المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة طه (20) : الآيات 83 الى 89] - التفسير الوسيط لطنطاوي - جـ ٩

[محمد سيد طنطاوي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد التاسع]

- ‌تفسير سورة مريم

- ‌مقدّمة

- ‌تعريف بسورة مريم

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 1 الى 6]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 7 الى 11]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 12 الى 15]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 16 الى 21]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 22 الى 26]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 27 الى 33]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 34 الى 40]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 41 الى 50]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 51 الى 53]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 54 الى 55]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 56 الى 57]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 58 الى 63]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 64 الى 65]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 66 الى 72]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 73 الى 76]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 77 الى 80]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 81 الى 87]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 88 الى 95]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 96 الى 98]

- ‌تفسير سورة طه

- ‌مقدّمة

- ‌تعريف بسورة طه

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 1 الى 8]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 9 الى 16]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 17 الى 35]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 36 الى 41]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 42 الى 48]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 49 الى 60]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 61 الى 70]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 71 الى 76]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 77 الى 82]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 83 الى 89]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 90 الى 91]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 92 الى 94]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 95 الى 98]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 99 الى 104]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 105 الى 112]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 113 الى 114]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 115 الى 123]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 124 الى 129]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 130 الى 132]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 133 الى 135]

- ‌تفسير سورة الأنبياء

- ‌مقدّمة

- ‌تمهيد بين يدي السورة

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 1 الى 6]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 7 الى 9]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 10 الى 15]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 16 الى 20]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 21 الى 25]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 26 الى 29]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 30 الى 33]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 34 الى 41]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 42 الى 47]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 48 الى 50]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 51 الى 58]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 59 الى 65]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 66 الى 73]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 74 الى 75]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 76 الى 77]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 78 الى 82]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 83 الى 84]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 85 الى 86]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 87 الى 88]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 89 الى 90]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : آية 91]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : آية 92]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 93 الى 100]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 101 الى 103]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 104 الى 112]

- ‌تفسير سورة الحجّ

- ‌مقدّمة

- ‌تعريف بسورة الحج

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 1 الى 2]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 3 الى 4]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 5 الى 7]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 8 الى 13]

- ‌[سورة الحج (22) : آية 14]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 15 الى 16]

- ‌[سورة الحج (22) : آية 17]

- ‌[سورة الحج (22) : آية 18]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 19 الى 24]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 25 الى 29]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 30 الى 33]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 34 الى 37]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 38 الى 41]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 42 الى 51]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 52 الى 54]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 55 الى 59]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 60 الى 62]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 63 الى 66]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 67 الى 70]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 71 الى 72]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 73 الى 76]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 77 الى 78]

- ‌فهرس إجمالى لتفسير سورة مريم

- ‌فهرس إجمالى لتفسير «سورة طه»

- ‌فهرس إجمالى لتفسير «سورة الأنبياء»

- ‌فهرس إجمالى لتفسير «سورة الحج»

الفصل: ‌[سورة طه (20) : الآيات 83 الى 89]

وقرأ الكسائي فَيَحِلَّ بضم الحاء بمعنى ينزل يقال: حل فلان بالمكان يحل- بالضم حلولا، إذا نزل به.

والمعنى: كلوا يا بنى إسرائيل من الطيبات التي رزقكم الله إياها واشكروه عليها، ولا تتجاوزوا فيما رزقناكم الحدود التي شرعناها لكم، فإنكم إذا فعلتم ذلك حق عليكم غضبى، ونزل بكم عقابي، ومن حق عليه غضبى ونزل به عقابي فَقَدْ هَوى أى: إلى النار.

وأصله السقوط من مكان مرتفع كجبل ونحوه. يقال: هوى فلان- بفتح الواو- يهوى- بكسرها- إذا سقط إلى أسفل، ثم استعمل في الهلاك للزومه له.

ثم فتح- سبحانه- باب الأمل لعباده فقال: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ أى: لكثير المغفرة لِمَنْ تابَ من الشرك والمعاصي وَآمَنَ بكل ما يجب الإيمان به وَعَمِلَ صالِحاً أى:

وعمل عملا مستقيما يرضى الله- تعالى-. ثُمَّ اهْتَدى أى: ثم واظب على ذلك، وداوم على استقامته وصلاحه إلى أن لقى الله- تعالى-.

وثم في قوله ثُمَّ اهْتَدى للتراخي النسبي، إذ أن هناك فرقا كبيرا بين من يتوب إلى الله- تعالى- ويقدم العمل الصالح، ويستمر على ذلك إلى أن يلقى الله- تعالى- وبين من لا يداوم على ذلك.

