المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة طه (20) : الآيات 36 الى 41] - التفسير الوسيط لطنطاوي - جـ ٩

[محمد سيد طنطاوي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد التاسع]

- ‌تفسير سورة مريم

- ‌مقدّمة

- ‌تعريف بسورة مريم

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 1 الى 6]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 7 الى 11]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 12 الى 15]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 16 الى 21]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 22 الى 26]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 27 الى 33]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 34 الى 40]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 41 الى 50]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 51 الى 53]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 54 الى 55]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 56 الى 57]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 58 الى 63]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 64 الى 65]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 66 الى 72]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 73 الى 76]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 77 الى 80]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 81 الى 87]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 88 الى 95]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 96 الى 98]

- ‌تفسير سورة طه

- ‌مقدّمة

- ‌تعريف بسورة طه

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 1 الى 8]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 9 الى 16]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 17 الى 35]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 36 الى 41]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 42 الى 48]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 49 الى 60]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 61 الى 70]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 71 الى 76]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 77 الى 82]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 83 الى 89]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 90 الى 91]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 92 الى 94]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 95 الى 98]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 99 الى 104]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 105 الى 112]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 113 الى 114]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 115 الى 123]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 124 الى 129]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 130 الى 132]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 133 الى 135]

- ‌تفسير سورة الأنبياء

- ‌مقدّمة

- ‌تمهيد بين يدي السورة

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 1 الى 6]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 7 الى 9]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 10 الى 15]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 16 الى 20]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 21 الى 25]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 26 الى 29]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 30 الى 33]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 34 الى 41]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 42 الى 47]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 48 الى 50]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 51 الى 58]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 59 الى 65]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 66 الى 73]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 74 الى 75]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 76 الى 77]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 78 الى 82]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 83 الى 84]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 85 الى 86]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 87 الى 88]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 89 الى 90]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : آية 91]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : آية 92]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 93 الى 100]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 101 الى 103]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 104 الى 112]

- ‌تفسير سورة الحجّ

- ‌مقدّمة

- ‌تعريف بسورة الحج

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 1 الى 2]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 3 الى 4]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 5 الى 7]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 8 الى 13]

- ‌[سورة الحج (22) : آية 14]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 15 الى 16]

- ‌[سورة الحج (22) : آية 17]

- ‌[سورة الحج (22) : آية 18]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 19 الى 24]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 25 الى 29]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 30 الى 33]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 34 الى 37]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 38 الى 41]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 42 الى 51]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 52 الى 54]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 55 الى 59]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 60 الى 62]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 63 الى 66]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 67 الى 70]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 71 الى 72]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 73 الى 76]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 77 الى 78]

- ‌فهرس إجمالى لتفسير سورة مريم

- ‌فهرس إجمالى لتفسير «سورة طه»

- ‌فهرس إجمالى لتفسير «سورة الأنبياء»

- ‌فهرس إجمالى لتفسير «سورة الحج»

الفصل: ‌[سورة طه (20) : الآيات 36 الى 41]

رسالتك، وهذا الوزير والمعين هو أخى هارون، الذي أسألك أن تقوى به ظهري، وأن تجعله شريكا لي في تبليغ رسالتك، حتى نؤديها على الوجه الأكمل وكأن موسى- عليه السلام قد علم من نفسه حدة الطبع، وسرعة الانفعال، فالتجأ إلى ربه لكي يعينه بأخيه هارون، ليقويه ويتشاور معه في الأمر الجليل الذي هو مقدم عليه، وهو تبليغ رسالة الله إلى فرعون الذي طغى وبغى وقال لقومه أنا ربكم الأعلى.

قال ابن عباس: نبئ هارون ساعتئذ حين نبئ موسى.

وقوله: كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً إِنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيراً تعليل للدعوات الصالحات التي تضرع بها موسى إلى ربه- تعالى-.

أى: أجب- يا إلهى- دعائي بأن تشرح صدري.. وتشد بأخى هارون أزرى، كي نسبحك تسبيحا كثيرا، ونذكرك ذكرا كثيرا، إنك- سبحانك- كنت وما زلت بنا بصيرا، لا يخفى عليك شيء من أمرنا أو من أمر خلقك، فأنت المطلع على حالنا وعلى ضعفنا، وأنت العليم بحاجتنا إليك وإلى عونك ورعايتك.

