المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ص: باب: القراءة في صلاة المغرب - نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار - جـ ٤

[بدر الدين العيني]

الفصل: ‌ص: باب: القراءة في صلاة المغرب

‌ص: باب: القراءة في صلاة المغرب

ش: أي هذا الباب في بيان أحكام القراءة في صلاة المغرب، والمناسبة بين البابين ظاهرة.

ص: حدثنا يونس، قال: ثنا عبد الله بن وهب، قال: حدثني مالك، عن ابن شهاب، عن محمَّد بن جبير بن مطعم، عن أبيه (ح)

وحدثنا يزيد بن مشان، قال: ثنا يحيى بن سعيد القطان، قال: ثنا مالك، قال: أخبرني الزهري، عن ابن جبير بن مطعم، عن أبيه قال:"سمعت النبي عليه السلام يقرأ في المغرب بالطور".

حدثنا إسماعيل بن يحيى المزني، قال: ثنا محمَّد بن إدريس، قال: أنا مالك وسفيان، عن ابن شهاب، فذكر بإسناده مثله.

ش: هذه ثلاث طرق صحاح:

الأول: عن يونس بن عبد الأعلى المصري شيخ مسلم، عن عبد الله بن وهب، عن مالك بن أنس، عن محمَّد بن مسلم بن شهاب الزهري، عن محمَّد بن جبير بن مطعم، عن أبيه جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف بن قصي القرشي النوفلي قال:"سمعت النبي عليه السلام يقرأ في المغرب بالطور".

وأخرجه البخاري (1): ثنا عبد الله بن يوسف، قال: أنا مالك

إلى آخره نحوه.

ومسلم (2): ثنا يحيى بن يحيى، قال: قرأت على

مالك إلى آخره نحوه.

الثاني: عن يزيد بن سنان القزاز شيخ النسائي، عن يحيى بن سعيد القطان، عن مالك

إلى آخره.

(1)"صحيح البخاري"(1/ 256 رقم 731).

(2)

"صحيح مسلم"(1/ 338 رقم 463).

ص: 47

وأخرجه أبو داود (1): حدثني القعنبي، عن مالك

إلى آخره.

والنسائي (2): أخبرنا قتيبة، عن مالك

إلى آخره.

الثالث: عن إسماعيل بن يحيى المزني صاحب الشافعي، عن الإِمام محمَّد بن إدريس الشافعي، عن مالك، وعن سفيان بن عُيينة، كلاهما عن محمَّد بن مسلم بن شهاب الزهري

إلى آخره.

وأخرجه أحمد في "مسنده"(3): ثنا سفيان، عن الزهري، عن محمَّد بن جبير بن مطعم، عن أبيه:"سمع النبي عليه السلام يقرأ في المغرب بالطور".

وأخرجه ابن ماجه (4): ثنا محمَّد بن الصباح، أنا سفيان، عن الزهري، عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه قال:"سمعت النبي عليه السلام يقرأ في المغرب بالطور".

قوله: "بالطور" أي بسورة {وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ} وهي مكية، وهي تسع وأربعون آية عند أهل الكوفة، وثمان وأربعون عند أهل البصرة، وسبع وأربعون عند أهل المدينة، وثلاثمائة واثني عشر كلمة، وخمسمائة أحرف.

ص: حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا وهب بن جرير، قال: ثنا شعبة، عن سعد بن إبراهيم، قال: حدثني بعض إخوتي، عن أبيه، عن جبير بن مطعم:"أنه أتى النبي عليه السلام في بدر، قال: فانتهيت إليه وهو يصلي المغرب، فقرأ بالطور، فكأنما صدع قلبي حين سمعت القرآن، وذلك قبل أن يسلم".

ش: فيه مجهول، وهو قوله:"بعض أخوتي" قيل: هو إما مسور وإما صالح ابنا إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، والظاهر أنه صالح وذكره ابن حبان في "الثقات".

(1)"سنن أبي داود"(1/ 274 رقم 811).

(2)

"المجتبى"(2/ 169 رقم 987).

(3)

"مسند أحمد"(4/ 80 رقم 16781).

(4)

"سنن ابن ماجه"(1/ 272 رقم 832).

ص: 48

وسعد بن إبراهيم روى له الجماعة، وأبوه إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف وثقة النسائي.

وأخرجه أحمد في "مسنده"(1): ثنا عفان ومحمد بن جعفر، قالا: ثنا شعبة، عن سعد بن إبراهيم، قال: سمعت بعض أخوتي، عن أبيه، عن جبير بن مطعم:"أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم في فداء بدر -قال ابن جعفر: في فداء المشركين- وما أسلم يومئذ فدخلت المسجد ورسول الله عليه السلام يصلي المغرب، فقرأ بالطور فكأنما صدع قلبي حين سمعت القرآن، قال ابن جعفر: فكأنما صدع قلبي [حيث] (2) سمعت القرآن".

وأخرجه الطبراني (3) أيضًا: ثنا إسماعيل بن الحسن الخفاف، ثنا أحمد بن صالح، ثنا ابن وهب، أخبرني أسامة بن زيد، أن ابن شهاب أخبره، عن محمَّد بن جبير بن مطعم، عن أبيه:"أنه جاء في فداء أسارى بدر قال: فوافيت رسول الله عليه السلام يقرأ في صلاة المغرب {وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (2) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ} (4) قال: فأخذني من قراءته كالكرب، فكان ذلك أول ما سمعت من أمر الإِسلام".

قوله: "أتى النبي عليه السلام في بدر" أي في فداء أهل بدر كما صرح به في رواية أحمد، وكان جبير يومئذ كافرًا، وأسلم بعد ذلك، فهذا من بدائع الحديث وعجائبه حين سمع جبير هذا الحديث وهو كافر، وحدث عنه وهو مسلم.

قوله: "فكأنما صدع قلبي" أي شقَّه وقطَّعه، وأراد به أنه أثر في قلبه، وداخَلَهُ نور الإِسلام ببركة ذلك.

قوله: "حين سمعت القرآن" وفي بعض الروايات "حيث سمعت" كما وقع كذلك في إحدى روايات أحمد.

(1)"مسند أحمد"(4/ 83 رقم 16808).

(2)

في "الأصل، ك": حين. والمثبت من "مسند أحمد".

(3)

"المعجم الكبير"(2/ 116 رقم 1498).

(4)

سورة الطور، آية:[1 - 3].

ص: 49

ص: حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، أن مالكًا حدثه، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال:"إن أم الفضل بنت الحارث سمعته وهو يقرأ بالمرسلات عُرفا، فقالت: يا بني، لقد ذكرتني قراءتك هذه السورة أنها لآخر ما سمعت النبي عليه السلام يقرأ بها في صلاة المغرب".

حدثنا إبراهيم بن مرزوق، قال: ثنا عثمان بن عمر، عن يونس، عن الزهري

فذكر مثله بإسناده.

ش: هذان طريقان صحيحان وقد تكرر رجالها والكل رجال الصحيح ما خلا ابن مرزوق.

الأول: عن يونس بن عبد الأعلى، عن عبد الله بن وهب، عن مالك، عن محمَّد بن مسلم بن شهاب الزهري

إلى آخره.

وأخرجه الجماعة:

فالبخاري (1): عن عبد الله بن يوسف، عن مالك.

ومسلم (2): عن يحيى بن يحيى، عن مالك.

وأبو داود (3): عن القعنبي، عن مالك.

والترمذي (4): عن هناد، عن عبدة بن سليمان، عن محمَّد بن إسحاق، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس، عن أمه أم الفضل قالت:"خرج إلينا رسول الله عليه السلام وهو عاصب رأسه في مرضه، فصلى المغرب فقرأ بالمرسلات، فما صلاها بعد حتى لقي الله عز وجل".

وقال: حديث أم الفضل حديث حسن صحيح.

(1)"صحيح البخاري"(1/ 265 رقم 729).

(2)

"صحيح مسلم"(1/ 338 رقم 462).

(3)

"سنن أبي داود"(1/ 274 رقم 810).

(4)

"جامع الترمذي"(2/ 112 رقم 308).

ص: 50

والنسائي (1): عن قتيبة، عن سفيان، عن الزهري، عن عبيد الله، عن ابن عباس، عن أمه:"أنها سَمِعَت النبي عليه السلام يقرأ في المغرب بالمرسلات".

وابن ماجه (2): عن أبي بكر بن أبي شيبة وهشام بن عمار، كلاهما عن سفيان بن عيينة، عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، عن أمه -قال أبو بكر بن أبي شيبة: هي لبابة-: "أنها سمعت رسول الله عليه السلام يقرأ في المغرب بالمرسلات عرفًا" انتهى. ولبابة -بضم اللام، وتخفيف الباء الموحدة، وبعد الألف باء أخرى- هو اسم أم الفضل بنت الحارث بن حزن الهلالية، زوج العباس بن عبد المطلب، وهي أخت ميمونة بنت الحارث زوج النبي عليه السلام.

قوله: "يا بني" تصغير [ابن، وهذا تصغير](3) الترحم والشفقة.

قوله "قراءتك" مرفوع لأنه فاعل لقوله: "ذكرتني" وهي من التذكير.

قوله: "هذه السورة" مفعول المصدر، أعني "قراءتك" والمصدر مضاف إلى فاعله.

قوله: "إنها" أي إن {وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا} وهي مكية إلا قوله عز وجل: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ} (4) وهي خمسون آية، ومائة وإحدى وثمانون كلمة، وثمانمائة وستة عشر حرفًا.

