الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ص: باب: الخفض في الصلاة هل فيه تكبير
؟
ش: أي هذا باب في بيان أن الخفض في الصلاة هل يكبر فيه أم لا؟ والخفض ضد الرفع، وأراد به الانخفاض إلى الركوع هل فيه تكبير أم لا؟ والمناسبة بينه وبين ما قبله من الأبواب ظاهرة؛ لأن هذه الحالة بعد حالة القراءة وعقيب الفراغ منها.
ص: حدثنا ابن أبي عمران، قال: ثنا أبو خيثمة زهير بن حرب، قال: ثنا يحيى بن حماد، عن شعبة، عن الحسن بن عمران، عن ابن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه:"أنه صلى مع رسول الله عليه السلام وكان لا يتم التكبير".
حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا عمرو بن مرزوق، قال: ثنا شعبة
…
فذكر بإسناده مثله.
ش: هذان طريقان:
أحدهما: عن أحمد بن أبي عمران موسى بن عيسى الفقيه البغدادي نزيل مصر، وثقه ابن يونس.
عن زهير بن حرب بن شداد الحرشي شيخ البخاري ومسلم وأبي داود وابن ماجه، قال الخطيب: كان ثقة ثبتًا حافظًا متقنًا.
عن يحيى بن حماد بن أبي زياد الشيباني البصري ختن أبي عوانة، روى له الجماعة أبو داود في غير "السنن".
عن شعبة، عن الحسن بن عمران العسقلاني، قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه فقال: شيخ. روى له أبو داود.
عن ابن عبد الرحمن بن أبزى إما عبد الله بن عبد الرحمن وإما سعيد بن عبد الرحمن، وقال أبو داود الطيالسي: الأصح هو سعيد بن عبد الرحمن ابن أبزى. وسعيد هذا روى له الجماعة.
وأما عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى فقد وثقه ابن حبان وروى له أبو داود والنسائي، وعبد الرحمن بن أبزى الخزاعي مختلف في صحبته، ذكره ابن حبان في
التابعين من كتاب "الثقات" وقال البخاري: له صحبة. وذكره غير واحد في الصحابة، وقال أبو حاتم: أدرك النبي عليه السلام وصلى خلفه. وهذا الحديث يشهد لأبي حاتم والظاهر أنه صحابي كما قاله الجمهور، ولذلك سكت عنه الطحاوي.
وأخرجه أبو داود (1): ثنا محمَّد بن بشار وابن المثنى، قالا: ثنا أبو داود، ثنا شعبة
…
إلى آخره نحوه.
والآخر: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن عمرو بن مرزوق، عن شعبة
…
إلى آخره.
وأخرجه البيهقي (2) وقال: قال عمرو بن مرزوق: ثنا شعبة، عن الحسن بن عمران، عن ابن عبد الرحمن، عن أبيه:"أنه صل مع النبي عليه السلام فكان لا يتم التكبير".
فإن قيل: ما حكم هذا الحديث؟
قلت: قالوا: إنه ضعيف ومعلول بالحسن بن عمران، قال الطبري: هو مجهول لا يجوز الاحتجاج به.
وقال البخاري في "تاريخه"(3): عن أبي داود الطيالسي: هذا عندنا باطل.
فإن قيل: أخرج أبو داود هذا الحديث وسكت عنه، وذلك دليل الصحة عنده كما هو عادته.
وكللك أخرجه أبو عمر بن عبد البر وسكت عنه وقال (4): ثنا عبد الوارث بن سفيان، قال: ثنا قاسم بن أصبغ، قال: ثنا محمَّد بن عبد السلام، قال: ثنا بندار، قال: ثنا أبو داود، عن شعبة، عن الحسن بن عمران، قال: سمعت سعيد بن
(1)"سنن أبي داود"(1/ 282 رقم 837).
(2)
"سنن البيهقي الكبرى"(2/ 68 رقم 2330).
(3)
"التاريخ الكبير"(2/ 300).
(4)
"التمهيد"(7/ 84).
عبد الرحمن بن أبزى يحدث عن أبيه: "أنه صلى خلف النبي عليه السلام فلم يكن يتم التكبير، كان لا يكبر إذا خفض".
وكذلك الطحاوي سكت عنه غير أنه قال: الآثار المروية عن رسول الله عليه السلام في التكبير في كل خفض ورفع أظهر من حديث عبد الرحمن بن أبزى وأكثر تواترًا.
وهذه العبارة تدل على أنه ليس بضعيف عنده.
قلت: ولئن سلمنا أنه غير ضعيف، وأنه حسن أو جيد، ولكنه محمول على أنه عليه السلام تركه مرة لبيان الجواز، أو يكون قد كان عليه السلام كبر ولم يسمع الراوي تكبيره، قاله البيهقي، وتأوله الكرخي على حذفه، وذلك نقصان صفة لا نقصان عدد، وأجاب الطحاوي عنه أن الآثار المتواترة على خلافه، وأن العمل على غيره، كما يجيء إن شاء الله تعالى.
قوله: "وكان لا يتم التكبير" معناه إذا رفع رأسه من الركوع وأراد أن يسجد لم يكبر، وإذا قام من السجود لم يكبر، قاله أبو داود، وذكر في "مختصر السنن": يريد لا يأتي بالتكبير في الانتقالات كلها، إنما يأتي في بعضها. ولكن تبويب الطحاوي بهذا يدل على أن معناه: كان لا يكبر إذا خفض كما هو مصرح في رواية ابن عبد البر؛ فافهم.
