الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ص: باب: وضع اليدين في السجود أين ينبغي أن تكون
؟
ش: أي هذا باب في بيان أن اليدين أين يستحب أن تكونا في وضعهما حالة السجود، والمناسبة بين البابين ظاهرة.
ص: حدثنا إبراهيم بن مرزوق، قال: ثنا أبو عامر العقدي، قال: ثنا فليح بن سليمان، عن عباس بن سهل قال:"اجتمع أبو حميد وأبو أسيد وسهل بن سعد فذكروا صلاة رسول الله عليه السلام، فقال أبو حميد: أنا أعلمكم بصلاة النبي عليه السلام؛ إن النبي عليه السلام كان إذا سجد أمكن أنفه وجبهته، ونحى يديه عن جنبيه، ووضع كفيه حذو منكبيه".
ش: ذكر هذا الإسناد بعينه في باب "التكبير للركوع والتكبير للسجود"، غير أنه اقتصر هناك على رفع اليدين في حالتي الركوع والسجود، والكل حديث واحد، وإنما قطعه لأجل التبويب.
وأبو عامر العقدي اسمه عبد الملك بن عمرو، ونسبته إلى عَقَد -بفتح العين المهملة والقاف- صنف من الأزد.
والحديث أخرجه أحمد وأبو داود وغيرهما، وقد ذكرناه هناك.
قوله: "ونحى" من التنحية وهي الإبعاد، واستدل بقوله:"أمكن أنفه وجبهته" مَنْ يقول: لا بد من السجود على الجبهة والأنف جميعًا، ولا يقتصر على إحداهما، واستدل من يرى الاقتصار على الجبهة بما روى ابن أبي شيبة (1): من طريق جابر بن عبد الله يقول: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد في أعلى جبهته على قصاص الشعر". وقالوا: ذلك محمول على السنة والفضيلة جمعًا بين الدليلين.
(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 235 رقم 2697).
ص: قال أبو جعفر رحمه الله فذهب قوم إلى هذا، فقالوا: هكذا ينبغي للمصلي أن يجعل يديه في ممجوده حَذو منكبيه.
ش: أراد بهؤلاء القوم: الشافعي وأحمد وإسحاق؛ فإنهم ذهبوا إلى الحديث المذكور، واستحبوا للمصلي أن يجعل يديه في سجوده حَذو منكبيه.
ص: وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا: بل يجعل يديه في سجوده حَذو أذنيه.
ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: سعيد بن جبير، وأبا حنيفة، وأبا يوسف ومحمدًا، وأحمد في رواية؛ فإنهم قالوا: المستحب أن يجعل يديه في سجوده حذاء أذنيه، ويحكى ذلك عن ابن عمر، وأبي مسعود الأنصاري، ووائل بن حجر رضي الله عنهم.
وقال صاحب "الهداية": يضع وجهه بين كفيه، ويديه حذاء أذنيه؛ لما روي أنه عليه السلام فعل كذلك.
وقال صاحب "المحيط": ويضع يديه في السجود حذاء أذنيه.
ص: واحتجوا في ذلك بما حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان الثوري، عن عاصم بن كليب الجرمي، عن أبيه، عن وائل بن حجر قال:"كان رسول صلى الله عليه وسلم إذا سجد كانت يداه حيال أذنيه".
حدثنا فهد، قال: ثنا الحماني، قال: ثنا خالد بن عبد الله، قال: ثنا عاصم
…
فذكر بإسناده مثله.
حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا أبو معمر، قال: ثنا عبد الوارث، قال: ثنا محمَّد ابن جحادة، قال: ثنا عبد الجبار بن وائل بن حجر قال: "كنت غلاما لا أعقل صلاة أبي، فحدثني وائل بن علقمة، عن أبي وائل بن حجر قال: "صليت خلف رسول الله عليه السلام فكان إذا سجد وضع وجهه بين كفيه".
ش: أي احتج الآخرون فيما ذهبوا إليه بحديث وائل بن حجر رضي الله عنه.
وأخرجه من ثلاث طرق صحاح:
الأول: ذكره بعينه في باب "رفع اليدين في افتتاح الصلاة"، وفي باب "الخفض في الصلاة هل فيه تكبير؟ "
وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): ثنا وكيع، عن سفيان، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل بن حجر قال:"رأيت النبي عليه السلام حين سجد وضع يديه قريبا من أذنيه".
قوله: "حيال أذنيه" أي حذاء أذنيه.
الثاني: عن فهد بن سليمان، عن يحيى بن عبد الحميد الحماني، عن خالد بن عبد الله بن الرحمن الطحان الواسطي، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل.
وأخرجه عبد الرزاق في "مصنفه"(2): عن الثوري، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل بن حجر قال:"رمقت رسول الله عليه السلام، فلما سجد كانت يداه حذو أذنيه".
الثالث: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن أبي معمر عبد الله بن عمرو المنقري المقعد البصري شيخ البخاري وأبي داود، عن عبد الوارث بن سعيد العنبري أبي عبيدة البصري، عن محمَّد بن جحادة -بضم الجيم وتخفيف الحاء المهملة- الأودي الكوفي، عن عبد الجبار بن وائل بن حجر، عن وائل بن علقمة هكذا وقع في رواية الطحاوي، وائل بن علقمة، وكذا وقع في رواية أبي داود، والصواب: علقمة بن وائل، كما في رواية مسلم والطبراني كما نذكره.
