المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ص: باب: القراءة في الظهر والعصر - نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار - جـ ٤

[بدر الدين العيني]

الفصل: ‌ص: باب: القراءة في الظهر والعصر

‌ص: باب: القراءة في الظهر والعصر

ش: أي هذا باب في بيان حكم القراءة في صلاتي الظهر والعصر، والمناسبة بين البابين ظاهرة؛ لأن القراءة في الصلاة تكون عقيب البسملة.

ص: حدثنا ربيع المؤذن، قال: ثنا أسد بن موسى، قال: ثنا سعيد وحماد ابنا زيد، عن أبي جهضم موسى بن سالم، عن عبد الله بن عبيد الله بن عباس قال:"كنا جلوسًا في فتيان من بني هاشم إلى ابن عباس، فقال له رجل: أكان النبي- عليه السلام يقرأ في الظهر والعصر؟ قال: لا، قال: فلعله كان يقرأ فيما بينه وبين نفسه؟ -وفي حديث سعيد: قال: لا. وفي حديث حماد: هي شرٌّ من الأول- ثم قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدًا لله أمره الله عز وجل فبلغ والله ما أمره به".

ش: رجاله ثقات، وسعيد بن زيد أخو حماد بن زيد روى له مسلم أبو داود والترمذي، وحماد روى له الجماعة.

وأبو جهضم موالى آل عباس بن عبد المطلب، وثقه يحيى وأبو زرعة، وروى له الأربعة.

وعبد الله بن عبيد الله -بتصغير الأب- ابن عباس بن عبد المطلب، وثقه أبو زرعة والنسائي، وروى له الأربعة.

وأخرجه أبو داود (1): ثنا مسدد، نا عبد الوارث، عن موسى بن سالم، نا عبد الله بن عبيد الله قال:"دخلت على ابن عباس في شباب من بني هاشم فقلنا لشباب منا: سل ابن عباس كان رسول الله عليه السلام يقرأ في الظهر والعصر؟ فقال: لا لا. فقيل له: فلعله كان يقرأ في نفسه؟ فقال: خمشًا هذه شر من الأولى، كان عبدًا مأمورًا بلغ ما أرسل به، وما اختصنا دون الناس بشيء إلا بثلاث خصال: أمرنا أنا نسبغ الوضوء، وأن لا نأكل الصدقة، وأن لا نُنزي الحمار على الفرس".

(1)"سنن أبي داود"(1/ 274 رقم 808).

ص: 5

قوله: "كنا جلوسًا" أي جالسين، والجلوس جمع جالس، كالقعود جمع قاعد.

قوله: "في فتيان" أي بين فتيان كما في قوله تعالى: {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} (1) أي بين عبادي، والفتيان جمع فتى وهو الشاب، ولهذا جاء في رواية أبي داود:"في شباب" وهو جمع شاب.

قوله: "إلى ابن عباس" أي معه، وكلمة "إلى" تجيء للمصاحبة، كما في قوله تعالى:{مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ} (2) أي معه.

قوله: "أكان النبي- عليه السلام" الهمزة فيه للاستفهام.

قوله: "هي شرّ من الأولى" أي هذه المسألة شر من المسألة الأولى، أو هذه الحالة شر من تلك الحالة، وشرٌّ بمعنى أَشَرّ، وقد عُلِمَ أن خيرًا وشرًّا يستعملان للتفضيل على صنيعيهما.

قوله: "خمشًا" دعاء عليه بأن يخمش وجهه أو جلده، كما يقال: جدعًا، وصلبًا، وطعنًا، وقطعًا ونحوها من الدعاء بسوء، وهو منصوب بفعلٍ لا يظهر.

قوله: "وأن لا نأكل الصدقة" أراد بها الزكاة.

قوله: "وأن لا نُنْزي" من الإنزاء وثلاثيه نِزَأ بالكسر، وقال الجوهري: يقال ذلك في الحافر والظلف والسباع.

ص: حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا وهب بن جرير، قال: ثنا أبي، قال: سمعت أبا يزيد المدني يحدث، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما:"أنه قيل له: إن ناسًا يقرءون في الظهر والعصر، فقال: لو كان لي عليهم سبيل لقلعت ألسنتهم؛ إن النبي عليه السلام قرأ، وكانت قراءته لنا قراءةً، وسكوته لنا سكوتًا".

(1) سورة الفجر، آية:[29].

(2)

سورة الصف، آية:[14].

ص: 6

ش: إسناده صحيح، وجرير هو ابن حازم بن زيد أبو النضر البصري، وأبو يزيد المدني روى له البخاري، وسئل أبو زرعة عن اسمه فقال: لا أعلم له اسمًا.

والحديث أخرجه البزار في "مسنده": ثنا عمرو بن خالد بن الحارث، عن سعيد بن أبي عروبة، عن أبي يزيد المدني، عن عكرمة:"أن رجلًا سأل ابن عباس عن القراءة في الظهر والعصر، فقال: قرأ رسول الله عليه السلام في صلوات فنقرأ فيما قرأ فيه، ونسكت فيما سكت، فقلت: كان يقرأ في نفسه. فغضب وقال: أتتهمون رسول الله عليه السلام".

وهذا الحديث لا نعلمه روي إلا عن ابن عباس بهذا اللفظ، ولا نعلم أحدًا تابع ابن عباس على ما تأوله من ذلك.

وأخرجه الطبراني (1): عن محمَّد بن محمَّد، عن عبد الأعلى بن حماد النرسي، عن يزيد بن زريع، عن سعيد بن أبي عروبة

إلى آخره نحوه رواية البزار غير أن في لفظه "أو تتهم رسول الله عليه السلام".

وأخرجه أحمد (2): من حديث إسماعيل، عن أيوب، عن عكرمة قال: قال ابن عباس: "قرأ رسول الله عليه السلام فيما أمر أن يقرأ فيه، وسكت فيما أمر أن يسكت فيه {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} (3) و {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} "(4).

ص: فذهب قوم إلى هذه الآثار التي رويناها، وقالوا: لا نرى أن يقرأ أحد في الظهر والعصر البتة.

(1)"المعجم الكبير"(11/ 357 رقم 12005).

(2)

"مسند أحمد"(1/ 360 رقم 3399).

(3)

سورة مريم، آية:[64].

(4)

سورة الأحزاب، آية:[21].

ص: 7

ش: أراد بالقوم هؤلاء: سويد بن غفلة والحسن بن صالح وإبراهيم بن عُلية ومالكًا في رواية؛ فإنهم ذهبوا إلى هذه الآثار التي رويت عن ابن عباس رضي الله عنهما وقلدوها، وقالوا: لا قراءة في الظهر والعصر أصلًا.

ثم اعلم أن العلماء اختلفوا في القراءة في الصلاة، فقالت طائفة: القراءة في الصلوات مستحبة غير واجبة، وإليه ذهب الأصم وابن عُلية والحسن بن صالح وابن عُيينة، حتى لو لم يقرأ مع القدرة عليها تجزئه صلاته.

وقال الشافعي: فرضٌ في الكل. وقال مالك: فرضٌ في ثلاث ركعات.

وقال الحسن: فرضٌ في واحدة. وقال أصحابنا: فرضٌ في الركعتين من غير تعيين. وقال عياض: فذهب جمهور العلماء إلى وجوب أم القرآن للإمام والفذّ في كل ركعة، وهو مشهور قول مالك، وعنه أيضًا: أنها واجبة في كل الصلاة، وهو قول إسحاق، وعنه: أنها إنما تجب في ركعة. قاله المغيرة والحسن، وعنه: أنها لا تجب في شيء من الصلاة وهو أشذ رواياته، وهو مذهب أبي حنيفة، إلا أن أبا حنيفة يشترط أن يقرأ غيرها من القرآن في جلّ الصلاة، وذهب الأوزاعي إلى أنها تجب في نصف الصلاة، وحكي عن مالك.

ثم اختلف بعد ذلك من لم يُعيّن قراءة أم القرآن في الصلاة ما يجزئه من غيرها من القرآن؟ بعد إجماعهم على أن لا صلاة إلا بقراءة في الركعتين الأولين إلا ما قاله الشافعي فيمن نسي القراءة في صلاته كلها: تجزئه ويعذر بالنسيان على ما روي عن عمر رضي الله عنه (1) ولم يصح عنه، وقد أنكره مالك، وروي أن عمر أعاد (2)، ثم رجع الشافعي عن هذا.

(1) أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(2/ 347 رقم 3678)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(1/ 348 رقم 4006).

(2)

أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(2/ 382 رقم 3794)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(1/ 349 رقم 4012).

ص: 8

وقال أبو حنيفة: يجزئ أن يقرأ آية من القرآن. وقال أصحابه: ثلاثًا أو آية طويلة.

وقال الطبري: سبع آيات بقدر أم القرآن من آيها وحروفها، وذهب أبو حنيفة إلى أن القراءة في الركعتين الأخريين لا تجب، وقاله الثوري والأوزاعي، وخالفهم الجمهور فأوجبوها على اختلاف مذاهبهم، وحكى ابن المواز عن ابن أبي سلمة وربيعة وعلي بن أبي طالب: أن القراءة في الصلاة ليست من فروضها، وإليه ذهب محمَّد بن أبي، وحكى الداودي عن علي وابن أبي سلمة وطائفة أن فرض القراءة مع الذكر، وأما الناسي فيجزئه القيام والركوع والسجود.

وقال أبو عمر (1): وأما اختلاف العلماء في هذا الباب، فإن مالكًا والشافعي وأحمد وإسحاق وأبا ثور وداود وجمهور أهل العلم قالوا: لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب، وقال ابن خوازبنداد المالكي البصري: وهي عندنا متعينة في كل ركعة قال: ولم يختلف قول مالك أنه من نسيها في ركعة من صلاة أو ركعتين أن صلاته تبطل أصلًا ولا تجزئه، واختلف قوله فيمن تركها ناسيًا في ركعة من صلاة رباعية أو ثلاثية، فقال مرة: يعيد الصلاة ولا تجزئه، وهو قول ابن القاسم وروايته واختياره من قول مالك، وقال مرة أخرى: يسجد سجدتي السهو وتجزئه، وهي رواية ابن عبد الحكم وغيره عنه، قال: وقد قيل: إنه يعيد تلك الركعة ويسجد للسهو بعد السلام، قال: وقال الشافعي وأحمد بن حنبل: لا تجزئه حتى يقرأ بفاتحة الكتاب في كل ركعة. وقال أبو حنيفة: والثوري والأوزاعي: إن تركها عامدًا في صلاته كلها وقرأ غيرها أجزاعه على اختلاف عن الأوزاعي في ذلك، وقال الطبري: يقرأ المصلي بأم القرآن في كل ركعة، فإن لم يقرأ بها لم يجزه إلا مثلها من القرآن عدد آياتها وحروفها. وقال أبو يوسف ومحمد: ثلاث آيات أو آية طويلة كآية الدين، والله أعلم.

(1)"التمهيد"(20/ 192).

ص: 9

ص: ورَوَوْا ذلك أيضًا عن سويد بن غفلة، كما حدثنا أبو بشر عبد الملك بن مروان الرقي، قال: ثنا شجاع بن الوليد، عن زهير بن معاوية، عن الوليد بن قيس قال:"سألت سويد بن غفلة أيقرأ في الظهر والعصر؟ فقال: لا".

