المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ص: باب: تلقي الجلب - نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار - جـ ١١

[بدر الدين العيني]

فهرس الكتاب

الفصل: ‌ص: باب: تلقي الجلب

‌ص: باب: تلقي الجلب

ش: أي هذا باب في بيان حكم تلقي الجلب، هل يكره أم لا؟ والجلب - بفتحتين- ما يجلب للبيع، وكذلك الجلوبة قال الجوهري: جَلَبَ الشيء يَجْلِبُهُ ويَجْلُبُهُ جَلْبًا وجَلَبًا.

قلت: وأشار به إلى أنه يجيء بين بابين نَصَرَ يَنْصُر والآخر من باب ضَرَبَ يَضْرِبُ، وفي المصدر أيضًا وجهان تسكين اللام وتحريكها، ولكن بتحريك اللام يجوز أن يكون مصدرًا ويجوز أن يكون اسمًا للشيء المجلوب، والله أعلم.

ص: حدثنا ربيع المؤذن، قال: ثنا أسد، قال: ثنا أبو الأحوص، قال: أنا سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تستقبلوا السوق، ولا يُنَفِّق بعضكم لبعض".

حدثنا روح بن الفرج، قال: ثنا يوسف بن عدي، قال: ثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تستقبلوا السوق".

ش: هذان طريقان صحيحان:

الأول: عن ربيع بن سليمان، عن أسد بن موسى، عن أبي الأحوص سلام ابن سليم الكوفي، عن سماك بن حرب، عن عكرمة مولى ابن عباس، عن عبد الله ابن عباس.

وأخرجه الترمذي (1): ثنا هناد، قال: ثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، أن النبي عليه السلام قال: لا تستقبلوا السوق، ولا تحفلوا، ولا يُنَفَّق بعضكم لبعض"، وقال: حديث حسن صحيح.

(1)"جامع الترمذي"(3/ 568 رقم 1268).

ص: 366

وأخرجه أحمد في "مسنده"(1) مطولاً: ثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال:"كان رسول الله عليه السلام إذا أراد أن يخرج إلى سفر، قال: اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللهم إني أعوذ بك من الضُّبْنة في السفر، والكآبة في المنقلب، اللهم اقبض لنا الأرض، وهون علينا السفر، فإذا أراد الرجوع قال: تائبون عابدون لربنا حامدون، فإذا دخل أهله قال: توبا لربنا أوبًا لا يغادر علينا حوبًا".

وقال رسول الله عليه السلام: "ليقرأن القرآن أقوام من أمتي يمرقون من الإِسلام كما يمرق السهم الرمية"(2).

وقال رسول الله عليه السلام: "لا تستقبلوا السوق ولا تحفلوا ولا ينفق بعضكم لبعض"(3).

الثاني: عن روح بن الفرج القطان المصري شيخ الطبراني، عن يوسف بن عدي بن زريق الكوفي نزيل مصر وشيخ البخاري، عن أبي الأحوص سلام

إلى آخره.

وأخرجه البزار في "مسنده": ثنا عباد بن يعقوب، ثنا الوليد بن أبي ثور، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، أن النبي عليه السلام قال:"لا تناجشوا ولا تستقبلوا السوق".

قوله: "لا تستقبلوا السوق" معناه: لا تستقبلوا السلع فتتساوموا عليها قبل أن تصل إلى السوق وإنما نهي عن ذلك لأن فيه غشًّا لصاحب السلعة، لأن سلعته ربما كانت تساوى بأضعاف ما اشتراها مَنْ يتلقاها قبل وصولها إلى السوق، والسوق تظهر فيها قِيَمُ الأشياء.

(1)"مسند أحمد"(1/ 255 رقم 2311).

(2)

"مسند أحمد"(1/ 256 رقم 2312).

(3)

"مسند أحمد"(1/ 256 رقم 2313).

ص: 367

قوله: "ولا يُنَفِّق" بتشديد الفاء، من التنفيق وهو من النَّفَاق ضد الكساد، ويقال: نفقت السلعة فهي نافقة، وأنفَقْتُها ونفَّقْتُها إذا جعلتها نافقة، والمعنى ها هنا: لا يقصد أن يُنَفِّق سلعته على جهة النجش، فإنه بزيادته فيها يرغب الناس، فيكون قوله سببًا لابتياعها ومنفقًا لها.

قوله: "ولا تحفلوا" من التحفيل وهو أن يترك اللبن في ضرع الشاة أو البقرة أو الناقة، ولا يحلب إياها حتى يراها المشتري ويحسبها غزيرة اللبن، وهي المصراة.

ص: حدثنا محمد بن عمرو بن يونس، قال: ثنا عبد الله بن نمير، عن عبيد الله ابن عمر، عن نافع، عن ابن عمر قال:"نهى رسول الله عليه السلام أن تتلقى السلع حتى تدخل الأسواق".

حدثنا فهد، قال: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: ثنا بن نمير

فذكر بإسناد مثله.

حدثنا علي بن عبد الرحمن، قال: ثنا علي بن الجعد، قال: أنا صخر بن جويرية، عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تتلقوا البيوع".

حدثنا محمد بن عبد العزيز الأيلي، قال: ثنا سلامة، عن عُقيل، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنه:"أن رسول الله عليه السلام نهى أن تتلقى السلع حتى يبلغ به سوق الطعام".

حدثنا نصر بن مرزوق، قال: ثنا أسد، قال: ثنا ابن أبي ذئب، عن مسلم الخياط، عن ابن عمر قال:"نهى رسول الله عليه السلام أن تتلقى الركبان".

ش: هذه خمس طرق صحاح:

الأول: عن محمد بن عمرو، عن عبد الله بن نمير الهمداني الكوفي روى له الجماعة، عن عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم القرشي العدوي العمري المدني، روى له الجماعة

إلى آخره.

ص: 368

وأخرجه البخاري (1): من حديث مالك وغيره، عن نافع، عن ابن عمر:"أن رسول الله عليه السلام نهى عن تلقي السلع حتى يهبط بها الأسواق".

الثاني: عن فهد بن سليمان، عن أبي بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة، عن عبد الله بن نمير، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي عليه السلام.

وأخرجه مسلم (2): ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: ثنا ابن أبي زائدة.

وثنا ابن المثنى، قال: ثنا يحيى بن سعيد.

وثنا بن نمير، قال: نا أبي، كلهم عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر:"أن رسول الله عليه السلام نهى أن تتلقى السلع حتى تبلغ الأسواق" وهذا لفظ ابن نمير، وقال الآخران:"إن النبي عليه السلام نهى عن التلقي".

الثالث: عن علي بن عبد الرحمن، عن علي بن الجعد بن عبيد الجوهري شيخ البخاري وأبي داود، عن صخر بن جويرية البصري، عن نافع، عن ابن عمر

إلى آخره.

وأخرجه البخاري (3): من حديث ابن جويرية، عن نافع، عن ابن عمر:"كنا نتلقى الركبان فنشتري منهم الطعام فنهاها النبي عليه السلام أن نبيعه حتى يبلغ به سوق الطعام".

الرابع: عن محمد بن عُزيز -بزائين معجمتين أولاهما مفتوحة- بن عبد الله الأيلي شيخ النسائي وابن ماجه، عن ابن عمِّه سلامة بن روح بن خالد الأيلي، عن عمِّه عُقيل -بضم العين- بن خالد الأيلي، عن نافع، عن ابن عمر

إلى آخره.

(1)"صحيح البخاري"(2/ 759 رقم 2057).

(2)

"صحيح مسلم"(3/ 1156 رقم 1517).

(3)

"صحيح البخاري"(2/ 759 رقم 2058).

ص: 369

وأخرجه أبو داود (1) والنسائي (2) أيضًا.

الخامس: عن نصر بن مرزوق، عن أسد بن موسى، عن محمد بن عبد الرحمن ابن الحارث بن أبي ذئب، عن مسلم بن أبي مسلم الخياط المدني، وثقة ابن حبان، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.

وأخرجه أسد السنة في "مسنده".

و"السلع" جمع سلعة وهي المتاع.

ص: حدثنا أحمد بن داود، قال: ثنا يعقوب بن حميد، قال: ثنا عبد العزيز بن محمد، عن داود بن صالح بن دينار، عن أبيه، عن أبي سعيد، أن رسول الله عليه السلام قال:"لا تتلقوا شيئًا من البيع حتى يقوم سوقكم".

ش: يعقوب بن حميد بن كاسب المدني شيخ ابن ماجه فيه مقال، وعبد العزيز ابن محمد الدراوردي روي له الجماعة البخاري مقرونًا بغيره، وداود بن صالح بن دينار المدني مولى الأنصار، وثقه ابن حبان وروى له أبو داود حديثًا وابن ماجه آخر، وأبوه صالح بن دينار وثقه ابن حيان، روى له ابن ماجه حديثًا واحدًا، وأبو سعيد الخدري اسمه سعد بن مالك.

