الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمِنْ كِتَابِ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ فِي بَابِ إِخْبَارِهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْغُيُوبِ الْمُسْتَقْبَلَةِ
فَمِنْ ذَلِكَ مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّهُ قَدْ كَانَ فِي الْأُمَمِ مُحَدَّثُونَ، فَإِنْ يَكُنْ فِي أمتى فعمر ابن الخطاب «1» ، وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ:
ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، أَنَا أَبُو إِسْرَائِيلَ كُوفِيٌّ عَنِ الْوَلِيدِ ابن العيزار عن عمر ابن مَيْمُونٍ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه، قَالَ: مَا كُنَّا نُنْكِرُ وَنَحْنُ مُتَوَافِرُونَ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، أَنَّ السِّكِّينَةَ تَنْطِقُ على لسان عمر.
قال البيهقى: تابعه ذر ابن حبيش والشعبى عن على، وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: ثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ: كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَنْطِقُ عَلَى لِسَانِ مَلَكٍ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي سِيرَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَشْيَاءَ كَثِيرَةً، مِنْ مُكَاشَفَاتِهِ وَمَا كَانَ يُخْبِرُ بِهِ مِنَ الْمُغَيَّبَاتِ كَقِصَّةِ سَارِيَةَ بْنِ زُنَيْمٍ، وَمَا شَاكَلَهَا وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
وَمِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ فِرَاسٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ نِسَاءَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم اجْتَمَعْنَ عِنْدَهُ فَقُلْنَ يوما:
يا رسول الله أيتنا أَسْرَعُ بِكَ لُحُوقًا؟ فَقَالَ: أَطْوَلُكُنَّ يَدًا، وَكَانَتْ سَوْدَةُ أَطْوَلَنَا ذِرَاعًا، فَكَانَتْ أَسْرَعَنَا بِهِ لُحُوقًا.
هَكَذَا وَقَعَ فِي الصَّحِيحِ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ أَنَّهَا سودة، وقد رواه أنس ابن بُكَيْرٍ عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ عَنِ الشَّعْبِيِّ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ مُرْسَلًا وَقَالَ: فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ زَيْنَبُ عَلِمْنَ أَنَّهَا كَانَتْ أَطْوَلَهُنَّ يَدًا فِي الخير والصدقة، والذى رواه
(1) أحمد في مسنده (5/ 228) .
مسلم عن محمود بن غيلان عن الفصل بْنِ مُوسَى عَنْ طَلْحَةُ بْنُ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها، فَذَكَرَتِ الْحَدِيثَ وَفِيهِ: فَكَانَتْ زَيْنَبُ أَطْوَلَنَا يَدًا، لِأَنَّهَا كَانَتْ تَعْمَلُ بِيَدِهَا وَتَصَدَّقُ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ عُلَمَاءِ التَّارِيخِ أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ كَانَتْ أَوَّلَ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَفَاةً.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: تُوُفِّيَتْ سَنَةَ عِشْرِينَ، وَصَلَّى عَلَيْهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، قُلْتُ: وَأَمَّا سَوْدَةُ فَإِنَّهَا تُوُفِّيَتْ فِي آخِرِ إِمَارَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَيْضًا، قَالَهُ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، وَمِنْ ذلك ما رواه مسلم من حديث أسيد بْنِ جَابِرٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي قصة أويس القرنى، وإخباره عليه السلام عَنْهُ بِأَنَّهُ خَيْرُ التَّابِعِينَ وَأَنَّهُ كَانَ بِهِ بَرَصٌ فَدَعَا اللَّهَ فَأَذْهَبَهُ عَنْهُ، إِلَّا مَوْضِعًا قَدْرَ الدِّرْهَمِ مِنْ جَسَدِهِ، وَأَنَّهُ بَارٌّ بِأُمِّهِ وَأَمْرُهُ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ يَسْتَغْفِرَ لَهُ، وَقَدْ وُجِدَ هَذَا الرَّجُلُ فِي زَمَانِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَلَى الصِّفَةِ وَالنَّعْتِ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْحَدِيثِ سَوَاءً.