الثاني: عن ابن مرزوق، عن عثمان بن عمر بن فارس العبدي البصري شيخ أحمد، عن يونس بن يزيد الأيلي، عن محمَّد بن مسلم الزهري

إلى آخره.

وأخرجه الدارمي في "مسنده"(5): أنا عثمان بن عمر، عن يونس، عن الزهري،

(1)"المجتبى"(2/ 168 رقم 986).

(2)

"سنن ابن ماجه"(1/ 272 رقم 831).

(3)

ليست في "الأصل، ك"، والمثبت من "عمدة القاري".

(4)

سورة المرسلات، آية:[48].

(5)

"سنن الدارمي"(1/ 336 رقم 1294).

ص: 51

عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس، عن أم الفضل:"أنها سمعت النبي عليه السلام يقرأ في المغرب بالمرسلات".

ص: حدثنا الربيع بن سليمان الجيزي، قال: ثنا أبو زرعة، قال: أنا حيوة، قال: أنا أبو الأسود، أنه سمع عروة بن الزبير يقول: أخبرني زيد بن ثابت، أنه قال لمروان بن الحكم:"يا أبا عبد الملك، ما يحملك أن تقرأ في صلاة المغرب بقل هو الله أحد وسورة أخرى صغيرة؟ قال زيد: فوالله لقد سمعت رسول الله عليه السلام يقرأ في صلاة المغرب بأطول الطول وهي ألمص".

حدثنا روح بن الفرج، قال: نا سعيد بن عفير، قال: ثنا ابن لهيعة، عن أبي الأسود

فذكر مثله بإسناده.

حدثنا محمَّد بن خزيمة، قال: ثنا حجاج، قال: ثنا حماد، عن هشام، عن أبيه:"أن مروان كان يقرأ في المغرب بسورة يس".

قال عروة: قال زيد بن ثابت -أو أبو زيد الأنصاري شك هشام- لمروان: "لم تقصر صلاة المغرب، وكان رسول الله عليه السلام يقرأ فيها بأطول الطوليين: الأعراف؟ ".

ش: هذه ثلاث طرق:

الأول: عن الربيع بن سليمان الجيزي الأعرج شيخ أبي داود والنسائي، ونسبته إلى جيزة مصر -بكسر الجيم- بليدة قبالة مقياس مصر من غربي النيل على شطه.

عن أبي زرعة وهب الله بن راشد الحجري المؤذن، قال أبو حاتم: محله الصدق ولكن غمزه سعيد بن أبي مريم.

عن حيوة بن شريح بن صفوان التجيبي المصري الفقيه الزاهد العابد، روى له الجماعة.

عن أبي الأسود النضر بن عبد الجبار بن نُضَيْر -بضم النون وفتح الضاد المعجمة- قال النسائي: ليس به بأس.

وعن يحيى: كان راوية عن ابن لهيعة، وكان شيخ صدق.

ص: 52

عن عروة بن الزبير بن العوام، عن زيد بن ثابت الأنصاري الصحابي رضي الله عنه أنه قال لمروان وهو ابن الحكم بن أبي العاص، ولد يوم أحد وقيل: يوم الخندق، ولم ير النبي عليه السلام لأنه خرج إلى الطائف طفلًا لا يعقل لما نفى النبي عليه السلام -أباه الحكم (1) وكان مع أبيه بالطائف حتى استخلف عثمان رضي الله عنه فردهما واستكتب عثمان مروان وضمه إليه، روى له الجماعة سوى مسلم.

وأخرجه النسائي (2): أنا محمَّد بن سلمة، قال: ثنا ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن أبي الأسود، أنه سمع عروة بن الزبير يحدث، عن زيد بن ثابت، أنه قال لمروان:"يا أبا عبد الملك، أتقرأ في المغرب بقل هو الله أحد وإنا أعطيناك الكوثر؟ قال: نعم، قال: [فمحلوفة] (3) لقد رأيت رسول الله عليه السلام يقرأ فيها بأطول الطوليين ألمص".

وقال أبو داود (4): نا الحسن بن علي، نا عبد الرزاق، عن ابن جريج قال: حدثني ابن أبي مليكة، عن عروة بن الزبير، عن مروان بن الحكم، قال:"قال لي زيد بن ثابت: ما لك تقرأ في المغرب بقصار المفصل وقد رأيت رسول الله عليه السلام يقرأ في المغرب بطولى الطوليين؟ قال: قلت: ما طولى الطوليين؟ قال: الأعراف، قال: وسألت أنا ابن أبي مليكة، فقال لي من قبل نفسه: المائدة والأعراف".

وقال البخاري (5): ثنا أبو عاصم، عن ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، عن عروة بن الزبير، عن مروان بن الحكم، قال:"قال زيد بن ثابت: مالك تقرأ في المغرب بقصار المفصل وقد سمعت النبي عليه السلام يقرأ بطولى الطوليين؟ ".

(1)"المعجم الكبير" للطبراني (12/ 148 رقم 12724).

(2)

"المجتبى"(2/ 169 رقم 989).

(3)

في "الأصل، ك": "فحقلوفة"، والمثبت من "المجتبى"، والمحلوفة: هو القَسَم وهو على سبيل إضمار الحلف بالله محلوفة. انظر "لسان العرب"(حلف).

(4)

"سنن أبي داود"(1/ 274 رقم 812).

(5)

"صحيح البخاري"(1/ 265 رقم 730).

ص: 53

قوله: "وسورة أخرى صغيرة" قد فسرها في رواية النسائي بـ {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} (1).

قوله: "بأطول الطُّوَل" بضم الطاء وفتح الواو، جمع طولى، وهي فُعْلى -بالضم- تأنيث أطول، ككبرى تأنيث أكبر، وأراد بالطُّوَل: المائدة والأنعام والأعراف، وأراد بأطول الطول: الأعراف؛ لأنه فسره بقوله وهي ألمص.

فإن قيل: أطول الطول: البقرة؛ لأنها أطول السبع الطول، فكيف يقول: أراد بأطول الطول الأعراف".

قلت: لو لم يفسر بقوله: "وهي ألمص" كان الذي يفهم من قوله: "أطول الطول" البقرة، ولكن لا فسره بقوله:"وهي ألمص"، عُرف أن المراد منه سورة الأعراف؛ لأنها أطول الطول بعد البقرة، بيانه: أن البقرة مائتان وثمانون وست آيات، وهي ستة آلاف ومائة وإحدى وعشرون كلمة، وخمس وعشرون ألف حرف وخمسمائة حرف.

وسورة آل عمران مائتا آية، وثلاثة آلاف وأربعمائة وإحدى وثمانون كلمة، وأربعة عشر ألفا وخمسمائة وخمسة وعشرون حرفًا.

وسورة النساء مائة وخمس وسبعون آية، وثلاثة آلاف وسبعمائة وخمسة وأربعون كلمة، وستة عشر ألفا وثلاثون حرفًا.

وسورة المائدة مائة واثنان وعشرون آية، وألف وثمانمائة كلمة وأربع كلمات، واحد عشر ألفًا وسبعمائة وثلاثة وثلاثون حرفًا.

وسورة الأنعام مائة وست وستون آية، وثلاثة آلاف واثنتان وخمسون كلمة، واثني عشر ألف وأربعمائة واثنان وعشرون حرفًا.

(1) سورة الكوثر، آية:[1].

ص: 54

والأعراف مائتان وخمس آيات عند أهل البصرة، وست عند أهل الكوفة، وثلاثة آلاف وثلاثمائة وخمس وعشرون كلمة، وأربعة عشر ألف حرف وعشرة أحرف.

الثاني: عن روح بن الفرج القطان، عن سعيد بن كثير بن عفير، عن عبد الله بن لهيعة، عن أبي الأسود النضر بن عبد الجبار

إلى آخره.

وهؤلاء ثقات إلا أن في ابن لهيعة مقالًا.

وأخرجه الطبراني في "الكبير"(1): ثنا أحمد بن رشدين، نا يحيى بن بكير، ثنا ابن لهيعة، حدثني أبو الأسود، عن عروة بن الزبير، قال: سمعت زيد بن ثابت يقول: "سمعت رسول الله عليه السلام يقرأ في المغرب بأطول الطوليين". وفي "الأطراف" لابن عساكر: "قيل لعروة ما طولى الطوليين؟ قال: الأعراف ويونس".

الثالث: عن ابن خزيمة، عن حجاج بن المنهال الأنماطي، عن حماد بن سلمة، عن هشام، عن أبيه عروة

إلى آخره.

وهذا إسناد صحيح.

قوله: "أو أبو زيد الأنصاري" صحابي لم يدر اسمه، وذكره البغوي في "معجمه" وقال: أبو زيد الأنصاري ولم ينسَب.

قوله: "شك هشام" أي هشام بن عروة.

قوله: "لم تقصر" بالتشديد، وأراد تخفيف القراءة فيها.

قوله: "بأطول الطوليين" يعني بأطول السورتين الطويلتين، وهما الأنعام والأعراف، والطولى مؤنث الأطول.

قوله: "الأعراف" بيان لقول: "بأطول الطوليين".

(1)"المعجم الكبير"(5/ 126 رقم 4827).

ص: 55

ص: حدثنا فهد بن سليمان، قال: ثنا موسى بن داود، قال: ثنا عبد العزيز بن أبي سلمة، عن حميد، عن أنس، عن أم الفضل بنت الحارث قالت:"صلى بنا رسول الله عليه السلام في بيته المغرب في ثوب واحد، متوشحًا به، فقرأ والمرسلات، ما صلى بعدها صلاة حتى قبض عليه السلام".