وأخرجه ابن ماجه (3): عن العباس بن الوليد بن صبيح الخلال، عن مروان بن محمد الطاطري، عن عبد العزيز بن محمد الداروردي، عن داود بن صالح المدني، عن أبيه، عن أبي سعيد نحوه.

ص: حدثنا حسين بن نصر، قال: ثنا عبد الرحمن بن زياد، قال: ثنا شعبة، عن

(1)"سنن أبي داود"(3/ 269 رقم 3436).

(2)

"المجتبى"(7/ 257 رقم 4499).

(3)

"سنن ابن ماجه"(2/ 737 رقم 2185) بهذا الإسناد، ولفظه:"إنما البيع" وانظر "تحفة الأشراف"(3/ 364 رقم 4076).

ص: 370

عدي بن ثابت، قال: سمعت أبا حازم يحدث، عن أبي هريرة قال:"نهينا -أو نهي- عن التلقي".

حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله عليه السلام: "لا تلقوا الركبان".

ش: هذان طريقان صحيحان:

الأول: عن حسين بن نصر بن المعارك، قال ابن يونس: ثقة ثبت.

عن عبد الرحمن بن زياد الرصاصي الثقفي وثقه أبو حاتم، عن عدي بن ثابت الأنصاري الكوفي روى له الجماعة، عن أبي حازم -بالحاء المهملة والزاي المعجمة- اسمه سلمان الأشجعي الكوفي، روى له الجماعة.

وأخرجه النسائي (1) بأتم منه: أخبرني عبد الله بن محمد بن تميم، ثنا حجاج، حدثني شعبة، عن عدي بن ثابت، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، قال:"نهى رسول الله عليه السلام عن التلقي، وأن يبيع مهاجر للأعرابي، وعن التصرية والنجش، وأنْ يستام الرجل على سوم أخيه، وأن تسأل المرأة طلاق أختها".

قوله: "نُهينا أو نُهي" كلاهما على صيغة المجهول وقد ذكرنا غير مرة أن قول الصحابي: نهى أو نهينا أو أمر أو أمرنا ونحو ذلك مسند إلى رسول الله عليه السلام.

الثاني: عن أبي بكرة بكار القاضي، عن مؤمل بن إسماعيل القرشي وثقه يحيى وغيره، عن سفيان الثوري عن أبي الزناد -بالنون- عبد الله بن ذكوان، عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، عن أبي هريرة.

وأخرجه البخاري (2) ومسلم (3): من حديث مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة مرفوعًا:"لا تلقوا الركبان للبيع".

(1)"المجتبى"(7/ 255 رقم 4491).

(2)

"صحيح البخاري"(2/ 755 رقم 2043).

(3)

"صحيح مسلم"(3/ 1154 رقم 1515).

ص: 371

قوله: "لا تلقوا الركبان" أصله لا تتلقوا فحذفت إحدى التائين كما في قوله تعالى: {نَارًا تَلَظَّى} (1) أصله تتلظى، و"الركبان" -بضم الراء- جمع ركب، والركب جمع راكب، والركب أصحاب الإبل في السفر دون الدواب، وهم العشرة فما فوقها، ثم استعمل في كل راكب توسعًا.

وقال أبو عمر: معناه النهي عن تلقي السلع.

وقال ابن الأثير: تلقي الركبان هو أن يستقبل الحضري البدوي قبل وصوله إلى البلد ويخبره بكساد ما معه كذبًا؛ ليشتري منه سعلته بالوكس، وأقل من ثمن المثل، وذلك تغرير محرَّم، ولكن الشراء منعقد، ثم إذا كذب وظهر الغبن؛ ثبت الخيار للبائع، وإن صدق ففيه على مذهب الشافعي خلاف.

ص: حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا بشر بن عمر، قال: نا شعبة، عن الحكم عن ابن أبي ليلى، عن رجل من أصحاب النبي عليه السلام أن رسول الله عليه السلام قال:"لا تلقوا الجلب".

ش: إسناده صحيح والحكم هو ابن عتيبة، وابن أبي ليلى هو عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري الكوفي.

وأخرجه أحمد فى "مسنده"(2): نا محمد بن جعفر، نا شعبة، عن الحكم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن رجل من أصحاب رسول الله عليه السلام قال:"لا يُتلقى الجلب ولا يبع حاضر لباد".

ص: قال أبو جعفر رحمه الله: فاحتج قوم بهذه الآثار، فقالوا: من تلقى شيئًا قبل دخوله السوق ثم اشتراه؛ فشراؤه باطل.

ش: أراد بالقوم هؤلاء: الليث بن سعد وبعض المالكية وجماعة من الظاهرية فإنهم قالوا: من تلقى شيئًا قبل دخوله السوق ثم اشتراه، فشراؤه باطل.

(1) سورة الليل، آية:[14].

(2)

"مسند أحمد"(4/ 314 رقم 18839).

ص: 372

وقال ابن حزم (1): ولا يحل لأحد تلقي الجلب سواء خرج لذلك أو كان ساكنًا على طريق الجلّاب، وسواء بَعُد موضع تلقيه أو قرب، ولو أنه عن السوق على ذراع فصاعدًا، لا لأضحية ولا لقوت ولا لغير ذلك، أضر ذلك بالناس أو لم يضر، فمن تلقى جلبًا أي شيء كان فاشتراه، فإن الجالب بالخيار إذا دخل السوق متى ما دخله ولو بعد أعوام في إمضائه البيع أو ردَّه، فإن رده حكم فيه بالحكم في البيع يرد بالعيب لا في المأخوذ بغير حق ولا يكون رضا الجالب إلا بأن يلفظ بالرضا لا بأن يسكت علم أو لم يعلم، فإن مات المشتري فالخيار للبائع باق، فإن مات البائع قبل أن يرد أو يُمض فالبيع تام.

ثم قال: وممن نهى عن تلقي الركبان الجالبين جملة: الليث بن سعد والحسن ابن حيي وأحمد بن حنبل وإسحاق والشافعي وأبو سليمان وأصحابهم، وقال الشافعي وأبو سليمان بإيجاب الخيار للبائع إذا قدم السوق، ونهى عنه الأوزاعي إن كان بالناس إليه حاجة، وقال مالك: لا يجوز ذلك للتجارة خاصة، ويؤدب من فعل ذلك في نواحي المصر فقط، ولا بأس بالتلقي لابتياع القوت من الطعام، والأضحية. انتهى.

وقال عياض في "شرح مسلم": واختلف في تلقي الجلب إذا وقع، فعن مالك وبعض أصحابه: ينهى ولا يتتزع منه، ورأى بعض أصحابنا فسخ بيع المتلقي، والشافعي وأحمد يريان للبائع الخيار كما جاء في الحديث، ومال إليه بعض أصحابنا، والمشهور عن مالك وكثر أصحابه أن يعرض على أهل السوق، فإن لم يكن سوق فأهل المصر، فيشترك فيهم من شاء منهم.

وقال الاصطخرى: إما يكون البائع بالخيار إذا اشتريت بأعلى من ثمنها، واختلف عندنا في حد التلقي الممنوع، فعن مالك: كراهة ذلك على مسيرة يومين، وعن مالك: تخفيفه وإباحته على ستة أميال، ولا خلاف في منعه إذا كان قرب المصر

(1)"المحلى"(8/ 449 - 450).

ص: 373

وأطرافه، وقال بعض المتأخرين: وكذلك يجوز تلقيها في أول السوق لا في خارجه، وكذلك إذا لم يكن للسلعة سوق فشراؤها إذا دخلت البلد جائز، وإن لم يبلغ أسواقه. انتهى.

وقال أبو عمر في "التمهيد"(1): وجملة قول مالك في ذلك: أنه لا يجوز أن يشتري أحد من الجلب، والسلع الهابطة إلى الأسواق، وسواء هبطت من أطراف المصر أو من البوادي حتى يبلغ بالسلعة سوقها، وهذا إذا كان التلقي في أطراف المصر أو قريبًا منه.

قيل لمالك: أرأيت إن كان ذلك على ستة أميال؟ فقال: لا بأس بذلك، والحيوان وغير الحيوان في ذلك كله سواء.

وروى أشهب عن مالك أنه كره أن يخرج الرجل من أهل الحاضرة إلى أهل الحوائط فيشتري منهم الثمرة، وكأنه رآه من التلقي، ومن بيع الحاضر للبادي، وقال أشهب: لا بأس بذلك. وروى أبو قرة، قال مالك: إني لأكره تلقي السلع وأن تبلغوا بالتلقي أربعة برد.

وقال أصحاب الشافعي رحمه الله: تفسير النهي عن التلقي: أن يخرج أهل السوق فيخدعون أهل القافلة فيشترون منهم رخيصًا، فلهم الخيار؛ لأنهم غروهم وخدعوهم.

