الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تحقيق مذهب مالك في رفع اليدين عند الركوع والرفع منه
(1)
تفقهتُ في مذهب مالك رضي الله عنه، ودرست الكتب التي اعتمدت رواية رفع اليدين عند التكبير في افتتاح الصلاة فقط، دون رفعهما عند الركوع والرفع منه؛ "مختصر الخليل"، وغيره، ثم اطلعت على "المدونة" التي رواها سحنون عن ابن القاسم، فرأيت ابن القاسم روى فيها عن مالك عدم رفع اليدين في الركوع والرفع منه؛ حيث قال: قال مالك: لا أعرف رفع اليدين في أي شيء من تكبير الصلاة، لا في خفض، ولا في رفع، إلا في افتتاح الصلاة برفع يديه شيئاً خفيفاً.
ثم قال: قال ابن القاسم: كان رفع اليدين عند مالك ضعيفاً، إلا في تكبيرة الإحرام. واستدل في "المدونة" على هذه الرواية بقول عبد الله بن مسعود: ألا أصلي لكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: فصلى، فلم يرفع يديه إلا مرة. واستدل عليها بحديث البراء بن عازب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة، ثم لا يرفعهما حتى ينصرف.
وبحديث عاصم بن كليب عن أبيه: أن علياً كان يرفع يديه إذا افتتح
(1) وجه بعض قراء مجلة "لواء الإسلام" إلى الإمام السؤال التالي: نرى كثيراً من المالكية لا يرفعون أيديهم عند الركوع والرفع منه، فما هو مذهب مالك في هذه المسألة؟ مجلة "لواء الإسلام"- العدد الثالث من السنة العاشرة.
الصلاة، ثم لا يعيد. ثم قال: وكان أصحاب ابن مسعود يرفعون في الأولى، ثم لا يعودون.
وروى ابن وهب، وأشهب عن مالك: رفع اليدين عند الركوع، والرفع منه، وهذه الرواية هي التي يوافقها ما رواه مالك في "الموطأ"؛ إذ قال: عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله بن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا افتتح الصلاة، رفع يديه حذوَ منكبيه، وإذا رفع رأسه من الركوع، رفعهما كذلك أيضاً، وقال: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، وكان لا يفعل ذلك في السجود.
زاد جماعة من الحفاظ ممن روى "الموطأ" عن مالك: رفع اليدين عند الانحطاط للركوع؛ كيحى بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي، وعبد الله بن المبارك، وعبد الرحمن بن قاسم، وغيرهم.
وقد عرفت أن رواية ابن وهب وأشهب يرجحهما الحديث الذي رواه مالك في "الموطأ".
وكثير من الفقهاء يقدمون رواية ابن القاسم في "المدونة" على غيرها.
وأجاب المعتمدون على رواية رفع اليدين عند الركوع والرفع منه عما رواه ابن القاسم في "المدونة" من حديث ابن مسعود رضي الله عنه الذي قال فيه: أصلي لكم صلاة رسول الله، ولم يرفع يديه إلا مرة: بأنه ضعفه البيهقي، وروي عن ابن المبارك: أنه قال: لم يثبت عنده حديث ابن مسعود.
وروى البخاري في "جزء رفع اليدين" تضعيفه عن أحمد بن حنبل، وعن يحيى بن آدم، وتابعهما البخاري على تضعيفه، وضعفه غيرهم؛ كالدارقطني.
وأجابوا عن حديث البراء بن عازب من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه
إذا افتتح الصلاة، ثم لا يرفعهما حتى ينصرف: بأن أئمة الحديث ضعفوا هذا الحديث، وممن نص على تضعيفه: سفيان بن عيينة، والشافعي، وعبد لله الحميدي شيخ البخاري، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين.
وأجابوا عما روي عن علي رضي الله عنه يديه إذا افتتح الصلاة، ثم لا يعود: بأنه ضعفه البخاري، وروى تضعيفه عن سفيان الثوري، وقال الشافعي: لا يثبت عن علي، وابن مسعود ما يروى عنهما: أنهما كانا لا يرفعان أيديهما في غير تكبيرة الإحرام.
فالأرجح في مذهب مالك رواية ابن وهب، وأشهب؛ إذ هي التي توافق حديث عبد الله بن عمر الذي رواه في "الموطأ"، ورواه عنه البخاري.
قال القاضي عياض في "الإكمال": اختلف العلماء في الرفع في الصلاة، والمعروف من عهد الصحابة رضي الله عنه، ومذهب العلماء كلهم إلا الكوفيين الرفعُ عند الافتتاح، وعند الركوع، والرفعُ منه، وهي إحدى الروايات المشهورة عن مالك، وعمل بها كئير من أصحابه، ورووها عنه، وأنها آخر أقواله.
والإمام مالك قال كما قال غيره من الأئمة: إذا صح الحديث، فهو مذهبي، وقد صح عنده حديث عبد الله بن عمر، ولم يتعقبه بشيء.
قال ابن العربي - وهو مالكي - في "العارضة": الصحيح أنها ترفع في ثلاثة مواضع؛ لحديث ابن عمر المشهور في "الموطأ"، ومتابعة كبار الصحابة له في ذلك.
ونقل البخاري في "جزء رفع اليدين عند الركوع"، والرفع منه عن علي ابن المديني: أنه قال: حق على المسلمين أن يرفعوا أيديهم عند الركوع، والرفع منه.