الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَهَذِهِ طُرُقٌ عَنْ هَؤُلَاءِ الْجَمَاعَةِ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَشُهْرَةُ هَذَا الْأَمْرِ تُغْنِي عَنْ إِسْنَادِهِ مَعَ وُرُودِهِ فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ.
وَمَا يَذْكُرُهُ بَعْضُ الْقُصَّاصِ مِنْ أَنَّ الْقَمَرَ دَخَلَ فِي جَيْبِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَخَرَجَ مِنَ كُمِّهِ، وَنَحْوَ هَذَا الْكَلَامِ فَلَيْسَ لَهُ أَصْلٌ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ، وَالْقَمَرُ فِي حَالِ انْشِقَاقِهِ لَمْ يُزَايِلِ السَّمَاءَ بَلِ انْفَرَقَ بِاثْنَتَيْنِ وَسَارَتْ إِحْدَاهُمَا حَتَّى صَارَتْ وَرَاءَ جَبَلِ حِرَاءَ، وَالْأُخْرَى مِنَ النَّاحِيَةِ الْأُخْرَى، وَصَارَ الْجَبَلُ بَيْنَهُمَا، وَكِلْتَا الْفِرْقَتَيْنِ فِي السَّمَاءِ وَأَهْلُ مَكَّةَ يَنْظُرُونَ إِلَى ذَلِكَ، وَظَنَّ كَثِيرٌ مِنْ جَهْلَتِهِمْ أَنَّ هَذَا شَيْءٌ سُحِرَتْ بِهِ أَبْصَارُهُمْ، فَسَأَلُوا مَنْ قَدِمَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْمُسَافِرِينَ فَأَخْبَرُوهُمْ بِنَظِيرِ مَا شَاهَدُوهُ، فَعَلِمُوا صِحَّةَ ذَلِكَ وَتَيَقَّنُوهُ.
فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَ لَمْ يُعْرَفْ هَذَا فِي جَمِيعِ أَقْطَارِ الْأَرْضِ؟ فَالْجَوَابُ وَمَنْ يَنْفِي ذَلِكَ، وَلَكِنْ تَطَاوَلَ الْعَهْدُ وَالْكَفَرَةُ يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ، وَلَعَلَّهُمْ لَمَّا أُخْبِرُوا أَنَّ هَذَا كَانَ آيَةً لِهَذَا النَّبِيِّ الْمَبْعُوثِ،
تَدَاعَتْ آراؤهم الفاسدة على كمانة وَتَنَاسِيهِ. عَلَى أَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْمُسَافِرِينَ أَنَّهُمْ شَاهَدُوا هَيْكَلًا بِالْهِنْدِ مَكْتُوبًا عليه أنه نبى فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي انْشَقَّ الْقَمَرُ فِيهَا، ثُمَّ لَمَّا كَانَ انْشِقَاقُ الْقَمَرِ لَيْلًا قَدْ يَخْفَى أَمْرُهُ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ لِأُمُورٍ مَانِعَةٍ مِنْ مُشَاهَدَتِهِ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ، مِنْ غُيُومٍ مُتَرَاكِمَةٍ كَانَتْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ فِي بُلْدَانِهِمْ، وَلِنَوْمِ كَثِيرٍ مِنْهُمْ، أَوْ لَعَلَّهُ كَانَ فِي أَثْنَاءِ اللَّيْلِ حَيْثُ يَنَامُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَدْ حَرَّرْنَا هذا فيما تقدم فى كتابنا التفسير.