ش: إسناده صحيح على فرط مسلم، وموسى بن داود الضبي الخلقاني قاضي المصيصة، قال الدراقطني: كان مصنفًا مكثرًا مأمونًا روى له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه.

وعبد العزيز هو ابن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون، وحميد هو الطويل.

وأخرجه النسائي (1): أنا عمرو بن منصور، قال: نا موسى بن داود، قال: ثنا عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون، عن حميد، عن أنس، عن أم الفضل بنت الحارث قالت:"صلى بنا رسول الله عليه السلام في بيته المغرب، فقرأ المرسلات، ما صلى بعدها صلاة حتى قبض عليه السلام".

قوله: "متوشحًا"، حال من الرسول عليه السلام، والتوشح التغشي، والأصل فيه من الوشاح، وهو شيء ينسج، عريضًا من أديم، وربما رصع بالجوهر والخرز، وتشده المرأة بين عاتقيها وكشحيها، ويقال فيه: وشاح، وأشاح، وقال الجوهري: ربما قالوا: توشح الرجل بثوبه وبسيفه. وقال: ابن سيده: التوشح أن يتشح بالثوب ثم يخرج طرفه الذي ألقاه على عاتقه الأيسر من تحت يده اليمنى ثم يعقد طرفيهما على صدره، وقد وشحه الثوب.

وقال الزهري في حديثه: الملتحف: المتوشح، وهو المخالف بين طرفيه على عاتقه، وهو الاشتمال على منكبيه.

قوله: "ما صلى بعدها" أي بعد صلاة المغرب، وهذا يدل على أنه عليه السلام قبض بين المغرب والعشاء، ولكن المشهور المنقول عن الجمهور أنه توفي يوم الاثنين لليلتين

(1)"المجتبى"(2/ 168 رقم 985).

ص: 56

خلتا من ربيع الأول سنة إحدى عشرة من الهجرة، وقيل: ليلة خلت منه، وقال ابن إسحاق: لاثنتي عشرة ليلة خلت منه، في اليوم الذي قدم فيه المدينة، وقال عروة في مغازيه: توفي رسول الله عليه السلام وهو في صدر عائشة رضي الله عنها وفي يومها يوم الاثنين حين زاغت الشمس لهلال ربيع الأول، وعن الأوزاعي: توفي رسول الله عليه السلام يوم الاثنين قبل أن ينشب النهار، ويقال: توفي رسول الله عليه السلام حين أشتد الضحى يوم الاثنين، وقيل: عند زوال الشمس، والله أعلم.

قلت: المعنى في الحديث أنه ما صلى بعدها صلاة بالجماعة، أو ما صلى بعدها صلاة مغرب أخرى؛ لأنه عليه السلام لم يلحق إلى المغرب الأخرى فقبض عليه السلام، فافهم.

ص: فزعم قوم أنهم يأخذون بهذه الآثار ويقلدونها.

ش: أراد بالقوم هؤلاء: حميدًا وعروة بن الزبير وابنه هشامًا والشافعي والظاهرية؛ فإنهم أخذوا بهذه الأحاديث المذكورة وتقلدوها وقالوا: الأحسن أن يقرأ المصلي في المغرب بالسور التي قرأها عليه السلام نحو الأعراف والطور والمرسلات ونحوها وقال الترمذي: ذكر عن مالك أنه كره أن يقرأ في صلاة المغرب بالسور الطوال نحو الطور والمرسلات. وقال الشافعي: لا أكره بل أستحب أن يقرأ بهذه السور في صلاة المغرب. وقال ابن حزم في "المحلى": ولو أنه قرأ في المغرب بالأعراف أو المائدة أو الطور أو المرسلات فحسن.

ص: وخالفهم في قولهم هذا أخرون، فقالوا: لا ينبغي أن يقرأ في صلاة المغرب إلا بقصار المفصل.

ش: أي خالف القوم المذكورين في قولهم الذي ذهبوا إليه جماعة آخرون، وأراد بهم: النخعي والثوري وعبد الله بن المبارك وأبا حنيفة وأبا يوسف ومحمدًا ومالكا وأحمد وإسحاق، فإنهم قالوا: المستحب أن يقرأ في صلاة المغرب من قصار المفصل.

ص: 57

وقال الترمذي: وعلى هذا العمل عند أهل العلم.

والمفصل: السبع السابع، سمي به لكثرة فصوله، وهو من سورة محمَّد -وقيل: من الفتح، وقيل: من قاف- إلى آخر القرآن، وقصار المفصل من: لم يكن، إلى آخر القرآن. وأوساطه من: والسماء ذات البروج إلى: لم يكن، فافهم.

ص: وقالوا قد يحوز أن يكون يريد بقوله قرأ بالطور: قرأ ببعضها، وذلك جائز في اللغة، يقال: هذا فلان يقرأ القرآن إذا كان يقرأ منه شيئًا، ويحتمل "قرأ بالطور" قرأ بكلها، فنظرنا في ذلك هل يروى فيه شيء يدل على أحد التأويلين؟ فإذا صالح بن عبد الرحمن وابن أبي داود قد حدثانا، قالا: حدثنا سعيد بن منصور، قال: ثنا هشيم، عن الزهري، عن محمَّد بن جبير بن مطعم، عن أبيه قال:"قدمت المدينة على عهد النبي عليه السلام لأكلمه في أسارى بدر، فانتهيت إليه وهو يصلي بأصحابه صلاة المغرب، فسمعته يقول: {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ} (1) فكأنما صدع قلبي، فلما فرغ كلمته فيهم، فقال: شيخ، لو كان أتاني لشفعته فيهم يعني أباه مطعم بن عدي".

فهذا هشيم قد روى هذا الحديث عن الزهري، فبين القصة على وجهها، وأخبر أن الذي سمعه من النبي عليه السلام هو قوله عز وجل:{إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ} (1) فبين هذا أن قوله في الحديث الأول: "قرأ بالطور" إنما هو ما سمعه يقرأه منها، وليس لفظ جبير إلا ما روى هشيم؛ لأنه ساق القصة على وجهها، فصار ما حكى فيها عن النبي عليه السلام هو قراءته {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ} (1) خاصة.

وأما حديث مالك رحمه الله: فمختصر من هذا وكذلك حديث زيد بن ثابت في قوله لمروان: "لقد سمعت رسول الله عليه السلام يقرأ فيها بأطول الطول: ألمص". يجوز أن يكون ذلك على قراءته ببعضها.

(1) سورة الطور، آية:[7].

ص: 58

ش: أي قال الجماعة الآخرون، وأشار به إلى الجواب عما استدل به أهل المقالة الأولى، بيانه: أن قوله: "قرأ بالطور، يحتمل أمرين: الأول: أن يكون أراد به بعض الطور، من قبل ذكر الكل دارادة الجزء، وهذا شائع ذائغ في كلام العرب، وذلك كما يقال: فلان يقرأ القرآن إذا كان يقرأ منه شيئًا، وفلان يحيى الليل إذا كان يحيى بعضه، وفلان ينفق ماله في سبيل الله إذا كان ينفق بعضه.

وأن يكون على حقيقته بأن يكون قرأ بالطور كلها فإذا كان هذا اللفظ دائرًا بين الاحتمالين وجب أن ينظر فيه هل يوجد شيء من الآثار يؤكد أحد الاحتمالين ويُعلم أن المراد أحدهما فنظرنا فيه، فوجدنا حديث جبير بن مطعم الذي رواه هشيم عن الزهري، قد دل على أن المراد من حديث جبير في الروايات السابقة هو بعض السورة؛ لأن هشيمًا بين في روايته هذه القصة على وجهها، وأخبر أن الذي سمعه جبير بن مطعم هو هذا المقدار من سورة الطور، وهو قوله:{إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ} (1) خاصة، هذا الجواب أن الرواية التي رواها سعد بن إبراهيم.

عن بعض إخوته عن أبيه جبير بن مطعم.

وأما الجواب عن رواية مالك، عن الزهري، عن محمَّد بن جبير بن مطعم، عن أبيه؛ فهو أنه مختصر من حديث سعد بن إبراهيم.

وأما الجواب عن حديث زيد بن ثابت؛ فهو مثل الجواب المذكور أولًا، وهو أن يكون المراد بعض السورة كما ذكرنا، وكذلك الجواب عن حديث أم الفضل المذكور، ولم يذكر الطحاوي الجواب عنه.

قلت: فيه نظر من وجهين:

الأول: أن حديث هشيم لا يدل على المدعى؛ لأنه يجوز أن يكون انتهاء جبير بن مطعم إلى النبي عليه السلام وهو يقرأ: {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ} (1) وقد كان عليه السلام قد قرأ من أول السورة إلى هذا الموضع في غيبة جبير، وكان انتهاؤه إليه عند إنتهاء

(1) سورة الطور، آية:[7].

ص: 59

النبي عليه السلام إلى هذه الآية، وأنه قد كمل السورة بعده بحضرته، ولم يذكر جبير من الآيات التي قد أدركها إلا هذه الآية وهي قوله:{إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ} (1) إما لأنه أول آية قد أدركها، داما لأن هذه الآية هي التي قد صدعت قلبه لكونها تخبر عن وقوع عذاب الله تعالى بلا ريب.

