المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة طه (20) : الآيات 61 الى 70] - التفسير الوسيط لطنطاوي - جـ ٩

[محمد سيد طنطاوي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد التاسع]

- ‌تفسير سورة مريم

- ‌مقدّمة

- ‌تعريف بسورة مريم

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 1 الى 6]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 7 الى 11]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 12 الى 15]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 16 الى 21]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 22 الى 26]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 27 الى 33]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 34 الى 40]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 41 الى 50]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 51 الى 53]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 54 الى 55]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 56 الى 57]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 58 الى 63]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 64 الى 65]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 66 الى 72]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 73 الى 76]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 77 الى 80]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 81 الى 87]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 88 الى 95]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 96 الى 98]

- ‌تفسير سورة طه

- ‌مقدّمة

- ‌تعريف بسورة طه

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 1 الى 8]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 9 الى 16]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 17 الى 35]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 36 الى 41]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 42 الى 48]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 49 الى 60]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 61 الى 70]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 71 الى 76]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 77 الى 82]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 83 الى 89]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 90 الى 91]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 92 الى 94]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 95 الى 98]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 99 الى 104]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 105 الى 112]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 113 الى 114]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 115 الى 123]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 124 الى 129]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 130 الى 132]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 133 الى 135]

- ‌تفسير سورة الأنبياء

- ‌مقدّمة

- ‌تمهيد بين يدي السورة

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 1 الى 6]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 7 الى 9]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 10 الى 15]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 16 الى 20]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 21 الى 25]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 26 الى 29]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 30 الى 33]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 34 الى 41]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 42 الى 47]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 48 الى 50]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 51 الى 58]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 59 الى 65]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 66 الى 73]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 74 الى 75]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 76 الى 77]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 78 الى 82]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 83 الى 84]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 85 الى 86]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 87 الى 88]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 89 الى 90]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : آية 91]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : آية 92]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 93 الى 100]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 101 الى 103]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 104 الى 112]

- ‌تفسير سورة الحجّ

- ‌مقدّمة

- ‌تعريف بسورة الحج

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 1 الى 2]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 3 الى 4]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 5 الى 7]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 8 الى 13]

- ‌[سورة الحج (22) : آية 14]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 15 الى 16]

- ‌[سورة الحج (22) : آية 17]

- ‌[سورة الحج (22) : آية 18]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 19 الى 24]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 25 الى 29]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 30 الى 33]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 34 الى 37]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 38 الى 41]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 42 الى 51]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 52 الى 54]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 55 الى 59]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 60 الى 62]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 63 الى 66]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 67 الى 70]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 71 الى 72]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 73 الى 76]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 77 الى 78]

- ‌فهرس إجمالى لتفسير سورة مريم

- ‌فهرس إجمالى لتفسير «سورة طه»

- ‌فهرس إجمالى لتفسير «سورة الأنبياء»

- ‌فهرس إجمالى لتفسير «سورة الحج»

الفصل: ‌[سورة طه (20) : الآيات 61 الى 70]

ثم حكى القرآن ما كان من فرعون بعد أن حدد موسى- عليه السلام موعد المبارزة فقال: فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتى.

أى: وبعد أن استمع فرعون إلى موسى، انصرف من المجلس، وولى مدبرا فَجَمَعَ كَيْدَهُ.

أى: فجمع كبار سحرته من أطراف مملكته ثُمَّ أَتى بهم في الموعد المحدد، ليتحدى موسى- عليه السلام.

وإلى هنا نرى الآيات الكريمة قد حكت لنا بأسلوبها البليغ جانبا من المحاورات التي دارت بين موسى وفرعون، وأرتنا كيف واجه موسى طغيان فرعون وغروره، برباطة جأش، وقوة إرادة، ومضاء عزيمة..

