المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الجزائر (*) تقع في شمالي إفريقية. وهي تحد شمالًا بالبحر المتوسط، - موجز دائرة المعارف الإسلامية - جـ ٩

[مجموعة من المؤلفين]

الفصل: ‌ ‌الجزائر (*) تقع في شمالي إفريقية. وهي تحد شمالًا بالبحر المتوسط،

‌الجزائر

(*)

تقع في شمالي إفريقية. وهي تحد شمالًا بالبحر المتوسط، وجنوب بالصحراء الكبرى، وشرقًا ببلاد تونس، وغربًا بمراكش. وتقع بلاد الجزائر بين خطى عرض 30 و 37 شمالًا، وخطى طول 6 شرقًا و 5 غربًا (خط زوال باريس).

(1)

جغرافيتها

تشغل الجزائر أواسط المغرب أو بلاد البربر، وهي مختلفة التضاريس، تتألف من كتلة متماسكة من الأرض المرتفعة تفصلها عن ساحل البحر المتوسط، وعن الصحراء الكبرى حافتان) جبليتان هما: أطلس التل وأطلس الصحراء وبين هاتين الحافتين فرجة في ناحية وَهْران من أعمال غرب الجزائر قدرها مائتان وخمسون ميلًا تقريبًا. على أن اتجاه صحراء أطلس من الجنوب الغربيّ إلى الشمال الشرقي جعلهما تتقاربان شيئًا فشيئًا، حتَّى التقتا في إقليم قُسَنْطينَة من أعمال شرقي الجزائر. وتنحَدر الجبال الشمالية بصفة عامة تجاه البحر منحدرات وعرة قلما تشقها الوديان، فتفصل الأقليم الساحلى عن داخل

(*) يطلق عليها الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية

ويبلغ عدد السكان: 27.895.000 نفس

الكثافة: 30 في الميل المربع، 50 % في المناطق الحضرية.

العرق: عرب بما فيهم البربر 99 %. اللغة: الرسمية هي العربية، وهناك البربرية المحلية والفرنسية. الدين: 99 % مسلمون سنة.

المساحة: 595، 919 ميل مربع.

استقلت في 5 يوليو سنة 1962 بعد كفاح راح ضحيته مليون شهيد، واستمر أحمد بن بلا في الحكم حتَّى سنة 1965 حيث أطاح بن الكولونيل هوارى بومدين. وفي 1967 أعلنت الجزائر الحرب على اسرائيل وقطعت العلاقات على الولايات المتحدة ووثقت علاقاتها بالاتحاد السوفيتى. وفي سنة 1989 أقر الناخبون الدستور الجديد الذي فتح الطَّريق للتعددية الحزبية. وفي يناير سنة 1992 ألغت الحكومة الانتخابات التي كان واضحًا أن الأصوليين الإسلاميين سيكسبونها. وفي 29 يناير 1992 تم اغتيال الرئيس محمَّد بوضياف ومن وقتها لم يكف الأصوليون الإسلاميين هجماتهم التي راح ضحيتها الآلاف. ويرأسها حاليًا الأمين زروال.

د. عبد الرحمن الشَّيخ

ص: 2816

البلاد. أما الجبال الجنوبية فتنحدر انحدارًا سهلًا رقيقًا تجاه الصحراء، وتقسم مجموعاتها المختلفة منافذ كبيرة تيسر الاتصال بين بلاد الجزائر والصحراء. ولما كانت الجزائر بين البحر المتوسط والصحراء أو بين مركز تبخر ومركز حرارة، فإن مؤثرات مناخية متعارضة تتنازعها وتؤلف أخلاطا شتى تتفاوت تبعًا للقرب من البحر أو البعد عنه، وتبعًا للارتفاع والانخفاض، وتبعًا للاتجاه. ومن ثم غلبت على المناطق المتجاورة طبائع جد متباينة، فلم تجعل للقطر الجزائرى مناخًا واحدًا، وإنَّما قسمته طائفة مختلفة من الأقاليم المناخية؛ والظواهر العامة هي: غلبة الأمطار في الشتاء، وعدم انتظام هطولها، وتناقصها كما اتجهنا من الشمال إلى الجنوب، وزيادتها كلما اتجهنا من الغرب إلى الشرق في الإقليم الساحلى على الأقل (فهي في نمورس Nemnurs 468 ملليمترا، وفي القالة Calle La 860 . ملليمترا). والمناخ- كالتضاريس- لا يساعد على وجود الأنهار المنتظمة الطويلة الغزيرة المياه. وتظهر الأنهار الجزائرية غالبًا في صورة قيعان حجرية أو رملية منخفضة الشطئان، وتجف نصف السنة، ولكنها تتحول بعد هطول الأمطار أو هبوب العواصف إلى سيول جارفة، ولا يصلح واحد منها للملاحة. وينتفع ببعضها -أو قل يمكن أن ينتفع به- في الري إذا أقيمت عليه قناطر عند مخرجه من الجبل؛ والأنهار المنتظمة الجريان هي: تافنه Tafna والمَقْطَع Macta الذي نشأ من اتحاد السج Sig بالهَبْرَة Habra وسيباو وواد ساحل والواد الكبير وسيبوس- Sey bouse. ومَجَردَة، ورافده واد ملَّاق Mel- Leg، وإن كان المجريان الأدنيان لهذين النهرين ليسا في بلاد الجزائر.

ويمكن تقسيم بلاد الجزائر على أساس تضاريسها إلى عدد من المناطق الطولية مسايرة للبحر تتميز كل منها بخصائص بارزة:

1 -

المنطقة الساحلية أو التل، وهي تضم حافة جبلية خارجية وأخرى داخلية تفصل إحداهما عن الأخرى وديان وهضاب. وتغطى المنطقة

ص: 2817

الخارجية جبال ارتفاعها بين 1.300 و 60.500 قدم تبرز أقصى أطرافها عمودية على الساحل. وهي من الغرب إلى الشرق: جبال تراراس وتبلغ أقصى ارتفاعها في فلْهَوسن، أو بعبارة أدق، فلّوسن (3.796 قدمًا) وجبال ساحل وَهرانَ وأطلس بليدة وأقصى ارتفاعها قمة عبد القادر وارتفاعها 5.339 قدمًا، والمزيّة (5.262 قدمًا) وجبال مستغانم، والظَهرَة والزكَّار، وتسيطر على مدينة مليانة (5026 و 5183 قدمًا) وجبال القَبيلة الكبرى، والجرجُرَة هو والأكوكر (7.546 قدمًا) ولالّه خديجة (7572 قدمًا) وجبال بابور وأقصى ارتفاعها بابور (6.575 قدمًا) وجبال ساحل كلّو وأيدوغ (3.307 قدمًا) وتغلب الجبال على الساحل فتشرف عليه إشرافًا يتعذَّر على السفن معه الاقتراب منه. وهي إنَّما تلتجئ إلى الأجوان العميقة الهلالية الشكل مثل جون بونة (أدار) وجون فيليبفيل وجون بجاية وجون الجزائر وجون آرزو وجون المرسى الكبير. والأحوال الملاحية سيئة في هذا الساحل، وقد تطلب إقامة الموانئ عملًا شاقًا. وتتألف سلسلة الجبال الثَّانية من جبال تلمسان، ومنها تنبع مجار كثيرة ولها الفضل في دوام نضارة النباتات حول مدينة تلمسان، وهذه الجبال هي: تسالة وبنى شكْران وجبل أورسنيس (6545 قدمًا) وديره أو مال (5.942 قدمًا) والبيبان، ويقطعها الطَّريق الممتد من الجزائر إلى قسنطينة مخترقًا ممر أبواب الحديد، وجبال قسنطينة والمعادِد وريغا. وتتعاقب بين هاتين الحافتين الجبليتين الأنهار (شلف، وواد ساحل وسيبوس) والسهول. وبعض هذه السهول غير البعيدة عن البحر منخفض تغلب عليه البطائح، مثل سهل سج، وسهل متيجة، وسهل بونة. وثمة سهول أخرى أكثر من هذه ارتفاعًا وملاءمة للصحة، مثل سهل تلمسان وسهل معسكر وسهل عريب، وسهل مجانَة، وسهل سطيف. ونستطيع أن نعد التل في مجموعه منطقة صالحة للزراعة، وتجود على الساحل البساتين التي تباع ثمارها والمشاتل، وذلك لكثرة الأمطار بالقياس إلى غيرها ولاعتدال الحرارة فيها بوجه عام؛ أما في المنطقة

ص: 2818

الوسطى فإن السهول الحوضية التي تتجمع فيها المياه من الجبال المحيطة، تهيئ تربة صالحة لزراعة القمح. ثم إن الجبال - وإن كانت جرداء في الأغلب الأعم- تغطيها الأدغال. وتغلب على بلاد القبائل، وعلى الجبال الساحلية بخاصة، غابات خشب الفلِّين والبلّوط، ويوجد بعض الأرز في عدة مواضع من أطلس بليدة وثنيَّة الأحد وغيرهما. ويزدحم التل بالسكان بفضل هذه الأحوال الطبيعية، وفيه منازل شبيهة بالمدن هي: وهَرْان ومَسْتَغانم، وتنس، وشرشال، والجزائر، وتدليس، وبجابة، وفيليبفيل، وكلو، وَبونة على الساحل، وتلمسان وسيدى أبي العباس ومعسكر، ومليانة، والمدية، وبليدة وأومال (صور الغزلان) وسطيف وقسنطينة في الداخل، وإذا تركنا التل جانبًا فإن بلاد القبائل كانت بلا منازع منطقة الاستعمار الأوربى، وهو غالب في أرباض وهران، رسول السج، ومعسكر وسهول متيجة وبونة. ويقاسم هؤلاء المستعمرون الأهالى وادي شلف ووديان قسنطينة المرتفعة، وتقدر مساحة التل بنحو 54.000 ميل مربع.

2 -

إقليم النجاد المرتفعة: ويمكن أن يسمى بعبارة أدق إقليم السهول الداخلية المرتفعة، ويمتد بين أطلس التل وأطلس الصحراء. وهو سرة بلاد الجزائر، ويضم عددًا من السهول يتوسطها غور، يتناقص ارتفاعه من الغرب إلى الشرق. ويبلغ متوسط ارتفاع هضبة وهران 3.280 قدم؛ ولا ترتفع منطقة زاغز عن 2.625 قدمًا. أما الحُضْنة فلا يزيد ارتفاعها على 1.300 قدم. ويَخدّ الإقليم بين الحضنة وتِبِسَّة جبال ثانوية تعزل سهولًا ضيقة إلى حد ما بعضها عن بعض. ويختلف مظهر هذه الهضبة اختلافًا كبيرًا من مظهر التل، فهي أراض شاسعة لا يستوقف النظر فيها شيء، فلا حجر ولا صخر ولا شجر، وليس فيها وديان أو تلال، وليس فيها غير معارج بسيطة (A. Bernard & Lacroix: L'Evolution du nomadisme، ص 19) وأطلس الصحراء هو الحد الجنوبي لهذه المنطقة الثَّانية، ويظهر على صورة

ص: 2819

قنن تلال ضيقة ترتفع عن البقاع المجاورة بنحو 1000 قدم، ويفصل إحداها عن الأخرى سهول متموجة. وتحتفظ الهضبة بمنظرها المعتاد حتَّى في أكثر بقاعها تلالًا مثل أوراس ويميز فيها المرء ثلاث سلاسل جبلية رئيسية: جبال فَجْوج وجبال قصور جبل مكتر وارتفاعه 6.500 قدم)، وجبل عَمُور ويكتنفه الكسل (5.600 قدم)، من الجانب الغربيّ، وأبي كاهل من الجانب الشرقي، وجبال أولاد نايل وجبال أوراس. وليست أطلس الصحراء حاجزًا متصلًا، ففيها منافذ كبيرة تتخلل الجبال وتيسر الاتصال بين الصحراء الكبرى والهضاب، وتجعل أثر الصحراء بارزًا إلى مدى بعيد ناحية الشمال. ويبدو إقليم أبي سعادة بكثبانه وواحاته وكأنه امتداد للصحراء. ولما كانت الهضاب تفصلها عن البحر جبال أطلس التل، فقد أصبحت إقليما معتدل المطر (0.40 ملليمترا سنويًا) وتفيض المياه التي تصل إلى البحر في أغوار تسمى بالشطوط والسبخات والقراعات، ويغمرها في الشتاء ماء ملح كدر، وتجف في الصيف وتغطيها طبقة من الملح. وأهم هذه الأغوار الشط الغربيّ والشط الشرقي، وزاغز والحضنة وقراعة الطرف Gueraa of the Tarf. ومناخها قارى، وتختلف درجة الحرارة اختلافًا كبيرًا بين النهار والليل ومن فصل لآخر. ومهما يكن من أمر مضايقة الجو فهو ليس ضارًا بالصحة. والهضاب جافة جرداء غير صالحة لزراعة الحبوب حتَّى في أحسن بقاعها القريبة من سفوح التل (هضبة السرسْو) فهي ليست إلَّا فيافى تغطيها فىَ الرَّبيع أعشاب قصيرة العمر، وتغطيها كذلك نباتات طويلة العمر تقاوم الجفاف، وهي الحلفاء في المناطق الحجرية، والشيح في الأغوار، والدرين في الرمال، ولا توجد الأشجار إلَّا في الأراضي الواطئة، وفي "الدايات" أي مهاد الأنهار التي يبقى فيها آثار من رطوبة. وأطلس الصحراء مرتفعة، ومن ثم كان فيها جبال تغطيها غابات من العرعر والفارعة وصنوبر حلب، وتغطيها غابات الأرز في أوراس، وفي وديان جبل العَمور مراع وبعض حقول صالحة للفلاحة ليست كبيرة المساحة.

ص: 2820

وإقليم الهضاب بأحواله هذه ليس صالحًا لأن يستعمره الأوربيون أو حتَّى لإقامة المحلات الوطنية، وهو إقليم صالح بصفة خاصة لتربية الماشية، وإن كانت قلة الماء تقف في سبيل تربيتها على نطاق واسع. على أن الأغنام تكيف حياتها على خير وجه بقدر الكلأ القليل في الفيافى. وقد ظلت هذه الهضاب التي تبلغ مساحتها 42.000 ميل مربع منذ أقدم العصور إلى الآن مسرحًا لظعن البدو مع قطعانهم.

3 -

الصحراء: وهي إقليم متميز من غيره من كل وجه، لا يقل اتساعًا عن بلاد الجزائر الأصلية، بل إن جزءًا كبيرًا من منطقة الصحراء قد فصل عن بلاد الجزائر وأصبح له نظامه الخاص وميزانيته المستقلة وفقًا لقانون 6 ديسمبر سنة 1902 الذي أنشئت بمقتضاه ، "ولايات الجنوب".

(ب) تاريخها

وليس من الهين فصل تاريخ بلاد الجزائر الأصلية خلال القرون التسعة الأولى من هجرة النَّبيِّ (من القرن السابع إلى القرن السادس عشر الميلادي) عن تاريخ إفريقية الشمالية أو عن تاريخ الأندلس في بعض عهوده. وقد ظهر المسلمون في هذه البقاع أول ما ظهروا في النصف الثاني من القرن السابع الميلادي عندما استقر الأمر لهم في إفريقية. ولا نعرف أخبار غزواتهم الأولى معرفة كاملة، وحسبنا هنا أن نذكر "عُقْبة" ما إن خط مدينة القيروان في العام الخمسين للهجرة (670 م) حتَّى عمل على إدخال بربر المغرب في الإسلام. على أن منافسه أبا المهاجر قد أزاحه عن حكم إفريقية. ويقال إن أبا المهاجر أوغل في البلاد حتَّى بلغ تلمسَان وهزم حلف أوْرَبة، وأسر أميرهم كُسَيلة. وقال عقبة حظوة الخليفة مرَّة أخرى، فاستُعمل على إفريقية ثانية، وتقدم إلى المحيط الأطلسي، ولكنه لم يجرؤ على التوغل في أوراس أو الاستيلاء على المدن الساحلية، وكانت في يد الروم، على أنه بوغت في عودته وقُتل عند تهودة عام 65 هـ الموافق 865 م. وأفاد البربر من هذه الكارثة التي نزلت به، وحاولوا استعادة استقلاهم. إلَّا أن الحكم

ص: 2821

الوطني الذي أسسه كسيلة لم يعمر طويلًا، وإن استمرت المقاومة في جبال أوراس تحت إمرة الكاهنة، واقتضى التغلب عليها خمس سنوات من الكفاح الشديد من جانب الأمير العربي حسَّان ابن النُّعمان الذي هزم أول الأمر وارتد إلى إقليم بَرقة؛ وفتحت في الوقت نفسه آخر محلات الروم، حتَّى إذا استهل القرن الثامن الميلادي كان السلطان العربي قد مد ظله على المغرب الأوسط جميعًا، ودخل اليهود والنصارى من البربر في الإسلام، وإن كان الفتح العربي لم يغير السكان تغييرًا تامًّا؛ وإنما أدخل إلى البلاد أرستقراطية حربية قليلة العدد بالقياس إلى غيرها، ونشر دينًا جديدًا. ولكن وجه البربر إلى السلطان العربي ضربة قاسية في النصف الأخير من القرن الثامن. ذلك أنهم انتقضوا على العمال لاشتطاطهم في معاملتهم وادعائهم حق فرض الخراج عليهم، كما كانوا يفعلون مع الكفار، وأحنقتهم كذلك عنجهية بعض أمراء العرب فأقبلوا على اعتناق مذاهب الخوارج التي جاءت من المشرق (1)، وهي تلائم فطرتهم الديموقراطية وتشبع رغبتهم في الثأر، فحملوا السلاح في وجه العرب، وبدأت الفتنة عام 123 هـ (740 م) بجوار طنجة يحمل لواءها مَيسَرَة، ثم عمت ربوع المغرب، واستمرت إلى نهاية القرن الثامن، وبانتصارهم على القائد العربي كلثوم عند بَقْدورَة أصبح البربر سادة افريقية الصغرى جميعًا، وأخَّرت القلاقل التي صحبت ولاية العباسيين الحكم إخماد هذه الفتنة. وأنقذ الخليفة المنصورُ يزيدَ بن حاتم، فأعاد السلطان العربي إلى القيروان وإفريقية؛ ولكنه لم يبسطه على المغربين الأوسط والأقصى حيث قامت دويلات البربر، وأسس بنو يفرن- وكانوا على مذهب الصفرية- مملَكة تلمْسان، ونادى الإباضية بعبد الرحمن بن رستم إمامًا. فخط مدينة تَقْدمت (بالقرب من مدينة تاهرت الحالية) وكانت حاضرة دولة سرعان

(1) الحق أنَّهم رفعوا السلاح عندما رأوا تلك المعاملة السيئة فلما رأى الإباضية ما آل إليه أمر البربر وهم حديثو العهد بالإسلام خافوا أن يرتدوا فبادروا إليهم بالدعوة إلى الحق فأقبلوا عليه سراعًا.

أطفيش

ص: 2822

ما امتد سلطانها بعد ذلك إلى تيقورت (طقورت) وورجلة، بل امتد كذلك إلى قابس ونفزاوة. ثم فتح إدريس بن عبد الله العلوى في الأعوام الأخيرة من القرن الثامن الميلادي مدينة تلمسان، بمساعدة الأوربَة. وفي عام 193 هـ (808 - 809 م) خط ولده إدريس الثَّاني مدينة فاس، ودان المغرب الأقصى لطاعته. ولم يفلح الأغالبة (وهم نسل إبراهيم بن الأغلب الذي ناط به هارون الرشيد حكم إفريقية) في إعادة فتح المغرب الأوسط والغربى اللذين ظلا في يد البربر على الرغم من اضمحلال هذه الدويلات، ولم تخضع لهم إلَّا إفريقية وولاية قسنطينة.

وزال حكم الأغالبة في القرن العاشر الميلادي بعد أن قضى عليهم الفاطميون. ويعود الفضل في انتصار هؤلاء إلى بربر كُتَامة الذين اعتنقوا مذهب الشيعة، وقد نشره الداعى أبو عبد الله وزعَّموا عليهم عبيد الله المهدي، وطُرد آخر الأغالبة من رَقّادَة، وأطيح بمملكتى تيهرت وسجلْمَاسة، فانخفضت منزلة الأدارسة وأصبَحوا أقيالًا، وحمل من بقى من قبائل الإباضية إلى جربة أو نزحوا ناحية الجنوب واستؤصَلت شأفة الصفرية والنُكَّار الذين ثاروا بزعامة أبي يزيد "صاحب الحمار"(331 هـ - 335 هـ = 942 م- 947 م) واستغل الأمويون أصحاب قرطبة هذه الانقسامات، فأقاموا أمراء من قبلهم في تلمسان وتيهرت. واستطاع الفاطميون بحملاتهم الموفقة استعادة هذه البلدان وإخضاع المغرب بأسره حتَّى المحيط الأطلسي؛ وعجز المنصور الخليفة الفاطمى عن بسط سلطانه على المغرب الأوسط، فوكل أمره إلى رأس قبيلة صنهاجة زيرى بن مناد؛ وولده بُلُكَين هو الذي أسس مدينة الجزائر والمدية ومليانة، فلما بعد مقر الخلفاء وأصبحت القاهرة حاضرة الخلافة (362 - 973 هـ) بعد فتح مصر عام 358 هـ (969 م) عادت القلاقل إلى ربوع المغرب من جديد. ولم يعد الأمراء الذين ظلوا على المغرب يعترفون بسلطان الفاطميين واستقلوا بالأمر فيه. وأسس أحدهم- ويدعى حَمّادا- دولة تمتد من البحر إلى زيبان، ومن الحضنة إلى تيهرت. وابتنى لنفسه

ص: 2823

حاضرة هي قلعة بنى حمَّاد بين مسيلة وبرج أبي عُرَيريج، وأصبحت من أزهر مدن إفريقية. وقُدَّر على خلفائه أن يكابدوا حروبًا مستمرة مع بنى زيرى وعرب الهلالية والمرابطين. وكان لبعض أمراء بنى حماد شأن كبير، مثل الناصر الذي نقل قصبته من القلعة إلى بجاية، وعقد صلات الود بالبابا غريغورى السابع ومدن الساحل الإيطالى، ومثل ولده المنصور (481 - 498 هـ = 1088 - 1105 م) الذي وفق إلى رد المرابطين إلى المغرب، وكانوا قد تقدموا إلى جوار مدينة الجزائر وهكذا كانت بلاد الجزائر في مستهل القرن الحادي عشر الميلادي مقسمة كلها بين أمراء البربر، وذلك حين اشتجر الخلاف بين سلاطين بنى زيرى وخلفاء الفاطميين في القاهرة، فأدى ذلك إلى الغزوة الهلالية وبعد أن اكتسح الجند العرب إفريقية توغلوا في بلاد المغرب. وانتشر الغزاة في الهضبة والسهول الداخلية تاركين الجبال ومدن الحكم التي عجزوا عن انتزاعها من يد البربر. وكانوا يتقدمون ومعهم ماشيتهم، فأتوا على الزرع واستبدلوا بالبداوة حياة الاستقرار. وبلغ الأثْبَج الزاب الشرقي وأكناف الأوراس. واندفعوا حتَّى بلغوا جبل عمور. وتقدم الغرْبَى إلى الزاب الغربيّ والحضنة، والمعقل في فيافى ناحية الجزائر، ومهما يكن من شيء فقد اعتصم البربر بالجبال (القبائل وأوراس) وبالواحات وبالصحراء (مزاب، ووادي ريغ وسوف) وفيها استطاعوا الاحتفاظ بلغتهم وسننهم إلى يومنا هذا. أما في الفيافى والسهول فقد امتزج العرب بالبربر فنشأ من امتزاجهم جماعات جديدة.