والثاني: أن إنكار زيد بن ثابت أو أبي زيد الأنصاري على مروان بن الحكم حين قرأ بسورة يس بقوله: "لم تقصر صلاة المغرب وكان رسول الله عليه السلام يقرأ فيها بأطول الطوليين الأعراف؟ ". فلو لم يكن مراده الأعراف بتمامه لما وقع الإنكار في محله، مع أن مروان قد كان قرأ بسورة يس.

والجواب الصحيح: أن يقال: إنه عليه السلام قد فعل هذا أحيانًا إما لبيان جواز الإطالة في المغرب، وإما لأنه قد علم أن من وراءه في ذلك الوقت ما كان يشتي ذلك عليهم، وإما لبيان أن الأمر على السعة، وأنه لا حد معلومًا في قراءة صلاة من الصلوات، وأن ذلك يفعل بحسب حال الوقت وبحسب حال المصلي، وقال القاضي عياض: وما ورد من إطالته عليه السلام في بعض الصلوات فإنه قد ورد ما يعارضه، وهو قوله عليه السلام:"إن منكم منفرين، فأيكم أمَّ الناس فليوجز فإن من ورائه الكبير والضعيف وذا الحاجة"(2). وهذا أمر منه عليه السلام بالتخفيف، وإشارة للتعليل؛ فيبطل تطرق الاحتمال إليه، وهذا وقول جابر بن سمرة:"وكانت صلاته بعد تخفيفًا" وحدث أنس بنحوه يقضي على جميع مختلف الآثار، وأنه هو الذي شرعه عليه السلام للأئمة، وهو موضع البيان، وما خالفه من فعله فبحسب زوال العلة وهي السفر، وكون الصائم ورائه أو المتعجل، أو ضيق الوقت ونحو ذلك، على أنه عليه السلام كان يخفف الصلاة لسماع بكاء الصبي انتهى.

(1) سورة الطور، آية:[7].

(2)

متفق عليه من حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه، البخاري (1/ 248 رقم 670)، ومسلم (1/ 340 رقم 466).

ص: 60

وقد أكد بعضهم صحة ما ذكره الطحاوي من التأويل المذكور بما روي عن أنس قال: "كنا نصلي المغرب مع النبي عليه السلام، ثم يرمي أحدنا فيرى موقع نبله"(1) وفي رواية غيره: "وهم يبصرون موقع النبل على قدر ثلثي ميل"(2) فلما كان هذا المقدار

وقت انصراف رسول الله عليه السلام -من صلاة المغرب استحال أن يكون ذلك وقد قرأ فيها الأعراف ولا نصفها ولا ثلثها.

قلت: هذا ما ذكره الطحاوي على ما يجيء الآن، ولكن فيه نظرة لأن حديث أنس لا يدل على أنه عليه السلام كان دائمًا يصلي المغرب نحو ما ذكره حتى يصحح به التأويل المذكور، بل فعل النبي عليه السلام في هذا مختلف، وكذلك الروايات عنه مختلفة في تطويله القراءة فيها أحيانًا وتخفيفه أحيانًا، وكل ذلك كان ليدل على سعة الأمر، وأنه لا حد في قراءة لصلاة من الصلوات لا يتعدى، وأنه عليه السلام كان يفعل كل ذلك بحسب حال من وراءه وبحسب وقته من ابتداء الصلاة أول الوقت، إذْ يمكنه، أو الأعذار الحادثة فيه فافهم.

ثم إسناد حديث هشيم صحيح ورجاله رجال الصحيح ما خلا صالحًا وإبراهيم ابن أبي داود.

وأخرجه الطبراني (3): ثنا علي بن عبد العزيز، نا أبو عبيد، نا هشيم، ثنا سفيان بن حسين، عن الزهري، قال هشيم: ولا أظن إلا قد سمعته من الزهري، عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه جبير قال:"أتيت النبي عليه السلام لأكلمه في أسارى بدر فوافيته وهو يصلي بأصحابه المغرب أو العشاء، فسمعته وهو يقول أو يقرأ وقد خرج صوته من المسجد {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ (7) مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ} (4) فكأنما صدع قلبي".

(1) أخرجه أبو داود (1/ 167 رقم 416)، وأحمد (3/ 189 رقم 12987).

(2)

"شرح معاني الآثار"(1/ 213 رقم 1169) عن بعض بني سلمة.

(3)

"المعجم الكبير"(2/ 116 رقم 1499).

(4)

سورة الطور، آية:[7 - 8].

ص: 61

قوله: "على عهد النبي عليه السلام" أي على زمنه وأيامه، وكان قدومه مع أسارى بدر كافرًا يومئذ وأسلم بعد ذلك قبل عام خيبر، وقيل: يوم الفتح، قاله في "التهذيب".

قوله: "فقال شيخ" أي فقال عليه السلام: لو أتاني شيخ أراد به أباه مطعم بن عدي بن نوفل، وكانت له يد عند رسول الله عليه السلام وهي أنه كان أجار رسول الله عليه السلام لما قدم من الطائف حين دعى ثقيفًا إلى الإِسلام، وكان أحد الذين قاموا في نقض الصحيفة التي كتبها قريش على بني هاشم وبني المطلب، وإياه عنى أبو طالب بقوله:

أمطعمُ إنَّ القومَ ساموكَ خُطَّة

وإني متى أُوكَل فلستُ بوائلِ

وكانت وفاة المطعم قبل بدر بنحو سبعة أشهر.

قوله: "لشفعته" أي لقبلت شفاعته فيهم، لما قلنا من كون يد له عند النبي عليه السلام.

ص: ومما يدل أيضًا على صحة هذا التأويل: أن محمَّد بن خزيمة قد حدثنا، قال: ثنا حجاج بن منهال، قال: ثنا حماد، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله الأنصاري:"أنهم كانوا يصلون المغرب ثم ينتضلون".

حدثنا أحمد بن داود، قال: ثنا عبيد الله بن موسى وموسى بن إسماعيل، قالا: ثنا حماد، قال: أنا ثابت، عن أنس قال:"كنا نصلي المغرب مع النبي عليه السلام ثم يرمي أحدنا فيرى موقع نبله".

حدثنا محمَّد بن خزيمة، قال: ثنا حجاج، قال: ثنا حماد

فذكر بإسناده مثله.

حدثنا أحمد بن داود، قال: ثنا سهل بن بكار، قال: ثنا أبو عوانة، عن أبي بشر (ح)

وحدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا أبو داود، عن أبي عوانة وهشيم، عن أبي بشر، عن علي بن بلال، قال:"صليت مع نفر من أصحاب النبي عليه السلام من الأنصار فحدثوني أنهم كانوا يصلون مع رسول الله عليه السلام المغرب، ثم ينطلقون يرتمون لا يخفى عليهم موقع سهامهم، حتى يأتوا ديارهم وهي أقصى المدينة في بني سَلِمَة".

ص: 62

حدثنا أحمد بن مسعود، قال: ثنا محمَّد بن كثير، عن الأوزعي، عن الزهري، عن بعض بني سَلِمَة:"أنهم كانوا يصلون مع النبي عليه السلام المغرب، ثم ينصرفون إلى أهليهم وهم يبصرون موقع النبل على قدر ثلثي ميل".

حدثنا الربيع المؤذن، قال: ثنا أسد، قال: ثنا ابن أبي ذئب، عن المقبري، عن القعقاع بن حكيم، عن جابر بن عبد الله قال:"كنا نصلي مع النبي عليه السلام -المغرب، ثم نأتي بني سَلِمَة وانا لنبصر مواقع النبل".

قالوا: فلما كان هذا وقت انصراف رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلاة المغرب استحال أن يكون ذلك وقد قرأ فيها الأعراف ولا نصفها.

ش: أي ومن الذي يدل أيضًا على صحة هذا التأويل -وهو الذي ذكره أن المراد من السورة بعض السورة من إطلاق الكل وإرادة الجزء-: حديث جابر وأنس ونفر من أصحاب النبي عليه السلام وبعض بني سَلِمَة من الصحابة؛ لأنه ذكر في أحاديثهم أنهم كانوا يرمون بالسهام بعد انصرافهم من صلاة المغرب مع النبي عليه السلام وإن أحدهم يرى مواقع نبله على قدر ثلثي ميل، فإذا كان الأمر كذلك استحال أن يكون ذلك وقد قرأ عليه السلام فيها -أي في صلاة المغرب- الأعراف كلها أو نصفها؛ فدل أن المراد: بعضها كما قلنا.

أما حديث جابر: فأخرجه من طريقين غير متواليين، ولو كانا متواليين لكان أحسن على ما لا يخفى.

الأول: عن ابن خزيمة، عن حجاج بن منهال، عن حماد بن سلمة، عن أبي الزبير محمَّد بن مسلم بن تدرس المكي، عن جابر.

وهذا إسناد صحيح.

وأخرجه السراج في "مسنده": ثنا هناد بن السري، ثنا قبيصة، عن حماد بن سلمة، عن أبي الزبير، عن جابر:"أنهم كانوا يصلون المغرب ثم ينتضلون". انتهى.

ص: 63

أي يرتمون بالسهام، يقال: انتضل القوم وتناضلوا أي رموا للسبق، وناضله إذا راماه، وفلان يناضل عن فلان إذا رامى عنه ودفع عنه.

الثاني: عن الربيع بن سليمان المؤذن صاحب الشافعي، عن أسد بن موسى، عن محمَّد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئب واسمه هشام بن شعبة أبي الحارث المدني، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن القعقاع بن حكيم الكناني

إلى آخره.