ثم انتقلت السورة بعد ذلك إلى الحديث عما دار بين موسى والسحرة من محاورات. انتهت بإيمانهم واعترافهم بالحق الذي جاء به موسى من عند ربه، قال- تعالى-:

[سورة طه (20) : الآيات 61 الى 70]

قالَ لَهُمْ مُوسى وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى (61) فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوى (62) قالُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ يُرِيدانِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِما وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى (63) فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلى (64) قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى (65)

قالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى (66) فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى (67) قُلْنا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى (68) وَأَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ ما صَنَعُوا إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى (69) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى (70)

ص: 120

فقوله- تعالى-: قالَ لَهُمْ مُوسى وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ

حكاية لما وجهه موسى- عليه السلام من نصح وإنذار. قيل: كان عددهم اثنين وسبعين، وقيل: أكثر من ذلك.

قال الجمل: قوله فَيُسْحِتَكُمْ قرأ الأخوان وحفص عن عاصم فيسحتكم- بضم الياء وكسر الحاء-. وقرأ الباقون بفتحهما. فقراءة الأخوين من أسحت الرباعي، وهي لغة نجد وتميم، وقراءة الباقين من سحت الثلاثي- وبابه قطع- وهي لغة الحجازيين.

وأصل هذه المادة. الدلالة على الاستقصاء، والنفاد، ومنه سحت الحالق الشعر، أى:

استقصاء فلم يترك منه شيئا، ويستعمل في الإهلاك والإذهاب، ونصبه بإضمار أن في جواب النهى «1» .

أى: قال موسى- عليه السلام للسحرة الذين التقى بهم وجها لوجه بعد أن حشدهم فرعون أمامه، فقال لهم: الويل والهلاك لكم، لا تفتروا على الله- تعالى- كذبا، بأن تقفوا في وجهى، وتزعموا أن معجزاتي هي نوع من السحر. فإنكم لو فعلتم ذلك أهلككم الله- تعالى- وأبادكم بعذاب عظيم من عنده.

وجملة وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى معترضة لتقرير وتأكيد ما قبلها.

أى: وقد خاب وخسر كل من قال على الله- تعالى- قولا باطلا لا حقيقة له، وفرعون أول المبطلين المفترين الخاسرين، فاحذروا أن تسيروا في ركابه، أو أن تطيعوا له أمرا.

ويبدو أن هذه النصيحة الصادقة المخلصة كان لها أثرها الطيب في نفوس بعض السحرة، بدليل قوله- تعالى- بعد ذلك فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوى والنجوى:

المسارة في الحديث.

أى: وبعد أن سمع السحرة من موسى نصيحته لهم وتهديده إياهم بالاستئصال والهلاك.

إذا ما استمروا في ضلالهم، اختلفوا فيما بينهم، وَأَسَرُّوا النَّجْوى أى: وبالغوا في إخفاء ما يسارون به عن موسى وأخيه- عليهما السلام.

(1) حاشية الجمل على الجلالين ج 3 ص 98.

ص: 121

فمنهم من قال- كما روى عن قتادة-: إن كان ما جاءنا به موسى سحرا فسنغلبه، وإن كان من عند الله فسيكون له أمر.

ومنهم من قال بعد أن سمع كلام موسى: ما هذا بقول ساحر.

ومنهم من أخذ في حض زملائه المترددين على منازلة موسى- عليه السلام، لأنه جاء هو وأخوه لتغيير عقائد الناس ولاكتساب الجاه والسلطان، ولسلب المنافع التي تأتى لهم أى للسحرة عن طريق السحر..

ويبدو أن هذا الفريق الأخير هو الذي استطاع أن ينتصر على غيره من السحرة في النهاية، بدليل قوله- تعالى- بعد ذلك: قالُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ يُرِيدانِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِما، وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلى.

فهاتان الآيتان تشيران إلى خوف السحرة من موسى وهارون، وإلى أنهم بذلوا أقصى جهدهم في تجميع صفوفهم، وفي تشجيع بعضهم لبعض، حتى لا يستلب موسى- عليه السلام منهم جاههم وسلطانهم ومنافعهم

أى: قال السحرة بعضهم لبعض بطريق التناجي والإسرار، ما استقر عليه رأيهم، من أن موسى وهارون ساحران يُرِيدانِ عن طريق سحرهما أن يخرجا السحرة من أرضهم مصر: ليستوليا هما وأتباعهما عليها.