[معجزة رد الشمس بعد مغيبها]
فَأَمَّا حَدِيثُ رَدِّ الشَّمْسِ بَعْدَ مَغِيبِهَا فَقَدْ أَنْبَأَنِي شَيْخُنَا الْمُسْنِدُ الرُّحْلَةُ بَهَاءُ الدِّينِ الْقَاسِمُ بن المظفر ابن تاج الأمناء بن عساكر (إذنا و) قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ ابن عساكر المشهور بالنسابة، قال:
أخبرنا أبو المظفر ابن الْقُشَيْرِيِّ وَأَبُو الْقَاسِمِ الْمُسْتَمْلِي قَالَا: ثَنَا أَبُو عثمان المحبر أنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الحسن الدنايعانى بِهَا، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
أَحْمَدَ بْنِ مَحْبُوبٍ، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ الْقُشَيْرِيِّ: ثنا أبو العباس المحبوبى، ثنا سعيد ابن مَسْعُودٍ ح، قَالَ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ عَسَاكِرَ وَأَنَا أَبُو الْفَتْحِ الْمَاهَانِيُّ، أَنَا شُجَاعُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ منده، أنا عثمان بن أحمد الننسى، أَنَا أَبُو أُمَيَّةَ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، ثَنَا فُضَيْلُ بن مرزوق عن إبراهيم ابن الْحَسَنِ، زَادَ أَبُو أُمَيَّةَ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْحُسَيْنِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يوحى إليه ورأسه في حجر علي فَلَمْ يُصَلِّ الْعَصْرَ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّيْتَ الْعَصْرَ؟ وَقَالَ أَبُو أُمَيَّةَ: صَلَّيْتَ يَا عَلِيُّ؟ قَالَ: لَا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَقَالَ أَبُو أُمَيَّةَ: فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم اللَّهُمَّ إِنَّهُ كَانَ فِي طَاعَتِكَ وَطَاعَةِ نَبِيِّكَ، وَقَالَ أَبُو أُمَيَّةَ: رَسُولِكَ، فَارْدُدْ عَلَيْهِ الشَّمْسَ، قَالَتْ أَسْمَاءُ: فَرَأَيْتُهَا غَرَبَتْ ثُمَّ رَأَيْتُهَا طَلَعَتْ بَعْدَ مَا غَرَبَتْ.
وقد رواه الشيخ أبو الفرج ابن الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَنْدَهْ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَمِنْ طَرِيقِ أبى جعفر العقيلى: ثنا أحمد ابن دَاوُدَ، ثَنَا عَمَّارُ بْنُ مَطَرٍ، ثَنَا فَضِيلُ بْنُ مَرْزُوقٍ فَذَكَرَهُ.
ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ، وَقَدِ اضْطَرَبَ الرُّوَاةُ فِيهِ فَرَوَاهُ سَعِيدُ ابن مسعود عن عبيد الله ابن مُوسَى عَنْ فُضَيْلِ بْنِ مَرْزُوقٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دينار عن عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ عَلِيٍّ عَنْ أَسْمَاءَ، وَهَذَا تَخْلِيطٌ فِي الرِّوَايَةِ. قَالَ: وَأَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ لَيْسَ بِشَيْءٍ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ مَتْرُوكٌ كَذَّابٌ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ كَانَ يَضَعُ الْحَدِيثَ، وَعَمَّارُ بْنُ مَطَرٍ قَالَ فِيهِ الْعُقَيْلِيُّ:
كَانَ يُحَدِّثُ عَنِ الثِّقَاتِ بِالْمَنَاكِيرِ «1» ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ. قَالَ:
وَفُضَيْلُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَدْ ضَعَّفَهُ يَحْيَى، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: يَرْوِي الموضوعات ويخطىء عن الثقات.
(1) المناكير: الأمور المستهجنة.
وبه قال الحافظ بن عساكر، قال: وأخبرنا أبو محمد عن طاوس، أنا عاصم ابن الحسن أنا أبو عمرو بْنُ مَهْدِيٍّ، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ عُقْدَةَ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى الصُّوفِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شَرِيكٍ، حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عُرْوَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُشَيْرٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ عَلِيٍّ فَرَأَيْتُ فِي عُنُقِهَا خَرَزَةً، وَرَأَيْتُ فِي يَدَيْهَا مَسَكَتَيْنِ غَلِيظَتَيْنِ- وَهِيَ عَجُوزٌ كَبِيرَةٌ- فَقُلْتُ لَهَا: مَا هَذَا؟ فَقَالَتْ: إِنَّهُ يُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَتَشَبَّهَ بِالرِّجَالِ، ثُمَّ حَدَّثَتْنِي أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ حَدَّثَتْهَا أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ دَفَعَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْهِ فَجَلَّلَهُ بِثَوْبِهِ فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى أَدْبَرَتِ الشمس يقول: غَابَتْ أَوْ كَادَتْ أَنْ تَغِيبَ، ثُمَّ إِنْ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُرِّيَ عَنْهُ فَقَالَ: أَصَلَّيْتَ يَا عَلِيُّ؟ قَالَ:
لَا، فقال النبى ص اللهم ردّ على علي الشمس، فرجعت حَتَّى بَلَغَتْ نِصْفَ الْمَسْجِدِ، قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: وَقَالَ أَبِي حَدَّثَنِي مُوسَى الْجُهَنِيُّ نَحْوَهُ، ثُمَّ قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ: هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، وَفِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْمَجَاهِيلِ.
وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ: وَقَدْ رَوَى ابْنُ شَاهِينَ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ ابْنِ عُقْدَةَ فَذَكَرَهُ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا بَاطِلٌ، وَالْمُتَّهَمُ بِهِ ابْنُ عُقْدَةَ، فَإِنَّهُ كَانَ رَافِضِيًّا يُحَدِّثُ بِمَثَالِبِ الصَّحَابَةِ.