ص: وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا: كل مدينة يضر التلقي بأهلها فالتلقي فيها مكروه، والشراء جائز، وكل مدينة لا يضر التلقي بأهلها فلا بأس بالتلقي فيها.

ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: الأوزاعي والثوري وأبا حنيفة وأبا يوسف ومحمدًا وزفر بن الهذيل، فإنهم قالوا: كل مدينة

إلى آخره.

(1)"التمهيد"(18/ 187 - 188).

ص: 374

والشافعي ومالك وأحمد مع هؤلاء في انعقاد عقد المتلقي، ولكن عندهم الخيار للبائع وقد ذكرنا مذاهبم مستقصاة.

ص: واحتجوا في ذلك بما حدثنا فهد، قال: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: ثنا علي بن مسهر، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر قال:"كنا نلتقى الركبان فنشتري منهم الطعام جزافًا، فنهانا رسول الله عليه السلام أن نبيعه حتى نحوله من مكانه، أو ننقله".

حدثنا ربيع الجيزي، قال: ثنا حسان بن غالب، قال: ثنا يعقوب بن عبد الرحمن، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر:"أنهم كانوا يشترون الطعام من الركبان على عهد رسول الله عليه السلام فيبعث عليهم من يمنعهم أن يبيعوه حيث اشتروه حتى يبلغوه حيث يبيعون الطعام".

ففي هذه الآثار إباحة التلقي، وفي الأُوَل النهي عنه فأولى بنا أن نجعل ذلك على غير التضاد والخلاف، فيكون ما نهي عنه من التلقي لما في ذلك من الضرر على غير المتلقين المقيمين في الأسواق، ويكون ما أبيح من التلقي هو الذي لا ضرر فيه على المقيمين في الأسواق، فهذا وجه هذه الآثار عندنا، والله أعلم.

ش: أي احتج هؤلاء الجماعة الآخرون فيما ذهبوا إليه بحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما؛ فإنه يخبر عن إباحة التلقي ولكن في الآثار الأُول التي احتجت بها أهل المقالة الأولى: النهي عن التلقي، فيكون بين هذه الآثار تضاد ظاهرًا، فإذا كان كذلك يجب التوفيق بينهما لئلا يبقى التضاد والخلاف، ووجهه ما أشار إليه بقوله: "فيكون ما نُهي عنه من التلقي

" إلى آخره.

ثم إنه أخرج حديث ابن عمر من طريقين:

الأول: عن فهد بن سليمان، عن أبي بكر عبد الله بن أبي شيبة شيخ الشيخين، عن علي بن مسهر القرشي الكوفي روى له الجماعة، عن عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب المدني، روى له الجماعة، عن نافع، عن ابن عمر.

ص: 375

وأخرجه مسلم (1): ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير، قال ابن أبي شيبة: نا علي بن مسهر وقال ابن نمير: نا أبي، ثم اتفق علي بن مسهر وعبد الله ابن نمير كلاهما، عن عبيد الله بن عمر عن نافع

إلى آخره نحوه.

الثاني: عن ربيع بن سليمان الجيزي، عن حسان بن غالب بن نجيح المصري، قال ابن يونس: كان ثقة. وفي الميزان: متروك.

عن يعقوب بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن عبد القاري المدني، روى له الجماعة سوى ابن ماجه، عن موسى بن عقبة بن أبي عياش القرشي الأسدي المدني روى له الجماعة، عن نافع

إلى آخره.

وأخرجه البخاري (2): ثنا إبراهيم بن المنذر، ثنا أبو ضمرة -هو أنس بن عياض- ثنا موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر

إلى آخره نحوه.

وقد ناقش ابن حزم (3) ها هنا مناقشة شديدة، وقال: احتج من أجاز تلقي السلع بما رويناه من طريق البخاري (4): عن موسى بن إسماعيل، ثنا جويرية، عن نافع، عن ابن عمر قال:"كنا نلتقي الركبان، فنشتري منهم الطعام، فنهانا النبي عليه السلام أن نبيعه حتى نبلغ به سوق الطعام".

ومن طريق البخاري (4): ثنا إبراهيم بن المنذر، ثنا أبو ضمرة

إلى آخره، وقد ذكرناه آنفًا، وهذا لا حجة لهم فيه، لستة أوجه:

أحدها: أن المحتجين بها هم القائلون بأن الصاحب إذا روى خبرًا عن النبي عليه السلام ثم خالفه أو حمله على تفسير ما فهو أعلم بما فسر، وقوله حجة في ردّ الخبر، وابن عمر هو راوي هذا الخبر، وقد صح عنه الفتيا بترك التلقي، والأخذ بما روى منه النهي عن التلقي.

(1)"صحيح مسلم"(3/ 1161 رقم 1526).

(2)

"صحيح البخاري"(2/ 747 رقم 2017).

(3)

"المحلى"(8/ 450 - 453).

(4)

تقدم.

ص: 376

وثانيها: أن هذين خبران هم أول مخالف لما فيهما، فلا كراهة عندهم في بيع الطعام حيث ابتاعه، ولا أسوأ طريقة ممن يحتج بحجة هو أول مبطل لها مخالف لموجبها.

وثالثها: أنهما موافقان لقولنا؛ لأن معنى نهي النبي عليه السلام أن يبيعوه حتى يبلغوا به سوق الطعام هو نهي للبائع أن يبيعه وللمشتري أن يبتاعه حتى يبلغ به سوق الطعام.

ورابعها: أنه لو حتى كان فيها نص قال على جواز التلقي -وليس ذلك فيهما- لكان النهي ناسخًا.

وخامسها: أن يضم هذان الخبران إلى أخبار النهي، فيكون البائعون يخيرون في إمضاء البيع، فأمر المبتاعون بنقله حينئذ إلى السوق، فتتفق الأخبار كلها، ولا تحمل على التضاد.

وسادسها: أنا روينا هذا الخبر ببيان صحيح رافع للإشكال من طريق من هو أحفظ وأضبط من جويرية كما روينا من طريق البخاري (1): نا مسدد، نا يحيى، عن عبيد الله -هو ابن عمر- حدثني نافع، عن عبد الله بن عمر، قال:"كانوا يبتاعون الطعام في أعلى السوق، ويبيعونه في مكانه، فنهاهم النبي عليه السلام أن يبيعوه في مكانه حتى ينقلوه".

ومن طريق مسلم (2): ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير .. إلى آخر ما ذكرناه عن قريب.

فهذا يبين أن البيع كان في السوق إلا أنه في أعلاه، وفي الجزاف خاصة فنهي المشترون عن ذلك. انتهى.

قلت: هذا الذي ذكره كله فاسد.

(1)"صحيح البخاري"(2/ 759 رقم 2059).

(2)

تقدم.

ص: 377

أما الأول: فلأن قولهم: إن الصاحب إذا روى خبرًا عن النبي عليه السلام ثم خالفه، يكون هذا ردًّا لما رواه، ليس في مثل هذا الموضع، وإنما هو في موضع لا يختلف فيه الحال، وقد قلنا: إن ها هنا اختلفت الأحوال؛ لأن رواية ابن عمر بإباحة التلقي في الحال التي لا تضر المقيمين بالسوق، وفتواه بترك التلقي ومنعه إياه في الحال التي لا تضر المقيمين بالسوق كما قد ذكرنا.

وأما الثاني: فلا نسلم أنهم أول مخالف لما في الخبرين، بل هم أول عامل لما فيهما إذ لو تركوا العمل بما فيها لقالوا: يُمنع التلقي مطلقًا، وابن حزم ومن نحا نحوه هم أول مخالف لما فيها حيث منعوا من التلقي مطلقًا.

وأما الثالث: فلا مناسبة لذكره في هذا الموضع لأن النزاع في إباحة التلقي وكراهته وليس في نهي بيع ما اشتراه، حتى يبلغ به سوق الطعام.

وأما الرابع: ففساده ظاهر؛ لأن الخبرين فيهما نص جليّ بإباحة التلقي، ولا يلزم من النهي عن ذلك وجود النسخ؛ لعدم العلم بالتاريخ، بل تحمل الإباحة على ما إذا انتفى الضرر بالمقيمين في السوق، ويحمل النهي على ما إذا وجد الضرر عليهم، كما قد ذكرناه.

وأما الخامس: فكذلك فساده ظاهر؛ لأن تصحيح معاني الآثار المختلفة لأجل اتفاقها ونفيها عن التضاد، لا يكون بما ذكره، بل إنما يكون بالطريقة التي ذكرنا.

وأما السادس: فأشد فسادًا مما قلبه ولا وجه لذكره أصلاً في معرض الاعتراض؛ لأنه لا تعلق له بمحل النزاع، يظهر ذلك بالتأمل.