وعند نهاية القرن الثَّاني عشر انتهت الغزوة الهلالية ذاتها وإن بدا أثرها في هجرات السكان حتَّى القرن الرابع عشر. وغيّرت هذه الغزوة شعوب الجزائر تغييرًا عظيمًا، حتَّى أن الغزوة الهلالية يمكن أن تعد أهم حادثة في ياريخ الجزائر، وإن كُنَّا مع الأسف لا نعلم بعدُ تفاصيلها معرفة واسعة، ولم يُغرَف الهلالية بالإبداع، فما كان منهم إلا أن زادوا البلاد اضطرابًا بما قاموا به من مساعدة الأمراء الذين تنازعوا الحكم فيها، وبخاصة بنى زيرى وبنى

ص: 2824

حماد. وقد خلفت الفوضى المستعصية المغرب الأوسط لقمة سائغة للغزاة الجدد الوافدين من الغرب. فإن المرابطين عبروا الملوية بعد أن أخضعوا مراكش بأسرها. وفتح يوسف بن تاشفين آكادير (وهي تلمسان القديمة) وخط مدينة تَغْرارْت (وهي مدينة تلمسان الحالية)، وبسط حكمه أمدًا قصيرًا على الإقليم بأسره حتَّى مدينة الجزائر، ولكنه عجز من أن يمكن لنفسه فيه، وكان الموحدون أكثر منه توفيقًا، فقد استولى عبد المؤمن على مدينة الجزائر وبجاية دون قتال (547 هـ = 1152 م) وخرب قلعة بنى حماد بعد أن فرق شمل أهلها، وأرغم الهلالية على الفرار بعد وقعة دامت أربعة أيَّام بالقرب من سطيف؛ واستعاد الموانئ التي كان قد احَتلها نصارى صقلية مستغلين الفوضى التي كانت تسود البلاد آنذاك. وأصبح بعد غزو إفريقية يحكم بلاد البربر جميعًا من المحيط الأطلسي إلى خليج قابس وتعكر صفو السَّلام في عهد خلفائه بفعال بنى غانيَة بالتحالف معهم، ونجح أكبرهم على في غزو كل المنطقة الممتدة بين بجاية ومليانة (580 - 583 هـ = 1184 - 1186 م)، ولما مات استمر أخوه يَحْيَى في حروبه حتَّى عام 633 هـ (1236 م) تظاهره العصابات الهلالية: وكان على هذا رجلًا مقدامًا لا تفتر له عزيمة، ينتصر مرَّة وينهزم أخرى ولا ييأس أبدًا، فقد عبر المغرب في كل اتجاه من الساحل إلى الصحراء واستولى على الجزائر وبجاية، بل أخذ بسْكَرَة ونهبها، وفي خلال هذا العهد تفككت أوصال الموحدين، وجهر عامل إفريقية أبو زكريا بن حفص الموحدى باستقلاله في تونس (634 هـ = 1236 - 1237 م) فأسس بذلك الدولة الحفصية. وكان الهلالية قد طردوا بربر بنى عبد الواد من الصحراء إلى الشمال، فوطدوا أقدامهم في تلمسان حيث اغتصب الحكم أميرهم يَغْمراسَن بن زياد. ثم انتقل الحكم من بعده إلى أولاده بنى زَيّان، واستولى بنو مرين آخر الأمر على وادي ملوية ومنه غرّبوا حتَّى قضوا على حكم الموحدين في فاس عام

ص: 2825

668 هـ (1269 م). وتنازعت هذه الدول الثلاث المغرب الأوسط فيما بينها، فنجح الحفصيون أول الأمر إبان حكم أبي زكريا في اخضاع المغرب بأسره حتَّى تلمسان، بيد أن خلفاءه لم يستطيعوا فرض طاعتهم على ما وراء سطيف وبجاية. وعكر صفو الجانب الشرقي من الجزائر المنافسة التي قامت بين أمراء بنى جفص، وقد أسسوا إمارات قصيرة العمر في قسنطينة وبجاية، وقضوا على سلطان صاحب تونس، واقتتل الحفصيون والمرينيون وبنو زيَّان طوال القرن الرابع عشر دون أن تظفر دولة منهم بالغلبة التَّامة على المغرب الأوسط. وأهم الأحداث في الصراع بين بنى زيان وبنى مرين الحصاران اللذان ضربا على مدينة تلمسان (698 - 706 هـ = 1299 - 1307 م؛ 736 - 738 هـ 1335 - 1337 م) واستيلاء المرينيين عليها (738 - 761 هـ = 1337 - 1359 م)، وقد اختفت مملكة بنى زيان أمدًا ما، فساعد ذلك المرينيين على اجتياز المغرب الأوسط بأسره مظفرين واحتلال بجاية وقسنطينة، بل تونس أيضًا. ولما هزم العرب أبا عنان المرينى بالقرب من القيروان، قامت مملكة تلمسان من جديد، وتمتعت بعهد زاهر مجيد في عهد أبي حمو الثَّاني 760 - 791 هـ = 1359 - 1389 م) ولكنها سرعان ما اضمحلت بعد موته وتقوضت أركانها، وأنهكت قواها الحروب الخارجية والمنازعات الداخلية، وغزا أبو فارس الحفصى تلمسان ثلاث مرات. وأنشأ أمير من بنى زيان هو أبو رين محمَّد دولة ضمت تنس ومليانة والجزائر ومتيجة؛ وأفلح ولده في توطيد أقدامه في تنس ووادي شلف. وأثرت مدن الساحل بفضل القرصنة، وأقامت كل منها جمهورية مستقلة. وأغرى إكزيمينس Ximenes الأسبان فتركوا آخر الأمر أرض الجزائر لكى يستأنفوا في إفريقية الحرب الصليبية التي ختموها في الأندلس، فاستولوا على المرسى الكبير (1505 م) ووهران (1509 م) وبجاية (1512)، وقد أفزعوا الجزائر بمدافعهم المنصوبة في قلعة بنيون وتدليس، وخضعت لهم تنس وأدت لهم

ص: 2826

الجزية، وحدث مثل ذلك لمملكة تلمسان التي بسطوا عليها سلطانهم الفعلى. وجاء الترك فوقفوا في وجه النصارى وأنقذوا الإسلام في إفريقية، وأسسوا بقوة السلاح دولة إسلامية تشمل المغرب الأوسط بأسره على أنقاض الدويلات البربرية بعد أن قوضت أركانها الفوضى التي دامت أمدًا طويلًا. وكان مؤسسا هذه الدولة هما عَروج وخير الدين. وقد وضع عروج أساس السلطان التركى بفتح مدينة الجزائر (1516 م)، ولكن سرعان ما انتهت حياته المظفرة في غير أوانها. أما خير الدين فكان أكثر منه توفيقًا، فقد أعلن ولاء الدويلات التي يحكمها للباب العالى العثمانى، وقبل منه لقبى الباشوية والبكلربكية، فحصل بذلك على التأييد الأدبى والعون المالى الكفيلين بتحقيق أغراضه، وفي المدة بين 1518، 1536 سوّد نفسه على أغلب مدن الساحل والتل (مثل بونة، والقالة، وشرشال، وقسنطينة)، وأجبر جانبًا من بلاد القبائل على أداء الجزية له" واستولى علي بنيون ودمرها (1529) فاستقر له الأمر في الجزائر نهائيًا. وأتم عمله البكلربكية الذين جاءوا بعده ومن قام مقامهم، فقد صدوا هجمات الأسبان الذين حاولوا شن حروب جديدة (ومنها هزيمة شارل الخامس أمام مدينة الجزائر عام 1541 م)، واستولوا عنوة على جميع المواضع التي كانوا يحتلونها ما عدا وهران. وقد ظلت هذه المدينة في حوزة الأسبان إلى 1707 م؛ واستعادوها عام 1732 ولكنهم تركوها نهائيًا في أيدى المسلمين عام 1792. وغزا خلفاء خير الدين في الغرب مملكة تلمسان وانتصروا في حروبهم مع الأشراف السعديين الذين كانوا يتنازعونهم هذا الإقليم. بل إن صلاح رئيس احتل مدينة فاس (سنة 1553)، ونصّب مرَّة أخرى على العرش أميرًا من بنى مرين، وقام حسين باشا ومن بعده علج على بغارات موفقة حتى نفذا إلى أرباض المحاضرة المراكشية. أما في الشرق فقد بسط الترك سلطانهم على ولاية قسنطينة بأسرها، وبلغت إمارة الجزائر في نهاية القرن السادس عشر الحدود التي احتفظت بها إلى عام 1830 م،

ص: 2827

ومع هذا فقد كانت الحدود الغربية مسرحًا للمنازعات العنيفة بين الترك والمراكشيين، وعجز مولاى إسماعيل مرتين 1691 و 1703 م عن أن ينتزع إقليم تلمسان من الترك وعمد خلفاؤه إلى الخديعة والدهاء ليوهنوا من قوة خصومهم. وشجعوا المرابطين وجماعات الإخوان المناهضة للترك كالدرقاوة، والتجانية، وأعانوهم بالمال، فكان لدسائسهم يد في الثورة التي عكرت صفو بلاد الجزائر الغربية في نهاية القرن الثامن عشر ومستهل القرن التاسع عشر. وأفاد الجزائريون من اقتتال الحسينية فيما بينهم فغزوا تونس عام 1756 ونهبوا المدينة وأرغموا باياتها على أداء جزية سنوية. وشبت حروب جديدة بين الإمارتين في صدر القرن التالي، ولم تنته إلَّا عام 1821 م، ولم يستطع الترك قط بسط سلطانهم الفعلى على سائر المنطقة بين البحر والصحراء وتونس ومراكش. ويقول رن Rinn إن المنطقة التي كانت تحت إدارتهم المباشرة لم تتجاوز مساحتها 29.000 ميل مربع؛ أي سدس الجزائر الفرنسية. أما سائر الإقليم فكانت تسكنه جماعات مستقلة أو تابعة للترك تبعية تتفاوت قوة وضعفًا. ونستطيع أن نذكر من القسم الأوَّل؛ أحلاف بلاد القبائل وأحلاف التراراس وغيرهم، وهي جمهوريات متحالفة؛ وقبائل البدو في الهضاب وفي الجنوب (الصحارى، وبنو الأغواط والشعانبة وغيرهم) وإمارات محاربة مرابطة مثل تيقَورت أو عين ماضى. وعجز الترك عن إخضاع هذه الجماعات أو إلزامها بطاعتهم، فلم يجدوا بدًا من تركهم يعيشون بجانبهم. ويتألف القسم الثَّاني من أحلاف قبلية احتفظت باستقلال قام أو يكاد؛ ولكن صلاتهم بالترك كانت تقوم على معاهدات من مصلحة الطرفين احترامها، وكان هذا حال أولاد سيدى شيخ والحَرّار والحَنَانشةَ، والعَمور وغيرهم. بيد أن السياسة التركية حرصت على أن تظل هذه القبائل مفرقة الكلمة، وبيوت الأشراف متنافرة، والصف متنازعين في الجمهوريات، وذلك منعا لكل اتحاد يكون خطرًا على حكام الإمارة. وقد عمل الترك على أن يكون لهم بين كل جماعة من هذه الجماعات أنصار

ص: 2828

مخلصون لهم، وطبقوا المبدأ نفسه، وهو مبدأ "فرَّق تسد" على السكان الخاضعين لسلطانهم المباشر. وكانوا فريقين متمايزين. قبائل مُخْضَعة؛ أي رعايا وقبائل محكومة، ومخزن. وقد فرضت على الأولى العشور والزكاة وجزية أخرى تؤدى عينًا أو نقدًا (وتسمى لازمة) أما الثَّانية فكانت معفاة من كل ضريبة مع استثناء الرسوم القانونية، ولكنهم كانوا في خدمة الحكومة، متأهبين أبدًا للقتال عند أول إشارة. وكانوا يمدون الترك بالمحاربين والحمالين والجمالين. ويجبون الضرائب، ويقومون بعمل الشرطة في البلاد. وكانوا يدهمون القبائل العاصية والثائرة بغاراتهم، ويصبون عليها نقمتهم في غير شفقة أو رحمة، واستعانت بهم الحكومة التركية في تدعيم سلطانها، فكان عونهم أجدى عليها كثيرًا من عون فرق (أوجاق) الإنكشارية، وظلت قبائل المخزن بحكم الضرورة موالية للترك، أما الأهالى فكانوا ينقمون عليهم لاستغلالهم إيَّاهم. وأنشئت قطائع الجند أي الزمول (جمع زَمالة)(1) في كل موضع له أهمية حربية. ثم إن الترك باعدوا بين كل جماعة من أهل البلاد وبين الأخرى بأراض شاسعة غير ذات زرع. بيد أن الفتن كثرت رغم هذه التحوطات كلها، وكان السبب في اندلاع معظمها راجعًا إلى ما حل بالأهلين من مظالم عمال الترك، واستمرت بلاد القبائل على تمردها طوال القرن الثامن عشر ومستهل التاسع عشر تقريبًا. وفي نهاية الحكم التركى اضطربت الأمور في ولاية وهران اضطرابًا تامًّا بفعل دسائس عمال مراكش ودعوة الدرْقاوَة والتجانيَّة. ولم يستطع الترك إخماد هذهَ الفتن إلَّا بشق الأنفس، وكانت فتنة بنى شريف التي شبت عام 1805 م أخطرها شأنًا. أما سكان الحضر، ويعرفون بالبلدى، فقد حجبوا عن الحياة السياسية بأسرها، فلم يحركوا ساكنًا لرفع النير التركى عن كواهلهم،

(1) الزمول بمعنى المعسكر في الإصلاح الجزائرى يومئذٍ، وكان للبلاد جند من مرتزقة قبائل الزواوة، وآخر من مرتزقة الزنوج يسمى (العبيد)، وفريق يسمى (الدوائر) وهم فرسان من الأهلين.

ص: 2829

واستطاع القُلَغلى- وهم مولدون من رجال أتراك ونساء وطنيات- دون سواهم، أن يلقوا في قلوب الأتراك بعض الخوف في القرن السابع عشر. فأدى ذلك فيما بعد إلى حرمانهم من جميع المناصب الرفيعة. وكان الحكم وما يستتبعه من المزايا وقفًا على رجال الجيش من الترك (أوجاق) وقد أقامت هذه الجماعة التي تمكن خير الدين بفضلها من تدعيم سلطانه، أرستقراطية عسكرية صغيرة لم يتجاوز عدد أفرادها في وقت من الأوقات 15.000 رجل. وكان هؤلاء يجندون من سكان مدن آسية الصغرى، ومن الأوربيين الذين خرجوا على دينهم في القرنين السادس عشر أو السابع عشر على الأقل، وقد اجتذبهم إلى الجزائر شهوة المغامرة وما تجره من مغانم، وكان هؤلاء اليُلداش، بعد أن يسجلوا في ديوان الجند، يلحقون إما بالجيش البرى وأمَّا بالسفن؛ وتزاد أعطياتهم تدريجًا؛ ولا يعتمدون على غير ضباطهم. وكانوا يرتقون في جميع الرتب المتعاقبة بحسب أقدميتهم حتَّى يصل الواحد منهم إلى مرتبة الأغا، وقد يطمعون في أرفع المناصب المدنية، وكان الذين يؤلفون الجيش الحقيقي منهم يتناوبون الخدمة سنة في الثكنات (نوبه) التي في المدن أو أهم المراكز (الجزائر، بجاية، برج سيباو، قسنطينة، المدية، مليانة، مزونة، تلمسان) وسنة أخرى في صفوف الجيش لجباية الرسوم، ويقضون السنة التي تليها في عطلة، وكانوا مشاغبين، فلم يكونوا خطرًا على الأهلين فحسب بل على الحكومة أيضًا، فسعت إلى استمالتهم بالعطايا والمنح، وكانت فتن القصر التي أسالت الدماء في الجزائر مرارًا من صنع هؤلاء الجند، وحدّ نفوذ طائفة الرؤساء، أي رؤساء القرصان، من سلطان الإنكشارية في القرن السابع عشر، ومر نظام الحكم في بلاد الجزائر بتغيرات لها شأنها إبان القرون الثلاثة من الحكم التركى. وإن استمر في جوهره كما وضعه خير الدين. ويمكننا أن نميز في هذا المقام أربعة عهود مختلفة هي: عهد البكلربكية (1518 - 1587 م) وعهد الباشوات (1587 - 1695 م) وكانت مدة حكم الباشا تدوم ثلاث سنوات؛ وعهد الأغوات (1659 -

ص: 2830

1671 م) ثم عهد الدعاة؛ أي الدايات (1671 - 1830 م)، وكان البكلربكية خير الدين وابنه حسن وعلج على وحسن فنزيانو، يحكمون باسم الباب العالى العثمانى، ويمارسون سلطتهم بأنفسهم حينًا وينيبون عنهم الولاة أو الخلفاء حينًا آخر. ويتصرفون في البلاد تصرَّف الملوك المستقلين وإن اعترفوا بسيادة السلطان الأعظم، وقد سماهم "هايدو" Haedo " ملوك الجزائر" ولهذه التَّسمية ما يبررها، وقد طمح كل منهم في أن ينشئ لنفسه مملكة تضم المغرب جميعًا، بل إنهم حاولوا الحد من سلطان الإنكشارية العظيم بالاعتماد على الفرق المجندة من القبائل (زَوَاوَة)، بيد أن مطامعهم أقلقت بال سلاطين الآستانة، فعقدوا عزمهم على استعمال الباشوات على إفريقية، وجعلوا مدة حكم الواحد منهم ثلاث سنين. وانصرف همَّ هؤلاء أولًا وقبل كل شيء إلى جمع ثروة طائلة، ولم يكن في ذلك ما يسئ إلى السلطان. واتسع نطاق القرصنة اتساعًا كبيرًا في هذا العهد، ونشبت حوالي منتصف القرن السابع عشر فتنة عسكرية وضعت أزمة الحكم في يد الأغوات أو قادة الإنكشارية. ولم يعد للباشوات إلَّا بعض المهام التشريفية. وفي عهد الأغوات اختل الأمن وعمت الفوضى، وأدى التناظر بين الإنكشارية والرؤساء إلى معارك دموية، واغتيل الأغوات جميعًا. ثم إن الرؤساء استطاعوا اغتصاب السلطان بعد فترة دامت اثنتى عشرة سنة، ونصبوا على البلاد "دايا". وانتخب القرصان كذلك خلفاءه -أي الداى- الثلاثة. أما الآخرون فقد انتخبهم الإنكشارية الذين استطاعوا آخر الأمر استعادة سلطانهم والمحافظة عليه، ويتميز هذا العهد باختفاء الباشوات وباضمحلال سلطان الجزائر، والحقُّ إن السيادة العثمانية لم تبد إلَّا في خلع قفطان الشرف على الدايات الجدد وتسليمهم كتاب الولاية. على أن ارتياد أساطيل الدول الأوربية العظمى البحر ومظاهراتها قد أضعفت من شأن القرصنة، فلم تعد تفى بحاجة بيت المال، مع أنها كانت من قبل مصدر ثراء أهل الجزائر. فاضطر الدايات إلى نهب الأهلين، مع ما قد يجره ذلك عليهم من

ص: 2831

انتقاض أو استعانة باليهود، وكان نفوذ هؤلاء اليهود يزداد حثيثًا، وأدت الحظوة التي نالها نفتالى بزناخ ويوسف بكرى (ملك اليهود) عند الداى في أوآخر القرن الثامن عشر إلى نشوب معارك دموية عام 1805 م. وأمعن الإنكشارية في السلب والنهب، وكان عددهم قد قل كثيرًا، وفقدوا على الأيَّام صفاتهم الحربية، وكانوا يولون الدايات ويخلعونهم وفقًا لأهوائهم، وقد قتل غيلة أربعة عشر دايا من ثمانية وعشرين تعاقبوا على الحكم من سنة 1671 إلى سنة 1830 م، ولم يفكر على خوجه في هجر قصر الجنينة في المدينة السفلى والانزواء بماله وحرسه في القصبة حيث يأمن على نفسه شر انتقاض الجند إلَّا عام 1816.

وكان الجند ينتخبون الداى، ومن ثم كان سلطانه مطلقًا، وكان يعاونه مجلس يعرف بالديوان يتألف من وزراء ولقبهم الرسمى:"القوات" وهؤلاء الوزراء هم الخزنَجى أي وزير المال، وأغا المعسكر أي القائد الأعلى، ووكيل الخرج وهو وزير البحرية؛ وبيت المالجى، أي مدير الأملاك الأميرية، وخوجه الخَول، وهو جابى الضرائب، أما شيخ المدينة فكان يشرف على الشرطة والقضاء في العاصمة.

وكان الداى يحكم إقليم الجزائر الذي كان يشمل دار السلطان، بوساطة أربعة من القواد. الأتراك. وقسمت بقية الإمارة إلى ثلاث نواح أو بكويات: البكوية الغربية وكانت قصبتها مزَونَة ثم من بعدها معَسْكَر (منذ 1710) ثم وهران (منذ سنة 1792 م)؛ والبكوية الوسطى أو بكوية تيطرى وعاصمتها المدية؛ والبكوية الشرقية وعاصمتها قسنطينة.

ثم قسمت هذه البكويات إلى أوطان تضم منازل عدة قبائل؛ وتنقسم هذه القبائل أيضًا إلى دور، أي طائفة من المضارب، وعلى رأس كل بكوية بك، وكل وطن قائد إما من الترك وإما من العرب، وكل دوار شيخ، وكان الداى يعين البكوات، وجرت الحال بأن يكون ذلك لقاء مال يدفعونه ثم إن البكوات كانوا يختارون من يعملون تحت إمرتهم بالطريقة نفسها، وكان لهم سلطان عظيم في بكوياتهم بيد أنهم كانوا مسئولين عن الأمن في نواحيهم

ص: 2832

كما كان عليهم جباية الضرائب بمعاونة قبائل المخزن. وكانوا يبعثون خلفاءهم كل عام في الرَّبيع والخريف حاملين إلى الجزائر ما جمعوه من الضرائب، وكان من واجبهم أن يشخصوا إلى العاصمة كل ثلاث سنين لتسليم العوايد التي كانت تعرف بـ "دنّوش" وكانت هذه الرحلات لا تخلو من خطر على حياتهم، لأنَّ الداى كان ينتهز فرصة شخوصهم إليه فيجبرهم على رد ما سلبوه أو يتخلص منهم إذا اشتبه فيهم، ولا شك أنَّهم قد يغرون بالاستقلال بالحكم لأنَّه كان تحت إمرتهم جيش وكان سلطانهم لا رقيب عليه، وقد تصرَّف بعضهم مثل محمَّد الكبير صاحب وهران وغيره تصرَّف الملك المستقل. وكان بكوات قسنطينة مصدر قلق عظيم للحكومة الجزائرية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر وظلت القرصنة أهم مورد للجزائر ثلاثة قرون، وإن ظلت جباية الضرائب هي الشغل الشاغل لعمال البكوية. وكانت القرصنة في الأصل ضربًا من الجهاد ثم أصبحت عند نهاية القرن السادس عشر عملًا مربحًا أثرى منه الحكومة والأهلون جميعًا. ودفع بعض الأفراد وموظفى الحكومة المال لتجهيز السفن، وفرضت الدولة ضريبة معينة على الأسرى والأسلاب وما تبقى بعد ذلك كان يقسم بين أصحاب السفن وبحارتها. وقد أدى وجود هؤلاء الأسرى، وخاصة من كان منهم ينتمى لأسر غنية، إلى قيام تجارة رابحة. فقد كانوا يباعون ويشترون، وكان من يمتلكونهم يفاوضون في فدائهم، فكانوا في بعض الأحيان يفاوضون الأسرى أنفسهم وفي بعضها الآخر يفاوضون من ينوب عن أسرهم أو أعضاء الجماعات الدينية المختلفة (الثالوثيون، والمرتزقة، واللازرية) الذين وقفوا أنفسهم على هذا العمل الديني، وكان الأسرى أثناء هذه المساومات يعيشون إما في دور أسيادهم وإما في أماكن أعدت لهم خاصة تعرف بسجون الرقيق Bagnios . وبلغت القرصنة شأوها في النصف الأول من القرن السابع عشر، وفيه تعرضت سواحل أسيانيا ويروفانس وإيطاليا نفسها لغارات قراصنة البربر، وبقيت لها

ص: 2833

قوتها حتَّى النصف الثاني من ذلك القرن، على الرغم من المظاهرات البحرية التي قام بها الإنكليز والفرنسيون (كالمظاهرة التي قام بها بلاك عام 1659 م؛ وحملة بوفورت على جيجل سنة 1664، وضرب دكوسن مدينة الجزائر بالقنابل عام 1682 و 1683، وضرب دستريه إيَّاها عام 1688). ثم اضمحل شأنها في القرن الثامن عشرء بعد أن أنزلت الدولتان البحريتان الكبيرتان إنكلترة وفرنسا الرعب في قلوب القرصان. أما الدول الأصغر منهما شأنًا (كالسويد، والدانمرك، وهولندا، ونابولي وغيرها) فقد قنعت بآداء جزية سنوية نقدًا أو عينًا، في مقابل ضمان القرصان لسلامة رعاياها، وهو ضمان لم يكن قط بالضمان القوى وإن اختلف ضعفه في مختلف الأوقات. وحولت حروب نايليون الأنظار عن البحر الأبيض المتوسط إلى حين، فانتهز القراصنة هذه الفرصة وانتعشت تجارتهم من جديد، ولما خبت نار الحرب أصغى رجال السياسة لدعاة السَّلام أمثال سدنى سميث وشاتوبريان، فأخذوا يفكرون في الوسائل المؤدية إلى القضاء على هذه الحال، بيد أن أهل الجزائر أبوا أن يخضعوا لقرارات مؤتمر إكس لا شابل. ولم يفد ضرب اللورد إكسموث مدينة الجزائر في إرغامهم على التخلى عن هذه التجارة. وبقيت القرصنة ما بقيت السيادة التركية على تلك البلاد، أي إلى عام 1830.