وعبد الجبار وعلقمة أخوان ابنا وائل بن حجر روى لهما الجماعة غير البخاري، وقال ابن أبي حاتم في كتاب "الجرح والتعديل": وائل بن حجر الكندي الحضرمي،
(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 233 رقم 2667).
(2)
"مصنف عبد الرزاق"(2/ 175 رقم 2948).
سكن الكوفة، يكنى أبا هنيدة، له صحبة، روى عنه ابناه: علقمة وعبد الجبار.
قوله: "فحدثني وائل بن علقمة، عن أبي وائل بن حجر" أي حدثني وائل، عن أبي الذي هو وائل بن حجر، فقوله:"وائل بن حجر عطف بيان عن قوله: "أبي"، وليس قوله: "أبي وائل" كنية، فافهم، فإنه موضع اشتباه، وفي هذا الموضع ما يحتاج إلى التنبيه من وجهين:
الأول: أن قوله: "وائل بن علقمة" ليس بصواب، بل الصواب هو علقمة بن وائل كما ذكرنا.
الثاني: أن قوله: عن أبي وائل ليس بكنية، بل قوله:"أبي"، كلام إضافي، وقوله:"وائل بن حجر" عطف بيان.
أما رواية مسلم (1): فهي ما رواه عن زهير، عن عفان، عن همام، عن محمَّد بن جحادة، عن عبد الجبار بن وائل، عن علقمة بن وائل، عن أبيه: "أنه رأى النبي عليه السلام رفع يديه
…
" الحديث.
وأما رواية الطبراني فهي ما رواه في "الكبير"(2): ثنا حفص بن عمر بن الصباح، ثنا أبو معمر المقعد.
وثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، ثنا محمَّد بن عبيد بن حساب، ثنا عبد الوارث، ثنا محمَّد بن جحادة، عن عبد الجبار بن وائل قال:"كنت غلاما لا أعقل صلاة أبي، فحدثني علقمة بن وائل، عن أبي: وائل بن حجر قال: "صليت مع رسول الله عليه السلام؛ فكان إذا كبر رفع يديه، ثم التحف فأخذ شماله بيمينه وأدخل يديه
(1)"صحيح مسلم"(1/ 301 رقم 401).
(2)
"المعجم الكبير"(22/ 28 رقم 61).
في ثوبه، وإذا أراد أن يرفع رأسه من الركوع رفع يديه، ثم سجد ووضع جبهته بين كفيه، فإذا رفع رأسه من السجود رفع يديه
…
حتى فرغ من صلاته".
ص: حدثنا أحمد بن داود، قال: ثنا سهل بن عثمان، قال: ثنا حفص بن غياث، عن الحجاج، عن أبي إسحاق، عن البرء قال:"سألته أين كان رسول الله عليه السلام يضع جبهته إذا صلى؟ قال: بين كفيه".
ش: إسناده حسن: وسهل بن عثمان بن فارس الكندي الحافظ أبو مسعود العسكري شيخ مسلم.
وحفص بن غياث بن طلق النخعي الكوفي قاضيها، أحد أصحاب أبي حنيفة رضي الله عنه، ورى له الجماعة.
والحجاج بن أرطاة النخعي أبو أرطاة الكوفي القاضي، أحد مشايخ أبي حنيفة، روى له مسلم مقرونا بغيره، واحتج به الأربعة.
وأبو إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي.
وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): ثنا حفص، عن الحجاج، عن أبي إسحاق، عن البراء قال:"سئل أين كان النبي عليه السلام يضع وجهه؟ قال: كان يضعه بين كفيه -أو قال: يديه- في السجود".
ص: قال أبو جعفر رحمه الله: فكان كل من ذهب في الرفع في افتتاح الصلاة إلى المنكبين يجعل وضع اليدين في السجود حيال المنكبين أيضًا، وكل من ذهب في الرفع في افتتاح الصلاة إلى الأذنين يجعل وضع اليدين في السجود حيال الأذنين أيضًا، وقد بينت فيما تقدم من هذا الكتاب تصحيح قول من ذهب في الرفع في افتتاح الصلاة إلى حيال الأذنين، فثبت بذلك أيضًا قول من ذهب في وضع اليدين في السجود حيال الأذنين أيضًا، وهو قول أبي حنيفة وأتيت يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى.
(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 233 رقم 2665).
ش: من ذهب في الرفع في افتتاح الصلاة إلى المنكبين هم: محمد بن سيرين وسالم بن عبد الله والشافعي وأحمد وإسحاق.
ومن ذهب إلى الرفع في افتتاح الصلاة إلى الأذنين هم: عطاء بن أبي رباح وإبراهيم النخعي ووهب بن منبه وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وأحمد -في رواية- وابن حبيب من المالكية.
قوله: "وقد بينت فيما تقدم" أراد به في باب "رفع اليدين في افتتاح الصلاة".