وَقَدْ ذَكَرْتُ طُرُقَ هَذَا الْحَدِيثِ وَأَلْفَاظَهُ وَالْكَلَامَ عَلَيْهِ مُطَوَّلًا فِي الَّذِي جَمَعْتُهُ مِنْ مُسْنَدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه وَلِلَّهِ الْحَمْدِ وَالْمِنَّةُ.
وَمِنْ ذَلِكَ ما رواه أبو داود: حدثنا عثمان ابن أَبِي شَيْبَةَ، ثَنَا وَكِيعٌ، ثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ عبد الله بن جميع، حدثنى جرير بن عبد الله وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَلَّادٍ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ أُمِّ وَرَقَةَ بِنْتِ نَوْفَلٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا غَزَا بَدْرًا قَالَتْ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ائْذَنْ لِي فِي الْغَزْوِ مَعَكَ أُمَرِّضُ مَرْضَاكُمْ، لعل الله يرززقنى بالشهادة، فَقَالَ لَهَا: قِرِّي فِي بَيْتِكِ فَإِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُكِ الشَّهَادَةَ، فَكَانَتْ تُسَمَّى الشَّهِيدَةُ، وَكَانَتْ قَدْ قَرَأَتِ الْقُرْآنَ، فَاسْتَأْذَنَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أن تتخذ فى بيتها مؤذنا يؤذن لَهَا، وَكَانَتْ دَبَّرَتْ غُلَامًا لَهَا وَجَارِيَةً، فَقَامَا إِلَيْهَا بِاللَّيْلِ فَغَمَّاهَا فِي قَطِيفَةٍ لَهَا حَتَّى مَاتَتْ وَذَهَبَا، فَأَصْبَحَ عُمَرُ فَقَامَ فِي النَّاسِ وَقَالَ: مَنْ عِنْدَهُ مِنْ هَذَيْنَ عِلْمٌ أَوْ من رآهما فليجىء بهما، فجيىء بِهِمَا، فَأَمَرَ بِهِمَا فَصُلِبَا، وَكَانَا أَوَّلَ مَصْلُوبَيْنِ بالمدينة.
وَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي نُعَيْمٍ: ثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ جُمَيْعٍ، حَدَّثَتْنِي جَدَّتِي عَنْ أُمِّ وَرَقَةَ بِنْتِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَزُورُهَا وَيُسَمِّيهَا الشَّهِيدَةَ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِي آخِرِهِ فَقَالَ عُمَرُ: صَدَقَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ: انْطَلَقُوا بِنَا نَزُورُ الشَّهِيدَةَ.
وَمِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ فِي حَدِيثِهِ عَنْهُ فِي الْآيَاتِ السِّتِّ بعد موته وفيه: ثم موتان بأحدكم كقصاص الغنم، وهذا قد وقع فى أيام عشر، وَهُوَ طَاعُونُ عَمَوَاسَ سَنَةَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ، وَمَاتَ بِسَبَبِهِ جَمَاعَاتٌ مِنْ سَادَاتِ الصَّحَابَةِ، مِنْهُمْ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ، وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، وَشُرَحْبِيلُ بْنُ حَسَنَةَ، وَأَبُو جَنْدَلٍ سَهْلُ بن عمر وأبوه، والفضل بن العباسبن عَبْدِ الْمَطْلَبِ، رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ.
وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، ثَنَا النَّهَّاسُ بْنُ قَهْمٍ، ثَنَا شَدَّادُ أَبُو عَمَّارٍ عَنْ معاذ ابن جَبَلٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: سِتٌّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ، مَوْتِي، وَفَتْحُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَمَوْتٌ يَأْخُذُ فِي النَّاسِ كقصاص الغنم، وفتنة يدخل حريمها بَيْتَ كُلِّ مُسْلِمٍ، وَأَنْ يُعْطَى الرَّجُلُ أَلْفَ دينار فيسخطها، وأن يغزو الروم فيسيرون إليه بِثَمَانِينَ بَنْدًا تَحْتَ كُلِّ بَنْدٍ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا «1» .
