الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ فِي تَرْتِيبِ الْإِخْبَارِ بِالْغُيُوبِ الْمُسْتَقْبِلَةِ بَعْدَهُ صلى الله عليه وسلم
ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ: قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِينَا مَقَامًا مَا تَرَكَ فِيهِ شَيْئًا إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ إِلَّا ذَكَرَهُ، عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ، وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ، وَقَدْ كُنْتُ أَرَى الشَّيْءَ قَدْ كُنْتُ نَسِيتُهُ فَأَعْرِفُهُ كَمَا يَعْرِفُ الرَّجُلُ الرَّجُلَ إِذَا غَابَ عَنْهُ فَرَآهُ فَعَرَفَهُ «1» .
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، حَدَّثَنِي ابْنُ جَابِرٍ، حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ حُذَيْفَةَ ابن الْيَمَانِ يَقُولُ: كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِيَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وشر، فجاء اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ، فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ:
نَعَمْ، قُلْتُ وَهَلْ بَعْدَ ذلك لشر مِنْ خَيْرٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَفِيهِ دَخَنٌ، قُلْتُ:
وَمَا دَخَنُهُ؟ فَقَالَ: قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي يعرف منهم ينكر، قُلْتُ: فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ نَعَمْ، دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ، مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا، قَالَ: هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا، ويكلمون بألسنتنا، قلت: فما أمرنى إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ؟ قَالَ: تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ، قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلَا إِمَامٌ قَالَ: فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا وَلَوْ أَنَّ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ.
وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أيضا ومسلم عن محمد ابن المثنى عن الوليد عن عبد الرحمن بن يزيد عن جابر به، قال البخارى، ثنا محمد بن مثنى، ثنا يحيى
(1) أخرجه البخاري في كتاب المناقب (3606)(10/ 479) .
ابن سَعِيدٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ قَيْسٍ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: تَعَلَّمَ أَصْحَابِي الْخَيْرَ:
وَتَعَلَّمْتُ الشَّرَّ، تَفَرَّدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: لَقَدْ حَدَّثَنِي رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمَا يَكُونُ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ، غَيْرَ أَنِّي لَمْ أَسْأَلْهُ مَا يُخْرِجُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ مِنْهَا.
وفى صحيح مسلم من حديث على بْنِ أَحْمَرَ عَنْ أَبِي يَزِيدَ- عَمْرِو بْنِ أَخْطَبَ- قَالَ: أَخْبَرَنَا رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمَا كَانَ وَبِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَأَعْلَمُنَا أَحَفَظُنَا، وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: حَتَّى دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُ خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ: وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ اللَّهُ هَذَا الْأَمْرَ وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ، وَكَذَا حَدِيثُ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ فِي ذَلِكَ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ* «1» وَقَالَ تَعَالَى وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ «2» الآية.
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَنَاظِرٌ كَيْفَ تعلمون، فَاتَّقُوا الدُّنْيَا، وَاتَّقُوا النِّسَاءَ، فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بنى إسرائيل كانت النِّسَاءِ «3» .
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً هِيَ أَضَرُّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الْمِسْوَرِ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، فَذَكَرَ قصة بعث أبى عبيدة إلى البحرين قال: وَفِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أبشروا واملوا ما يسركم، فو الله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن
(1) سورة التوبة، الآية:33.
(2)
سورة النور، الآية:55.
(3)
أحمد في مسنده (3/ 22) .
أَخْشَى أَنْ تَنْبَسِطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، فتهلككم كما أهلكتهم «1» .
وفى الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: هَلْ لَكَمَ مِنْ أَنْمَاطٍ؟ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: وَأَنَّى يَكُونُ لَنَا أَنْمَاطٌ؟ فَقَالَ: أَمَّا إِنَّهَا سَتَكُونُ لَكُمْ أَنْمَاطٌ، قَالَ: فَأَنَا أَقُولُ لِامْرَأَتِي: نَحِّي عَنِّي أَنْمَاطَكِ، فَتَقُولُ: أَلَمْ يَقُلْ رَسُولُ اللَّهِ: أَنَّهَا سَتَكُونُ لَكُمْ أَنْمَاطٌ؟ فَأَتْرُكُهَا «2» .
وَفِي الصحيحين والمسانيد والسنن وَغَيْرِهَا مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تُفْتَحُ الْيَمَنُ فيأتى قوم يبثون فَيَتَحَمَّلُونَ بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ، وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ «3» ، كَذَلِكَ رَوَاهُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ جَمَاعَةٌ كَثِيرُونَ وَقَدْ أَسْنَدَهُ الْحَافِظُ ابن عَسَاكِرَ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وابن جريج وأبو معاوية ومالك بن سعد بن الحسن وأبو ضمرة أنس ابن عياض وعبد الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ وَسَلَمَةَ بْنِ دِينَارٍ وَجَرِيرِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، عَنْ يُونُسَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ هِشَامِ ابن عُرْوَةَ، وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ هِشَامٍ، وَمِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ عَنْ هِشَامٍ بِهِ بِنَحْوِهِ.
ثُمَّ رَوَى أَحْمَدُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ الْهَاشِمِيِّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ:
أَخْبَرَنِي يزيد بن حصيفة أن بشر بْنِ سَعِيدٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ فِي مَجْلِسِ المكيين يَذْكُرُونَ أَنَّ سُفْيَانَ أَخْبَرَهُمْ، فَذَكَرَ قِصَّةً وَفِيهَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال له:
ويوشك الشام أن يفتح فَيَأْتِيَهُ رِجَالٌ مِنْ هَذَا الْبَلَدِ- يَعْنِي الْمَدِينَةَ- فيعجبهم ربعهم وَرَخَاؤُهُ وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ، ثم يفتح العراق فيأتى قوم
(1) أحمد في مسنده (4/ 137) .
(2)
أخرجه البخاري في كتاب المناقب (3631)(10/ 501) .
