الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدّمَة الإمام محمّد الخضر حسين
نحمَدك اللهم على أن هيأت لنا من أمرنا رشَداً، وأبيْتَ لنا أن نتخذ من المضلّين عَضُداً، ونصلّي ونسلّم على سيدنا محمد الذي أرسلته بشيراً ونذيراً، وعلى آله وصحبه الذين جاهدوا في الحق، ولم يتخذوا من دونك ولياً ولا نصيراً.
أمّا بعد:
فقد جرى القلم بتحرير مقالات في أغراض شتى، فاقترح عليّ بعض أهل العلم أن أجمعها في سِفْرٍ أو أسفار، حتى يَسْهُلَ تناولها، وتكون طوع يد من يريد مطالعتها، فحلَّ هذا الاقتراح من النفس محل القبول، وأخذت أجمعها، وأعيد النظر في بعض عباراتها، ووضعت لها اسماً هو:"رسائل الإصلاح".
وسيرى القارئ الألمعي أني قد طرقت في هذه الرسائل نواحي هي في حاجة إلى أن تُبْحثَ بفكر لا يتعصب لقديم، ولا يفتتن بجديد، يعتمد الرأي حيث يثبته الدليل، ويتقبل الحكم متى لاحت بجانبه حكمة، ويثق بالرواية بعد أن يُسْلِمَها النقدُ إلى صِدْقٍ.
وقد بذلت جهدي في أن أسلك بالبحث هذا السبيل، ولعلّي سرت فيه شوطاً غير قصير، فإن لم أبلغ فيه غاية بعيدة، فحسبي أني كنت قد تَبَيَّنْتُ
رشدَه، ووَلَّيْتُ وجهي شطرَه، وآنست في أقلام إخواني الذين يجاهدون في الإصلاح أثَرَهُ.
وكأني بالناشئ الذي سَلِمَتْ فطرته، واتّقدتْ قريحته، يهبُ هذه الرسائل قسطاً من وقته، ويلقي عليها أشعة من ثاقب فكره، فإذا هو ينظر إلى قلم أمين، يطارحه الحديث في أسلوب حكيم.
وإذا نفقت كتب تمكُرُ بالحق، أو تسمي المجون أدباً، ووجدتْ نفوساً كثيرة تتهافت عليها تهافت الفراش على النار، فحسب "رسائل الإصلاح" أن تحظى عند قوم يبحثون عن الرشد بحثَ الخبير بقيمته، ويتعشَّقون الأدب النزيه كأنما صُوِّرَتْ نفوسهم من طينته.
ولو سبق لبعض الناشئين أن نظروا في تلك الكتب المنطوية على زْيغ أو مجون، ولم يتنبهوا لما دُسَّ في عباراتها من سموم، ثم أقبلوا على هذه الرسائل، نابذين تقليدَهم القديم، صارفين قلوبَهم عن إكبار أولئك الزائغين أو الماجنين، لما كان بعيداً أن يعودوا إلى إيمان نقيّ، وأدب سَنيّ، فينفعوا الأمة بجدهم وكمال رجولتهم، ويتمتعوا بالحياة الطيبة في أُولاهم وآخرتهم.
محمّد الخضر حسين
القاهرة
1358 هـ - 1939 م