الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ص: باب: ما يبدأ بوضعه في السجود اليدين أو الركبتين
ش: أي هذا باب في بيان ما يبدأ المصلي في سجوده بوضع اليدين أولا أم الركبتين ثم اليدين؟
قوله: "اليدين" منصوب بفعل محذوف، أي هل يضع اليدين أولا أو يضع الركبتين أولا، ويجوز أن يكون مفعولا للمصدر المضاف إلى فاعله، أعني قوله:"بوضعه".
وقوله: "في السجود" معترض بين الفاعل والمفعول.
والمناسبة بين البابين من حيث إن هذا الحكم يتعقب الركوع والقنوت في صلاة الفجر على مذهب من يرى القنوت بعد الركوع. فافهم.
ص: حدثنا عليّ بن عبد الرحمن بن محمَّد بن المغيرة، قال: ثنا أصبغ بن الفرج، قال: ثنا الدراوردي، عن عبيدالله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما:"أنه كان إذا سجد بدأ بوضع يديه قبل ركبتيه، وكان يقول: كان النبي عليه السلام يفعل ذلك".
ش: إسناده صحيح، وعلي بن عبد الرحمن هو المعروف بعلان؛ قال ابن أبي حاتم: كتبت عنه بمصر وهو صدوق. وروى له النسائي في اليوم والليلة" حديثا واحدًا.
وأصبغ بن الفرج بن سعيد بن نافع الفقيه وراق عبد الله بن وهب، شيخ البخاري.
والدراوردي هو عبد العزيز بن محمَّد، روى له الجماعة البخاري مقرونا بغيره، ونسبته إلى، دراورد قرية بخراسان.
وعبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم، أبو عثمان المدني، أحد مشايخ أبي حنيفة، روى له الجماعة.
وأخرجه الدارقطني في "سننه"(1): ثنا الحسن بن الحسن بن عبد الرحمن القاضي، ثنا محمَّد بن أصبغ بن الفرج، حدثنا أبي، ثنا عبد العزيز الدراوردي، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر:"أن رسول الله عليه السلام كان إذا سجد يضع يديه قبل ركبتيه".
وأخرجه البيهقي في "سننه"(2): من حديث الدراوردي عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر:"أنه كان يضع يديه قبل ركبتيه، قال: وكان النبي عليه السلام يفعل ذلك" ثم قال: رواه ابن وهب وأصبغ ومحرزبن سلمة، عن عبد العزيز، ولا أراه إلا وهما، فالمشهور عن ابن عمر ما رواه حماد بن زيد وابن علية، عن أيوب، عن نافع عنه قال:"إذا سجد أحدكم فليضع يديه، فإذا رفع فليرفعهما، فإن اليدين يسجدان كما يسجد الوجه".
قلت: الذي أخرجه الطحاوي أخرجه ابن خزيمة في "صحيحه"، والحديث الذي علله به فيه نظر؛ لأن كلا منهما منفصل عن الآخر، وحديث أبي هريرة الذي يأتي دلالته قولية، وقد تأيد بحديث ابن عمر هذا، فحينئذ يمكن أن يرجح إلى حديث وائل الذي يأتي؛ لأن دلالته فعلية على ما هو الأرجح عند الأصوليين، ولهذا قال النووي في "شرح المهذب": لا يظهر لي الآن ترجيح أحد المذهبين من السنة.
ولكن الطحاوي رجح حديث أبي وائل؛ لأن الحديث لم يختلف عنه بخلاف حديث أبي هريرة فإنه قد اختلف عنه على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
ص: حدثنا إبراهيم بن أبي داود، قال: ثنا سعيد بن منصور وأصبغ بن الفرج، قالا: ثنا الدراوردي، عن محمَّد بن عبد الله بن الحسن، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن رسول الله عليه السلام مثله.
(1)"سنن الدارقطني"(1/ 344 رقم 2).
(2)
"سنن البيهقي الكبرى"(2/ 100 رقم 2470).
حدثنا صالح بن عبد الرحمن، قال: ثنا سعيد بن منصور، قال: ثنا عبد العزيز ابن محمَّد، قال: حدثني محمَّد بن عبد الله بن الحسن، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله عليه السلام: "إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، ولكن يضع يديه ثم ركبتيه".
ش: هذان إسنادان صحيحان.
ومحمد بن عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي أبو عبد الله المدني، وثقه النسائي وابن حبان.
وأبو الزناد -بالنون- عبد الله بن ذكوان المدني، روى له الجماعة.
والأعرج هو عبد الرحمن بن هرمز المدني.
والحديث أخرجه النسائي (1): أنا هارون بن محمَّد بن بكار من كتابه، قال: ثنا مروان بن محمَّد، قال: ثنا عبد العزيز بن محمَّد، قال: ثنا محمَّد بن عبد الله بن الحسن، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله عليه السلام: "إذا سجد أحدكم فليضع يديه قبل ركبتيه، ولا يكبرك بروك البعير".
وأخرجه أبو داود (2): عن سعيد بن منصور، عن عبد العزيز
…
إلى آخره نحوه.
والدارمي "سننه"(3): عن يحيى بن حسان، عن عبد العزيز بن محمَّد
…
إلى آخره نحوه.