ص: واحتجوا في إجازة الشراء مع التلقي المنهي عنه بما حدثنا علي بن معبد، قال: ثنا عبد الله بن بكر السهمي، قال: ثنا هشام، عن محمد، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله عليه السلام: "لا تلقوا الجلب، فمن تلقاه فاشترى منه شيئًا فهو بالخيار إذا أتى السوق".

ص: 378

حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا يوسف بن عدي، قال: ثنا عبيد الله بن عمرو، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله عليه السلام: "لا تستقبلوا الجلب، ولا يبيعن حاضر لبادٍ، والبائع بالخيار إذا أتى السوق".

ففي هذا الحديث عن رسول الله عليه السلام أنه نهى عن تلقي الجلب، ثم جعل للبائع في ذلك الخيار إذا دخل السوق، والخيار لا يكون إلا في بيع صحيح؛ لأنه لو كان فاسدًا لأجبر بائعه ومشتريه على نسخه، ولم يكن لواحد منها إباؤه ذلك، فلما جعل النبي عليه السلام الخيار في ذلك البيع؛ ثبت بذلك صحته؛ وإن كان معه تلق مكروه.

ش: أي احتج الآخرون وهو أهل المقالة الثانية في جواز شراء الملتقي مع ورود النهي عن التلقي بحديث أبي هريرة رضي الله عنه فإن فيه النهي عن التلقي والخيار للبائع إذا دخل السوق، ولا شك أن الخيار لا يكون إلا بتبايع صحيح؛ لأن العقد لو كان فاسدًا لأجبر المتعاقدان على فسخه، ولا يُمكَّن واحد منهما عن الإباء عن ذلك، فلما كان الأمر كذلك ثبت أن العقد في ذلك صحيح وإن كان يجاوره التلقي المنهي عنه.

ثم إنه خرج حديث أبي هريرة من طريقين صحيحين:

الأول: عن علي بن معبد بن نوح المصري، عن عبد الله بن بكر السهمي، عن هشام بن حسان القردوسي، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة.

وأحْرجه مسلم (1): ثنا ابن أبي عمر، ثنا هشام بن سليمان، عن ابن جريج، أخبرني هشام القردوسي -هو ابن حسان- عن ابن سيرين، سمعت أبا هريرة يقول: إن رسول الله عليه السلام قال: "لا تلقوا الجلب، فمن تلقى فاشترى منه فإذا أتى سيدُه السوق فهو بالخيار".

(1)"صحيح مسلم"(3/ 1157 رقم 1519).

ص: 379

الثاني: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن يوسف بن عدي بن زريق شيخ البخاري، عن عبيد الله بن عمرو الرقي، عن أيوب السختياني، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة.

وأخرجه أبو داود (1): ثنا الربيع بن نافع أبو توبة، ثنا عبيد الله بن عمرو الرقي، عن أيوب السختياني، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة:"أن النبي عليه السلام نهى عن تلقي الجلب، فإن تلقاه متلقٍ فاشتراه، فصاحب السلعة بالخيار إذا وردت السوق".

واحتج الشافعي ومالك وأحمد بالحديث المذكور على ثبوت الخيار للبائع في هذه المسألة، فقالا الشافعي: لا تتلقي السلعة، فمن تلقاها فصاحبها بالخيار إذا بلغ السوق، وقال ابن خواز منداد: البيع في تلقي السلع صحيح على قول الجميع، وإنما الخلاف هو أن المشتري لا يفوز بالسلعة ويشركه فيها أهل الأسواق، وأن البائع بالخيار.

قال أبو عمر: ما حكاه ابن خواز منداد عن الجميع في جواز البيع هو الصحيح، لدلالة الحديث الصحيح عليه، لا ما حكاه سحنون عن بعضهم أنه يفسخ البيع.

قوله: "ولا يبيعن حاضر لباد" الحاضر المقيم في المدن والقرى، والبادي المقيم بالبادية، وسجيء بيان ذلك مستقصى.

ص: فإن قال قائل: فأنتم لا تجعلون الخيار للبائع المتلقى كما جعله له النبي عليه السلام في هذا الحديث، فجوابنا له في ذلك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ثبت عنه أنه قال: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا" وتواترت عنه الآثار بذلك، وسنذكرها في موضعها في هذا الكتاب إن شاء الله تعالى، فعلمنا بذلك أنهما إن تفرقا فلا خيار لهما.

فإن قال قائل: فأنت قد جعلت لمن اشترى ما لم يره خيار الرؤية حتى يراه فيرضاه، فيما أنكرت أن يكون خيار المتلقى كذلك أيضًا.

(1)"سنن أبي داود"(3/ 296 رقم 3437).

ص: 380

قيل له: إن خيار الرؤية لم نوجبه قياسيًا وإنما وجدنا أصحاب النبي عليه السلام أثبتوه وحكموا به وأجمعوا عليه ولم يختلفوا فيه، وإنما جاء الاختلاف في ذلك ممن بعدهم، فجعلنا ذلك خارجًا من قول النبي عليه السلام البيعان بالخيار حتى يتفرقا، وعلمنا أن النبي عليه السلام لم يعن ذلك لإجماعهم على خروجه منه، كما علمنا بإجماعهم على تجويز السلم أنه خارج من نهي رسول الله عليه السلام عن بيع ما ليس عندك.

فإن قال قائل: فهل رويتم عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خيار الرؤية شيئًا؟ قيل له: نعم.

حدثنا أبو بكرة ومحمد بن شاذان، قالا: ثنا هلال بن يحيى بن مسلم، قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن رباح بن أبي معروف المكي، عن ابن أبي مليكة، عن علقمة بن وقاص الليثي، قال:"اشترى طلبة بن عبيد الله من عثمان بن عفان رضي الله عنهما مالاً، فقيل لعثمان: إنك قد غبنت وكان المال بالكوفة -قال: وهو مال آل طلحة الآن بها- فقال عثمان: لي الخيار؛ لأني بعت ما لم أر، فقال طلحة: لي الخيار لأني اشتريت ما لم أر، فحكم بينهما جبير بن مطعم، فقضى أن الخيار لطلحة ولا خيار لعثمان".

والآثار في ذلك قد جاءت متواترة وإن كان أكثرها منقطعًا؛ فإنه منقطع لم يضاده متصل.

ش: توجيه هذا السؤال أن يقال: إنكم قد استدللتم بحديث أبي هريرة على صحة عقد المتلقي، وقلتم: إن جعل النبي عليه السلام الخيار لصاحب السلعة يدل على صحة البيع، فما بالكم تركتم العمل ببعض الحديث وما جعلتم الخيار للبائع كما جعله النبي عليه السلام؟

وتقرير الجواب أن يقال: قد ثبت عن النبي عليه السلام بوجوه متعددة أنه قال: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا" فعلمنا بذلك أنهما إن تفرقا فلا خيار لهما، وفيه نظر، لأن المراد من هذا التفرق لا يخلو إما أن يكون عن أقوال أو عن أبدان، فإن قلت:

ص: 381

عن أقوال كما ذهبت إليه الحنفية فقد يعارضه قوله عليه السلام: "والبائع بالخيار إذا دخل السوق" فإنه عليه السلام أثبت الخيار بعد تفرقهما بالأقوال؛ لأنه لا شك أن عقد المتلقي يكون قبل دخول السلعة الأسواق.

وإن قلت: عن أبدان كما ذهبت إليه الشافعية، فقد يلزم هذا الجيب أن يقول بالخيار، في كل عقد ما لم يتفرق المتعاقدان بالأبدان، وهو لا يقول بذلك".

قوله: "وسنذكرها في موضعها" أي وسنذكر هذه الآثار التي وردت في خيار المتباعين ما لم يتفرقا، وموضعها هو الباب الذي يلي هذا الباب، فإنه عقد لها بابًا عقيب هذا الباب كما سنقف عليه إن شاء الله تعالى.

قوله: "فإن قال قائل

" إلى آخره تقرير السؤال أن يقال: من اشترى شيئًا لم يره له الخيار عندك إذا رآه فلم لا تجعل خيار المتلقي كذلك قياساً عليه، والجامع: دفع الضرر عن المسلم؟

وتقرير الجواب أن يقال: إن خيار الرؤية لم يثبت قياسًا حتى يثبت خيار المتلقي أيضًا بالقياس، وإنما ثبت ذلك بحكم الصحابة رضي الله عنهم وإجماعهم عليه، ولم يختلف أحد منهم في ذلك، وذكر في "نوادر الفقهاء" لابن بنت نعيم: اجمع الصحابة على جواز بيع الغائب المقدور على تسليمه، وأن لمشتريه خيار الرؤية إذا رآه، وقال الطحاوي في كتاب اختلاف العلماء: قال الله تعالى: {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} (1) فأباح تعالى في التجارة عن تراض، ولم يفرق بين ما يُرى أو لم يُر، وأجاز عليه السلام بيع العنب إذا اسودَّ والحب إذا اشتدَّ وهما غير مرئيين، وأصحاب رسول الله عليه السلام جَوَّزوا بيع الغائب، وليس هو من باب الملامسة والمنابذة كما زعم أصحاب الشافعي، ولا من باب الغرر؛ لأن الغرر: ما كان على خطر لا يدري أيكون أم لا، كالطير في الهواء، والسمك في الماء، وما لا يقدر على تسليمه، كذا قال أهل اللغة، والغائب ليس كذلك.