وهذا أيضًا إسناد صحيح.

وأخرجه أحمد، (1) والبزار، وأبو يعلى (2) في "مسانيدهم" بأسانيد مختلفة: عن جابر قال: "كنا نصلي مع الرسول عليه السلام المغرب، ثم نرجع إلى منازلنا وهي ميل وأنا أبصر مواقع النبل".

وفي إسنادهم عبد الله بن محمَّد بن عقيل وهو مختلف في الاحتجاج به ولكن الترمذي وثقه، واحتج به أحمد وغيره.

وأما حديث أنس رضي الله عنه: فأخرجه من طريقين أيضًا صحيحين:

الأول: عن أحمد بن داود المكي شيخ الطبراني أيضًا، عن عبيد الله بن موسى بن أبي المختار شيخ البخاري، وعن موسى بن إسماعيل المنقري أبي سلمة التبوذكي شيخ البخاري وأبي داود، كلاهما عن حماد بن سلمة، عن ثابت بن أسلم البناني، عن أنس.

وأخرجه أبو داود (3): ثنا داود بن شبيب، نا حماد، عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك قال:"كنا نصلي المغرب مع النبي عليه السلام ثم نرمي فيرى أحدنا موضع نبله "انتهي.

(1)"مسند أحمد"(3/ 369 رقم 15013).

(2)

"مسند أبي يعلى"(4/ 79 رقم 2104).

(3)

"سنن أبي داود"(1/ 167 رقم 416).

ص: 64

قلت: النبل السهام العربية ولا واحد لها من لفظها، فلا يقال: نبلة، وإنما يقال: سهم ونشابة.

الثاني: عن ابن خزيمة، عن حجاج بن منهال، عن حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس.

وأخرجه السراج في "مسنده": عن هناد، عن قبيصة، عن حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس قال:"كانوا يصلون المغرب ثم ينتضلون، فيرون موقع نبلهم".

وأما حديث نفر من الصحابة: فأخرجه من طريقين:

الأول: عن أحمد بن داود المكي، عن سهل بن بكار الدارمي شيخ البخاري وأبي داود، عن أبي عونة الوضاح بن عبد الله اليشكري، عن أبي بشر جعفر بن إياس اليشكري، عن علي بن بلال راوي المراسيل والمقاطع كذا قال ابن حبان بعد أن ذكره في "الثقات"، وقال ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل": علي بن بلال، وقال بعضهم: حسان بن بلال، قال: صليت مع نفر من الأنصار المغرب، فقالوا: كنا نصلي مع النبي عليه السلام ثم ننطلق فنترامى في بني سَلِمَة". سمعت أبي يقول ذلك.

الثاني: عن إبراهيم بن مرزوق عن أبي داود سليمان بن داود الطيالسي، عن أبي عوانة الوضاح وهشيم بن بشير، كلاهما عن أبي بشر جعفر بن إياس، عن علي بن بلال.

وأخرجه أحمد في "مسنده"(1) بإسناد حسن: عن علي بن بلال، عن ناس من الأنصار قالوا:"كنا نصلي مع رسول الله عليه السلام المغرب، ثم ننصرف فنترامى حتى نأتي ديارنا فما تخفى علينا مواقع سهامنا".

وأما حديث بعض بني سلمة: فأخرجه عن أحمد بن مسعود الخياط شيخ الطبراني أيضًا، عن محمَّد بن كثير بن أبي عطاء الصنعاني فيه مقال يختلف فيه، عن

(1)"مسند أحمد"(4/ 36 رقم 16462).

ص: 65

عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، عن محمَّد بن مسلم الزهري، عن بعض بني سلمة

إلى آخره.

وأخرج عبد الرزاق في "مصنفه"(1): عن معمر وابن جريج، عن الزهري، عن ابن كعب بن مالك أخبره:"أن رجالًا من بني سلمة كانوا يشهدون المغرب مع رسول الله عليه السلام فينصرفون إلى أهليهم وهم يبصرون مواقع النبل".

وأخرج ابن أبي شيبة أيضًا في "مصنفه"(2): عن حسين بن علي، عن جعفر بن برقان، عن الزهري، عن رجل -قال: من أبناء النقباء- عن أبيه قال: "كنا نصلي المغرب مع رسول الله عليه السلام ثم نرجع إلى رحالنا وأحدنا يبصر مواقع النبل". قال: قلت للزهري: فكم كانت منازلهم من المدينة؟ قال: ثلثي ميل. انتهى.

قلت: ابن كعب اسمه عبد الله بن كعب، وبني سَلِمَة -بكسر اللام- من الأنصار حيث وقع.

ص: وقد حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، قال: ثنا شعبة، عن محارب بن دثار، عن جابر بن عبد الله قال:"صلى معاذ رضي الله عنه بأصحابه المغرب، فافتتح بسورة البقرة أو النساء، فصل رجل ثم انصرف، فبلغ ذلك معاذًا، فقال: إنه منافق، فبلغ ذلك الرجل، فأتى النبي عليه السلام، فذكر ذلك له، فقال رسول الله عليه السلام: أفاتن أنت يا معاذ؟! - قالها مرتين- لو قرأت بسبح اسم ربك الأعلى، والشمس وضحاها؛ فإنه يصلي خلفك ذو الحاجة والضعيف والصغير والكبير".

حدثنا روح بن الفرج، قال: ثنا يوسف بن عدي، قال: أنا أبو الأحوص، عن سعيد بن مسروق، عن محارب بن دثار، عن جابر، عن النبي عليه السلام نحوه.

(1)"مصنف عبد الرزاق"(1/ 511 رقم 2090).

(2)

"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 290 رقم 3329).

ص: 66

حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، قال: ثنا شعبة، عن عمرو بن دينار، قال:"هي العتمة".

حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا إبراهيم بن بشار، قال: ثنا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن جابر، قال:"كان معاذ بن جبل يصلي مع النبي عليه السلام ثم يرجع فيؤمنا، فأخر رسول الله عليه السلام العشاء ذات ليلة، فصلى معه معاذ ثم جاء ليؤمنا، فافتتح سورة البقرة، فلما رأى ذلك رجل من القوم تنحى ناحية فصلى وحده، فقلنا: ما لك يا فلان أنافقت؟ فقال: ما نافقت ولآتين رسول الله عليه السلام فلأخبرنه، فأتى رسول الله عليه السلام فقال: يا رسول الله، إن معاذًا يصلي معك ثم يرجع فيؤمنا، وإنك أخرت العشاء البارحة وصك معك، ثم جاء فتقدم ليؤم معنا، فافتتح بسورة البقرة فلما رأيت ذلك تنحيت فصليت وحدي أي رسول الله، إنما نحن أصحاب نواضح، إنما نعمل بأجرائنا، فقال رسول الله عليه السلام: أفتان أنت يا معاذ -مرتين- اقرأ بسورة كذا، اقرأ بسورة كذا، أقرأ بسور قصار من المفصل -لا أجدها- فقلنا لعمرو: إن أبا الزبير حدثنا، عن جابر، أن رسول الله عليه السلام قال له: اقرأ بسورة والليل إذا يغشى، والشمس وضحاها، والسماء ذات البروج، والسماء والطارق، فقال عمرو بن دينار: هو نحو هذا".

قالوا: فقد أنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم على معاذ بن جبل رضي الله عنه قراءته بهم سورة البقرة، وقال له: أفتان أنت يا معاذ؟ وأمره بالسور التي ذكرناها من المفصل، فإن كانت تلك الصلاة هي صلاة المغرب فقد ضاد هذا الحديث حديث زيد بن ثابت وما ذكرناه معه في أول هذا الباب، وإن كانت هي صلاة العشاء الآخرة فكره رسول الله عليه السلام أن يقرأ فيها بما ذكرنا مع سعة وقتها؛ فإن صلاة المغرب مع ضيق وقتها أحرى أن تكون تلك القراءة فيها مكروهة.

ش: ذكر حديث معاذ رضي الله عنه من ثلاث وجوه تأكيدًا لما ذهب إليه أهل المقالة الثانية من استحباب تخفيف القراءة في صلاة المغرب، ألا ترى أنه عليه السلام أنكر على

ص: 67

معاذ قراءة سورة البقرة في صلاته معهم، ونسبه إلى الفتنة وتنفير الناس عن الجماعة، وأمره بأن يقرأ بالسور القصيرة من سور المفصل، وهو معنى قوله: "قالوا: فقد أنكر، أي قال أهل المقالة الثانية

إلى آخره.

قوله: "فإن كانت تلك الصلاة" أي الصلاة التي صلاها معاذ معهم وقرأ فيها بسورة البقرة هي صلاة المغرب، فقد ضاد هذا الحديث حديث زيد بن ثابت وحديث جبير بن مطعم وحديث أم الفضل ونحوها مما يشابهها؛ لأن أحاديث هؤلاء تقتضي أن يكون المستحب قراءة السور الطويلة نحو السور التي ذكرت في أحاديثهم، وهذا الحديث يقتضي كراهة ذلك، فبينهما تضاد، هذا الذي ذكره.

وفيه نظر؛ لأن أحاديث هؤلاء إذا كانت محمولة على بيان امتداد وقت المغرب من غروب الشمس إلى غروب الشفق الأبيض أو الأحمر على الاختلاف أو على حسب من وراءه الراغبين لذلك، وهذا الحديث إذا كان محمولًا على ضيق الوقت إن كانت الصلاة مغربًا وعلى حسب من وراءه من أصحاب الأعذار والحاجات، وإذا كانت الصلاة عشاء، فلا تضاد ولا تنافي فافهم.