ش: أي روى هؤلاء القوم ترك القراءة في الظهر والعصر أيضًا عن سويد بن غفلة بن عوسجة أبي أمية الكوفي المخضرم، وقد روي أنه صلى مع النبي عليه السلام ولم يثبت.

وهذا إسناد جيد؛ لأن رجاله ثقات.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): ثنا الفضل، عن زهير، عن الوليد بن قيس قال:"سألت سويد بن غفلة، أقرأ خلف الإِمام في الظهر والعصر؟ قال: لا".

ص: فقيل لهم: ما لكم فيما روينا عن ابن عباس حجة، وذلك أن ابن عباس قد روي عنه خلاف ذلك:

حدثنا صالح بن عبد الرحمن الأنصاري، قال: ثنا سعيد بن منصور، قال: ثنا هشيم، قال: أنا حصين، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:"لقد حفظت السنة غير أني لا أدري كان رسول الله عليه السلام يقرأ في الظهر والعصر أم لا".

فهذا ابن عباس قد أخبر في هذا الحديث أنه لم يتحقق عنده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يقرأ فيهما وإنما أمر بترك القراءة -فيما تقدمت روايتنا له عنه- لأن رسول الله عليه السلام لم يكن يقرأ في ذلك فإذا انتفى أن يكون قد تحقق ذلك عنده عن النبي عليه السلام انتفى ما قال من ذلك؛ لأن غيره قد تحقق قراءة رسول الله عليه السلام فيهما مما سنذكره في موضعه في هذا الباب إن شاء الله تعالى مع أنه قد روي عن ابن عباس من رأيه ما يدل على خلاف ذلك.

(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 331 رقم 3796).

ص: 10

حدثنا علي بن شيبة، قال: ثنا يزيد بن هارون، قال: أنا إسماعيل بن أبي خالد، عن العيزار بن حريث، عن ابن عباس قال:"اقرأ خلف الإِمام بفاتحة الكتاب في الظهر والعصر".

حدثنا علي، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا يونس بن أبي إسحاق، عن العيزار بن حريث قال: سمعت ابن عباس يقول: "لا تُصلي صلاة إلا قرأت فيها ولو بفاتحة الكتاب".

حدثنا أحمد بن داود بن موسى، قال: ثنا عبيد الله بن محمَّد التيمي وموسى بن إسماعيل، قالا: ثنا حماد بن سلمة، عن أيوب، عن أبي العالية البراء قال:"سمعت ابن عباس أو سئل عن القراءة في الظهر والعصر فقال: هو إمامك فاقرأ منه ما قل وما كثر، وليس من القرآن شيء قليل".

حدثنا حسين بن نصر، قال: سمعت يزيد بن هارون، قال: أنا سعيد بن أي عروبة، عن أبي العالية، قال: "سألت ابن عباس

فذكر مثله قال: سألت ابن عمر رضي الله عنهما فقال: إني لأستحي أن أصلي صلاة لا أقرأ فيها بأم القرآن أو ما تيسر".

قال أبو جعفر رحمه الله: فهذا ابن عباس قد روي عنه من رأيه أن المأموم يقرأ خلف الإِمام في الظهر والعصر، وقد رأينا الإِمام يحمل عن المأموم، ولم نر المأموم يحمل عن الإمام شيئًا، فإذا كان المأموم يقرأ، فالأمام أحرى أن يقرأ، مع ما قد روينا عنه أيضًا من أمره بالقراءة فيهما.

ش: أي قيل لهؤلاء القوم المذكورين: ما لكم في ما روينا عن ابن عباس من الآثار المذكورة حجة؛ لأنه قد روي عنه خلاف ذلك، يعني ما يعارضه ويرده، وهو ما رواه الطحاوي عن صالح، عن سعيد بن منصور بن شعبة الخراساني شيخ مسلم، عن هشيم بن بشير الواسطي من رجال الجاعة، عن حُصين -بضم الحاء- ابن عبد الرحمن السلمي ابن عم منصور بن المعتمر من رجال الجماعة، عن عكرمة، عن ابن عباس.

ص: 11

وأخرجه أبو داود (1): ثنا زياد بن أبي أيوب، ثنا هشيم، أنا حصين، عن عكرمة، عن ابن عباس قال:"لا أدري كان رسول الله عليه السلام يقرأ في الظهر والعصر أم لا؟ ". انتهى.

فقد أخبر في هذا أنه لم يتحقق عنده عدم قراءة رسول الله عليه السلام في الظهر والعصر فإذا انتفى تحقق ذلك عنده عن النبي عليه السلام انتفى ما قاله أيضًا من ذلك القول؛ لأن غيره من الصحابة قد تحققوا قراءة رسول الله عليه السلام في الظهر والعصر، إلى ما يجيء بيانه عن قريب إن شاء الله تعالى.

وقال الخطابي في جواب هذا: إنه وهم من ابن عباس رضي الله عنهما لأنه قد ثبت عن النبي عليه السلام أن كان يقرأ في الظهر والعصر من طرق كثيرة، كحديث أبي قتادة وخباب بن الأرت وغيرهما.

قلت: عندي جواب أحسن من هذا مع رعاية الأدب في حق ابن عباس رضي الله عنهما وهو أن ابن عباس استند في هذا أولًا على قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} (2) وهو مجمل بيَّنه عليه السلام -بفعله، ثم قال:"صلوا كما رأيتموني أصلي"(3) والمرئي هو الأفعال دون الأقوال والصلاة اسمًا للفعل في حق الظهر والعصر، وللفعل والقول في حق غيرهما، ولم يبلغ ابن عباس قراءته عليه السلام في الظهر والعصر، فلذلك قال في جواب عبد الله بن عبيد الله: لا. فلما بلغه خبر قراءته عليه السلام: فيهما، وثبت عنده رجع من ذلك القول.

والدليل عليه ما رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(4): ثنا سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن الحسن العرني، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر والعصر".

(1)"سنن أبي داود"(1/ 274 رقم 809).

(2)

سورة البقرة، آية:[42] وغيرها.

(3)

أخرجه البخاري (1/ 226 رقم 602).

(4)

"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 318 رقم 3637).

ص: 12

وإسناده صحيح.

قوله: "مع أنه قد روي عن ابن عباس من رأيه ما يدل على خلاف ذلك" أي على أن الشأن قد روي عن ابن عباس من رأيه واجتهاده ما يدل على خلاف ذلك القول الذي احتجت به أهل المقالة الأولى.

وهو قوله: "أقرأ خلف الإِمام بفاتحة الكتاب في الظهر والعصر، وقد علم أن الإِمام كان يحمل عن المأموم من غير عكس فإذا كان المأموم يقرأ مع تحمل القراءة عنه غيره فبالأولى أن تجب قراءة الإِمام الذي لا يحمل عنه أحد.

ثم إنه أخرج ذلك عن أربع طرق صحاح برجال الثقات:

الأول: عن علي بن شيبة بن الصلت السدوسي، عن يزيد بن هارون الواسطي، عن إسماعيل بن أبي خالد أبي عبد الله البجلي الكوفي، واسم أبي خالد: هرمز، وقيل: سعد، وقيل: كثير.

عن العيراز بن حريث العبدي الكوفي.

وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه" (1): ثنا وكيع، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن العيزار بن حريث العبدي، عن ابن عباس قال: "أقرأ خلف الإِمام بفاتحة الكتاب".

قوله: "اقرأ" على صورة الأمر، من قَرَأ يقرأ.

الثاني: عن علي بن شيبة أيضًا، عن أبي نعيم الفضل بن دكين، عن يونس ابن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله الهمْدَاني السبيعي، عن العيزار بن حريث

إلى آخره.

وأخرجه عبد الرزاق في "مصنفه"(2): عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن العيزار بن حريث قال: سمعت ابن عباس يقول: "لا تصلين صلاة حتى تقرأ بفاتحة الكتاب وسورة، ولا تدع أن تقرأ بفاتحة الكتاب في كل ركعة".

(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 329 رقم 3773).

(2)

"مصنف عبد الرزاق"(2/ 94 رقم 2628).

ص: 13

الثالث: عن أحمد بن داود المكي، عن عبيد الله بن محمَّد بن حفص القرشي التيمي أبي عبد الرحمن البصري المعروف بأبي عائشة، وعن موسى بن إسماعيل المِنْقري أبي سلمة التبوذكي شيخ البخاري وأبي داود، كلاهما عن حماد بن سلمة، عن أيوب السختياني، عن أبي العالية البراء البصري قيل: اسمه زياد، وقيل: كلثوم، وقيل: أذينة، روى له الشيخان، والبراء -بفتح الباء الموحدة وتشديد الراء- على وزن فعال، وكان يبري النبل فسمي بذلك.

وأخرجه عبد الرزاق (1): عن معمر، عن أيوب، عن أبي العالية:"سألت ابن عباس، فقال: اقرأ منه ما قلَّ أو كثر وليس من القرآن قليل".

قوله: "هو إمامك" أي القراءة أمامك، وذكر الضمير باعتبار القرآن.

قوله: "وليس من القرآن شيء قليل" أراد أن كله في القدر سواء، ولا يوصف جزء من القرآن بالقلة؛ لأنها تنبئ عن الحقارة.

الرابع: عن حسين بن نصر بن المعارك، عن يزيد بن هارون الواسطي، عن سعيد بن أبي عروبة مهران، عن أبي العالية البراء.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(2): ثنا ابن علية، عن أيوب، عن أبي العالية البراء قال:"قلت لابن عمر: أفي كل ركعة أقرأ؟ فقال: إني لأستحي من رب هذا البيت أن لا أقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب وما تيسر. وسألت ابن عباس فقال: هو إمامك، فإن شئت فأقلَّ منه، وإن شئت فأكثر".

ص: فأما ما روي عن النبي عليه السلام خلاف ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما من ذلك؛ فإن أبا بكرة بكّار بن قتيبة؛ حدثنا، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا هشام بن أبي عبد الله، عن يحيى بن أبي كثير، عن عبد الله بن أبي قتادة، أن أباه أخبره:؛ أن رسول الله عليه السلام كان يقرأ في الظهر والعصر، فيسمعنا الآية أحيانًا".

(1)"مصنف عبد الرزاق"(2/ 94 رقم 2626).

(2)

"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 317 رقم 3630).

ص: 14

حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه، عن النبي عليه السلام نحوه.

حدثنا محمَّد بن عبد الله بن ميمون البغدادي، قال: ثنا الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، قال: حدثني عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه قال:"كان رسول الله عليه السلام يقرأ بأم القرآن وسورتين معها في الأوليين من صلاة الظهر والعصر ويسمعنا الآية أحيانًا".

ش: شرع في بيان ما وعد ببيانه بقوله: "لأن غيره قد تحقق قراءة رسول الله عليه السلام فيهما مما سنذكره في موضعه من هذا الباب" وروى ذلك عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم منهم أبو قتادة واسمه الحارث بن ربعي الأنصاري فارس رسول الله عليه السلام.

وأخرج حديثه من ثلاث طرق صحاح:

الأول: عن أبي بكرة بكّار بن قتيبة القاضي، عن أبي داود سليمان بن داود الطيالسي، عن هشام بن أبي عبد الله الدَّسْتوائي أبي بكر النصري -بالنون- واسم أبي عبد الله سَنْبر.