وكان فتح الجزائر والقضاء على الدولة التركية من عمل فرنسا. ذلك أن حكومة شارل العاشر قررت أن ترفع الحصار البحرى الذي ضربته على البلاد، ودام ثلاثة أعوام، وأن تنزل العقاب بالداى حسين للإهانة التي لحقت بالقنصل ديفال عام 1827 حين وجدت أن المفاوضة معه عديمة الجدوى، ولذلك قرر الوزير بولنياك إرسال حملة على الجزائر، وضرب باعتراض إنكلترة على ذلك عرض الحائط، وسلمَ الداى في الخامس من شهر يوليه، واحتل الفرنسيون المدينة على الفور، وأجبر حسين والإنكشارية على الرحيل من البلاد. وصمم بولنياك

ص: 2834

على أن تحتفظ فرنسا بالثغور الساحلية، ولكنه رأى أن يترك مصير البلاد ليقرره مؤتمر يعقد لهذا الغرض. غير أن ثورة عام 1830 أطاحت بالبربون قبل أن يجتمع الساسة. وكانت مشكلة الجزائر من المشاكل المعقدة التي ورثتها ملكية شهر يولية. ولم يتفق الساسة الذين تسلموا زمام الحكم وقتئذ على خطة لحلها، بل ترددوا بين أن يسلموا برغبات الاستعماريين الذين كانوا ينادون باحتلال الإمارة القديمة واستعمارها، وبين أن ينفضوا أيديهم من هذه الحرب التي كادت تبهظ كاهلهم. وظل الأمر كذلك إلى عام 1834 حين انتهت اللجنة الإفريقية من مهمتها، وعندئذ أعلنت الحكومة عزمها على أن تبقى فرنسا محتلة لبلاد الجزائر، وحاولت في نفس الوقت ولأول مرَّة أن تنظم إدارة الممتلكات الفرنسية بشمال إفريقية، وكانت قد ظلت حتَّى ذلك الوقت خاضعة للحكم العسكرى، فأصدرت في 22 يوليه سنة 1834 مرسومًا بتأليف الحكومة العامة لهذه البلادَ، وكان المجلسان وكان الرأى العام يفضلون أن يقتصر احتلال البلاد على المدن الساحلية والأقاليم المحيطة بها على الرغم من الحملة القوية التي كان يقوم بها أنصار الاحتلال الكامل لجميع الأجزاء التي كانت تتكون منها فيما سبق إيالة الجزائر التركية، ومن هؤلاء مارشال كلوزل، وظلت البلاد الداخلية مسرحًا للفوضى من عام 1830 م فقد وطد أحمد، باى قسنطينة السابق، أقدامه في الناحية الشرقية، وأخذ عبد القادر يعمل على إنشاء مملكة في غربي البلاد، ومن ثم كان تقدم الفرنسيين بين عامي 1830 - 1840 تقدمًا بطيئًا، فلم يحتلوا من عام 1830 إلى عام 1836 إلا بونة ووهران ومستغانم وآرزو وبجاية؛ ومهد احتلال قسنطينة عام 1837، بعد محاولة فاشلة للاستيلاء عليها في العام السابق، السهيل إلى احتلال الناحية الشرقية الممتدة من الساحل إلى الصحراء، وفي عام 1844 ظهر الجند الفرنسيون في بسكرة وتوغلوا في جبال أوراس. أما في الغرب فقد كان الصراع مع عبد القادر صراعًا مريرًا، لكن فرنسا شنت عليه حربًا نظامية

ص: 2835

مستعرة بقيادة بوكو استمرت من 1841 م إلى 1874 م، وانتهت بتحطيم قوته والاستيلاء على مدن إقليم التل والهضبة جميعًا (تلمسان، مليانة، معسكر، المدية، سعيدة، بوغار، تيهرت) ثم حددت التخوم بين الجزائر ومراكش في اتفاق عام 1845، وكان هذا الاتفاق إحدى النتائج التي أسفرت عنها معاهدة طنجة المعقودة بعد الحرب المراكشية الفرنسية التي وقعت في عام 1844. ودان بدو الصحراء في الجنوب بالطاعة للفرنسيين بعد أن أنفذ هؤلاء الحملات إلى حدود الصحراء، وأنشأوا المعاقل على الهضبة ثم دانت واحة زيبان لسلطان الفرنسيين بعد أن أخمدت الثورة التي قام بها بوزيان واحتلت زاتشه (سنة 1849). وكذلك أخفق الشريف محمَّد بن عبد الله الذي ثار على الفرنسيين، وحاول استنفار قبائل الصحراء، ولكن الجيوش الفرنسية هزمته واحتلت الأغواط، وتقدمت حتَّى بلغت ورجلة (1852 - 1854) وكان جزء من أرض القبائل قد بقى إلى ذلك العين يستمتع باستقلاله، لأنَّ الحملتين اللتين أرسلتا إلى هذا الإقليم بقيادة بوكو في عام 1844 و 1847 والحملات التي قام بها سانت أرنو وراندو (1851 - 1854) لم تؤد كلها إلا إلى احتلال مبدئى لهذا الإقليم.

ثم فتحت بلاد القبائل التي يسكنها البابُرْس في إقليم وادي الساحل. ولم يفدها دفاع أبو بَغْلَة كما فتح أيضًا وادي سيباو، بيد أن قبائل جرجرة المتحالفة ظلت إلى ذلك الوقت بمنأى عن الغزو، حتَّى تم إخضاعها على يد راندون عام 1857، وطارد هذا القائد القبائل في بطن الجبل ومثل بهم حتَّى أجبرهم على إلقاء السلاح والاعتراف بسلطان فرنسا عليهم. ولكنهم احتفظوا بعاداتهم ونظمهم الإقليمية، وأنشئ حصن نايليون (ويسمى الآن بالحصن الوطني Fort National) للإشراف عليهم. وهكذا نظمت طريقة حكم القبائل، بينما كانت أعمال الغزو تشرف على غايتها، على أن البقاع المستعمرة ظلت محدودة الرقعة على الرغم من الجهود التي بذلها بوكو Bugeud لتوسيع نطاقها، وعلى الرغم من المحاولات التي قام بها المستعمرون لزراعة الأراضي قبل عام

ص: 2836

1848.

أما في البقاع الخارجة عن نطاق الاستعمار فقد وضع الأهلون تحت إمرة شيوخ مسلمين (خلفاء وأغوات وغيرهم) يشرف عليهم القائد الفرنسى والضباط العظام وتعاونهم "إدارات عربية". ويعد خضوع أرض القبائل آخر مرحلة في أعمال الغزو الفرنسى، فلم يعكر صفو الأمن منذ ذلك الحين إلَّا فتن تتفاوت قوة وضعفًا، ولكنها على كل حال لم تتخذ طابعًا عامًا، ولم تكن كذلك الاضطرابات التي قامت بها القبائل المراكشية عى الحدود، وتطلبت إرسال حملة بقيادة له مارتميراى De Martmprey علي بنى سناسّن في عام 1859، ولا الفتنة التي آثار عجاجها أولاد سيدى الشَّيخ في جنوب ناحية وهران، ودامت ثلاث سنوات (1864 - 1867 م)، ووجد الثوار فيها ملاذًا ومعينًا عند بنى جيل وذوى منية وأولاد جرير من القبائل المراكشية، وهم الذين أرسل الجنرال ومفن Wimpfen لتأديبهم فتوغل في بلادهم حتَّى وادي جير، ولقد كان قمع هذه الفتن المختلفة بطيئًا صعبًا في بعض الأحيان، ولكن المستعمرة رغم ذلك لم تستهدف من جرائها خطر جسيم. على أن الأمر لم يكن كذلك بالنسبة للثورة التي اندلع لهيبها في عام 1871. فأمَّا السبب الحقيقي لهذه الثورة فيجب أن يلتمس في ضياع هيبة فرنسا بعد غلبة ألمانيا عليها، وأمَّا السبب المباشر الذي أدى إلى اشتعال نارها واتساع نطاقها، فهو اختلال الإدارة، والإجراءات غير الحكيمة التي اتبعتها حكومة الدفاع الوطني في ذلك الوقت، وبخاصة في مسألة منح الجنسية الفرنسية لليهود الوطنيين، ثم إنقاص الحاميات العسكرية في البلاد. وقام على رأس الفتنة "مَقْرانى" أغا مجانة السابق، وهو من جماعة الأشراف الوطنيين النزاعين إلى الثأر الذين لا يرجون من الاستعمار الفرنسى إلَّا سوء المصير، وقد دفعته مآربه الشخصية إلى المعارضة في إنشاء الإدارة المدنية، كما قام عليها أيضًا في إنشاء الإدارة المدنية، كما قام عليها أيضًا اثنان من المرابطين هما الشَّيخ حداد وابنه سى عزيز، وكان لهذا الابن فيها نصيب أكبر من نصيب أبيه، وقد أخفيا مطامعهما تحت ستار

ص: 2837

الدعوة الدينية وتوسلا بذلك إلى استفتاء الإخوان الرحمانية، وعمت الثورة أرض القبائل الكبرى والصغرى، وانتشرت كذلك في جنوبي إقليم قسنطينة وبعض مناطق من إقليم مدينة الجزائر، أما الغرب فقد ظل على ولائه، وأحدثت الثورة قلقًا عظيمًا أول الأمر، فقد حوصرت المدن والحصون في أرض القبائل، ودمرت قرية بالسترو Palestro. وهدد الثائرون متيجة. بيد أن فرنسا استطاعت التغلب على الموقف بعد أن عينت حاكمًا عامًا للولاية، رجلًا قديرًا هو أمير البحر ده كيدون de Gueydon. وأنفذت إلى البلاد نجدات فرنسية. ونظم فيها جيش عقد لواؤه للقواد سوسييه Soussier ولالمان - Lalle mand وسيريز Cerez. ففك الحصار عن المدن وقتل المقرانى في إحدى المعارك عند وادي سَفلت بالقرب من أو مال (صور الغزلان) ثم خلفه على رأس الفتنة أخوه أبو مزراق، ولكنه طورد من أرض القبائل الصغرى ورُدَّ إلى الجنوب حيث أسر آخر الأمر عند الرُوَيسات في العشرين من شهر يناير عام 1872 م. وزاد عدد الثائرين حتَّى بلغ مائتى ألف رجل، وبلغ عدد المعارك التي خاضوا غمارها 340 معركة، وعوقبت القبائل على ثورتها بحرمانها استقلالها الذاتى، وفرض غرامة حربية عليها. واستقطاع 1.120.000 فدان من أراضيها، خصصت للمستعمرين. أما الفتنتان اللتان نشبتا بعدئذ في العَمْرى عام 1876 م، وفي أوراس عام 1879 م، فلم يكن لهما شأن يذكر، وكان أخطر منهما الثورة التي أثارها المرابطى أبو عَمَامة في الجنوب من وهران (سنة 1881)، وأدى هذا كله إلى إنشاء حصون دائمة على التخوم الجنوبية من الهضبة، واستخدمت فيما بعد قواعد للأعمال الحربية في منطقة الصحراء.

وكانت الأعمال الحربية إبان هذا العهد (1859 - 1908) المحل الثَّاني من اهتمام فرنسا، ذلك أن المشاكل الإدارية والاقتصادية كانت تتطلب منها عناية خاصة. ولقد تبدلت إدارة الجزائر العليا عدة مرات ووصل الأمر إلى إنشاء إدارة خاصة بهذه البلاد مركزها في باريس، ودامت من عام 1858 إلى عام 1860. ثم نشب خلاف شديد بين أنصار سيادة السلطة

ص: 2838

العسكرية وأنصار الحكم المدني. وقد استطاع هؤلاء أن يحصلوا من الحكومة الإمبراطورية على إصلاحات يسيرة في المسائل التفصيلية، ثم أصبحت لهم فيما بعد الكلمة العليا بعد سقوط نابليون الثالث، ومن ذلك الحين أصبح حاكم الجزائر- حتَّى من كان من رجال السلك العسكرى- يسمى الحاكم العام المدني Gouverneur General Civil . ولم يعهد بهذا المنصب السامى منذ عام 1879 إلا الموظفين مدنيين، وقام خلاف آخر لا يقل عن ذلك عنفًا بين الذين يقولون بفرنسية الجزائر والذين يقولون باستقلالها الذاتى. وكان من رأى الأولين أن الجزائر ليست إلَّا امتدادًا لفرنسا، ومن ثم وجب أن تخضع للنظام السياسي والإدارى والاقتصادى الذي تخضع له فرنسا نفسها، وكان الآخرون يرون عكس هذا، فكان من رأيهم أن تمنح البلاد نظما تلائم أحوال أهلها، أو أن تعدل النظم الفرنسية على الأقل بحيث تلائم حاجات الأهلين، وكانت مراسيم عام 1881 التي حدّت من سلطان الحاكم العام، والتي ضمت المصالح الجزائرية المختلفة إلى الإدارات المماثلة لها في فرنسا انتصارًا لآراء الطائفة الأولى. على أن الإصلاحات التي تمت منذ سنة 1896 قد أوحت بها كلها المبادئ التي كانت تنادى بها الطائفة الأخرى، وأهم عمل قامت به الحكومة في تاريخ الجزائر خلال نصف القرن الأخير هو استغلال الأرض، فقد امتد نطاق الاستعمار على منطقة التل بأسرها، بل تعداها إلى منطقة الهضبة من ورائها. وقد أضيفت إلى زراعة الحبوب (وهي التي جرت العادة بزراعتها في إفريقية من أقدم الأزمان) زراعات جديدة أهمها الكروم وكشفت مناجم (الحديد والخارصين والفوسفات) واستغلت وأنشئت مشروعات عامة جديدة كالطرق والسكك الحديدية، ومشروعات الري واستخدام قوة المياه، وتضاعف عدد السكان الأوربيين منذ عام 1870 م، وخطّت مدن جديدة في كل مكان. وليس من غرضنا في هذا المقام التوسع في وصف هذا الانقلاب، وحسبنا أن نقول إنه كان أثرًا من آثار ابتكار الأوربيين ورءوس الأموال الأوربية. أما الوطنيون فكل ما فعلوه

ص: 2839

أنهم رضوا به ولم يعملوا عى إحداثه وتيسيره (1).

(حـ) سكانها

بلغ عدد سكان الجزائر وفق تعداد عام 1906 (5.231.650 نسمة) يمكننا أن نقسمهم على الوجه الآتي:

1 -

الأوربيون 658.567 نسمة

رعايا فرنسيون

492.

369

فرنسيون

288.

976

أجانب أصبحوا مواطنين بمقتضى قانون عام 1889

148.

748

يهود وطنيون أصبحوا مواطنين وفق مرسوم 13 أكتوبر عام 1870 وأبناؤهم

64.

645

أجانب

166.

198

أسبان 117.475

طليان 35.153

مالطيون 6.127

من جنسيات أخرى 9.352

ب - الأهالي المسلمون 4.477.788

رعايا فرنسيون 4.447.149

أجانب (مراكشيون وتونسيون وغيرهم)20.639

ويتبين من هذا أن عدد السكان المسلمين الذي لم يكن في عام 1830 يتجاوز 2.5 مليون نسمة، يبلغ الآن نحو تسعة أعشار السكان جميعًا. على أن هؤلاء أبعد ما يكونون عن الانسجام، وقد جرت العادة أن تقسم طوائفهم المختلفة كما يلي:(1) البربر وبعضهم من أخلاف القوم الذين كانوا يسكنون شمالي إفريقية عندما رسخت قدم الإسلام في هذه الربوع (2) العرب وبعضهم من أخلاف الفاتحين الذين قدموا إلى هذه البلاد في القرن السابع الميلادي، لكن كثرتهم من أخلاف الغزاة الهلالية الذين قدموا في القرن الحادي عشر الميلادي وقد اختلطوا جميعًا بالسكان الأصليين. (3) المغاربة أو الحضر وهم الذين يسكنون الحواضر، وقد انحدروا من شعوب إفريقية مختلفة انضمت إليهم عناصر أجنبية، واخعلط بهم في القرن الخامس عشر والسادس عشر والسابع عشر مهاجرو الأندلس. ثم انضم إليهم في القرنين السادس عشر والسابع عشر من أسلم من الأوربيين. (4) القُلُغْلى: وهم مولدون آباؤهم من الترك وأمهاتهم

(1) كان من الإنصاف أن يشير الكاتب إلى أن النظام الاستعمارى المرسوم للجزائر من سنة 1830 لا يمكن أن يأتي إلَّا بهذه النتيجة.

ص: 2840

وطنيات. (5) الترك الذين ظلوا في البلاد بعد عام 1830 (6) الزنوج الذين جئ بهم إلى بلاد المغرب عبيدًا وكانوا من نسل العبيد. وهذا التقسيم الذي درج الباحثون عليه لا يطابق الحقيقة الواقعة، فقد امتزجت هذه الأجناس جميعًا، واليوم أصبح هذا الامتزاج تامًّا يكاد يتعذَّر على المرء معه أن يفرق بين الأجناس المختلفة. بل إن الطائفتين الرئيسيتين، وهما البربر والعرب، لا يمكن تمييز إحداهما من الأخرى، فلا اللغة ولا طرائق المعيشة يمكن أن يستخلص منها أساس لمثل هذا التقسيم. ذلك بأن البربر المستعربة قد انصرفوا عن لغتهم وعادتهم، بل نسوا أرومتهم، ومن هؤلاء مثلًا الحَرَاكْتَة والنَمَامشة في ولاية قسنطينة، فهم يدعون أنهم عرب، على الرغم من أنهم في الواقع من بربر هُوَارة، ومنهم اغواط كسل الذين انحدروا من كتامة، وبنى وَسين على تخوم مراكش. أما القبائل العربية فلم يبق منها سوى أسمائها، ذلك أن تسرب البربر المستعربة قد غيرهم كل التغيير. وحدث هذا الاستعراب في نواحى الجزائر الجزائر كلها، ولكنه كان في إقليم وهران أعم منه في أي موضع آخر. والخلاصة: أن تبدد العشائر العربية قد صحبه تبدد لا يقل عنه قوة في العشائر البربرية، ولقد ساعد تجاور الجنسين منذ القرن الرابع عشر على أن يبتلع البربر العرب، وأن يتبدل البرابرة أنفسهم حتَّى لم يعد بين الجنسين فرق ما في هذه الأيَّام. هذا من حيث أصولهم، فإذا انتقلنا بعد ذلك إلى طرائق معيشتهم وجدنا عادات الطائفتين متشابهة، فليست البداوة من خصائص العرب وحدهم، ولا الحضارة من سمات البربر دون غيرهم، ففي خارج المدن يجد المرء عربا من الحضر وبرابرة من البدو. وعلى الرغم من هذا الامتزاج العام، فإن بعض الجماعات البربرية التي فرت إلى الجبال حيث لا يستطيع الغزاة أن يصلوا إليها، قد احتفظت بلغتها وعاداتها، ومن هؤلاء رجال القبائل وشاوية أوراسوتَراراس ندرومه وبنى سنوس في بلاد تافنة، وبنى مناصر في شرشال، وبعض قبائل أطلس بليدة، ثم المزابية وهم نسل الزناتية الأباضية [ومزاتة وغيرها ومن العرب]. الذين احتفظوا بعادات

ص: 2841

أسلافهم ولهجاتهم، كما احتفظوا على ما يظهر بخصائصهم الجثمانية، ولم يوضع بعد إحصاء دقيق لمختلف طوائف اللغات، وحسبنا أن نقول إن عدد الذين يتكلمون لهجة بربرية قد قدر عام 1859 بثمانمائة وخمسين ألف نسمة، وأن عددهم اليوم يبلغ قرابة سدس السكان جميعًا. أما من حيث الخصائص الجسمية فقلما يجد المرء طوائف احتفظت بالصفات الواضحة التي تميز البربر عن غيرهم. ولقد فرض العرب في كل مكان نظمهم ولغتهم على القبائل التي أدخلوها في الإسلام. نعم إن العرب الفاتحين قد تأثروا من بعض الوجوه بالسكان الأصليين الذين كانوا يشبهونهم شبها كبيرًا في طرائق معيشتهم من بعض الوجوه (ومن ذلك أن البربر كانوا يعيشون على الرعى كالعرب كما يقول بعض المؤلفين الآخرين) ولكن الفاتحين كانت لهم دون شك الغلبة على الأفارقة، فأدى ذلك إلى امتصاص العرب للبربر، واندماج هؤلاء فيهم، والواقع أن إطلاق كلمة العرب على جميع سكان الجزائر دليل قاطع على هذا التطور الأخير.

أما من حيث طرق العيش ففي وسعنا أن نقسم أهل الجزائر الوطنيين على أساسها إلى طائفتين: قبائل مقيمة، وأخرى ظاعنة. وثم فروق واضحة بين الأولين، فسكان المدن لا يشبهون سكان قرى القبائل كما أنهم لا يشبهون أهل القصور وفلاحى التل. ذلك أن هؤلاء قد استوطنوا منذ قرون عدة مدن الساحل والتل، كالجزائر، وبليدة، والمدية وقسنطينة، وبجاية، ووهوان، وندرومة، وتلمسان. وهم الآن يؤلفون طبقة من التجّار والصناع والأدباء، وهم مواطنون وادعون، وقد زاد عددهم منذ الفتح الفرنسى بمن انضم إليهم من الأجراء عمال المياومة وأصحاب الحرف اليدوية، وغيرهم ممن هم أدنى منهم، وهم يعيشون عشائر متفرقة، ويبدو أنهم إذا اتصلوا بالأوربيين ينزعون إلى اتخاذ العادات الغربية. أما أهل القبائل فيجتمعون في قرى كبيرة تتألف من طائفة من المنازل الحجرية. يأوى إليها السكان والماشية جميعًا، وهي تبنى في صفوف على المرتفعات البارزة بين الوديان، ونحن إذا نظرنا إلى هذه القرى من حيث عدد السكان الذين

ص: 2842

يعيشون فيها رأينا أن معظمها خليق بأن يسمى مدنًا، وفي جبال الجنوب (الفجج، القصور، وجبل عمور) يسكن المقيمون من الأهالى قرى محصنة تسمى "قصورًا" تبنى من اللبن وتتخذ فضلًا عن ذلك مخازن للأقوات وأسواقًا وحصونًا، وفي سهول التل نجد الفلاح يحيا حياة مستقرة أيضًا، فهو يعيش في "كربى"، وهي كوخ من العساليج مغطى بالديس (وهو نوع من القصب) ويحيط به على مسافة منه سور من الحسك أو "الزريبة"؛ فإذا تجمعت طائفة من هذه الأكواخ المصفوفة على شكل دائرة سميت بالدوَار. أما في غير سهول التل فالفلاح يبنى بيتًا من الحجر أو مشتى في حجم الكربى وعلى طرازه، تحيط به بيادر تستعمل في أيَّام الحصاد، وأهراء تخزن فيها الغلال. على أن الفلاح ليس مستقرًا استقرار الحضرى: فهو يحب العيش في خيمة كما يحب العيش في الكربى، ويغير مسكنه في يسر. ومن الفلاحين من يقضي الشتاء في الكربى والصيف في الخيمة، ومنهم ينقلون خيامهم مرات متعددة في السنة لكى يستغلوا أراضى نائية، وهم يزرعون عادة القمح والشعير، ولا تزال أدواتهم وطرق الزراعة عندهم بدائية، وتكثر الحاصلات أو تقل حسب وفرة المطر أو ندرته، وكلما بعد المرء عن إقليم التل، قلت ملاءمة الأحوال المناخية للزراعة، فتحل محلها رعاية الماشية، وبهذه الوسيلة تتحول الحياة المستقرة أو الشبيهة بالمستقرة- وهي الحياة الغالبة في التل- إلى الحياة البدوية السائدة في الهضبة، ويحدث هذا التحول تدريجا.