قوله: "وإن كانت هي صلاة العشاء" أي وإن كانت صلاة التي صلاها معاذ هي صلاة العشاء الآخرة، فقد كره عليه السلام أن يقرأ بنحو سورة البقرة مع سعة وقت العشاء، فإذا كان كذلك ففي صلاة المغرب مع ضيق وقتها أحرى وأصلى أن تكون القراءة الطويلة مكروهة.

فإن قيل: قد صرح في الحديث أن تلك الصلاة كانت صلاة العشاء فمن أين هذا الترديد؟

قلت: كما صرح بأنها صلاة العشاء في حديث عمرو بن دينار عن جابر، فكذلك صرح في حديث محارب بن دثار عن جابر بأنها صلاة المغرب، ولكن عمرو بن في ينار المكي صرح في روايته أنها صلاة العشاء حيث أخرج الطحاوي ذلك عن إبراهيم بن مرزوق، عن عبد الصمد بن عبد الوارث، عن شعبة، عن عمرو بن دينار قال:"هي العتمة" انتهى، أي: العشاء.

ص: 68

فإن قيل: قد روى أحمد في "مسنده"(1): ثنا سفيان، عن عمرو، سمعه من جابر:"كان معاذ يصلي مع رسول الله عليه السلام ثم يرجع فيؤمنا- وقال مرة: ثم يرجع فيصلي بقومه -فأخر النبي عليه السلام- قال مرة: الصلاة، وقال مرة: العشاء- فصلى معاذ مع النبي عليه السلام ثم جاء قومه فقرأ البقرة، فاعتزل رجل من القوم فصلى فقيل: نافقت يا فلان؟ قال: ما نافقت فأتى النبي عليه السلام، فقال: إن معاذًا يصلي معك ثم يرجع فيؤمنا يا رسول الله، إنما نحن أصحاب نواضح ونعمل بأيدينا، وإنه جاء يؤمنا فقرأ بسورة البقرة، فقال: يا معاذ، أفتان أنت؟! اقرأ بكذا وكذا قال أبو الزبير: بسبح اسم ربك الأعلى، والليل إذا يغشى، فذكرنا لعمرو فقال: أراه قد ذكره".

وأخرجه أبو داود في "سننه"(2): عن أحمد بن حنبل.

وهذا عمرو بن دينار يقول فيه بالترديد حيث قال: "فأخر النبي عليه السلام قال مرة: الصلاة، وقال مرة: العشاء".

وقوله: "الصلاة" أعمّ من أن تكون مغربًا أو عشاء.

قلت: الترديد في اللفظ فقط، ولا ترديد في المعنى، فإن مراده من قوله:"الصلاة" هو العشاء الآخرة؛ وذلك لأن تأخير المغرب مكروه، ولم ينقل أنه عليه السلام أخرها، وها هنا قد أراد بقوله:"فأخر الصلاة" أي العشاء؛ فافهم.

أما الوجه الأول: فقد أخرجه عن إبراهيم بن مرزوق، عن عبد الصمد بن عبد الوارث، عن شعبة، عن محارب بن دثار، عن جابر قال: "صلى معاذ

إلى آخره.

وهذا إسناد صحيح.

ومحارب بن دثار بن كردوس السدوسي أبو كردوس الكوفي قاضيها.

(1)"مسند أحمد"(3/ 308 رقم 14346).

(2)

"سنن أبي داود"(1/ 269 رقم 790).

ص: 69

وأخرجه البخاري (1): ثنا آدم بن أبي إياس، قال: ثنا شعبة، قال: ثنا محارب بن دثار، قال: سمعت جابر بن عبد الله الأنصاري قال: لا أقبل رجل بناضحين، وقد جنح الليل، فوافق معاذًا يصلي، فترك ناضحه، وأقبل إلى معاذ، فقرأ بسورة البقرة أو النساء، فانطلق الرجل وبلغه أن معاذا نال منه، فأتى النبي عليه السلام فشكى إليه معاذًا، فقال النبي عليه السلام: يا معاذ أفتان أنت -أو أفاتن ثلاث مرار- فلولا صليت بسبح اسم ربك الأعلى، والشمس وضحاها، والليل إذا يغشى، فإنه يصلي وراءك الكبير والضعيف وذو الحاجة".

الثاني: عن روح بن الفرج، عن يوسف بن عدي بن زريق شيخ البخاري، عن أبي الأحوص سلام بن سليم الكوفي، عن سعيد بن مسروق الثوري الكوفي والد سفيان الثوري، عن محارب بن دثار، عن جابر.

وأخرجه البزار في "مسنده" من وجوه، وفي أحدها: ثنا إبراهيم بن بشار، نا داود بن عمرو، نا أبو الأحوص، عن سعيد بن مسروق، عن محارب بن دثار، عن جابر.

وفي أحدها: عن شعبة، عن محارب ثم قال: واللفظ لفظ حديث شعبة، قال:"أقبل رجل من الأنصار معه ناضحان له، ومعاذ يصلي المغرب، فدخل معه في الصلاة، فاستفتح معاذ بالبقرة أو النساء -محارب الذي يشك- فلما رأى الرجل ذلك صلى ثم خرج، فبلغ الرجل أن معاذًا ينال منه، فذكر ذلك للنبي عليه السلام، فقال: أفتان يا معاذ، أفتان يا معاذ -أو فاتن فاتن فاتن- فلولا قرأت بسبح اسم ربك الأعلى والشمس وضحاها ونحوهما؛ يصلي وراءك الكبير والضعيف وذو الحاجة -أحسب محاربًا الذي يشك في الضعيف-".

(1)"صحيح البخاري"(1/ 249 رقم 673).

ص: 70

الثالث: عن أبي بكرة بكّار القاضي، عن إبراهيم بن بشار الرمادي شيخ أبي داود، عن سفيان الثوري، عن عمرو بن دينار المكي، عن جابر بن عبد الله الأنصاري

إلى آخره.

وأخرجه مسلم (1): حدثني [محمد](2) بن عباد، قال: ثنا سفيان، عن عمرو، عن جابر قال:"كان معاذ يصلي مع النبي عليه السلام ثم يأتي فيؤم قومه، فصلى ليلة مع النبي عليه السلام العشاء ثم أتى قومه فأمهم فافتتح بسورة البقرة، فانحرف رجل فسلم ثم صلى وحده وانصرف، فقالوا له: نافقت يا فلان، قال: لا والله ولآتين رسول الله عليه السلام فلأخبرنه فأتى رسول الله عليه السلام فقال: يا رسول الله، إنا أصحاب نواضح نعمل بالنهار، وإن معاذًا صلى معك العشاء، ثم أتى فافتتح بسورة البقرة، فأقبل رسول الله عليه السلام على معاذ فقال: يا معاذ، أفتان أنت؟! اقرأ بكذا وكذا".

قال سفيان: قلت لعمرو: إن أبا الزبير حدثنا عن جابر أنه قال: "اقرأ والشمس وضحاها، والليل إذا يغشى، وسبح اسم ربك الأعلى" فقال عمرو نحو هذا.

قوله: "فصلى رجل" قيل: هو حزم بن أبي كعب، وقيل: حرام بن ملحان، وقيل: حازم، وقيل: سليم.

قوله: "فبلغ ذلك معاذًا"، أي بلغ انصراف الرجل المذكور عن صلاة معاذ وصلاته وحده.

قوله: "فبلغ ذلك الرجل" أي فبلغ قول معاذ: "إنه منافق" الرجل المذكور.

قوله: "فأتى النبي عليه السلام" أي فأتى الرجل المذكور النبي عليه السلام "فذكر ذلك" أي ما قاله معاذ في حقه.

(1)"صحيح مسلم"(1/ 339 رقم 465).

(2)

في "الأصل، ك": معاذ. وفي "صحيح مسلم"، و"تحفة الأشراف" (2/ 256 رقم 2533): محمَّد بن عباد. ومحمد بن عباد هو ابن الزبرقان المكي وهو يروي عن سفيان. انظر ترجمته في "تهذيب الكمال" وهو الأظهر هنا.

ويوجد في شيوخ مسلم: محمَّد بن معاذ بن عباد العنبري وهو يروي عن سفيان أيضًا.

ص: 71

قوله: "أفاتن" أي أمنفِّر عن الدين وصادٌّ عنه، والهمزة للاستفهام على سبيل الإنكار، وهذا زجر له عن تطويله الصلاة على ذوي الحاجات والضعفاء.

قوله: "قالها مرتين" أي قال- عليه السلام تلك الكلمة مرتين، أراد أنه قال: أفاتن أنت يا معاذ، أفاتن أنت يا معاذ.

قوله: "لو قرأت بسبح اسم ربك الأعلى

" إلى آخره، جواب "لو" محذوف، أي لو قرأت بهذه السورة كانت تكفي أو تجزئ أو نحو ذلك.

قوله: "فإنه يصلي" الفاء للتعليل، والضمير للشأن.

قوله: "أقبل رجل بناضحين" الرجل هو الذي ذكرناه، والناضح هو البعير الذي يستقى عليه، والأنثى: ناضحة، والجمع: نواضح، سميت بذلك لنضحها الماء باستقائها، والنضح: الرش.

قوله: "وقد جنح الليل" الواو للحال، يقال: جنح الليل إذا قبل والشمس تغيب.