ثم انتقلت السورة الكريمة إلى الحديث عن فتنة قوم موسى- عليه السلام بعد أن ذهب لمناجاة ربه، وكيف انقادوا لخديعة السامري لهم.. فقال- تعالى-:

[سورة طه (20) : الآيات 83 الى 89]

وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى (83) قالَ هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى (84) قالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ (85) فَرَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ يا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي (86) قالُوا ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا وَلكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْناها فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ (87)

فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ فَقالُوا هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ (88) أَفَلا يَرَوْنَ أَلَاّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً (89)

ص: 135

وهذه الآيات الكريمة تحكى قصة ملخصها: أن موسى عليه السلام بعد أن أهلك الله- تعالى- فرعون وجنوده، سار ببني إسرائيل متجها ناحية جبل الطور، ثم تركهم مستخلفا عليهم أخاه هارون، وذهب لمناجاة ربه ومعه سبعون من وجهائهم، ثم عجل من بينهم شوقا للقاء ربه، فأخبره- سبحانه- بما أحدثه قومه في غيبته عنهم. وجملة وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى مقول لقول محذوف.

والمعنى: وقلنا لموسى: أى شيء جعلك تتعجل المجيء إلى هذا المكان قبل قومك وتخلفهم وراءك، مع أنه ينبغي لرئيس القوم أن يتأخر عنهم في حالة السفر، ليكون نظره محيطا بهم ونافذا عليهم؟.

فأجاب موسى معتذرا لربه- تعالى- بقوله: هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي أى: على مقربة منى، وسيلحقون بي بعد زمن قليل وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى أى: وقد حملني على أن أحضر قبلهم، شوقي إلى مكالمتك- يا إلهى- وطمعي في زيادة رضاك عنى.

فموسى- عليه السلام قد علل تقدمه على قومه في الحضور بعلتين: الأولى: أنهم كانوا على مقربة منه. والثانية: حرصه على استدامة رضى ربه عنه.

قال صاحب الكشاف: فإن قلت: وَما أَعْجَلَكَ سؤال عن سبب العجلة، فكان الذي ينطبق عليه من الجواب أن يقال: طلب زيادة رضاك أو الشوق في كلامك. وقوله:

هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي كما ترى غير منطبق عليه؟.

قلت: قد تضمن ما واجهه به رب العزة شيئين: أحدهما: إنكار العجلة في نفسها، والثاني: السؤال عن سببها الحامل عليها، فكان أهم الأمرين إلى موسى بسط العذر، وتمهيد العلة في نفس ما أنكر عليه، فاعتل بأنه لم يوجد منى إلا تقدم يسير، مثله لا يعتد به في العادة، ولا يحتفل به، وليس بيني وبين من سبقته إلا مسافة قريبة، يتقدم بمثلها الوفد رئيسهم

ص: 136

ومقدمهم. ثم عقبه بجواب السؤال عن السبب فقال: وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى «1» .

وقوله- تعالى-: قالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ إخبار منه- سبحانه- بما فعله قومه بعد مفارقته لهم.

وكلمة فَتَنَّا من الفتن ومعناه لغة: وضع الذهب في النار ليتبين أهو خالص أم زائف.

والفتنة تطلق في القرآن بإطلاقات متعددة منها: الدخول في النار كما في قوله- تعالى-:

يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ. ومنها الحجة كما في قوله- تعالى-: ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ. ومنها: الاختبار والامتحان، كما في قوله- سبحانه-: أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ

. ومنها الإضلال والإشراك، كما في قوله- تعالى-: وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وقوله- سبحانه-: وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً

ويبدو أن المراد بالفتنة هذا المعنى الأخير وهو الإضلال والشرك، لأن فتنتهم كانت بسبب عبادتهم للعجل في غيبة موسى- عليه السلام.

ويدل على هذا قوله- تعالى-: وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَداً لَهُ خُوارٌ

والسامري: اسم للشخص الذي كان سببا في ضلال بنى إسرائيل، قيل: كان من زعماء بنى إسرائيل وينسب إلى قبيلة تعرف بالسامرة.

وقيل: إنه كان من قوم يعبدون البقر، وقيل غير ذلك من أقوال مظنونة غير محققة.

أى: قال الله- تعالى- لموسى: فإنا قد أضللنا قومك من بعد مفارقتك لهم، وكان السبب في ضلالهم السامري، حيث دعاهم إلى عبادة العجل فانقادوا له وأطاعوه.