عن يحيى بن أبي كثير الطائي أبي نصر اليمامي، واسم أبي كثير صالح بن المتوكل. عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه.

وأخرجه البخاري (1): ثنا المكي بن إبراهيم، عن هشام، عن يحيى بن أبي كثير، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه قال:"كان النبي عليه السلام يقرأ في الركعتين من الظهر والعصر بفاتحة الكتاب وسورة سورة، ويسمعنا الآية أحيانًا".

ومسلم (2): ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا يزيد بن هارون، قال: أنا همام وأبان بن يزيد، عن يحيى بن أبي كثير

إلى آخره نحوه، وفي آخره "ويقرأ في الركعتين الأخريين بفاتحة الكتاب".

(1)"صحيح البخاري"(1/ 264 رقم 728).

(2)

"صحيح مسلم"(1/ 333 رقم 451).

ص: 15

وأبو داود (1): ثنا مسدد، ثنا يحيى، عن هشام بن أبي عبد الله.

ونا ابن المثنى، نا ابن أبي عدي، عن الحجاج -وهذا لفظه- عن يحيى، عن عبد الله بن أبي قتادة -قال ابن المثنى: وأبي سلمة- ثم اتفقا على أبي قتادة قال: "كان النبي عليه السلام يصلي بنا يقرأ في الظهر والعصر في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورتين، ويسمعنا الآية أحيانًا، وكان يطول الركعة الأولى من الظهر، ويقصر الثانية، وكذلك في الصبح". لم يذكر مسدد فاتحة الكتاب وسورة.

والنسائي (2): أخبرني يحيى بن درست، قال: ثنا أبو إسماعيل، قال: ثنا خالد، قال: ثنا يحيى بن أبي كثير، أن عبد الله بن أبي قتادة حدثه، عن أبيه، عن النبي عليه السلام قال:"كان يصلي بنا الظهر فيقرأ في الركعتين الأوليين، فيسمعنا الآية كذلك، وكان يطيل الركعة في صلاة الظهر، والركعة الأولى يعني من صلاة الصبح".

وابن ماجه (3): ثنا بشر بن هلال الصواف، ثنا يزيد بن زريع، نا هشام الدستوائي، عن يحيى بن أبي كثير، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه قال:"كان رسول الله عليه السلام يقرأ بنا في الركعتين الأوليين من صلاة الظهر، ويسمعنا الآية أحيانًا".

قوله: "في الظهر" أي في صلاة الظهر وصلاة العصر.

قوله: "أحيانًا" أي في بعض الأحيان، وهو جمع حين وهو الوقت.

وهذا محمول على أنه أراد بيان جواز الجهر في القراءة السرية وأن الإسرار ليس بشرط لصحة الصلاة، بل هو سُنَّة، ويحتمل أن الجهر بالآية كان يحصل بسبق اللسان للاستغراق في التدبر.

الثاني: عن أبي بكرة أيضًا، عن أبي عاصم النبيل الضحاك بن مخلد، عن عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير

إلى آخره.

(1)"سنن أبي داود"(1/ 271 رقم 798).

(2)

"المجتبى"(2/ 164 رقم 974).

(3)

"سنن ابن ماجه"(1/ 271 رقم 829).

ص: 16

وأخرجه النسائي (1) أيضًا: أنا عمران بن يزيد بن خالد بن مسلم يعرف بابن أبي جميل الدمشقي، قال: ثنا إسماعيل بن عبد الله بن سماعة، قال: ثنا الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، قال: حدثني عبد الله بن أبي قتادة، قال: ثنا أبي: "أن رسول الله عليه السلام كان يقرأ بأم القرآن وسورتين في الركعتين الأوليين من صلاة الظهر وصلاة العصر، ويسمعنا الآية أحيانًا، وكان يطيل في الركعة الأولى".

الثالث: عن محمَّد بن عبد الله بن ميمون الإسكندراني أبي بكر السكري شيخ أبي داود والنسائي أيضًا، وثقه ابن يونس وابن أبي حاتم.

عن الوليد بن مسلم الدمشقي من رجال الجماعة، عن الأوزاعي

إلى آخره.

وأخرجه أحمد في "مسنده"(2): ثنا أبو المغيرة، ثنا الأوزاعي، حدثني يحيى بن أبي كثير، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه:"أن النبي عليه السلام كان يقرأ بأم القرآن وسورتين معها في الركعتين الأوليين من صلاة الظهر وصلاة العصر، ويسمعنا الآية أحيانًا، وكان يطول في الركعة الأولى".

ص: حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا خطاب بن عثمان، قال: ثنا إسماعيل بن عياش، عن مسلم بن خالد، عن جعفر بن محمَّد، عن الزهري، عن عبد الله بن أبي رافع، عن علي رضي الله عنه "أنه كان يقرأ في الركعتين الأوليين من الظهر بأم القرآن وقرأن، وفي العصر مثل ذلك، وفي الآخريين منهما بأم القرآن، وفي المغرب في الأوليين بأم القرآن وقرآن، وفي الثالثة بأم القرآن" قال عبيد الله: فأراه قد رفعه إلى النبي عليه السلام.

ش: خطاب بن عثمان الطائي الفوزي أبو عمر الحمصي، شيخ البخاري.

وإسماعيل بن عياش -بالياء آخر الحروف المشددة، وبالشين المعجمة- بن سليم الحمصي أبو عتبة العنسي -بالنون- تكلم فيه ناس ولكنه ثقة، قال الفسوي:

(1)"المجتبى"(2/ 164 رقم 975).

(2)

"مسند أحمد"(5/ 305 رقم 22650).

ص: 17

تكلم قوم في إسماعيل وهو ثقة عدل، أعلم الناس بحديث الشام، أكثر ما تكلموا فيه قالوا يغرب عن ثقات الحجازيين. قال دحيم: هو في الشاميين غاية، وخلط عن المدنين. وروى له الأربعة.

ومسلم بن خالد بن قرقرة، ويقال: ابن جرجة، أبو خالد المكي المعروف بالزنجي شيخ الشافعي، ضعيف قاله يحيى، وعنه: ثقة. وعنه: ليس به بأس. وقال أبو داود: ضعيف. وقال ابن المديني: ليس بشيء. وقال البخاري: منكر الحديث. روى له أبو داود وابن ماجه.

وجعفر بن محمَّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أبو عبد الله المدني الصادق شيخ أبي حنيفة رضي الله عنه من ثقات الناس، روى له الجماعة البخاري في غير "الصحيح".

والزهري هو محمَّد بن مسلم.

وعُبيد الله بن أبي رافع المدني مولى النبي عليه السلام، واسم أبي رافع: أسلم، أو إبراهيم، أو هرمز، أو ثابت، وقد تكرر ذكره، وسماعه عن علي رضي الله عنه صحيح، قاله البيهقي، وكان كاتبًا لعلي رضي الله عنه.

وأخرجه ابن أبي شيبة؛ وعبد الرزاق في مصنفيهما مختصرًا موقوفًا.

فابن أبي شيبة (1): عن عبد الأعلى، عن عمه، عن الزهري، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن علي رضي الله عنه أنه كان يقول:"يقرأ الإِمام ومن خلفه في الظهر والعصر في الركعتين الأولين بفاتحة الكتاب وسورة، وفي الأخريين بفاتحة الكتاب".

وعبد الرزاق (2): عن معمر، عن الزهري، عن عبيد الله بن أبي رافع قال:"كان -يعني عليًّا رضي الله عنه- يقرأ في الأوليين من الظهر والعصر بأم القرآن وسورة، ولا يقرأ في الأخريين".

(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 325 رقم 3726).

(2)

"مصنف عبد الرزاق"(2/ 100 رقم 3656).

ص: 18

وكذلك أخرجه الدارقطني في "سننه" والبيهقي في "المعرفة" موقوفًا.

فالدارقطني (1): عن محمَّد بن مخلد، عن محمد بن إسحاق الصاغاني، عن شاذان، عن شعبة، عن سفيان بن حسين، عن الزهري، عن ابن أبي رافع، عن أبيه، عن على:"أنه كان يأمر أو يحب أو يقرأ في الظهر والعصر في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورة، وفي الأخريين بفاتحة الكتاب خلف الإِمام".

والبيهقي (2): عن أبي عبد الله الحافظ، عن محمَّد بن أحمد بن حمدان، عن جعفر ابن أحمد بن نصر الحافظ، عن عمرو بن علي، عن يزيد بن زويع، عن معمر، عن الزهري، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن علي قال:"اقرأ في صلاة الظهر والعصر خلف الإِمام بفاتحة الكتاب وسورة".

وكذلك رواه يزيد بن هارون، عن سفيان بن حسين، دون ذكر أبيه فيه.

قوله: "بأم القرآن" أراد بها فاتحة الكتاب، وسميت بأم القرآن لاشتمالها على المعاني التي في القرآن من الثناء على الله بما هو أهله، ومن التعبد بالأمر والنهي، ومن الوعد والوعيد، ولها أسامي أخرى كثيرة.

قوله: "وقرآن" بالجرِّ عطفًا على قوله: "بأم القرآنِ" وأراد به سورة، ونحوها من آية طويلة أو ثلاث آيات قصار.

قوله: "في العصر مثل ذلك" أي مثل ما كان يقرأ في الظهر.

قوله: "فأُراه" أي: أرُى عليًّا، أي: أظنه أنه قد رفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

وقد أخرجه مرفوعًا.

ويستفاد منه: وجوب القراءة في الظهر والعصر، ووجوب ضم السورة إلى الفاتحة والاكتفاء في الركعة الثالثة من المغرب بسورة الفاتحة، وكذلك في الأخريين من الظهر والعصر.

(1)"سنن الدارقطني"(1/ 322 رقم 22).

(2)

"سنن البيهقي الكبرى"(2/ 168 رقم 2759).

ص: 19

ويستفاد من رواية عبد الرزاق: أن القراءة ليست بواجبة في الأخريين منهما، وإليه ذهب أبو حنيفة وأصحابه، حتى لو سبح فيهما جاز، وكذا لو سكت، ولكنه مكروه.

وقال ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): ثنا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي رضي الله عنه:"أنه كان يقرأ في الأولين ويسبح في الأخريين". وكفى بعلي حجة في هذا.

وأخرج أيضًا (2): عن جرير، عن منصور وقال:"قلت لإبراهيم: ما نفعل في الركعتين الأخريين من الصلاة؟ قال: سبح وأحمد الله وكبر".

وروى محمَّد بن الحسن عن أبي حنيفة: أن القراءة في الأخريين واجبة، حتى لو تركها ساهيًا تلزمه سجدة السهو.

ص: حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا المسعودي، عن زيد العمي، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال:"اجتمع ثلاثون من أصحاب النبي عليه السلام فقالوا: تعالوا حتى نقيس قراءة النبي عليه السلام فيما لم يجهر فيه من الصلوات، فما اختلف منهم رجلان، فقاسوا قراءته في الركعتين الأوليين من الظهر بقدر قراءة ثلاثين آية، وفي الركعتين الأخريين على النصف من ذلك، وفي صلاة العصر في الركعتين الأوليين على قدر النصف من الأوليين في الظهر، وفي الركعتين الأخريين على قدر النصف من الركعتين الأخريين من الظهر".