ص: قال أبو جعفر رحمه الله: فقال قوم: هذا كلام محال؛ لأنه قال: لا يبرك كما يرك البعير، والبعير إنما يرك على يديه، ثم قال: ولكن يضع يديه قبل ركبتيه
(1)"المجتبى"(2/ 207 رقم 1091).
(2)
"سنن أبي داود"(1/ 222 رقم 840).
(3)
"سنن الدارمي"(1/ 347 رقم 1321).
فأمره ها هنا أن يضع كما يضع البعير، ونهاه في أول الكلام أن يفعل ما يفعل البعير، فكان من الحجة عليهم في ذلك في تثبيت هذا الكلام وتصحيحه، ونفي الإحالة عنه أن البعير ركبتاه في يديه، وكذلك في سائر البهائم وبنو آدم ليسوا كذلك. فقال: لا يبرك على ركبتيه اللتين في رجليه كما يبرك البعير على ركبتيه اللتين في يديه، ولكن يبدأ فيضع أولًا يديه اللتين ليس فيهما ركبتاه، ثم يضع ركبتيه، فيكون ما يفعل في ذلك بخلاف ما يفعل البعير.
ش: أراد بالقوم هؤلاء: طائفة من الفقهاء طعنوا في الحديث المذكور، وقالوا: معناه متناقض؛ لأنه قال: "لا يبرك المصلي كما يبرك البعير"، والبعير إنما يبرك على يديه، ثم قال:"ولكن يضع يديه قبل ركبتيه"، وهذا تناقض؛ لأنه نهى في الأول أن يفعل مثل ما يفعل البعير، وأمر في الثاني بأن يفعل مثل ما يفعل البعير أيضا؛ لأنه قال:"ولكن يضع يديه ثم ركبتيه"، وقد مر أن البعير إنما يبرك على يديه.
فأجاب الطحاوي عن ذلك بقوله: فكان من الحجة عليهم، أي على هؤلاء القوم، بيانه: أن هذا الكلام صحيح وليس محال ولا متناقض؛ وذلك لأن البعير ركبتاه في يديه، وكذلك في سائر البهائم بخلاف بني آدم، فإن ركبهم في أرجلهم، فمعنى قوله: لا يبرك المصلي على ركبتيه اللتين في رجليه كما يبرك البعير على ركبتيه اللتين في يديه، ولكن يبدأ فيضع أولًا يديه اللتين ليست فيهما ركبتاه، ثم يضع ركبتيه اللتين في رجليه فيكون هذا الفعل بخلاف ما يفعل البعير، وهذا ظاهر.
ومن هذا أخذ ابن حزم في كتابه في وجه التوفيق فقال: وركبتا البعير في ذراعيه.
ص: فذهب قوم إلى أن اليدين يبدأ بوضعهما في السجود قبل الركبتين، واحتجوا في ذلك بهذه الآثار.
ش: أراد بالقوم هؤلاء: الأوزاعي ومالكا في رواية، وأحمد في قول؛ فإنهم قالوا: يبدأ المصلي في سجوده أولا بوضع يديه، ثم ركبتيه، واحتجوا في ذلك بالأحاديث المذكورة، وعن قتادة:"يفعل أهون ذلك عليه".
قال ابن أبي شيبة في "مصنفه": ثنا معتمر، عن معمر، قال:"سئل قتادة؛ عن الرجل إذا انصبّ من الركوع يبدأ بيديه؟ قال: يصنع أهون ذلك عليه".
وعن مالك التخيير، وقال في "الجواهر": ثم يكبر للسجود فإن شاء وضع يديه قبل ركبتيه، أو ركبتيه قبل يديه.
وقال ابن حزم في "المحلى": وفرض على كل مصلٍ أن يضع إذا سجد يديه على الأرض قبل ركبتيه، واستدل بالحديث المذكور.
ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: بل يبدأ بوضع الركبتين قبل اليدين.
ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: الثوري والنخعي وأبا حنيفة وأبا يوسف ومحمدًا والشافعي وأحمد في الأصح، ومسلم بن يسار؛ فإنهم قالوا: يبدأ أولا بوضع الركبتين قبل اليدين. ويحكى ذلك عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
وفي "الروضة" للنووي: فالسنة أن يكون أول ما يقع على الأرض من الساجد ركبتيه، ثم يديه، ثم جبهته وأنفه.
وفي "الحاوي" في فقه أحمد: ثم يسجد مكبرًا واضعًا ركبتيه ثم يديه ثم جبهته وأنفه.
وعنه: يضع يديه قبل ركبتيه.
وقال الترمذي: والعمل عليه عند أكثر أهل العلم يرون أن يضع الرجل ركبتيه على الأرض قبل يديه، وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه.
ص: واحتجوا في ذلك بما حدثنا ابن أبي داود، قال ثنا يوسف بن عدي، قال: ثنا ابن فضيل، عن عبد الله بن سعيد، عن جده، عن أبي هريرة رضي الله عنه:"أن النبي عليه السلام كان إذا سجد بدأ بركبتيه قبل يديه".