ص: قال أبو جعفر رحمه الله: فذهب قوم إلى هذا، فكانوا لا يكبرون في الصلاة إذا خفضوا، ويكبرون إذا رفعوا، وكذلك كانت بنو أميّة تفعل.
ش: أراد بالقوم هؤلاء: عمر بن عبد العزيز ومحمد بن سيرين والقاسم وسالم ابن عبد الله وسعيد بن جبير وقتادة؛ فإنهم ذهبوا إلى هذا الأثر وكانوا لا يكبرون في الصلاة إذا خفضوا.
وقال ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): ثنا أبو داود، عن شعبة، عن الحسن بن عمران:"أن عمر بن عبد العزيز كان لا يتم التكبير".
(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 218 رقم 2498).
حدثنا (1) يحيى بن سعيد، عن عبيد الله بن عمر قال:"صليت خلف القاسم وسالم فكانا لا يتمان التكبير".
حدثنا (2) غندر، عن شعبة، عن عمرو بن مرة قال:"صليت مع سعيد بن جبير فكان لا يتم التكبير".
ويحكى هذا عن ابن عمر، وقال ابن بطال: كان ابن عمر ينقص التكبير.
وقال ابن أبي شيبة في "مصنفه"(3): ثنا عبدة بن سليمان، عن مسعر، عن يزيد الفقير قال:"كان ابن عمر ينقص التكبير في الصلاة، قال مسعر: إذا انحط بعد الركوع للسجود لم يكبر، فإذا أراد أن يسجد الثانية لم يكبر".
ويحكى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أيضًا.
وأخرج عبد الرزاق في "مصنفه"(4): عن إسماعيل بن عبد الله بن أبي الوليد، قال: أخبرني شعبة بن الحجاج، عن رجل، عن ابن أبزى، عن أبيه:"أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمهم فلم يكبر هذا التكبير".
ويحكى عن ابن عباس أيضًا.
وأخرج عبد الرزاق (5): عن ابن عُيينة، عن عمرو بن دينار، عن جابر بن زيد قال:"صليت مع ابن عباس بالبصرة فلم يكبر هذا التكبير بالرفع والخفض".
قلت: المشهور عن هؤلاء الصحابة التكبير في الخفض والرفع، وروايات هؤلاء محمولة على أنهم قد تركوه أحيانًا؛ بيانًا للجواز، أو الراوي لم يسمع ذلك منهم لخفاء الصوت.
(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 218 رقم 2501).
(2)
"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 218 رقم 2503).
(3)
"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 218 رقم 2504).
(4)
"مصنف عبد الرزاق"(2/ 66 رقم 2513).
(5)
"مصنف عبد الرزاق"(2/ 65 رقم 2510) من طريق ابن جريج عن عمرو به بنحوه.
قوله: "وكذلك كانت بنو أمية تفعل" أي كانوا يتركون التكبير في الخفض، وهم مثل معاوية وزياد وعمر بن عبد العزيز.
قال ابن أبي شيبة (1): حدثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم قال: "أول من نقص التكبير زياد.
وقال الطبري: "إن أبا هريرة سئل: من أول من ترك التكبير إذا رفع رأسه وإذا وضعه؟ قال: معاوية".
وقال أبو عبد الله العدني في "مسنده": حدثنا بشر بن السري، ثنا إسرائيل، عن ثوير، عن أبيه، عن عبد الله قال:"أول من نقص التكبير الوليد بن عقبة، فقال عبد الله: نقصوها نقصهم الله، فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبر كلما ركع، وكلما سجد، وكلما رفع رأسه".
ص: وخالفهم في ذلك آخرون فكبروا في الخفض والرفع جميعًا، وذهبوا في ذلك إلى ما تواترت به الآثار عن رسول الله عليه السلام.
ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون وأراد بهم: عطاء بن أبي رباح والحسن البصري ومحمد بن سيرين وإبراهيم النخعي والثوري والأوزاعي وأبا حنيفة ومالكًا والشافعي وأحمد وأصحابهم وغيرهم من عوام العلماء؛ فإنهم رأوا التكبير في الخفض والرفع جميعًا، وذهبوا في ذلك إلى ما تواترت وتكاثرت به الآثار عن النبي عليه السلام، ويحكى ذلك عن ابن مسعود وأبي هريرة وجابر وقيس بن عبادة وغيرهم.
ثم اختلفوا في تكبيرات الصلاة غير تكبيرة الإحرام هل هي سنة أو واجبة؟ فقال قوم: هي سنة، قال ابن المنذر: وبه قال أبو بكر الصديق وعمر وجابر وقيس بن عبادة والشعبي والأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز ومالك والشافعي وأبو حنيفة، ونقله ابن بطال أيضًا عن عثمان وعلي وابن مسعود وابن عمر وأبي هريرة وابن الزبير ومكحول والنخعي وأبي ثور.
(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 218 رقم 2500).
وقالت الظاهرية وأحمد في رواية: كلها واجب.
