الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في مفاسد البغاء
(1)
في البغاء فساد كبير، وشر مستطير: يفتك بالفضيلة، يدنس الأعراض، يعكر صفو الأمن، يفصم رابطة الوفاق، يبعث الأمراض القاتلة في الأجسام، وأي حياة لجماعة تضيع أخلاقها، وتتسخ أعراضها، ويختل أمنها، وتدب البغضاء في نفوسها، وتنهك العلل أجسامها؟!.
أما فتكه بالفضيلة، فإنه يقتلع الحياء من منابته، فلا يبقي في نفس صاحبه ذرة من الحياء، ويلبس وجهه رقعة من الصفاقة، ومن لم يستح، هان عليه ارتكاب ما لا يليق بالإنسانية أن ترتكبه.
ومن يرتكب فاحشة الزنى، ينادي على نفسه بأنه محروم من أدب سام أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:"لا يؤمن أحدكم حتى يحبّ لأخيه ما يحب لنفسه". ذلك أن كل إنسان يحب لمن تنتمي إليه من بنت أو أخت أو زوجة العفاف، ويجاهد في صيانتهن إلى آخر نفس من حياته، ومن ثمرات إيمانك الصادق، وخلقك المهذب: أن تحب لمحارم غيرك من العفاف والطهارة ما تحب لمحارمك.
ومما يغلب على الزاني: أن تكون غيرته على محارمه ضعيفة جداً،
(1) مجلة "الهداية الإسلامية" - الجزء السادس والسابع من المجلد السابع الصادران في عدد واحد عن شهري ذي الحجة 1353 والمحرم 1354 هـ.
أو مفقودة، وشعور محارمه بتعاطيه هذه الفاحشة يسقط جانباً من مهابتهن له، ويسهل عليهن بذل أعراضهن إن لم يكن ثوب عفافهن منسوجاً من تربية دينية صادقة، وهذا بخلاف حال من ينكر موبقة الزنى في ذاتها، ويستهجنها إلى حد أن يتجنبها بنفسه، ثم لا يرضاها لغيره، ولا سيما ممن ينتمون إليه بنسب أو صهرة فإن هذه السيرة تكسبه مهابة في قلويهن، وتساعد على أن يكون بيته بيت طهر وصيانة. ومصداق هذه النظرية الأثر المشهور:"عفّوا، تعفّ نساؤكم".
ولا أرى الذين يذهبون إلى إبقاء بيوت الدعارة مفتوحة في البلاد إلا نفراً يخونون أوطانهم بعد أن خانوا الفضيلة، وما بيت الدعارة إلا ماوى نفوس أُشربت حب الشهوات الممقوتة، واستغلظت فيها الأخلاق الدنيئة. والوطنية الصادقة: أن تحرص على أن يكون وطنك طاهر الموارد، طيب السمعة، فإن رضيت عن تلك البيوت القذرة، وحاربت من يسعى لتطهير وطنك منها، فقد خنت الفضيلة، وكنت في دعوى إخلاصك للوطن مفترياً أثيماً.
وأما تدنيسه الأعراض، فإنه يذهب بكرامة الفتاة، ويكسوها عاراً لا يقف عندها، بل يتعداها إلى أسرتها، غير أن أنصباءهم من هذا العار على قدر قرابتهم منها، وكثيراً ما يدع الرجل الفاضل الاقتران بفتاة لا بأس عليها سوى أن الألسنة قذفت بعض من نبت في منبتها.
وينبني على ما يجرّه البغاء إلى أقارب المرأة من الخزي والمهانة: أن تثور بينهم وبين الزاني وأسرته العداوة، فيهيجوا إلى الانتقام منه، وقد تبلغ الفتنة إلى القتل، وذلك مَثَلٌ من مُثُلِ إخلاله بالأمن، وفصمه لرابطة الوفاق.
وأما ضرره العائد إلى الصحة، فقد قرر كثير من الأطباء أن الزنى منشأ
أمراض يعسر علاجها، وناع تفصيل هذا الضرر إلى طبيب ماهر في صناعته صادق في شهادته، مخلص لدينه ووطنه.
ومن مفاسد البغاء: أن أصحابه يُلقون نطَفَهم في حرام، فيتولد منها مخلوقات ربما اعتدي عليها بالقتل وهي أجنّة، أو قريبة عهد بالوضع؛ خشية الفضيحة، فتستتبع فاحشة الزنى جناية قتل النفس بغير حق، وإن سلم ولد الزنى من القتل، عاش محتقر الجانب، مقطوع النسب، فلا يجد ما يجده أبناء النكاح من عطف أولي القربى، والسلامة من القذف بأقبح الألقاب.
ولما يحتوي عليه الزنى من المفاسد الكبيرة، حذَّر الدين الحنيف من القرب منه، وسلك في التحذير منه طرقا حكيمة، فحزَم أموراً شأنها أن تكون ذريعة إليه؛ كالاختلاء بالأجنبية، أو النظر إليها نظر شهوة، ووضع له عقوبة رادعة في الدنيا، وتوعَّدَ فاعله بعذاب الهون في الأخرى.
فمن كان صادق الإيمان، فهذا الدين يحرِّمُ الزنى تحريماً مغلظاً.
ومن كان من عشاق الفضيلة، فالزنى فاحشة تتمثل فيها الرذيلة من رأسها إلى عقبها.
ومن كان حريصاً على إعلاء شأن قومه، فالزنى ينقلب بالأمم إلى وراء.
ومن كان يحزن لحرمان أمته من نعمة الصحة، فالزنى يبعث فيها أمراضاً يتعذر على الأطباء علاجها.
ونحن ننصح لمن يملكون إلغاء البغاء بقوة، أن يصرفوا أنظارهم عن تقليد الشعوب الغارقة في أرجاسه، وإن كانت ذات قوة مادية وبسطة في الاستعمار، ويجيبوا داعي الفضيلة، ونظم الإصلاح المعقولة، وُيرضوا أمة تعرف أن دين حكومتها الرسمي هو الإسلام.