حدثنا ربيع المؤذن، قال: ثنا أسد بن موسى، قال: ثنا ابن فضيل، عن عبد الله بن سعيد، عن جده، عن أبي هريرة أن النبي عليه السلام قال:"إذا سجد أحدكم فليبدأ بركبتيه قبل يديه ولا يبرك بروك الفحل".
قال أبو جعفر رحمه الله: فهذا خلاف ما روى الأعرج عن أبي هريرة، ومعنى هذا: لا يبرك على يديه كما يبرك البعير على يديه.
ش: أي احتج الجماعة الآخرون فيما ذهبوا إليه بحديث أبي هريرة هذا.
وأخرجه بإسنادين فيهما عبد الله بن سعيد بن أبي سعيد المقبري المدني ضعيف جدًّا، قال في "الميزان": واه. وقال ابن الجوزي: قال أحمد وعمرو بن علي: منكر الحديث متروكه. وقال أحمد مرة: ليس بذاك. وقال يحيى بن معين: ليس بشيء لا يكتب حديثه. وقال النسائي وعلي بن الجنيد: متروك.
وجده أبو سعيد المقبري واسمه كيسان روى له الجماعة.
وابن فضيل هو محمَّد بن فضيل بن غزوان أبو عبد الرحمن الكوفي، روى له الجماعة.
وأخرجه البيهقي في "سننه"(1): من حديث ابن فضيل، عن عبد الله بن سعيد المقبري، عن جده
…
إلى آخره، نحوه، غير أن في لفظه:"بروك الجمل".
وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(2): عن ابن فضيل، عن عبد الله بن سعيد، عن جده، عن أبي هريرة يرفعه
…
إلى آخره، نحو رواية الطحاوي.
وأخرجه الترمذي معلقًا (3)، وقال: وقد روي هذا الحديث عن عبد الله بن سعيد، عن أبيه، عن أبي هريرة عن النبي عليه السلام.
وعبد الله بن سعيد المقبري ضعفه يحيى القطان وغيره. انتهى.
(1)"سنن البيهقي الكبرى"(2/ 100 رقم 2467).
(2)
"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 235 رقم 2702).
(3)
"جامع الترمذي"(2/ 57 رقم 269).
فهذا كما رأيت: عبد الله بن سعيد، عن أبيه في رواية الترمذي، وفي رواية الطحاوي والبيهقي وابن أبي شيبة: عبد الله بن سعيد، عن جده، واسم جده كيسان وقد ذكرناه، واسم أبيه سعيد بن أبي سعيد المقبري، يروي عن أبي هريرة وابن عمر، روى عنه مالك وابن أبي ذئب وعبد الرحمن بن إسحاق، وعن أحمد: ليس به بأس. وقال أبو حاتم: صدوق. وقال أبو زرعة: مدني ثقة.
قوله: "بروك الفحل" أي كبروك الفحل، وأراد به فحل الإبل، وفسره في رواية الترمذي حيث قال: بروك الجمل، والجمل الفحل من الإبل، وقال الفراء: الجمل زوج الناقة.
قوله: "قال أبو جعفر
…
إلى آخره" بيان ذلك أن هذه الرواية عن أبي هريرة تعارض رواية الأعرج عنه؛ لأن في رواية الأعرج: وضع اليدين أولًا ثم الركبتين، وفي هذه الرواية: وضع الركبتين أولا ثم اليدين، وأشار الطحاوي إلى دفع المعارضة بقوله: ومعنى هذا: لا يبرك على يديه كما يبرك البعير على يديه، ولا يتم الكلام به على ما لا يخفى.
والأحسن أن يقال في دفع المعارضة: إن هذه الرواية ضعيفة ومعلولة بعبد الله بن سعيد، ورواية الأعرج صحيحة، فلا مساواة بينهما فلا تعارض، ولكن يكون الحديث حينئذ حجة لأهل المقالة الأولى.
فإن قيل: ما جواب أهل المقالة الثانية عن ذلك حينئذ؟
قلت: قد قال بعضهم حديث الأعرج أيضا معلول؛ لأن البخاري قال: محمَّد ابن عبد الله بن الحسن لا يتابع على حديثه، ولا أدري سمع من أبي الزناد أم لا؟
فإن قيل: قول البخاري لا يتابع على حديثه ليس بصريح في الجرح، فلا يعارض توثيق النسائي إياه.
قلت: ولئن سلمنا ذلك فحديث الأعرج منسوخ كما ذكره البعض، وقال ابن قدامة: وروي عن أبي سعيد قال: "كنا نضع اليدين قبل الركبتين، فأمرنا بوضع الركبتين قبل اليدين" وهذا يدل على نسخ ما تقدمه.
والأحسن أن يقال في ذلك ما قاله الطحاوي: إن حديث أبي هريرة اختلف عنه، وحديث وائل لم يختلف عنه، والأخذ به أصلى.
وعن هذا قال الخطابي: حديث وائل بن حجر أثبت من حديث الأعرج عن أبي هريرة. والله أعلم.
ص: حدثنا أحمد أبي عمران، قال: ثنا إسحاق بن أبي إسرائيل، قال: ثنا يزيد بن هارون، قال: أنا شريك، عن عاصم بن كليب الجرمي، عن أبيه، عن وائل بن حجر قال:"كان رسول الله عليه السلام إذا سجد بدأ بوضع ركبتيه قبل يديه".