بهذه الدعوات الخاشعات ابتهل موسى إلى ربه، وأطال الابتهال في بسط حاجته، وكشف ضعفه.. فماذا كانت النتيجة؟.

لقد كانت النتيجة أن أجاب الله له دعاءه، وحقق له مطالبه، وذكره ببعض مننه عليه فقال- تعالى-:.

[سورة طه (20) : الآيات 36 الى 41]

قالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى (36) وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرى (37) إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ ما يُوحى (38) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي (39) إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يا مُوسى (40)

وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (41)

ص: 100

قوله- سبحانه-: قالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى حكاية لما رد الله- تعالى- به على نبيه موسى- عليه السلام بعد أن تضرع إليه بتلك الدعوات النافعات.

والسؤال هنا بمعنى المسئول، كالأكل بمعنى المأكول.

قال الآلوسى: «والإيتاء: عبارة عن تعلق إرادته- تعالى- بوقوع تلك المطالب وحصولها له- عليه السلام ألبتة، وتقديره- تعالى- إياها حتما، فكلها حاصلة له- عليه السلام وإن كان وقوع بعضها بالفعل مرتبا بعد، كتيسير الأمر، وشد الأزر.. «1» .

أى: قال الله- تعالى- لموسى بعد أن ابتهل إليه- سبحانه- بما ابتهل: لقد أجبنا دعاءك يا موسى، وأعطيناك ما سألتنا إياه، فطب نفسا وقر عينا.

وقوله- تعالى-: وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرى تذكير منه- سبحانه- لموسى، بجانب من النعم التي أنعم بها عليه، حتى يزداد ثباتا وثقة بوعد الله- تعالى- ولذا صدرت الجملة بالقسم.

أى: وبعزتي وجلالي لقد مننا عليك، وأحسنا إليك مَرَّةً أُخْرى قبل ذلك، ومنحناك من رعايتنا قبل أن تلتمس منا أن نشرح لك صدرك، وأن نيسر لك أمرك

ثم فصل- سبحانه- هذه المنن التي امتن بها على عبده موسى، فذكر ثمانية منها: أما أول هذا المنن فتتمثل في قوله- تعالى-: إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ ما يُوحى.

وإِذْ ظرف لقوله مَنَنَّا والإيحاء: الإعلام في خفاء.. وإيحاء الله- تعالى- إلى أم موسى كان عن طريق الإلهام أو المنام أو غيرهما.

قال صاحب الكشاف: «الوحى إلى أم موسى: إما أن يكون على لسان نبي في وقتها، كقوله- تعالى-: وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أو يبعث إليها ملكا لا على وجه النبوة كما بعث إلى مريم. أو يريها ذلك في المنام فتتنبه عليه أو يلهمها كقوله- تعالى-:

وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ.

(1) تفسير الآلوسى ج 16 ص 186.

ص: 101

أى: أوحينا إليها أمرا لا سبيل إلى التوصل إليه، ولا إلى العلم به، إلا بالوحي «1» .

والمعنى: ولقد مننا عليك يا موسى مرة أخرى، وقت أن أوحينا إلى أمك بما أوحينا من أمر عظيم الشأن، يتعلق بنجاتك من بطش فرعون.

فالتعبير بالموصول في قوله: ما يُوحى للتعظيم والتهويل، كما في قوله- تعالى- فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى.

ثم وضح- سبحانه- ما أوحاه إلى أم موسى فقال: أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ، فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ، يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ

وأَنِ في قوله أَنِ اقْذِفِيهِ مفسرة، لأن الإيحاء فيه معنى القول دون حروفه.

والمراد بالقذف هنا: الوضع، والمراد به في قوله فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ الإلقاء في البحر وهو نيل مصر.

والتابوت: الصندوق الذي يوضع فيه الشيء.

والمعنى: لقد كان من رعايتنا لك يا موسى أن أوحينا إلى أمك عند ما خافت عليك القتل:

أن ضعى ابنك في التابوت، ثم بعد ذلك اقذفيه بالتابوت في البحر، ويأمرنا وقدرتنا يلقى اليم بالتابوت على شاطئ البحر وساحله، وفي هذه الحالة يأخذه عدو لي وعدو له، وهو فرعون الذي طغى وقال لقومه أنا ربكم الأعلى.