حدثنا إبراهيم بن مرزوق، قال: ثنا حبان بن هلال، قال: ثنا أبو عوانة، عن منصور بن زاذان، عن الوليد أبي بشر العنبري، عن أبي الصديق الناجي، عن أبي سعيد الخدري قال: "كان رسول الله عليه السلام يقوم في الظهر في الركعتين الأوليين في

(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 327 رقم 3743).

(2)

"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 327 رقم 3744).

ص: 20

كل ركعة قدر قراءة ثلاثين آية، وفي الأخريين بنصف ذلك، وكان يقوم في العصر في الركعتين الأوليين قدر خمس عشرة آية، وفي الأخريين قدر نصف ذلك".

حدثنا أحمد بن شعيب، قال: أنا يعقوب بن إبراهيم الدسوقي، قال أنا هشيم، قال: ثنا منصور بن زاذان، عن الوليد بن مسلم، عن أبي الصديق الناجي، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "كنا نحزر قيام رسول الله عليه السلام في الظهر والعصر، فحزرنا قيامه في الظهر قدر ثلاثين آية قدر سورة السجدة في الركعتين الأوليين، وفي الآخريين على النصف من ذلك، وحزرنا قيامه في الركعتين الأوليين من العصر على قدر الأخريين من الظهر، وحزرنا قيامه في الركعتين الأخريين من العصر على النصف من ذلك.

ش: هذه ثلاث طرق:

الأول: عن أبي بكرة بكّار القاضي، عن أبي داود سليمان بن داود الطيالسي، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود المسعودي الكوفي، عن زيد بن الحواري العمي البصري قاضي هراة في ولاية قتيبة بن مسلم فيه مقال؛ فعن أحمد: صالح. وعن يحيى: لا شيء. وقال أبو زرعة: ليس بقوي، واهي الحديث، ضعيف. وقال النسائي: ضعيف. وروى له الأربعة، وإنما سمي العمي لأنه كان كلما سئل عن شيء قال: حتى أسأل عمي.

عن أبي نضرة -بفتح النون، وسكون الضاد المعجمة- واسمه المنذر بن مالك بن قطعة العبدي ثم العوقي البصري من رجال الجماعة، غير أن البخاري استشهد به.

عن أبي سعيد الخدري واسمه سعد بن مالك.

وأخرجه ابن ماجه (1): نا يحيى بن حكيم، نا أبو داود الطيالسي، نا المسعودي

إلى آخره نحوه، غير أن في لفظه: "فقاسوا قراءته في الركعة الأولى من الظهر

(1)"سنن ابن ماجه"(1/ 271 رقم 828).

ص: 21

بقدر ثلاثين آية، وفي الركعة الأخرى قدر النصف من ذلك، وقاسوا ذلك في العصر على قدر النصف من الركعتين الأخريين من الظهر".

قوله: "تعالوا" أمر من تعالى يتعالى، وهو الارتفاع، يقال: تعالى تعاليًا، تعالَوا -بفتح اللام- تعالى تعاليا تعالين ولا يستعمل منه النهي وغيره، ويقال: قد جاء تعاليتُ وأتعالى.

قوله: "وقاسوا ذلك" إشارة إلى القراءة، والتذكر باعتبار القرآن.

قوله: "ومن صلاة العصر في الركعتين" إلى آخره أراد أن الذي قرأ في الأوليين من العصر قاسوه فجاء على قدر النصف من الذي كان قرأه في الأوليين من الظهر، وكان الذي قاسوا ما قرأه في الأوليين من الظهر مقدار ثلاثين آية، فيكون الذي قرأه في الأوليين من العصر مقدار خمسة عشر آية.

قوله: "وفي الركعتين الأخريين على قدر النصف من الركعتين الأخريين من الظهر، أراد أن الذي قرأ في الركعتين الأخريين من العصر قاسوه فجاء على قدر النصف من الذي كان قرأ به في الأخريين من الظهر، وكان الذي قاسوا ما قرأه في الأخريين من الظهر مقدار خمسة عشر آية، فيكون الذي قرأه في الأخريين من العصر مقدار سبع آيات أو ثماني آيات.

قال الذهبي عقيب هذا الحديث: هذا غريب فرد، وهو مشكل، وكيف يكون زمان الأخريين من الظهر في طول الأوليين من العصر؟!

وقد استدل به بعض أصحابنا على أنه يقرأ في الأوليين من الظهر ثلاثين آية، وكذا من الصبح؛ لاستوائها في سعة الوقت، وفي العصر يقرأ بخمسة عشر آية.

وقال صاحب "الهداية": ويقرأ في الحضر في الفجر بأربعين آية أو خمسين آية سوى فاتحة الكتاب، ويروى: من أربعين إلى ستين، ومن ستين إلى مائة، وبكل ذلك ورد الأثر.

ص: 22

وجه التوفيق: أنه يقرأ بالراغبين مائة وبالكسالى أربعين، وبالأوسط ما بين خمسين إلى ستين. وقيل: ننظر إلى طول الليالي وقصرها، وإلى كثرة الأشغال وقلتها، قال: وفي الظهر مثل ذلك -أي مثل الفجر- وقال في "الأصل": أو دونه لأنه وقت الأشغال فينقص عنه تحررا عن الملال، والعصر والعشاء سواء، يقرأ فيها بأوساط المفصل، وفي المغرب دون ذلك يقرأ فيها بقصار المفصل، والأصل فيه كتاب عمر إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما:"أن اقرأ في الفجر والظهر بطوال المفصل، وفي العصر والعشاء بأوساط المفصل، وفي المغرب بقصار المفصل".

قلت: هذا بهذا اللفظ غريب لم يثبت.

والصحيح ما رواه عبد الرزاق في "مصنفه"(1): عن الثوري، عن علي بن زيد بن جدعان، عن الحسن وغيره قال:"كتب عمر رضي الله عنه إلى أبي موسى: أن اقرأ في المغرب بقصار المفصل، وفي العشاء بوسط المفصل، وفي الصبح بطوال المفصل".

وقال الترمذي (2) في باب "القراءة في الصبح": وروي عن عمر: "أنه كتب إلى أبي موسى أن اقرأ في الصبح بطوال المفصل".

ثم قال (3) في الباب الذي يليه: وروي عن عمر: "أنه كتب إلى أبي موسى أن اقرأ في الظهر بأوساط المفصل".

ثم قال (4) في الباب الذي يليه: وروي عن عمر: "أنه كتب إلى أبي موسى أن أقرأ في المغرب بقصار المفصل".

والثاني: عن ابن مرزوق، عن حبان -بفتح الحاء- بن هلال الباهلي البصري، عن أبي عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري، عن منصور بن زاذان الواسطي، عن

(1)"مصنف عبد الرزاق"(2/ 104 رقم 2672).

(2)

"جامع الترمذي"(2/ 108).

(3)

"جامع الترمذي"(2/ 110).

(4)

"جامع الترمذي"(2/ 112).

ص: 23

الوليد بن مسلم بن شهاب أبي بشر العنبري البصري، عن أبي الصديق الناجي -بالنون والجيم- نسبة إلى ناجية قبيلة واسمه بكر بن عمرو، وقيل: ابن قيس البصري.

وهذا إسناد صحيح ورجاله كلهم رجال الصحيح ما خلا ابن مرزوق.

وأخرجه مسلم (1): ثنا شيبان بن فروخ، قال: ثنا أبو عوانة، عن منصور، عن الوليد أبي بشر، عن أبي الصديق الناجي، عن أبي سعيد الخدري:"أن النبي عليه السلام كان يقرأ في صلاة الظهر في الركعتين الأوليين في كل ركعة قدر ثلاثين آية، وفي الآخريين قدر خمس عشرة آية -أو قال: نصف ذلك- وفي العصر في الركعتين الأوليين في كل ركعة قدر خمس عشرة آية، وفي الآخريين قدر نصف ذلك".

الثالث: عن أحمد بن شعيب النسائي الحافظ صاحب "السنن" المشهورة، عن يعقوب بن إبراهيم الدروقي، نسبة إلى دورق أراه من بلاد فارس قاله ابن قرقول، وقال الصغاني: دورق حصن على نهر من الأنهار المتشعبة من دجلة، انتقل من البصرة، ودورق بلدة بخوزستان، والدورق مكيال للشراب، وأهل مكة يسمون الجرة ذات العروة التي تقلّ باليد: الدورق، وهو صاحب المسند، وشيخ الجماعة.

عن هشيم بن بشير، عن منصور بن زاذان

إلى آخره.

وهذا أيضًا إسناد صحيح وأخرجه أبو داود (2): ثنا عبد الله بن محمَّد، ثنا هشيم، أنا منصور

إلى آخره نحوه، مع اختلاف يسير في اللفظ.

قوله: "نحزر" من حَزَرْتُ الشيء أحْزُرُه وأحزِرُه -بالضم والكسر- حَزْرًا، أي قدرت وخرصت.

وقوله: "سورة السجدة" وهي سورة ألم تنزيل السجدة، وهي مكية، ثلاثون آية عند أهل الكوفة والمدينة، وتسع وعشرون عند أهل البصرة، وثلاثمائة وثمانون كلمة، وألف وخمس مائة وثماني عشر حرفًا.

(1)"صحيح مسلم"(1/ 334 رقم 452).

(2)

"سنن أبي داود"(1/ 273 رقم 804).

ص: 24

ص: حدثنا علي بن معبد، قال: ثنا يونس بن محمَّد، قال: ثنا حماد، عن سماك، عن جابر بن سمرة:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الظهر والعصر بالسماء والطارق، والسماء ذات البروج، ونحوهما من السور".

ش: إسناده صحيح على شرط مسلم، ويونس بن محمَّد بن مسلم البغدادي، وحماد هو ابن سلمة، وسماك هو ابن حرب الكوفي.

وأخرجه أبو داود (1): ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا حماد

إلى آخره نحوه سواء.

والترمذي (2): عن أحمد بن منيع، عن يزيد بن هارون، عن حماد بن سلمة

إلى آخره نحوه، غير أن في لفظه:"وشبههما" موضع: "ونحوهما" وقدم والسماء ذات البروج على الطارق.

وقال: حديث جابر بن سمرة حديث حسن صحيح.

والنسائي (3) عن عمرو بن علي، عن عبد الرحمن، عن حماد

إلى آخره نحو رواية الترمذي.

وسورة البروج مكية، وهي اثنتان وعشرون آية، ومائة وتسع كلمات، وأربع مائة وثمان وخمسون حرفًا.

وسورة الطارق مكية أيضًا، وهي سبع عشرة آية، وإحدى وستون كلمة، ومائتان وتسع وثلاثون حرفًا.

وقد تعلق بعضهم بظاهر الحديث أن تطويل الركعة الثانية على الأولى غير مكروه؛ لأن البروج أطول من الطارق، وهذا فاسدٌ؛ لأن الواو لا تدل على الترتيب بل المراد أنه كان يقرأ في الركعة الأولى البروج، وفي الثانية الطارق، كما صرح به في روايتي الترمذي والنسائي، ومعنى روايتي الطحاوي وأبي داود على هذا، فافهم.