حدثنا ابن أبي داود، قال ثنا أبو عمر الحوضي، قال: ثنا همام، قال: ثنا سفيان، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن النبي عليه السلام مثله، ولم يذكر وائلا.
ش: هذان إسنادان:
الأول: مرفوع صحيح ورجاله ثقات، واسحاق بن أبي إسرائيل المروزي نزيل بغداد شيخ البخاري في غير "الصحيح"، قال ابن معين: هو ثقة من ثقات المسلمين.
واسم أبي إسرائيل إبراهيم.
وأخرجه أبو داود (1): ثنا الحسن بن علي وحسين بن عيسى، قالا: ثنا يزيد بن هارون
…
إلى آخره نحوه، ولفظه:"وإذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه، وإذا نهض رفع يديه على ركبتيه".
(1)"سنن أبي داود"(1/ 222 رقم 838).
وأخرجه الترمذي (1): ثنا سلمة بن شبيب وعبد الله بن منير والحسن بن علي الحلواني وأحمد بن إبراهيم الدورقي وغير واحد، قالوا: ثنا يزيد بن هارون
…
إلى آخره، نحو رواية أبي داود.
وأخرجه النسائي (2): عن الحسن بن عيس، عن يزيد بن هارون
…
إلى آخره نحوه.
وأخرجه ابن ماجه (3): عن الحسن بن علي الخلال، عن يزيد بن هارون
…
إلى آخره، نحوه.
الإسناد الثاني: مرسل، عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن أبي عمر حفص بن عمر الحوضي شيخ البخاري، عن همام بن يحيى، عن سفيان الثوري.
وقال الترمذي (1) بعد أن رواه مسندا: هذا حديث غريب حسن، لا نعرف أحدًا رواه مثل هذا غير شريك، وروى همام، عن عاصم مرسلا، ولم يذكر فيه وائل بن حجر.
وقال النسائي (4): لم يقل هذا عن شريك غير يزيد بن هارون.
وقال الدارقطني (5): تفرد به يزيد، عن شريك، ولم يحدث به عن عاصم بن كليب غير شريك، وشريك ليس بالقوي فيما ينفرد به.
وقال البيهقي: هذا حديث يعد في أفراد شريك القاضي، وإنما تابعه همام مرسلا.
(1)"جامع الترمذي"(2/ 56 رقم 268).
(2)
"المجتبى"(2/ 206 رقم 1089).
(3)
"سنن ابن ماجه"(1/ 286 رقم 882).
(4)
"المجتبى"(2/ 234 رقم 1154).
(5)
"سنن الدارقطني"(1/ 345 رقم 6).
ص: كذا قال ابن أبي داود- من حفظه: عن سفيان الثوري، وقد غلط، والصواب: شقيق وهو أبو ليث كذلك حدثنا يزيد بن سنان من كتابه، قال: ثنا حبان بن هلال، قال: ثنا همام، عن شقيق أبي ليث، عن عاصم بن كليب، عن أبيه.
وشقيق أبو ليث هذا لا يعرف.
ش: أي كذا قال إبراهيم بن أبي داود البرلسي: ثنا أبو عمر الحوضي، قال: ثنا همام، قال: ثنا سفيان، عن عاصم
…
إلى آخره، من حفظه دون كتاب، وقد غلط إبراهيم فيه، والصواب: ثنا همام، ثنا شقيق، عن عاصم؛ كذلك حدثنا يزيد بن سنان القزاز من كتابه، قال: حدثنا حبان -بفتح الحاء وتشديد الباء الموحدة- ابن هلال، عن همام، عن شقيق
…
إلى آخره.
وشقيق أبو ليث هذا لا يعرف، يعني مجهول، وذكره ابن أبي حاتم وقال: شقيق أبو ليث يروي عن عاصم بن كليب، روى عنه همام بن يحيى، وسكت عنه.
وأخرجه أبو داود (1) أيضا من طريقين:
الأول: عن محمد بن معمر، عن الحجاج بن منهال، عن همام، عن محمد بن جحادة، عن عبد الجبار بن وائل، عن أبيه: "أن النبي عليه السلام
…
" فذكر حديث الصلاة قال: "فلما سجد وقعت ركبتاه إلى الأرض قبل أن يقعا كفاه".
الثاني: قال همام: وحدثنا شقيق، قال: حدثني عاصم بن كليب، عن أبيه، عن النبي عليه السلام بمثل هذا.
وهذا مرسل.
واعلم أن هذا من قوله: "كذا قال ابن أبي داود" إلى قوله: "لا يعرف" غير موجود في كثير من النسخ، وفي بعض النسخ مضروب عليه، والظاهر أن هذا تخبيط
(1)"سنن أبي داود"(1/ 222 رقم 839).
من النساخ، وأنه من النسخة غير أنهما لما طال هجراخها بين أهل العلم وقع فيها الخلط.
ص: فلما اختلف عن النبي عليه السلام فيما يبدأ بوضعه في ذلك؛ نظرنا فيه، فكان سبيل تصحيح معاني الآثار: أن وائلا لم يختلف عنه، وإنما الاختلاف عن في هريرة، فكان ينبغي أن يكون ما روي عنه لما تكافأت الروايات فيه؛ ارتفع وثبت ما روى وائل رضي الله عنه.