وقال أبو عمر: قد قال قوم من أهل العلم: إن التكبير إنما هو إذن بحركات الإمام وشعار الصلاة، وليس بسُنَّة إلا في الجماعة، فأما من صلى وحده فلا بأس عليه أن لا يكبر، وقد قال ابن القاسم: فمن نسي ثلاث تكبيرات فصاعدًا من صلاته وحده: أنه يسجد قبل السلام، فإن لم يفعل أعاد، وخالفه أصبغ وعبد الله بن عبد الحكم فقالا: لا إعادة على من نسي التكبير كله في صلاته إذا كان قد كبر لإحرامه، وإنما عليه سجدتا السهو، فإن لم يسجدهما فلا حرج، وعلى هذا القول فقهاء الأمصار وأئمة الفتوى، وهو الذي ذهب إليه أبو بكر الأبهري، قال: وأهل الظاهر كلهم يأمرون به ويفعلونه، فإن تركه تارك عندهم بعد أن يحرم لم تفسد صلاته؛ لأنه ليس عندهم من فرائض الصلاة.
قلت: قال ابن حزم في "المحلى": والتكبير للركوع فرض، وقول: سبحان ربي العظيم في الركوع فرض، والقيام إثر الركوع فرض لمن قدر عليه حتى يعتدل قائمًا، وقول:"سمع الله لمن حمده" عند القيام من الوكوع فرض، فإن كان مأمومًا ففرض عليه أن يقول بعد ذلك:"ربنا لك الحمد"، أو "ولك الحمد"، وليس هذا فرضًا على إمام ولا فذّ، فإن قالاه كان حسنًا وسُنَّه، والتكبير لكل سجدة منهما فرض، وقول: سبحان ربي الأعلى في كل سجدة فرض، ووضع الجبهة واليدين والأنف والركبتين وصدور القدمين على ما هو قائم عليه فيما أبيح له التصرف عليه فرض كل ذلك، والجلوس بين السجدتين فرض، والطمأنينة فيه فرض، والتكبير له فرض، لا تجزئ صلاة لأحد من أن يدع من هذا كله عامدًا؛ فإن لم يأت به ناسيًا ألغى ذلك وأتى به كما أُمر ثم سجد للسهو فإن عجز عن شيء منه لجهل أو عذر مانع سقط عنه، وتمت صلاته. انتهى.
وقال أبو عمر (1): قال إسحاق بن منصور، سمعت أحمد بن حنبل يقول:"يروى عن ابن عمر أنه كان لا يكبر إذا صلى وحده" قال أحمد: وأحب إليَّ أن يكبر إذا صلى وحده في الفرض، وأما في التطوع فلا.
قال أبو عمر: لا يحكي أحمد عن ابن عمر إلا ما صح عنده، وأما ما رواه مالك، عن نافع، عن ابن عمر:"أنه كان يكبر في الصلاة كلما خفض ورفع". فيدل ظاهره عك أنه كذلك كان يفعل إمامًا وغير إمام. وقال السفاقسي: واختلفوا فيمن ترك التكبير في الصلاة، فقال ابن القاسم: من أسقط ثلاث تكبيرات فأكثر أو التكبير كله سوى تكبيرة الإحرام سجد قبل السلام، وإن لم يسجد قبل السلام سجد بعده، وإن لم يسجد حتى طال بطلت صلاته، وفي "الموضحة": وإن نمصي تكبيرين سجد قبل أن يسلم، فإن لم يسجد لم تبطل صلاته، وإن ترك تكبيرة واحدة اختلف هل عليه سجود أم لا؟ فقال ابن عبد الحكم وأصبغ: ليس على من ترك التكبير سوى السجود، فإن لم يفعل حتى تباعد فلا شيء عليه. وقال أصحابنا: لا يجب السجود بترك الأذكار كالثناء والتعوذ وتكبيرات الركوع والسجود وتسبيحاتها.
وفي "شرح المهذب": لو ترك التكبير عمدًا أو سهوًا حتى ركع، لم يأت به لفوات محله. والله أعلم.
ص: حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا أبو الوليد، قال: ثنا زهير بن معاوية، قال: ثنا أبو إسحاق، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه وعلقمة، عن عبد الله قال:"أنا رأيت رسول الله عليه السلام يكبر في كل وضع ورفع".
حدثنا أبو بشر الرقي، قال: ثنا شجاع بن الوليد، عن زهير
…
فذكر بإسناده مثله، قال:"ورأيت أبا بكر وعمر رضي الله عنهما يفعلان ذلك".
ش: شرع يبين ما ذكره من قوله: "وذهبوا في ذلك إلى ما تواترت به الآثار عن رسول الله عليه السلام" منها ما رواه عبد الله بن مسعود.
(1)"التمهيد"(7/ 83).
وأخرجه من طريقين صحيحين:
الأول: عن إبراهيم بن مرزوق، عن أبي الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي شيخ البخاري وأبي داود، عن زهير بن معاوية بن حديج أحد أصحاب أبي حنيفة ومن رجال الجماعة، عن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي، عن عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد النخعي، عن أبيه الأسود، وعن علقمة بن قيس بن عبد الله النخعي الكوفي عم الأسود بن يزيد، والكل من رجال الجماعة.
وأخرجه الدارمي في "مسنده"(1): أنا أبو الوليد الطيالسي، ثنا أبو خيثمة، ثنا أبو إسحاق، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه وعن علقمة، عن عبد الله قال:"رأيت رسول الله عليه السلام يكبر في كل رفع ووضع وقيام وقعود".