قَالَ الْخَطِيبُ: ثَنَا عَلِيُّ بْنُ محمد بن نصر، سمعت حمزة ابن يُوسُفَ يَقُولُ: كَانَ ابْنُ عُقْدَةَ بِجَامِعِ بَرَاثَا «1» يُمْلِي مَثَالِبَ الصَّحَابَةِ أَوْ قَالَ: الشَّيْخَيْنِ فَتَرَكْتُهُ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: كَانَ ابْنُ عُقْدَةَ رَجُلَ سُوءٍ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ:
سَمِعْتُ أَبَا بَكْرِ بْنَ أَبِي غَالِبٍ يَقُولُ: ابْنُ عُقْدَةَ لَا يَتَدَيَّنُ بِالْحَدِيثِ لِأَنَّهُ كَانَ يَحْمِلُ شُيُوخًا بِالْكُوفَةِ عَلَى الْكَذِبِ فَيُسَوِّي لَهُمْ نُسَخًا وَيَأْمُرُهُمْ أَنْ يَرْوُوهَا، وقد بينا كذبه من عند شَيْخٍ بِالْكُوفَةِ.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بِشْرٍ الدُّولَابِيُّ فِي كِتَابِهِ «الذُّرِّيَّةِ الطَّاهِرَةِ» : حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُونُسَ، ثَنَا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، ثَنَا الْمُطَّلِبُ بن زياد عن إبراهيم بن
(1) براثا: اسم محلة كانت بطرف العراق.
حبان عن عبد الله بن حسن عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْحُسَيْنِ عَنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: كَانَ رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حِجْرِ عَلِيٍّ وَهُوَ يُوحَى إِلَيْهِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِنَحْوِ مَا تَقَدَّمَ، إِبْرَاهِيمُ بْنُ حبان هَذَا تَرَكَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَاصِرٍ الْبَغْدَادِيُّ الْحَافِظُ: هَذَا الْحَدِيثُ مَوْضُوعٌ، قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الذَّهَبِيُّ: وَصَدَقَ ابْنُ نَاصِرٍ، وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَقَدْ رَوَاهُ ابن مردويه من طريق حديث داود بن واهج عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: نَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرَأَسُهُ فِي حَجْرِ عَلِيٍّ وَلَمْ يَكُنْ صَلَّى الْعَصْرَ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ فَلَمَّا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَعَا لَهُ فَرُدَّتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ حَتَّى صَلَّى ثُمَّ غَابَتْ ثَانِيَةً، ثُمَّ قَالَ:
وَدَاوُدُ ضَعَّفَهُ شُعْبَةُ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَمِنْ تَغْفِيلِ وَاضِعِ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ نَظَرَ إلى صورة فضله وَلِمَ يَتَلَمَّحْ عَدَمَ الْفَائِدَةِ فَإِنَّ صَلَاةَ الْعَصْرِ بِغَيْبُوبَةِ الشَّمْسِ صَارَتْ قَضَاءً فَرُجُوعُ الشَّمْسِ لَا يُعِيدُهَا أَدَاءً، وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أن الشمس لم تُحْبَسْ عَلَى أَحَدٍ إِلَّا لِيُوشَعَ.
