المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة الحج (22) : الآيات 25 الى 29] - التفسير الوسيط لطنطاوي - جـ ٩

[محمد سيد طنطاوي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد التاسع]

- ‌تفسير سورة مريم

- ‌مقدّمة

- ‌تعريف بسورة مريم

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 1 الى 6]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 7 الى 11]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 12 الى 15]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 16 الى 21]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 22 الى 26]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 27 الى 33]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 34 الى 40]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 41 الى 50]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 51 الى 53]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 54 الى 55]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 56 الى 57]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 58 الى 63]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 64 الى 65]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 66 الى 72]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 73 الى 76]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 77 الى 80]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 81 الى 87]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 88 الى 95]

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 96 الى 98]

- ‌تفسير سورة طه

- ‌مقدّمة

- ‌تعريف بسورة طه

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 1 الى 8]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 9 الى 16]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 17 الى 35]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 36 الى 41]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 42 الى 48]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 49 الى 60]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 61 الى 70]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 71 الى 76]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 77 الى 82]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 83 الى 89]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 90 الى 91]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 92 الى 94]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 95 الى 98]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 99 الى 104]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 105 الى 112]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 113 الى 114]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 115 الى 123]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 124 الى 129]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 130 الى 132]

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 133 الى 135]

- ‌تفسير سورة الأنبياء

- ‌مقدّمة

- ‌تمهيد بين يدي السورة

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 1 الى 6]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 7 الى 9]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 10 الى 15]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 16 الى 20]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 21 الى 25]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 26 الى 29]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 30 الى 33]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 34 الى 41]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 42 الى 47]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 48 الى 50]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 51 الى 58]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 59 الى 65]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 66 الى 73]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 74 الى 75]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 76 الى 77]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 78 الى 82]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 83 الى 84]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 85 الى 86]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 87 الى 88]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 89 الى 90]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : آية 91]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : آية 92]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 93 الى 100]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 101 الى 103]

- ‌[سورة الأنبياء (21) : الآيات 104 الى 112]

- ‌تفسير سورة الحجّ

- ‌مقدّمة

- ‌تعريف بسورة الحج

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 1 الى 2]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 3 الى 4]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 5 الى 7]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 8 الى 13]

- ‌[سورة الحج (22) : آية 14]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 15 الى 16]

- ‌[سورة الحج (22) : آية 17]

- ‌[سورة الحج (22) : آية 18]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 19 الى 24]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 25 الى 29]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 30 الى 33]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 34 الى 37]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 38 الى 41]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 42 الى 51]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 52 الى 54]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 55 الى 59]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 60 الى 62]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 63 الى 66]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 67 الى 70]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 71 الى 72]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 73 الى 76]

- ‌[سورة الحج (22) : الآيات 77 الى 78]

- ‌فهرس إجمالى لتفسير سورة مريم

- ‌فهرس إجمالى لتفسير «سورة طه»

- ‌فهرس إجمالى لتفسير «سورة الأنبياء»

- ‌فهرس إجمالى لتفسير «سورة الحج»

الفصل: ‌[سورة الحج (22) : الآيات 25 الى 29]

الحرام، وعن مكانته، وعن الأمر ببنائه، وعن وجوب الحج إليه، وعن المنافع التي تعود على الحجاج، وعن سوء مصير من يصد الناس عن هذا المسجد، جاء قوله- تعالى-:

[سورة الحج (22) : الآيات 25 الى 29]

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (25) وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26) وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ (28) ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29)

قال الإمام الرازي: اعلم أنه- تعالى- بعد أن فصل بين الكفار والمؤمنين ذكر عظم حرمة البيت، وعظم كفر هؤلاء الكافرين فقال: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ.

قال ابن عباس: الآية نزلت في أبى سفيان بن حرب وأصحابه حين صدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية عن المسجد الحرام، عن أن يحجوا ويعتمروا، وينحروا الهدى. فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم قتالهم، وكان محرما بعمرة، ثم صالحوه على أن يعود في العام القادم.. «1» .

(1) تفسير الفخر الرازي ج 6 ص 154.

ص: 298

وصح عطف المضارع وهو «يصدون» على الماضي وهو «كفروا» لأن المضارع هنا لم يقصد به زمن معين من حال أو استقبال، وإنما المراد به مجرد الاستمرار، كما في قولهم: فلان يحسن إلى الفقراء، فإن المراد به استمرار وجود إحسانه.