ومن العسير أن نورد بيانًا دقيقًا عن البدو، ذلك لأنَّ غالبية قبائل الأفارقة يأخذون بنصيب من البداوة والحضارة معًا. ويذهب فيو villot إلى أن خير طريقة لتقسيم الأهلين المعروفين بالعرب هي أن نقسمهم إلى طائفتين: عرب يقل نزوعهم إلى الظعن: وعرب رحل. وهؤلاء هم البدو بحق. أما برنار Bernard . ولاكروا lacroix فيقسمانهم إلى الأقسام التالية (1) الرعاة الذين لا يظعنون إلَّا قليلًا جدًّا (من 15 إلى 30 ميلًا) وهؤلاء يتجولون على تخوم التل في أوقات من السنة طلبًا لمراع جديدة

ص: 2843

ترعاها ماشيتهم. (2) الرعاة الذين لهم مشات ومصايف مختلفة ولا تبعد إحداهما عن الأخرى إلَّا قليلًا: وبعض هؤلاء الرعاة يقضون الشتاء في الجنوب، وبعضهم يقضونه شمالي أطلس الصحراء. (3) الرعاة الخلص وهم يقضون الشتاء في الصحراء حتَّى إذا ما حل الرَّبيع تركوا مهاجرهم في الجنوب سعيًا وراء الكلأ والمال بين قبائل التل التي تبيح لهم حق ورودهما "فأرباع" الأغواط- مثلًا- يتقدمون حتَّى ثنية الأحد، أما قبائل زيبان وعرب شراقة فيتقدمون حتَّى شاتودان دو روميل rhummel Chateaudun du بين قسنطينة وسطيف، بل إن قبائل أخرى في جنوب قسنطينة تتقدم حتَّى القالة le calle على الساحل وتعرف الهجرة في سبيل المرعى بالرحلة، وتقوم بها عشائر يقودها شيوخها وفق قواعد معروفة، وتتبع طرقًا معينة، وقد أدت الرحلات في الزمن الماضي إلى تبادل كثير في السلع داخل المدن التي تقوم على حدود التل والهضبة، وقد عنى الترك، وكانوا يجبون من الرعاة إتاوة تسمى بالعوسة، بتوطين قبائل المخزن بجوار هذه الأسواق، لكى يضمنوا تحصيل هذه الإتاوة أو إكراه النَّاس على دفعها إن لزم الأمر. وكان أهم ما يتجرون فيه الصوف والبلح يستبدلون بهما الحبوب، ويجب أن يضاف إليهما في هذه الأيَّام عدد معين من السلع المصنوعة في أوروبا، بعد أن أصبحت هذه من ضرورات الحياة عند الرعاة، أما صناعتهم فجد بدائية وتزاولها النساء عادة، وهي تتألف من صناعة الفليج (وهي شرائح من الصوف ووبر الإبل، تخاط بعضها إلى بعض وتصنع منها الخيام) والملابس الصوفية، والأبسطة وبعض الأدوات المنزلية. وحياة البداوة وحياة الاستقرار تعتمدان كلتاهما على الأحوال الجغرافية والمناخية، وقد تاثرتا فوق ذلك بنتائج الأحداث التاريخية والانقلابات الاقتصادية، فلما غزا العرب الهلالية- مثلًا- بلاد إفريقية وضربوا في أرضها اضطرت بعض القبائل البدوية إلى الاستقرار، وأحدث الاحتلال الفرنسى نتائج مشابهة لهذه أو مغايرة لها بما نشره من الأمن والرخاء النسبى في البلاد. ويلاحظ في مواضع متعددة،

ص: 2844

وبخاصة فيما بين التل والهضبة، اتجاه واضح بين الأهلين لبناء المشاتى، ونزوعهم الصادق إلى حياة الاستقرار، ومع ذلك فثمة قبائل في مواضع أخرى عمل البؤس والخوف فيها عملهما، فتآلفت فيما بينها واتخذت منازل ثابتة، فلما تحسنت أحوال البلاد في الوقت الحاضر، هجرت حياة الاستقرار، وتركت المنزل إلى الخيمة، وربت قطعانًا جديدة، وعادت إلى حياة الرعى والبداوة. ولعل هذه هي الحال في ناحية القصور.

ولا يزال النظام الاجتماعى للأهلين يقوم على الأبوة الخالصة، ولا تزال الأسرة دعامة المجتمع هناك، وللأب فيها سلطان مطلق. أما المرأة، وقد حرمت في أغلب الأحيان الحقوق التي يخولها لها الشرع الإسلامي، فتعيش في ظروف غير طيبة، فالبنات يتزوجن في سن مبكرة، على الرغم مما بذلَ من الجهود لمنع زواج الفتيات قبلَ سن البلوغ، وتجبر المرأة عادة على القيام بأشق الأعمال، على أنها مع ذلك قد ظل لها أثر قوى بفضل ما تثيره في نفوس الرجال وتعدد الزوجا نادر، ذلك أن قلة الدخل تمنع الرجل من البناء بأكثر من زوجة، ويستدل من إحصاء سنة 1891 على أن المتزوجين بأكثر من واحدة يبلغون بالنسبة إلى مجموع المتزوجين واحدًا إلى ستة (149.000 من 950.000) وتتمتع الأسرة باستقلال يكاد يكون تامًّا، فهي تفعل ما تشاء بأملاكها الثابتة والمنقولة. بل إنها تستطيع أن تهجر القبيلة التي تنتسب إليها وتندمج في سواها. وتضم هذه القبائل التي تندمج فيها الأسر، أبناء الجد الذي تسمى القبيلة باسمه حقيقة كان ذلك أو وهمًا، كما تضم موالى هذه الأسر وأبناءهم، وقلما نجد قبيلة تستطيع أن ترد نسبها إلى أجدادها العرب أو البربر دون أن تختلط بدم دخيل، ذلك بأن أغلب هذه القبائل قد نشأ من امتزاج شعوب مختلفة امتزاجًا حدث في خلال قرون طويلة، ففي العهد التركى مثلًا تكونت بالفعل قبائل من أفراد ذوي أصول مختلفة كانوا يعيشون ذول القطائع العسكرية، وحدث مثل هذا في جوار أقدس الزوايا، فقد نشأت بجوار هذه الأماكن قبائل

ص: 2845

تسمى قبائل المرابطين يذكر أفرادها أنهم أشراف من نسل ولى من أولياء الله الصالحين، ويسمون أنفسهم أولاد سيدى (س). ويدعون لأنفسهم بهذه الوسيلة ضربًا من الشرف الديني، ومن هؤلاء أولاد سيدى الشَّيخ، وتمتلك القبيلة أرضًا خاصة بها (تسمى عرشًا وتعرف في ناحية وهران بالسابقة) وهي أملاك شائعة لا يتصرف فيها، وليس المالكون إلَّا مستغلين فحسب. وكانت البكوية قبل الفتح الفرنسى تعد مالكة لأرض العرش، وكان في وسعها أن تطالب بها وأن تتصرف فيها كما تشاء، وكل ما كان يستطيعه كل فرد من أفراد القبيلة هو أن يستمتع بغلة الأرض. وقد استحال حق الانتفاع هذا بمقتضى قانون سنة 1863 إلى حق ملكية للقبيلة مجتمعة، وكثر الأخذ والرد في هذا القانون وكان غرض واضعيه أن يمهدوا السبيل إلى تحويل الملكية الجماعية إلى ملكية فردية، وتيسير المعاملات بين الأهلين والأوربيين، وقد أدى تنفيذه إلى تحديد أملاك القبيلة، وإلى إنشاء مراكز أهلية تعرف بالدواوير (جمع دوار) لكل منها جماعة من الأعيان، من حقهم أن ينوبوا عن أفراد الدوار كلهم في المسائل الخاصة بالملكية. ولكن النتائج المرجوة لم تتحقق، فقد ظلت الملكية الجماعية قائمة جنبًا إلى جنب مع الملكية الفردية، وأدت رغبة الحكومة في وضع نظام لحجج الملكية الفردية إلى إنشاء سجل لأهل البلاد، وإلى إصدار قانون لتحقيق هذا الغرض في عام 1883 نفذ في جميع الجهات الخاضعة للحكم المدني، وما وافت سنة 1896 حتَّى بلغ عدد الأفراد الذين سجلوا بمقتضى هذا القانون منسوبين إلى أسرهم 3.069.368 شخصًا.

والرابطة الدينية من أبرز الخصائص التي يمتاز بها أهل الجزائر الوطنيين. ذلك أن دين الإسلام الذي جاء به الفاتحون في القرن السابع بعد الميلاد قد محا أو كاد يمحو من بلاد المغرب كلها الديانتين المسيحية واليهودية، ديانتى قبائل [بعض] البربر، والمذاهب السنية هي المذاهب المنتشرة في البلاد، وإن كانت لا تخلو مع ذلك من الخوارج والصوفية والشيعة، وهي الفرق التي

ص: 2846

أخذت تهاجم أهل السنة منذ البداية، وقد استطاعت الإباضية وحدها أن تبقى في إقليم مزاب. والمالكية هي المذهب الذي تستمسك به الكثرة الغالبة من أهل البلاد، ويلوح أن هذا المذهب قد أصبح منذ القرن الحادي عشر الميلادي هو المذهب السائد في جميع بلاد المغرب بعد أن حل محل المذهب الحنفي الذي كانت له السيادة فيها قبل ذاك، وصار أتباع هذا المذهب الآن مقصورين على بعض بقايا الأسر التركية التي أدخلته إلى الجزائر من جديد في القرن السادس عشر. ولم يعد استبدال مذهب مالك بالمذهب الحنفي في شمالي إفريقية على هذه البلاد بالنفع، وتدرس مبادئ المذهب المالكي في مختصر خليل بن إسحاق (سيدى خليل) وهو أهم المراجع في الشريعة الإسلامية في أرض الجزائر.

على أن انتشار المذهب المالكي في شمالي إفريقية بأكمله لم يقض على الخرافات التي يتشبث بها الأهلون، ولا يزال للشعوذة والسحر مكانة في قلوب الأهلين، ولقد تركت الفترة القصيرة التي انتشر فيها مذهب الشيعة بين البربر كلهم آثارها في بلاد الجزائر، ومن هذه الآثار عقيدة المهدية، فالجزائريون ينتظرون قدوم "مولى الساعة" في يوم من الأيَّام ليطرد النصارى من البلاد. وقد استعان بهذه العقيدة منذ عام 1830 معظم الذين حاولوا إثارة الفتنة في البلاد، ولم تستطع الحكومة استئصال شأفتها من العقول أو إضعاف شأنها على الرغم مما باءت به من الخيبة آنا بعد أن: وثمة ظاهرة أخرى لا تقل عن المهدية شأنًا عند أهل الجزائر المسلمين، وهي تقديس الأولياء ويعرف هؤلاء الأولياء باسم المرابطين. وقد وجدت هذه العادة في بلاد الجزائر، كما وجدت في سائر بلاد المغرب، تربة صالحة لنموها وازدهارها، وسبب ذلك أن أهل تلك البلاد كانوا من أقدم الأزمان شديدى الميل إلى تقديس بنى الإنسان، ويدعو الأولياء في بلاد المغرب أنفسهم بالمرابطين، وسواء كان هؤلاء رجالًا

ص: 2847

أو نساءً، فإنهم لا يكادون يؤثرون في عقول الأهلين حتَّى يصبحوا موضع الإجلال والتكريم، وينتقل ما حباهم به الله من تركة إلى أبنائهم، ويصبح قبر الواحد منهم "المرابطى" مزارًا، وتجنى أسرة المتوفى أو قبيلته من وراء ذلك خيرًا كثيرًا. ذلك بأن تعظيم النَّاس لهؤلاء الأولياء يتطلب منهم إقامة الموالد لهم في كل عام، وفيها تؤدب المآدب ويطعم الطَّعام، وتنحر الذبائح تبعًا لمراسم خاصة ويقبل الزوار من جهات نائية، ويقدمون النذور نقدًا أو عينًا لسدنة هذه القبور، وإذا حلت بالبلاد وأهلها كارثة من جدب أو وباء أو نحوهما وفد النَّاس إلى هذه القبور وقدموا لها النذور، ومن مواردها غير ما ذكرنا ضروب من "الصدقات والهدايا والغفارات" يجمعها المرابطون الجوالون، ولهؤلاء في البلاد شأن عظيم، ومن أجل هذا كان الأتراك يعملون على كسب رضاهم بما يقدمونه إليهم من مراسم التعظيم، ومن الهدايا الكثيرة، وبإعفائهم من الضرائب.

ومع ذلك فإن نفوذ المرابطين لا يتعدى الإقليم الذي يسكنون فيه. أما نفوذ رجال الطرق فينتشر في أقاليم متسعة الرقعة، ويقول ديبون Depont وكيولانى Coppolani أن في بلاد الجزائر وحدها ما لا يقل عن ثلاث وعشرين من هذه الطرق ينضوى تحت لوائها 295.189 من الأعضاء، ويشرف على أعمالها سبعة وخمسون شيخًا وستة آلاف عامل يقومون فيها بأعمال مختلفة وهم مقدمون ووكلاء ونواب وغيرهم). ولهذه الطرق 349 زاوية، وهي تجمع في كل عام حوالي سبعة ملايين من الفرنكات من الأعضاء أو "الإخوان"، وأوسعها انتشارًا طريقة "الرحمانية" وهي تضم 156.000 عضو منهم ثلاث عشرة ألف امرأة. وهذه هي الطريقة الجزائرية الحقة، ومؤسسها سيدى محمَّد بن عبد الرحمن أبوقبرين، وهو شيخ من الأتقياء الصالحين، عاش في القرن السابع عشر الميلادي، ويضم رفاته- حسب الرّواية المتواترة- قبران منفصلان

ص: 2848

أحدهما وسط "أيت إسماعيل" في أرض القبائل، والآخر في "الحامة" خارج مدينة الجزائر. وتتفرع الطريقة الرحمانية إلى فروع عدة، ويمتد نفوذها إلى جميع أنحاء الجزائر، وبيوتها الكبرى منفصلة بعضها عن بعض، ويقوم بينها النزاع أحيانًا، وهذه البيوت هي شتودان دو رومل chateaudun du Rhumel بالقرب من سطيف setif (وتضم 40.000 عضو)، والهامل (وتضم 43.000) ونقطة Nefta (وتضم 13.000)، وطولقا tolga (وتضم 16.000) وقسنطينة (وتضم 10.000) وأقبو Akbou (وتضم 9.000). ويلى الرحمانية في الأهمية طريقة "التجانية" ويسكن شيخها في "عين ماضى" وينتشر أتباعها البالغ عددهم 26.000 في الصحراء وفي جنوب وهران، ومنها أيضًا القادرية (وتضم 24.000 عضو)، والطيبية (وتضم 22.000) وشيخها شريف وزان في مراكش، والشيخية (أولاد سيدى الشَّيخ) وهي جماعة سياسية أكثر منها دينية وأتباعها يبلغون عشرة آلاف، والدرقاوة (وتضم 9000) وهم طائفة كانت لها يد في جميع الثورات التي نشبت في البلاد على الأتراك والفرنسيين ودامت مائة وخمسين عامًا، ومنها أيضًا طريقة العمارية (وتضم 6.000) والعيسوية (وتضم 3.500)، ومنها الحنصالية وأتباعها من المنشقين على الطريقة الشاذلية، وينتشرون في أنحاء ولاية قسنطينة، ويبلغون نحو 4000 ومنها الزيانية (3000) والزرواقية (2.700) والكرزاسية والشبيبية والمدنية واليوسفية، وهم أتباع سيدى أحمد بن يوسف ولى مليانة، وآخر ما نذكر من هذه المطرق السنوسية، ولا يكاد أتباعها يبلغون ألفًا.

ويساعد المرابطون ورجال الطرق على بقاء التعصب منتشرًا في الجزائر بين جميع القبائل، وليس من الصواب في شيء أن يميز المرء بين العرب والبربر في تعصبهم للدين، فالمزابية، وهم بربر، أكثر سماحة في الدين من

ص: 2849

سائر المسلمين، في حين أن القبائل تؤمن أشد الإيمان بالمرابطين. وتبالغ في الثقة بهم إلى أقصى حد، وفي ذلك يقول وال M.wahl:" إذا شاهد المرء الزوايا المنتشرة فوق الجبال كلها وقبور المرابطين التي لا يخلو منها مكان، والتي تنال الشيء الكثير من ضروب الإجلال والتعظيم، خيل إليه أنَّه يرى الأندلس في عهد المسلمين": وإذا ما أراد المرء أن يوازن بين مقام المرابطين ومقام رجال الدين الرسميين رأى هؤلاء أصغر من أولئك مكانة وأقل هيبة، والنظام الذي يعيشون في كنفه من عمل الحكومة الفرنسية. ذلك أنها لما ضمت الحبوس- الأوقاف- إلى أملاك الدولة أخذت على عاتقها إصلاح ما يحتاج إلى الإصلاح من المساجد، ودفع المرتبات لرجال الدين، ويشمل هؤلاء 25 مفتيًا (منهم واحد حنفى) يقومون بخدمة المساجد الكبيرة، والأئمة الذين يؤمون المصلين في أيَّام الجمعة، والمدرسون الذين يعلمون النَّاس الدين و "الحزاب" الذين يتلون القرآن، والمؤذنون الذين يدعون إلى الصَّلاة، ويبلغ عدد هؤلاء كلهم 573 عاملًا يقومون بالخدمة في 174 مسجدًا، ويؤخذون من المدارس الثلاث القائمة في الجزائر وقسنطينة وتلمسان.

د- نظام البلاد في الوقت الحاضر

الحكومة: ينص دستور عام 1848 على أن بلاد الجزائر جزء لا يتجزأ من البلاد الفرنسية. بيد أن حكم البلاد يختلف في كثير من الوجوه عن حكم بلاد فرنسا الأصلية. ذلك أن التفاوت الكبير في عدد السكان الأوربيين والوطنيين، وما بين هؤلاء وأولئك من اختلاف في الدين والحالة الاجتماعية، قد حالًا دون تطبيق النظم الفرنسية في البلاد كما كان ينادى بذلك الداعون إلى الامتزاج التَّام بين الوطنيين والمستعمرين، وتقوم دواوين الحكومة الكبرى في مدينة الجزائر، وتتركز السلطة في يد الحاكم العام، وهو يمثل في بلاد الجزائر كلها حكومة

ص: 2850

الجمهورية الفرنسية، ويشرف على المصالح المدنية على اختلاف أنواعها ما عدا القضاء بين الطوائف والخزانة العامة. ومن حقه أن يتخذ جميع الإجراءات لضمان الأمن في الداخل وحماية البلاد من الاعتداء الخارجى، وليس للضباط العسكريين والبحريين الموكلين بتنفيذ هذه الإجراءات أن يخاطبوا الوزراء المختصين إلَّا عن طريق الحاكم العام؛ وللحاكم فوق ذلك أن يخاطب رأسًا المقيم الفرنسى في تونس والمقيم الفرنسى في مراكش في جميع شئون بلاد الجزائر المتصلة بهذين البلدين وبخاصة ما يتصل من هذه الشئون باستتباب السلم على التخوم؛ ويعاون الحاكم العام مجلس حكومى يتألف من رؤساء الإدارات المدنية، ويشترك معه في تحضير الميزانية "مجلس أعلى" مكون من كبار الموظفين ومن مندوبين عن الجمعيات الانتخابية الفرنسيين، ويسمى أعضاء الجمعيات الانتخابية بالمندوبين الماليين وتتألف كل جمعية منها من أربعة أقسام: المستعمرين وغير المستعمرين والعرب والقبائل؛ ويستطيع دافعو الضرائب الفرنسيو الأصل، والرعايا الفرنسيون أن يبدوا آراءهم عن طريق هذه الجمعيات في الشئون المالية، وأن يشيروا أثناء بحث الميزانية إلى الإصلاحات التي يرون أنها ضرورية للبلاد، ويختار المواطنون الفرنسيون عنهم ثلاثة شيوخ واربعة نواب يمثلونهم في البرلمان الفرنسى.

وتنقسم بلاد الجزائر- فضلًا عن التقسيم السالف الذكر- إلى منطقة مدنية وأخرى عسكرية. وتشمل الأولى منطقة التل بأسرها والجزء الأكبر من الهضبة، وقد اتسع نطاقها كثيرًا بعد عام 1870 بما ضم إليها من المنطقة العسكرية. فقد كانت مساحتها في تلك السنة 1.279.361 هكتارًا يسكنها 493.000 نسمة، أما في عام 1906، فقد تضاعفت رقعتها كما تضاعف عدد سكانها عشرة أضعاف ما كانت عليه (14 مليون هكتار 4.560.317 نسمة) ولكلتا المنطقتين نظامها الإدارى

ص: 2851

الخاص، وتنقسم المنطقة المدنية إلى ثلاثة أقسام (الجزائر، وهران، قسنطينة) وهي تحكم بالأساليب التي تحكم بها فرنسا، وفي هذه الأقسام نوعان من المراكز الإدارية يختلف كل نوع منها عن الآخر، ويعرف النوع الأوَّل بالمراكز ذات السلطة الكاملة Communes de Plein exercice، وقد أنشئت في الأقاليم التي تسود فيها مصالح الأوربيين، ويتولى أمورها مجلس بلدى منتخب، والثانية هي "المراكز المختلطة" Communes Mixtes، ويبلغ عددها اثنين وتسعين مركزًا وأكثر سكانها وطنيون، وتبلغ مساحة كل مركز 146.00 هكتارِ، ويسكنه 36.000 نسمة تقريبًا ويصرف أموره مراقب Administrateur يلقبه الأهالى بالحاكم، ويعاونه مجلس بلدى بعض أعضائه منتخبون، ومستشارون يسمون بالقواد في الأقاليم العربية بالرؤساء في أرض القبائل، وهؤلاء المستشارون يعينهم حكام المقاطعات، وللحاكم العام أن يعزلهم عن مناصبهم إذا شاء، وهم واسطة الاتصال بين السلطات الفرنسية وبين الأهلين، ويمنحون مرتبات تحدد بعشر الضرائب التي يدفعها الأهلون. أما المنطقة العسكرية فتشمل أجزاء من الهضبة ومن الصحراء، ومساحتها آخذة في النقصان، ويكاد لا يسكنها إلَّا الوطنيون، وحكامها هم قواد اللواءات العسكرية الثلاثة في الجزائر وقسنطينة ووهران ومساعدوهم، وهي تنقسم إلى دوائر (Cercles) يقوم عليها ضباط عظام، وإلى ملحقات Annexes " ونقط" Postes يقوم عليها ضباط صغار من "هيئة الشئون الوطنية" Affaires indigenes . وليس هذا النظام في جملته إلَّا استمرارًا لنظام الإدارات العربية Bureaux Arabes مع تغيير يسير في التفاصيل. ويتولى السلطة المباشرة الرؤساء الوطنيون وهم "الباش أغوات والأغوات والقواد والشيوخ؛ تحت إشراف الضباط، وهناك خمس مراكز عسكرية مختلطة" Communes Militaires Mixtes ومراكز وطنية. ويبلغ عدد سكان المنطقة العسكرية 225.242

ص: 2852

نسمة وقد نقصت مساحتها عما كانت عليه من قبل، ولم يكن ذلك لاتساع مساحة المنطقة المدنية فحسب بل كان من أسبابه أيضًا إنشاء أراضي الجنوب Territoires du Sud في عام 1902 (من مقاطعتى توات وغراره وغيرهما) وهي أراض وضع لها نظام خاص وميزانية خاصة.