(1)"سنن أبي داود"(1/ 273 رقم 805).

(2)

"جامع الترمذي"(2/ 110 رقم 307).

(3)

"المجتبى"(2/ 166 رقم 979).

ص: 25

ص: حدثنا عبد الله بن محمَّد بن خشيش، قال: ثنا عارم، قال: ثنا أبو عوانة، عن قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال:"قرأ رجل خلف النبي عليه السلام في الظهر أو العصر، فلما انصرف قال: أيكم قرأ بسبح اسم ربك الأعلى؟ قال رجل: أنا. قال: لقد علمت أن بعضكم قد خالجنيها".

حدثنا محمَّد بن خزيمة، قال: ثنا محمَّد بن عبد الله الأنصاري، عن سعيد بن أتيت عروبة، عن قتادة، أن زرارة حدثهم، عن عمران بن حصين، عن النبي عليه السلام مثله.

حدثنا محمَّد بن خزيمة، قال: ثنا حجاج بن منهال، قال: ثنا حماد، عن قتادة، عن زرارة، عن عمران، عن النبي أن عليه السلام مثله.

ش: هذه ثلاث طرق صحاح:

الأول: عن ابن خشيش -بضم الخاء وفتح الأولى من الشينين المعجمات بينهما ياء آخر الحروف ساكنة-.

عن عارم بالمهملتين، وهو لقب محمَّد بن الفضل السدوسي، عن أبي عوانة الوضاح، عن قتادة، عن زرارة بن أوفى العامري الحرشي أبي حاجب البصري قاضي البصرة، عن عمران رضي الله عنه.

وأخرجه أبو داود (1): ثنا أبو الوليد الطيالسي. ونا شعبة.

ونا محمَّد بن كثير العبدي، أنا شعبة -المعنى- عن قتادة، عن زرارة، عن عمران بن حصين:"أن النبي عليه السلام صلى الظهر، فجاء رجل فقرأ خلفه بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} فلما فرغ قال: أيكم قرأ؟ قالوا: رجل، قال: قد عرفت أن بعضكم خالجنيها" انتهى.

(1)"سنن أبي داود"(1/ 279 رقم 828).

ص: 26

أي: نازعني قراءتها، وقال الخطابي: جاذبنيها، والخلج: الجذب وهذا وقوله: نازعينها سواء، وإنما أنكر عليه مجاذبته إياه في قراءة؛ السورة حتى تداخلت القراءتان وتجاذبتا.

قلت: وإنما ذكر من باب المفاعلة ليدل على المشاركة؛ لأن الخلج الجذب بسرعة فنقل إلى المخالجة لتدل على المشاركة، ومنه الخليج وهو نهر يساق من النهر الأعظم إلى موضع؛ لأنه اختلج منه، أي جذب.

وقال الخطابي: وأما قراءة الفاتحة فإنه مأمور بها على كل حال إن أمكنه أن يقرأ في السكتتين فعل وإلا قرأ معه لا محالة.

قلت: يرده إطلاق الأحاديث المذكورة من هذا وقوله عليه السلام: "من كان له إمام فقراءة الإِمام له قراءة".

أخرجه بن أبي شيبة في "مصنفه"(1) وغيره.

الثاني: عن ابن خزيمة، عن محمَّد بن عبد الله بن المثنى بن عبد الله بن أنس بن مالك الأنصاري البصري القاضي الفقيه الكبير، عن سعيد بن أبي عروبة مهران العدوي البصري، عن قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن عمران.

وأخرجه مسلم (2): [ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا إسماعيل بن علية](3). (ح)

ثنا محمَّد بن المثنى، قال: ثنا ابن أبي عدي، كلاهما عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، قال: سمعت زرارة بن أوفى يحدث، عن عمران بن الحصين رضي الله عنه: "أن رسول الله عليه السلام صلى الظهر، فجعل رجل يقرأ بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} فلما

(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 313 رقم 3582)، ورواه ابن ماجه في "سننه"(1/ 277 رقم 850)، وأحمد في "مسنده"(3/ 339 رقم 14684)، وغيرهما من حديث جابر، وقال الحافظ في "الدراية" (1/ 162): وفيه جابر الجعفي وهو ضعيف، وقد قال أبو حنيفة: ما رأيت أكذب منه، لكن تابعه ابن أبي سليم، قال البيهقي: ولم يتابعهما إلا من هو أضعف منها. وقال في "تلخيص الحبير": وله طرق عن جماعة من الصحابة وكلها معلولة.

(2)

"صحيح مسلم"(1/ 298 رقم 398).

(3)

ليست في "الأصل، ك"، والمثبت من "صحيح مسلم".

ص: 27

انصرف، قال: أيكم قرأ، أو أيكم القارئ؟ قال رجل: أنا، قال: قد علمت أن بعضكم خالجنيها".

الثالث: عن محمَّد بن خزيمة، عن حجاج بن منهال، عن حماد بن سلمة

إلى آخره.

وأخرجه الطبراني في "الكبير"(1): ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، نا هدبة بن خالد، نا حماد بن سلمة، عن قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن عمران بن حصين قال:"صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي -الظهر أو العصر- فقال: أيكم قرأ بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}؟ فقال رجل: أنا، فقال: قد عرفت أن رجلًا خالجنيها".

وأخرجه النسائي (2) أيضًا: أبنا محمَّد بن المثنى، قال: ثنا يحيى، قال: ثنا شعبة، عن قتادة، عن زرارة، عن عمران بن حصين قال:"صلى النبي عليه السلام الظهر، فقرأ رجل خلفه بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} فلما صلى قال: من قرأ بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}؟ قال رجل: أنا، قال: لقد علمت أن بعضكم قد خالجنيها".

وأخرجه أحمد في "مسنده"(3): ثنا محبوب بن الحسن بن هلال [بن أبي زينب](4) قال: ثنا خالد، عن زرارة بن أوفى القشيري، عن عمران بن حصين قال:"صلى رسول الله عليه السلام صلاة الظهر، فلما انصرف قال: أيكم قرأ بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}؟ قال بعض القوم: أنا يا رسول الله، قال: لقد عرفت أن بعضكم خالجنيها".

(1)"المعجم الكبير"(18/ 211 رقم 522).

(2)

"المجتبى"(2/ 140 رقم 917).

(3)

"مسند أحمد"(4/ 433 رقم 19902).

(4)

في "الأصل": "نا ابن أبي ذئب"، وهو تحريف، والمثبت من "مسند أحمد".

ص: 28

وأخرجه الدارقطني (1): ثنا أحمد بن نصر بن سندويه، نا يوسف بن موسى، نا سلمة بن الفضل، ثنا الحجاج بن أرطأة، عن قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن عمران بن حصين قال:"كان النبي عليه السلام يصلي بالناس ورجل يقرأ خلفه، فلما فرغ قال: من ذا الذي يخالجني بسورتهم؟ فنهاهم عن القراءة خلف الإِمام".

ولم يقل هكذا غير حجاج وخالفه أصحاب قتادة، منهم: شعبة وسعيد وغيرهما، فلم يذكروا أنه نهاهم عن القراءة، وحجاج لا يحتج به.

قلت: قال عثمان الدارمي عن يحيى: حجاج بن أرطاة في قتادة صالح. وقال شعبة: اكتبوا عن حجاج وابن إسحاق؛ فإنهما حافظان، غاية ما في الباب عابوا فيه إرساله، وروى له مسلم مقرونًا بغيره واحتج به الأربعة.

ص: حدثنا محمَّد بن بحر بن مطر البغدادي، قال: ثنا يزيد بن هارون، قال: أنا سليمان التيميم، عن في مجلز، عن ابن عمر رضي الله عنه قال: -ولم أسمعه منه- "أن النبي عليه السلام سجد في صلاة الظهر، قال: فرأى أصحابه أنه قرأ تنزيل السجدة".

ش: رجاله رجال الصحيح ما خلا ابن بحر إلا أنه مرسل؛ لأن [أبا](2) مجلز -وهو لاحق بن حميد السدوسي البصري الأعور- صرح بأنه لم يسمعه من ابن عمر رضي الله عنهما.

وأخرجه ابن أبي شيبة (3) منقطعًا حيث قال: ثنا يزيد بن هارون، قال. أنا التيمي، عن أبي مجلز، عن ابن عمر، عن النبي عليه السلام:"أنه قرأ في صلاة الظهر سجدة فسجد، فرأوا أنه قرأ: ألم تنزيل السجدة"، قال: ولم يسمعه التيمي من أبي مجلز.

وقد عرف أن المرسل والمنقطع كل منهما لا تقوم به حجة إلا إذا كان له طريق آخر مسند صحيح.

(1)"سنن الدارقطني"(1/ 326 رقم 8).

(2)

في "الأصل، ك": "ابن"، وهو تحريف.

(3)

"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 381 رقم 4386).

ص: 29

ويستفاد منه: وجوب القراءة في الظهر؛ لأنه عليه السلام لو لم يقرأ لما سجد سجدة التلاوة، وإخفاء القراءة فيه، ووجوب سجدة التلاوة في ألم تنزيل السجدة، وأنها إذا وجبت على الإِمام تجب، وأن السجدة الصلاتيَّة تؤدى فيها.

ص: حدثنا عبد الرحمن بن الجارود، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، قال: أنا ابن أبي ليلى، عن عطاء، عن أبي هريرة قال:"كان النبي صلى الله عليه وسلم يؤمنا فيجهر ويخافت، فجهرنا فيما جهر وخافتنا فيما خافت، وسمعته يقول: لا صلاة إلا بقراءة".

حدثنا ابن أبي داود، قال: أنا سهل بن بكّار، قال: ثنا أبو عوانة، عن رقبة، عن عطاء، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:"في كل الصلاة قراءة فما أسمعنا رسول الله عليه السلام أسمعنكم، وما أخفاه علينا أخفيناه عليكم".

حدثنا محمَّد بن النعمان السقطي، قال: ثنا يحيى بن يحيى، قال: ثنا يزيد بن زريع، عن حبيب المعلم، عن عطاء، عن أبي هريرة مثله.

حدثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: ثنا عبد الله بن وهب، قال: أخبرني ابن جريج، عن عطاء، قال: سمعت أبا هريرة يقول

فذكر نحوه.

حدثنا محمَّد بن النعمان، قال: ثنا الحميدي، قال: ثنا سفيان، عن ابن جريج، عن عطاء

فذكره مثله بإسناده.

حدثنا محمَّد بن بحر بن مطر، قال: ثنا عبد الوهاب بن عطاء، قال: ثنا حبيب المعلم، عن عطاء، عن أبي هريرة، مثله.

ش: هذه ستة طرق عن أبي هريرة:

الأول: عن عبد الرحمن بن الجارود أبي بشر الكوفي ثم البغدادي، عن عبيد الله بن موسى بن أبي المختار. واسمه باذام العبسي أبي محمَّد الكوفي شيخ البخاري وأحمد.

عن محمَّد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري الكوفي الفقيه قاضي الكوفة، فيه مقال، فعن أحمد: كان يحيى بن سعيد يضعّفه. وعن ابن معين: ليس بذاك. وقال أبو حاتم: محله الصدق، يكتب حديثه ولا يحتج به. وروى له الأربعة.