ويجوز أن يكون قوله وَيَصُدُّونَ

خبرا لمبتدأ محذوف، أى: وهم يصدون عن المسجد الحرام. وخبر إن في قوله- سبحانه-: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا

محذوف لدلالة آخر الآية عليه.

والمعنى: إن الذين أصروا على كفرهم بما أنزله الله- تعالى- على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، واستمروا على منع أهل الحق من أداء شعائر دين الله- تعالى-، ومن زيارة المسجد الحرام..

هؤلاء الكافرون سوف نذيقهم عذابا أليما.

ويصح أن يكون الخبر محذوفا للتهويل والإرهاب. وكأن وصفهم بالكفر والصد كاف في معرفة مصيرهم المهين.

قال القرطبي: قوله- تعالى-: وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ قيل إنه المسجد نفسه وهو ظاهر القرآن، لأنه لم يذكر غيره، وقيل الحرم كله، لأن المشركين صدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه عنه عام الحديبية، فنزل خارجا عنه

وهذا صحيح لكنه قصد هنا بالذكر المهم المقصود من ذلك «1» .

وقوله- سبحانه-: الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ.. تشريف لهذا المكان حيث جعل الله- تعالى- الناس تحت سقفه سواء، وتشنيع على الكافرين الذين صدوا المؤمنين عنه.

ولفظ «سواء» قرأه جمهور القراء بالرفع على أنه خبر مقدم، والعاكف: مبتدأ، والباد معطوفة عليه أى: العاكف والباد سواء فيه. أى مستويان فيه.

وقرأه حفص عن عاصم بالنصب على أنه المفعول الثاني لقوله «جعلناه» بمعنى صيرناه.

أى: جعلناه مستويا فيه العاكف والباد. ويصح أن يكون حالا من الهاء في جَعَلْناهُ أى:

وضعناه للناس حال كونه سواء العاكف فيه والباد.

والمراد: بالعاكف فيه: المقيم فيه. يقال: عكف فلان على الشيء، إذا لازمه ولم يفارقه.

والباد: الطارئ عليه من مكان آخر. وأصله من يكون من أهل البوادي الذين يسكنون المضارب والخيام، ويتنقلون من مكان إلى آخر.

(1) تفسير القرطبي ج 11 ص 32.

ص: 299

أى: جعلناه للناس على العموم، يصلون فيه، ويطوفون به، ويحترمونه ويستوي تحت سقفه من كان مقيما في جواره، وملازما للتردد عليه، ومن كان زائرا له وطارئا عليه من أهل البوادي أو من أهل البلاد الأخرى سوى مكة.

فهذا المسجد الحرام يتساوى فيه عباد الله، فلا يملكه أحد منهم، ولا يمتاز فيه أحد منهم، بل الكل فوق أرضه وتحت سقفه سواء.

وقوله- تعالى-: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ تهديد لكل من يحاول ارتكاب شيء نهى الله عنه في هذا المسجد الحرام.

والإلحاد الميل. يقال: ألحد فلان في دين الله، أى: مال وحاد عنه.

و «من» شرطية وجوابها «نذقه» ومفعول «يرد» محذوف لقصد التعميم. أى: ومن يرد فيه مرادا بإلحاد، ويصح أن يكون المفعول قوله بِإِلْحادٍ على أن الباء زائدة.

أى: ومن يرد في هذا المسجد الحرام إلحادا، أى: ميلا وحيدة عن أحكام الشريعة وآدابها بسبب ظلمه وخروجه عن طاعتنا، نذقه من عذاب أليم لا يقادر قدره، ولا يكتنه كنهه.

وقد جاء هذا التهديد في أقصى درجاته لأن القرآن توعد بالعذاب الأليم كل من ينوى ويريد الميل فيه عن دين الله، وإذا كان الأمر كذلك، فمن ينوى ويفعل يكون عقابه أشد، ومصيره أقبح.

ويدخل تحت هذا التهديد كل ميل عن الحق إلى الباطل، أو عن الخير إلى الشر كالاحتقار، والغش.

ولذا قال ابن جرير بعد أن ساق الأقوال في ذلك: وأولى الأقوال التي ذكرناها في تأويل ذلك بالصواب: القول الذي ذكرناه من أن المراد بالظلم في هذا الموضع، كل معصية لله، وذلك لأن الله عم بقوله: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ ولم يخصص به ظلما دون ظلم في خبر ولا عقل، فهو على عمومه، فإذا كان ذلك كذلك فتأويل الكلام: ومن يرد في المسجد الحرام بأن يميل بظلم فيعصى الله فيه، نذقه يوم القيامة من عذاب موجع له «1» .