مركز الأهلين القانونى: المسلمون رعايا فرنسيون ولكنهم ليسوا مواطنين فرنسيين، وقد قرر مجلس الشيوخ في 14 يوليو عام 1865 اعتبارهم فرنسيين على أن يظلوا خاضعين للشريعة الإسلامية فيما يتصل بالأحوال الشخصية، وشئون الأسرة، والمواريث والأملاك الثابتة إلَّا إذا كان صاحب الحجة فرنسيًا وكان المسلم مجرد واضع يده؛ وللوطنيين مع ذلك أن يتخلوا عن امتيازاتهم في الشئون القضائية وإن اتصل الموضوع الذي يحتكمون فيه بالشريعة الإسلامية. ويسمح لهم بالخدمة العسكرية، وقد يرقون إلى مرتبة الضباط (على ألا يلقبوا إلَّا بألقابهم الوطنية إلَّا إذا تخرجوا في مدرسة خاصة)؛ وفي وسعهم أن يشغلوا بعض المناصب المدنية، بل إنهم يستطيعون أن يكونوا مواطنين فرنسيين إذا طلبوا ذلك، على أن يتخلوا في هذه الحال عن امتيازاتهم الشخصية السالفة الذكر ويخضعوا للقانون الفرنسى؛ وهو أمر قليل الحدوث لأنَّ غالبية الآهلين ترى فيه ضربًا من ضروب الارتداد عن الدين. ولم يجرد الوطنيون غير الفرنسيين من حقوقهم السياسية كلها، فهم وإن لم يمنحوا مثلًا حق الانتخاب السياسي، يتمتعون بحق الانتخاب للمجالس البلدية، وإن كان نظام الانتخاب لا يسمح بهذا الحق إلَّا لعدد قليل جدًّا. والنواب الذين يمثلونهم في المجالس المختلفة، وهي المجالس المالية والمجالس العامة والبلدية، تعينهم الحكومة أحيانًا، وينتخبهم إخوانهم في الدين أحيانًا أخرى. ولا يكون ذلك بالاقتراع العام مطلقًا. ويتراوح عدد الأعضاء المسلمين في كل مجلس بلدى وفق هذا النظام بين اثنين وستة أعضاء. وفي المجلس

ص: 2853

العام ستة من المستشارين القانونيين المسلمين، وتضم المجالس المالية واحدًا وعشرين عضوًا من العرب وأهل القبائل.

ويخضع الأهلون في الشئون المالية لنظام يخالف النظام الذي يخضع له الأوربيون. فتجبى منهم ضرائب مختلفة ويتألف منها جميعًا ما يسمى "بالخراج العربي" ومن هذه الضرائب نوعان ذوا صفة عامة يجبيان من بلاد الجزائر بأسرها وفق نظام يكاد يكون واحدًا للجميع. وهذان النوعان هما: العشور: والمفروض فيها أن تكون عشر غلة الأرض، والزكاة: وتجبى على الماشية ودواب الحمل. أما الضرائب الأخرى فهي ضرائب محلية وتشمل: الحكر وكانت في الأصل هي الإيجار الذي يدفع للبكوية نظير الانتفاع بأرض العرش، ولا تزال تجبى في قسنطينة على أنها ضريبة أرض. ومنها اللزمة بأنواعها المختلفة كالتي تجبى من أفراد القبيلة الكبرى. وهي تدفع في ثلاثة عشر مركزًا من مراكزها، واللزمة ضريبة على الرءوس وهي تجبّ سائر الضرائب، ومن أنواعها لزمة المواقد وهي تجبى على كل موقد في القبيلة الصغرى؛ ومنها لزمة النخيل، وتجبى في المواضع التي يستنبت فيها الوطنيون النخيل مثل "بو سعاده" والواحات التي في جنوبي قسنطينة. وهذه الضرائب المعروفة "بالخراج العربي" هي بعينها التي كانت تجبى في العهد التركى، إلَّا أنها فقدت طابعها الديني وأصبحت تؤدى للخزانة العامة.

وللنظام القانونى سمات خاصة، فالقضاء الجنائى من اختصاص المحاكم الفرنسية وحدها (محاكم الجنايات المتنقلة d'Assises Court ومحاكم الجنح Tribunaux Carrectionels ومحاكم الصلح Justices de paix في المناطق المدنية؛ والمجالس العسكرية في المناطق العسكرية) ويفضل في الجرائم التي يرتكبها الوطنيون محاكم خاصة الغرض منها تحقيق العدالة بسرعة وبأقل كلفة طبقًا لعادات الأهلين ومداركهم. فالجنح الصغيرة تنظر فيها المحاكم المعروفة بمحاكم القمع Tribunaux Repressives التي أنشئت بمقتضى مرسوم 29 مارس سنة

ص: 2854

1902 وأقرها مرسوم 19 أغسطس 1903. وتعقد الجلسات في المحاضرة التي فيها "محكمة الصلح" ويرأسها قاضى الصلح Juge de paix يعاونه قاضيان آخران أحدهما فرنسى والآخر وطنى، ويختار أولهما من الموظفين وثانيهما من الأعيان. وتنظر في القضايا الجنائية محاكم الجنايات التي نظمت بمقتضى مرسوم 30 ديسمبر سنة 1902. وهي تعقد جلساتها في البلاد المعينة لتكون مراكز قضائية Arrondissements Judiciaires وتتألف من ثلاثة قضاة وأربعة من المستشارين بعد أن يحلفوا اليمين القانونية (ومن هؤلاء المستشارين اثنان فرنسيان واثنان وطنيان) وللحكام المدنيين والعسكرين على السواء سلطة تأديبية واسعة، تمكنهم من محاكمة الوطنين خاصة، وهؤلاء يخضعون في شئونهم العامة لقواعد معينة. فهم يكلفون مثلًا بالحصول على ترخيص للسفر في داخل البلاد، ولحيازة الأسلحة، وللقيام بفريضة الحج إلى مكّة وإقامة الحفلات الدينية ونحوها. وإلقاء الخطب العدائية لفرنسا، والإهمال في تنفيذ الأوامر المتصلة بحقوق الملكية والأحوال الشخصية والامتناع عن القيام بالسخرة إذا أمرت بها الحكومة من المسائل التي يفصل فيها الحكام الإداريون. ويبرر هذا النظام الذي اشتد فيه الجدال الحاجة إلى المبادرة بقمع ما عساه أن يكدر الأمن العام بالالتجاء إلى أخف العقوبات. أما محاكم القضاة (المحاكم الشرعيّة) فقد احتفظ بها للفصل في القضايا المدنية، ولكن اختصاصاتها أخذت تقل شيئًا فشيئًا بانتقال هذه الاختصاصات إلى المحاكم الأوربية. وفي الجزائر قاض حنفى، وللمزابية المنتشرين في "المناطق" الثلاث محاكم إباضية.

ويخضع التعليم العام للأوربيين في الجزائر لما يخضع له في فرنسا. وقد أنشئت للتعليم العالى في مدينة الجزائر مدارس عليا Ecoles Superieures للقانون والطب والعلوم والآداب تفتح أبوابها للمسلمين والأوربيين على السواء. ويعنى أساتذة هذه المدارس بالشئون الوطنية بوجه خاص، فمدرسة الطب

ص: 2855

تعمل لتحسين حالة الأهلين بتدريب طائفة من المعاونين الصحيين - Aux iliaires Meticaux . في مقدورهم أن يقدموا المساعدة العاجلة. لإخوانهم في الدين، وأن ينشروا بينهم مبادئ الصحة الأولية. ويدرس الفقه الإسلامي والسنن الوطنية في مدرسة القانون. وتلقى في مدرسة الآداب محاضرات في اللغة العربية والأدب العربي، وفي اللغة العامية، واللهجات البربرية، والاجتماع الإسلامي، وفي تاريخ شمالي إفريقية وجغرافيتها، وفي وهران وقسنطينة أساتذة ثابتون لهذه المدرسة يدرسون العربية، وتقوم بالتعليم الثانوى المدارس العامة Lycees والكليات، وهي مفتحة الأبواب للوطنيين. أما التعليم الابتدائى الإسلامي، الذي ظل مهملًا زمنًا طويلًا، فقد أخذ يلقى من الحكومة كبير عناية منذ عام 1881. ونص مرسوم نوفمبر عام 1887 على أن يكون التعليم الابتدائى في مدارس عامة يقبل فيها الأطفال من جميع الأجناس، وفي مدارس خاصة مقصورة على أبناء المسلمين، وتزود هذه المدارس التلاميذ بمعارف تلائم مقتضيات الحياة الوطنية، وفق مناهج خاصة، وتشمل معلومات في الفلاحة والصناعات اليدوية، إلى جانب اللغة الفرنسية. ويقتصر تطبيق مبدأ التعليم الإلزامى على الذكور وفي المناطق التي يعينها الحاكم العام. وتضم المدارس الوطنية اليوم، وقد أكثر عددها في منطقة القبائل بنوع خاص، حوالي 30.000 صبى. أما التعليم الديني بمعناه الحقيقي فيكون في مدارس تحفيظ القرآن (مسيد) وفي حلقات الدين التي يعقدها المدرسون في المساجد الكبرى، ثم أعيد تنظيم "المدارس" عام 1805 ليكون في مقدورها أن تخرج موظفين يقومون بأعباء الوظائف العامة قانونية كانت أو دينية، وذلك بتزويدهم بنصيب من القانون الفرنسى والتاريخ والجغرافيا والآداب والعلوم فضلًا عن الشريعة والدين الإسلامي، ويرجى أن يكون للطلاب الذين يتخرجون في هذه

ص: 2856

المدارس شأن كبير في تقريب وجهات النظر بين الأوربيين والوطنيين.

أما أن هذا التقريب مستطاع أو غير مستطاع، فمن المسائل التي كانت موضع البحث منذ عام 1830، وهي مسألة طال فيها الجدل وأجيب عنها أحيانًا بالإيجاب وأحيانًا أخرى بالنفى؛ وقد تبددت منذ أمد بعيد تلك الأوهام التي جالت برؤوس المتحمسين الأولين الذين كانوا يعتقدون أن في الإمكان إدماج الأوربيين والوطنيين لتتكون منهم أمة واحدة بقوة النظم والقوانين دون غيرها، وقد أدى إخفاقهم في هذا السعي إلى إذكاء النظرية المناهضة لها التي تقول بأن الإسلام يحول بين تبادل الوئام بين الأوربيين والوطنيين، وأن الصلات بين الشعبين قد كتب عليها أن تظل أبد الدهر صلات الغالبين بالمغلوبين. ولعل الحقيقة تتوسط هذين الرأيين المتطرفين، فإذا كان مزج الشعبين يعد وهمًا من الأوهام فإن سياسة إخضاع الأهلين وعزلهم لا تساير مقتضيات العصر الحديث. ولا معدى عن الأخذ بسياسة التوفيق القائمة على وحدة المصالح المادية؛ وإن فيما طرأ على أساليب الزراعة من إصلاح وفيما أنشئ من الجمعيات الأخوية التي نمت وزاد عددها على مر الأيَّام، وفي الترحيب الذي قوبل به إنشاء الصيدليات والملاجئ، إن في هذا كله لدليلًا على أن المسلمين لا ينفرون من هذه السياسة، ويضاف إلى هذا أننا وإن قطعنا الرجاء في تغيير عقلية الوطنيين تغييرًا أساسيًا فليس من الأوهام الخيالية البعيدة التحقيق أن نطمع في تطور الحضارة الإسلامية في نطاق أسسها ومبادئها العامة. ولسنا ننكر أن تحقيق هذا الغرض يتطلب كثيرًا من الصبر والعمل المتواصل، وأن ثماره لن تظهر للعيان إلَّا بعد وقت طويل.

المصادر:

عن جغرافيتها:

(1)

ابن حوقل، مقتطفات منه تتعلق ببلاد البربر، ترجمة ده سلان في المجلة الأسيوية، السلسلة الثالثة، جـ 13.

(1)

البكرى: المسالك (Description de l' Afrique septentr ترجمة ده سلان،

ص: 2857

(4)

Leo Africanus الحسن بن محمَّد الوزَّان الزياتى: l'Afrique Description de طبعة شيفر، جـ 3.

(5)

Marmol Caravajal: Description de' Africa، غرناطة سنة 1573 - 1599، جـ 2، ص 214 ب وما بعدها.

(6)

Travels and Observations: Shaw أكسفورد سنة 1738.

(7)

d'Alger: Schaler L' Etat باريس سنة 1830.

(8)

Documents geo-: R . Basset ، graphiques sur Afrique Septentr، باريس سنة 1898.

(9)

Mouv. Geogr. Uni-: E. Reclus verselle، جـ 11.

(10)

L'Algerie: Wahl الطبعة الخامسة، باريس سنة 1908.

(11)

L'Algerie،: Battendier and Trabut les habitants le sol،، باريس سنة 1898.

(12)

Les re- A. Bernard & Ficheur I'Algerie gions naturelles de في Annales de geographie سنة 1902. عن تاريخها: (1) ابن خلدون: العبر.

(2)

ابن المجازرع: القرطاس.

(3)

ابن عذارى: البيان المغرب، ترجمة فانيان، الجزائر سنة 1901 - 1904.

(4)

الزركشي: تأريخ الدولتين، تونس سنة 1283 هـ، ترجمة فانيان، قسنطينة سنة 1895.

(5)

المراكشى: المعجب، ليدن سنة 1847، ترجمة فانيان، الجزائر سنة 1903.

(6)

ابن أبي دينار القيروانى: المؤنس في أخبار إفريقية وتونس، تونس سنة 1283 هـ، ترجمة Pelissier & Remusat في l'Exploration scientifique l'Algerie de، باريس سنة 1845، جـ 8.

(7)

الوفرانى: نزهة الحادي، طبعة هوداس باريس سنة 1889.

(8)

السلاوى: كتاب الاستقصاء، القاهرة سنة 1312 هـ.

(9)

Fondtion: Sander-Rang & Denis d'Alger de la Regence، باريس سنة 1837 م.

(10)

بو رأس: غرائب الأسفار (انظر Revue africaine جـ 27).

ص: 2858

(11)

d'Oran Chronique du beylik. ترجمة Rousseau، الجزائر سنة 1857.

(22)

l'Afrique: Mercier Histoire de septentrionale، باريس سنة 1888 - 1891.

(13)

Histoire de: Faure Biguet l'Afrique septentrionale، باريس سنة 1905.

(14)

revolutions du: Masqueray Les Nord في l'Histoire generale تأليف Lavisses و Rambaud، جـ 4، فصل 20.

(15)

Les Berbers: Fournel باريس سنة 1875 - 1888.

(16)

: A. Bel Les Benou chaniya باريس سنة 1903.

(17)

L'etablissements des A. Cour -cherifs au Moroc et leur ri dynasties des valite avec les Turcs de la Regence d'Alger، باريس سنة 1904.

(18)

d'Alger: de Grammont Histoire sous la domination turque، باريس سنة 1886.

(19)

الكاتب نفسه: Etudes: La course، la redemption ، algeriennes l'esclavage في Revue historique سنة 1844 - 1885.

(20)

Topografia e historia: Haedo general de Argel، بلد الوليد سنة 1612، الترجمة الفرنسية في Rev- Af- ricaine- جـ 14، 15.

(21)

الكاتب نفسه Epitome de los 1883 - 1579 France باريس سنة 1900.

(22)

Correspondance: de Grammont des consules de France، la Barbarie et de ، ses corsaires باريس سنة 1637.

(23)

De la dom-: Walzin Esterhazy ination turque dans l'ancienne regence d'Alger، باريس سنة 1840.

(24)

Playfair: Relation de la Grand Bretagne avec les Etats barbaresques في Revue africaine جـ 21 - جـ 25.

(25)

Africae illustratae: Gramaye ، libri decem تورناى سنة 1662.

(26)

Docu-: E. de la Primaudaie - l'occunation es ments sur L'histoire de pagnole Africaine، جـ 19 - جـ 21.

(27)

Mission bib liographique: Cat en Espagne، باريس سنة 1891.

ص: 2859

(28)

La domination espagnole: Ruff comte a Oran sous le gouvernement de d'Alcaudete.

(29)

Masson: : Hist. des etablissemen -commerce francais dans l'afrique bar du baresque، باريس سنة 1903.

(30)

conquete: Nettement His. de la d'Alger، باريس سنة 1879.

(31)

Annales: Pellissier de Raynaud Algeriennes. الطبعة الثَّانية، باريس سنة 1854.

(32)

Rousset L'Algerie de 1830: C. a 1840، باريس سنة 1887.

(33)

الكاتب نفسه: La Conquete de 1857 - 1841 l'Algirie، سنة 1889.

(34)

Hist، de la conquete de: Fillias 1860 - 1830 l'Algerie، باريس سنة 1860.

(35)

Rinn: Histoire. de 1871 l'insurrection de، الجزائر سنة 1891.

(36)

Lamartiniere & Lacroix: - Docu ments sur le nord -ouest africain، ليل من غير تاريخ.

(37)

Le gouvernement: Jules Ferry Algerie de l'؛ باريس سنة 1891.

(38)

L'Algerie en 1891: Burdeau باريس سنة 1892.

(39)

LA Colonisation de: Baudicour ses elements ، l'AIgerie، باريس سنة 1856.

(40)

الكاتب نفسه: L'histoire de la Colonisation de L'Algerie، باريس سنة 1860.

(41)

الكاتب نفسه Gouvernment: I'Algerie general de.

(42)

الكاتب نفسه: Enquete sur les rerultats de la colonisation officielle de 1895 - 1871. الجزائر سنة 1906.

عن عاداتهم ودينهم ونظمهم:

(1)

coutumes et in-: Villot ، Moeurs l'Algerie situtions des indigenes de الجزائر سنة 1888.

(2)

Islam algerien en: E. Doutte'L؛ 1900. الجزائر سنة 1900.

(3)

Les saints de I'Islam: Trunelet. باريس سنة 1881.

ص: 2860

(4)

الكاتب نفسه: L'Algerie le- gendaire، الجزائر سنة 1892.

(5)

Rinn: Marabouts et Khouans الجزائر سنة 1884 م.

(6)

Les con-: Depont & Copolani religieuses musulmanes freries الجزائر سنة 1897.

(7)

محمَّد بن شنب Proverbes arabes de l'Algerie et du Maghreb. باريس سنة 1905 - 1907.

(8)

A. Bernard & N. Lacroix evolution du nomadisme'L. الجزائر- باريس سنة 1906.

(9)

La propriete fonciere: pouyanne en Alglerie، الجزائر سنة 1903.

(10)

Larches: Traits elementaire de legislation algerinne. الجزائر سنة 1903.

(11)

Ismael Hamet: Les musulmans du Nord de l'Afrique. باريس سنة 1906.

(12)

La Question indigene en: Brunel Algerie، الجزائر سنة 1906.

(13)

L'Art en Algerie: Marcais الجزائر سنة 1906.

(14)

De la civilisation du: Richard peuple arabe، الجزائر سنة 1850.

(15)

الكاتب نفسه: Les mysteres du peuple arabe، كل باريس سنة 1860.

وارجع أيضًا إلى:

(1)

A Bibliography of: R. L. Playfair Algeria في ملحق Papers of the Roy- Geogr. Soc

(2)

المراجع السنوية في Annales de geographie، القسم الثَّاني Geographie re- gionale و Afrique- Berberie

(3)

Bulletin de la Saciete de geo- l'Afrique du Nord d'Alger et de graphie، الربع الأخير من كل سنة.

(4)

فهارس Revue des deux Mondes و Revue Afric-

(5)

Corpus des inscriptions: G. Colin l'Algerie arabes et turques de. جـ 1، في Bbliotheque d'archeologie africaine

(6)

inscriptions: Mercier Corpus des

I'Algerie arabes et turques de

ص: 2861

(7)

Traite de paix et: de Mas Latrie de commerce entre Chretiens et Arabes au moyen age، باريس سنة 1866.

(8)

Correspondance des: Plantet - de reyes de Ar deys d'AIger avec la Cour gel، ترجمها de crammont في Revue ricaine. جـ 14 - جـ 15.

(9)

Exploration scientifique de l'Algerie، باريس سنة 1844.

(10)

Txbleau des etablissements franfais de l'Algerie، سنة 1838 - 1886.

(11)

Statistique gnerale de l'Algerie، منذ عام 1866.

(12)

Moniteur universel

(13)

Journal officiel

[إيفر G. Yver]

+ الجزائر، بلاد Algerie (وبالعربية: برّ الجزائر): المصطلح الحديث الدال على الجزء الأوسط من شمالي إفريقية، بين مراكش في الغرب وبلاد تونس في الشرق.

(أ) جغرافيها. (ب) تاريخها.

1 -

حتَّى القرن السادس عشر.

2 -

في العصر التركى.

3 -

بعد عام 1830.

(جـ) سكانها. (د) نظمها. (هـ) لغاتها.

(أ) جغرافيتها

تشمل بلاد الجزائر القطاع الأوسط من شمالي إفريقية (يسمى أيضًا بالمغرب، وبلاد البربر، وإفريقية الصغرى، وإقليم أطلس، وجزءًا كبيرًا من الصحراء، وتبلغ مساحته 2.191.464 كيلو مترًا مربعًا، وهي تقع بين خطى عرض 37 و 19 شمالًا، وتحدها مراكش وساقية الحمراء الأسبانية من الغرب، وإفريقيا الغريبة الفرنسية وإفريقيا الاستوائية من الجنوب، وليبيا وبلاد تونس من الشرق. وتمتد بلاد الجزائر، بمعناها الصَّحيح، إلى المنحدرات الجنوبية لأطلس الصحراء على وجه الإجمال، وهي تشغل 14.6 % فحسب من هذه المساحة، أي 320.000 كيلو متر مربع. ويبلغ طولها 1000 كيلو متر، 1.300

ص: 2862

كيلو متر من الساحل، ويبلغ عرضها 350 كيلو مترًا عند الحد المراكشى، و 240 كيلو مترًا عند الحد التونسى، وتمتد من عرض 132 إلى عرض 135 غربًا، ومن عرض 934 إلى 137 شرقًا. وتقع تلمسان وواحة بسكرة على خطأ عرض واحد. وبلاد الجزائر، عينها، هضبة متوسطة الارتفاع إذ يبلغ ارتفاع 900 متر، تقطعها جبال أطلس التي هي فرع جنوبي من سلسلة جبال الألب، وتمتد في سلسلة من الثنيات التي ترجع إلى العصر الثلاثى وبداية العصر الرباعي على حافة القاعدة الصلبة الصحراوية الإفريقية. وتنقسم هذه الجبال إلى مجموعتين رئيسيتين: أطلس المطر في الشمال وأطلس الصحراء في الجنوب، وتلتقى هاتان المجموعتان في الشرق وتكتنف سهولًا مرتفعة.

التل: وأطلس المطر تمثل صورة مركبة بحكم بنيانها المسرف في ثنياته، وعواهل التعرية الواسعة النطاق التي تحدثها أمطار البحر المتوسط، وقرب ساحلها في مستواه من مستوى البحر، وتنهض رؤوس الجبال المتعاقبة موازية للساحل أو على زاوية قائمة منه، وتقطعها وديان عميقة مستعرضة، وتفصلها في الغرب أغوار طولية. وإلى الجنوب من تلال ساحل وهران والظهرة وبنى مناصر، وجبال زَكّار (1.579 مترًا في الارتفاع) يمتد غور طوله 350 كيلو مترًا يساير امتداد سبخة وهران والسهول الوطيئة المتبطحة للمقطع والمينا، ووادي شلَف الأدنى. وتحد هذا الغور من الجنوب سلسلة من التلال لا تجاوز في الإرتفاع مائة المتر إلَّا فيما ندر وهي جبال: تسالة وأولاد على وبنو شكْران والكتلة الجبلية الكبرى ونشريس التي تقوم بين وادي شلَف الوديان المرتفعة. وإلى الغرب من وادي المنيا تسيطر على الوديان الداخلية التي إلى الجنوب تكوينات تشبه المائدة من الحجر الجيرى والرملى ترتفع ما بين 1000 مترو 1500 متر، وهذه هي هضاب وهران.