قُلْتُ: هَذَا الْحَدِيثُ ضَعِيفٌ وَمُنْكَرٌ مِنْ جَمِيعِ طُرُقِهِ فَلَا تَخْلُو وَاحِدَةٌ مِنْهَا عَنْ شِيعِيٍّ وَمَجْهُولِ الْحَالِ وَشِيعِيٍّ وَمَتْرُوكٍ وَمِثْلُ هَذَا الْحَدِيثِ لَا يُقْبَلُ فِيهِ خَبَرٌ وَاحِدٌ إِذَا اتَّصَلَ سَنَدُهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ مَا تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ نَقْلِهِ بِالتَّوَاتُرِ وَالِاسْتِفَاضَةِ لَا أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، وَنَحْنُ لَا نُنْكِرُ هَذَا فِي قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَبِالنِّسْبَةِ إِلَى جَنَابِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهَا رُدَّتْ لِيُوشَعَ بْنِ نُونٍ، وَذَلِكَ يَوْمَ حَاصَرَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، وَاتَّفَقَ ذَلِكَ فِي آخِرِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَكَانُوا لَا يُقَاتِلُونَ يَوْمَ السَّبْتَ فَنَظَرَ إِلَى الشَّمْسِ وَقَدْ تنصفت لِلْغُرُوبِ فَقَالَ: إِنَّكِ مَأْمُورَةٌ، وَأَنَا مَأْمُورٌ، اللَّهُمَّ احْبِسْهَا عَلَيَّ، فَحَبَسَهَا اللَّهُ عَلَيْهِ حَتَّى فَتَحُوهَا، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَعْظَمُ جَاهًا وَأَجَلُّ مَنْصِبًا وَأَعْلَى قَدْرًا مِنْ يُوشَعَ ابن نُونٍ، بَلْ مِنْ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَلَكِنْ لَا نَقُولُ إِلَّا مَا صَحَّ عِنْدَنَا (عَنْهُ) وَلَا نُسْنِدُ إِلَيْهِ مَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ، وَلَوْ صَحَّ لَكُنَّا مِنْ أَوَّلِ الْقَائِلِينَ بِهِ، وَالْمُعْتَقِدِينَ لَهُ وَبِاللَّهِ الْمُسْتَعَانُ.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ زَنْجَوَيْهِ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِهِ «إِثْبَاتِ إِمَامَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ» فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ مِنَ الرَّوَافِضِ: إِنَّ أَفْضَلَ فَضِيلَةٍ لِأَبِي الْحَسَنِ وَأَدَلَّ (دَلِيلٍ) عَلَى إِمَامَتِهِ مَا رُوِيَ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ قَالَتْ:
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يوحى إليه فِي حِجْرِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَلَمْ يُصَلِّ الْعَصْرَ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِعَلِيٍّ: صَلَّيْتَ؟ قال: لا، فقال رسول الله: اللَّهُمَّ إِنَّهُ كَانَ فِي طَاعَتِكَ وَطَاعَةِ رَسُولِكَ فَارْدُدْ عَلَيْهِ الشَّمْسَ، قَالَتْ أَسْمَاءُ: فَرَأَيْتُهَا غَرَبَتْ ثُمَّ رَأَيْتُهَا طَلَعَتْ بَعْدَ مَا غَرَبَتْ. قِيلَ له: كيف لنا لو صح هذا الحديث فنحتج على مخالفتنا من اليهود والنصارى، ولكن الحديث ضعيف حدا لَا أَصْلَ لَهُ، وَهَذَا مِمَّا كَسَبَتْ أَيْدِي الرَّوَافِضِ، وَلَوْ رُدَّتِ الشَّمْسُ بَعْدَ مَا غَرَبَتْ لَرَآهَا الْمُؤْمِنُ وَالْكَافِرُ وَنَقَلُوا إِلَيْنَا أَنَّ فِي يَوْمِ كَذَا مِنْ شَهْرِ كَذَا فِي سَنَةِ كَذَا رُدَّتِ الشَّمْسُ بَعْدَ مَا غَرَبَتْ. ثُمَّ يُقَالُ لِلرَّوَافِضِ:
أَيَجُوزُ أَنْ تُرَدَّ الشَّمْسُ لِأَبِي الْحَسَنِ حِينَ فَاتَتْهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ، وَلَا تُرَدَّ لِرَسُولِ اللَّهِ وَلِجَمِيعِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَعَلِيٌّ فِيهِمْ حِينَ فَاتَتْهُمْ صَلَاةُ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ يَوْمَ الخندق؟ قال: وأيضا مرة أخرج عَرَّسَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ حِينَ قَفَلَ مِنْ غَزْوَةِ خَيْبَرَ، فَذَكَرَ نَوْمَهُمْ عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَصَلَاتَهُمْ لَهَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، قَالَ: فَلَمْ يُرَدَّ اللَّيْلُ على رسول الله وَعَلَى أَصْحَابِهِ، قَالَ: وَلَوْ كَانَ هَذَا فَضْلًا أعطيه رسول الله وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَمْنَعَ رَسُولَهُ شَرَفًا وَفَضْلًا- يَعْنِي أُعْطِيَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ- ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ الْجُوزَجَانِيُّ: قُلْتُ لِمُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيِّ مَا تَقُولُ فِيمَنْ يَقُولُ: رَجَعَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ حَتَّى صَلَّى الْعَصْرَ؟ فَقَالَ:
مَنْ قَالَ هَذَا فَقَدَ كَذَبَ، وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ: سَأَلْتُ يَعْلَى بْنَ عُبَيْدٍ الطَنَافِسِيَّ قُلْتُ: إِنَّ نَاسًا عِنْدَنَا يَقُولُونَ: إِنَّ عَلِيًّا وَصِيِّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرَجَعَتْ عَلَيْهِ الشمس، فقال: كذب هذا كله.
***