ثم تحدثت السورة بعد ذلك عن بناء البيت وتطهيره فقال- تعالى-: وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً....

وبوأنا من التبوؤ بمعنى النزول في المكان. يقال: بوأته منزلا أى: أنزلته فيه، وهيأته له، ومكنته منه.

(1) تفسير ابن جرير ج 17 ص 105.

ص: 300

والمعنى: واذكر أيها العاقل لتعتبر وتتعظ وقت أن هيأنا لنبينا إبراهيم مكان بيتنا الحرام، وأرشدناه إليه، لكي يبنيه بأمرنا، ليكون مثابة للناس وأمنا.

قال بعض العلماء: والمفسرون يقولون بوأه له، وأراه إياه، بسبب ريح تسمى الخجوج، كنست ما فوق الأساس: حتى ظهر الأساس الأول الذي كان مندرسا، فبناه إبراهيم وإسماعيل عليه

وأن محل البيت كان مربض غنم لرجل من جرهم.

وغاية ما دل عليه القرآن: أن الله بوأ مكانه لإبراهيم، فهيأه له، وعرفه إياه ليبنيه في محله، وذهبت جماعة من أهل العلم إلى أن أول من بناه إبراهيم ولم يبن قبله.

وظاهر قوله- تعالى- على لسان إبراهيم: رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ

يدل على أنه كان مبنيا واندرس كما يدل عليه- أيضا- قوله هنا مَكانَ الْبَيْتِ لأنه يدل على أن له مكانا سابقا كان معروفا «1» .

و «أن» في قوله- تعالى-: أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً مفسرة، والتفسير- كما يقول الآلوسى- باعتبار أن التبوئة من أجل العبادة، فكأنه قيل: أمرنا إبراهيم بالعبادة، وذلك فيه معنى القول دون حروفه، أو لأن بوأناه بمعنى قلنا له تبوأ.

والمعنى: واذكر- أيها المخاطب- وقت أن هيأنا لإبراهيم- عليه السلام مكان بيتنا الحرام، وأوصيناه بعدم الإشراك بنا، وبإخلاص العبادة لنا، كما أوصيناه- أيضا- بأن يطهر هذا البيت من الأرجاس الحسية والمعنوية الشاملة للكفر والبدع والضلالات والنجاسات، وأن يجعله مهيأ للطائفين به، وللقائمين فيه لأداء فريضة الصلاة.

قال الشوكانى: والمراد بالقائمين في قوله: وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقائِمِينَ المصلون..

وذكر الرُّكَّعِ السُّجُودِ بعده، لبيان أركان الصلاة دلالة على عظم شأن هذه العبادة، وقرن الطواف بالصلاة، لأنهما لا يشرعان إلا في البيت، فالطواف عنده والصلاة إليه «2» .

وقد أخذ العلماء من هذه الآية الكريمة، أنه لا يجوز أن يترك عند بيت الله الحرام، قذر من الأقذار ولا نجس من الأنجاس المعنوية ولا الحسية، فلا يترك فيه أحد يرتكب مالا يرضى الله، ولا أحد يلوثه بقذر من النجاسات.

ثم ذكر- سبحانه- ما أمر به نبيه إبراهيم بعد أن بوأه مكان البيت فقال: وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ، يَأْتُوكَ رِجالًا. وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ.

(1) تفسير أضواء البيان ج 5 ص 62.

(2)

تفسير فتح القدير للشوكانى ج 3 ص 448.

ص: 301

والآذان: الإعلام. و «رجالا» أى: مشاة على أرجلهم، جمع راجل.

يقال: رجل بزنة فرح فلان يرجل فهو راجل إذا لم يكن معه ما يركبه.

والضامر: البعير المهزول من طول السفر، وهو اسم فاعل من ضمر- بزنة قعد- يضمر ضمورا فهو ضامر، إذا أصابه الهزال والتعب.

وجملة «يأتين من كل فج عميق» صفة لقوله «كل» ، والجمع باعتبار المعنى. كأنه قيل:

وركبانا على ضوامر من كل طريق بعيد..

والفج في الأصل: الفجوة بين جبلين، ويستعمل في الطريق المتسع. والمراد به هنا: مطلق الطريق وجمعه فجاج.