ص: 30

عن عطاء بن أبي رباح، عن أبي هريرة.

وأخرجه عبد الرزاق في "مصنفه"(1): عن الثوري، عن ابن أبي ليلى، عن عطاء، عن أبي هريرة قال: "كان النبي عليه السلام -يؤمنا، فيجهر ويخافت

" إلى آخره نحوه سواء.

قوله: "فيجهر" أي في بعض الصلوات كالمغرب والعشاء والصبح والجمعة وصلاة العيد.

و"يخافت" أي يسر بالقراءة في بعضها كالظهر والعصر، وهو من الخفت وهو ضد الجهر، من خَفَتَ يَخْفِتُ خَفْتَا ويُخَافِت من المُخَافَتة، وهي المفاعلة، ولا يدل على المشاركة؛ لأنه بمعنى الثلاثي كالمسافرة بمعنى السفر، والمسارعة بمعنى الإسراع.

قوله: "لا صلاة" أي لا صلاة جائزة أو صحيحة إلا بقراءة القرآن، وهو يتناول سائر الصلوات من الفرائض والنوافل؛ لأن النكرة في موضع النفي تعم.

ويستفاد منه: أن بعض الصلوات يجب الإخفاء فيها بالقراءة، وبعضها الجهر بها، وأن كمال الصلاة بالمتابعة، وأن جميع الصلوات لا تجوز إلا بالقراءة ردا على من أنكر وجوبها فيها مطلقًا، أو في الظهر والعصر عند البعض، وأن المراد من القرآن مطلق القراءة سواء كان فاتحة الكتاب أو غيرها. فافهم.

الثاني: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن سهل بن بكّار بن بشر الدارمي البصري المكفوف شيخ البخاري وأبي داود، عن أبي عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري، عن رقبة بن مِصْقلة -بكسر الميم، وسكون الصاد ويقال بالسين- العبدي الكوفي من رجال الجماعة، ابن ماجه في التفسير.

عن عطاء بن أبي رباح، عن أبي هريرة.

(1)"مصنف عبد الرزاق"(2/ 121 رقم 2746).

ص: 31

وأخرجه النسائي (1): أنا محمَّد بن قدامة، قال: ثنا جرير، عن رقبة، عن عطاء، قال: قال أبو هريرة: "كل صلاة يقرأ فيها، فما أسمعنا رسول الله عليه السلام أسمعناكم، وما أخفاها أخفينا منكم".

قوله "في كل صلاة قراءة" أي تجب في جميع الصلوات قراءة القرآن، سواء كانت فرضًا أو نفلًا، وسواء كانت مما يجهر بها أو مما يخافت فيها.

وقوله في رواية النسائي: "يُقرأ فيها" على صيغة المجهول أي يقرأ القرآن، وروي نقرأ -بالنون- أي: نحن نقرأ؛ فدل الحديث على الجهر والإخفاء، وأجمعت الأمة على الجهر بالقراءة في الصبح، وأولتي المغرب والعشاء، والجمعة، وعلى الإسرار في الظهر والعصر، وثالثة المغرب، وأخريي العشاء.

واختلفوا في العيد: فعندنا والشافعي يجهر. وفي الاستسقاء: فعند أبي يوسف ومحمد والشافعي وأحمد: يجهر فيها بالقراءة. وفي الكسوف والخسوف فلا جهر فيهما عند أبي حنيفة ومحمد، وقال أبو يوسف وأحمد: فيهما الجهر. وقال الشافعي: في الكسوف يسّر، وفي الخسوف يجهر. وأما بقيّة النوافل ففي النهار لا جهر فيها، وفي الليل يتخير. وقال النووي: وفي نوافل الليل قيل: يجهر فيها، وقيل: يخير بين الجهر والإسرار.

الثالث: عن محمَّد بن النعمان السقطي، عن يحيى بن يحيى النيسابوري، عن يزيد بن زريع البصري، عن حبيب بن أبي قريبة المعلم أبي محمَّد البصري، عن عطاء بن أبي رباح، عن أبي هريرة.

وإسناده على شرط مسلم.

وأخرجه مسلم (2): ثنا يحيى بن يحيى، قال: أنا يزيد بن زريع، عن حبيب المعلم، عن عطاء، قال: قال أبو هريرة: "في كل صلاة قراءة فما أسمعنا صلى الله عليه وسلم

(1)"المجتبى"(2/ 163 رقم 969).

(2)

"صحيح مسلم"(1/ 297 رقم 396).

ص: 32

أسمعناكم، وما أخفى منا أخفيناه منكم، فمن قرأ بأم الكتاب فقد أجزأت منه، ومن زاد فهو أفضل".

الرابع: عن يونس بن عبد الأعلى المصري شيخ مسلم، عن عبد الله بن وهب، عن عبد الملك بن جريج المكي، عن عطاء بن أبي رباح.

وأخرجه البخاري (1): ثنا مسدد، قال: ثنا إسماعيل بن إبراهيم، قال: أنا ابن جريج، قال: أخبرني عطاء، أنه سمع أبا هريرة يقول:"في كل صلاة يقرأ، فما أسمعنا رسول الله عليه السلام أسمعناكم، وما أخفى عنا أخفينا عنكم، وإن لم تزد على أم القرآن أجزأت، وإن زدت فهو خير".

الخامس: عن محمَّد بن النعمان، عن عبد الله بن الزبير بن عيسى بن عبد الله بن الزبير بن عبيد الله بن حميد أبي بكر الحميدي شيخ البخاري، عن سفيان الثوري، عن عبد الملك بن جريج، عن عطاء، عن أبي هريرة.

وأخرجه عبد الرزاق في "مصنفه"(2): عن ابن جريج، عن عطاء، قال: سمعت أبا هريرة يقول: "في كل صلاة قراءة، فما أسمعناه رسول الله عليه السلام أسمعناكم وما أخفى عنا أخفينا عنكم، فسمعته يقول: لا صلاة إلا بقراءة".

السادس: عن محمَّد بن بحر بن مطر البغدادي، عن عبد الوهاب بن عطاء الخفاف، عن حبيب المعلم، عن عطاء، عن أبي هريرة.

وأخرجه أبو داود (3): ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا حماد، عن قيس بن سعد وعمارة بن ميمون وحبيب، عن عطاء بن أبي رباح، أن أبا هريرة قال:"في كل صلاة يقرأ، فما أسمعنا النبي عليه السلام أسمعناكم، وما أخفى علينا أخفينا عليكم".

(1)"صحيح البخاري"(1/ 267 رقم 837).

(2)

"مصنف عبد الرزاق"(2/ 120 رقم 2743).

(3)

"سنن أبي داود"(1/ 271 رقم 797).

ص: 33

ص: حدثنا ابن أبي داود، قال: أنا سعيد بن سليمان الواسطي، قال: ثنا عباد بن العوام، عن سفيان بن حسين، قال: أخبرني أبو عبيدة، عن أنس رضي الله عنه:"أن النبي عليه السلام كان يقرأ في الظهر بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} ".

ش: إسناده صحيح وسعيد بن سليمان هو المعروف بسعدويه شيخ البخاري وأبي داود.

وعبَّاد -على وزن فَعَّال بتشديد العين (1) - وكذلك العوَّام، روى له الجماعة.

وسفيان بن حسين بن حسن الواسطي روى له الجماعة، البخاري مستشهدًا.

وأبو عبيدة ذكره البخاري في "الكنى" المجردة، وقال الحاكم أبو أحمد: خليقًا أن يكون أبو عبيدة حميد الطويل، كناه سفيان بن حسين بكنيته، وخفي ذلك على محمَّد بن إسماعيل البخاري، وقد حدث سفيان هذا عن حميد الطويل. وقال عباس الدوري، عن يحيى بن معين: هو حميد الطويل.

وأخرجه النسائي (2): أنا محمَّد بن شجاع المروذي، قال: ثنا أبو عبيدة، عن عبد الله بن عبيد، قال: سمعت أبا بكر بن النضر، قال:"كنا بالطف عند أنس فصلى بهم الظهر، فلما فرغ قال: إني صليت مع رسول الله عليه السلام صلاة الظهر، فقرأ لنا بهاتين السورتين في الركعتين بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} ".

وأخرجه ابن أبي شيبة (3): موقوفًا عن حماد بن مسعدة (4)، عن حميد قال:"صليت خلف أنس بن مالك الظهر، فقرأ بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} وجعل يسمعنا الآية".

(1) أي "عين" الفعل، وهي الباء في "عبَّاد"، و "الواو" في "عوَّام".

(2)

"المجتبى"(2/ 163 رقم 972).

(3)

"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 313 رقم 3575).

(4)

في "الأصل، ك""سعيد" والمثبت من "المصنف" ومصادر ترجمته.

ص: 34

ص: وقد احتج قوم في ذلك أيضًا مع ما ذكرنا بما قد روي عن خباب بن الأرت.

حدثنا علي بن شيبة، قال: ثنا قبيصة بن عقبة، قال: ثنا سفيان، عن الأعمش، عن عمارة بن عمير، عن أبي معمر، قال:"قلت لخباب بن الأرت: أكان رسول الله عليه السلام يقرأ في الظهر والعصر؟ قال: نعم. قلت: بأي شيء كنتم تعرفون ذلك؟ قال: باضطراب لحيته".

حدثنا فهد بن سليمان، قال: ثنا محمَّد بن سعيد بن الأصبهاني، قال: أنا شريك وأبو معاوية ووكيع، عن الأعمش

فذكر بإسناده مثله.

قال أبو جعفر رحمه الله: فلم يكن في هذا دليل عندنا على أنه قد كان يقرأ فيهما؛ لأنه قد يجوز أن تضرب لحيته بتسبيح يسبحه، أو دعاء أو غيره، ولكن الذي حقق القراءة منه في هاتين الصلاتين من قد روينا عنه الإشارة التي في الفصل الذي قبل هذا. ولما ثبت بما ذكرنا عن رسول الله عليه السلام تحقيق قراءته في الظهر والعصر، وانتفى ما روي عن ابن عباس رضي الله عنه مما يخالف ذلك؟ رجعنا إلى النظر بعد ذلك هل نجد فيه ما يدل على صحة أحد القولين اللذين ذكرنا، فاعتبرنا ذلك، فرأينا القيام في الصلاة فرضًا وكذلك الركوع والسجود، وهذا كله من فرض الصلاة وهي به مضمنة لا تجزئ الصلاة إذا ترك شيء من ذلك، وكان ذلك في سائر الصلوات سواء، ورأينا القعود الأول مسنة لا اختلاف فيه فهو في كل الصلوات سواء، ورأينا القعود الأخير فيه اختلاف بين الناس، منهم من يقول: هو فرض، ومنهم من يقول: هو سنة، وكل فريق منهم قد جعل ذلك في كل الصلوات سواء، فكانت هذه الأشياء ما كان منها فرضًا في صلاة فهو فرض في كل الصلوات كذلك، وكان الجهر بالقراءة في صلاة الليل ليس بفرض ولكنه سنة، وليست الصلاة به مضمنة كما كانت مضمنة بالركوع والسجود والقيام، قالك قد ينتفي من بعض الصلوات ويثبت في بعضها، والذي هو فرض والصلاة به مضمنة ولا تجزئ الصلاة إلا

ص: 35

بإصابته إذا كان في بعض الصلوات فرضًا كان في سائرها كذلك، فلما رأينا القراءة في المغرب والعشاء والصبح واجبة في قول هذا المخالف لا بد منها ولا تجزى الصلاة إلا بإصابتها كان كذلك هي في الظهر والعصر، فهذه حجة قاطعة على من ينفي القراءة من الظهر والعصر ممن يراها فرضًا في غيرهما، وأما من لا يرى القراءة من صلب الصلاة فإن الحجة عليه في ذلك: أنا قد رأينا المغرب والعشاء يقرأ في كلتيهما في قوله، ويجهر في الركعتين الأوليين منهما، ويخافت فيما سوى ذلك.