(3)
أخرجه البخاري في كتاب فضائل المدينة (1875)(6/ 168) .
يثبون فيحملون بِأَهْلِيهِمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ، وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقِ إسماعيل.
ورواه الحافظ ابن عَسَاكِرَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِنَحْوِهِ، وَكَذَا حَدِيثُ ابن حوالة، ويشهد لذلك: منعت الشام مدها وَدِينَارَهَا، وَمَنَعَتِ الْعِرَاقُ دِرْهَمَهَا وَقَفِيزَهَا، وَمَنَعَتِ مِصْرُ إِرْدَبَّهَا وَدِينَارَهَا، وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ، وَهُوَ فِي الصَّحِيحِ، وَكَذَا حَدِيثُ: الْمَوَاقِيتِ لِأَهْلِ الشَّامِ وَالْيَمَنِ، وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَعِنْدَ مُسْلِمٍ: مِيقَاتُ أَهْلِ الْعِرَاقِ، وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ أَيْضًا حَدِيثُ: إِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ. وَإِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُنْفِقُنَّ كُنُوزَهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ عز وجل.
وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ: اعْدُدْ سِتًّا بَيْنَ يَدَيِ الساعة، فذكر موته عليه السلام، ثم فتح بيت المقدس، ثم موتان- وَهُوَ الْوَبَاءُ- ثُمَّ كَثْرَةَ الْمَالِ، ثُمَّ فِتْنَةً، ثُمَّ هُدْنَةً بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالرُّومِ، وَسَيَأْتِي الْحَدِيثُ فِيمَا بَعْدُ.
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عبد الرحمن بن شماسة عن أبى زر قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ أَرْضًا يُذْكَرُ فِيهَا الْقِيرَاطُ فَاسْتَوْصُوا بِأَهْلِهَا خَيْرًا، فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا، فَإِذَا رَأَيْتُ رَجُلَيْنِ يَخْتَصِمَانِ فِي مَوْضِعِ لَبِنَةٍ فَاخْرُجْ مِنْهَا. قَالَ: فَمَرَّ بِرَبِيعَةَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بن شرجبيل بْنِ حَسَنَةَ يَخْتَصِمَانِ فِي مَوْضِعِ لَبِنَةٍ فَخَرَجَ مِنْهَا- يَعْنِي دِيَارَ مِصْرَ عَلَى يَدَيْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فِي سَنَةِ عِشْرِينَ كَمَا سَيَأْتِي.
وروى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ وَاللَّيْثِ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ ابْنٍ لِكَعْبِ ابن مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِذَا افْتَتَحْتُمْ مِصْرَ فَاسْتَوْصُوا بِالْقِبْطِ خَيْرًا، فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ إِسْحَقَ بْنِ رَاشِدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عن أبيه.
وَحَكَى أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ: ذِمَّةً وَرَحِمًا، فَقَالَ: مِنَ النَّاسِ مَنْ قَالَ: إِنَّ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ- هَاجَرَ- كَانَتْ قِبْطِيَّةً، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ قَالَ: أُمُّ إِبْرَاهِيمَ، قُلْتُ: الصَّحِيحُ الَّذِي لَا شك فيه آنهما قبطيتان كما قدمنا ذَلِكَ «1» ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ: ذِمَّةً، يَعْنِي بِذَلِكَ هَدِيَّةَ الْمُقَوْقِسِ إِلَيْهِ وَقَبُولَهُ ذَلِكَ مِنْهُ، وَذَلِكَ نَوْعٌ ذِمَامٍ وَمُهَادَنَةٍ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
وَتَقَدَّمَ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُحِلُّ بْنُ خَلِيفَةَ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ فِي فَتْحِ كُنُوزِ كِسْرَى وَانْتِشَارِ الْأَمْنِ، وَفَيَضَانِ الْمَالِ حَتَّى لَا يَتَقَبَّلَهُ أَحَدٌ، وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ عَدِيًّا شَهِدَ الْفَتْحَ وَرَأَى الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنَ الْحِيرَةِ إِلَى مَكَّةَ لَا تَخَافُ إِلَّا اللَّهَ، قَالَ: وَلَئِنْ طَالَتْ بِكُمْ حَيَاةٌ لَتَرَوُنَّ مَا قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم، مِنْ كَثْرَةِ الْمَالِ حَتَّى لَا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قُلْتُ:
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُتَأَخِّرًا إِلَى زَمَنِ الْمَهْدِيِّ كَمَا جَاءَ فِي صِفَتِهِ، أَوْ إِلَى زَمَنِ نُزُولِ عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ عليه السلام بَعْدَ قَتْلِهِ الدَّجَّالَ، فَإِنَّهُ قَدْ وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ يَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ، وَيَكْسِرُ الصَّلِيبَ، وَيَفِيضُ الْمَالُ حَتَّى لَا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ مُهَاجِرِ بْنِ مِسْمَارٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:
لَا يَزَالُ هَذَا الدِّينُ قَائِمًا مَا كَانَ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ، ثُمَّ يُخْرِجُ كَذَّابُونَ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ، وَلَيَفْتَحَنَّ عِصَابَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَنْزَ الْقَصْرِ الْأَبْيَضِ، قَصْرَ كِسْرَى، وَأَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ، الْحَدِيثُ بِمَعْنَاهُ.
وَتَقَدَّمَ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا:
إِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ، وَإِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ، والذى
(1) أحمد في مسنده (5/ 174) .
نَفْسِي بِيَدِهِ لِتُنْفِقُنَّ كُنُوزَهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ عز وجل، أَخْرَجَاهُ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ:
الْمُرَادُ زَوَالُ ملك قيصر، عن الشام، ولا يبقى فيها مُلْكِهِ عَلَى الرُّومِ، لِقَوْلِهِ عليه السلام، لَمَّا عَظَّمَ كِتَابُهُ: ثُبِّتَ مُلْكُهُ، وَأَمَّا مُلْكُ فَارِسَ فزال بالكلية، لقوله: مَزَّقَ اللَّهُ مُلْكَهُ، وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ يونس عن الحسن أن عمر بن الخطاب.