والعميق: البعيد، مأخوذ من العمق بمعنى البعد، ومنه قولهم: بئر عميقة، أى: بعيدة الغور.

والمعنى: وأعلم يا إبراهيم الناس بفريضة الحج يأتوك مسرعين مشاة على أقدامهم، ويأتوك راكبين على دوابهم المهزولة، من كل مكان بعيد.

قال ابن كثير: أى: ناد- يا إبراهيم- في الناس داعيا إياهم إلى الحج الى هذا البيت الذي أمرناك ببنائه، فذكر أنه قال: يا رب، وكيف أبلغ الناس وصوتي لا يصل إليهم؟

فقيل: ناد وعلينا البلاغ، فقام على مقامه، وقيل: على الحجر، وقيل: على الصفا، وقيل:

على أبى قبيس، وقال: يا أيها الناس، إن ربكم قد اتخذ بيتا فحجوه فيقال: إن الجبال تواضعت حتى بلغ الصوت أرجاء الأرض، وأجابه كل شيء سمعه من حجر ومدر وشجر، ومن كتب الله أنه يحج إلى يوم القيامة:«لبيك اللهم لبيك» «1» .

وقيل: إن الخطاب في قوله- تعالى-: وَأَذِّنْ

للرسول صلى الله عليه وسلم وأن الكلام عن إبراهيم- عليه السلام قد انتهى عند قوله- تعالى-: وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ.

وجمهور المفسرين على أن الخطاب لإبراهيم- عليه السلام لأن سياق الآيات يدل عليه، ولأن التوافد على هذا البيت موجود منذ عهد إبراهيم.

وما يزال وعد الله يتحقق منذ هذا العهد الى اليوم وإلى الغد، وما تزال أفئدة ملايين الناس تهوى إليه، وقلوبهم تنشرح لرؤيته، وتسعد بالطواف من حوله

وقوله- سبحانه-: لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ متعلق بقوله: يَأْتُوكَ.

(1) تفسير ابن كثير ج 5 ص 410.

ص: 302

أى: يأتيك الناس راجلين وراكبين من كل مكان بعيد، ليشهدوا وليحصلوا منافع عظيمة لهم في دينهم وفي دنياهم.

ومن مظاهر منافعهم الدينية: غفران ذنوبهم، وإجابة دعائهم، ورضا الله- تعالى- عنهم.

ومن مظاهر منافعهم الدنيوية: اجتماعهم في هذا المكان الطاهر، وتعارفهم وتعاونهم على البر والتقوى، وتبادلهم المنافع فيما بينهم عن طريق البيع والشراء وغير ذلك من أنواع المعاملات التي أحلها الله- تعالى-.

وجاء لفظ «منافع» بصيغة التنكير، للتعميم والتعظيم والتكثير. أى: منافع عظيمة وشاملة لأمور الدين والدنيا، وليس في الإمكان تحديدها لكثرتها، وقوله وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ معطوف على قوله لِيَشْهَدُوا.

والمراد بالأيام المعلومات: الأيام العشر الأولى من شهر ذي الحجة، أو هي أيام النحر، أو يوم العيد وأيام التشريق.

والمراد ببهيمة الأنعام: الإبل والبقر والغنم.

أى: ليشهدوا منافع لهم، وليكثروا من ذكر الله ومن طاعته في تلك الأيام المباركة.

وليشكروه على ما رزقهم من بهيمة الأنعام التي يتقربون إليه- سبحانه- عن طريق ذبحها وإراقة دمائها، واستجابة لأمره- عز وجل.

وقوله- سبحانه-: فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ إرشاد منه- تعالى- إلى كيفية التصرف فيها بعد ذبحها.

أى: فكلوا من هذه البهيمة بعد ذبحها، وأطعموا منها الإنسان البائس، أى: الذي أصابه بؤس ومكروه بجانب فقره واحتياجه.

قال الآلوسى: والأمر في قوله فَكُلُوا مِنْها

للإباحة بناء على أن الأكل كان منهيا عنه شرعا، وقد قالوا: إن الأمر بعد المنع يقتضى الإباحة ويدل على سبق النهى قوله صلى الله عليه وسلم: «كنت نهيتكم عن أكل لحوم الأضاحى فكلوا منها وادخروا» .

وقيل: لأن أهل الجاهلية كانوا يتحرجون فيه، أو للندب على مواساة الفقراء ومساواتهم في الأكل منها «1» .

(1) تفسير الآلوسى ج 17 ص 146.

ص: 303