وإلى الشرق من مدينة الجزائر وتلال الساحل يزداد ارتفاع التكوينات

ص: 2863

الجبلية وتزداد ضخامتها. ولا يوجد بين سهول متيجة وبونة أي غور هام إلا وادي ساحل سومَّم وامتداده الغربيّ. وجبال بلاد القبائل، بين متيجة وأيدوغ، ضخمة تسيطر عليها سلسلة من الحجر الجيرى مكونة من الجرجرة (أعلى قننها لالَّه خديجة ويبلغ ارتفاعها 2.308 مترًا؛ ) وبابور (ارتفاعها 2.0004 مترًا) وأعلى قنن السلسلة النوميدية. وإلى الجنوب من جبال متيجة ومديّة تقوم سلاسل جبال البيبان، وجبال قسنطينة ومجردة المكونة من مادة من الصلصال اللين وحجر الشيست ومعالمها رقيقة بعض الشيء مخددة تخديدًا شديدًا. أما الأرض المناوحة للساحل فوعرة صخرية في منواحيها تقريبًا، ولا تهيئ للناس إلَّا ملجأ طبيعيًا ضئيلًا حيال العواصف الشمالية الغربية. وتواجه الشرق أجوان المرسى الكبير وهران، وآرزو ومدينة الجزائر وبجاية وبونة.

السهول العالية: والسهول العالية -التي تسمى خطأ بالهضاب العالية- أراض فسيحة يملها النظر، ققطعها أسنمة من الصخر قائمة برأسها تشبه جبال أطلس الصحراء. وهي- بحكم موقعها أسفل تل أطلس وتعرضها لجو قارى- تكوَّن سلسلة من الوديان المغلقة: وتصب الوديان طميها ومياهها في سبخة (أو زاغز) يتألق سطحها في الصيف بالملح، على حين يغطى شطآنها غطاء من النباتات التي تحب الملح. وتصب الوديان العالية في الغرب، بما فيها الشاطئ الغربيّ والشاطئ الشرقي (ارتفاعه 1000 متر) وزا عز (ارتفاعه 800 متر) وحوض الحضنة النحل (ارتفاعه 400 متر)، بعض مياهها في البحر. وإلى الشرق من جبال الحضنة (ارتفاعها 1.890 مترًا) وبلزمة (2.094 مترًا) تكثر في سهول قسنطينة العالية (ارتفاعها بين 900 و 1100 متر) الكتل الجبلية التي هي امتداد لسلاسل جبال الحضنة وبلزمة وأوراس.

أطلس الصحراء: وتتكون أطلس الصحراء، من مراكش إلى بسكرة، من

ص: 2864

مجموعة غير متناسقة من جبال صغرى تتجه من الجنوب الغربيّ إلى الشمال الشرقي، وهي ركام سلسلة من الجبال الالتوائية المتوسطة الالتواء؛ وتفصلها أغوار كبيرة ونصفها مطمور تحت ركامها. وتهبط جبال قصور (ارتفاعها 2.236 مترًا) وعمور (وارتفاعها 2.009 مترًا) وأولاد نائل وزيبان (أو الزاب) تجاه الشمال الشرقي، ومن السهل ارتقاؤها. وجبال أوراس إلى الشرق من بسكرة، أضخم وأعلى كتلة جبلية جزائرية (جبل شلية وارتفاعه 2.329 مترًا) وهي سلسلة من القنن والأغوار تتجه من الجنوب الغربيّ إلى الشمال الشرقي.

الصحراء: وأرض إقليم أطلس المختلفة تقابل تلك الفسحة الممتدة من الصحراء التي تبعث على الملالة الشديدة، والشاهد على ذلك هضابها القاسية (حماده) وسهولها المترامية الأطراف التي تكوَن أحواضًا مغلقة يغطى بعضها حصباء رملية متنقلة، ثم أخيرًا عرقها وهو مجموعة مترامية الأطراف من الكثبان الرملية تغطى خمس سطحها فحسب.

والمناخ هو مناخ البحر المتوسط في أطلس التل، ولكنه يسوء في السهول العليا وفي أطلس الصحراء حيث يصبح قاريًا دون أن يصير بالفعل مناخًا صحراويًا. أما على الأرض المناوحة للساحل فإن الاختلاف قليل في درجات حرارة الشهور المعتدلة الحرارة، وذلك بسبب الرطوبة، والمناخ آخذ في التنوع. واشتهرت الأغوار الأمنة من رياح البحر بالحرارة الزائدة. والبرد يسود الجبال والسهول العليا في أشهر الشتاء. وفي كل مكان، فيما عدا الأرض المناوحة للساحل، يأتي الجو الخانق (الشهيلى) بدرجات من الحرارة تبلغ 104 درجة فهرنهيت وأزيد من ذلك في عدة مواسم من السنة. على أن الجليد يغطى في الشتاء أهم الكتل الجبلية من أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع.

والصيف جاف، فيما عدا قليل من العواصف والمطر يسقط أساسًا من أكتوبر إلى مايو، ويسقط المطر على الكتل الجبلية لأطلس التل إلى الشرق من مدينة الجزائر بما يزيد مقداره عن 31 بوصة. ويربى أحيانًا على 39

ص: 2865

بوصة ويبلغ المطر الذي يهطل على سهول الغرب والحضنة ما يقرب من 7 إلى 11 بوصة، فيما عدا حدودها الشمالية، ويبلغ على أطلس الصحراء ما بين 11 - 15 بوصة في منحدراتها الشمالية. أما الصحراء فيسقط عليها مطر أقل من سبع بوصات.

والأنهار الرئيسية في أطلس التل هي وحدها التي يجرى ماؤها طوال السنة بل أن جريانها في الصيف قليل، وهذه هي سيول البحر المتوسط وطوفانها مفاجئ عنيف، مثال ذلك تافنة والمقطع (المكوّن من التقاء السج بالهَبْرَة) وشلَف وسباو، ووادي ساحل، والوادي الكبير، وسيبوس، ومجردة وفرعه وادي ملَّاق (والمجريان الأدنيان للنهرين يتبعان بلاد تونس)، وما من نهر من هذه الأنهار يصلح للملاحة، وبعضها يستخدم في الري. ولا نجد في السهول العالية لأطلس الصحراء وديانًا فيها ماء إلا في جزء من السنة فحسب، وحتى في هذه الحالة يقتصر الماء على مجاريها العليا. وكثير منها لا يغاديه الماء إلَّا بعد الأمطار الغزيرة.

وقد أتى الإنسان على النبات كثيرًا. وما زالت غابات ضئيلة من أشجار دائمة راتينجية تغطى التل وبعض الكتل الجبلية الأخرى الماحلة (1). وثمة أشجار من الفلين فيجبال بلاد القبائل الرملية الجيدة الري وفي إقليم بونة. وتقوم أشجار بلوط دائمة الاخضرار تنمو في آية تربة حتَّى في جبال أوراس. وتنمو أشجار الصنوبر في الحجر الجيرى في الأقاليم الرطبة وعلى الجبال الجافة من قبل. وتنمو أشجار الثويا البربرية والجيدار في تل وهران، كما ينمو العرعر الذي يبذر متفرقًا على المنحدرات الأكثر جفافًا. وما زال قليل من القنن الجيدة الري يغذى مزروعات من شجر الشربين.

وقد أدى التوسع الزراعى والحاجة إلى الخشب وفحم الخطيب إلى إنحسار الغابات، ذلك أن المساحة المزروعة قد زادت زيادة جوهرية على حساب الحراج الكثيفة من أشجار الزيتون البرى والمصطكى وهي من خصائص التربة الثقيلة الجيدة الري، وأشجار

(1) تماحل المكان تباعد (محل).

ص: 2866

العناب المتفرقة الواطئة على السهول الأكثر جفافًا في أطلس التل وعلى السهول العليا لقسنطينة.

والمناطق التي تبلغ نسبة المطر فيها أقل من 13 بوصة في السنة هي أقاليم الفيافى، وهي أراض تعرف في تكوينها بندرة الشجيرات، والأشجار بخاصة، وبوجود أعشاب دائمة مثل الحلفاء (عشرة ملايين فدان مستخدمة) ونباتات صغيرة خشبية مثل حبق الراعى، وهي نباتات تحب الملح تنمو في التربة المملحة للشطوط، وأعشاب سنوية تزهر كل ربيع. والصحراء ليست إلَّا فيافِ جرداء ليس فيها حلفاء.

ونخلص من هذا إلى أن بلاد الجزائر تشمل منطقتين طبيعيتين كبريين علاوة على الصحراء: منطقة تنتمى إلى البحر المتوسط حيث تنمو الغلال والقمح والشعير والأشجار من قبيل الزيتون والتين واللوز من غير رى، ومن ثم يمكن أن تقوم في هذه المنطقة حياة استقرار، وهذه المنطقة عرفتها الأقوام المستقرة باسم التل؛ والمنطقة الثَّانية هي الفيافى، حيث لا تمارس فيها الزراعة بلا رى أو مياه فيضان، وهي مقصورة على رعى الماشية على أساس من الظعن والبداوة: ويعرف الأهلون هذه المنطقة والمنطقة الصحراوية بالصحراء وهذه التفرقة بين التل والصحراء تفرقة أساسية في تاريخ هذا القطر، وكذلك هي تفرقة لا تقل عن ذلك من حيث الجوهر في جغرافيتها.

المصادر:

(1)

J. Despois & R. Capot-Rey L'Afrique blanche، جـ 1: du L'Afrique Nord، سنة 1949، جـ 2 Le Sahara: francais، سنة 1953.

(2)

L'Africue sep: Aug. Bernard tentrionale et occidental. مجلدان من Geographie Universelle سنة 1937 و 1939.

(3)

Encyclopedie Coloniale et mar- itime، مادتى Algerie و Sahara .

(4)

L'AIgerie: J. Blotiere سنة 1949.

(5)

: M. Larnaude Algerie سنة 1922.

ص: 2867

(1)

الكاتب نفسه: Un Siecle de co lonisation، سنة 1930.

(7)

الكاتب نفسه: L'Afrique blanche، سنة 1939.

(8)

Le climat de: P. Seltzer l'Algerie، سنة 1946.

(9)

Publications of the XIX Inter- national Geological Congress of Algeria سنة 1952.

(10)

- Notice de la carte phy de la tu- l'Algerie et de togeographique nisie، سنة 1926.

(11)

Notice de la: P. de Peyerimhoff

Carte forestiere، سنة 1941.

(12)

Les aspects phy-: R. Tinthoin sique du Tell oranais، سنة 1948.

(13)

خرائط ونشرات مصلحة الخرائط الجيولوجية الجزائرية.

(14)

Bulletin de la Societe d'Histoire l'Afrique du Nard naturell de

خورشيد [دسبوا J.Despois]

(ب) تاريخها

(1)

حتَّى القرن السادس عشر

إن القطر الذي أصبح من بعد يسمى بلاد الجزائر يمثل إطارًا لا يسلم به للوهلة الأولى مؤرخ إفريقية الشمالية الإسلامية. ذلك أن التخوم المبينة على الخريطة لا يمكن أن تضع حدودًا لنطاق دراسته ولا يكون لها آية دلالة إلَّا بقيام سلطنة الجزائر التركية في غضون القرن السادس عشر.

وقد حدث أثناء التسعمائة السنة السابقة لهذا الحادث أن ارتبطت الجزائر، التي شملت ما عرف لدى الكتاب العرب بالمغرب الأوسط هو وجزء من إفريقية (أي المغرب الأدنى)، ارتباطًا وثيقًا بالقطرين المجاورين لها، ذلك أنها كانت في جميع الأحوال تقريبًا خاضعة لحكام قدموا من هذين القطرين، أو جزعة من سيطرتهما. وبمقارنة المغرب الأوسط بالمغربين الأقصى والأدنى، فإن المغرب الأوسط يبدو منطقة ريفية كبيرة بها مدن قليلة ويسكنها رعاة من البدو وزراع التلال، ومع ذلك فقد كان له خلال القرون

ص: 2868

شأن ليس بالهين في تاريخ المغرب الإسلامي، ولسوف نقتصر في هذا المقام على تناول أهم مراحل تاريخه.

في منتصف القرن الأوَّل للهجرة غزا العرب ناشرو الإسلام شمالي إفريقية. وكانت القوة العسكرية لبوزنطة تنهار سريعًا، ولكن إخضاع البربر كان مهمة أشق عسرًا من ذلك، فقد نظمت المقاومة أولًا في المغرب، ويقال أن ذلك تم على يد كسَيلة زعيم أورَبة، وقامت عصابات وطنية اشتبكت قرب بسْكَرَة بعقبة بن نافع في معركة فقد فيها عقبة حياته سنة 63 هـ (682 م). والظاهر أن جبال أوراس بصفة خاصة قد استخدمت معقلًا في الصراع مع العرب. وعند سفوح هذه الكتلة الجبلية شهدت الكاهنة- الملكة الأسطورية للقطر- القضاءَ على استقلال البربر سنة 74 هـ (693 م) وذلك بعد أن حققت نجاحًا باهرًا.

وأصبح المغرب الأوسط مرَّة أخرى مركزًا لمقاومة وطنية في القرن الثَّاني الهجري (الثامن الميلادي) حين اعتنق جماعة البربر مذهب الخوارج، وكان معقلهم الأكبر أول الأمر تلمسان حيث كان أبو قرّا زعيم بنى إفرن يتولى أمرهم سنة 148 هـ 765 م). وفي القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي) غدت تيهرت (قرب تيارت الحديثة) قصبة الأئمة الرستمية مركز مذهب الخوارج عند البربر.

وموقع المغرب الأوسط على حدود الإقليم الذي كان يحتله أغالبة القيروان باسم العباسيين، يفسر كيف نشأ سلطان الفاطميين هناك بين بربر كتَامة المنتمين لبلاد القبائل الصغرى، في نهاية القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي). على أن هؤلاء السادة الجدد لم يتقبلهم البربر دون صراع، فقد شهدت جبال الأوراس وأرباضها الفتنة المروعة التي قام بها صاحب الحمار وأوشك الفاطميون فيها أن يخسروا قضيتهم.

وتولت صنهاجة المغرب الأوسط الدور الذي كانت تقوم به كتامة، فأصبحت في القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي) أنفع الحلفاء للفاطميين وأيدت سياستهم في

ص: 2869

مناهضة زناتة الذين كانوا أقيالا للأمويين بالأندلس. وكان معظم الزناتة بدوًا يؤمنون كثيرًا السهول الوسطى والغربية. أما صنهاجة فكانوا قبائل مستقرة يسكنون الإقليمين الجبليين الأوسط والشرقى وأنشأوا مدنًا وطوروها مثل أشير والقلعة قصبة صنهاجة بنى حماد. وقد كابدت مملكة بنى حماد آثار الأحداث الخطيرة التي وقعت في إفريقية. وكان من شأن غزوة بنى هلال العرب في منتصف القرن الخامس الهجري (الحادي عشر الميلادي)، تلك الغزوة التي قضت على مملكة القيروان، أن تسببت في تقاطر التجار والصناع على القلعة، وأقيمت فيها قصور كشفت عن أثر فاطميى مصر والأثر الفارسي. على أن القارعة العربية لم تلبث أن هددت بدورها بنى حماد الذين هاجروا إلى بجاية.

وعلى حين نما سلطان الحاكمين. السابقين فيما عرفَ من بعد بإقليم قسنطينة، فإن ولايتى وهران والجزائر المقبلتين قيض لهما حكام جدد. فقد هاجر المرابطون من مراكش واجتاحوا البلاد حتَّى مدينة الجزائر. وبسط الموحدون في القرن السادس الهجري (الثاني عشر الميلادي) سلطانهم على شمالي إفريقية بأسره. وهاتان الأسرتان الحاكمتان اللتان ضمتا أيضًا الأندلس، قد أثْرَتا مدائن أملاكهم البربرية- وخاصة تلمسان- بثمرات حضارة الأندلس الباذخة.

وفي بداية القرن السابع الهجري (الثالث عشر الميلادي) تهاوت إمبراطورية الموحدين العظيمة، وأصبحت تلمسان التي نجت من الخراب الذي أنزله العرب وبنو غانية المرابطين بالبلاد قصبة بنى عبد الواد الذين كانوا من قبل قومًا من البدو. وقد بلغت هذه المملكة الجديدة درجة الرخاء الاقتصادى الحق، ولكنها كانت مهددة دائمًا بالمرينيين جيرانها المراكشيين، ثم ضمت في بداية القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي) بمعرفة أتراك الجزائر.

وقد كان ظهور الأسبان تجاه ثغر الجزائر البربرى الصَّغير، باعثًا على تدخل الأتراك في الإقليم الأوسط

ص: 2870

لشمالى إفريقية كما جعل مدينة الجزائر قاعدة دولة تابعة للأتراك. وقد زودت القرصنة طوال ثلاثة قرون تقريبًا سلطنة الجزائر بموارد هامة، وكانت هذه القرصنة في هذا الشأن بديلًا للجهاد. وهذا القطر نفسه، الذي أصبح يعرف من بعد ببلاد الجزائر كما قسم إلى ثلاث ولايات، قد تحاشى إلى حد ما سيطرة سادته المشرقيين، وعاش سكانه البدو والحضر مستمتعين باستقلال نسبى وحياة قديمة ظل تاريخها مستغلقًا علينا وسوف يظل هذا شأنه مدة طويلة.

المصادر:

(1)

ابن خلدون: العبر، طبعه ده سلان، باريس سنة 1847، في مجلدين؛ ترجمة ده سلان، الجزائر سنة 1852 - 1856، في أربعة مجلدات:

ابن عبد الحكم: Conquete de L'Espagne l'afrique de Nord et de، طبعة وترجمة A'Gateau، الجزائر سنة 1942.

(2)

ابن الأثير ترجمة Fagnan

(3)

ابن عذارى، ترجمة فانيان (L'Afrique et de: Fagnan Histoire de L'Espagne) الجزائر سنة 1901، في مجلدين. Histoire de

(4)

يَحْيَى بن خلدون: Histoire des Beni Abd el-Wad، rois de Tlemcen، طبعة وترجمة A. Bel، الجزائر سنة 1904 - 1913، في مجلدين.

(5)

أبو زكرياء: التاريخ = Livres) (Chronique des Beni Mzab، ترجمة Masqueray، الجزائر 1878.

(6)

ابن صغير: Chronique sur les imams Rostemides de Tahert، طبعة وترجمة de C. Motylinski (أعمال مؤتمر المستشرقين الرابع عشر) باريس سنة 1917.

(7)

اليعقوبى: Les pays، ترجمة فيت G. Wiet، باريس سنة 1937.

(8)

ابن حوقل: المسالك والممالك، ترجمة ده سلان (Jour. AS. سنة 1842).

(9)

البكري: Description de L'Afrique septentrionale، طبعة ده سلان، الطبعة

ص: 2871

الثَّانية، الجزائر سنة 1911؛ ترجمة ده سلان، الطبعة الثَّانية. الجزائر سنة 1913.

(10)

الإدريسي: المغرب.

(11)

Description de: Leo Africanus l'Afrique، باريس ترجمة J. Temporal طبعة شيفر Schefer، باريس سنة 1896، في ثلاثة مجلدات.

(12)

Description de: Marmol l'Afrique، ترجمة Perrot d'Ablancourt، باريس سنة 1667، وفي ثلاث مجلدات.

(13)

Topographie et his-: D. Haedo toire generale d'Alger، ترجمة. R Mon et .Afr: nereau Berbrugge، سنة 1870 - 1871.

(14)

الكاتب نفسه: Les Rois d'Alger، ترجمة R. Afr .: de Grammont، سنة 1895 - 1897.

(15)

(Le Chevalier) Me-: d'Arvieux moires، باريس سنة 1735.

(16)

(Le P.) Histoire de la: Dan Barbarie. الطبعة الثَّانية، باريس سنة 1649.

(17)

Histoire du: Laugier de Tassy Royaume d'Alger، أمستردام سنة 1728، في مجلدين.

(18)

Travels: Th. Shaw، أوكسفورد سنة 1738، الترجمة الفرنسية Voyages، لاهاى سنة 1743، في مجلدين؛ ترجمة جديدة مع إضافات بقلم Mac Carthy، سنة 1830.

(19)

Alger au: Venture de Paradis XVIIIe siecle طبعة فانيان في R. Afr.، سنة 1895 - 1897، وفي طبعة مستقلة، الجزائر سنة 1898.

(20)

S. Gsell، G، Marcais، G. Yver: L'Algerie Histoire de. الطبعة الخامسة، الجزائر سنة 1929.

(21)

Histoire de: Ch. A. Julien l'Afrique du Nord، باريس 1931؛ الطبعة الثَّانية منقحة، مجلد 2 بقلم R. Le Tourneau، باريس سنة 1937.

(22)

G. Albertini، G. Marcais، G. L'Afrique du Nord francaise dans: Yver l'histoire. ليون سنة 1937.

(23)

Les Arabs en Ber-: G.Marcais berie، قسنطينة- باريس، سنة 1913.

ص: 2872

(24)

الكاتب نفسه: La Berberie mu- sulmane et l'Orient، باريس سنة 1946.

(25)

L'histoire: de Grammont d'Alger sous la domination turque، باريس سنة 1887.

خورشيد [مارسيه G. Marcais]

(2)

- العصر التركي

لم يكن استقرار الأتراك في الجزائر نتيجة لسياسة في الفتح مدبرة خططت ونفذت على يد العثمانيين، بل أن الأمر على العكس من ذلك، على الأقل في بدايته، فقد كان مغامرة خاصة قام بها قرصانان مقدامان عرفا في المصادر الغربية بالأخوين بربروسه: عَروج وخير الدين. وهذان الرجلان اللذان طار صيتهما بالشجاعة التي اكتسباها في اصطياد سفن المسيحيين في البحر المتوسط، قد هبَا لنجدة الإسلام في إفريقية فأنقذاها من يد الأسبان. وفي سنة 922 هـ (1516 م) استنجد سكان الجزائر بعروج فنادى بنفسه سلطانًا واحل مليانة، ومدية، وتنس وتلمسان. وقتل عروج في تلمسان بعد مقاومته الحصار الذي ضربه عليها الأسبان ستة أشهر سنة 924 هـ (1518 م). وأصلح خير الدين الموقف الذي كان قد تحرج إلى حين بوفاة أخيه، فأهدى للسلطان العثمانى سليم الممتلكات المفتوحة حديثًا، وبذلك علت هيبته وحصل على العون العسكرى والمالى الذي كان يريده، فبسط سلطانه على كلّو، وبونة، وقسنطينة، وشرشال وسلمت له قسرًا ينيون الجزائر، وهي قلعة كان الأسبان قد أقاموها على جزيرة صغيرة تبعد عن الساحل حوالي 300 ياردة. وفي سنة 940 هـ (1533 م) أقيم خير الدين قائدًا أعلى للأسطول العثمانى، وحل محله في مدينة الجزائر بكلربكية تولوا حكم البلاد مباشرة أو عن طريق نواب لهم حتَّى سنة 995 هـ (1587 م). وتطلع بعض هولاء العمال إلى الاستقلال فحمل ذلك الحكومة العثمانية على أن يستبدلوا بهم باشوات تستمر مدة حكمهم ثلاث سنوات. وخمل ذكر الباشوات بعد سنة 1070 هـ (1659 م) إذ غطى عليهم أغوات فرق الجيش، ثم خلفتهم في الحكم سلطة جديدة هي

ص: 2873

سلطة الدايات الذين حكموا حتَّى استيلاء فرنسا على الجزائر. وكان هؤلاء الباشوات والأغوات والدايات الذين يستمرون في الحكم ثلاث سنوات أدوات في أكثر الأحوال في يد فرق الجيش (أوجاق) المجندة أساسًا من أهل بلدان الآناضول أو من طائفة الرؤساء، وهي نقابة من ربابنة القرصان ظلت تزود الخزانة الجزائرية بمعظم مواردها. وقد اغتيل الأغوات الأربعة الذين حكموا على التوالى من سنة 1659 إلى سنة 1671، ولقى الدايات الأربعة عشر- من الثمانية والعشرين دايًا- نفس المصير.

والتنظيم الداخلى لولاية الجزائر غامض. ذلك أن المعلومات الشحيحة الموثوق بها التي بين أيدينا حتَّى اليوم يتناول معظمها عصر الدايات. وكان الدايات، حين يسعون إلى البقاء في الحكم يحكمون حكم السلاطين المطلقى السلطان يعاونهم "ديوان" يتكون من الخازندار أو الخزنجى (أمين الخزانة) وأغا المعسكر (قائد العسكر) ووكيل الخرج (رئيس المصلحة البحرية) والبيت مالجى (أمين الضياع الشاغرة) وخوجة الخَول أو الأتخوجان (متسلم الجزية).