وَقَدْ قَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ ثَنَا بَحْرُ بْنُ نَصْرٍ، ثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ عبد الله بن حبان أَنَّهُ سَمِعَ سُلَيْمَانَ بْنَ مُوسَى يَذْكُرُ أَنَّ الطَّاعُونَ وَقَعَ بِالنَّاسِ يَوْمَ جِسْرِ عَمُوسَةَ فَقَامَ عمرو ابن الْعَاصِ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا هَذَا الْوَجَعُ رِجْسٌ فَتَنَحُّوا عَنْهُ، فَقَامَ شُرَحْبِيلُ بْنُ حَسَنَةَ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي قَدْ
(1) أحمد في مسنده (4/ 195، 196) .
سَمِعْتُ قَوْلَ صَاحِبِكُمْ، وَإِنِّي وَاللَّهِ لَقَدْ أَسْلَمْتُ وَصَلَّيْتُ، وَإِنَّ عَمْرًا لَأَضَلُّ مِنْ بَعِيرِ أَهْلِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ بَلَاءٌ أَنْزَلَهُ اللَّهُ عز وجل، فَاصْبِرُوا، فَقَامَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي قَدْ سَمِعْتُ قَوْلَ صَاحِبَيْكُمْ هَذَيْنَ، وَإِنَّ هَذَا الطَّاعُونَ رَحْمَةٌ بِكُمْ وَدَعْوَةُ نَبِيِّكُمْ صلى الله عليه وسلم، وَإِنِّي قَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: إِنَّكُمْ سَتَقْدَمُونَ الشَّامَ فَتَنْزِلُونَ أَرْضًا يُقَالُ لَهَا: أَرْضُ عَمُوسَةَ، فَيَخْرُجُ بِكُمْ فِيهَا خُرْجَانٌ له ذباب كذباب الدملى. يَسْتَشْهِدُ اللَّهُ بِهِ أَنْفُسَكُمْ وَذَرَارِيَّكُمْ وَيُزَكِّي بِهِ أَمْوَالَكُمْ، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي قَدْ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَارْزُقْ مُعَاذًا وَآلَ مُعَاذٍ مِنْهُ الْحَظَّ الْأَوْفَى وَلَا تُعَافِهِ مِنْهُ، قَالَ: فَطُعِنَ فِي السَّبَّابَةِ فَجَعَلَ يَنْظُرُ إِلَيْهَا وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ بَارِكْ فِيهَا، فَإِنَّكَ إِذَا بَارَكْتَ فِي الصَّغِيرِ كَانَ كَبِيرًا، ثُمَّ طُعِنَ ابْنُهُ فَدَخَلَ عَلَيْهِ فَقَالَ: الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (147)«1» فَقَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102)«2» .
وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ وَجَامِعِ ابن أَبِي رَاشِدٍ عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ عُمَرَ فَقَالَ: أَيُّكُمْ يَحْفَظُ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْفِتْنَةِ؟ قُلْتُ: أَنَا، قَالَ هَاتِ، إِنَّكَ لِجَرِيءٌ، فَقُلْتُ: ذَكَرَ فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ وَجَارِهِ يُكَفِّرُهَا الصَّلَاةُ وَالصَّدَقَةُ وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ، فَقَالَ: لَيْسَ هَذَا أَعْنِي إِنَّمَا أَعْنِي الَّتِي تَمُوجُ مَوْجَ الْبَحْرِ، فَقُلْتُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا بَابًا مُغْلَقًا، قَالَ: ويحك، يفتح الله أَمْ يُكْسَرُ؟ قُلْتُ: بَلْ يُكْسَرُ، قَالَ: إِذًا لَا يُغْلَقُ أَبَدًا، قُلْتُ:
أَجَلْ، فَقُلْنَا لِحُذَيْفَةَ: فَكَانَ عُمَرُ يَعْلَمُ مَنِ الْبَابُ؟ قَالَ: نَعَمْ، وإنى حَدَّثْتُهُ حَدِيثًا لَيْسَ بِالْأَغَالِيطِ، قَالَ: فَهِبْنَا أَنْ نسأل حذيفة من الباب، فقلنا لمسروق قاله، فقال من بالباب؟ قال: عُمَرُ «3» ، وَهَكَذَا وَقَعَ مِنْ بَعْدِ مَقْتَلِ عُمَرَ،
(1) سورة البقرة، الآية:147.