(1) سورة النساء، آية:[29].

ص: 382

فإن قيل: قد يهلك. قلنا: وكذا سائر الأشياء، وليس هذا بيع ما ليس عند الإنسان، إذ المراد من ذلك ما ليس في ملكه، ولا خلاف في اللغة أن الإنسان يقول: عندي ضياع ودور أي في ملكي، وإن كانت غائبة، فإن قيل: الآبق متفق على منع بيعه فكذا الغائب.

قلنا: لم يُمتنع بيع الآبق لغيبته، بل لتعذر تسليمه كالطير في الهواء، وقال ابن حزم: إذا وصف الغائب عن رؤية وخبرة وملكه المشتري، فأين الغرر؟ ولم يزل المسلمون يتبايعون الضياع في البلاد البعيدة بالصفة، باع عثمان رضي الله عنه لطلحة أرضًا بالكوفة ولم يرياه، فقضى جبير بن مطعم أن الخيار لطلحة، وما نعلم للشافعي سلفًا في بيع الغائب الموصوف، ولا خلاف في اللغة أن ما في ملك بائعه هو عنده، وما ليس في ملكه فليس عنده وإن كان بيده.

قوله: "وإنما جاء الاختلاف في ذلك" أي في الحكم المذكور "ممن بعدهم" أي ممن بعد الصحابة، فجعلنا ذلك أي حكم خيار المتلقي خارجًا من قول النبي عليه السلام:"البيعان بالخيار ما لم يتفرقا" فإذا خرج من ذلك، لم يثبت، ولا يكون خيار في عقد المتلقي للبائع، وأشار إلى الدليل على الخروج من ذلك بقوله:"وعلمنا أن النبي عليه السلام لم يعن ذلك" أي لم يقصد ذلك لإجماعهم أي لإجماع الصحابة "على خروجه منه"، أي على خروج حكم خيار المتلقي من قوله: "البيعان بالخيار

" الحديث كما دل إجماعهم على تجويز السلم أنه خارج من نهيه عليه السلام عن بيع ما ليس عندك، وبهذا الحديث استدلت الشافعية على عدم جواز بيع ما لم يره، فإذا لم يجز لا يثبت فيه الخيار للمشتري؛ لأن الخيار يترتب على صحة البيع.

والجواب عنه ما ذكرناه الآن، على أنهم قد تركوا ظاهر هذا الحديث؛ إذ يجوز بيع ما ليس عنده اتفاقًا إذا كان رآه، ويبطل عندهم بيع ما عنده إذا لم يكن رآه، ذكره القدروي في "التجريد".

ص: 383

والحديث أخرجه البيهقي في "سننه"(1): من حديث شعبة، أنا أبو بشر، سمعت يوسف بن ماهك، يحدث عن حكيم:"قلت: يا رسول الله، الرجل يطلب البيع وليس عندي، أفأبيعه له؟ قال: لا تبع ما ليس عندك".

وأخرجه أبو داود (2): ثنا مسدد، قال: ثنا أبو عوانة، عن أبي بشر، عن يوسف ابن ماهك، عن حكيم بن حزام قال:"يا رسول الله، يأتيني الرجل ليريد مني البيع ليس عندي، أفأبتاعه له من السوق؟ فقال: لا تبع ما ليس عندك".

وأخرجه الترمذي (3): ثنا قتيبة، قال: ثنا هشيم، عن أبي بشر

إلى آخره نحوه.

وقال (4) أيضًا: ثنا قتيبة، قال: ثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن يوسف بن ماهك، عن حكيم بن حزام قال:"نهاني النبي عليه السلام أن أبيع ما ليس عندي" ثم قال: حديث حكيم بن حزام حديث حسن.

قلت: هذا الحديث قد اختلف فيه على ابن ماهك، فروي عنه كذلك، وروي عنه عن عبد الله بن عصمة، عن حكيم.

وأخرجه البيهقي (5) أيضًا كذلك ثم قال: إسناده حسن، وكيف يكون حسنًا وابن عصمة متروك قاله ابن حزم، وفي "الأحكام" لعبد الحق: ضعيف.

ولئن سلمنا أن حديث حكيم حسن أو صحيح فنقول: المراد منه الطعام، قاله صاحب "الاستذكار" واستدل على ذلك برواية الحفاظ لحديث حكيم بن حزام أنه عليه السلام قال له:"إذا ابتعت طعامًا فلا تبتعه حتى تقبضه".

(1)"سنن البيهقي الكبرى"(5/ 267 رقم 10202).

(2)

"سنن أبي داود"(3/ 283 رقم 3 - 35).

(3)

"جامع الترمذي"(3/ 534 رقم 11232).

(4)

"جامع الترمذي"(3/ 534 رقم 1233).

(5)

"سنن البيهقي الكبرى"(5/ 267 رقم 10202).

ص: 384

وأخرجه النسائي (1) كذلك.

ولئن سلمنا أن المراد منه الطعام وغيره، فالجواب عنه ما قدمناه آنفًا.

قوله: "فإن قال قائل: فهل رويتم

" إلى آخره لما ذكر في السؤال السابق أن من اشترى ما لم يره فله خيار الرؤية، ولم يذكر عليه دليلًا من الآثار، انتهض السائل فقال: فهل رويتم عن أصحاب النبي عليه السلام في خيار الرؤية شيئًا؟ فأجاب عنه بقوله: نعم، ثم بين ذلك بقوله: حدثنا أبو بكرة

إلى آخره، وهو بكار القاضي، ومحمد بن شاذان أبو بكر المصري أحد الأئمة الفقهاء الحنيفة وكان نائب القاضي بكار وخليفته على مصر حين خرج إلى الشام، وأصله بصري قدم إلى مصر، وكلاهما يرويان عن هلال سبن يحيى مسلم الرأي البصري أحد أصحاب أبي يوسف وزفر بن الهذيل، وأثنى عليه جماعة من السلف، وقد تحامل عليه ابن حبان وذكره في "الضعفاء"، ولا يلتفت إلى ذلك وكان هلال أجل من ذلك، وإنما لقب الرأي لسعة علمة وكثره فقهه، وبذلك لقب ربيعة الرأي شيخ الإِمام مالك رحمه الله، وله ذكر في "سنن أبي داود".

وعبد الرحمن بن مهدي بن حسان العنبري اللؤلؤي البصري، روى له الجماعة.

ورباح بن أبي معروف بن أبي سارة المكي، قال أبو زرعة وأبو حاتم: صالح.

وقال النسائي: ليس بالقوي. وعن يحيى: ضعيف. وقال ابن عدي: ما أرى به بأسًا، ولم أجد له حديثًا منكرًا، روى له مسلم والنسائي.

وهو يروي عن عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة المكي الأحول قاضي عبد الله بن الزبير، ومؤذنه، روى له الجماعة.

عن علقمة بن وقاص بن محصن الليثي العتواري المدني، قال النسائي وابن سعد: ثقة. روى له الجماعة.

(1)"المجتبى"(7/ 289 رقم 4613).

ص: 385

وأخرجه البيهقي (1): من حديث عبيد الله بن عبد المجيد، ثنا رباح بن أبي معروف، عن ابن أبي مليكة: "أن عثمان بن عفان رضي الله عنه ابتاع من طلحة أرضًا بالمدينة ناقلة بأرض له بالكوفة، فلما تباينا ندم عثمان، ثم قال: بايعتك ما لم أره.

فقال طلحة: إنما النظر لي إنما ابتعت مغيبًا، وأما أنت فقد رأيت ما ابتعت، فجعلا بينهما حكمًا، فحكَّما جبير بن مطعم، فقضى على عثمان رضي الله عنه أن البيع جائز وأن النظر لطلحة أنه ابتاع مغيبا". قال الذهبي: فيه انقطاع.

قوله: "قد غُبنت" على صيغة المجهول أي قد خُدعت قال الجوهري: الغُبْن -بالتسكين- في البيع، والغَبَن -بالتحريك- في الرأي، يقال: غبنته في البيع أي خدعته، وقد غُبِنَ فهو مغبون، وغَبِنَ رأيه -بالكسر- إذا نقضه فهو غبين أي ضعيف الرأي، وفيه غبانة.

واستفيد منه: جواز بيع ما لم يره وثبوت الخيار للمشتري إذا رآه، وجواز التحكيم.

قوله: "والآثار في ذلك" أي في ثبوت الخيار للمشتري إذا اشترى ما لم يره قد جاءت متواترة أي مستفيضة كثيرة، وليس المراد بها التواتر المصطلح عليه في الأصول.