وقوله- تعالى-: فَرَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً بيان لما كان منه- عليه السلام بعد أن علم بضلال قومه.

وكان رجوع موسى إليهم بعد أن ناجى ربه، وتلقى منه التوراة.

قال الآلوسى ما ملخصه: فَرَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ عند رجوعه المعهود أى: بعد ما استوفى الأربعين «ذا القعدة وعشر ذي الحجة» وأخذ التوراة لا عقيب الإخبار المذكور، فسببية ما قبل الفاء لما بعدها إنما هي باعتبار قيد الرجوع المستفاد من قوله غَضْبانَ أَسِفاً لا باعتبار نفسه، وإن كانت داخلة عليه حقيقة، فإن كون الرجوع بعد تمام الأربعين أمر مقرر مشهور لا يذهب الوهم إلى كونه عند الإخبار المذكور

» «2» .

(1) تفسير الكشاف ج 3 ص 81.

(2)

تفسير الآلوسى ج 16 ص 244.

ص: 137

والمعنى فرجع موسى إلى قومه- بعد مناجاته لربه وبعد تلقيه التوراة حالة كونه غَضْبانَ أَسِفاً أى: غضبان شديد الغضب.

فالمراد بالأسف شدة الغضب، وقيل المراد به الحزن والجزع.

ثم بين- سبحانه- ما قاله موسى لقومه بعد رجوعه إليهم فقال: قالَ يا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً

أى: قال لهم على سبيل الزجر والتوبيخ يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا لا سبيل لكم إلى إنكاره، ومن هذا الوعد الحسن: إنزال التوراة لهدايتكم وسعادتكم، وإهلاك عدوكم أمام أعينكم. فلماذا أعرضتهم عن عبادته وطاعته مع أنكم تعيشون في خيره ورزقه..؟.

ثم زاد في تأنيبهم وفي الإنكار عليهم فقال: أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي.

فالاستفهام في قوله أَفَطالَ.. للنفي والإنكار وأَمْ منقطعة بمعنى بل.

والمعنى: أفطال عليكم الزمان الذي فارقتكم فيه؟ لا إنه لم يطل حتى تنسوا ما أمرتكم به، بل إنكم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم، فأخلفتم موعدي الذي وعدتمونى إياه وهو أن تثبتوا على إخلاص العبادة لله- تعالى-.

ومعنى إرادتهم حلول الغضب عليهم، أنهم فعلوا ما يستوجب ذلك وهو طاعتهم للسامري في عبادتهم للعجل.

قال ابن جرير: كان إخلافهم موعده: عكوفهم على عبادة العجل، وتركهم السير على أثر موسى للموعد الذي كان الله وعدهم، وقولهم لهارون إذ نهاهم عن عبادة العجل ودعاهم إلى السير معه في أثر موسى: لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى «1» .

ثم حكى- سبحانه- معاذيرهم الواهية التي تدل على بلادة عقولهم، وانتكاس أفكارهم، وتفاهة شخصيتهم فقال- تعالى-: قالُوا ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا

وقوله بِمَلْكِنا قرأه نافع وعاصم- بفتح الميم وسكون اللام- أى: بأمرنا. وقرأه حمزة والكسائي بِمَلْكِنا بكسر الميم وسكون اللام- أى: بطاقتنا: وقرأه الباقون- بضم الميم وسكون اللام- أى: بسلطاننا، وهو مصدر مضاف لفاعله ومفعوله محذوف، أى: بملكنا أمرنا.

أى: قال بنو إسرائيل لنبيهم موسى على سبيل الاعتذار الذي هو أقبح من ذنب:

(1) تفسير ابن جرير ج 16 ص 146.

ص: 138

ما أخلفنا موعدك فعبدنا العجل بأمرنا وطاقتنا واختيارنا، فقد كان الحال أكبر من أن يدخل تحت سلطاننا، ولو خلينا بيننا وبين أنفسنا ولم يسول لنا السامري ما سول لبقينا على العهد الذي عاهدناك عليه، وهو أن نعبد الله- تعالى- وحده.

وقوله: وَلكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْناها فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ حكاية لبقية ما قالوه من أعذر قبيحة.

ولفظ: «حملنا» قرأه ابن كثير وابن عامر وحفص عن عاصم- بضم الحاء وتشديد الميم- على أنه فعل ونائب فاعل، وقرأه الباقون- بفتح الحاء والميم- على أنه فعل وفاعل.