(2)
سورة الصافات، الآية:102.
(3)
أخرجه البخاري في كتاب المناقب (3586)(10/ 460) .
وَقَعَتِ الْفِتَنُ فِي النَّاسِ، وَتَأَكَّدَ ظُهُورُهَا بِمَقْتَلِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رضي الله عنهما، وَقَدْ قَالَ يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ سفيان عن عروة ابن قَيْسٍ قَالَ خَطَبَنَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَقَالَ: إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بَعَثَنِي إِلَى الشَّامِ فَحِينَ أَلْقَى بَوَانِيَهُ بَثْنِيَّةً وَعَسَلًا أَرَادَ أَنْ يُؤْثِرَ بِهَا غَيْرِي وَيَبْعَثَنِي إِلَى الْهِنْدِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ تَحْتِهِ: اصْبِرْ أَيُّهَا الْأَمِيرُ، فَإِنَّ الْفِتَنَ قَدْ ظَهَرَتْ، فَقَالَ خَالِدٌ: أَمَّا وَابْنُ الْخَطَّابِ حَيٌّ فَلَا، وَإِنَّمَا ذَاكَ بَعْدَهُ.
وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَبْصَرَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى عُمَرَ ثَوْبًا فَقَالَ: أَجَدِيدٌ ثَوْبُكُ أَمْ غَسِيلٌ؟ قَالَ: بَلْ غَسِيلٌ، قَالَ: الْبَسْ جَدِيدًا، وَعِشْ حَمِيدًا، وَمُتْ شَهِيدًا، وَأَظُنُّهُ قَالَ: وَيَرْزُقُكَ اللَّهُ قُرَّةَ عَيْنٍ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ «1» .
وَهَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بِهِ، ثُمَّ قَالَ النَّسَائِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، أَنْكَرَهُ يَحْيَى الْقَطَّانُ عَلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ الزُّهْرِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مُرْسَلًا، قَالَ حَمْزَةُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِنَانِيُّ الْحَافِظُ:
لَا أَعْلَمُ أَحَدًا رَوَاهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ غَيْرَ مَعْمَرٍ، وَمَا أَحْسَبُهُ بِالصَّحِيحِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، قُلْتُ: رِجَالُ إِسْنَادِهِ وَاتِّصَالِهِ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحَيْنِ.
وقد قيل الشيخان، تفرد معمر عن الزهرى فى غير ما حَدِيثٍ، ثُمَّ قَدْ رَوَى الْبَزَّارُ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقِ جَابِرِ الْجُعْفِيِّ- وَهُوَ ضَعِيفٌ- عَنْ عبد الرحمن ابن سَابِطٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مَرْفُوعًا مِثْلَهُ سَوَاءً.
وَقَدْ وَقَعَ مَا أَخْبَرَ بِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ رضي الله عنه قُتِلَ شَهِيدًا وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي الْفَجْرَ فِي مِحْرَابِهِ مِنَ الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ، عَلَى صَاحِبِهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ، وقد تقدم حديث أبى ذرفى تَسْبِيحِ الْحَصَا فِي يَدِ أَبِي بَكْرٍ ثُمَّ عمر ثم عثمان، وقوله عليه السلام: هَذِهِ خِلَافَةُ النُّبُوَّةِ، وَقَالَ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ:
(1) أحمد في مسنده (2/ 89) .