ش: أشار بهذا الكلام إلى ترجيح حديث وائل بن حجر على حديث أبي هريرة، بيان ذلك: أن أبا هريرة اختلف عنه كما ذكر فيما مضى، فإن رواية الأعرج عنه تعارضها وتخالفها رواية عبد الله بن سعيد عن جده عنه كما مر بيانه، وحديث وائل لم يختلف عنه، فيكون أرجح من حديث أبي هريرة؛ لأن الاتفاق من أسباب الترجيح.
ولهذا قال الخطابي: حديث وائل أثبت من حديث أبي هريرة، على أنَّا قلنا: إن بعضهم ادعى انتساخ حديث أبي هريرة، كما مر بيانه مستوفى.
قوله: "تكافأت" أي تساوت، من تكافأ تتكافأ، أي: تتساوى، ومنه الحديث:"المسلمون تتكافأ دماؤهم" أي تتساوى في القصاص والديات، وأصله من الكفؤ، وهو النظير والمساوي.
ص: فهذا حكم تصحيح معاني الآثار في ذلك، وأما وجه ذلك من طريق النظر: فإنَّا قد رأينا الأعضاء التي قد أمر بالسجود عليها هبم سبعة أعضاء، بذلك جاءت الآثار عن رسول الله عليه السلام. فما روي عنه في ذلك:
ما قد حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا إبراهيم بن أبي الوزير، قال: ثنا عبد الله بن جعفر، عن إسماعيل بن محمَّد، عن عامر بن سعد، عن أبيه قال: قال النبي عليه السلام: "أمر العبد أن يسجد على سبعة آراب: وجهه وكفيه وركبتيه وقدميه، أيها لم تقع فقد انتقض".
حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا أبو عامر، قال: ثنا عبد الله بن جعفر، عن إسماعيل، عن عامر، عن أبيه قال: قال النبي عليه السلام: "إذا سجد العبد سجد على سبعة آراب
…
" ثم ذكر مثله.
حدثنا محمد بن خزيمة وفهد، قالا: ثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثني الليث بن سعد (ح).
وحدثنا يونس، قال: ثنا عبد الله بن يوسف، قال: حدثني الليث، قال: ثنا ابن الهاد، عن محمَّد بن إبراهيم بن الحارث، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن عباس بن عبد المطلب أنه سمع رسول الله عليه السلام يقول:"إذا سجد العبد سجد معه سبعة آراب: وجهه وكفاه وركبتاه وقدماه".
حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا أبو عامر العقدي، قال: ثنا عبد العزيز بن محمَّد، عن يزيد بن الهاد
…
فذكر بإسناد مثله.
حدثنا يونس، قال: ثنا سفيان، عن عمرو، عن طاوس، عن ابن عباس:"أُمر النبي عليه السلام أن يَسْجد على سبعة أعظم".
حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا محمَّد بن المنهال، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا روح بن القاسم، عن عمرو، عن عطاء، عن ابن عباس مثله.
قال أبو جعفر رحمه الله: فكانت هذه الأعضاء هي التي عليها السجود، فنظرنا في ذلك كيف حكم ما اتفق عليه منها لنعلم به كيف حكم ما اختلفوا فيه منها؟ فرأينا الرجل إذا سجد يبدأ بوضع أحد هذين إما ركبتاه وإما يداه، ثم رأسه بعدهما، ورأيناه إذا رفع بدأ برأسه فكان الرأس مقدمًا في الرفع مؤخرًا في الوضع، يُثَنِّي بعد رفع رأسه برفع يديه، ثم ركبتيه، هذا اتفاق منهم جميعًا، فكان النظر على ما وصفنا في حكم الرأس إذا كان مؤخرًا في الوضع لما كان مقدمًا في الرفع، أن تكون اليدان كذلك لما كانتا مقدمتين على الركبتين في الوفع، أن تكونا مؤخرتين عنهما في
الوضع، فثبت بذلك ما روي عن وائل؛ فهذا هو النظر، وبه نأخذ، وهو قول أتيت حنيفة وأتيت يوسف، ومحمد رحمهم الله.
ش: أي هذا الذي ذكرنا من ترجيح حديث وائل بالوجه المذكور هو حكم تصحيح الآثار المتعارضة والمتضادة، وأما وجه حكمها من طريق النظر والقياس، أن الأعضاء التي أمر المصلي أن يسجد عليها سبعة، وهي: الوجه والكفان والركبتان والقدمان، ورأيناهم قد اتفقوا أن المصلي إذا سجد يبدأ إما بركبتيه، وإما بيديه، ثم برأسه بعدهما، وإذا رفع بدأ أولا برأسه، ثم بيديه، ثم بركبتيه، فكان الرأس مقدفا في الرفع مؤخرًا في الوضع؛ فالنظر والقياس على ذلك أن تكون اليدان كذلك كما كانتا مقدمتين على الركبتين في الرفع ينبغي أن تكونا مؤخرتين عن الركبتين في الوضع.
قوله: "أحد هذين" إشارة إلى الركبتين وإلى اليدين، باعتبار المذكور، فلذلك ذكر اسم الإشارة.