فمن ذلك ما رواه البيهقي (2): من حديث إسماعيل بن عياش، عن أبي بكر بن أبي مريم، عن مكحول، عن النبي عليه السلام قال:"من اشترى شيئًا لم يره فهو بالخيار إذا رآه". وهذا مرسل، وأبو بكر واهٍ.

ومنها: ما رواه (3) من حديث داهر بن نوح، ثنا عمر بن إبراهيم بن خالد، عن

(1)"سنن البيهقي الكبرى"(5/ 268 رقم 10204).

(2)

"سنن البيهقي الكبرى"(5/ 268 رقم 10205).

(3)

"سنن البيهقي الكبرى"(5/ 268 رقم 10206).

ص: 386

وهب اليشكري، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة مرفوعًا:"من اشترى شيئًا لم يره، فهو بالخيار إذا رآه".

قال الدارقطني: عمر يضع الحديث، وهذا باطل، وإنما يُروي عن ابن سيرين من قوله.

ومنها: ما رواه (1) من حديث أيوب، سمعت الحسن يقول:"من اشترى شيئًا لم يره فهو بالخيار إذا رآه".

قوله: "وإن كان أكثرها منقطعًا

" إلى آخره كأنه جواب عما يقال: إن الأخبار التي وردت في ثبوت الخيار للمشتري إذا اشترى ما لم يره، كثرها منقطع، فكيف تحتجون بها.

وبيان الجواب: أن هذا الانقطاع لا يضر الاستدلال؛ لأنه سالم عن المعارضة فلم يعارضه خبر متصل حتى يسقط الاستدلال به، فإذا كان سالمًا عن المعارض لا يترك عن الاستدلال به والله أعلم (2).

ص: وفي هذا أيضًا حجة أخرى، وهي أن النبي عليه السلام جعل في حديث أبي هريرة رضي الله عنه للمتلقي البائع الخيار فيما باع إذا دخل الأسواق وعلم بالأسعار، فأردنا أن ننظر هل ضاد ذلك شيء أم لا؟ فاعتبرنا ذلك، فإذا أبو بكرة قد حدثنا، قال: ثنا حسين بن حفص الأصبهاني، قال: ثنا سفيان، عن يونس بن عبيد، عن ابن سيرين، عن أنس رضي الله عنه قال:"نهينا أن يبيع حاضر لباد، وإن كان أباه أو أخاه".

حدثنا أبو أمية، قال: ثنا عبد الله بن حمران، عن ابن عون، عن محمد، عن أنس قال:"نهينا أن يبيع حاضر لباد".

(1)"سنن البيهقي الكبرى"(5/ 268 رقم 10208).

(2)

في هذا نظر، وأيضًا لم يسلم رواته من ضعف شديد كما ترى.

ص: 387

حدثنا نصر بن مرزوق، قال: ثنا أسد، قال: ثنا ابن أبي ذئب، عن مسلم الخياط، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يبيع حاضر لباد".

حدثنا علي بن عبد الرحمن، قال: ثنا علي بن الجعد، قال: أنا صخر بن جويرية، عن نافع، عن ابن عمر، عن رسول الله عليه السلام مثله.

حدثنا روح بن الفرج، قال: ثنا عمرو بن خالد، قال: ثنا موسى بن أعين، عن ليث بن أبي سليم، عن مجاهد، عن ابن عمر، عن النبي عليه السلام مثله، وزاد "ولا يشتري له".

حدثنا أحمد بن داود، قال: ثنا يعقوب بن حميد، قال: ثثا الدوردي، عن داود بن صالح بن دينار، عن أبيه، عن أبي سعيد، عن النبي عليه السلام قال:"لا يبيع حاضر لباد".

حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا وهب (ح).

وحدثنا يزيد بن سنان، قال: ثنا أبو بكر الحنفي، قالا: ثنا عبد الله بن نافع، عن أبيه، عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي عليه السلام، مثله.

حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أسباط، عن هشام بن حسان، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، أن النبي عليه السلام، مثله.

حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا وهب، قال: حدثني أبي، قال: سمعت النعمان بن راشد يحدث، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، عن النبي عليه السلام، مثله.

حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا حسين بن حفص، قال: ثنا سفيان، عن صالح بن نبهان مولى التوأمة، عن أبي هريرة عن النبي عليه السلام مثله.

حدثنا حسين بن نصر، قال: ثنا عبد الرحمن بن زياد، قال: ثنا شعبة، عن عدي بن ثابت، قال: سمعت أبا حزم يحدث، عن أبي هريرة قال:"نهى -أو نهي- أن يبيع المهاجر للأعرابي".

ص: 388

حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا بشر بن عمر، قال: ثنا شعبة، عن الحكم، عن أبي ليلى، عن رجل من أصحاب النبي عليه السلام، عن النبي عليه السلام:"أنه نهى أن يبيع حاضر لباد".

حدثنا يزيد بن سنان، قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: ثنا سفيان، عن صالح مولى التوأمة، قال: سمعت أبا هريرة يقول: "نهى رسول الله عليه السلام أن يشتري حاضر لباد".

فنظرنا في العلة التي نُهي الحاضر أن يبيع للباد ما هي؟

فإذا يونس قد حدثنا، قال: ثنا سفيان، عن أبي الزبير، قال: سمعت جابرًا يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يبيع حاضر لباد، دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض".

حدثنا فهد، قال: ثنا موسى بن إسماعيل، قال: ثنا وهيب، عن عطاء، عن حكيم بن أبي يزيد، أنه جاءه في حاجة قال: فحدثني عن أبيه، أن رسول الله عليه السلام قال:"دعوا الناس فليصب بعضهم من بعض، وإذا استنصح أحدكم أخاه فلينصح له".

فعلمنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما نهى الحاضر أن يبيع للباد؛ لأن الحاضر يعلم أسعار الأسواق، فيستقصي على الحاضرين فلا يكون لهم في ذلك ربح، وإذا باعهم الأعرابي على غرته وجهله بأسعار الأسواق ربح عليه الحاضرون، فأمر النبي عليه السلام أن يخلى بين الحاضرين وبين الأعراب في البيوع ومنع الحاضرين أن يدخلوا عليهم، فإذا كان ما وصفنا كذلك وثبت إباحة التلقي الذي لا ضرر فيه بما وصفنا من الآثار التي ذكرنا؛ صار شراء المتلقي منهم شراء حاضر من باد، فهو داخل في قول النبي عليه السلام:"دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض" وبطل أن يكون في ذلك خيار البائع؛ لأنه لو كان له فيه خيار إذًا لما كان للمشتري في ذلك ربح، ولا أمر النبي عليه السلام حاضرًا أن يعترض، ولا أن يتولى البيع للباد منه لأنه يكون بالخيار في

ص: 389

فسخ ذلك البيع، أو يردّ له ثمنه إلى الأثمان التي تكون في بياعات أهل الحضر بعضهم من بعض، ففي منع النبي عليه السلام الحاضرين من ذلك إباحة الحاضرين التماس غرة البادي في البيع منهم والشراء منهم، وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله.

ش: أي وفي عدم ثبوت الخيار للبائع الجالب الذي يتلقاه الناس فيشترون منه أيضًا برهان آخر، تقريره: أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل في حديث أبي هريرة رضي الله عنه للبائع المتلقى الخيار فيما باعه إذا دخل الأسواق وعلم بأسعار الأشياء، فبعد ذلك ننظر هل ورد شيء يضاد ذلك أم لا؟ فاعتبرنا ذلك فوجدنا جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، وهم: أنس بن مالك وعبد الله بن عمر وأبو سعيد الخدري وأبو هريرة ورجل من الصحابة وجابر بن عبد الله رضي الله عنهم قد رَوَوْا عن النبي عليه السلام النهي عن بيع الحاضر للبادي.

ثم نظرنا في العلة في هذا النهي ما هي؟

فوجدناها في رواية جابر رضي الله عنه وهي أن نهيه عليه السلام عن بيع الحاضر للبادي هي كونه يعلم أسعار الأسواق فيستقصي على الحاضرين، فلا يجعل لهم في ذلك ربح إذا باعهم البادي على جهله وعدم معرفته بأسعار الأسواق ربح عليه الحاضرون فأمر النبي عليه السلام أن يخلي بين الحاضرين والبادين في البياعات حيث قال:"دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض" ومنع الحاضرين أن يدخلوا عليهم، فإذا كان الأمر كذلك وقد ثبت إباحة التلقي الذي لا ضرر فيه بالآثار المذكورة، صار شرى المتلقي من الجلّاب كشرى الحاضر من البادي فهو داخل في قوله عليه السلام:"دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض" وبطل في ذلك أن يكون خيار للبائع؛ لأنه لو كان له خيار إذن لم يكن للمشتري في ذلك ربح لأن البادي ربما اختار الفسخ لعلمه بعد نزوله السوق الأسعار، فيحرم المشتري حينئذ من الربح الذي كان قد حصل له بشراءه عند التلقي، وأيضًا لو كان للبائع خيار

ص: 390

لكان له فسخ ذلك البيع أو رد ثمن المبيع الذي باعه إلى الأثمان التي تكون في بيوع أهل الحضر بعضهم من بعض، فحينئذ لم يكن للأمر في قوله: "دعوا الناس

" الحديث، فائدة، فدل ذلك على إباحة الحاضرين طلب غرة البادين في البيع منهم والشراء منهم، ليرتزقوا بذلك فافهم.