قوله: "نال منه" أي أصاب منه، أراد: تكلم في حقه بما يسوؤه.

قوله: "تنحى ناحية" أي تجنب الناس وصار في ناحية وحده.

قوله: "أنافقت" الهمزة فيه للاستفهام.

قوله: "أي رسول الله" أي: يا رسول الله وقد علم أن حروف النداء ثمانية، وهي "يا"، و"أيا"، و"هيا"، و"أي" و"الهمزة"، و"وا"، و"آ"، و"آي". و"يا " هي أم الباب؛ لأنها ينادى بها البعيد والقريب والمندوب وغيره و"أيا" مثل "يا" إلا أنها لا تستعمل إلا والمنادى مذكور و"هيا" مثل "أيا"؛ لأن مائها مبدلة من الهمزة و"أي" بفتح الهمزة وسكون الياء بوزن "كَيْ"، و"الهمزة" نحو: أَزيد أقبل، فهذه الخمسة حروف النداء عند البصريين، وزاد الكوفيون "آ"، و"آي" تقول: آزيد، وآي زيد، وأما "وا" فتستعمل في الندبة، وهي: نداء المتفجع عليه، أو المتوجع منه، نحو: وازيداه، واظهراه.

ص: 72

قوله: "أصحاب نواضح" أي: أصحاب عمل وتعب.

قوله: "بأجرائنا" جمع أجير.

قوله: "من المفصل" وهو السُّبع السابع من القرآن، سمي به لكثرة فصوله، وقد مرَّ مرة.

قوله "فقلنا لعمر" القائل هو سفيان الثوري، وعمرو هو ابن دينار المكي، وأبو الزبير هو محمَّد بن مسلم بن تدرس المكيز

ويستفاد من هذه الأحاديث:

استحباب تخفيف القراءة في صلاة المغرب، وكراهية تطويلها، ولا سيما في حق الإِمام الذي يصلي وراءه قوم ضعفاء أو كسالى، أو يكون إمام مسجد شارع، وفي مثل هذا يكره في سائر الصلوات.

وجواز قول من يقول سورة البقرة وسورة النساء وسورة المائدة ونحوها، ومنعه بعض السلف وزعم أنه لا يقال إلا: السورة التي تذكر فيها البقرة ونحوها، والحديث الصحيح حجة عليه.

ووجوب الإنكار على من ارتكب ما ينهى عنه وإن كان مكروهًا غير محرم.

وجواز الاكتفاء بالكلام في التعزير.

والأمر بتخفيف الصلاة والتعزير على إطالتها إذا لم ترض الجماعة.

وفيه جواز إمامة المتنفل بالمفترض وهو الذي تعلق به الشافعي، وسيجيء الجواب عن ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى.

ص: وقد روي عن النبي عليه السلام فيما كان يقرأ به في العشاء الآخرة نحو من هذا.

حدثنا أحمد بن عبد المؤمن الخراساني، قال: ثنا علي بن الحسن بن شفيق، قال: ثنا الحسين بن واقد، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه:"أن رسول الله عليه السلام كان يقرأ في صلاة العشاء الآخرة بالشمس وضحاها، وأشباهها من السور".

ص: 73

ش: إسناده صحيح، وأحمد بن عبد المؤمن وثقه ابن يونس وابن الجوزي، وعلي بن الحسن شيخ البخاري وغيره، والحسن بن واقد المروزي أبو عبد الله قاضي مرو روى له الجماعة البخاري مستشهدًا، وعبد الله بن بريدة أبو سهل المروزي روى له الجماعة، وأبوه بريدة بن الحصيب بن عبد الله الصحابي.

وأخرجه الترمذي (1): ثنا عبدة بن عبد الله الخزاعي، قال: ثنا زيد بن الحباب، قال: ثنا حسين بن واقد، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه قال:"كان رسول الله عليه السلام يقرأ في العشاء الآخرة بالشمس وضحاها، ونحوها من السور" وقال: حديث بريدة حديث حسن.

وأخرجه النسائي (2): عن محمد بن علي بن الحسن بن شقيق، عن أبيه، عن الحسن بن واقد

إلى آخره نحوه.

ص: فإن قال قائل: فهل روي عن النبي عليه السلام أنه قرأ في المغرب بقصار المفصل؟

قيل له: نعم.

حدثنا أحمد بن داود، قال: ثنا يعقوب بن حميد، قال: ثنا وكيع، عن إسرائيل، عن جابر، عن عامر، عن عبد الله بن عمر:"أن رسول الله عليه السلام قرأ في المغرب بالتين والزيتون".

حدثنا يحيى بن إسماعيل أبو زكريا البغدادي، قال: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: ثنا زيد بن الحباب، قال: ثنا الضحاك بن عثمان، قال: حدثني بكير بن الأشج، عن سليمان بن يسار، عن أبي هريرة قال:"كان رسول الله عليه السلام يقرأ في المغرب بقصار المفصل".

حدثنا روح بن الفرج، قال: حدثنا أبو مصعب، قال: أنا المغيرة بن عبد الرحمن المخزومي، عن الضحاك، عن بكير، عن سليمان، عن أبي هريرة قال: "ما رأيت

(1)"جامع الترمذي"(2/ 114 رقم 309).

(2)

"المجتبى"(2/ 173 رقم 999).

ص: 74

أحدًا أشبه صلاة بصلاة رسول الله عليه السلام من فلان، قال بكير: فسألت سليمان -وكان قد أدرك ذلك الرجل- فقال: كان يقرأ في المغرب بقصار المفصل".

حدثنا علي بن عبد الرحمن، قال: ثنا سعيد بن أبي مريم، قال: ثنا عثمان بن مِكْتَل، عن الضحاك

ثم ذكر بإسناده مثله.

قال أبو جعفر رحمه الله: فهذا أبو هريرة رضي الله عنه قد أخبر عن النبي عليه السلام أنه كان يقرأ في صلاة المغرب بقصار المفصل، فإن حملنا حديث جبير وما رويناه معه من الآثار على ما حمله عليه المخالف لنا؛ تضادت تلك الآثار وحديث أبي هريرة هذا، وإن حملناها على ما ذكرنا ائتلفت هي وهذا الحديث، وأولى بنا أن نحمل الآثار على الاتفاق لا على التضاد؛ فثبت بما ذكرنا أن ما ينبغي أن يقرأ به في صلاة المغرب هو قصار المفصل، وهذا قول أبي حنيفة وأيى يوسف ومحمد رحمهم الله.

ش: أخرج في جواب السائل، عن اثنين من الصحابة رضي الله عنهم:

أحدهما: عبد الله بن عمر، أخرج حديثه عن أحمد بن داود المكي شيخ الطبراني أيضًا، عن يعقوب بن حميد بن كاسب نزيل مكة شيخ البخاري في أفعال العباد وشيخ ابن ماجه في "سننه"، فيه مقال؛ فعن يحيى: ليس بشيء. وعنه: ضعيف. وعن النسائي: ليس بشيء. ووثقه ابن حبان ويحيى في رواية.

عن وكيع بن الجراح، عن إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي روى له الجماعة، عن جابر بن يزيد الجعفي الكوفي، فيه مقال كثير.

عن عامر بن شراحيل الشعبي، عن عبد الله بن عمر.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): ثنا وكيع، عن إسرائيل، عن جابر، عن عامر، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه:"أن النبي عليه السلام قرأ في المغرب بالتين والزيتون".

(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 314 رقم 3592) ولكن من مسند عبد الله بن يزيد، وليس عبد الله بن عمر، وكذا ذكره الحافظ ابن حجر في "المطالب العالية"(1/ 209 رقم 488) بتحقيقنا وعزاه =

ص: 75

والآخر: أبو هريرة رضي الله عنه أخرج حديثه من ثلاث طرق صحاح:

الأول: عن يحيى بن إسماعيل، عن أبي بكر بن أبي شيبة صاحب "المصنف" و"المسند"، عن زيد بن الحباب -بضم الحاء المهملة وتخفيف الباء الموحدة- العكلي الكوفي من رجال مسلم والأربعة، عن الضحاك بن عثمان بن عبد الله الأسدي الحزامي المدني الكبير من رجال مسلم والأربعة، عن بكير بن عبد الله بن الأشج القرشي المدني نزيل مصر من رجال الجماعة، عن سليمان بن يسار الهلالي أبي أيوب مولى ميمونة زوج النبي عليه السلام -أخي عطاء بن يسار- من رجال الجماعة.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مسنده".

الثاني: عن روح بن الفرج القطان شيخ الطبراني أيضًا عن أبي مصعب أحمد بن أبي بكر واسمه القاسم بن الحارث الزهري المدني الفقيه قاضي مدينة الرسول عليه السلام وشيخ الجماعة سوى النسائي، عن المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث المخزومي المدني، وثقه يعقوب بن شيبة وروى له أبو داود وابن ماجه، عن الضحاك بن عثمان، عن بكير بن الأشج، عن سليمان بن يسار

إلى آخره.

= لأبي بكر بن أبي شيبة في "مسنده" وكذا فعل البوصيري في "إتحاف الخيرة"(2/ 175 رقم 1282) بتحقيقنا أيضًا.

وكذا أخرجه عبد بن حميد في "مسنده" كما في المنتخب من مسند عبد بن حميد (1/ 178 رقم 493) من طريق إسرائيل عن جابر، عن عامر، عن عبد الله بن يزيد الأنصاري به.