وأخرجه البزار أيضًا في "مسنده"(2): ثنا عمرو بن علي، قال: ثنا معاذ بن معاذ وأبو داود، قالا: ثنا زهير، عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه وعلقمة، عن عبد الله: "أن النبي عليه السلام كان يكبر في كل خفض ورفع، ويسلم عن يمينه وعن يساره.
الثاني: عن أبي بشر عبد الملك بن مروان الرقي، عن شجاع بن الوليد بن قيس السكوني أبي بدر، عن زهير بن معاوية، عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه وعن علقمة، كلاهما عن عبد الله بن مسعود.
وأخرجه الترمذي (3): نا قتيبة، قال: نا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن علقمة والأسود، عن عبد الله قال:"كان رسول الله عليه السلام يكبر في كل خفص ورفع وقيام وقعود، وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما".
قال أبو عيسى: حديث عبد الله بن مسعود حديث حسن صحيح.
(1)"سنن الدارمي"(1/ 316 رقم 1249).
(2)
"مسند البزار"(5/ 48 رقم 1609).
(3)
"جامع الترمذي"(2/ 33 رقم 253).
وأخرجه النسائي (1) أيضًا: أنا إسحاق بن إبراهيم، قال: أبنا الفضل بن دكين ويحيى بن آدم، قالا: ثنا زهير، عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه وعلقمة، عن عبد الله قال:"رأيت رسول الله عليه السلام يكبر في كل خفض ورفع وقيام وقعود، ويسلم عن يمينه وعن شماله: السلام عليكم ورحمة الله عليه السلام يُرى بياض خده، قال: ورأيت أبا بكر وعمر رضي الله عنهما يفعلان ذلك".
ص: حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا عفان بن مسلم، قال: ثنا همام، قال: ثنا عطاء بن السائب، قال: حدثني سالم البراد- قال: وكان عندي أوثق من نفسي- قال: قال أبو مسعود البدري: "ألا أصلي لكم صلاة رسول الله عليه السلام؟ فصلى بنا أربع ركعات يكبر فيهن كلما خفض ورفع، وقال: هكذا رأيت رسول اللهَ عليه السلام صلى".
ش: إسناده صحيح، وعفان بن مسلم بن عبد الله الصفار أبو عثمان البصري شيخ البخاري، وهمام بن يحيى العوذي أبو بكر البصري روى له الجماعة، وعطاء بن السائب بن مالك أبو زيد الكوفي أحد مشايخ أبي حنيفة، وعن أحمد: ثقة ثقة، رجل صالح. روى له البخاري حديثًا واحدًا متابعة والأربعة.
وسالم أبو عبد الله الكوفي وثقه يحيى بن معين وابن حبان وغيرهما، والبراد فعال -بالتشديد- من البرد لقب سالم، وأبو مسعود البدري اسمه عقبة بن عمرو بن ثعلبة.
وأخرجه الطبراني في "الكبير"(2): ثنا علي بن عبد العزيز، ثنا حجاج بن المنهال، ثنا همام، عن عطاء بن السائب، حدثني سالم البراد -وكان أوثق عندي من نفسي- قال: "قال لنا أبو مسعود البدري: ألا أصلي لكم صلاة رسول الله عليه السلام؟ فلما ركع وضع كفيه على ركبتيه وفرق بين أصابعه وجافى عن إبطيه حتى استقر كل شيء منه، وكبر وسجد وجافى عن إبطيه حتى استقر كل شيء منه، ثم كبر فاستوى قاعدًا على
(1)"المجتبى"(2/ 230 رقم 1142).
(2)
"المعجم الكبير"(17/ 240 رقم 668).
مقعدته حتى استقر كل شيء منه، فصلى أربع ركعات، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله عليه السلام يصلي، أو هكذا كانت صلاة رسول الله عليه السلام".
وأخرجه أحمد أيضًا في "مسنده"(1): ثنا يحيى بن حماد، نا أبو عوانة، عن عطاء بن السائب، ثنا سالم البراد قال:"دخلنا على أبي مسعود الأنصاري، فسألناه عن الصلاة، فقال: ألا أصلي بكم كما كان رسول الله عليه السلام يصلي؟ قال: فقام فكبر ورفع يديه، ثم ركع فوضع كفيه عك ركبتيه وجافى بين إبطيه، قال: ثم قام حتى استقلَّ كل شيء منه، ثم سجد فوضع كفيه وجافى بين إبطيه، ثم رفع رأسه حتى أستقلَّ كل شيء، ثم صلى أربع ركعات هكذا".
قوله: "أَلا" حرف تنبيه ينبه السامع على ما يأتي.
قوله: "كلما خفض ورفع" أي كلما خفض رأسه للسجود وكلما رفعها.
ص: حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا مسدد، قال: ثنا عبد العزيز بن مختار، قال: ثنا عبد الله الداناج، قال: ثنا عكرمة قال: "صلى بنا أبو هريرة رضي الله عنه فكان يكبر إذا رفع وإذا خفض، فأتيت ابن عباس فأخبرته بذلك، فقال: أوليس ذلك سنة أن القاسم عليه السلام؟! ".