ثم إنه أخرج حديث أنس من طريقين صحيحين:

الأول: عن أبي بكرة بكار القاضي، عن حسين بن حفص بن الفضل الأصبهاني روى له مسلم، عن سفيان الثوري، عن يونس بن عبيد بن دينار البصري، عن محمد بن سيرين، عن أنس.

وأخرجه مسلم (1): ثنا يحيى بن يحيى، قال أنا هشيم، عن يونس، عن ابن سيرين، عن أنس بن مالك قال:"نهينا أن يبيع حاضر لباد، وإن كان أخاه أو أباه".

الثاني: عن أبي أمية محمد بن إبراهيم بن مسلم الطرسوسي، عن عبد الله بن حمران بن عبد الله البصري، عن عبد الله بن عون بن أرطبان البصري، عن محمد بن سيرين، عن أنس.

وأخرجه مسلم أيضًا (1): ثنا ابن مثنى، قال: ثنا معاذ، قال: ثنا ابن عون، عن محمد، قال: قال أنس بن مالك: "نهينا أن يبيع حاضر لباد".

وأخرجه البخاري (2) أيضًا.

وأما حديث ابن عمر رضي الله عنهما فأخرجه من خمس طرق، ثلاثة منها صحاح:

الأول: عن نصر بن مرزوق، عن أسد بن موسى، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب، عن مسلم بن أبي مسلم الخياط المدني، عن ابن عمر رضي الله عنهما، وقد مرَّ هذا بعينه في أول الباب في تلقي الركبان، والظاهر أن هذا من تتمة ذاك.

(1)"صحيح مسلم"(3/ 1158 رقم 1523).

(2)

"صحيح البخاري"(2/ 758 رقم 2053).

ص: 391

الثاني: عن علي بن عبد الرحمن، عن علي بن الجعد بن عبيد الجوهري شيخ البخاري وأبي داود، عن صخر بن جويرية البصري، عن نافع، عن ابن عمر

إلى آخره.

وقد مرَّ هذا الإسناد أيضًا بعينه في هذا الباب.

وأخرجه البيهقي في "سننه"(1): من طريق الربيع، عن الشافعي، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا يبيع حاضر لباد". وقال البيهقي: عُدَّ هذا في أفراد الشافعي. وقد رواه القعنبي، عن مالك؛ أنبأناه الحاكم، قال: ثنا أحمد بن إسحاق الفقيه من أصله، أنا محمد بن غالب عنه، ورواه إبراهيم بن نصر الرازي عنه، وقد رواه عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن أبيه عن ابن عمر، ولمالك مسانيد لم يودعها "الموطأ".

الثالث: عن روح بن الفرج القطان، عن عمرو بن خالد بن فروخ الجزري الحراني، عن موسى بن أعين الجزري الحراني، عن ليث بن أبي سليم القرشي الكوفي، عن مجاهد، عن ابن عمر رضي الله عنهما.

وأخرجه البزار في "مسند": نا يوسف بن موسى، نا جرير، عن ليث، عن مجاهد، عن ابن عمر، عن النبي عليه السلام قال:"لا يبيع حاضر لباد".

الرابع: عن إبراهيم بن مرزوق، عن وهب بن جرير، عن عبد الله بن نافع، فيه مقال، فعن يحيى: ضعيف. وعن النسائي: متروك.

عن أبيه، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما نحوه.

الخامس: عن يزيد بن سنان القزاز، عن أبي بكر الحنفي عبد الكبير بن عبد المجيد، أحد أصحاب أبي حنيفة، وشيخ أحمد بن حنبل، عن عبد الله بن نافع، عن أبيه، عن ابن عمر رضي الله عنهما.

(1)"سنن البيهقي الكبرى"(5/ 346 رقم 10688).

ص: 392

وأما حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فأخرجه بإسناد قد مر بعينه في هذا الباب، ويعقوب بن حميد فيه مقال، وقد تكرر ذكره.

وأما حديث أبي هريرة فأخرجه من خمس طرق:

الأول: عن محمد بن عمرو بن يونس الثعلبي، عن أسباط بن محمد الكوفي، عن هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، عن النبي عليه السلام.

وهذا إسناد صحيح.

وأخرجه البزار في "مسنده": ثنا الحسن بن قزعة وعمرو بن عيسى، قالا: ثنا عبد الأعلى بن عبد الأعلى، ثنا هشام -يعني ابن حسان- عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:"نهى النبي عليه السلام أن يبيع حاضر لباد".

الثاني: عن إبرهيم بن مرزوق، عن وهب بن جرير، عن أبيه جرير بن حازم، عن النعمان بن راشد، عن محمد بن مسلم الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، عن النبي عليه السلام.

وهذا أيضًا إسناد صحيح.

وأخرجه مسلم (1): ثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو الناقد وزهير بن حرب، قالوا: ثنا سفيان، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة يبلغ به النبي عليه السلام قال:"لا يبع حاضر لباد".

وأخرجه البخاري (2) والنسائي (3) أيضًا.

الثالث: عن أبي بكرة بكار القاضي، عن حسين بن حفص الأصفهاني، عن سفيان الثوري، عن صالح بن النبهان مولى التوأمة بنت أمية بن خلف الجمحي فيه مقال، عن أبي هريرة.

(1)"صحيح مسلم"(3/ 1157 رقم 1520).

(2)

"صحيح البخاري"(2/ 752 رقم 2033).

(3)

"المجتبى"(6/ 71 رقم 3239).

ص: 393

وأخرجه أحمد في "مسنده"(1): ثنا وكيع، ثنا سفيان، عن صالح مولى التوأمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يبع حاضر لباد".

الرابع: عن حسين بن نصر بن المعارك، عن عبد الرحمن بن زياد الرصاصي الثقفي، عن شعبة، عن عدي بن ثابت، عن أبي حازم سلمان الأشجعي، عن أبي هريرة.

وهذا إسناد صحيح، وقد مرَّ بعينه في هذا الباب.

وأخرجه البخاري (2) ومسلم (3) من حديث أبي حازم عن أبي هريرة: "نهى أن يبيع مهاجري لأعرابي".

الخامس: عن يزيد بن سنان القزاز، عن عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان الثوري، عن صالح بن نبهان، عن أبي هريرة.

وأخرجه البزار في "مسنده": ثنا محمد بن عثمان بن كرامة، ثنا عبيد الله وقبيصة، عن سفيان، عن صالح مولى التوأمة، عن أبي هريرة.

أما حديث رجل من الصحابة رضي الله عنه فأخرجه عن إبراهيم بن مرزوق، عن بشر بن عمر الزهراني، عن شعبة، عن الحكم بن عتيبة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن رجل من أصحاب النبي عليه السلام.

وهذا إسناد صحيح.

وأخرجه أحمد في "مسنده"(4): ثنا محمد بن جعفر، نا شعبة، عن الحكم بن عتيبة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن رجل من أصحاب النبي عليه السلام قال:"لا يتلقي الجلب ولا يبع حاضر لباد".

(1)"مسند أحمد"(2/ 481 رقم 10240).

(2)

"صحيح البخاري"(2/ 971 رقم 2577).

(3)

"صحيح مسلم"(3/ 1154 رقم 1515) بنحوه.

(4)

"مسند أحمد"(4/ 314 رقم 18839).

ص: 394

وأما حديث جابر رضي الله عنه فأخرجه بإسناد صحيح عن يونس بن عبد الأعلى، عن سفيان بن عيينة، عن أبي الزبير محمد بن مسلم المكي، عن جابر.

وأخرجه مسلم (1) ثنا يحيى بن يحيى التميمي، قال: أنا أبو خيثمة، عن أبي الزبير، عن جابر رضي الله عنه.

وثنا أحمد بن يونس، قال: ثنا زهير، قال: ثنا أبو الزبير، عن جابر قال: قال رسول الله عليه السلام: "لا يبع حاضر لباد؛ دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض".