فلما كان سنة ما بعد الركعتين الأوليين هي القراءة، ولم تسقط بسقوط الجهر، كان النظر على ذلك: أن تكون كذلك السنة في الظهر والعصر لما سقط الجهر فيهما بالقراءة أن لا تسقط القراءة؛ قياسًا على ما ذكرنا، وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله.

ش: أراد بالقوم هؤلاء: جماعة من أصحاب الأئمة الأربعة، حيث استدلوا على وجوب القراءة في الظهر والعصر بحديث خباب بن الأرت وذلك لأن أبا معمر لما سأل خبابًا:"هل كان رسول الله عليه السلام يقرأ في الظهر والعصر؟ قال له: نعم. فقال: بأي شيء عرفتم ذلك؟ قال خباب: باضطراب لحيته صلى الله عليه وسلم". ولم يرض الطحاوي بهذا الاستدلال، حيث قال: فلم يكن في هذا دليل عندنا على قراءته؛ لاحتمال أن يكون اضطراب لحيته المباركة بالتسبيح أو التهليل أو الدعاء أو بذكر من الأذكار، فلا يتم به الاستدلال مع هذا الاحتمال. هذا ما قاله، ولقائل أن يقول: هذا احتمال بعيد، فلا يضرُّ صحة الاستدلال، وذلك أنه عليه السلام قد قال: لا صلاة إلا بقراءة، فكيف يجوز بعد هذا القول أن يترك القراءة ويشتغل بالتسبيح ونحوه، بل الظاهر من الحال هو قراءته عليه السلام ولأن المصلي يناجي ربه في صلاته، وقراءة القرآن في حال المناجاة أولى وأجدر من الذكر على ما لا يخفي.

قوله: "ولكن الذي حقق": أشار به إلى أن الدليل المرضي عنده في وجوب القراءة في الظهر والعصر هو الأحاديث التي رواها في الفصل الذي قبل هذا، وأراد بها

ص: 36

أحاديث أبي قتادة وأبي سعيد الخدري وجابر بن سمرة وعمران بن حصين وأبي هريرة وأنس بن مالك رضي الله عنهم.

قوله: "تحقيق قراءته" فاعل لقوله: "ولما ثبت" أي تحقيق قراءة النبي عليه السلام في الظهر والعصر، و"انتفى ما روى عن ابن عباس". من قوله:"لا" حين سئل: "هل كان النبي عليه السلام يقرأ في الظهر والعصر" الذي مرَّ ذكره في أول الباب، وهو الذي احتجت به أهل المقالة الأولى، وقد ذكر وجه انتفاء هذا فيما مضى مستقصى.

قوله: "مما يخالف ذلك" أي الذي ثبت عنه عليه السلام من قراءته في الظهر والعصر.

قوله: "رجعنا إلى النظر" أي القياس، وأراد أن القراءة في الظهر والعصر لما ثبتت بالدلائل الصحيحة الواضحة، ثبتت بما يؤكدها ويشدها أيضًا من القياس الصحيح، وهو من قوله: "فاعتبرنا ذلك

" إلى آخر الباب.

ملخص ذلك: أن القيام والركوع والسجود من فروض الصلاة بلا خلاف، وأن الصلاة لا تجزئ إلا بها، وليس ذلك في صلاة مخصوصة بل في سائر الصلوات، والقعود الأول سنة بلا خلاف، وهو أيضًا في سائر الصلوات، والقعود الأخير فيه خلاف فمنهم من يقول: هو فرض وهم: أبو حنيفة والشافعي وأحمد وأكثر العلماء، ومنهم من يقول: هو سنة وهم: مالك ومن تبعه، وهذا أيضًا في سائر الصلوات، فيقول كل ما كان فرضًا في صلاة، فهو فرض في كل صلاة، فالقراءة في العشاءين والصبح فرض لا خلاف فيه بيننا وبين الخصم؛ لأن كلاًّ منها صلاة، فكذلك في الظهر والعصر فرض؛ لأن كلاًّ منهما صلاة، وكان الجهر بالقراءة في صلاة الليل سنة ليس فرضا كالقيام ونحوه فكما انتفى الوجوب ها هنا وهو بعض الصلاة، وكذلك انتفى عن بعضها الآخر وهو الظهر والعصر، وثبت في البعض الآخر وهو الصبح والأوليان من العشاءين، فهذا الذي ذكرنا من الأثر والقياس حجة قاطعة على من ينفي القراءة من الظهر والعصر، ويوجبها في غيرهما، وأما الحجة على من لا يرى القراءة من صلب الصلاة -يعني من ذات الصلاة- أراد: من لم ير القراءة ركنًا من

ص: 37

أركان الصلاة: أن القراءة يجهر بها في الأوليين من العشاءين في قوله أيضًا: ويخافت فيما سوى ذلك وكان ذلك سنة حيث لم تسقط بسقوط الجهر، فالنظر على ذلك أن تكون السنة كذلك في الظهر والعصر أن لا تسقط القراءة فيهما بسقوط الجهر، فهذا

هو وجه القياس والنظر الصحيح والله أعلم.

ثم إنه أخرج حديث خباب من طريقين صحيحين على شرط الشيخين:

الأول: عن علي بن شيبة بن الصلت السدوسي، عن قبيصة بن عقبة بن محمَّد السوائي الكوفي، عن سفيان الثوري، عن سليمان الأعمش، عن عمارة بن عمير التيمي الكوفي، عن أبي معمر عبد الله بن سَخْبَرة الأزدي الكوفي.

وأخرجه البخاري (1): ثنا محمَّد بن يوسف، قال: ثنا سفيان، عن الأعمش، عن عمارة بن عمير، عن أبي معمر قال: قلت

إلى آخره نحو رواية الطحاوي، غيرأن في لفظه:"بأي شيء كنتم تعلمون قراءته".

وأخرجه أبو داود (2): عن مسدد، عن عبد الواحد بن زياد، عن الأعمش

" إلى آخره نحوه، غير أن في لفظه: "بم كنتم تعرفون".

قوله: "باضطراب لحيته" أي بحركتها، وقد جاء في بعض الروايات لحيَيْه -بفتح اللام وباليائين أولاهما مفتوحة والأخرى ساكنة- وهي تثنية "لحي" بفتح اللام وسكون الحاء، وهي منبت اللحية من الإنسان وغيره.

الثاني: عن فهد بن سليمان، عن محمَّد بن سعيد بن الأصبهاني شيخ البخاري، عن شريك بن عبد الله النخعي، وأبي معاوية محمَّد بن خازم الضرير، ووكيع بن الجراح، كلهم عن سليمان الأعمش

إلى آخره.

(1)"صحيح البخاري"(1/ 264 رقم 727).

(2)

"سنن أبي داود"(1/ 272 رقم 801).

ص: 38

وأخرجه ابن أبي شيبة (1): أنا أبو معاوية ووكيع، عن الأعمش، عن عمارة بن عمير، عن أبي معمر قال:"قلنا لخباب بأي شيء كنتم تعرفون قراءة رسول الله عليه السلام في الظهر والعصر؟ قال: باضطراب لحيته". أبو معاوية: "لحييه".

وأخرجه ابن ماجه (2): ثنا علي بن محمَّد، نا وكيع، عن الأعمش

إلى آخره نحوه.

ص: وقد روي ذلك عن جماعة من أصحاب النبي عليه السلام كما حدثنا أحمد بن داود، قال: ثنا عبيد الله بن محمَّد وموسى بن إسماعيل، قالا: ثنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن أبي عثمان النهدي، قال:"سمعت من عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقرأ في الظهر والعصر {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} ".

حدثنا بكر بن إدريس، قال: ثنا آدم، قال: ثنا شعبة، قال: ثنا سفيان بن حسين، قال: سمعت الزهري يحدث عن ابن أبي رافع، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه:"أنه كان يأمر أو يحب أن يقرأ خلف الإِمام في الظهر والعصر في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورة سورة، وفي الأخريين بفاتحة الكتاب".

حدثنا أبو بكرة وابن مرزوق، قالا: حدثنا أبو داود، قال: ثنا شعبة، عن أشعث بن أبي الشعثاء، قال: سمعت أبا مريم الأسدي، يقول:"سمعت ابن مسعود رضي الله عنه يقرأ في الظهر".

حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا وهب بن جرير، قال: ثنا هشام بن حسان، عن جميل بن مرَّة وحكيم:"أنهم دخلوا على مورق العجلي، فصلى بهم الظهر، فقرأ بقاف والذاريات، اسمعهم بعض قراءته، فلما انصرف قال: صليت خلف ابن عمر رضي الله عنهما فقرأ بقاف والذاريات فاسمعنا نحو ما أسمعناكم".

(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 318 رقم 3635).

(2)

"سنن ابن ماجه"(1/ 270 رقم 826).

ص: 39

حدثنا إبراهيم بن منقذ، قال: ثنا المقرئ، عن حيوة وابن لهيعة، قالا: أنا بكر بن عَمرو، أن عبيد الله بن مقسم أخبره، أن ابن عمر قال له:"إذا صليت وحدك فاقرأ في الركعتين الأوليين من الظهر والعصر بأم القرآن وسورة سورة، وفي الركعتين الأخريين بأم القرآن، فلقيت زيد بن ثابت وجابر بن عبد الله رضي الله عنهما، فقالا مثل ما قال ابن عمر رضي الله عنهما".

حدثنا حسين بن نصر، قال: ثنا الفريايى، قال: ثنا سفيان، عن أيوب بن موسى، عن عبيد الله بن مقسم قال:"سألت جابر بن عبد الله رضي الله عنه عن القراءة؛ في الظهر والعصر، فقال: أما أنا فاقرأ في الأوليين بفاتحة الكتاب وسورة سورة، وفي الأخريين بفاتحة الكتاب".

حدثنا فهد، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثني الليث، قال: حدثني أسامة بن زيد، عن عبيد الله بن مقسم، عن جابر بن عبد الله:"أنه سأله كيف تصنعون في صلاتكم التيم لا تجهرون فيها بالقراءة؛ إذا كنتم في بيوتكم؟ فقال: نقرأ في الأوليين من الظهر والعصر في كل ركعة بفاتحة الكتاب وسورة، ونقرأ في الأخريين بأم القرآن وندعو".

حدثنا يونس، قال: ثنا ابن وهب، قال: أخبرني مخرمة، عن أبيه، عن عبيد الله بن مقسم، قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: "إذا صليت وحدك شيئًا من الصلوات فاقرأ في الركعتين الأوليين بسورة مع أم القرآن، وفي الأخريين بأم القرآن".

