الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقوله- تعالى-: إِنَّما إِلهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً. استئناف مسوق لإحقاق الحق وإبطال الباطل. أى: إنما المستحق للعبادة والتعظيم هو الله- تعالى- وحده، الذي وسع علمه كل شيء. ولا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء.
وإلى هنا تكون السورة الكريمة قد قصت علينا بأسلوب بليغ حكيم، جوانب من رعاية الله- تعالى- لنبيه موسى- عليه السلام ورحمته به، كما قصت علينا تلك المحاورات التي تمت بين موسى وفرعون، وبين موسى والسحرة كما حدثتنا عن جانب من النعم التي أنعم الله- تعالى- بها على بنى إسرائيل، وكيف أنهم قابلوها بالجحود والكنود وبإيذاء نبيهم موسى- عليه السلام.
ثم أشار- سبحانه- بعد ذلك إلى العبرة من قصص الأولين، وإلى التنويه بشأن القرآن الكريم، وإلى أن يوم القيامة آت لا ريب فيه، فقال- تعالى-:
[سورة طه (20) : الآيات 99 الى 104]
كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ ما قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً (99) مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وِزْراً (100) خالِدِينَ فِيهِ وَساءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ حِمْلاً (101) يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً (102) يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَاّ عَشْراً (103)
نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَاّ يَوْماً (104)
والكاف في قوله- تعالى-: كَذلِكَ في محل نصب نعت لمصدر محذوف، أى: نقص عليك- أيها الرسول الكريم- من أنباء ما قد سبق من أحوال الأمم الماضية، قصصا مثل ما قصصناه عليك عن موسى وهارون. وما دار بينهما وبين فرعون وبين بنى إسرائيل.
ومِنْ في قوله مِنْ أَنْباءِ ما قَدْ سَبَقَ للتبعيض، ويشهد لذلك أن القرآن قد صرح في كثير من آياته، أن الله- تعالى- لم يقص على الرسول صلى الله عليه وسلم جميع أحوال الأمم السابقة، ومن ذلك قوله- تعالى-: وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ
نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ
«1» .
ومن فوائد ما قصه الله- تعالى- عليه من أنباء السابقين: زيادة علمه صلى الله عليه وسلم، وتكثير معجزاته، وتثبيت فؤاده، وتسليته عما أصابه من سفهاء قومه، وتذكير المؤمنين بأحوال تلك الأمم السابقة ليعتبروا ويتعظوا.
وقوله- سبحانه-: وَقَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً تنويه وتعظيم لشأن القرآن الكريم.
أى: وقد أعطيناك ومنحناك من عندنا وحدنا ذِكْراً عظيما. وهو القرآن الكريم، كما قال- تعالى-: وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ.
قال الفخر الرازي: وفي تسمية القرآن بالذكر وجوه:
أحدها: أنه كتاب فيه ذكر ما يحتاج إليه الناس من أمر دينهم ودنياهم.
وثانيها: أنه يذكر أنواع آلاء الله ونعمائه على الناس، ففيه التذكير والوعظ.
وثالثها: أنه فيه الذكر والشرف لك ولقومك، كما قال- سبحانه-: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ «2» .
ثم بين- سبحانه- سوء عاقبة من يعرض عن هداية هذا القرآن فقال: مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وِزْراً.. خالِدِينَ فِيهِ وَساءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ حِمْلًا.
والوزر في الأصل يطلق على الحمل الثقيل، وعلى الإثم والذنب، والمراد به هنا العقوبة الثقيلة الأليمة المترتبة على تلك الأثقال والآثام.
قال صاحب الكشاف: والمراد بالوزر: العقوبة الثقيلة الباهظة، سماها وزرا تشبيها في ثقلها على المعاقب، وصعوبة احتمالها، بالحمل الذي يفدح الحامل، وينقض ظهره، أو لأنها جزاء الوزر وهو الإثم «3» .
وقد أخبرنا القرآن في كثير من آياته، أن الكافرين يأتون يوم القيامة وهم يحملون أوزارهم، أى: أثقال ذنوبهم على ظهورهم، ومن ذلك قوله- تعالى-: لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ، وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ، أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ «4» .
(1) سورة النساء الآية 164.
(2)
تفسير الفخر الرازي ج 6 ص 71.
(3)
تفسير الكشاف ج 3 ص 86.
(4)
سورة النحل الآية 25. [.....]
أى: من أعرض عن هذا الذكر وهو القرآن الكريم فإنه بسبب هذا الإعراض والترك، يحمل يوم القيامة على ظهره آثاما كثيرة: تؤدى إلى العقوبة المهينة من الله- تعالى-.
وقوله: خالِدِينَ فِيهِ أى: في العذاب المترتب على هذا الوزر.
وَساءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ حِمْلًا أى: وبئس ما حملوا على أنفسهم من الإثم بسبب إعراضهم عن هداية القرآن الكريم.
قال الآلوسى: قوله: وَساءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ حِمْلًا إنشاء للذم، على أن «ساء» فعل ذم بمعنى بئس.. وفاعله على هذا هنا مستتر يعود على «حملا» الواقع تمييزا.. والمخصوص بالذم محذوف، والتقدير: ساء حملهم حملا وزرهم «1» .
ثم بين- سبحانه- أحوال المجرمين عند الحشر فقال: يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً.
أى: اذكر- أيها العاقل- يوم ينفخ إسرافيل في الصور النفخة الثانية، ونحشر المجرمين يومئذ ونجمعهم للحساب حالة كونهم زرق العيون من شدة الهول، أو حالة كونهم «زرقا» أى: عميا، لأن العين إذا ذهب ضوؤها أزرق ناظرها. أو «زرقا» معناه: عطاشا، لأن العطش الشديد يغير سواد العين فيجعله كالأزرق.
قال- تعالى-: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ. ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ «2» .
وقوله- سبحانه-: يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْراً استئناف لبيان ما يقوله بعضهم لبعض على سبيل الهمس وخفض الصوت.
أى: إن هؤلاء المجرمين يتهامسون فيما بينهم في هذا اليوم العصيب، قائلين ما لبثتم في قبوركم إلا عشرا من الليالى أو الأيام.
ومقصدهم من هذا القول: استقصار المدة، وسرعة انقضائها، والندم على ما كانوا يزعمونه من أنه لا بعث ولا حساب، بعد أن تبين لهم أن البعث حق، وأن الحساب حق، وأن الأمر على عكس ما كانوا يتوهمون.
وقوله- تعالى-: نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ
…
بيان لشمول علمه- سبحانه-.
أى: نحن وحدنا أعلم بما يقولون فيما بينهم، لا يخفى علينا شيء مما يتخافتون به من شأن
(1) تفسير الآلوسى ج 16 ص 259.
(2)
سورة الزمر الآية 68.