حدثنا صالح بن عبد الرحمن، قال: ثنا سعيد بن منصور، قال: ثنا هشيم، قال: أنا أبو بشر، عن عكرمة، مثله ولم يذكر أبا هريرة.
ش: هذان طريقان رجالهما ثقات:
الأول: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن مسدد بن مسرهد شيخ البخاري وأبي داود، عن عبد العزيز بن مختار الأنصاري أبي إسحاق الدباغ البصري من رجال الجماعة، عن عبد الله بن فيروز الداناج البصري روى له الجماعة سوى الترمذي، والداناج معرب داناه، وهو العالم بالفارسية.
(1)"مسند أحمد"(5/ 274 رقم 22413).
ورواه أحمد في "مسنده"، (1) والطبراني في "معجمه" (2): من طريق عبد الله الداناج المذكور فيه.
قوله "أوليس ذلك" الهمزة فيه للاستفهام الإنكاري، ومعناه تلك صلاة رسول الله عليه السلام لأن نفي النفي إثبات.
الثاني: عن صالح بن عبد الرحمن الأنصاري، عن سعيد بن منصور بن شعبة الخراساني شيخ مسلم وأبي داود، عن هشيم بن بشير، عن أبي بشر جعفر بن إياس الواسطي، عن عكرمة نحوه، ولم يذكر فيه أبا هريرة.
وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(3): ثنا هشيم، بن بشير، عن أبي بشر، عن عكرمة نحوه، "رأيت رجلًا يصلي عند المقام، يكبر في كل خفض ورفع، قال: فأتيت ابن عباس رضي الله عنهما فأخبرته بذلك فقال لي ابن عباس: أوليس تلك صلاة رسول الله عليه السلام؟! لا أمَّ لعكرمة".
وقال البخاري (4): ثنا موسى بن إسماعيل، قال: أنا همام، عن قتادة، عن عكرمة قال:"صليت خلف شيخ بمكة فكبر ثنتين وعشرين تكبيرة، فقلت لابن عباس: إنه أحمق، فقال: ثكلتك أمك، سنة أبي القاسم عليه السلام".
ص: حدثنا ربيع المؤذن، قال: ثنا أسد، قال: ثنا إسرائيل، عن أبو إسحاق، عن الأسود بن يزيد، قال: قال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: "ذكرنا علي رضي الله عنه صلاة كلنا نصليها مع النبي عليه السلام إما نسيناها وإما تركناها عمدًا، يكبر كلما خفض وكلما رفع وكلما سجد".
حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا سعيد بن عامر، قال: ثنا سعيد بن أبو عروبة (ح)
(1)"مسند أحمد"(1/ 250 رقم 2257).
(2)
"المعجم الكبير"(11/ 333 رقم 11918).
(3)
"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 218 رقم 2495).
(4)
"صحيح البخاري"(1/ 272 رقم 755).
وحدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا عفان بن مسلم، قال: ثنا همام، عن قتادة، عن يونس بن جبير، عن حطان بن عبد الله الرقاشي، عن أبي موسى، عن النبي عليه السلام قال:"إذا كبر الإِمام وسجد فكبروا واسجدوا".
ش: هذه ثلاث طرق رجالها كلهم رجال الصحيحين ما خلا ربيعًا وأسدًا وابن مرزوق:
الأول: عن ربيع بن سليمان المؤذن صاحب الشافعي، عن أسد بن موسى، عن إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق، عن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي، عن الأسود بن يزيد النخعي.
وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): ثنا أبو بكر بن عياش، عن أبي إسحاق، عن يزيد بن أبي مريم، عن أبي موسى قال:"صلى بنا علي رضي الله عنه يوم الجمل صلاة ذكرنا بها صلاة رسول الله عليه السلام فإما أن نكون نسيناها وإما أن نكون تركناها عمدًا؛ يكبر في كل رفع وخفض، وقيام وقعود، ويسلم عن يمينه ويساره".
قوله: "ذكرنا" بالتشديد من التذكير و"عليٌّ" مرفوع ة لأنه فاعله و"صلاة" مفعوله.
الثاني: عن إبراهيم بن مرزوق، عن سعيد بن عامر الضبعي أبي محمَّد البصري، عن سعيد بن أبي عروبة مهران العدوي أبي النضر البصري، عن قتادة، عن يونس بن جبير الباهلي أبي غلاب البصري، عن حِطَّان -بكسر الحاء، وتشديد الطاء المهملتين- أبي عبد الله الرقاشي -بفتح الراء وتخفيف القاف- نسبة إلى رقاش بنت ضبيعة أم ولد شيبان بن ذهل.
وهو يروي عن أبي موسى الأشعري واسمه عبد الله بن قيس.
(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 217 رقم 2491).