قوله: "ثم يثني" من التثنية.
قوله: "إذ كان مؤخرًا" أي حين كان.
قوله: "مقدمتين" بفتح الدال المشددة، وكذلك قوله: مؤخرتين بفتح الخاء. فافهم.
قوله: "فمما روي عنه في ذلك" أي من الذي روي عن النبي عليه السلام في السجود على الأعضاء.
وأخرج ذلك عن ثلاثة من الصحابة، وهم: سعد بن أبي وقاص أحد العشرة المبشرة بالجنة، وعباس بن عبد المطلب، وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم.
أما حديث سعد فأخرجه من طريقين صحيحين:
أحدهما: عن أبي بكرة بكار القاضي، عن إبراهيم بن أبي الوزير، وهو إبراهيم ابن عمر بن مطرف الهاشمي المكي، عن عبد الله بن جعفر بن عبد الرحمن المدني،
عن إسماعيل بن محمَّد بن سعد بن أبي وقاص القرشي الزهري المدني، عن عامر ابن سعد بن أبي وقاص المدني، عن أبيه سعد بن أبي وقاص، واسم أبي وقاص مالك بن أهيب.
وهؤلاء كلهم رجال الصحيح ما خلا أبا بكرة.
وأخرجه عبد بن حميد في "مسنده"(1): حدثني ابن أبي شيبة، نا محمَّد بن عمر، عن عبد الله بن جعفر، عن إسماعيل بن محمَّد، عن عامر بن سعد، عن أبيه قال: قال رسول الله عليه السلام: "إذا سجد العبد سجد على سبعة آراب: وجهه وكفيه وركبتيه وقدميه، فما لم يضع فقد انتقص".
الآخر: عن إبراهيم بن مرزوق، عن أبي عامر عبد الملك بن عمرو العقدي البصري، عن عبد الله بن جعفر
…
إلى آخره.
وأخرجه ابن أبي شيبة نحوه (2).
وأما حديث عباس بن عبد المطلب فأخرجه من ثلاث طرق صحاح:
الأول: عن محمَّد بن خزيمة وفهد بن سليمان، كلاهما عن عبد الله بن صالح كاتب الليث، عن الليث بن سعد، عن يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد المدني، عن محمَّد بن إبراهيم بن الحارث بن خالد المدني، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن عباس بن عبد المطلب
…
إلى آخره.
وأخرجه أبو داود (3): ثنا قتيبة بن سعيد، نا بكر يعني ابن مضر، عن ابن الهاد، عن محمَّد بن إبراهيم، عن عامر بن سعد، عن العباس بن عبد المطلب، أنه سمع رسول الله عليه السلام يقول:"إذا سجد العبد سجد معه سبعة آراب: وجهه وكفاه وركبتاه وقدماه".
(1)"المنتخب من مسند عبد بن حميد"(1/ 82 رقم 156).
(2)
"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 234 رقم 2677).
(3)
"سنن أبي داود"(1/ 235 رقم 891).
وأخرجه الترمذي (1): عن قتيبة أيضًا
…
إلى آخره نحوه.
وقال: حديث العباس حديث حسن صحيح وعليه العمل عند أكثر أهل العلم.
وأخرجه ابن حبان في "صحيحه"(2)، والحاكم في "مستدركه"(3)، وسكت عنه.
الثاني: عن يونس بن عبد الأعلى المصري، عن عبد الله بن يوسف التنيسي، عن الليث بن سعد، عن يزيد بن عبد الله، عن محمَّد بن إبراهيم، عن عامر بن سعد، عن عباس بن عبد المطلب
…
نحوه.
وأخرجه النسائي (4): عن قتيبة، عن بكر، عن ابن الهاد نحو رواية أبي داود المذكورة آنفا.
وأخرجه ابن ماجه (5): عن يعقوب بن حميد بن كاسب، عن عبد العزيز بن أبي حازم، عن يزيد بن الهاد
…
إلى آخره.
الثالث: عن إبراهيم بن مرزوق، عن أبي عامر عبد الملك بن عمرو العقدي، عن عبد العزيز بن محمَّد الدراوردي، عن يزيد بن الهاد
…
إلى آخره.
وأخرجه البزار في "مسنده"(6): ثنا محمد بن عقبة السدوسي، قال: ثنا عبد العزيز بن محمَّد، عن يزيد بن الهاد، عن محمَّد بن إبراهيم، عن عامر بن سعد، عن العباس بن عبد المطلب، عن النبي عليه السلام قال:"أمر المرء أن يسجد على سبعة آراب: يديه ورجليه وركبتيه، ووجهه".
(1)"جامع الترمذي"(2/ 61 رقم 272).
(2)
"صحيح بن حبان"(5/ 248 رقم 1921).
(3)
"المستدرك على الصحيحين"(1/ 349 رقم 823).
(4)
"السنن الكبرى"(1/ 230 رقم 681).
(5)
"سنن ابن ماجه"(1/ 286 رقم 885).
(6)
"مسند البزار"(4/ 146 رقم 1319).