والضمائر كلها تعود إلى موسى- عليه السلام وقيل إن الضمير في قوله فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ.

وفي قوله فَلْيُلْقِهِ يعود إلى التابوت، والأول أرجح، لأن تفريق الضمائر هنا لا داعي له، بل الذي يقتضيه بلاغة القرآن الكريم، عودة الضمائر إلى موسى- عليه السلام قال بعض العلماء: وصيغة الأمر في قوله فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ فيها وجهان معروفان عند العلماء.

أحدهما: أن صيغة الأمر معناها الخير: قال أبو حيان في البحر: وقوله فَلْيُلْقِهِ أمر معناه الخبر، وجاء بصيغة الأمر مبالغة، إذ الأمر أقطع الأفعال وأوجبها.

الثاني: أن صيغة الأمر في قوله فَلْيُلْقِهِ أريد بها الأمر الكونى القدري كقوله: إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ فالبحر لا بد أن يلقيه بالساحل، لأن الله

(1) تفسير الكشاف ج 3 ص 62.

ص: 102

- تعالى- أمره بذلك كونا وقدرا.. «1» .

وقوله يَأْخُذْهُ مجزوم في جواب الطلب وهو قوله فَلْيُلْقِهِ

إذ أنه على الوجه الأول يكون الطلب باعتبار لفظه وصيغته.

وقوله- سبحانه- وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي بيان للمنة الثانية.

قال الآلوسى: وكلمة «منى» متعلقة بمحذوف وقع صفة لمحذوف، مؤكدة لما في تنكيرها من الفخامة الذاتية بالفخامة الإضافية. أى: وألقيت عليك محبة عظيمة كائنة منى- لا من غيرى- قد زرعتها في القلوب، فكل من رآك أحبك «2» .

ولقد كان من آثار هذه المحبة: عطف امرأة فرعون عليه، وطلبها منه عدم قتله، وطلبها منه كذلك أن يتخذه ولدا.

وكان من آثار هذه المحبة أن يعيش موسى في صغره معززا مكرما في بيت فرعون مع أنه في المستقبل سيكون عدوا له.

وهكذا رعاية الله- تعالى- ومحبته لموسى جعلته يعيش بين قوى الشر والطغيان آمنا مطمئنا.

قال ابن عباس: أحب الله- تعالى- موسى، وحببه إلى خلقه.

وقوله- تعالى-: وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي بيان للمنة الثالثة

أى: أوحيت إلى أمك بما أوحيت من أجل مصلحتك ومنفعتك وألقيت عليك محبة منى، ليحبك الناس، ولتصنع على عيني. أى: ولتربى وأنت محاط بالحنو والشفقة تحت رعايتى وعنايتي وعيني، كما يراعى الإنسان بعينه من يحبه ويهتم بأمره.

وهذا ما حدث لموسى فعلا، فقد عاش في طفولته تحت عين فرعون، وهو عدو لله- تعالى- ومع ذلك لم تستطع عين فرعون أن تمتد بسوء إلى موسى، لأن عين الله- تعالى- كانت ترعاه وتحميه من بطش فرعون وشيعته.

فالجملة الكريمة فيها من الرفق بموسى- عليه السلام ومن الرعاية له، ما يعجز القلم عن وصفه.

وكيف يستطيع القلم وصف حال إنسان قال الله في شأنه: وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي.

قال صاحب الكشاف: أى: ولتربى ويحسن إليك وأنا مراعيك ومراقبك كما يراعى الرجل

(1) أضواء البيان ج 5 ص 406.

(2)

تفسير الآلوسى ج 16 ص 189.

ص: 103

الشيء بعينه إذا اعتنى به، وتقول للصانع اصنع هذا على عيني إنى أنظر إليك لئلا تخالف به عن مرادى وبغيتي.

وقوله: وَلِتُصْنَعَ معطوف على علة مضمرة مثل: ليتعطف عليك.. أو حذف معلله أى: ولتصنع على عيني فعلت ذلك «1» .

ثم بين- سبحانه- المنة الرابعة على موسى فقال: إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ، فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ....

وكان ذلك بعد أن التقط آل فرعون موسى من فوق الشاطئ، وبعد أن امتنع عن الرضاعة من أى امرأة سوى أمه.