ثنا عبد الله بن المبارك، أنا خرج بن نباتة عن سعيد بن جهمان عَنْ سَفِينَةَ قَالَ: لَمَّا بَنَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ جَاءَ أَبُو بَكْرٍ بِحَجَرٍ فَوَضَعَهُ، ثُمَّ جَاءَ عُمَرُ بِحَجَرٍ فَوَضَعَهُ، ثُمَّ جَاءَ عُثْمَانُ بِحَجَرٍ فَوَضَعَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
هؤلاء يكونون خلفاء بَعْدِي، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوَالَةَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: ثَلَاثٌ مَنْ نَجَا مِنْهُنَّ فَقَدْ نَجَا: مَوْتِي، وقتل خليفة مضطهد، وَالدَّجَّالُ، وَفِي حَدِيثِهِ الْآخَرِ، الْأَمْرُ بِاتِّبَاعِ عُثْمَانَ عِنْدَ وُقُوعِ الْفِتْنَةِ.
وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حديث سليمان بن بلال عن شريك ابن أَبِي نُمَيْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: تَوَضَّأْتُ فِي بَيْتِي، ثُمَّ خَرَجْتُ فَقُلْتُ: لَأَكُونُنَّ الْيَوْمِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَجِئْتُ الْمَسْجِدَ فَسَأَلْتُ عنه فقالوا: خرج وتوجه ههنا، فَخَرَجْتُ فِي أَثَرِهِ حَتَّى جِئْتُ بِئْرَ أَرِيسَ- وما بها مِنْ جَرِيدٍ- فَمَكَثْتُ عِنْدَ بَابِهَا حَتَّى عَلِمْتُ إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَدْ قَضَى حَاجَتَهُ وَجَلَسَ، فَجِئْتُهُ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَإِذَا هُوَ قَدْ جَلَسَ عَلَى قُفِّ بِئْرِ أَرِيسَ فَتَوَسَّطَهُ ثُمَّ دَلَّى رِجْلَيْهِ فِي الْبِئْرِ وَكَشَفَ عَنْ سَاقَيْهِ، فَرَجَعْتُ إِلَى الْبَابِ وَقُلْتُ: لَأَكُونَنَّ بَوَّابَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ دَقَّ الْبَابُ فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: أَبُو بَكْرٍ، قُلْتُ: عَلَى رِسْلِكَ، وَذَهَبْتُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا أَبُو بَكْرٍ يَسْتَأْذِنُ فَقَالَ: ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ، قَالَ:
فَخَرَجْتُ مُسْرِعًا حَتَّى قُلْتُ لِأَبِي بَكْرٍ: ادْخُلْ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُبَشِّرُكَ بِالْجَنَّةِ، قَالَ: فَدَخَلَ حَتَّى جَلَسَ إِلَى جَنْبِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْقُفِّ «1» عَلَى يَمِينِهِ وَدَلَّى رِجْلَيْهِ وَكَشَفَ عَنْ سَاقَيْهِ كَمَا صَنَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: ثُمَّ رَجَعْتُ وَقَدْ كُنْتُ تَرَكْتُ أَخِي يَتَوَضَّأُ وَقَدْ كَانَ قَالَ لِي: أَنَا عَلَى إِثْرِكَ، فَقُلْتُ: إِنْ يُرِدِ اللَّهُ بِفُلَانٍ خَيْرًا يَأْتِ بِهِ، قَالَ: فَسَمِعْتُ تَحْرِيكَ الْبَابِ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ:
عُمَرُ، قُلْتُ: عَلَى رِسْلِكَ، قَالَ: وَجِئْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ، قَالَ: فَجِئْتُ وَأَذِنْتُ لَهُ وَقُلْتُ لَهُ:
(1) القف: ما ارتفع من الأرض وصلبت حجارته.
رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُبَشِّرُكَ بِالْجَنَّةِ، قَالَ: فَدَخَلَ حَتَّى جَلَسَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى يَسَارِهِ وَكَشَفَ عَنْ سَاقَيْهِ وَدَلَّى رِجْلَيْهِ فِي الْبِئْرِ كَمَا صَنَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ، قال: ثم رجعت فقمت: إِنْ يُرِدِ اللَّهُ بِفُلَانٍ خَيْرًا يَأْتِ بِهِ، ويريد أَخَاهُ، فَإِذَا تَحْرِيكُ الْبَابِ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، قُلْتُ:
عَلَى رِسْلِكَ، وَذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ فَقُلْتُ: هَذَا عُثْمَانُ يستأذن، فَقَالَ:
ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ عَلَى بَلْوَى تصيبه، قَالَ: فَجِئْتُ فَقُلْتُ: رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْذَنُ لَكَ وَيُبَشِّرُكَ بِالْجَنَّةِ عَلَى بَلْوَى أَوْ بَلَاءٍ يُصِيبُكَ، فَدَخَلَ وَهُوَ يَقُولُ:
الله المستعان، وفلم يَجِدْ فِي الْقُفِّ مَجْلِسًا فَجَلَسَ وُجَاهَهُمْ مِنْ شِقِّ الْبِئْرِ، وَكَشَفَ عَنْ سَاقَيْهِ وَدَلَّاهُمَا فِي الْبِئْرِ، كَمَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، رضي الله عنهما، قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: فَأَوَّلْتُهَا قُبُورَهُمُ «1» ، اجْتَمَعَتْ وَانْفَرَدَ عُثْمَانُ.
وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ أَبِي الْمُسَاوِرِ عَنْ إبراهيم ابن مُحَمَّدِ بْنِ حَاطِبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بُجَيْرٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فقال: انْطَلِقْ حَتَّى تَأْتِيَ أَبَا بَكْرٍ فَتَجِدَهُ فِي دَارِهِ جَالِسًا مُحْتَبِيًا فَقُلْ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلَامَ وَيَقُولُ: أَبْشِرْ بِالْجَنَّةِ، ثُمَّ انْطَلِقْ حَتَّى تَأْتِيَ الثَّنِيَّةَ فَتَلْقَى عُمَرَ رَاكِبًا عَلَى حِمَارٍ تَلُوحُ صَلْعَتُهُ، فَقُلْ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلَامَ وَيَقُولُ: أَبْشِرْ بِالْجَنَّةِ، ثُمَّ انْصَرِفْ حَتَّى تَأْتِيَ عُثْمَانَ فَتَجِدَهُ فِي السُّوقِ يَبِيعُ وَيَبْتَاعُ، فَقُلْ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلَامَ.
وَيَقُولُ: أَبْشِرْ بِالْجَنَّةِ بَعْدَ بَلَاءٍ شَدِيدٍ.
فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي ذَهَابِهِ إِلَيْهِمْ فَوَجَدَ كُلًّا مِنْهُمْ كَمَا ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَكُلًّا مِنْهُمْ يقول: أين رسول الله؟ فَيَقُولُ: فِي مَكَانِ كَذَا وَكَذَا، فَيَذْهَبُ إِلَيْهِ، وَأَنَّ عُثْمَانَ لَمَّا رَجَعَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَيُّ بَلَاءٍ يُصِيبُنِي؟
وَالَّذِي بَعْثَكَ بِالْحَقِّ مَا تَغَيَّبْتُ وَلَا تَمَنَّيْتُ وَلَا مَسِسْتُ ذَكَرِي بيمينى منذ بايعتك
(1) أخرجه البخاري في كتاب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم (3674)(10/ 568) .
فَأَيُّ بَلَاءٍ يُصِيبُنِي؟ فَقَالَ: هُوَ ذَاكَ ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: عَبْدُ الْأَعْلَى ضَعِيفٌ، فَإِنْ كَانَ حافظ هَذَا الْحَدِيثَ فَيَحْتَمِلُ أَنْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ إِلَيْهِمْ زَيْدَ بْنَ أرقم فجاء وأبو موسى الأشعرى جَالِسٌ عَلَى الْبَابِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَهَذَا الْبَلَاءُ الَّذِي أَصَابَهُ هُوَ مَا اتَّفَقَ وُقُوعُهُ عَلَى يَدَيْ مَنْ أَنْكَرَ عَلَيْهِ مِنْ رِعَاعِ أَهْلِ الْأَمْصَارِ بِلَا عِلْمٍ، فَوَقَعَ مَا سَنَذْكُرُهُ فِي دَوْلَتِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ حَصْرِهِمْ إِيَّاهُ فِي دَارِهِ حَتَّى آلَ الْحَالُ بَعْدَ ذَلِكَ كُلِّهِ إِلَى اضْطِهَادِهِ وَقَتْلِهِ وَإِلْقَائِهِ عَلَى الطَّرِيقِ أَيَّامًا، لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَلَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ، حَتَّى غُسِّلَ بَعْدَ ذَلِكَ وَصَلِّيَ عَلَيْهِ وَدُفِنَ بحش كوكب- بسنان فى طريق الْبَقِيعِ- رضي الله عنه وَأَرْضَاهُ وَجَعَلَ جَنَّاتِ الْفِرْدَوْسِ مُتَقَلَّبَهُ وَمَثْوَاهُ.
كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ قَيْسٍ عَنْ أبى سهلة مولى عثمان بن عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ادْعُوا لِي بَعْضَ أَصْحَابِي، قُلْتُ: أَبُو بَكْرٍ؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: عُمَرُ؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: ابْنُ عَمِّكَ عَلِيٌّ؟ قَالَ: لَا، قُلْتُ: عُثْمَانُ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَلَمَّا جَاءَ عُثْمَانُ قال:
تنحى، فجعل يساره ولون عثمان يتغير، قَالَ أَبُو سَهْلَةَ: فَلَمَّا كَانَ يَوْمَ الدَّارِ وحضر فيها، قلنا يا أمير المؤمنين ألا تقاتل؟ قَالَ: لَا، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَهِدَ إِلَيَّ عَهْدًا وَإِنِّي صَابِرٌ نَفْسِي عَلَيْهِ، تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ.
ثُمَّ قَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ قَيْسٍ عَنْ عَائِشَةَ فَذَكَرَ مِثْلَهُ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ وَكِيعٍ، وَقَالَ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ فِي كِتَابِهِ الْفِتَنِ وَالْمَلَاحِمِ: حَدَّثَنَا عَتَّابُ بْنُ بَشِيرٍ عَنْ خُصَيْفٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعُثْمَانُ بَيْنَ يَدَيْهِ يُنَاجِيهِ، فَلَمْ أُدْرِكْ مِنْ مَقَالَتِهِ شيئا إلا قول عثمان: ظلما وَعُدْوَانًا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَمَا دَرَيْتُ مَا هُوَ حَتَّى قُتِلَ عُثْمَانُ، فَعَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا عَنَى قَتْلَهُ، قَالَتْ عَائِشَةُ: وَمَا أَحْبَبْتُ أَنْ يَصِلَ إِلَى عُثْمَانَ شَيْءٌ إِلَّا وَصَلَ إِلَيَّ مِثْلُهُ غيره إن شاء الله علم أنى لم أحسب قَتْلَهُ، وَلَوْ أَحْبَبْتُ قَتْلَهُ لَقُتِلْتُ، وَذَلِكَ لَمَّا
رُمِيَ هَوْدَجُهَا مِنَ النَّبْلِ حَتَّى صَارَ مِثْلَ الْقُنْفُذِ، وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو مولى الْمُطَّلِبِ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَقْتُلُوا إِمَامَكُمْ وَتَجْتَلِدُوا بِأَسْيَافِكُمْ، وَيَرِثُ دُنْيَاكُمْ شِرَارُكُمْ «1» .