وبقي الكلام في حديث أبي يزيد -بفتح الياء آخر حروف- ذكره ابن الأثير في الصحابة وقال: أبو يزيد والد حكيم روى عنه عطاء بن السائب، وقال البغوي في "معجمه": أبو يزيد أبو حكيم بن أبي يزيد الكرخي، روى عن النبي عليه السلام حديثًا لا أعلم حدث به إلا عطاء بن السائب، ويقال: إن لأبي يزيد صحبة وسكن الكوفة، وحدثنا أبو الأشعث أحمد بن المقدام، ثنا حماد بن زيد، عن عطاء بن السائب، عن حكيم بن أبي يزيد، عن أبيه قال: قال رسول الله عليه السلام: "دعوا الناس يصيب بعضهم من بعض؛ فإذا استنصح الرجل أخاه فلينصحه".

وأخرجه أحمد أيضًا في "مسنده"(2) نحوه عن عبد الصمد، عن أبيه، عن عطاء ابن السائب، عن حكيم بن أبي يزيد، عن أبيه، أن النبي عليه السلام قال

الحديث. وقال: وهذا الحديث رواه أبو عوانة، عن عطاء، عن حكيم بن أبي يزيد، عن أبيه، عن رجل سمع النبي عليه السلام يقول، نحوه.

ورواه حماد بن سلمة عن عطاء، عن حكيم بن يزيد، عن أبيه -وإنما هو ابن أبي يزيد- وقال البيهقي رُوي ذلك عن حكيم بن أبي يزيد، عن أبيه، عن النبي عليه السلام وقيل: عن أبيه، عمن سمع النبي عليه السلام.

(1)"صحيح مسلم"(3/ 1157 رقم 1522).

(2)

"مسند أحمد"(3/ 418 رقم 15493).

ص: 395

وذكر ابن حبان حكيمًا هذا اتباع التابعين، فيدل هذا على أن والده أبا يزيد ليس من الصحابة، والله تعالى أعلم.

قوله: "نُهِينا" على صيغة المجهول، وقد مرَّ غير مرة أن مثل هذا اللفظ مستند إلى النبي عليه السلام.

قوله: "أن يبيع حاضر لباد" الحاضر المقيم في المدن والقرى، والبادي المقيم بالبادية، وقال ابن حبيب: البادى الذي لا يبيع له الحاضر: هم أهل العمود وأهل البوادي والبراري مثل الأعراب.

قوله: "وإن كان أباه" واصل بما قبله، أي وإن كان البادي أَبُ الحاضر أو أخاه.

قوله: "لا يبيع حاضر" على صورة النفي وفي بعض الروايات "لا يبع" بالجزم على صورة النهي.

قوله: "نَهى أو نُهي" الأول: على صورة المعلوم، أي نهى رسول الله عليه السلام، والثاني: على صيغة المجهول وهو أيضًا مستند إلى النبي عليه السلام.

قوله: "أن يبيع المهاجر للأعرابي" أراد بالمهاجر الحاضر الذي هاجر، ومن الأعرابي الذي يأتي من البادية، وكان الحاضر المهاجر نهي أن يبيع للأعرابي، ثم جاء النهي عن بيع الحاضر للبادي مطلقًا، سواء كان الحاضر مهاجرًا أو لم يكن، كما في حديث ابن عمر رضي الله عنهما:"نهى رسول الله عليه السلام أن يبيع حاضر لباد" فهذا أعم من أن يكون مهاجرًا أو غيره.

قوله: "دعوا الناس" أي اتركوهم.

قوله: "وإذا استنصح" أي وإذا طلب أحدكم من أحدٍ النصيحة.

ويستفاد منه أحكام:

الأول: قال أبو عمر (1): قال أبو حنيفة وأصحابه رضي الله عنهم: لا بأس أن يبيع

(1)"التمهيد"(18/ 198).

ص: 396

الحاضر للبادي، واحتجوا في ذلك بقوله عليه السلام:"دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض".

وقال الشافعي: لا يبيع حاضر لباد، فإن باع فهو عاص إذا كان عالمًا بالنهي، ويجوز البيع لقوله عليه السلام:"دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض".

وقال ابن حزم: بيع الحاضر للباد باطل، فإن فعل فسخ البيع والشراء أبدًا وحكم فيه بحكم الغصب، ولا خيار لأحد في إمضائه، واستدل بأحاديث رواها عن أبي هريرة وأنس بن مالك وابن عباس وجابر بن عبد الله وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم في النهي عن بيع الحاضر للباد.

ثم قال: هذا نُقِل عن خمسة من الصحابة بالطرق الثابتة، ثم روى آثارًا عن جماعة من الصحابة في ذلك المعنى.

ثم قال: فهؤلاء المهاجرون جملة، وعمر بن الخطاب وأنس وابن عباس وأبو هريرة وطلحة لا مخالف لهم يعرف من الصحابة رضي الله عنهم، وهو قول عطاء وعمر بن عبد العزيز.

ثم قال: "وروينا عن بعض المتأخرين خلافًا، روينا عن الحسن أنه كان لا يري بأسًا أن يشتري من الأعرابي للأعرابي، قيل له: فيشتري منه المهاجر؟ قال: لا.

وعنه أيضًا: "اشترِ للبدوي ولا تبع له" وروى عن إبراهيم قال: كان يعجبهم أن يصيبوا من الأعراب رخصة. وهو قول الأوزاعي وسفيان الثوري وأحمد وإسحاق والشافعي وأبي سليمان ومالك والليث، قال الأوزاعي: لا يبع له، ولكن يشير عليه، وليس الإشارة بيعًا إلا أن الشافعي قال: إن وقع البيع لم يفسخ، وقال مالك والليث: لا يشير عليه، وقال مالك: لا يبع الحاضر أيضًا لأهل القرى، ولا بأس بأن يشتري الحاضر للبادي، وإنما منع من البيع له فقط، ثم قال: لا يبع مدني لمصري، ولا مصري لمدني، ولكن يشير كل واحد منهما على الآخر، ويخبر بالبيع.

ص: 397

وقال أبو حنيفة: بيع الحاضر للباد لا بأس به، وقال أبو عمر:(1): قال ابن وهب عن مالك: لا أرى أن يبيع الحاضر للبادي، ولا لأهل القرى وروى أصبغ عن ابن القاسم فيمن فعل ذلك أنه يفسخ بيعه وكذلك روى عيسى عن ابن القاسم، قال: وإن تاب فلا شيء عليه، وروى عيسى وسحنون عن ابن القاسم أنه قال: يؤدب الحاضر إذا باع للبادي، قال في رواية عيسى: إن كان معتادًا لذلك، وقال ابن وهب: لا يؤدب عالمًا كان بالنهي عن ذلك أو جاهلًا.

وقال أبو عمر: لم يختلف قول مالك في كراهية بيع الحاضر للبادي، واختلف قوله في شراء الحاضر للبادي، فمرة قال: لا بأس أن يشتري له، ومرة قال: لا يشتري له، ولا يشير عليه، وبه قال ابن حبيب.

وقال ابن الأثير: والمنهي عن ذلك أن يأتي البدوي البلد ومعه قوت يبغي التسارع إلى بيعه رخيصًا فيقول له الحضري: أتركه عندي لأغالي في بيعه، فهذا الصنيع محرم لما فيه من الإضرار بالغير والبيع إذا جرى مع المغالاة منعقد، وقال أيضًا: هذا إذا كانت السلعة مما تعم الحاجة إليها كالأقوات، فإن كانت لا تعم، أو كثر القوت واستغني عنه ففي التحريم تردد ويعوَّل في أحدهما على عموم ظاهر النهي، وحسم باب الضرر، وفي الثاني على معنى الضرر وزواله، وقد جاء عن ابن عباس (2) أن سئل عن معنى "لا يبع حاضر لباد" فقال:"لا يكون له سمسارًا".

وقال الكاساني في "البدائع": بيع الحاضر للبادي هو أن يكون لرجل طعام وعلف لا يبيعهما إلا لأهل البادية بثمن غال، ثم روى الحديث المذكور، ثم قال: ولو باع جاز البيع؛ لأن النهي لمعنى في غير البيع، وهو الإضرار بأهل المصر،

(1)"التمهيد"(18/ 196).

(2)

حكم عليه ابن الأثير بالصحة كما في "الشافي شرح مسند الشافعي" وهو بتحقيقنا (4/ 66)، والحديث متفق عليه، فأخرجه البخاري (2/ 758 رقم 2055)، ومسلم (3/ 1157 رقم 1521).

ص: 398

فلا يوجب فساد البيع كالبيع وقت النداء، وهذا إذا كان ذلك يضر بأهل البلد بأن كان أهله في قحط من الطعام والعلف فإن كانوا في خصب وسعة فلا بأس به لانعدام الضرر.

الثاني: فيه أن الناس لا يتعرض بعضهم بعضًا في مكاسبهم، ووجوه طلبهم للأرزاق.

الثالث: فيه الندب إلى النصيحة للمسلمين، وأنه من الدين؛ قال عليه السلام:"الدين النصيحة لله ولرسوله وللمؤمنين" ولا سيما للمستنصح، والله أعلم.

***

ص: 399