المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌المقدمة هذا الكتاب مقالات كان مفكرنا الكبير مالك بن نبي قد أودعها - من أجل التغيير

[مالك بن نبي]

الفصل: ‌ ‌المقدمة هذا الكتاب مقالات كان مفكرنا الكبير مالك بن نبي قد أودعها

‌المقدمة

هذا الكتاب

مقالات كان مفكرنا الكبير مالك بن نبي قد أودعها مجريات الأحداث في الستينات من هذا القرن. في زمن كانت فيه الجزائر تبني حضورها الدولي، وتلج عصرها الوطني بعد زوال الاحتلال الفرنسي.

وهي مقالات تأتي تماما لمقالات أخرى، أودعها بن نبي كتابا صدر منذ سنوات تحت عنوان (بين الرشاد والتيه)، حين ترجمها من الفرنسية إلى اللغة العربية، وقد اختارها وبوبها، بعدما كانت متفرقات أعداد الصحيفة التي تصدر باللغة الفرنسية باسم ( La Révolution Africaine).

لقد صدر كتاب (بين الرشاد والتيه) بعد وفاة مفكرنا بثماني سنوات، عن دار الفكر بدمشق، بعدما أعدت النظر في صياغته العربية.

واليوم أراني- وقد أتممت ما في يدي من تراث مالك بن نبي- مدعوا في ختام مهمتي إلى أن أستكمل حصاد مقالاته الستينية، بنشر ما تفرق منها. لذلك عهدت إلى صديقنا الدكتور بسام بركة، أستاذ الأدب الفرنسي والعلوم اللغوية (اللسانيات) في الجامعة اللبنانية، بترجمتها إلى العربية سوى مقالات ثلاثة أشير إليها في هذا الكتاب بإشارة (ع. م). كنت قد اعتنيت بترجمتها.

لم يبق لدي من وصية مالك بن نبي رحمه الله سوى أن أراقب حقوق النشر والترجمة. وإذ وجدت في ابنته (رحمة) اهتماما بتراث والدها، رأيت أن أرد الأمانة إلى أهلها، فتنازلت لها عن الحقوق التي عهد إلي مالك بن نبي بها في وصيته، والتي أنشر صورتها في نهاية هذا الكتاب بخط يده.

ص: 5

قد تكون الأحداث التي انعكست في هذه المقالات كما في المقالات المنشورة في كتابه (بين الرشاد والتيه) قد تجاوزها الزمنا، وقلب التاريخ صفحتها.

فالأنباء عن مسيرة الجزائر دخلت منعطفا جديدا، لكن منهج بن نبي في صياغتها لا يزال الأوفى بالرؤية المستقبلية.

لقد جمعت سائر المقالات بالفرنسية تحت عنوان (من أجل تغيير الجزائر)، بعناية أديب جزائري، هو الأستاذ نور الدين بوقروح، الذي يترامى إلينا من نشاطه السياسي ما أحسبه متلبسا بروح فكر بن نبي، وإذا كان لي أن أستخلص من هذا العنوان تقويما لأهية مقالات بن نبي الستينية، يأتي في التسعينات، فهو إدراك الجيل الجزائري الحاضر، بل والعربي معا لمرامي فكر جار سابقا لمسيرة الأفكار الجارية في عالمنا الإسلامي، بنصف قرن من الزمن أو يزيد.

وهذا يعني أن مجتمعنا الإسلامي أضاع مسيرة قرن بكامله، حائرا في طوفان العصر الحديث، دون أن يستخرج لمسيرته طريقا فاعلا ومثمرا.

بن نبي ومنذ الثلاثينات، وقد استفاق وعيه على أزمة العالم الإسلامي في قبضة الاستعمار، استطاع أن يستخرج القواعد الأساسية للنهضة، وأن يصيح في هدأة السكون الفكري وافتقاد الرؤية، داعيا إلى منهج، يطوي الشعارات التي أرخت لضلال العقود العشرة من القرن العشرين، وعلى سائر المستويات.

فمن كتابه (شروط النهضة) الذي صدر بالفرنسية في الأربعينات، إلى كتابه (وجهة العالم الإسلامي) في بداية الخمسينات، وإلى كتابه (الظاهرة القرآنية) ثم (الفكرة الإفريقية الآسيوية) في الفترة نفسها، ثم الكتب التي تلت، تؤصل المنهج، وتحدد أصول ميلاد المجتمع، وتشير إلى مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي، وتبني قواعد البناء الثقافي في كتابه (مشكلة الثقافة)، وتحدد موقع المسلم من عالم الاقتصاد الحديث .. نرى بن نبي الكلمة الهادية إلى المرتقى الصعب في بناء الحضور الإسلامي،

ص: 6

والذي أشاحت عنه مسيرة القرن، حينما استسهلت الحلول، وأفرغت مخزون عنفوان الجيل في صيغ، بادرت الحماس وتلقفته، ليضيع في فضاء العبث، وسراب الرؤية، وهدر الطاقات والثروات في مسارب الاقتصاد العالمي؛ يستهلك الرفاهية كالماشية حتفها في سمنها.

في مقالات هذا الكتاب والذي سبقه (بين الرشاد والتيه)، نقرأ عن بن نبي المؤسس لمنهج يدعو الشباب إلى مزيد فيه، وتعديل في تقاصيله، وتصويب لما كان قد اتكأ عليه فكره من أمثال طرحتها المرحلة التي كتبت فيها تلك المقالات، ثم جاء الزمن يكشف زيفها.

فالذي يبقى من هذا الفكر الرائد هو (المنهج) الذي نقيس به الخطى، ونرسم علامات الطريق.

فنحن اليوم نرقب دراسات لـ (بن نبي) وفكره في كل موطن وفي كل مكان من عالمنا الإسلامي، ونشهد تحليلا يجهد له الشباب الناشئ، فيأوي إلى دفء روحه الإسلامي ونور إرشاده في سبل الفعالية وذلك حتى لا نتيه- ونحن على عتبة القرن الحادي والعشرين- في متاهات قرن مضى، أحاط بفكرنا ومقدراتنا، وجعلنا رهائن عالم صناعي، زجنا جميعا في قفص اقتصاده الاستهلاكي؛ بعض نا يستكين له، فينضو عن كاهله ثوب القضية ورسالتها، وبعض نا يعالج قضبان ذلك القفص بصراخ الاحتجاج وتذكر الماضي.

في هذا الكتاب، الذي هو خاتمة إشرافي على كتب مالك بن نبي، أستودع الجيل أمانة منهج بن نبي، ليضيف إليه عمقا في الرؤية، وطريقا يستشرف المستقبل ويحزم الفكر بحزم الأصالة؛ أصالة تجلس على طاولة العمر، في حضور يمتلك ناصية المسيرة، وكلمة تحاور الأمم وتجاور الثقافات.

بيروت في14/ 12/ 1993

عمر مسقاوي

ص: 7