وأخرجه مسلم (1): ثنا سعيد بن منصور وقتيبة بن سعيد وأبو كامل الجحدري ومحمد بن عبد الملك الأموي واللفظ لأبي كامل، قالوا: ثنا أبو عوانة، عن قتادة، عن يونس بن جبير، عن حطان بن عبد الله الرقاشي قال:"صليت مع أبي موسى صلاة، فلما كان عند القعدة، قال رجل من القوم: أقرت الصلاة بالبر والزكاة، قال: فلما قضى أبو موسى الصلاة وسلم، انصرف فقال: أيكم القائل كلمة كذا وكذا؟ قال: فأرم القوم، ثم قال: أيكم القائل كلمة كذا وكذا؟ فأرم القوم، فقال: لعلك يا حطان قلتها؟ قال: ما قلتها، ولقد رهبت أن تبكعني بها، فقال رجل من القوم: أنا قلتها ولم أرد بها إلا الخير، فقال أبو موسى: أما تعلمون كيف تقولون في صلاتكم؟! إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبنا فبين لنا سنتنا وعلمنا صلاتنا فقال: إذا صليتم فأقيموا صفوفكم، ثم ليؤمكم أحدكم، فإذا كبر فكبروا، إذا قال: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} فقولوا: آمين يجبكم الله، فإذا كبر وركع فكبروا واركعوا فإن الإِمام يركع قبلكم ويرفع قبلكم، فقال رسول الله عليه السلام: فتلك بتلك، وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد، يسمع الله لكم؛ فإن الله تعالى قال على لسان نبيه: سمع الله لمن حمده، وإذا كبر وسجد فكبروا واسجدوا، فإن الإِمام يسجد قبلكم ويرفع قبلكم، فقال رسول الله عليه السلام: فتلك بتلك، وإذا كان عند القعدة فليكن من أول قول أحدكم: التحيات الطيبات الصلوات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله".
الثالث: عن إبراهيم بن مرزوق أيضًا، عن عفان بن مسلم الصفار، عن همام بن يحيى، عن قتادة
…
إلى آخره.
وأخرجه أبو داود (2): عن عمرو بن عون، عن أبي عوانة، عن قتادة.
(1)"صحيح مسلم"(1/ 303 رقم 404).
(2)
"سنن أبي داود"(1/ 319 رقم 972).
وعن أحمد بن حنبل، عن يحيى بن سعيد، عن هشام، عن قتادة، عن يونس بن جبير، عن حطان بن عبد الله الرقاشي قال: "صلى بنا أبو موسى
…
" الحديث.
وأخرجه النسائي (1): عن عبيد الله بن سعيد، عن يحيى بن سعيد، عن هشام، عن قتادة، عن يونس بن جبير، عن حطان بن عبد الله، أن الأشعري قال: "إن رسول الله عليه السلام خطبنا فعلمنا سنتنا وبيَّن لنا صلاتنا
…
" الحديث.
وأخرجه ابن ماجه (2): عن جميل بن الحسن، عن عبد الأعلى، عن سعيد، عن قتادة.
وعن عبد الرحمن بن عمرو، عن ابن أبي عدي، عن سعيد بن أبي عروبة، وهشام بن أبي عبد الله، عن قتادة -وهذا حديث عبد الرحمن- عن يونس بن جبير، عن حطان بن عبد الله، عن أبي موسى الأشعري: "أن رسول الله عليه السلام خطبنا وبين لنا سنتنا
…
" الحديث.
قوله: "فأرم القوم" قال ابن الأثير: الرواية المشهورة "أَرَمَّ" بالراء المهملة وتشديد الميم، معناه أمسكوا عن الكلام وسكتوا ولم يجيبوا، يقال: أرمّ فهو مرمّ، ويروى "أزم القوم" -بفتح الزاي المعجمة- ومعناه أيضًا أمسكوا عن الكلام، كما يمسك الصائم عن الطعام ومنه سميت الحمية أزمًا.
قوله: "أن تبكعني بها" من بكعت الرجل بكعًا إذا استقبلته بما يكره.
قوله: "فتلك بتلك" معناه أن الدعوى معلقة بتلك الكلمة أو مضمنة بها، أعني بالدعوى: قراءة الإِمام {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} السورة، وأعني بالكلمة: قوله: "آمين".
قوله: "فتلك" مبتدأ وخبره "بتلك" الثاني، ومتعلقه محذوف كما قدرنا.
(1)"المجتبى"(2/ 241 رقم 1172).
(2)
"سنن ابن ماجه"(1/ 291 رقم 901).
قوله: "يسمع الله لكم" أي يستجيب لكم، والسماع كناية عن الإجابة؛ فافهم.
ص: حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا عبيد الله بن عمر القواريري، قال: ثنا يحيى بن سعيد، عن سفيان، قال: حدثني عبد الرحمن الأصم، قال: سمعت أنسًا يقول: "كان رسول الله عليه السلام وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما يتمون التكبير، يكبرون إذا سجدوا إذا رفعوا، وإذا قاموا من الركعة".
حدثنا ابن مرزوق قال: ثنا أبو عاصم وأبو حذيفة، عن سفيان، عن عبد الرحمن الأصم
…
فذكر بإسناده مثله.
ش: هذان طريقان صحيحان:
أحدهما: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن عبيد الله بن عمر بن ميسرة القواريري ونسبته لعمل القوارير أو بيعها، عن يحيى بن سعيد القطان، عن سفيان الثوري، عن عبد الرحمن الأصم من رجال مسلم.
وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): ثنا وكيع، عن سفيان، عن عبد الرحمن الأصم، عن أنس قال:"كان النبي عليه السلام وأبو بكر وعمر وعثمان لا ينقصون التكبير".
وأخرجه عبد الرزاق أيضًا في "مصنفه"(2): عن الثوري، عن عبد الرحمن الأصم، عن أنس بن مالك قال:"كان رسول الله عليه السلام وأبو بكر وعمر وعثمان يثبتون التكبير إذا رفعوا وإذا وضعوا".