وَرَوَيْنَا فِي طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه لَمَّا جِيءَ بِفَرْوَةِ كِسْرَى وَسَيْفِهِ وَمِنْطَقَتِهِ وَتَاجِهِ وَسِوَارَيْهِ، أَلْبَسَ ذَلِكَ كُلَّهُ لِسُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ، وَقَالَ: قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَلْبَسَ ثِيَابَ كِسْرَى لِرَجُلٍ أَعْرَابِيٍّ مِنَ الْبَادِيَةِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: إِنَّمَا أَلْبَسَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِسُرَاقَةَ- وَنَظَرَ إِلَى ذِرَاعَيْهِ-: كَأَنِّي بك وقد لَبِسْتَ سِوَارَيْ كِسْرَى، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ عَدِيِّ ابن حَاتِمٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُثِّلَتْ لِيَ الْحِيرَةُ كَأَنْيَابِ الْكِلَابِ وَإِنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَهَا فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله هب لى ابنته نفيلة، قَالَ: هِيَ لَكَ، فَأَعْطَوْهُ إِيَّاهَا، فَجَاءَ أَبُوهَا فَقَالَ: أَتَبِيعَهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَبِكَمْ؟ احْكُمْ مَا شِئْتَ، قَالَ: أَلْفُ دِرْهَمٍ، قَالَ: قَدْ أَخَذْتُهَا، فَقَالُوا لَهُ: لَوْ قُلْتَ ثَلَاثِينَ أَلْفًا لَأَخَذَهَا، فَقَالَ: وَهَلْ عَدَدٌ أَكْثَرُ مِنْ أَلْفٍ؟.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، ثَنَا مُعَاوِيَةُ عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ حَبِيبٍ أَنَّ ابْنَ زُغْبٍ الْإِيَادِيَّ حَدَّثَهُ قَالَ: نَزَلَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوَالَةَ الْأَزْدِيِّ فَقَالَ لِي: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حول المدينة على أقدامنا لنغم، فرجعنا ولم نغم شَيْئًا، وَعَرَفَ الْجَهْدَ فِي وُجُوهِنَا، فَقَامَ فِينَا فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَا تَكِلْهُمْ إِلَيَّ فَأَضْعُفَ، وَلَا تَكِلْهُمْ إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَيَعْجِزُوا عَنْهَا، وَلَا تَكِلْهُمْ إِلَى النَّاسِ فَيَسْتَأْثِرُوا عَلَيْهِمْ، ثُمَّ قَالَ: لَتُفْتَحَنَّ لَكُمُ الشَّامُ وَالرُّومُ وَفَارِسُ، أَوِ الرُّومُ وَفَارِسُ، وَحَتَّى يَكُونَ لِأَحَدِكُمْ مِنَ الْإِبِلِ كَذَا وَكَذَا، وَمِنَ الْبَقَرِ كَذَا وَكَذَا، وَمِنَ الْغَنَمِ كَذَا وَكَذَا، وَحَتَّى يُعْطَى أَحَدُكُمْ مِائَةَ دِينَارٍ فَيَسْخَطَهَا، ثم
وَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِي أَوْ عَلَى هَامَتِي فَقَالَ: يَا ابْنَ حَوَالَةَ، إِذَا رَأَيْتَ الْخِلَافَةَ قَدْ نَزَلَتِ الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ فَقَدْ دَنَتِ الزَّلَازِلُ وَالْبَلَابِلُ وَالْأُمُورُ الْعِظَامُ، وَالسَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ إِلَى النَّاسِ مِنْ يَدِي هَذِهِ مِنْ رَأْسِكَ «1» .
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، وقال أحمد: حدثنا حيوة ابن شُرَيْحٍ، وَيَزِيدُ بْنُ عَبْدِ رَبِّهِ قَالَا: ثَنَا بَقِيَّةُ، حَدَّثَنِي بُجَيْرُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنِ أبى قفيلة عَنِ ابْنِ حَوَالَةَ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
سَيَصِيرُ الْأَمْرُ إِلَى أَنْ تَكُونَ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ، جُنْدٌ بِالشَّامِ، وَجُنْدٌ بِالْيَمَنِ، وَجُنْدٌ بِالْعِرَاقِ، فَقَالَ ابْنُ حَوَالَةَ: خرلى يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ، فَقَالَ:
عَلَيْكَ بِالشَّامِ فَإِنَّهُ خِيرَةُ اللَّهِ مَنْ أَرْضِهِ يجىء إِلَيْهِ خِيرَتَهُ مِنْ عِبَادِهِ، فَإِنْ أَبَيْتُمْ فَعَلَيْكُمْ بيمنكم واسعوا مِنْ غُدُرِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَكَفَّلَ لِي بِالشَّامِ وَأَهْلِهِ «2» .
وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ بِهِ، وَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا عن عصام ابن خالد وعلى بن عباس كلاهما عن جرير بن عثمان عن سليمان بن سمير عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوَالَةَ فَذَكَرَ نَحْوَهُ، ورواه الوليد ابن مسلم الدمشقى عن سعيد ابن عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ مَكْحُولٍ، وَرَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ عن أبى إدريس عن عبد الله ابن حَوَالَةَ بِهِ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، ثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ، حدثنى أبو علقمة- نصر ابن علقمة- يروى الْحَدِيثَ إِلَى جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ.
قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَوَالَةَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ الله فَشَكَوْنَا إِلَيْهِ الْعُرْيَ وَالْفَقْرَ، وَقِلَّةَ الشَّيْءِ، فَقَالَ: أبشروا فو الله لَأَنَا بِكَثْرَةِ الشَّيْءِ أَخْوَفُنِي عَلَيْكُمْ مِنْ قِلَّتِهِ، وَاللَّهِ لَا يَزَالُ هَذَا الْأَمْرُ فِيكُمْ حَتَّى يَفْتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ أَرْضَ الشَّامِ، أَوْ قَالَ:
أَرْضَ فَارِسَ وَأَرْضَ الرُّومِ وَأَرْضَ حِمْيَرَ، وَحَتَّى تكونوا أجنادا ثلاثة، جند
(1) أحمد في مسنده (5/ 288) .
(2)
أحمد في مسنده (4/ 110) .
بالشام، وجند بالعراق، وجند باليمن، وحتى يعطى الرجل المائة فسيخطها، قَالَ ابْنُ حَوَالَةَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَنْ يَسْتَطِيعُ الشَّامَ وَبِهِ الرُّومُ ذَوَاتُ الْقُرُونِ؟ قال: والله ليفتحها الله عليكم، وليستخلفنكم فيها حتى تطل العصابة البيض منهم، قمصهم الملحمية. أقباؤهم قياما على الرويحل، الْأَسْوَدِ مِنْكُمُ الْمَحْلُوقِ مَا أَمَرَهُمْ مِنْ شَيْءٍ فَعَلُوهُ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
قَالَ أَبُو عَلْقَمَةَ: سَمِعْتُ عبد الرحمن بن مهدى يقول: فعرف أصحاب رسول الله نَعْتَ هَذَا الْحَدِيثِ فِي جَزْءِ بْنِ سُهَيْلٍ السُّلَمِيِّ، وَكَانَ عَلَى الْأَعَاجِمِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ، فَكَانُوا إِذَا رَجَعُوا إِلَى الْمَسْجِدِ نَظَرُوا إِلَيْهِ وإليهم قياما حوله فيعجبون لِنَعْتِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيهِ وَفِيهِمْ، وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، ثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنِي يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ لقيط النجيبى عن عبد الله بن حوالة يالأزدى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ نَجَا مِنْ ثَلَاثٍ فَقَدْ نَجَا، قَالُوا: مَاذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: مَوْتِي، ومن قتال خَلِيفَةٍ مُصْطَبِرٍ بِالْحَقِّ يُعْطِيهِ، وَالدَّجَّالِ «1» .
وَقَالَ أَحْمَدُ: ثنا إسماعيل ابن إبراهيم، ثنا الجريرى عن عبد الله ابن شَقِيقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوَالَةَ قَالَ: أَتَيْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وهو جالس فى ظل دومة، وهو عنده كَاتِبٌ لَهُ يُمْلِي عَلَيْهِ، فَقَالَ: أَلَّا نَكْتُبُكَ يَا ابْنَ حَوَالَةَ؟
قُلْتُ: فِيمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَأَعْرَضَ عَنِّي وَأَكَبَّ عَلَى كَاتِبِهِ يُمْلِي عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَلَّا نَكْتُبُكَ يَا ابْنَ حَوَالَةَ؟ قُلْتُ: لَا أَدْرِي مَا خَارَ اللَّهُ لِي وَرَسُولُهُ، فَأَعْرَضَ عَنِّي وَأَكَبَّ عَلَى كَاتِبِهِ يُمْلِي عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَلَّا نَكْتُبُكَ يَا ابْنَ حَوَالَةَ؟
قُلْتُ: لَا أَدْرِي مَا خَارَ اللَّهُ لِي وَرَسُولُهُ؟ فَأَعْرَضَ عَنِّي وَأَكَبَّ عَلَى كَاتِبِهِ يُمْلِي عَلَيْهِ، قَالَ: فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِي الكتاب عمر، فقلت: لا يكتب عمر إِلَّا فِي خَيْرٍ، ثُمَّ قَالَ: أَنَكْتُبُكَ يَا ابْنَ حَوَالَةَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ: يَا ابْنَ حوالة،
(1) أحمد في مسنده (4/ 110، 5/ 23) .
كَيْفَ تَفْعَلُ فِي فِتْنَةٍ تَخْرُجُ فِي أَطْرَافِ الأرض كأنها صياصى نفر «1» ؟ قُلْتُ:
لَا أَدْرِي مَا خَارَ اللَّهُ لِي وَرَسُولُهُ، قَالَ: فَكَيْفَ تَفْعَلُ فِي أُخْرَى تَخْرُجُ بَعْدَهَا كَأَنَّ الْأُولَى مِنْهَا انْتِفَاجَةُ أَرْنَبٍ؟ قُلْتُ: لَا أَدْرِي مَا خَارَ اللَّهُ لِي وَرَسُولُهُ، قال: ابتغوا هذا، قال: ورجل مقفى حِينَئِذٍ، قَالَ: فَانْطَلَقْتُ فَسَعَيْتُ وَأَخَذْتُ بِمَنْكِبِهِ فَأَقْبَلْتُ بِوَجْهِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ: هَذَا؟ قَالَ:
نَعَمْ، قَالَ: فَإِذَا هُوَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رضي الله عنه «2» .
وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى ابن آدَمَ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْ سَهْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مُنِعَتِ العراق درهما وقفيزها، ومنعت الشام مدها ودينارها، ومنعت مصر أرديها وَدِينَارَهَا، وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ، وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ، وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ، شَهِدَ على ذلك لحم أبى هريرة ودمه، وقال يَحْيَى بْنُ آدَمَ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: هَذَا مِنْ دَلَائِلَ النُّبُوَّةِ حَيْثُ أَخْبَرَ عَمَّا ضَرَبَهُ عُمَرُ عَلَى أَرْضِ الْعِرَاقِ مِنَ الدَّرَاهِمِ وَالْقُفْزَانِ، وَعَمَّا ضَرَبَ مِنَ الْخَرَاجِ بِالشَّامِ وَمِصْرَ قَبْلَ وُجُودِ ذَلِكَ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ عليه السلام:
منعت العراق الخ، فَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ يُسْلِمُونَ فَيَسْقُطُ عَنْهُمُ الْخَرَاجُ، وَرَجَّحَهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ يَرْجِعُونَ عَنِ الطَّاعَةِ وَلَا يُؤَدُّونَ الْخَرَاجَ الْمَضْرُوبَ عَلَيْهِمْ، وَلِهَذَا قَالَ: وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ، أَيْ رَجَعْتُمْ إِلَى مَا كُنْتُمْ عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ.
كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: إِنَّ الْإِسْلَامَ بَدَأَ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْقَوْلَ مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عن الحريرى عن أبى نصرة قال: كنا عند جابر ابن عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ: يُوشِكُ أَهْلُ الْعِرَاقِ أَنْ لَا يَجِيءَ إِلَيْهِمْ قَفِيزٌ وَلَا دِرْهَمٌ، قُلْنَا: مِنْ أَيْنَ ذلك؟ قال: من قبل
(1) في مسند أحمد: بقر.
(2)
أحمد في مسنده (4/ 109) .
الْعَجَمِ، يَمْنَعُونَ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: يُوشِكُ أَهْلُ الشَّامِ أَنْ لَا يَجِيءَ إِلَيْهِمْ دِينَارٌ وَلَا مد، قلنا: من أين ذلك؟ قال: من قبل الروم، يمنعون ذلك، قَالَ:
ثُمَّ سَكَتَ هُنَيْهَةً، ثُمَّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: يَكُونُ فِي آخِرِ أُمَّتِي خَلِيفَةٌ يَحْثِي الْمَالَ حَثْيًا، لَا يَعُدُّهُ عَدًّا، قَالَ الْجُرَيْرِيُّ: فَقُلْتُ لِأَبِي نصرة وَأَبِي الْعَلَاءِ: أَتَرَيَانِهِ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ؟ فَقَالَا: لَا «1» .
وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُلَيَّةَ وَعَبْدِ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ كِلَاهُمَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ إِيَاسٍ الْجُرَيْرِيُّ عَنْ أَبِي نصرة المنذر بن مالك بن قطفة الْعَبْدِيِّ عَنْ جَابِرٍ كَمَا تَقَدَّمَ، وَالْعَجَبُ أَنَّ الْحَافِظَ أَبَا بَكْرٍ الْبَيْهَقِيَّ احْتَجَّ بِهِ عَلَى مَا رَجَّحَهُ مِنْ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ، وَفِيمَا سَلَكَهُ نَظَرٌ، وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ.
وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ، وَلِأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ، وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ.
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ: وَلِأَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتَ عِرْقٍ، فَهَذَا مِنْ دَلَائِلَ النُّبُوَّةِ، حَيْثُ أَخْبَرَ عَمَّا وَقَعَ مِنْ حَجِّ أَهْلِ الشَّامِ وَالْيَمَنِ وَالْعِرَاقِ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيَأْتِينَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَغْزُو فِيهِ فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ، فَيُقَالُ لَهُمْ: هَلْ فِيكُمْ مَنْ صَحِبَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟
فَيُقَالُ: نعم، فيفتح الله لهم «2» ، ثم يأتى على الناس زمان فيغزو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ، فَيُقَالُ لَهُمْ: هَلْ فِيكُمْ مَنْ صَحِبَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَيُقَالُ:
نَعَمْ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ، ثُمَّ يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَغْزُو فِيهِ فِئَامٌ من الناس،
(1) أحمد في مسنده (3/ 317) .
(2)
أخرجه البخاري في كتاب الجهاد (2897)(9/ 37) .
فَيُقَالُ: هَلْ فِيكُمْ مَنْ صَحِبَ مَنْ صَاحَبَهُمْ؟ فيقال: نعم، فيفتح الله لَهُمْ.
وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِي الْغَيْثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الجمعة وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ «1» فَقَالَ رَجُلٌ: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟
فَوَضْعُ يَدِهِ عَلَى سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ وَقَالَ: لَوْ كَانَ الْإِيمَانُ عِنْدَ الثُّرَيَّا لَنَالَهُ رِجَالٌ مِنْ هَؤُلَاءِ، وَهَكَذَا وَقَعَ كَمَا أَخْبَرَ بِهِ عليه السلام.
وَرَوَى الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عبد الرحمن ابن عوف عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُفْتَحَنَّ عَلَيْكُمْ فَارِسُ وَالرُّومُ حَتَّى يَكْثُرَ الطَّعَامُ فَلَا يُذْكَرُ عَلَيْهِ اسْمُ اللَّهِ عز وجل.
وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَابْنُ عَدِيٍّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ حَدِيثِ أَوْسِ بْنِ عبد الله بن يزيد عَنْ أَخِيهِ سَهْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بن بريدة بن الخصيب مَرْفُوعًا: سَتُبْعَثُ بُعُوثٌ فَكُنْ فِي بَعْثِ خُرَاسَانَ، ثُمَّ اسْكُنْ مَدِينَةَ مَرْوٍ، فَإِنَّهُ بَنَاهَا ذُو الْقَرْنَيْنِ، وَدَعَا لَهَا بِالْبَرَكَةِ، وَقَالَ: لَا يُصِيبُ أَهْلَهَا سُوءٌ «2» ، وَهَذَا الْحَدِيثُ يُعَدُّ مِنْ غَرَائِبِ الْمُسْنَدِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُهُ مَوْضُوعًا، فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ، مِنْ جَمِيعِ طُرُقِهِ فِي قِتَالِ التُّرْكِ، وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ كَمَا أَخْبَرَ بِهِ سَوَاءً بِسَوَاءٍ، وَسَيَقَعُ أَيْضًا.
وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ عَنْ قراب الْقَزَّازِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الْأَنْبِيَاءُ، كُلَّمَا هلك بنى خَلَفَهُ نَبِيٌّ، وَإِنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي وَإِنَّهُ سَيَكُونُ خُلَفَاءُ فَيَكْثُرُونَ، قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا يَا رَسُولَ الله؟ قال: فوابيعة الأول فالأول، وأعطوهم
(1) سورة الجمعة، الآية:3.