وإذا استثنينا إقليم الجزائر نفسه الذي هو "دار السلطان" وكان مقسمًا إلى سبعة" "أوطان" يديرها قواد تحت الإشراف المباشر للداى، فإن بلاد الجزائر كلها كانت مقسمة إلى ثلاث ولايات (بكلق) يدير كلا منهما بك، وكان ذلك يرهص بالولايات الفرنسية التي أتت من بعد. وكانت هذه الولايات هي: تيطَرى وقاعدتها مدية؛ والولاية الشرقية وقاعدتها قسنطينة، والولاية الغربية وكانت قاعدتها قسنطينة، والولاية الغربية وكانت قاعدتها مزونة، ثم المعسكر، ثم وهران بعد عام 1792. وكان البكوات، الذين يقيمهم الداى ويقيلهم، يحكمون ولاياتهم حكمًا مطلقًا، يساعدهم في ذلك قواد. وكان هؤلاء في نظر الحكومة المركزية يعدون جامعى دخل أو محصلى ضرائب تعاقدوا، بحكم أنَّهم في معظم الأحوال قد اشتروا مناصبهم، على أن يؤدوا لخزائن الدولة مبالغ كبيرة تحدد قيمتها في مدينة الجزائر. وكان المبلغ المتعاقد

ص: 2874

عليه يؤدى في خلال السنة المالية التي كانت بدايتها تتفق وتاريخ تعيين البك، على عدة أقساط يدفعها البك أو نائبه هو ورسول. ويظهر البك بشخصه في مدينة الجزائر في غضون الرَّبيع التالي لتعيينه ثم يظهر بعد ذلك كل ثلاث سنوات. وكان نائبه يشخص إلى مدينة الجزائر مرتين في السنة، في الرَّبيع والصيف، وكان الرسول، الذي كانت وظيفته يؤديها عامل عرف في المحفوظات بمدينة الجزائر باسم "وكيل سباهيان" يشخص إلى قصبة البلاد بانتظام كل شهر أو كل شهرين أو ثلاثة أشهر. وكانت المبالغ التي يودعها في الخزانة كل عام تظل ثابتة، ولكن كل عامل كان يودع مبلغًا مختلفًا عن الآخر. والظاهر أن هذا التنظيم قد كان الغرض الوحيد من وضعه هو تمكين الداى من أن يمارس إشرافًا أدق ما يكون على ولاة الأقاليم؛ وإقصاؤهم عن مناصبهم لأية شبيهة من شبهات التقصير.

وهذا الانشغال الشديد بالمسائل المالية كان واضحًا من خلال التنظيم الداخلى لبلاد الجزائر تحت حكم الأتراك. وكانت كل الوكالات أو المناصب التي تقتضي فيما تقتضيه تحصيلًا لضرائب أو رسوم أو مكوس أو غرامات، تؤجر عن طريق الالتزام بمبالغ تدفع حسب الظروف على قسط سنوى أو أكثر. وقد أدى هذا النظام إلى ظهور حشد من المساوئ واستغلال النَّاس على نطاق جعل كل محاولة لاكتساب عطفهم مستحيلا. زد على ذلك أن سيادة الأتراك كانت نظرية أكثر منها عملية، كما كان مظهر "اليولداش" الأناضوليين في قواعد الترك ذات الحاميات بداخل البلاد (بجاية وبرج لهاو، وقسنطينة ومدية وهليانة ومزونة والمعسكر وتلمسان) مظهر الجنود المحاصرين، وقد اضطر الأتراك إلى إشعال المنافسات القبلية حفظًا لمكانتهم في البلاد، وكانت قبائل المخزن، إذا انتصرت لقضية الأتراك، لم تضمن الحصانات المالية المختلفة فحسب، بل ضمنت أيضًا حق اضطهاد القبائل الخاضعة (رعايا) واستئصال شأفة القبائل المنتقضة. وأقام الأتراك في الوقت نفسه مستعمرات عسكرية

ص: 2875

(زُمول) في جميع طرق المواصلات الرئيسية، ومن ثم أحاطت بالكتل الجبلية لبلاد القبائل مراكز مسؤولة عن ضمان مرور الجنود بلا عائق. ثم حاول الأتراك أخيرًا طمأنة بال الطرق الدينية، ولكنهم لم ينجحوا في هذا كل النجاح، ذلك أن الفتن التي نشبت في أوائل القرن التاسع عشر في ولاية وهران وفي بابور من أعمال بلاد القبائل كانت من فعل طائفة الدَرقاوة القوية يشجعها ويؤازرها أشراف فاس.

ولم يفكر الأتراك في تحسين أحوال البلاد التي فتحوها، ذلك أن مستقبل القطر الجزائرى لم يكن في نظرهم ماثلا في الأرض القائمة خلف الساحل؛ فقد كان الترك قد قدموا بالبحر، وظلوا ينظرون إلى البحر، وكانت القرصنة في البحر المتوسط تمدهم بمعظم دخلهم. وكان القرن السابع عشر هو العصر الذَّهبيُّ للقرصنة: لقد كان في مدينة الجزائر، حوالي سنة 1650، قرابة خمسة وثلاثين ألف أسير معتقلين في سجون المدينة. وقد بذلت أسبانيا عدةْ محاولات فاشلة للاستيلاء على مدينة الجزائر:(1541، 1567، 1775). على أن الفرنسيين والبريطانيين استطاعوا من بعد بمظاهراتهم العسكرية أن يكبحوا جماح الربابنة الجزائريين في قرصنتهم، فاضمحلت قوتهم، وأصبح ملاحوهم أقل جرأة. ولا يستحق الذكر من هؤلاء الرؤساء إلَّا حميدو قرصان القرن الثامن عشر الذي اشتهر بمغامراته التي تنم عن التهور. وبعد انتصاف هذا القرن افتقرت مدينة الجزائر وتقلص ما كان لها من شأن، وعانت تدهورًا في عدد سكانها عجل به القحط والطاعون. ولما وصل إليها سنة 1816، بعد مؤتمر فينا، اللورد إكسموث Exmouth وأمير البحر الهولندى فإن دركابلن. Van der Ca pellen، ليرمياها بالقنابل بوصفهما ممثلين لأوربا، لم يكن في سجون المدينة إلَّا ألف ومائتا أسير فحسب. ونقص عدد سكان مدينة الجزائر عشية الغزو الفرنسى إلى 40.000 نفس فحسب، بعد أن كان قد بلغ في وقت من الأوقات 10.000 نفس. وصفوة القول أننا لا نعرف، حتَّى في الوقت الحاضر، إلَّا النزر اليسير من تاريخ بلاد الجزائر تحت حكم الأتراك،

ص: 2876

ذلك أن هذا العصر لم يثر اهتمامًا كبيرًا. على أن حدود هذا الإقليم في ذلك الوقت، وكان يقع بين مراكش الحالية وبلاد تونس، كانت تتفق للمرة الأولى مع الحدود التي بينت على الخريطة لبلاد البربر كما نعرفها اليوم. زد على ذلك أن الامتزاج بين العنصر العربي والعنصر البربرى كان قد أصبح أكثر اكتمالًا. وهنالك دخلت بلاد الجزائر في تاريخها العملى من حيث هي كيان واحد، وبلغت مدينة الجزائر درجة القصبة.

المصادر:

(1)

ثمة ثبت مستوف حتَّى الآن في Ch. A. Julien: Histoire de l'Afrique du 1830 Nord de la conquete arabe a، الطبعة الثَّانية، مجلد 2 بقلم - R. Le Tour neau، باريس سنة 1953، ص 346 وما بعدها.

(2)

Haedo و Dan و d'Arvieux و Shaw و Venture de Paradis و de Gram- mont و Laugier de Tassy، انظر ما سبق، قسم (1) المصادر.

(3)

Dialogos de la captividad: Haedo ، ترجمة Molinet- Volle في R. Afr.، سنة 1895 - 1897؛ ومستقلًا، الجزائر سنة 1911.

(4)

Relation de la cap-: E. d'Aranda tivite et liberte du sieur Emmanuel d'Aranda، سنة 1656.

(5)

Nachrichten and Be-: Rehbinder ; merkungen ueber den Algerischen staat -Reconnaissance des villes، forts et batter -ies d'Alger par le Chef de Battaillon Bou tin (1808) suivie des Memoires sur Alger par les consuls de Kercy (1791) et Dubois (1809) Thainville طبعة G. Esquer، سنة 1917.

(6)

d'Alger: L. Rinn Le Royaume le dernier dey sous، الجزائر سنة 1900.

(7)

Histoire de Con: Vayssette .stantine sous la domination turque

(8)

Les registres de solde J. Deny -des Janissaires conserves a La Bib liotheque nationale d'Alger في R. Afr، سنة 1920.

ص: 2877

(9)

الكاتب نفسه: - Chansons de Ja nissaires d'Alger Mem. R. Basset. سنة 1923، جـ 2، ص 33 - 175.

(10)

وانظر Zambaur، ص 82 - 83 في شأن القوائم الخاصة بالبلكربكية والأغوات والدايات.

خورشيد [كولومب M. Colombe]

(3)

بعد سنة 1830

نشب نزاع حول تموين البلاد بالقمح بين داى الجزائر حسين والقنصل ديفال Deval بإهانة الداى للقنصل، فأمرت حكومة شارل العاشر الأسطول بحصار معقل القرصنة القديم. وفي سنة 1830 تأثر رئيس الوزراء الفرنسى بولينياك Polignac باعتبارات تتعلق بالسياسة الداخلية، فاستقر رأيه، رغم معارضات البريطانيين، على إرسال تجريدة على مدينة الجزائر. وسلم الداى في الخامس من يولية وأبحر هو وجنوده الإنكشارية، ولم تكن فرنسا تبغى أن تحتل الجزائر احتلالًا دائمًا، فدخلت في مفاوضات مع الدول الأخرى. وتحيرت ملكية يولية أول الأمر في "التركة المربكة" التي خلفها لها النظام السابق، واستقر رأيها على أن تبدأ بالاقتصار على احتلال محدد موقوف. ولم يعين حاكم للجزائر إلَّا عام 1834 نتيجة لتقرير "اللجنة الإفريقية". وحتى عام 1841 اقتصر الاحتلال الفرنسى الذي عبس له مجلسًا الأمة على الاستيلاء على الثغور الرئيسية وأرباضها.

وفي هذه الأثناء كان الموقف قد تغير في الداخل، فقد كان الأتراك والقول أوغلية، والمخزن السابق يقض العرب مضجعهم، كما كانت دول وطنية مختلفة قد قامت، إذ وحد بك قسنطينة أحمد سلطانه داخل ولايته. أما في الغرب فإن القوم، بعد أن مروا بفترة من الفوضى، كانوا قد قبلوا حكم عبد القادر المرابطى أو ألزموا بطاعته، وكان هذا الزعيم قد اشتهر بشجاعته الفائقة وديلوماسيته وقدرته على التنظيم. وكانت السياسة الفرنسية تتأرجح بين التعاون مع المخزن السابق، والتعامل مع زعماء العرب الجدد. صحيح إن عبد القادر وافق

ص: 2878

مرتين على توقيع معاهدات قوَت من مركزه، إلا أن أحمد رفض ذلك وردِّ جيشًا فرنسيًا أمام قسنطينة سنة 1836. في السنة التالية استولت حملة فرنسية جديدة على المدينة، وقررت فرنسا أن تحتل احتلالًا حاسم الولاية الشرقية. وفي سنة 1839 أعلن عبد الكريم الحرب على فرنسا. وكان سير القتال في عهد تولى المارشال فاليه Valee منصب الحاكم العام فاترا وأنفذ الجنرال بوكو Bugeaud إلى بلاد الجزائر في قوة كبيرة، فاستخدم حركات حربية جديدة فاستطاع ما بين سنتى 1841 و 1847 أن يعطل قوة عبد الكريم ويخمد الفتن التي نظمها في الجبال المهيجون الدينيون، ويهزم سنة 1844 جيش سلطان مراكش الذي كان يؤيد الثائرين، وبدأ في إخضاع بدو الجنوب. وتولى بنفسه تنظيم الحكم غير المباشر مستعينًا بـ "مكاتب عربية" وشجع استعمار الأوربيين للسهول الساحلية بتعمير القرى التي كانت في الواقع مستعمرات عسكرية والتي كانت قد أقيمت لاسباغ الموحدة على عمله. وقد عززت هذه المستعمرات سنة 1848 بتدفق العمال الباريسيين عليها فأقام هؤلاء اثنتين وأربعين قرية جديدة، وتبع العمال الباريسيين مستعمرون من جميع الأجناس منحوا قطعًا صغيرة من الأرض بمعرفة الدولة أو أقاموا أنفسهم بأنفسهم على حسابهم الخاص.

واستمر احتلال البلاد، في ظل الجمهورية الثَّانية وفي أوائل عهد الإمبراطورية الثَّانية، بضم الواحات وبلاد القبائل- وأراد الفرنسيون حماية بلاد الجزائر من بدو الجنوب والإشراف على طرق التجارة الصحراوية، فأقاموا مراكز محصنة على الهضاب وسرايا من الجند تطوف بتخوم الصحراء. وكانت بلاد القبائل التي استقلت بأمر نفسها في العصر التركى، قد نفذت إليها حملتان بقيادة بوكو، وحملتا سانت أرنو Saint-Arnaud وراندون Randon . وهكذا استطاعت فرنسا أن تسيطر على بلاد قبائل بابورس وإقليم واد ساحل ووادي سباو. وصمدت أحلاف جرجرة وقتًا أطول وأخضعها المارشال راندون سنة 1857. وسمحت فرنسا للشعب

ص: 2879

بالاحتفاظ بنظامه البلدى وعاداته. ومنذ ذاك لم تعكر صفو السَّلام في بلاد الجزائر آية فتنة عامة. وكانت فتنة عام 1871 نتيجة لهزيمة فرنسا على يد ألمانيا وانقاص قوات الحاميات وسخط أسرة مقْرانى الكبيرة. وثارت مجانة، وبلاد القبائل الكبرى والصغرى، والنصف الجنوبي من إقليم قسنطينة. وذبح الثائرون المستعمرين وهددوا متيجة. وأعاد أمير البحر ده كويدون de Gueydon - الذي عين حاكمًا عامًا للجزائر- الأمن إلى نصابه، فقد فرضت غرامات فادحة على الثائرين وصودر مليون فدان ونيف وأفردت لاستعمارها. وحدث مرَّة أخرى سنة 1881 أن قامت فتنة خطيرة بعض الشيء في جنوبي إقليم وهران بزعامة بوعَمَامة، وقد أدت هذه الفتنة إلى إقامة سلسلة من المراكز الدائمة على الحافة الجنوبية للهضاب. وقامت ثورة في منطقتى سطيف وقالمة سنة 1945 أن إلى قتل قرابة مائة أوربى، ولكنها لم تدم طويلًا وأخمدت في عنف وشدة.

وقد مرَّ استعمار بلاد الجزائر منذ عهد بوكو بعدة مراحل تتميز باتباع طرائق متباينة كل التباين كانت الجمهورية الثَّانية تتبنى سياسة إدماج السكان واستعمار الفرنسيين، ووضعت المنطقة المدنية للأقاليم الثلاثة تحت إمرة مديرين مسؤولين عن إدارة المستعمرين. أما البقية فقد وضعت في يد السلطة العسكرية تحت إشراف الحاكم العام الذي هو الرئيس الأعلى "للمكاتب العربية". وكان يحكم السكان الوطنيين رؤساء مسلمون تقيمهم وتشرف عليهم الإدارة العسكرية، وظل هذا التنظيم حتَّى عهد الإمبراطورية الثَّانية. وفي عهد حكم راندون لبلاد الجزائر زاد الاستعمار الأوربى وأقيم الإطار الاقتصادى للبلاد؛ ونظر إلى الجزائر على اعتبار أنها مصدر للمواد الغذائية المدارية، على أن المحصول الذي فاق فيما يدره جميع المحصولات هو الغلال، وهو محصول المستعمرين حتَّى سنة 1881 تقريبًا. وقامت أزمة اقتصادية وأخذت مطالب المستعمرين تزداد، وكان يعوق هذه المطالب النطاق المحدود للأرض التي منحت لهم فأرادوا أن يحصلوا على أراض تتيسر لهم بإنشاء مقاطعات، وأدى ذلك بالحكومة

ص: 2880

إلى تجديد سياسة الإدماج. وأصبحت البلاد منذ سنة 1858 - 1860 تحكم من باريس بوزارة لبلاد الجزائر والمستعمرات، وقد أسندت هذه الوزارة أول الأمر إلى الأمير نايليون، ثم إلى الكونت له شاسلو لويا Comte de Chas- seloup-Laubat.

وقد اضطر نايليون الثالث حيال اضطراب إدارة الجزائر إلى إعادة الحكومة العسكرية برئاسة المارشال بليسييه Pelissier. فلما توفى أسندت رياستها إلى المارشال ماكماهون - Mac Mahon . وفي هذه الفترة حاول الإمبراطور أن يجعل من بلاد الجزائر "مملكة عربية" بالرغم من معارضة المستعمرين. وسمى مجموعة الأراضي القبلية بقرار من مجلس الشيوخ سنة 1863. وبفضل قرار هذا المجلس سنة 1865 سمح للمسلمين باتخاذ الجنسية الفرنسية.

وفي سنة 1870 طرد المستعمرون وكلاء الإمبراطور وأقاموا حكومة بلدية مدينة الجزائر الثورية. وقررت هذه الحكومة التي كان يرأسها تيير Thier إقامة إدارة مدنية ومن يومها زادت رقعة الأرض المدنية باطراد في مداها وحل محل المكاتب العربية "مجالس مختلطة" بالرغم من أن الحاكمين العامين الأولين أمير البحر ده كويدون والجنرال شاترى قد خرجا من صفوف القوات المسلحة.

وحصلت البلاد على استقلال ذاتى إدارى ومالى كامل سنة 1900. وزيدت سلطات الحاكم العام وأصبحت الميزانية من ثم يصوت عليها "النواب الماليون" وهم هيئة تمثل مختلف المصالح الاقتصادية في البلاد. وخولت بلاد الجزائر سلطة عقد قروض لتحسين منتجاتها الصناعية وثغورها وطرقها وسككها الحديدية وسدودها إلخ. وقام بذلك عهد ازدهار، وتنوعت المحصولات المزروعة وزادت رقعتها باستمرار، وزود المستعمرون الأوربيون بحافز يستنهض عزيمتهم. وذلك أن النفقات التي كانت تقتضيها الأساليب الزراعية الآخذة بأسباب العلم باطراد قد صبغت هذا الحافز بطابع رأسمالى لم يكن للبلاد به عهد قبل زراعة الكروم والموالح على نطاق واسع. ونمت المناجم الجديدة للحديد والزنك والفوسفات. وزاد عدد السكان الوطنيين لارتفاع معدل المواليد ونقصان نسبة الوفيات نتيجة للاستزادة من الأخذ بالأساليب

ص: 2881

الصحية. وبلغ ما تحقق في الميدان الاقتصادى شأنًا عظيمًا، ولكن السياسة الاجتماعية ظلت أبوية في جوهرها.

وقد لعبت بلاد الجزائر دورًا بارزًا في حرب 1939 - 1945. ذلك أنَّه حدث بعد نزول القوات الإنكليزية الأمريكية سنة 1942، أن نظمت قوة تحرير فرنسية في الجزائر أسهمت في طرد الألمان والإيطاليين من بلاد تونس، وشاركت في الحملة على إيطاليا وفي القتال الذي دار في فرنسا. وقد اعترف بالخدمات التي أداها المسلمون في هذا الجهد المشترك فأصلح النظام السياسي بإقامة برلمان جزائرى ينتخب بالاقتراع العام ويتألف من مجلسين، مجلس أوربى ومجلس إسلامي، ويتساوى المجلسان في الحقوق. واستؤنف العمل في النهوض بالاقتصاد على أساس أكثر سماحة. ووضع نظام شامل لتعليم المسلمين، وحل بالبلاد عهد من الإصلاح الاجتماعى.

المصادر

(1)

Histoire de l'Afrique: CH. A. Julien du Nord، الطبعة الثَّانية، جـ 2، وقد نقحه. R. Le Tourneau، باريس 1953.

(2)

G. Yver و G. Marcais و S. L'Afrique du Nord francaise dans: Gsell l'histoire ليون سنة 1927.

(3)

S. Gsell، G. Marcais، G. Yver: Histoire d'Algerie الطبعة الخامسة، باريس سنة 1922.

(4)

L'Algerie A. Bernard (مجموعة تاريخ المستعمرات الفرنسية التي أصدرها هانوتو G. Hanotaux ومارتينو Martineau H. جـ 2، باريس سنة 1931).

(5)

Conquete et pac-: Paul Azan ification de l'Algerie، باريس سنة 1922.

(6)

الكاتب نفسه: Bugeaud et l'Algerie، باريس من غير تاريخ.

(7)

الكاتب نفسه: L'Emire Abd- el'Kader. باريس سنة 1951.

(8)

a l'epoque: M. Emerti l'Algerie d'Abd-el-Kadir، باريس سنة 1951.

(9)

La colonisation: L. de Baudicour d'Algerie ses elements، باريس سنة 1856.

ص: 2882

(10)

الكاتب نفسه: Hitoire de la l'Algerie colonisation de باريس سنة 1860.

(11)

Enquete sur: de Peyerimhoff les reultats de la colonisation officielle de 1893 a 1871، الجزائر سنة 1906.

(12)

L'Algerie et: Schefer L'evolution de la colonisation francaise باريس سنة 1928.

(13)

Milliot، Morand، Godin et Gaf- L'Qeuvre legislative de la France en: fiot Algerie، باريس سنة 1930.

(14)

Douel: siecle de finances Un coloniales، باريس سنة 1930.

(15)

Les Saint-Simoniens en: Emerit Algerie، باريس سنة 1941.

(16)

L'Algerie e le: E. F، Gautier Metropole. باريس سنة 1920.

(17)

L'Afrique du: Ch. A. Julien Nord en Marche، باريس سنة 1925.

(18)

Documents algeriens نشرها من تولوا منصب الحاكم العام منذ سنة 1947.

خورشيد [إمريت M. Emerit]

(3)

السكان

إحصاء السكان: بلغ مجموع سكان بلاد الجزائر وفقًا لتعداد 31 أكتوبر سنة 1948: 8.681.785 نفسًا، وهذا الرقم يمثل زيادة كبيرة في السكان إذا قورن بالتعدادات السابقة. ويشمل هذا العدد 7.721.678 مسلمًا و 960.107 من غير المسلمين، ويشمل غير المسلمين 876.686 فرنسيًا و 45.586 من الأوربيين الآخرين ثلاثة أرباعهم مع الأسبان ويعيش أكثر من 75 % من الأوربيين في المدن. أما في الريف فهم يوجدون في الغالب في التل وبخاصة النواحى التي تزرع الكروم وتسوَّق ثمار البساتين. ومعظم الفرنسيين في إقليم وهران من أصل أسبانى. ويعيش معظم المسلمين في المناطق الريفية، وتعد الهجرة من الريف إلى الحواضر ظاهرة حديثه، و 1/ 5 المسلمين يعيشون الآن في الحواضر، وهم الأغلبية في جميع أرجاء بلاد الجزائر فيما عدا مدينة الجزائر ووهران. وعدد سكان الحواضر الكبرى (سنة 1948) هو كما يأتي:

ص: 2883

- مسلمون - غير مسلمين - المجموع

مدينة الجزائر (بما فيها الضواحى) - 225.539 - 247.722 - 473.261

وهران (بما فيها الضواحى) - 90.678 - 174.36 - 264.714

قسنطينة - 77.089 - 37.249 - 114.338

بونة - 36.614 - 44.541 - 105.155

وثمة حواضر أخرى يتراوح عدد سكانها بين 50.000 و 100.000 وهي: تلمسان، وفيليبفيل، وسيدى بل عبَّاس، ومستغانم وسطيف، وكلها تقوم في التل. أما توزيع السكان في الأقاليم الإدارية وكثافة السكان في الكيلومتر المربع فهما كما يأتي:

إقليم وهران والكثافة 30 - 1.990.729

إقليم مدينة الجزائر والكثافة 50 - 2.765.896

إقليم قسنطينة والكثافة 35 - 3.108.165

المناطق الجنوبية والكثافة 0.4 - 816.993

وأكثر الأقاليم عمارًا بالسكان هي أقاليم تل أطلس حيث تبلغ كثافتهم في الكيلومتر المربع ما يزيد على 30 في الغالب وتبلغ أحيانًا 60 (ترارا، وإقليم مدينة الجزائر وبلاد القبائل الكبرى والصغرى). وهي تبلغ 114 في المراكز الريفية والجبلية الخالصة لتيزى أوزو، ولكنها تنخفض إلى ما بين 30.10 في السهول العالية لقسنطينة (إلَّا في الشمال الغربيّ) وفي جبال أوراس والحضنة، وتنخفض إلى أقل من 10

ص: 2884

في الفيافى، إلى أقل من 1 في الصحراء.