والآخر: عن إبراهيم بن مرزوق، عن أبي عاصم النبيل الضحاك ابن مخلد، وأبي حذيفة النهدي واسمه موسى بن مسعود شيخ البخاري، كلاهما عن سفيان الثوري، عن عبد الرحمن الأصم.
(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 216 رقم 2477).
(2)
"مصنف عبد الرزاق"(2/ 64 رقم 2501).
وأخرجه العدني في "مسنده": ثنا وكيع، عن سفيان، عن عبد الرحمن الأصم، قال: سمعت أنس بن مالك يقول: "كان رسول الله عليه السلام وأبو بكر وعمر لا ينقصون التكبير".
ص: حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، قال: أخبرني مالك، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة:"أن أبا هريرة رضي الله عنه كان يصلي لهم، فيكبر كلما خفض ورفع، فإذا انصرف قال: والله إني لأشبهكم صلاة برسول الله عليه السلام".
حدثنا ابن مرزوق، قال: أنا وهب بن جرير، قال: ثنا أبي، قال: سمعت النعمان بن راشد يحدث، عن الزهري، عن أبي سلمة وأبي بكر بن عبد الرحمن: "أن أبا هريرة كان يصلي لهم المكتوبة
…
" فذكر مثله.
حدثنا سليمان بن شعيب الكيساني، قال: ثنا أسد بن موسى، قال: ثنا ابن أبي ذئب، عن المقبري، عن أبي هريرة نحوه.
حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا أبو عامر، قال: ثنا ابن أبي ذئب، عن سعيد بن سمعان، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:"كان رسول الله عليه السلام يكبر كلما سجد ورفع".
حدثنا محمَّد بن عبد الله بن ميمون، قال: ثنا الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي، قال: حدثني يحيى، أن أبا سلمة قال:"رأيت أبا هريرة يكبر في الصلاة كلما خفض ورفع، فقلت: يا أبا هريرة، ما هذه الصلاة؟! فقال: إنها لصلاة رسول الله عليه السلام".
ش: هذه خمس طرق صحاح:
الأول: عن يونس بن عبد الأعلى، عن عبد الله بن وهب، عن مالك، عن محمد بن مسلم شهاب الزهري، عن أبي سلمة عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف، والكل رجال الصحيح.
وأخرجه البخاري (1): ثنا عبد الله بن يوسف، قال: أنا مالك بن أنس، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة:"أنه كان يصلي بهم فيكبر كلما خفض ورفع، وإذا انصرف قال: إني لأشبهكم صلاة برسول الله عليه السلام".
وأخرجه النسائي (2): عن قتيبة بن سعيد، عن مالك
…
إلى آخره نحوه.
الثاني: عن إبراهيم بن مرزوق، عن وهب بن جرير، عن أبيه جرير بن حازم، عن النعمان بن راشد الجزري الرقي مولى بني أمية، عن محمَّد بن مسلم الزهري، عن أبي سلمة عبد الله بن عبد الرحمن، وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المدني أحد الفقهاء السبعة، عن أبي هريرة.
وأخرجه أبو داود (3) بأتم منه: ثنا عمرو بن عثمان، نا أبي وبقية، عن شعيب، عن الزهري، قال: أخبرني أبو بكر بن عبد الرحمن وأبو سلمة: "أن أبا هريرة رضي الله عنه كان يكبر في كل صلاة من المكتوبة وغيرها، فيكبر حين يقوم ثم يكبر حين يركع ثم يقول: سمع الله لمن حمده، ثم يقول: ربنا ولك الحمد قبل أن يسجد، ثم يقول: الله أكبر حين يهوي ساجدًا، ثم يكبر حين يرفع رأسه، ثم يكبر حين يسجد، ثم يكبر حين يرفع رأسه، ثم يكبر حين يقوم من الجلوس في اثنتين، فيفعل ذلك في كل ركعة حتى يفرغ من الصلاة، ثم يقول حين ينصرف: والذي نفسي بيده، إني لأقربكم شبهًا بصلاة رسول الله عليه السلام، وإن كانت هذه لصلاته حتى فارق الدنيا".
ففيه إثبات التكبير في كل خفض ورفع إلا في رفعه من الركوع فإنه يقول: سمع الله لمن حمده، وهذا مجمع عليه اليوم، ففي كل صلاة ثنائية إحدى عشرة تكبيرة، وهي: تكبيرة الإحرام، وخمس في كل ركعة، وفي الثلاثية سبع عشرة، وهي: تكبيرة الإحرام، وتكبيرة القيام من التشهد الأول، وخمس في كل ركعة، وفي الرباعية ثنتان وعشرون، ففي المكتوبات الخمس أربع وتسعون تكبيرة.
(1)"صحيح البخاري"(1/ 272 رقم 752).
(2)
"المجتبى"(2/ 235 رقم 1155).
(3)
"سنن أبي داود"(1/ 281 رقم 836).
الثالث: عن سليمان بن شعيب بن سليمان الكيساني صاحب محمَّد بن الحسن الشيباني، عن أسد بن موسى أسد السنة، عن محمَّد بن عبد الرحمن ابن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئب هشام بن شعبة المدني، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، كان يسكن المقبرة فنسب إليها.