(2)
أحمد في مسنده (5/ 357) .
حَقَّهُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ «1» .
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ عبد الله ابْنُ مَسْعُودٍ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَا كَانَ نَبِيٌّ إِلَّا كَانَ لَهُ حَوَارِيُّونَ يَهْدُونَ بِهَدْيهِ، وَيَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِهِ، ثُمَّ يَكُونُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مَا لا يفعلون، ويعلمون مَا يُنْكِرُونَ «2» .
وَرَوَى الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ عبد الله بن الحرث بن محمد ابن حاطب الجمحى عن إسماعيل بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: يَكُونُ بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ خُلَفَاءُ يَعْمَلُونَ بكتاب الله، ويعدلون فى عبادة اللَّهِ، ثُمَّ يَكُونُ مِنْ بَعْدِ الْخُلَفَاءِ مُلُوكٌ يَأْخُذُونَ بِالثَّأْرِ، وَيَقْتُلُونَ الرِّجَالَ، وَيَصْطَفُونَ الْأَمْوَالَ، فَمُغَيِّرٌ بيده. ومغير بلسانه، وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الْإِيمَانِ شَيْءٌ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: ثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ لَيْثٍ عَنْ عَبْدِ الرحمن ابن سَابِطٍ عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِنَّ اللَّهَ بَدَأَ هَذَا الْأَمْرَ نُبُوَّةً وَرَحْمَةً، وَكَائِنًا خِلَافَةً وَرَحْمَةً، وَكَائِنًا مُلْكًا عَضُوضًا، وَكَائِنًا عِزَّةً وَجَبْرِيَّةً وَفَسَادًا فِي الْأُمَّةِ، يَسْتَحِلُّونَ الْفُرُوجَ وَالْخُمُورَ وَالْحَرِيرَ، وَيُنْصَرُونَ عَلَى ذَلِكَ، وَيُرْزَقُونَ أَبَدًا حَتَّى يَلْقَوُا اللَّهَ عز وجل، وَهَذَا كُلُّهُ وَاقِعٌ.
وَفِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ- وَحَسَّنَهُ- وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بن جهمان عن سفينة مولى رسول اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: الْخِلَافَةُ بَعْدِي ثَلَاثُونَ سَنَةً، ثُمَّ تكون ملكا، وفى رواية: ثم
(1) أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء (3455)(10/ 256) ، وأحمد في مسنده (2/ 297) .
(2)
أحمد في مسنده (1/ 458، 461) .
يُؤْتِي اللَّهُ مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ 3، وَهَكَذَا وَقَعَ سَوَاءً، فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه كَانَتْ خِلَافَتُهُ سَنَتَيْنِ وَأَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ إِلَّا عَشْرَ لَيَالٍ، وَكَانَتْ خِلَافَةُ عُمَرَ عَشْرَ سِنِينَ وَسِتَّةَ أشهر وأربعة أيام، وخلافة عثمان اثنتا عشرة سنة إلا اثنا عشر يوما، وكانت خلافة على ابن أَبِي طَالِبٍ خَمْسَ سِنِينَ إِلَّا شَهْرَيْنِ. قُلْتُ:
وَتَكْمِيلُ الثَّلَاثِينَ بِخِلَافَةِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ نَحْوًا مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، حَتَّى نَزَلَ عَنْهَا لِمُعَاوِيَةَ عَامَ أَرْبَعِينَ مِنَ الْهِجْرَةِ، كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ وَتَفْصِيلُهُ، وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، ثَنَا مُؤَمَّلٌ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سلمة عن على ابن زَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:
خِلَافَةُ نُبُوَّةٍ ثَلَاثُونَ عَامًا ثُمَّ يؤتى الله ملكه مَنْ يَشَاءُ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: رَضِينَا بِالْمُلْكِ» .
وَهَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ رَدٌّ صَرِيحٌ عَلَى الرَّوَافِضِ الْمُنْكِرِينَ لِخِلَافَةِ الثَّلَاثَةِ، وَعَلَى النَّوَاصِبِ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، فِي إِنْكَارِ خِلَافَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَإِنْ قِيلَ: فَمَا وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ حَدِيثِ سَفِينَةَ هَذَا.
وَبَيْنَ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ الْمُتَقَدِّمِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: لَا يَزَالُ هَذَا الدِّينُ قَائِمًا مَا كَانَ فِي النَّاسِ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ؟ فَالْجَوَابُ: إِنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ قَالَ: إِنَّ الدِّينَ لَمْ يَزَلْ قَائِمًا حَتَّى وَلِيَ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً، ثُمَّ وَقَعَ تَخْبِيطٌ بَعْدَهُمْ فِي زَمَانِ بَنِي أُمَيَّةَ، وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ بِشَارَةٌ بِوُجُودِ اثْنَيْ عَشَرَ خَلِيفَةً عَادِلًا مِنْ قُرَيْشٍ. وَإِنْ لم يوجدوا على الولاء، إنما اتَّفَقَ وُقُوعُ الْخِلَافَةِ الْمُتَتَابِعَةِ بَعْدَ النُّبُوَّةِ فِي ثَلَاثِينَ سَنَةً، ثُمَّ كَانَتْ بَعْدَ ذَلِكَ خُلَفَاءُ راشدون، فيهم عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ الأموى رضى الله عنه.
(1) أحمد في مسنده (5/ 44) .
(2)
أحمد في مسنده (4/ 273) .