وأخرجه أحمد في"مسنده"(1): ثنا عبد الرحمن بن مهدي، ثنا عبد الله بن جعفر، عن إسماعيل بن محمَّد، عن عامر بن سعد، عن العباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا سجد الرجل سجد معه سبعة آراب: وجهه وكفيه وركبتيه وقدميه".
واعلم أن حديث العباس هذا عزاه جماعة إلى مسلم، منهم صاحب الأطراف، والحميدي في "الجمع بين الصحيحين" والبيهقي في "سننه"، وابن الجوزي في "جامع المسانيد" وفي "التحقيق"، ولم يذكره عبد الحق في الجمع بين الصحيحين، ولم يذكر القاضي عياض لفظ الآراب في "مشارق الأنوار" الذي وضعه على ألفاظ البخاري ومسلم والموطأ.
قال القاضي: وهذه اللفظة لم تقع عند شيوخنا في مسلم ولا في النسخ التي رأينا، والتي في كتاب مسلم:"سبعة أعظم". انتهى.
والذي يظهر -والله أعلم- أن أحدهم سبق بالوهم وتبعه الباقون، وهو محل اشتباه فإن العباس يشتبه بابن عباس، وسبعة آراب قريب من سبعة أعظم. والله أعلم.
وأما حديث عبد الله بن عباس فأخرجه من طريقين صحيحين:
الأول: عن يونس بن عبد الأعلى، عن سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن طاوس بن كيسان، عن عبد الله بن عباس:"أمر النبي عليه السلام أن يسجد على سبعة أعظم".
وأخرجه البخاري (2): ثنا قبيصة، قال: ثنا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن طاوس، عن ابن عباس:"أمر النبي عليه السلام أن يسجد على سبعة أعضاء- ولا يكف شعرًا ولا ثوبًا، الجبهة واليدين والركبتين والرجلين".
(1)"مسند أحمد"(1/ 206 رقم 1764).
(2)
"صحيح البخاري"(1/ 280 رقم 776).
وأخرجه مسلم (1): ثنا يحيى بن يحيى وأبو الربيع الزهراني-قال يحيى: أنا، وقال أبو الربيع: ثنا- حماد بن زيد، عن عمرو بن دينار، عن طاوس، عن ابن عباس قال:"أمر النبي عليه السلام أن يسجد على سبعة، ونهي أن يكف شعره أو ثيابه" هذا حديث يحيى، وقال أبو الربيع:"على سبعة أعظم، ونهي أن يكف شعره وثيابه: الكفين والركبتين والقدمين والجبهة".
وأخرجه الترمذي (2): ثنا قتيبة، قال: نا حماد بن زيد، عن عمرو بن دينار، عن طاوس، عن ابن عباس قال:"أمر رسول الله عليه السلام أن يسجد على سبعة أعضاء، ولا يكف شعره ولا ثيابه".
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.
وأخرجه النسائي (3): عن قتيبة أيضا، عن حماد
…
إلى آخره نحوه.
وأخرجه البخاري (4) من طريق أخر أيضًا، وقال: ثنا مسلم بن إبراهيم، قال: ثنا شعبة، عن عمرو، عن طاوس، عن ابن عباس، عن النبي عليه السلام قال:"أمرنا أن نسجد على سبعة أعظم، ولا نكف ثوبا ولا شعرًا".
ومن طريق آخر أيضًا (5): ثنا معلى بن أسد، قال: ثنا وهيب، عن عبد الله بن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس قال: قال النبي عليه السلام: "أمرت أن أسجد على سبعة أعظم: على الجبهة -وأشار بيده إلى أنفه- واليدين، والركبتين، وأطراف القدمين، ولا نكفت الثياب والشعر".
(1)"صحيح مسلم"(1/ 354 رقم 490).
(2)
"جامع الترمذي"(6212 رقم 273).
(3)
"المجتبى"(2/ 208 رقم 1093).
(4)
"صحيح البخاري"(1/ 280 رقم 777).
(5)
"صحيح البخاري"(1/ 280 رقم 779).
وكذا أخرجه مسلم (1): ثنا محمَّد بن بشار، قال: ثنا محمَّد هو ابن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن عمرو بن دينار، عن طاوس، عن ابن عباس، عن النبي عليه السلام قال:"أمرت أن أسجد على سبعة أعظم، ولا أكف ثوبًا ولا شعرًا".
حدثنا (1) بهز، قال: ثنا وهيب، قال: ثنا عبد الله بن طاوس، عن طاوس، عن ابن عباس، أن رسول الله عليه السلام قال:"أمرت أن أسجد على سبعة أعظم: الجبهة -وأشار بيده على أنفه- واليدين والرجلين وأطراف القدمين، ولا أكفت الثياب ولا الشعر".
حدثنا (2) أبو الطاهر، قال: أنا عبد الله بن وهب، قال: حدثني ابن جريج، عن عبد الله بن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس، أن رسول الله عليه السلام قال:"أمرت أن أسجد على سبعة، ولا أكفت الشعر ولا الثياب، الجبهة والأنف واليدين والركبتين والقدمين".
وأخرجه أبو داود (3): نا محمَّد بن كثير، أنا شعبة، عن عمرو بن دينار، عن طاوس، عن ابن عباس، عن النبي عليه السلام قال:"أمرت -وربما قال: أمر- نبيكم أن يسجد على سبعة آراب".