ويريدان كذلك أن يذهبا بطريقتكم المثلى. أى بمذهبكم ودينكم الذي هو أمثل المذاهب وأفضلها، وبملككم الذي أنتم فيه، وبعيشكم الذي تنعمون به.

فالمثلى: مؤنث أمثل بمعنى أشرف وأفضل. وإنما أنث باعتبار التعبير بالطريقة. هذا، وهناك قراءات في قوله تعالى: إِنْ هذانِ لَساحِرانِ ذكرها الإمام القرطبي.

فقال ما ملخصه: قوله- تعالى-: إِنْ هذانِ لَساحِرانِ قرأ أبو عمرو: إن هذين لساحران ورويت- هذه القراءة- عن عثمان وعائشة وغيرهما من الصحابة

وقرأ الزهري والخليل ابن أحمد وعاصم في رواية حفص عنه إِنْ هذانِ لَساحِرانِ بتخفيف إِنْ

وهذه القراءة سلمت من مخالفة المصحف ومن فساد الإعراب، ويكون معناها: ما هذان إلا ساحران.

ص: 122

وقرأ المدنيون والكوفيون: إِنْ هذانِ بتشديد إن لَساحِرانِ فوافقوا المصحف وخالفوا الإعراب.

فهذه ثلاث قراءات قد رواها الجماعة من الأئمة..

والعلماء في قراءة أهل المدينة والكوفة ستة أقوال: الأول أنها لغة بنى الحارث بن كعب وزبيد وخثعم..، يجعلون رفع المثنى ونصبه وخفضه بالألف.. وهذا القول من أحسن ما حملت عليه الآية «1» .

والفاء في قوله- تعالى-: فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ

فصيحة، أى: إذا كان الأمر كذلك من أن موسى وهارون قد حضرا ليخرجاكم من أرضكم بسحرهما.. فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ أى: فأحكموا سحركم واعزموا عليه ولا تجعلوه متفرقا.

يقال: أجمع فلان رأيه وأزمعه، إذا عزم عليه وأحكمه واستعد لتنفيذه وقوله ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا أى: ثم ائتوا جميعا مصطفين، حتى يكون أمركم أكثر هيبة في النفوس، وأعظم وقعا على القلوب، وأدعى إلى الترابط والثبات وقوله وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلى تذييل مؤكد لما قبله.

أى: وقد أفلح وفاز بالمطلوب في يوم النزال من طلب العلو، وسعى من أجله، واستطاع أن يتغلب على خصمه، لأننا إذا تغلبنا على موسى كانت لنا الجوائز العظمى، وإذا تغلب علينا خسرنا خسارة ليس هناك ما هو أشد منها.

وحانت ساعة المبارزة والمنازلة. فتقدم السحرة نحو موسى- عليه السلام وقالوا له- كما حكى القرآن عنهم-:.. يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى.

والإلقاء في الأصل: طرح الشيء، ومفعول «تلقى» محذوف للعلم به، والمراد به العصا.

أى قال السحرة لموسى على سبيل التخيير الذي يبدو فيه التحدي والتلويح بالقوة:

يا موسى إما أن تلقى أنت عصاك قبلنا، وإما أن تتركنا لنلقى حبالنا وعصينا قبلك.

قال الآلوسى: خيروه- عليه السلام وقدموه على أنفسهم إظهارا للثقة بأمرهم.

وقيل. مراعاة للأدب معه- عليه السلام. و «أن» مع ما في حيزها منصوب بفعل مضمر. أى، إما تختار إلقاءك أو تختار كوننا أول من ألقى. أو مرفوع على أنه خبر لمبتدأ محذوف.

أى: «الأمر إما إلقاؤك أو كوننا أول من ألقى..» «2» .

(1) راجع تفسير القرطبي ج 11 ص 216.

(2)

تفسير الآلوسى ج 16 ص 226.