أى: وكان من مظاهر إلقاء محبتي عليك، ورعايتى لك، أن أختك بعد أن أمرتها أمك بمعرفة خبرك، سارت في طرقات مصر فأبصرتك في بيت فرعون وأنت تمتنع عن الرضاعة من أى امرأة، فقالت أختك لفعون وامرأته هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ.

أى: ألا تريدون أن أرشدكم إلى امرأة يقبل هذا الطفل الرضاعة منها، وتحفظه وترعاه، والفاء في قوله: فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ هي الفصيحة. أى: التي تفصح عن كلام مقدر.

والمعنى: بعد أن قالت أختك لفرعون وامرأته: هل أدلكم على من يكفله. أجابوها بقولهم: دلينا عليها، فجاءت بأمك فرجعناك إليها كي تسر برجوعك، ويمتلئ قلبها فرحا بلقائها بك بعد أن ألقتك في اليم، ولا تحزن بسبب فراقك عنها.

ثم حكى- سبحانه- المنة الخامسة فقال: وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ وكان ذلك عند ما استنصر به رجل من قومه على رجل من أعدائه.

أى: وقتلت نفسا هي نفس القبطي، عند ما استعان بك عليه الإسرائيلى فنجيناك من الغم الذي نزل بك بسبب هذا القتل.

قال الآلوسى: وقد حل له هذا الغم من وجهين: خوف عقاب الله- تعالى- حيث لم يقع القتل بأمره- سبحانه- وخوف القصاص، وقد نجاه الله من ذلك بالمغفرة حين قال:

رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ وبالمهاجرة إلى مدين.

والغم في الأصل: ستر الشيء، ومنه الغمام لستره ضوء الشمس. ويقال: لما يغم القلب بسبب خوف أو فوات مقصود.. «2» .

(1) تفسير الكشاف ج 3 ص 63.

(2)

تفسير الآلوسى ج 16 ص 193.

ص: 104

وقوله- عز وجل: وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً بيان للمنة السادسة التي امتن الله- تعالى- بها على موسى- عليه السلام.

والفتون: جمع فتن كالظنون جمع ظن. والفتن: الاختبار والابتلاء تقول: فتنت الذهب بالنار، أى: أدخلته فيها لتعلم جودته من رداءته.

والمعنى: واختبرناك وابتليناك- يا موسى- بألوان من الفتن والمحن.

ونظم- سبحانه- هذا الفتن والاختبار في سلك المنن، باعتبار أن الله- تعالى- ابتلاه بالفتن ثم نجاه منها، ونجاه من شرورها.

وقد ساق الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية حديثا طويلا سماه بحديث الفتون، ذكر فيه قصة مولد موسى، وإلقائه في اليم، وتربيته في بيت فرعون، وقتله للقبطي، وهروبه إلى مدين، وعودته منها إلى مصر. وتكليف الله- تعالى- له بالذهاب الى فرعون، ودعوته إلى عبادة الله وحده.. إلخ «1» .

وقوله- تعالى-: فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يا مُوسى أى:

فلبثت عشر سنين في قرية أهل مدين، تعمل كأجير عند الرجل الصالح. ثم جئت بعد ذلك إلى المكان الذي ناديتك فيه عَلى قَدَرٍ أى على وفق الوقت الذي قدرناه لمجيئك، وحددناه لتكليمك واستنبائك، دون أن تتقدم أو تتأخر، لأن كل شيء عندنا محدد ومقدر بوقت لا يتخلف عنه.

قال- تعالى-: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ وقال- سبحانه-: وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ وقال- عز وجل: وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً.

ثم حكى- سبحانه- المنة الثامنة: فقال: وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي أى: وجعلتك محل صنيعتي وإحسانى، حيث اخترتك واصطفيتك لحمل رسالتي وتبليغها إلى فرعون وقومه، وإلى قومك بنى إسرائيل.

فالآية الكريمة تكريم عظيم لموسى- عليه السلام اختاره الله- تعالى- واجتباه من بين خلقه لحمل رسالته إلى فرعون وبنى إسرائيل.

هذه ثماني منن ساقها الله- تعالى- هنا مجملة، وقد ساقها- سبحانه- في سورة القصص بصورة أكثر تفصيلا، ومن ذلك قوله- تعالى-: وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ

(1) راجع تفسير ابن كثير ج 5 ص 279 وما بعدها.

ص: 105