وذكر الهيثمي في "مجمع الزوائد"(2/ 297) وعزاه لعبد الله بن يزيد، وقال: رواه الطبراني في "الكبير"، وفيه جابر الجعفي، وثقه شعبة وسفيان وضعفه بقية الأئمة.

فهذا كما رأيت أن المحفوظ من رواية عبد الله بن يزيد الأنصاري وليس من رواية عبد الله بن عمر.

فلعل هذا وهم من الطحاوي: وتبعه عليه العيني رحمه الله: هنا وكذا فعل في "عمدة القاري"(6/ 25) فقال: وروى الطحاوي من حديث عبد الله بن عمر "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في المغرب بالتين والزيتون" وأخرجه ابن أبي شيبة أيضًا، وفي سنده مقال. ولم ينتبه أنه من مسند عبد الله بن يزيد وليس ابن عمر كما قدمنا.

ص: 76

وأخرجه النسائي (1): أنا عبيد الله بن سعيد، قال: ثنا عبد الله بن الحارث، عن الضحاك بن عثمان، عن بكير بن عبد الله بن الأشج، عن سليمان بن يسار، عن أبي هريرة قال:"ما صليت وراء أحد أشبه صلاة برسول الله عليه السلام من فلان، فصلينا وراء ذلك الإنسان، فكان يطول الأوليين من الظهر ويخفف في الآخريين، ويخفف في العصر، ويقرأ في المغرب بقصار المفصل، ويقرأ في العشاء بالشمس وضحاها وبأشباهها، ويقرأ في الصبح بسورتين طويلتين".

وأخرجه ابن حبان في "صحيحه"(2): ثنا محمد بن إسحاق بن خزيمة، ثنا محمد بن بشار، ثنا أبو بكر الحنفي، ثنا الضحاك بن عثمان، حدثني بكير بن عبد الله بن الأشج، ثنا سليمان بن يسار، أنه سمع أبا هريرة يقول:"ما رأيت أحدًا أشبه صلاة برسول الله عليه السلام من فلان -أميرًا كان بالمدينة- قال سليمان: فصليت أنا وراءه، فكان يطيل الأوليين من الظهر ويخفف الآخريين، ويخفف العصر، ويقرأ في الأوليين من المغرب بقصار المفصل، وفي العشاء بوسط المفصل، وفي الصبح بطوال المفصل" انتهى.

قوله: "من فلان" قيل: هو عمرو بن سَلِمَة الجرمي أبو بُريد، أدرك النبي عليه السلام، وكان يؤم قومه على عهد رسول الله عليه السلام لأنه كان أكثرهم حفظًا للقرآن، وسَلِمَة بكسر اللام، وبُريد -بضم الباء الموحدة، وفتح الراء- وفي رواية ابن حبان:"من فلان أميرًا كان بالمدينة" كما ذكرنا.

الثالث: عن علي بن عبد الرحمن بن محمَّد بن المغيرة القرشي المخزومي أبي الحسن الكوفي ثم المصري المعروف بعلَّان، عن سعيد بن أبي مريم المصري شيخ البخاري، عن عثمان بن مِكْتَل بكسر الميم، وسكون الكاف وفتح التاء المثناة من فوق، عن الضحاك، عن بكير

إلى آخره.

(1)"المجتبى"(2/ 167 رقم 983).

(2)

"صحيح ابن حبان"(5/ 145 رقم 1837).

ص: 77

وأخرجه البيهقي في "سننه"(1)، ولكن من طريق النسائي.

قوله: "فإن حملنا حديث جبير

" إلى آخره ظاهر ولكن فيه ما فيه؛ وذلك لأنا إذا حملنا الأحاديث على اختلاف الأوقات والحالات كما ذكرنا فيما مضى لا يلزم التضاد ولا التنافي، فافهم.

ص: وقد روي مثل ذلك عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه:

حدثنا فهد بن سليمان، قال: ثنا ابن الأصبهاني، قال: أنا شريك، عن علي بن زيد بن جدعان، عن زرارة بن أوقى قال:"أقرأني أبو موسى كتاب عمر رضي الله عنه إليه: اقرأ في المغرب بآخر المفصل".

ش: أي قد روي عن عمر بن الخطاب مثل ما روى أبو هريرة عن النبي عليه السلام أنه كان يقرأ في المغرب بقصار المفصل، وبن ذلك بقوله: "حدثنا

" إلى آخره وابن الأصبهاني هو محمَّد بن سعيد بن الأصبهاني شيخ البخاري، وشريك هو ابن عبد الله النخعي ثقة كبير، وعلي بن زيد بن جدعان ليس بقوي قاله أبو زرعة وأحمد، وعن يحيى: ليس بحجة. وعن أبي حاتم: ليس بقوى، يكتب حديثه ولا يحتج به، وكان ضريرًا وكان يتشيع، وزرارة بن أوفى العامري قاضي البصرة، من التابعين الثقات، ومات وهو ساجد، وأبو موسى الأشعري اسمه عبد الله بن قيس وكان عمر رضي الله عنه استعمله على الكوفة والبصرة.

وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(2): ثنا شريك، عن علي بن زيد، عن زرارة بن أوفي قال:"أقرأني أبو موسى كتاب عمر رضي الله عنه أن اقرأ بالناس في المغرب بآخر المفصل" انتهى.

وآخر المفصل من {لَم يَكُنِ} إلى آخر القرآن.

(1)"سنن البيهقي الكبرى"(2/ 193 رقم 3836).

(2)

"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 314 رقم 3594).

ص: 78

وروى عبد الرزاق (1): عن الثوري، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون قال:"صلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه صلاة المغرب فقرأ في الركعة الأولى بالتين والزيتون وطور سينين، وفي الركعة الأخرى ألم تر، ولإيلاف قريش".

وقد روي نحو ذلك عن ابن مسعود وابن عباس وعمران بن الحصين وأبي بكر الصديق رضي الله عنهم.

فأثر ابن مسعود أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(2): ثنا أبو داود الطيالسي، عن قرة، عن النزال بن عمار، قال: حدثني أبو عثمان النهدي، قال:"صلى بنا ابن مسعود رضي الله عنه المغرب، فقرأ قل هو الله أحد، فوددت أنه كان قرأ سورة البقرة من حسن صوته".

وأخرجه أبو داود، (3) والبيهقي (4) أيضًا.

وأثر ابن العباس أخرجه ابن أبي شيبة (5) أيضًا: ثنا وكيع، عن شعبة، عن أبي نوفل بن أبي عقرب، عن ابن عباس قال:"سمعته يقرأ في المغرب إذا جاء نصر الله والفتح".

وأثر عمران بن الحصين أخرجه ابن أبي شيبة (6) أيضًا: ثنا حسين بن علي، عن زائدة، عن هشام، عن الحسن قال:"كان عمران بن الحصين يقرأ في المغرب إذا زلزلت والعاديات".

وأثر أبي بكر الصديق رضي الله عنه أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه"(7): عن مالك، عن أبي عبيد مولى سليمان بن عبد الملك، أن عبادة بن نُسَي أخبره، أنه سمع قيس بن

(1)"مصنف عبد الرزاق"(2/ 109 رقم 2697).

(2)

"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 314 رقم 3595).

(3)

"سنن أبي داود"(1/ 275 رقم 815).

(4)

"سنن البيهقي الكبرى"(2/ 391 رقم 3838).

(5)

"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 315 رقم 3597).

(6)

"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 315 رقم 3601).

(7)

"مصنف عبد الرزاق"(2/ 109 رقم 2698).

ص: 79

الحارث يقول: أخبرني أبو عبد الله الصنابحي: "أنه صلى وراء أبي بكر الصديق رضي الله عنه المغرب، فقرأ في الركعتين الأوليين بأم القرآن وسورتين من قصار المفصل، ثم قرأ في الثالثة، قال: فدنوت منه حتى إن ثيابي لتكاد أن تمس ثيابه فسمعته قرأ بأم القرآن وهذه الآية {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا} حتى {الْوَهَّابُ} "(1) انتهى.

وعن مكحول (2): "أن قراءته هذه الآية في الركعة الثالثة كانت على سبيل الدعاء".

وروي نحو ذلك من التابعين أيضًا:

فقال ابن أبي شيبة في "مصنفه"(3): ثنا وكيع، عن إسماعيل بن عبد الملك، قال:"سمعت سعيد بن جبير يقرأ في المغرب مرة: تنبئ أخبارها، ومرة {تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} ".

ثنا (4) وكيع، عن ربيع قال:"كان الحسن يقرأ في المغرب إذا زلزلت والعاديات لا يدعها".

ثنا (5) زيد بن الحباب، عن الضحاك بن عثمان قال:"رأيت عمر بن عبد العزيز يقرأ في المغرب بقصار المفصل".

ثنا (6) وكيع، عن محل قال:"سمعت إبراهيم يقرأ في الركعة الأولى من المغرب بـ إيلاف قريش".

وأخرج البيهقي في "سننه"(7): من حديث هشام بن عروة: "أن أباه كان يقرأ في المغرب بنحوٍ مما تقرءون والعاديات ونحوها من السور". والله تعالى أعلم.

(1) سورة آل عمران، آية:[8].

(2)

"مصنف عبد الرزاق"(2/ 110 رقم 2699).

(3)

"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 315 رقم 3602).

(4)

"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 315 رقم 3604).

(5)

"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 315 رقم 3607).

(6)

"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 315 رقم 3603).

(7)

"سنن البيهقي الكبير"(2/ 392 رقم 3839).

ص: 80