتَقَدَ وُجُوبَهُ، وَكَذَا فِي الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ الْمُعْتَادَةِ بَيْنَ النَّاسِ يَجِبُ الْإِنْكَارُ فِيهَا فَإِنَّهَا مُفْسِدَةٌ لِلْعُقُودِ، وَكَذَا فِي الرِّبَوِيَّاتِ كُلِّهَا، وَهِيَ غَالِبَةٌ، وَكَذَا سَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ الْفَاسِدَةِ:
الْأَوَّلُ الْبَيْعُ، وَقَدْ أَحَلَّهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَهُ ثَلَاثَةُ أَرْكَانٍ: الْعَاقِدُ، وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ، وَصِيغَةُ الْعَقْدِ، فَيَنْبَغِي لِلتَّاجِرِ أَلَّا يُعَامِلَ فِي الْبَيْعِ أَرْبَعَةً: الصَّبِيُّ، وَالْمَجْنُونُ، وَالْعَبْدُ، وَالْأَعْمَى؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ غَيْرُ مُكَلَّفٍ، وَكَذَا الْمَجْنُونُ، وَبَيْعُهُمَا بَاطِلٌ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الصَّبِيِّ، وَإِنْ أَذِنَ فِيهِ الْوَلِيُّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَمَا أُخِذَ مِنْهُمَا مَضْمُونٌ عَلَيْهِ لَهُمَا، وَمَا سَلَّمَهُ إلَيْهِمَا فِي الْمُعَامَلَةِ فَضَاعَ فِي أَيْدِيهِمَا فَهُوَ الْمُضَيِّعُ لَهُ.
وَأَمَّا الْعَبْدُ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ، وَشِرَاؤُهُ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ فَعَلَى الْبَقَّالِ، وَالْخَبَّازِ، وَالْقَصَّابِ، وَغَيْرِهِمْ أَلَا يُعَامِلُوا الْعَبِيدَ مَا لَمْ يَأْذَنْ لَهُمْ السَّيِّدُ فِي مُعَامَلَتِهِمْ، وَذَلِكَ بِأَنْ يُسْمِعَهُ صَرِيحًا، أَوْ يَنْتَشِرَ فِي الْبَلَدِ أَنَّهُ مَأْذُونٌ فِي الشِّرَاء لِسَيِّدِهِ، وَالْبَيْعِ لَهُ فَيُعَوَّلُ عَلَى الِاسْتِفَاضَةِ، أَوْ عَلَى قَوْلِ عَدْلٍ يُخْبِرُهُ بِذَلِكَ فَإِنْ عَامَلَهُ بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ فَعَقْدُهُ بَاطِلٌ مَا أَخَذَهُ مِنْهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ لِسَيِّدِهِ، وَمَا سَلَّمَهُ
لَهُ إنْ ضَاعَ فِي يَدِ الْعَبْدِ لَا يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ، وَلَا يَضْمَنُهُ سَيِّدُهُ بَلْ لَيْسَ لَهُ إلَّا الْمُطَالَبَةُ إذَا أُعْتِقَ، وَأَمَّا الْأَعْمَى فَإِنَّهُ يَبِيعُ، وَيَشْتَرِي مَا لَا يَرَى فَلَا يَصِحُّ فَلْيَأْمُرْهُ أَنْ يُوَكِّلَ وَكِيلًا بَصِيرًا لِيَشْتَرِيَ لَهُ، أَوْ يَبِيعَ فَيَصِحُّ تَوْكِيلُهُ، وَيَصِحُّ بَيْعُ وَكِيلِهِ فَإِنْ عَامَلَهُ بِنَفْسِهِ فَالْمُعَامَلَةُ فَاسِدَةٌ، وَمَا أَخَذَهُ مِنْهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ إنْ كَانَ مُتَقَوِّمًا، أَوْ بِمِثْلِهِ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا، وَمَا سَلَّمَهُ إلَيْهِ أَيْضًا مَضْمُونٌ لَهُ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَتَجُوزُ مُعَامَلَتُهُ لَكِنْ لَا يُبَاعُ مِنْهُ الْمُصْحَفُ، وَلَا كُتُبُ الْحَدِيثِ، وَلَا الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ فَإِنْ فَعَلَ بَطَلَ الْبَيْعُ، وَلَا يُبَاعُ مِنْهُ السِّلَاحُ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ كُرِهَ، وَعَصَى رَبَّهُ.
الرُّكْنُ الثَّانِي: الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ، وَلَهُ سِتَّةُ شُرُوطٍ.
الْأَوَّلُ: أَلَّا يَكُونَ نَجِسَ الْعَيْنِ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْكَلْبِ، وَلَا الْخِنْزِيرِ، وَلَا الزِّبْلِ، وَلَا الْعَذِرَةِ، وَلَا بَيْعُ الْعَاجِ، وَلَا الْأَوَانِي الْمُتَّخَذَةِ مِنْهُ فَإِنَّ الْعَظْمَ يُنَجَّسُ بِالْمَوْتِ، وَلَا يُطَهَّرُ الْفِيلُ بِالذَّبْحِ، وَلَا يُطَهَّرُ عَظْمُهُ بِالتَّنْقِيَةِ.
وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْخَمْرِ، وَلَا الْوَدَكِ النَّجِسِ الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ الْحَيَوَانِ الَّتِي لَا تُؤْكَلُ، وَإِنْ كَانَ يَصْلُحُ لِلِاصْطِبَاحِ، أَوْ طِلَاءِ السُّفُنِ، وَأَمَّا الزَّيْتُ النَّجِسُ فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه: لَا يَحِلُّ أَكْلُ زَيْتٍ مَاتَتْ فِيهِ فَأْرَةٌ، وَلَا بَيْعُهُ، وَيَجُوزُ الِاصْطِبَاحُ بِهِ، وَالْحُكْمُ فِي الْفَأْرَةِ، وَالْعُصْفُورِ، وَالدَّجَاجَةِ، وَسَائِرِ الْحَيَوَانِ وَاحِدٌ إلَّا أَنَّ الْخَبَرَ، وَرَدَ فِي الْفَأْرَةِ فَتَصَوُّرُ الْمَسْأَلَةَ فِيهِ.
فَإِذَا وَقَعَتْ الْفَأْرَةُ فِي سَمْنٍ مَاتَتْ فِيهِ لَمْ يَخْلُ: إمَّا أَنْ يَكُونَ جَامِدًا، أَوْ مَائِعًا فَإِنْ كَانَ جَامِدًا نَجَسَ الْقَدْرُ الَّذِي تَجَاوَرَ بَدَنَ الْفَأْرَةِ فَيُلْقَى ذَلِكَ الْقَدْرُ مِنْهُ، وَالدَّلَالَةُ عَلَى
هَذَا مَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ سَمْنٍ جَامِدٍ، وَقَعَتْ فِيهِ فَأْرَةٌ، وَمَاتَتْ فَقَالَ أَلْقُوهَا، وَمَا حَوْلَهَا، وَكُلُوهُ، وَإِنْ كَانَ مَائِعًا فَاسْتَصْبِحُوا بِهِ، وَلَا تَأْكُلُوهُ» .
وَأَمَّا إذَا كَانَ السَّمْنُ مَائِعًا فَالْحُكْمُ فِيهِ، وَفِي الزَّيْتِ، وَالشَّيْرَجِ، وَسَائِرِ الْأَدْهَانِ وَاحِدٌ، وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ عَلَى أَرْبَعَةِ مَذَاهِبَ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَكْلُهُ، وَلَا بَيْعُهُ، وَيَجُوزُ الِاسْتِصْبَاحُ بِهِ.
وَقَالَ قَوْمٌ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ: لَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِوَجْهٍ بَلْ يُرَاقُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رضي الله عنه يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَالِاصْطِبَاحُ بِهِ.
وَقَالَ دَاوُد إنْ كَانَ سَمْنًا، وَجَبَ إرَاقَتُهُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُ مِنْ الْأَدْهَانِ جَازَ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِكُلِّ وَجْهٍ، قُلْت فَإِذَا ثَبَتَ جَوَازُ الِاسْتِصْبَاحِ بِهِ فَلَوْ أُحْرِقَ فَارْتَفَعَ مِنْهُ دُخَانٌ فَهَلْ هُوَ طَاهِرٌ، أَوْ نَجِسٌ، فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ طَاهِرٌ؛ لِأَنَّ هَذَا الدُّخَانَ لَيْسَ هُوَ عَيْنُ النَّجَاسَةِ بَلْ النَّجَاسَةُ قَدْ ذَهَبَتْ، وَزَالَتْ، وَهَذَا جِسْمٌ آخَرُ أَحْدَثَهُ اللَّهُ تَعَالَى عِنْدَ الْتِقَاءِ النَّارِ، وَالزَّيْتِ فَكَانَ طَاهِرًا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ نَجِسٌ؛ لِأَنَّ هَذَا الدُّخَانَ عَيْنُ النَّجَاسَةِ، وَالنَّجَاسَةُ إذَا أُحْرِقَتْ، وَتَغَيَّرَتْ لَمْ تَطْهُرْ كَالْعَذِرَةِ إذَا صَارَتْ رَمَادًا هَكَذَا الْحُكْمُ فِي السِّرْجِينِ إذَا سُجِّرَ بِهِ التَّنُّورُ فَهَلْ يَكُونُ دُخَانُهُ طَاهِرًا أَمْ يُنَجَّسُ عَلَى وَجْهَيْنِ: فَإِذَا قُلْنَا: إنَّ ذَلِكَ طَاهِرٌ فَأَيُّ مَوْضِعٍ أَصَابَهُ مِنْ ثَوْبٍ، أَوْ بَدَنٍ فَهُوَ طَاهِرٌ، وَالصَّلَاةُ مَعَهُ جَائِزَةٌ، وَإِذَا قُلْنَا: إنَّهُ نَجِسٌ فَإِذَا أَصَابَ شَيْئًا مِنْ ثَوْبِهِ، أَوْ بَدَنِهِ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ قَلِيلًا عُفِيَ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا، وَجَبَ غَسْلُهُ، وَإِنْ سُجِّرَ بِهِ التَّنُّورُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُخْبَزَ فِيهِ حَتَّى يُمْسَحَ بِخِرْقَةٍ طَاهِرَةٍ فَيُزَالُ عَنْهُ الدُّخَانُ فَإِنْ خُبِزَ قَبْلَ أَنْ يُمْسَحَ فَالْجَانِبُ الَّذِي فِي التَّنُّورِ مِنْ الْخُبْزِ نَجِسٌ لَا يَجُوزُ أَكْلُهُ إلَّا بَعْدَ أَنْ يُغْسَلَ.