قال الآلوسى ما ملخصه: والمراد بالقوم: القبط، وبالأوزار: الأحمال وتسمى بها الآثام، وقصدوا بذلك ما استعاروه من القبط من الحلي في عيد لهم قبل الخروج من مصر، وقيل:

استعاروه باسم العرس. وقيل: هي ما ألقاه البحر على الساحل مما كان على الذين غرقوا وهم فرعون وجنوده فأخذ بنو إسرائيل ذلك على أنه غنيمة مع أنها غنيمة مع أنها لم تكن حلالا لهم «1» .

أى: قال بنو إسرائيل لموسى: ما أخلفنا عهدك بأمرنا ولكنا حملنا أثقالا وأحمالا من زينة القبط التي أخذناها منهم بدون حق فَقَذَفْناها في النار بتوجيه من السامري، فَكَذلِكَ أى: فكما ألقينا ما معنا أَلْقَى السَّامِرِيُّ ما معه من تلك الزينة.

قال ابن كثير: وحاصل ما اعتذر به هؤلاء الجهلة أنهم تورعوا عن زينة القبط، فألقوها عنهم، فعبدوا العجل، فتورعوا عن الحقير، وفعلوا الأمر الكبير.. «2» .

ثم بين- سبحانه- ما صنعه لهم السامري من تلك الحلي فقال: فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَداً لَهُ خُوارٌ فَقالُوا هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ.

والخوار: الصوت المسموع.

أى: فكانت نتيجة ما قذفوه من الحلي في النار، أن أخرج السامري لهم من ذلك عِجْلًا جَسَداً لَهُ خُوارٌ أى: صوت كصوت البقر.

قيل: إن الله- تعالى- خلق الحياة في ذلك العجل على سبيل الاختبار والامتحان لهم.

وقيل: لم تكن به حياة، ولكن السامري صنعه لهم بدقة، وجعل فيه منافذ إذا دخلت فيها الريح أخرجت منه صوتا كصوت خوار البقر.

(1) تفسير الآلوسى ج 16 ص 246.

(2)

تفسير ابن كثير ج 5 ص 304.

ص: 139

فقال بنو إسرائيل عند ما رأوا العجل الذي صنعه لهم السامري: هذا إلهكم وإله موسى فاعبدوه، لأن موسى نسى إلهه هنا، وذهب ليبحث عنه في مكان آخر، فالضمير في قوله فَنَسِيَ يعود لموسى.

وقولهم هذا يدل على بلادتهم وسوء أدبهم مع نبيهم، فهم لم يكتفوا بعبادة العجل، بل زعموا أن نبيهم الداعي لهم إلى توحيد الله، قد كان يعبد العجل وأنه قد نسى مكانه فذهب يبحث عنه.

وقيل: إن الذي حدث منه النسيان هو السامري، وأن النسيان بمعنى الترك، أى: فترك السامري ما كان عليه من الإيمان الظاهري، ونبذ الدين الذي بعث الله- تعالى- به موسى، وحض الناس على عبادة العجل الذي صنعه لهم.

والقول الأول أرجح، لأنه هو الظاهر من معنى الآية الكريمة، ولأنه هو المأثور عن السلف.

قال ابن جرير: «وأولى الأقوال بالصواب عندنا أن يكون فَنَسِيَ خبرا من الله- تعالى- عن السامري، وأنه وصف موسى بأنه نسى ربه، وأن ربه الذي ذهب يريده هو العجل الذي أخرجه السامري، لإجماع الحجة من أهل التأويل عليه، ولأنه عقيب ذكر موسى، وهو أن يكون خبرا من السامري عنه بذلك أشبه من غيره» «1» .

وقوله- تعالى-: أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا، وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً تقريع لهم على جهلهم وغبائهم وسوء أدبهم.

والفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقام، أى: أبلغ عمى البصيرة عند هؤلاء السفهاء أنهم لم يفطنوا إلى أن هذا العجل الذي اتخذوه إلها، لا يستطيع أن يجيبهم إذا سألوه أو خاطبوه، ولا يرد عليهم قولا يقولونه له، ولا يملك لهم شيئا لا من الضر ولا من النفع.

وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى-: وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَداً لَهُ خُوارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا، اتَّخَذُوهُ وَكانُوا ظالِمِينَ «2» .

ثم بين- سبحانه- موقف هارون- عليه السلام من هؤلاء الجاهلين الذين عبدوا العجل، فقال- تعالى-:

(1) تفسير ابن جرير ج 16 ص 148. [.....]

(2)

سورة الأعراف الآية 148.

ص: 140