ص: 123

ثم حكى القرآن بعد ذلك أن موسى- عليه السلام ترك فرصة البدء لهم، واستبقى لنفسه الجولة الأخيرة، فقال- تعالى-: قالَ بَلْ أَلْقُوا، فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى. والتخيل: هو إبداء أمر لا حقيقة له. ومنه الخيال، وهو الطيف الطارق في النوم.

أى: قال موسى- عليه السلام للسحرة في الرد على تخييرهم له، ابدءوا أنتم بإلقاء ما معكم من حبال وعصى.

والفاء في قوله: فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ

فصيحة وهي معطوفة على كلام محذوف، وإذا هي الفجائية.

أى: قال لهم موسى بل ألقوا أنتم أولا، فامتثلوا أمره وألقوا ما معهم، فإذا حبالهم وعصيهم التي طرحوها، جعلت موسى- لشدة اهتزازها واضطرابها- يخيل إليه من شدة سحرهم، أن هذه الحبال والعصى حيات تسعى على بطونها.

قال ابن كثير: وذلك أنهم أودعوها من الزئبق ما كانت تتحرك بسببه وتضطرب وتميد، بحيث يخيل للناظر أنها تسعى باختيارها، وإنما كانت حيلة، وكانوا جمّا غفيرا، وجمعا كبيرا- أى السحرة- فألقى كل منهم عصا وحبلا حتى صار الوادي ملآن حيات، يركب بعضها بعضا.. «1» .

ويبدو أن فعل السحرة هذا، قد أثر في موسى- عليه السلام بدليل قوله- تعالى-:

فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى.

والإيجاس: الإخفاء والإضمار، والخيفة: الخوف. أى فأخفى موسى- عليه السلام في نفسه شيئا من الخوف، حين رأى حبال السحرة وعصيهم كأنها حيات تسعى على بطونها، وخوفه هذا حدث له بمقتضى الطبيعة البشرية عند ما رأى هذا الأمر الهائل من السحر، وبمقتضى أن يؤثر هذا السحر في نفوس الناس فيصرفهم عما سيفعله.

وهنا ثبته الله- تعالى- وقواه، وأوحى إليه- سبحانه- بقوله: قُلْنا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى.

أى: قلنا له عند ما أوجس في نفسه خيفة من فعل السحرة: لا تخف يا موسى مما فعلوه، إنك أنت الأعلى عليهم بالغلبة والظفر. أنت الأعلى لأن معك الحق ومعهم الباطل.

وقد أكد الله- تعالى- هذه البشارة لموسى بجملة من المؤكدات أحدها: إن المؤكدة،

(1) تفسير ابن كثير ج 5 ص 294- طبعة دار الشعب-.

ص: 124

وثانيها: تكرير الضمير وثالثها: التعبير بالعلو المفيد للاستعلاء عليهم.

وقوله- سبحانه-: وَأَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ ما صَنَعُوا.. زيادة في تشجيعه وتثبيته.

وتلقف من اللقف بمعنى الأخذ للشيء بسرعة وخفة. يقال: لقف فلان يلقفه لقفا ولقفانا، إذا تناوله بسرعة وحذق باليد أو الفم.

وفي هذه الكلمات ثلاث قراءات سبعية، أحدها:«تلقّف» بتاء مفتوحة مخففة، بعدها لام مفتوحة، ثم قاف مشددة وفاء ساكنة، وأصل الفعل تتلقف، فحذفت إحداهما تخفيفا، وهو مجزوم في جواب الأمر وهو أَلْقِ.

وثانيها: تَلْقَفْ كالقراءة السابقة مع ضم الفاء، على أن الفعل خبر لمبتدأ محذوف.

أى: وألق ما في يمينك فهي تلقف ما صنعوا.

وثالثها: تَلْقَفْ بفتح التاء وسكون اللام وفتح القاف المخففة وجزم الفعل كالقراءة الأولى.

والمراد بما في يمينه عصاه، كما جاء ذلك صريحا في آيات أخرى منها قوله- تعالى-:

فَأَلْقى مُوسى عَصاهُ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ.