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أنا على ابن مُحَمَّدٍ الْمِصْرِيُّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ السُّلَمِيُّ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ. حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ سَيْفٍ أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّهُ جَلَسَ يَوْمًا مَعَ شُفَيٍّ الْأَصْبَحِيِّ فَقَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: سَيَكُونُ فِيكُمُ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً، أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، لَا يَلْبَثُ خَلْفِي إِلَّا قَلِيلًا، وصاحب رَحَى الْعَرَبِ يَعِيشُ حَمِيدًا وَيَمُوتُ شَهِيدًا، فَقَالَ رَجُلٌ: وَمَنْ هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى عُثْمَانَ فَقَالَ: وَأَنْتَ يَسْأَلُكَ النَّاسُ أَنْ تَخْلَعَ قَمِيصًا كساكه الله، والذى بعتنى بِالْحَقِّ لَئِنْ خَلَعْتَهُ لَا تَدْخُلِ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ، ثُمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ: حَدَّثَنِي جَدِّي أَبُو أُمِّي، أَبُو حَبِيبَةَ أَنَّهُ دَخَلَ الدَّارَ وَعُثْمَانُ مَحْصُورٌ فِيهَا، وَأَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَسْتَأْذِنُ عُثْمَانَ فِي الْكَلَامِ فَأَذِنَ لَهُ، فَقَامَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي فِتْنَةً وَاخْتِلَافًا، فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ مِنَ النَّاسِ: فَمَنْ لَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ أَوْ مَا تَأْمُرُنَا؟ فَقَالَ: عَلَيْكُمْ بِالْأَمِينِ وَأَصْحَابِهِ، وَهُوَ يُشِيرُ إِلَى عُثْمَانَ بِذَلِكَ «2» ، وَقَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ عَفَّانَ عَنْ وُهَيْبٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ بِهِ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوَالَةَ شَاهِدَانِ لَهُ بِالصِّحَّةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ سُفْيَانَ عن منصور عن ربعى عن
(1) أحمد في مسنده (5/ 389) .
(2)
أحمد في مسنده (2/ 345) .
الْبَرَاءِ بْنِ نَاجِيَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ- هُوَ ابْنِ مَسْعُودٍ- عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: تَدُورُ رَحَى الْإِسْلَامِ لِخَمْسٍ وَثَلَاثِينَ، أَوْ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ، أَوْ سَبْعٍ وَثَلَاثِينَ، فَإِنْ هلكوا فسببل مِنْ قَدْ هَلَكَ، وَإِنْ يَقُمْ لَهُمْ دِينُهُمْ يقم لهم سبعين عاما، قال:
قلت: أمما مضى أو مما بَقِيَ «1» ؟.
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْأَنْبَارِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ بِهِ.
ثُمَّ رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ إِسْحَاقَ، وَحَجَّاجٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ رِبْعِيٍّ عَنِ البراء ابن نَاجِيَةَ الْكَاهِلِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِنَّ رَحَى الْإِسْلَامِ سَتَزُولُ لِخَمْسٍ وَثَلَاثِينَ، أَوْ سَبْعٍ وَثَلَاثِينَ، فَإِنْ تَهْلِكْ فَسَبِيلُ مَنْ هَلَكَ، وَإِنْ يَقُمْ لَهُمْ دِينُهُمْ يقم لهم سَبْعِينَ عَامًا، قَالَ: قَالَ: عُمَرُ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ أَبِمَا مَضَى أَوْ بِمَا بَقِيَ؟ قَالَ: بل بما بقى، وهكذا رواه يعقوب ابن سُفْيَانَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ مَنْصُورٍ بِهِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ فَذَكَرَهُ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَقَدْ تَابَعَ إِسْرَائِيلَ الْأَعْمَشُ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ مَنْصُورٍ، قَالَ: وَبَلَغَنِي أَنَّ فِي هَذَا إِشَارَةً إِلَى الْفِتْنَةِ الَّتِي كَانَ منها قَتْلُ عُثْمَانَ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ، ثُمَّ إِلَى الْفِتَنِ الَّتِي كَانَتْ فِي أَيَّامِ عَلِيٍّ، وَأَرَادَ بِالسَّبْعِينَ مُلْكَ بَنِي أُمَيَّةَ، فَإِنَّهُ بَقِيَ بَيْنَ ما اسْتَقَرَّ لَهُمُ الْمَلِكُ إِلَى أَنْ ظَهَرَتِ الدُّعَاةُ بِخُرَاسَانَ وَضَعُفَ أَمْرُ بَنِي أُمَيَّةَ وَدَخَلَ الْوَهْنُ فيه، نحوا من سبعين سنة، قلت: ثم انطوت هذه الحروب أيام صفين، وقاتل على الخوارج فى أثناء ذلك، كما تقدم الحديث المتفق على صحته، وفى الأخبار بذلك، وفى صفتهم وصفة الرجل المخدج «2» فيهم.
(1) أحمد في مسنده (1/ 390) .
(2)
المخدج: الناقص الخلقة.