وأخرجه البزار في "مسنده": ثنا عمرو بن علي، نا أبو داود، نا ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة قال:"والله إني لأعلمكم بصلاة رسول الله عليه السلام، كان رسول الله عليه السلام إذا رفع رأسه من الركوع قال: اللهم ربنا لك الحمد، وكان يكبر إذا نهض وإذا خفض وإذا رفع".
الرابع: عن أبي بكرة بكار القاضي، عن أبي عامر عبد الملك بن عمرو العقدي البصري، عن محمَّد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب، عن سعيد بن سمعان الأنصاري المدني، عن أبي هريرة.
وأخرجه البزار أيضًا في "مسنده": ثنا عمرو بن علي، نا أبو عاصم، عن ابن أبي ذئب، عن سعيد بن سمعان، عن أبي هريرة قال:"كان رسول الله عليه السلام يرفع يديه إذا دخل الصلاة مدًّا، وكان يسكت قبل القراءة يسأل الله من فضله، ويكبر إذا خفض وإذا رفع".
الخامس: عن محمد بن عبد الله بن ميمون البغدادي، عن الوليد بن مسلم الدمشقي، عن عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة عبد الله
…
إلى آخره.
وأخرجه مسلم (1): ثنا محمَّد بن مهران الرازي، قال: ثنا الوليد بن مسلم، قال: ثنا الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة:"أن أبا هريرة كان يكبر في الصلاة كلما رفع ووضع، فقلنا: يا أبا هريرة، ما هذا التكبير؟! فقال: إنها لصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم".
(1)"صحيح مسلم"(1/ 293 رقم 392).
ص: قال أبو جعفر رحمه الله: فكانت هذه الآثار المروية عن رسول الله عليه السلام في التكبر في كل خفض ورفع أظهر من حديث عبد الرحمن بن أبزى، وأكثر تواترًا، وقد عمل بها من بعد رسول الله عليه السلام أبو بكر وعمر وعلي -رضوان الله عليهم- وتواتر بها العمل إلى يومنا هذا، لا ينكر ذلك منكر، ولا يدفعه دافع، ثم النظر يشهد له أيضًا، وذلك أنا رأينا الدخول في الصلاة يكون بالتكبير، ثم الخروج من الركوع والسجود يكونان أيضًا بالتكبر، وكذلك القيام من القعود يكون أيضًا بالتكبر، فكان ما ذكرنا من تغير الأحوال من حال إلى حال قد أُجمع أن فيه تكبيرًا، فكان النظر على ذلك أيضًا أن يكون تغير الأحوال أيضًا من القيام إلى الركوع وإلى السجود فيه أيضًا تكبير؛ قياسًا عك ما ذكرنا من ذلك، وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله.
ش: أراد بالآثار المرويّه: الأحاديث التي أخرجها عن عبد الله بن مسعود وأبي مسعود البدري وأبي هريرة وأبي موسى الأشعري وأنس بن مالك رضي الله عنهم وأشار إلى ترجيحها على حديث عبد الرحمن بن أبزى الذي احتج به أهل المقالة الأولى بأوجه أربعة:
الأول: أن هذه أظهر من حديث ابن أبزى في صحة الأسانيد وإتقان الرواة، وأنها أكثر تواترًا وأشد اشتهارًا بين الخاصة والعامّة، وقد عرف أن من جملة أسباب الترجيح كثرة عدد الرواة وشهرة المروي، حتى إذا كان أحد الخبرين يرويه واحد والآخر يرويه اثنان، فالذي يرويه اثنان أولى بالعمل به، واستدلوا على ذلك بمسألة كتاب الاستحسان في الخبر بطهارة الماء ونجاسته، وحل الطعام وحرمته، أنه إذا كان المخبر بأحد الأمرين اثنين، وبالآخر واحدًا، فإنه يؤخذ بخبر الاثنين؛ وهذا لأن خبر المثنى حجة تامة في باب الشهادات، بخلاف خبر الواحد، فطمأنينة القلب إلى خبر المثنى أكثر، وقد اشتهر عن الصحابة رضي الله عنهم الاعتماد على خبر المثنى دون الواحد.
الثاني: أنه قد عمل بهذه الآثار من بعد رسول الله عليه السلام أبو بكر وعمر وعلي رضي الله عنهم وكفى بهم قدوة، وكذلك عمل بها غيرهم من الصحابة مثل عثمان -كما وقع في رواية ابن أبي شيبة- وأبي هريرة وأنس وأبي موسى الأشعري وأبي مسعود البدري وعبد الله بن مسعود وغيرهم رضي الله عنهم.
الثالث: أنه قد تواتر بها العمل إلى يومنا هذا من غير نكبيرِ منكر، ولا ردِّ رادٍّ، فصار كالإجماع.
الرابع: أنه يشهد له النظر والقياس، بيانه: أن الدخول في الصلاة يكون بالتكبير وكذلك الخروج من الركوع والسجود والقيام من القعود، فكل ذلك بالتكبير بلا خلاف فيه؛ فكان النظر والقياس عك ذلك أن تكون بالتكبير أيضًا حالة الانتقال من القيام إلى الركوع وإلى السجود، والجامع: وجود تغير الأحوال من حال إلى حال في كل واحدة من هذه الحالات.