وعبر عنها بقوله: ما فِي يَمِينِكَ على سبيل التهويل من شأنها، أو لتذكيره بما شاهده منها بعد أن قال الله- تعالى- له قبل ذلك وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى.. قالَ أَلْقِها يا مُوسى، فَأَلْقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى....

والمعنى: وألق يا موسى ما في يمينك تبتلع كل ما صنعه السحرة من تمويه وتزوير وتخييل، جعل الناس يتوهمون أن حبالهم وعصيهم تسعى.

قال ابن كثير: وذلك أنها صارت تنينا هائلا- أى حية عظيمة- ذا عيون وقوائم وعنق ورأس وأضراس، فجعلت تتبع تلك الحبال والعصى حتى لم تبق منها شيئا إلا تلقفته وابتلعته، والسحرة والناس ينظرون إلى ذلك عيانا جهارا نهارا.. فقامت المعجزة، واتضح البرهان، وبطل ما كانوا يعملون «1» .

وقوله: إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ تعليل لقوله تَلْقَفْ ما صَنَعُوا وما موصولة وهي اسم إن، وكَيْدُ خبرها، والعائد محذوف.

والتقدير: وألق يا موسى عصاك تلقف ما صنعوه، فإن الذي صنعوه إنما هو كيد من جنس كيد السحرة وصنعهم وتمويههم.

(1) تفسير ابن كثير ج 5 ص 296.

ص: 125

وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ أى ولا يفوز هذا الجنس من الناس حَيْثُ أَتى أى: حيث كان فحيث ظرف مكان أريد به التعميم.

أى: أن الساحر لا يفلح ولا يفوز أينما كان، وحيثما أقبل، وأنّى اتجه، لأنه يصنع للناس التخييل والتمويه والتزوير والتزييف للحقائق.

قال صاحب الكشاف: «فإن قلت: لم وحد ساحر ولم يجمع؟ قلت: لأن القصد في هذا الكلام إلى معنى الجنسية، لا إلى معنى العدد. فلو جمع لخيل أن المقصود هو العدد «1» .

ثم كانت بعد ذلك المفاجأة الكبرى فقد آمن السحرة حين رأوا ما رأوا بعد أن ألقى موسى ما في يمينه، قال- تعالى-: فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى.

قال الآلوسى: «والفاء في قوله فَأُلْقِيَ

فصيحة معربة عن جمل غنية عن التصريح» .

أى: فزال الخوف، وألقى موسى ما في يمينه، وصارت حية، وتلقفت حبالهم وعصيهم، وعلم السحرة أن ذلك معجزة، فخروا سجدا لله على وجوههم قائلين آمنا برب هارون وموسى.. «2» .

والحق أن التعبير بقوله- تعالى-: فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً.. يدل على قوة البرهان الذي عاينوه، حتى لكأنهم أمسكهم إنسان وألقاهم ساجدين بالقوة لعظم المعجزة التي عاينوها، وأطلق- سبحانه- عليهم اسم السحرة في حال سجودهم له- تعالى- وإيمانهم به، نظرا إلى حالهم الماضية.

وهكذا النفوس النقية عند ما يتبين لها الحق، لا تلبث أن تفيء إليه، وتستجيب لأهله. قال الكرخي: خروا ساجدين لله لأنهم كانوا في أعلى طبقات السحر، فلما رأوا ما فعله موسى خارجا عن صناعتهم، عرفوا أنه ليس من السحر ألبتة «3» .

وقال صاحب الكشاف: «ما أعجب أمرهم، قد ألقوا حبالهم وعصيهم للكفر والجحود.

ثم ألقوا رءوسهم بعد ساعة للشكر والسجود. فما أعظم الفرق بين الإلقاءين» «4» .

ثم بين- سبحانه- بعد ذلك ما توعد فرعون به السحرة، وموقفهم من هذا الوعيد فقال- تعالى-:

(1) تفسير الكشاف ج 3 ص 75.

(2)

تفسير الآلوسى ج 16 ص 230.

(3)

حاشية الجمل على الجلالين ج 3 ص 101.

(4)

تفسير الكشاف ج 3 ص 75.

ص: 126