وصف السلالات: أن الشعوب المسلمة في بلاد الجزائر -وهم البربر- أصلهم غامض. وهم من الجنس الأبيض، وقد اختلفت أنماطهم الجثمانية فيما يظهر منذ عهد سحيق. ولم يكن تدفق الأجانب عليها واسع النطاق خلال القرون، إذا استثنينا العرب (أي مسلمي المشرق) في بعض الأقاليم، وبعض عناصر البحر المتوسط في الحواضر، حيث كان أحدث من وصلوا إليها هم الأندلسيين أي المسلمين العائدين من أسبانيا) والأتراك والأوربيين. صحيح أن معظم السكان يسمون أنفسهم عربًا لأنهم يتحدثون بالعربية، كما أن سلالة الأتراك الذين تزوجوا من نسوة جزائريات يسمون أنفسهم قول أوغلى (قلغلى) كما أن المواطنين القدامى المختلطى الأصل إلى حد كبير يفاخرون بأنهم من الحضر، في حين يفاخر غيرهم بأنهم أندلسيون، إلا أن معظم السكان لم يتغيروا إلَّا قليلًا من حيث علم الإنسان وبقوا بربرًا. وفي واحات الصحراء يزرع الحراطين الملونون التربة، كما ظلت الأجناس السودانية المدونة تباع عبيدًا في المدن. ومصطلحا "العرب" و "البربر" يستعملان- من حيث العمل- للمتحدثين بالعربية والمتحدثين بالبربرية.

وما يزال 29 % من المسلمين الجزائريين يتحدثون بالبربرية ونذكر منهم بخاصة: الشاوية الذين يتدفقون على رقعة فسيحة من جبال الأوراس والقبائل غربي جيجل. وثمة أيضًا بنو مناصر في الجبال التي بين تنس وشرشال، وجماعات صغيرة في أطلس متيجه ووانشريس، وجبال تلمسان، وفي الجنوب في جبال قصور. ويتحدث بالبربرية في الصحراء الطوارق والمزابية وبعض قصوريى (أي القرويين) سوارة وقرارة، وورجلة ووادي ريغ. واللهجات البربرية التي تختلف من إقليم إلى إقليم، ليست لغة

ص: 2885

أدبية، والبربرية ليست لغة مكتوبة وينتشر أدبها بالرواية الشفوية. وانتشرت اللغة العربية منذ القرن الحادي عشر انتشارًا أكبر على يد البدو أكثر من انتشارها على يد الحضر. وتتمركز اللهجات العربية المستقرة في المدن، في بلاد القبائل الشرقية وفي ترارا. وتنحسر البربرية في كل مكان إذ تردّها اللهجات البدوية.

وقد استطاع العرب- الذين أمدوا 71 % من الجزائريين بلهجات مشتقة من لغتهم- أن يدخلوا الجزائريين جميعًا في الإسلام شيئًا فشيئًا، باستثناء 130.000 يهودى [آنئذ]. ويكاد المذهب المالكي أن يكون المذهب الوحيد الذي يمارس في الجزائر. وثمة أتباع قليلون للمذهب الحنفي بين سلالة الأتراك في مدينة الجزائر وتلمسان، أما المزابية والإباضية (الخوارج) فهم جماعة قائمة بذاتها.

ومن أركان الشعائر الإسلامية التي تمارس في كل مكان الصلوات الخمس أما الحج إلى مكّة- وهي الشعيرة التي يمارسها النَّاس الآن بالسفر بحرًا أو جوًا - فيؤديها ألف مسلم كل عام. ويعد صوم رمضان هو أكثر فرائض الإسلام ممارسة في هذه البلاد.

والإسلام في شمالي إفريقية يتميز بقيام رباطات دينية وتبرك بالأولياء. وقد لعبت الرباطات الدينية في وقت من الأوقات دورًا كبيرًا في الشئون السياسية، بالنظر إلى سلطانها المعنوى في بلاد كالجزائر لم يكن القانون والنظام قد استتبا فيها بعد استتبابًا. ومنذ ذاك الوقت تضاءلت أهميتها تضاؤلًا كبيرًا، وهي تقيم بصفة عامة صلات طيبة بالسلطات الفرنسية، ولكن أهل الحضر ينتقدونها بشدة. ومن المستحيل أن نذكر عدد أتباعها ذكرًا يتسم بآية دقة (من 250.000 إلى 450.000؟ ). وأهمها هي الرحمانية التي تشمل أكثر من نصف "الإخوان" وخاصة في شرقي بلاد الجزائر، ثم تأتى بعد ذلك الطَيِّبية وما تزال ناشطة

ص: 2886

في إقليم وهران؛ ثم الشاذلية التي جمعت أتباعها أساسًا من إقليم مدينة الجزائر؛ ثم التجانية في إقليم قسنطينة؛ ثم القادرية؛ وثمة أيضًا قليل من الدَرقاوَة في وهران والعيساوة والعمَّارية في قسنطينة.

وليس المرابطون أو الأولياء أعضاء في الرباطات بالضرورة، وقد لعب بعضهم في الأيَّام الماضية دورًا معنويًا وسياسيًا هامًا وخاصة في غربي بلاد الجزائر حيث ما تزال عدة أسر أو قبائل مرابطية تعيش، مثل أولاد سيدى شيخ في جنوبي وهران. وبعضها تردَ نسبها إلى بيت النَّبيِّ (عن طريق عليّ وفاطمة)، وهؤلاء هم الشرفاء، ويقال إن كثيرًا من هؤلاء أتوا في نهاية القرون الوسطى وما بعد ذلك، من مراكش وساقية الحمراء، ولكن معظمهم يعدون من أهل البلاد، وهم يسبغون البركة على سلالتهم إذا وجد من هذه السلالة أحد. وكانت العادات المرابطية تجتذب أحيانًا أتباعًا من غير المسلمين. وتبقى شعائر ماثلة في طقوس مختلفة تشمل فيما تشمل السحر والعرافة، والاعتقاد في عين الحسد وفي غير ذلك من الطقوس الزراعية. وما تزال جميع الشعائر الشعبية منتشرة في بعض أقاليم الريف، وخاصة بين النساء.

وقد تشربت الحياة الاجتماعية بالإسلام في بلاد الجزائر، وفي كل مكان غيرها. صحيح أن حياة القبائل في الغرب وسكان جبال الأوراس والطوارق في الصحراء ظلت متمسكة ببعض عادات لاتمت إلى الشريعة الإسلامية بصلة، إلَّا أن الحياة الخاصة لأغلبية السكان الوطنيين في الجزائر تنظمها الشريعة، وخاصة فيما يتعلق بقانون المواريث الذي هو في تفصيله متشابك كل التشابك، وكذلك في الأحوال الشخصية. وتعدد الزوجات يبيحه الشرع، إلَّا أنَّه في الواقع ليس سائدًا وخاصة في المدن. والبنات الشابات يوافقن على زواجهن الذي يدبره آباؤهن ولا يستلزم الأمر أخذ

ص: 2887

رأيهن (حق الجَبْر). ويمكن تطليق المرأة على يد زوجها من غير أن يقتضي ذلك أي إجراء رسمى أو غرامة، وهي عادة تشجع تعدد الزوجات مرارا متعاقبات. وقد تعرض القانون الزراعى في بلاد الجزائر لتغييرات جوهرية متأثرا بالقانون الفرنسى.

طرائق الحياة: الحياة الاجتماعية والنشاط الاقتصادى يدخلان في نطاق طريقة الحياة التي يجرى عليها مختلف عناصر السكان.

وما تزال قبائل الفيافى والصحراء، وقوامها رعاة يربون الأغنام والماعز والإبل والخيل، مختلفة الحظ من البداوة. وإذا أسقطنا الطوارق والشَعانْبة- الذين هم صحراويون خلص- فإننا سوف نقتصر على ذكر القبائل التي تتجول بين الصحراء وبلاد الجزائر عينها. وما زال بعضها يقضى الصيف في التل. فالأرباع في إقليم لغوات، وسيد عتبة في جوار ورجلة، تكاد حياتهم تقوم على الرعى، ويقضون الصيف في سرسون وعلى المنحدرات الجنوبية لونشريس. أما بدو منطقة طقورت أصحاب أشجار النخل والقليل من القطعان فإنهم يقضون الصيف في السهول العالية لقسنطينة. وهم يشملون أولاد جدى وبويزيد من أولاد جدى وعرب شراقة وعمور وأولاد سيدى صلاح في ولاية بسكرة وغرابة العرب وأولاد مولى في ولاية طقورت. وأما القبائل الآخرى التي تعيش في وديان تلال السفوح الصحراوية وتزرع قدرًا من الغلال وترعى في المراعي فيقضون الصيف هم وقطعانهم في أطلس الصحراء، مثال ذلك أولاد سيدى شيخ وأولاد نايل في الجنوب والنمامشة في الشرق.

والفيافى هي ولاية أشباه البدو الذين يقضون ما بين ستة أشهر وثمانية من العام قريبا من حقول الشعير والقمح الخاصة بهم، كما يقضون الشتاء في مراعيهم. ويستخدم العمور وأولاد نايل من أهل الشمال

ص: 2888

مراعيهم في الوديان الجنوبية لأطلس الصحراء وثنيات الفيافى العالية، ويقضون الصيف في جبال أطلس. أما أشباه البدو في الفيافى العالية فهم زراع لمحاصيل الغلال وجماع للحلفاء، وهم يقضون الصيف هم وقطعانهم على المنحدرات الجنوبية لتل أطلس. وأما الهاميان إلى الغرب فهم بدو إبل سابقون. وليس عند قبائل الحضنة حلفاء، وهم يظعنون في الصيف هم وقطعانهم إلى سهول قسنطينة العالية ويشتغلون عمالا.

وتربية الخيل التي كانت تستخدم من قبل في المعارك، أخذة في التدهور. وهذا أيضًا هو حال تربية الإبل، سفينة الأحمال والتجارة، بالنظر إلى منافسة السكك الحديدية والطرق. وتترك تربية الأغنام التي ازدهرت ما بين سنتى 1880 - 1920، مكانها لزراعة الحبوب. وتتطور الملكية الجماعية للأرض الزراعية إلى ملكية أسرية بل ملكية فردية، والخيام المصنوعة من وبر الإبل وشعر الماعز والصوف والتي كانت تنتظم من قبل في دُوّارات كبيرة، آخذه الآن في النقصان، وهي لا تستعمل إلا مساكن موقوتة بمعرفة أشباه البدو الذين يقضون الشتاء في أكواخ أو بيوت. والوحدة الاقتصادية والاجتماعية التي هي لدى البدو القبيلة أو الشعيرة، هي أيضًا فرع صغير من أسرة تقوم عى النظام الأبوى بين أشباه البدو.

ولا يزال السكان في الكتل الجبلية الرئيسية، يحتفظون في كثير من الأحوال بلهجاتهم وعاداتهم البربرية؛ ولكن أسلوبهم في المعاش يعتمد على الظروف المحلية. وجبال الأوراس هي معقل الشاوية الذين هم مزارعون ومربو أغنام وماعز في آن. وحقولهم التي على هيئة شرفات والتي تروى عادة تزرع الحبوب، وتعتمد على ارتفاعها فتنبت النخيل والتين والمشمش والبندق. صحيح أنهم في جوهرهم سكان قرى إلا أنهم يقومون بالهجرة

ص: 2889

في الشتاء ويعيشون إلى حد ما حياة شبه بدوية في اتجاه سهول الشمال والجنوب، ويقضون الصيف في مراعى الهضاب مع قوم من الرعاة الخلص. وقراهم العالية التي تقوم عليها أهراء محصنة ما تزال تحت السلطان النافذ للجماعات. ومن بين أهل القبائل احتفظ منهم الغربيون دون سواهم (جرجرة، سومم، بابور، قرقور) بلهجاتهم القديمة وعاداتهم، وتزرع في حقولهم الممتدة على هيئة شرفات بصفة خاصة أشجار الزيتون والتين، وينقصهم الحبوب والماشية، وهم لضيق رقعة أرضهم يهاجرون في أعداد متزايدة وخاصة إلى مدن بلاد الجزائر وإلى فرنسا. والقرية (تَدَّرت) -سواء كانت أحياؤها (خروبة) مجتمعة) وقائمة بذاتها أو متفرقة- هي الموحدة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. وتحتفظ "الجماعة" رسميا بسلطانها المأثور في بلاد القبائل بجرجرة، أما قبائل الشرق فقد استعربت. وهم يعيشون، شأن جيرانهم غير القبليين من أهل إقليم بونه، في أراض مستصلحة كبيرة يزرعونها شعيرًا وسُرْغمًا وقليلا من أشجار الفاكهة، وهم يربون الماشية والأغنام وغيرها ويعملون في الغابات عملا يقوم في جوهره على نزع الفلين. ولجيرانهم أكواخ مصنوعة من غصون الشجر، وهم يعيشون في دور مصطفة في دساكر ويهاجرون في أعداد كبيرة. أما طريقة حياة بنى مناصر (ويتحدثون بالبربرية) والترارة (استعربوا) في غربي بلاد الجزائر فتذكرنا بحياة قبائل الغرب. وأما سكان الوديان العالية في هضبتى ونشريس ووهران الذين كانوا جميعًا أو يكادون في يوم من الأيام أشباه بدو، فإنه ليس في أيديهم اليوم إلا خيام قليلة.

وكانت سهول اللو وتلاله الحصينة يطمع فيها من قبل ويهددها البدو وسكان الجبال ولم يستغلها إلا استغلالا قليلا السكان الذين يعيشون

ص: 2890

في الأكواخ والخيام؛ ويقوم معاشهم على زراعة الحبوب وتربية الماشية على نطاق واسع، وقد تغير مظهر هذه السهول والتلال تغيرًا كبيرًا، فنجد في مناطق الاستيطان الكثيف أن بعض الفلاحين السابقين قد أصبحوا عمالا زراعيين، على حين أفاد غيرهم من المثل التي وجدوها أمام أعينهم. وقد عمد السكان المحليون في كل الأرجاء، وهم الذين تزايد عددهم زيادة عظيمة، إلى توسيع المساحة المخصصة لزراعة الحبوب على حساب تربية الماشية. وارتبطت القبائل القديمة شبه البدوية في سهول قسنطينة العالية بالتربة في الوقت الحاضر، ونسيت العلاقات القبلية، وأخذ المجتمع ينهار، ولكن الملكية الفردية لا تزال في كثير من الأحوال محصورة في الأسرة، والمدارس الفرنسية والخدمة العسكرية والهجرة التي هي موقوته في الغالب، إلى المدن وإلى فرنسا تزيد من الفردية والاستقلال الذاتى للأسرة.

والفردية تصبح صاحبة اليد العليا في المدن، دون أن تحدث فقدانا للوحدة بين الناس الذين من أصل واحد. أما البورجوازية، وبعضها تركى، في المدن القديمة لبلاد الجزائر (مدينة الجزائر وقسنطينة وللمسان) فقد أحياها على نطاق واسع قوم من أصل ريفى، وأخذ الصناع يختفون شيئًا فشيئًا. وفي المدن القديمة والجديدة جميعًا الآن بورجوازية زاهرة من أصحاب الأراضي وقليل من رجال الأعمال، وطبقة وسطى من المستخدمين المدنيين، وأعضاء من أصحاب المهن الحرة ومختلف الموظفين، وجملة كبيرة من العمال ينوءون بعدد فوق الطاقة من مهاجرين ريفيين برئوا من المهارة اليدوية ولا يمكن أن يكونوا إلا عمالا عاديين.

الاقتصاد: ظلت العناصر الوطنية العامل المسيطر على الاقتصاد الجزائرى، وهم يزرعون ما يقرب من 3/ 4 أراضى الحبوب، ويكاد يقتصر

ص: 2891

ما يبذرونه على الشعير والقمح، وما يقرب من 3/ 2 من شجر الزيتون المثمر والأرض المخصصة لزراعة البقول والطباق. وهم يملكون 96 % من أشجار النخيل وجل أشجار التين، ويملكون أيضًا 95 % من الأغنام والماعز. على أن المستعمرين يزرعون الكروم لا يكادون يبغون عنها حولا، وهم دون سواهم الذين يزرعون الخضروات والموالح المبكرة. وثمة مشكلة رئيسية هي كيف يزيد حجم الناتج الوطنى جملة، وهو لا يزال الآن منخفضا جدًّا، وكيف ينهض بنوع الماشية. وقد درب بعض الجزائريين على صيد الأسماك على يد أناس من أصل أسبانى أو إيطالى، والوطنيون دون غيرهم هم زاد القوة العاملة ويشغلون درجات قليلة منخفضة المستوى في المناجم (الحديد والفوسفات وخاصة الرصاص والزنك)، ولكنهم يستخدمون بأعداد- كبيرة في وسائل النقل. وما تزال الصناعة متخلفة بالرغم من الجهود التي بذلت حديثًا، وهي تجد فيهم مصدرًا وافيًا للعمل وقليلا من أرباب الحرف المهرة أو المتخصصين. والهجرة الموقوتة إلى المدن الصناعية وأحواض السفن في فرنسا تحقق للبلاد موردا وافرًا من المال.

المصادر:

(1)

مصلحة الإحصاءات العامة لمدينة الجزائر:

- Resultats statistiques du denombre ment de la population efectue le 31 Oct 1 obre Annuaire statistique de 1948 . L، Algerie

(2)

Les Juifs de: M. Einseenth L، Afrique du Nord، 1936.

(3)

La langue berbere: R. Basset في African languages Handbook of، جـ 1، سلة 1952.

(4)

Comment L، Afrique du: W . Marcais Ann. de l'Institut Nord a ete arabisee d'Ettudes orientales الجزائر 1938.

ص: 2892

(5)

Parlers arabes du: J. Cantineau depertement d'Alger

de Constantine .. d، Oran في R.Afr. سنة 1973، 1938، 1940.

(6)

L، Islam Magh-: G. H. Bousquet rebin سنة 1946.

(7)

Re- Les marabouts: E Doutte vue de l'histoire des Religons، سنة 1899 - 1900.

(8)

الكاتب نفسه: Magie et religion du Nord daps e، سنة 1919.

(9)

Les con-: Dupont et Coppolani cfreries rel، سنة 1897.

(10)

A. Bel: La religion musulmane en Berberie، جـ 1، سنة 1938.

مصادر اجتماعية: يضاف إلى الكتب العامة

(11)

A. Bernard et N. Lacroix: evolution du nomadisme en Algerie'L.

(12)

Le nomalution et: L. Lehuraux colonisation، سنة 1931.

(13)

الكاتب نفسه: ov va le nom? cadisme سنة 1948.

(14)

- Travaux de l، Institut de Re rches sahariennes الجزائر منذ سنة 1942.

(15)

Le Hodna: J. Despois، سنة 1953.

(16)

Formation des ci-: : E. Masqueray l'Algerie teshez les sedentaires de، سنة 1886.

(17)

Monographie de: De Lartigue l، Aures سنة 1934.

(18)

Ein Kul-: gr. Stuhlmann c turgeschichtlicher Ausftug in den Aures سنة 1912.

(19)

La femme chaouia: M. Gaudry de l، Auras، سنة 1928.

(20)

A. Hanoteau et A. Letourea: La Kobylie et les coutumes kobyles

(21)

Colonisation et ev-Trinthoin .": olution des genres de vie dans la region O. d'Oran سنة 1947.

ص: 2893

(22)

مقالات في Bulletin de la ، R. Afr Bulletin de la j Societe de geogr d'Alger . Societe de geogr. et d'archeoL d'Oran .

(23)

Alger 1930 et Oran: R. Lespras 1938، سنة 1938.

(24)

L'emigration al-: L Muracciole gerienne سنة 1950.

(25)

Industrialisation

de: G. Leduc L، Afriquedu Nord، سنة 1952.

(4)

النظم

كانت بلاد الجزائر جزءًا من الاتحاد الفرنسى كما حدده الدستور الصادر في 27 أكتوبر سنة 1946، وكانت هذه البلاد تشغل فيه مركزًا خاصا حدده القانون الصادر في عشرين سبتمبر سنة 1947 الموسوم باسم "قانون الجزائر". وكان على رأس بلاد الجزائر حاكم له سلطات واسعة، وكان يمدكل السكان هيئة نيابية جزائرية ليست لها فحسب سلطات مالية كما كان شأن الوكالات المالية Delegations fi-" nancires" التي حلت هذه الهيئة محلها، بل كان لها أيضًا نصيب في سن القوانين للبلاد، وكانت الهيئة التشريعية الرئيسية هي البرلمان الفرنسى.

وقد حددت الأحوال الشخصية من قبل بمقتضى القانون الصادر في 7 مايو سنة 6 وهو قانون جديد من جميع النواحى يحمل اسم واضعه لامين كويه lamine Gueye ويعلن المساواة بين سكان البلاد: "كل المتجنسين بالجنسية الفرنسية في أقاليم بلاد الجزائر لهم جميع الحقوق التي ينعم بها المواطنون الفرنسيون وعليهم جميع الواجبات التي على هؤلاء بلا تمييز من حيث المولد والجنس واللغة والدين، . وقد كان يعيش إلى جانب الأورييين، وقوامهم من الفرنسيين، أغلبية من المسلمين ينظم حياتهم الخاصة إلى حد كبير الشريعة الإسلامية ولذلك نص على أن "المواطنين غير الحاصلين على الحقوق المدنية الفرنسية يحتفظون بحالتهم الشخصية ما داموا لم ينكروها". والمواطنون الذين لهم الحقوق الفرنسية هم المواطنون الفرنسيين مولدًا، واليهود المولودون في الجزائر الذين

ص: 2894

عدوا مواطنين منذ مرسوم كرمييه Cr 6 mieux الصادر في 24 أكتوبر 1870، وقليل من المسلمين الذين طلبوا أن يكونوا مواطنين فرنسيين نتيجة للتيسيرات التي أباحها مرسوم مجلس الشيوخ الصادر في 24 يولية سنة 1865 والقانون الصادر في فبراير سنة 1919 ثم أخيرا الأجانب الذين تجنسوا بالجنسية الفرنسية وخاصة من طبق عليهم قانون 26 يونية سنة 1889. والمدنيون الذين لهم الحقوق المحلية هم جميع المسلمين الأخرين. وبالنسبة لهؤلاء تظل المسائل الآتية خاضعة للشريعة الإسلامية (كما أن بعض المناطق التي تتحدث بالبربرية تخضع بلا ريب للعرف):"الزواج، والسلطة الزوجية، وحقوق المرأة المتزوجة، والطلاق، والهجر، والمؤاخاة، والسلطة الأبوية، والبلوغ، والحداثة، والحرمان من الأشراف على الملك، والعتق والوصاية"(J. lmbert). أما الأجانب فإن القواعد التي تنظم أحوالهم هي بصفة عامة مماثلة للقواعد المعمول بها في فرنسا. والمسلمون الأجانب، وخاصة أهل تونس ومراكش، لهم في بعض الأحوال أمام المحاكم، نفس الحقوق التي للجزائريين المسلمين.

التنظيم السياسي: إن الحاكم العام "يمثل حكومة الجمهورية الفرنسية في جميع أرجاء بلاد الجزائر .. وهو يقيم في مدينة الجزائر"، ويتكون المجلس النيابى الجزائرى من 120 عضوًا: 60 عضوًا من كل من الفئتين ينتخبون بالاقتراع العام لمدة ست سنوات مع اقتراعين على أساس العضو الواحد، ويستبدل نصف الأعضاء كل ثلاث سنوات، وتشمل الفئة الأولى المواطنين الذين يتمتعون بالحقوق المدنية الفرنسية. أما جميع المواطنين الآخرين الذين يتمتعون بالحقوق المحلية فينتمون إلى الفئة الثانية. والقوانين الانتخابية مماثلة للقوانين القائمة في فرنسا، ولكن المرأة المسلمة لها حق التصويت. وكل المواطنين أهل للانتخاب دون تمييز بين الفئتين.

ص: 2895