حدثنا يزيد بن سنان، قال: ثنا يحيى بن سعيد، قال: ثنا مسعر بن كدام، قال: حدثنا يزيد الفقير، عن جابر بن عبد الله:"سمعته يقول: يقرأ في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورة، وفي الأخريين بفاتحة الكتاب، قال: وكنا نتحدث أنه لا صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب فما فوق ذلك، أو فما أكثر من ذلك".

ص: 40

حدثنا فهد، قال: حدثنا ابن الأصبهاني، قال: أنا شريك، عن زكرياء، عن عبد الله بن خباب، عن خالد بن عرفطة قال:"سمعت خبابًا يقرأ في الظهر أو العصر إذا زلزلت".

حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا حرب بن شداد، عن يحيى بن أبي كثير، عن محمَّد بن إبراهيم قال:"سمعت هشام بن إسماعيل على منبر النبي عليه السلام يقول: قال أبو الدرداء: اقرءوا في الركعتين الأوليين من الظهر والعصر بفاتحة الكتاب وسورتين، وفي الأخريين بفاتحة الكتاب".

ش: أي قد روي فعل القراءة؛ في الظهر والعصر أيضًا عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، وأخرج ذلك عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعبد الله ابن مسعود وعبد الله بن عمر وزيد بن ثابت وجابر بن عبد الله وخباب بن الأرت وأبي الدرداء رضي الله عنهم.

أما أثر عمر: فأخرجه عن أحمد بن داود المكي شيخ الطبراني أيضًا، عن عبيد الله ابن محمد بن حفص المعروف بأبي عائشة، وعن موسى بن إسماعيل المنقري أبي سلمة التبوذكي شيخ البخاري وأبي داود، كلاهما عن حماد بن سلمة، عن علي بن زيد بن جدعان، عن أبي عثمان النهدي واسمه عبد الرحمن بن مَلّ -بفتح الميم وكسرها- نسبة إلى نهد بن زيد بن ليث بن سُود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة، قبيلة كبيرة.

وهذا إسناد صحيح.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): ثنا ابن علية، عن علي بن زيد بن جدعان، عن أبي عثمان النهدي، قال:"سمعت من عمر رضي الله عنه نغمة من "قاف" في صلاة الظهر".

(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 319 رقم 3644).

ص: 41

وأما أثر علي بن أبي طالب رضي الله عنه: فأخرجه عن بكر بن إدريس بن الحجاج الأزدي، عن آدم بن أبي إياس التيمي -وقيل: التميمي- شيخ البخاري، عن شعبة، عن سفيان بن حسين الواسطي، عن محمَّد بن مسلم الزهري، عن عبيد الله ابن أبي رافع، عن أبيه أبي رافع مولى النبي عليه السلام، عن علي رضي الله عنه.

وهذا إسناد صحيح.

وأخرجه الدارقطني (1): ثنا إسماعيل بن محمَّد الصفار، ثنا عباس بن محمَّد، ثنا عبد الصمد بن النعمان، ثنا شعبة، عن سفيان بن حسين، عن الزهري، عن ابن أبي رافع، عن أبيه:"أن عليًّا رضي الله عنه كان يأمر أو يقول: اقرأ خلف الإِمام في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورة، وفي الأخريين بفاتحة الكتاب".

وفي رواية (2) له: "أقرأ في صلاة الظهر والعصر". وقد ذكرناها فيما مضى عند قوله: "حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا خطاب بن عثمان، قال: ثنا إسماعيل بن عياش، عن مسلم بن خالد، عن جعفر بن محمَّد، عن الزهري، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن علي رضي الله عنه

" الحديث وهذا الحديث مع إسناده قريب من حديث بكر بن إدريس هذا.

وأما أثر ابن مسعود: فأخرجه عن أبي بكرة بكار القاضي وإبراهيم بن مرزوق، كلاهما عن أبي داود سليمان بن داود الطيالسي، عن شعبة، عن أشعث بن أبي الشعثاء اسمه سليم بن أسود الكوفي، عن أبي مريم الأسدي واسمه عبد الله بن زياد الكوفي.

وهذا إسناد صحيح.

(1)"سنن الدارقطني"(1/ 322 رقم 21).

(2)

تقدم تخريجه.

ص: 42

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): ثنا شريك، عن أشعث بن سليم، عن أبي مريم الأسدي، عن عبد الله قال:"صليت إلى جنبه فسمعته يقرأ خلف بعض الأمراء في الظهر والعصر".

وأما أثر عبد الله بن عمر فأخرجه من طريقين صحيحين، وعبد الله بن لهيعة مذكور في الطريق الثاني متابعة.

الأول: عن أبي بكرة بكار، عن وهب بن جرير، عن هشام بن حسان الأزدي القردوسي، عن جميل بن مرة الشيباني البصري، وثقه النسائي وروى له أبو داود، وعن حكيم -بفتح الحاء- غير منسوب، الظاهر أنه والد المغيرة بن حكيم من التابعين، ذكره ابن أبي حاتم وسكت عنه: "أنهما وجماعة دخلوا على مورق العجلي

" إلى آخره، ومُوَرِّق -بضم الميم وتشديد الراء المكسورة- بن المُشَمْرج -بضم الميم الأولى، وفتح الشين المعجمة، وسكون الميم، وكسر الراء، وفي آخره جيم- العجلي الكوفي ويقال البصري، روي له الجماعة.

وأخرج ابن أبي شيبة في "مصنفه"(2): عن ابن إدريس، عن هشام، عن جميل بن مرة، عن مورق العجلي قال:"صليت خلف ابن عمر الظهر، فقرأ بسورة مريم".

وأخرج عبد الرزاق في "مصنفه"(3): عن معمر، عن قتادة، عن مورق العجلي قال:"كان ابن عمر رضي الله عنه يصلي بهم فيقرأ في الظهر بقاف واقتربت".

الثاني: عن إبراهيم بن منقذ، عن عبد الله بن يزيد القصير المقرئ، عن حيوة بن شريح أبي زرعة المصري، وعن عبد الله بن لهيعة، كلاهما عن بكر بن عمرو المعافري المصري، إمام جامعها، عن عبيد الله بن مقسم القرشي المدني، عن ابن عمر، وزيد ابن ثابت، وجابر بن عبد الله.

أما أثر زيد بن ثابت رضي الله عنه: فقد ذكر في أثر ابن عمر.

(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 328 رقم 3752).

(2)

"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 313 رقم 3576).

(3)

"مصنف عبد الرزاق"(2/ 105 رقم 2679).

ص: 43

وأما أثر جابر بن عبد الله: فأخرجه من أربع طرق صحاح، غير ما ذكره في أثر ابن عمر رضي الله عنهم:

الأول: عن حسين بن نصر بن المعارك، عن محمَّد بن يوسف الفريابي شيخ البخاري، عن سفيان الثوري، عن أيوب بن موسى بن عمرو بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي الأموي المكي.

عن عبيد الله بن مقسم المدني

إلى آخره.

وأخرجه عبد الرزاق في "مصنفه"(1): عن داود بن قيس، عن عبيد الله بن مقسم قال:"سألت جابر بن عبد الله عن القراءة قال: أما أنا فأقرأ في الركعتين الأوليين من الظهر والعصر بفاتحة الكتاب وسورة، وفي الآخريين بفاتحة الكتاب".

الثاني: عن فهد بن سليمان، عن عبد الله بن صالح كاتب الليث، عن الليث، عن ابن سعد، عن أسامة بن زيد، عن عبيد الله بن مقسم

إلى آخره.

قوله: "وندعوا" أراد به من الأدعية المأثورة التي تشابه ألفاظ القرآن، نحو:"ربنا آتنا في الدنيا حسنة" ونحو ذلك.

الثالث: عن يونس بن عبد الأعلى المصري، عن عبد الله بن وهب، عن مخرمة ابن بكير بن عبد الله بن الأشج المدني، عن أبيه بكير بن عبد الله، عن عبيد الله بن مقسم

إلى آخره، وقد ذكرنا أن مخرمة لم يسمع من أبيه.

الرابع: عن يزيد بن سنان القزاز، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن مسعر بن كدام، عن يزيد بن صهيب الفقير الكوفي، عن جابر رضي الله عنه.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(2): ثنا وكيع، عن مسعر، عن يزيد الفقير،

(1)"مصنف عبد الرزاق"(2/ 101 رقم 2661).

(2)

"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 326 رقم 3728) الشطر الأول منه والشطر الثاني في (1/ 318 رقم 3633).

ص: 44

عن جابر قال: "يقرأ في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورة وفي الأخريين بفاتحة الكتاب، كنا نتحدث أنه لا صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب فما زاد".

وأما أثر خباب: فأخرجه عن فهد بن سليمان، عن محمَّد بن سعيد بن الأصبهاني شيخ البخاري، عن شريك بن عبد الله النخعي القاضي، عن زكرياء بن أبي زائدة الكوفي أحد مشايخ أبي حنيفة، عن عبد الله بن خباب الأنصاري المدني، عن خالد ابن عرفطة، ويقال: خالد بن عرفجة، قال أبو حاتم: مجهول. وفي "الميزان": خالد بن عرفطة أو عرفجة، تابعي كبير لا يعرف انفرد عنه قتادة، وذكره ابن حبان في "الثقات".

وأما أثر أبي الدرداء واسمه عويمر بن مالك: فأخرجه عن أبي بكرة بكار القاضي، عن أبي داود سليمان بن داود الطيالسي، عن حرب بن شداد اليشكري البصري، عن يحيى بن أبي كثير الطائي أبي نصر اليمامي، واسم أبي كثير صالح بن المتوكل، عن محمَّد بن إبراهيم بن الحارث القرشي المدني، روى له الجماعة، عن هشام بن إسماعيل والي المدينة النبوية الذي ضرب سعيد بن المسيب بالسياط، ذكره ابن حبان في "الثقات" من التابعين، وذكره ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" وقال: هشام بن إسماعيل بن الوليد بن المغيرة المخزومي روى عن أبي الدرداء مرسلًا، روى عنه محمَّد بن يحيى بن حبان ومحمد بن إبراهيم التيمي، سمعت أبي يقول ذلك.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1) منقطعًا معضلًا وقال: ثنا عبد الله بن مبارك، عن هشام الدستوائي، عن يحيى بن أبي كثير، قال:"حُدِّثْت أن أبا الدرداء كان يقول: اقرءوا في الركعتين الأوليين من الظهر والعصر بفاتحة الكتاب وسورة، وفي الأخريين بفاتحة الكتاب، وفي الركعة الأخيرة من صلاة المغرب وفي الركعتين الآخريين من العشاء بأم الكتاب".

(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 325 رقم 3725).

ص: 45

وأخرج عبد الرزاق في "مصنفه"(1): عن عمر بن راشد عم يحيى بن أبي كثير، عن يعيش بن الوليد، عن خالد بن معدان:"أن أبا الدرداء كان يقول: اقرأ في الركعتين الأوليين من الظهر والعصر والعشاء الآخرة في كل ركعة بأم القرآن وسورة وفي الركعة الآخرة من المغرب بأم القرآن " انتهى.

قلت: لم يذكر خالد سماعًا من أبي الدرداء.

(1)"مصنف عبد الرزاق"(2/ 102 رقم 2664).

ص: 46