وَقَدْ نَصَّ عَلَى خِلَافَتِهِ وَعَدْلِهِ وَكَوْنِهِ مِنَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ، حَتَّى قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رضي الله عنه: لَيْسَ قَوْلُ أَحَدٍ مِنَ التَّابِعَيْنِ حُجَّةً إِلَّا قَوْلَ عمر ابن عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَمِنْهُمْ مَنْ ذَكَرَ مِنْ هَؤُلَاءِ المهدى اللَّهِ الْعَبَّاسِيَّ، وَالْمَهْدِيَّ الْمُبَشَّرَ بِوُجُودِهِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ مِنْهُمْ أَيْضًا بِالنَّصِّ عَلَى كَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ، وَاسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وليس المنتظر فى سرداب سامرا، فَإِنَّ ذَاكَ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ بِالْكُلِّيَّةِ. وَإِنَّمَا يَنْتَظِرُهُ الْجَهَلَةُ مِنَ الرَّوَافِضِ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَدْعُوَ أَبَاكِ وَأَخَاكِ وَأَكْتُبَ كِتَابًا لِئَلَّا يَقُولَ قَائِلٌ، أَوْ يَتَمَنَّى مُتَمَنٍّ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: يَأْبَى اللَّهُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ، وَهَكَذَا وَقَعَ، فَإِنَّ اللَّهَ وَلَّاهُ وَبَايَعَهُ الْمُؤْمِنُونَ قَاطِبَةً كَمَا تَقَدَّمَ.
وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ: أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ جِئْتُ فَلَمْ أَجِدْكَ؟ - كَأَنَّهَا تُعَرِّضُ بِالْمَوْتِ- فقال: إن لم تجدينى فأت أَبَا بَكْرٍ.
وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي عَلَى قَلِيبٍ، فَنَزَعْتُ مِنْهَا مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ أَخَذَهَا ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ فَنَزَعَ مِنْهَا ذَنُوبًا «1» أَوْ ذَنُوبِينَ، وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ، ثُمَّ أَخَذَهَا ابْنُ الْخَطَّابِ فَاسْتَحَالَتْ غَرْبًا «2» ، فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا مِنَ النَّاسِ يَفْرِي فَرِيَّهُ، حَتَّى ضَرْبَ النَّاسُ بِعَطَنٍ «3» .
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: رُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ وَحْيٌ، وَقَوْلُهُ: وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ، قِصَرُ مُدَّتِهِ، وَعَجَلَةُ مَوْتِهِ، وَاشْتِغَالُهُ بِحَرْبِ أَهْلِ الرِّدَّةِ عَنِ الْفَتْحِ الَّذِي نَالَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي طُولِ مدته، قلت: وهذا فيه البشارة بولايتهما
(1) الذنوب: الدلو المملوءة.
(2)
الغرب: الدلو العظيمة.
(3)
أخرجه البخاري في كتاب فضائل أصحاب النبي (3697)(10/ 606) .
عَلَى النَّاسِ، فَوَقَعَ كَمَا أَخْبَرَ سَوَاءً، وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ الَّذِي رَوَاهُ أَحَمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ ربعى بن خراش عن حذيفة ابن الْيَمَانِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي، أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حسن، وأخرجه مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَتَقَدَّمَ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ حَدِيثُ تَسْبِيحِ الحصى فى يد رسول الله، ثُمَّ يَدِ أَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرَ، ثُمَّ عثمان، وقوله عليه السلام:
هَذِهِ خِلَافَةُ النُّبُوَّةِ.
وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَائِطًا فَدَلَّى رِجْلَيْهِ فِي الْقُفِّ فَقُلْتُ: لَأَكُونَنَّ الْيَوْمَ بَوَّابَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَجَلَسَتْ خَلْفَ الْبَابِ فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: افْتَحْ، فَقُلْتُ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَبُو بَكْرٍ، فَأَخْبَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: افْتَحْ لَهُ وَبَشَّرَهُ بِالْجَنَّةِ، ثُمَّ جَاءَ عُمَرُ فَقَالَ كَذَلِكَ، ثُمَّ جَاءَ عُثْمَانُ فَقَالَ: ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ عَلَى بَلْوَى تُصِيبُهُ، فَدَخَلَ وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهُ الْمُسْتَعَانُ «1» .
وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ قَالَ: صَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَحَدًا وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ، فَرَجَفَ بِهِمُ الْجَبَلُ، فَضَرَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم برجله وقال: اثبت، فَإِنَّمَا عَلَيْكَ نَبِيٌّ وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدَانِ «2» ، وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنْ حِرَاءَ ارْتَجَّ وَعَلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: اثْبُتْ مَا عَلَيْكَ إِلَّا نَبِيٌّ وَصِدِّيقُ وشهيدان، قال معمر: قد سمعت قَتَادَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ.
(1) البخاري في كتاب الاستئذان (6285، 6286)(16/ 603) .
(2)
البخاري في كتاب فضائل أصحاب النبي (3689)(10/ 592) .
وقد روى مسلم عن قتيبة عن الدراوردى عَنْ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ عَلَى حِرَاءَ هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٌّ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ، فَتَحَرَّكَتِ الصَّخْرَةُ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: اهْدَأْ فَمَا عَلَيْكَ إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ صِدِّيقٌ أَوْ شَهِيدٌ، وَهَذَا مِنْ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ كُلَّهُمْ أَصَابُوا الشَّهَادَةَ، وَاخْتُصَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِأَعْلَى مَرَاتِبِ الرِّسَالَةِ وَالنُّبُوَّةِ، وَاخْتُصَّ أَبُو بَكْرٍ بِأَعْلَى مَقَامَاتِ الصِّدِّيقِيَّةِ.
وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ الشَّهَادَةُ لِلْعَشَرَةِ بِالْجَنَّةِ بَلْ لِجَمِيعِ مَنْ شَهِدَ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَكَانُوا ألفا وأربعمائة وقيل: وثلثمائة، وقيل وخمسمائة، وكلهم اسْتَمَرَّ عَلَى السَّدَادِ وَالِاسْتِقَامَةِ حَتَّى مَاتَ رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ.
وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ الْبِشَارَةُ لِعُكَّاشَةَ بِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَقُتِلَ شهيدا يوم القيامة.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ أَمْتَى سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ، تُضِيءُ وُجُوهُهُمْ إِضَاءَةَ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، فَقَامَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ الْأَسَدِيُّ يَجُرُّ نَمِرَةً عَلَيْهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ مِنْهُمْ، ثُمَّ قَامَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، فَقَالَ: سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ، وَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ رُوِيَ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ تُفِيدُ الْقَطْعَ، وَسَنُورِدُهُ فِي بَابِ صِفَةِ الْجَنَّةِ، وَسَنَذْكُرُ فِي قِتَالِ أَهْلِ الرِّدَّةِ أن طلحة الأسدى قتل عكاشة ابن مِحْصَنٍ شَهِيدًا رضي الله عنه، ثُمَّ رَجَعَ طلحة الْأَسَدِيُّ عَمَّا كَانَ يَدَّعِيهِ مِنَ النُّبُوَّةِ وَتَابَ إلى الله، وقدم على أبى بكر الصديق واعتمر وحسن إسلامه.
وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ كَأَنَّهُ وُضِعَ فِي يدى سواران فقطعتهما، فَأُوحِيَ إِلَيَّ فِي الْمَنَامِ:
أَنِ انْفُخْهُمَا، فَنَفَخْتُهُمَا فَطَارَا، فَأَوَّلْتُهُمَا كَذَّابَيْنِ يَخْرُجَانِ، صَاحِبُ صَنْعَاءَ، وَصَاحِبُ الْيَمَامَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الوفود أنه قَالَ لِمُسَيْلِمَةَ حِينَ قَدِمَ مَعَ قَوْمِهِ وَجَعَلَ يَقُولُ: إِنْ جَعَلَ لِي مُحَمَّدٌ الْأَمْرَ مِنْ بَعْدِهِ اتَّبَعْتُهُ، فَوَقَفَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ لَهُ: وَاللَّهِ لَوْ سَأَلْتَنِي هَذَا الْعَسِيبَ مَا أَعْطَيْتُكَهُ، وَلَئِنْ أَدْبَرْتَ لَيَعْقِرَنَّكَ اللَّهُ، وَإِنِّي لَأُرَاكَ الَّذِي أُرِيتُ فِيهِ مَا أُرِيتُ، وَهَكَذَا وَقَعَ، عَقَرَهُ اللَّهُ وَأَهَانَهُ وَكَسَرَهُ وَغَلَبَهُ يَوْمَ الْيَمَامَةِ، كَمَا قَتَلَ الْأَسْوَدَ الْعَنْسِيَّ بِصَنْعَاءَ، عَلَى مَا سَنُورِدُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُبَارَكُ بْنُ فُضَالَةَ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَقِيَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُسَيْلِمَةَ فَقَالَ لَهُ مُسَيْلِمَةُ: أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهُ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: آمَنْتُ بِاللَّهِ وَبِرُسُلِهِ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إن هذا رجل أُخِّرَ لِهَلَكَةِ قَوْمِهِ.
وَقَدْ ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ أَنَّ مُسَيْلِمَةَ كَتَبَ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرحيم، مِنْ مُسَيْلِمَةَ رَسُولِ اللَّهِ، إِلَى مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، سَلَامٌ عَلَيْكَ، أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي قَدْ أشركت فى الأمر بعدك، فَلَكَ الْمَدَرُ وَلِيَ الْوَبَرُ وَلَكِنَّ قُرَيْشًا قَوْمٌ يَعْتَدُونَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ، سَلَامٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى، أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ.
وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ الْعَاقِبَةَ لِمُحَمَّدٍ وأصحابه، لِأَنَّهُمْ هُمُ الْمُتَّقُونَ وَهُمُ الْعَادِلُونَ الْمُؤْمِنُونَ، لَا مَنْ عَدَاهُمْ.
وَقَدْ وَرَدَتِ الْأَحَادِيثُ الْمَرْوِيَّةُ مِنْ طَرْقٍ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم فِي الْإِخْبَارِ عَنِ الرِّدَّةِ الَّتِي وَقَعَتْ فِي زَمَنِ الصِّدِّيقِ فَقَاتَلَهُمُ الصِّدِّيقُ بِالْجُنُودِ الْمُحَمَّدِيَّةُ حَتَّى رَجَعُوا إلى دين يالله أَفْوَاجًا، وَعَذُبَ مَاءُ الْإِيمَانِ كَمَا كَانَ بَعْدَ مصار أُجَاجًا، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ «1» الآية، قال
(1) سورة المائدة: الآية، 54
الْمُفَسِّرُونَ: هُمْ أَبُو بَكْرٍ وَأَصْحَابُهُ رضي الله عنهم.
وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ مُسَارَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ابْنَتَهُ فَاطِمَةَ وَإِخْبَارِهِ إِيَّاهَا بِأَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُهُ بِالْقُرْآنِ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً، وَإِنَّهُ عَارَضَنِي الْعَامَ مَرَّتَيْنِ، وَمَا أَرَى ذَلِكَ إِلَّا لِاقْتِرَابِ أَجَلِي، فَبَكَتْ، ثُمَّ سَارَّهَا فَأَخْبَرَهَا بِأَنَّهَا سَيِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَأَنَّهَا أَوَّلُ أَهْلِهِ لُحُوقًا به «1» ، وكان كَمَا أَخْبَرَ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَاخْتَلَفُوا فِي مُكْثِ فَاطِمَةُ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فقيل:
شهران، وقيل: ثلاثة، وقيل: سنة، وَقِيلَ: ثَمَانِيَةٌ، قَالَ: وَأَصَحُّ الرِّوَايَاتِ رِوَايَةُ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَكَثَتْ فَاطِمَةُ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ستة أشهر، أخرجاه فى الصحيحين.
(1) أحمد في مسنده (6/ 405) .