الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تحقيق مذهب مالك في إشارة المصلي في التشهد بإصبعه
(1)
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وآله وصحبه أجمعين.
وبعد:
فقد وردت أحاديث صحيحة في صفة الجلوس في التشهد، رواها مسلم وغيره، وفيها الإشارة بالإصبع التي تلي الإبهام، وتسمى: الإصبع المسبِّحة، لأنه يسبَّح بها الله؛ أي: يوحد، وتسمى: السبابة؛ لأن العرب يستعملونها عند السباب.
ومن هذه الأحاديث الصحيحة قول عبد الله بن عمر رضي الله عنه: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس في الصلاة، وضع كفه اليمنى على فخذه اليمنى، وقبض أصابعه كلها، وأشار بإصبعه التي تلي الإبهام".
وحديث عبد الله بن الزبير رضي الله عنه: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قعد في الصلاة، وضع يديه على ركبتيه، وأشار بإصبعه".
فمن الفقهاء من فهم أن الإشارة بالإصبع هي تحريكها، فقال كما قال خليل في "مختصره":"وتحريكها دائماً"، وكما ذهب إليه ابن عرفة في
(1) جواب الإمام عن سؤال حول حقيقة مذهب الإمام مالك في تحريك المصلي إصبعه أثناء التشهد - مجلة "لواء الإسلام" - العدد الخامس من السنة العاشرة.
"مختصره" من أن "الإشارة هي تحريك الإصبع"، وجعل خليل وابن عرفة تحريك الإصبع دائمًا هو المشهور في المذهب، حيث صدر بهذا القول، وأن أبا الوليد الباجي ذهب إلى أن الإشارة هي التحريك؛ حيث فسر ما رواه مالك من حديث عبد الله بن عمر الإشارة بما يقتضي أن الإشارة هي: التحريك مدة التشهد.
ومن الفقهاء - وهم الكثيرون - من يفهم أن الإشارة بالإصبع غير تحريكها، فقال ابن القاسم كما رواه الباجي في "المنتقى":"ويمد إصبعه من غير تحريك".
وممن يفرق بين الإشارة بالإصبع وتحريكها: أبو محمد عبد الله بن أبي زيد؛ إذ صدر في "الرسالة" القول بالإشارة، فقال:"ويبسط السبابة، ويشير بها، واختلف في تحريكها".
وممن فرق بين الإشارة وتحريك الإصبع من المالكية: الحافظ أبو بكر ابن العربي؛ إذ قال في "العارضة": "وإياكم وتحريك أصابعكم في التشهد، ولا تلتفتوا إلى رواية "العتيبة"؛ فإنها بلية، والعجب ممن يقول: إنها مقمعة للشيطان إذا حركت، واعلموا أنكم إن حركتم للشيطان إصبعاً، حرك لكم عشرة، إنما يقمع الشيطان بالإخلاص والخشوع، والذكر والاستعاذة، وأما بتحريكها، فلا، وإنما عليه أن يشير بالسبابة كما جاء في الحديث"
ويؤيد ما قاله ابن العربي: ما خرجه أبو داود عن عبد الله بن الزبير: أن النبي صلى الله عليه وسلم: "كان يشير بإصبعه إذا دعا، ولا يحركها"
وقال الحفيد ابن رشد في "بداية المجتهد": "واختلف في تحريك الإصبع، والثابت أنه كان يشير فقط".
ومن المالكية من يرى: أن الإصبع التي تلي الإبهام إنما تحرك وقت قول المصلّي: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، كما يقول الشافعي.
ونسب هذا القول إلى يحيى بن عمر الأندلسي، ويحيى بن مزين. وفهم بعضهم شهرته من تصدير ابن الحاجب في "مختصره الفقهي"؛ إذ قال:"ويشير بها عند التوحيد".
وجعل ما ذهب إليه خليل، وابن عرفة هو القول الثاني.
ولعل ما روي عن الإمام مالك من أنه كان يلح في تحريك إصبعه، أو يواظب على تحريكها عند التشهد في "العتبية"، وليس في "المدونة"- حسبما بحثنا- شيء يتعلق بإشارة السبابة، أو تحريكها في التشهد.
ويوجد في كتاب "إعلام الموقعين" لابن قيم الجوزية غلط واضح، هو:"أن بعض الفقهاء خالفوا السنّة الصحيحة المحكمة، وعدّ منها: إشارة المصلي في التشهد بإصبعه". وأورد حديث ابن عمر، وحديث ابن الزبير، وغيره، وقال:"فردوا ذلك كله بحديث لا يصح، وهو ما رواه محمد بن إسحاق، ونصه "التسبيح للرجال، والتصفيق للنساء، ومن أشار في صلاته إشارة تفهم منه، فليعدها" ثم قال:"والصحيح عن النبيء صلى الله عليه وسلم أنه كان يشير في الصلاة".
ولم أر من المالكية من استدل بهذا الحديث على عدم الإشارة بالإصبع.
وقد ذكر هذا الحديث بسنده الإمام الطحاوي في "شرح معاني الآثار" مستدلًا به لمن يقول: الإشارة في الصلاة لحاجة؛ كتسليم الداخل، تبطل صلاته، وليعدها، فالإشارة في هذا الحديث يراد بها: الإشارة لحاجة؛ كردّ السلام، والإشارة في حديث ابن عمر يراد منها مدّ الإصبع في التشهد.
وقد عرفت مما ذكرنا أن جماعة من كبار المالكية يرجحون عدمَ تحريك الإصبع مدة التشهد، وهو ظاهر في "الموطأ"، إذ قال في حديث ابن عمر "ويشير بإصبعه"، والموافق لرواية عن مالك، وهو ما ذهب إليه الأئمة الثلاثة: الحنفي، والشافعي، والحنبلي؛ إذ لا يوجد في مشهور هذه المذاهب تحريك الإصبع مدة التشهد.