وأخرجه ابن ماجه (4): ثنا بشر بن معاذ الضرير، ثنا أبو عوانة وحماد بن زيد، عن عمرو بن دينار، عن طاوس، عن ابن عباس، عن النبي عليه السلام قال:"أمرت أن أسجد على سبعة أعظم".
الطريق الثانى: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي، عن محمَّد بن المنهال التميمي الضرير الحافظ شيخ البخاري ومسلم وأبي داود، عن يزيد بن زريع العيشي
(1)"صحيح مسلم"(1/ 354 رقم 490).
(2)
"صحيح مسلم"(1/ 355 رقم 490).
(3)
"سنن أبي داود"(1/ 235 رقم 890).
(4)
"سنن ماجه"(1/ 286 رقم 883).
البصري، عن روح بن القاسم التميمي العنبري، عن عمرو بن دينار، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس
…
إلى آخره.
وأخرجه أحمد في "مسنده"(1): ثنا سفيان، عن عمرو، عن عطاء، عن ابن عباس قال:"أمر رسول الله عليه السلام أن يسجد على سبع، ونهي أن يكف شعره وثيابه".
قوله: "آراب" بالمد جمع "إِرْب" بكسر الهمزة وسكون الراء، وهو العضو، والمعنى: أمر العبد أن يسجد على سبعة أعضاء.
قوله: "وجهه" بالجر عطف بيان لقوله: "آراب" وما بعده عطف عليه.
قوله: "أيها لم يقع" أي أيّ الأعضاء من هذه الأعضاء السبعة لم يقع على الأرض فقد انتقض سجوده، والضمير في انتقض يرجع إلى السجود الذي دل عليه قوله:"أن يسجد"، وقد اختلف العلماء فيما يجري السجود عليه من الآراب السبعة بعد إجماعهم على أن السجود على الأرض فريضة.
فقال النووي: أعضاء السجود سبعة وينبغي للساجد أن يسجد عليها كلها، وأن يسجد على الجبهة والأنف جميعًا، وأما الجبهة فيجب وضعها مكشوفة على الأرض، ويكفي بعضها، والأنف مستحب فلو تركه جاز، ولو اقتصر عليه وترك الجبهة لم يجز، هذا مذهب الشافعي ومالك والأكثرين.
وقال أبو حنيفة، وابن القاسم من أصحاب مالك: له أن يقتصر على أيهما شاء.
وقال أحمد، وابن حبيب من أصحاب مالك: يجب أن يسجد على الجبهة والأنف جميعًا؛ لظاهر الحديث.
وقال الأكثرون: بل ظاهر الحديث أنهما في حكم عضو واحد؛ لأنه قال: "سبعة آراب"، وفي رواية أخرى:"سبعة أعظم" فإن جعلا عضوين صارت ثمانية.
فإن قيل: ذكر الأنف في رواية مسلم حيث قال:" أمرت أن أسجد على سبعةٍ: الجبهة والأنف واليدين والركبتين والقدمين".
(1)"مسند أحمد"(1/ 221 رقم 1927).
قلت: الجواب ما ذكرناه، وإنما ذكر الأنف استحبابا، وهو تابع للجبهة، ألا ترى كيف ذكر أصحاب التشريح فقالوا: إن عظمي الأنف يبتدئان من قرنة الحاجب وينتهيان إلى الموضع الذي فوق الثنايا والرباعيات، فعلى هذا يكون الأنف والجبهة التي هي أعلى الحد واحدًا، وهو المعنى المشار إليه في حديث عبد الله بن طاوس، عن أبيه قال عليه السلام:"أمرت أن أسجد على سبعة أعظم: على الجبهة -وأشار بيده إلى أنفه- والرجلين وأطراف القدمين، ولا نكفت الثياب ولا الشعر" فقد سوى بينهما، ولأن أعضاء السجود سبعة إجماعًا، ولا تكون سبعة إلا إذا كانت الجبهة والأنف عضوًا واحدًا.
وقال ابن بطال: وقالت طائفة: إذا سجد على جبهته دون أنفه أجزأه، روي ذلك عن ابن عمر وعطاء وطاوس، والحسن وابن سيرين والقاسم، وسالم والشعبي والزهريّ، قال: وهذا هو قول مالك، ومحمد وأبي يوسف، والشافعي -في أحد قوليه- وأبي ثور، والمستحب عندهم أن يسجد على أنفه مع جبهته، وروي عن أبي حنيفة أنه إن اقتصر على أحدهما: -الأنف أو الجبهة- جاز، هذا هو الصحيح من مذهبه، وروى أسد بن عمرو عنه: لا يجوز الاقتصار على الأنف إلا من عذر، وهو قول تلميذيه، وفي بعض شروح الهداية عنه: إن وضع الجبهة وحدها من غير عذر جاز بلا كراهة، وفي الأنف وحده يجوز مع الكراهة، والمستحب الجمع بينهما.
وفي "الأسرار" للدبوسي جاز ذلك، وقد أشار أبو حفص في "المنظومة" أنه يجوز بلا عذر، وحكى ابن شاس في "الجواهر" أنه قول مالك.
وقال ابن جرير في "تهذيب الآثار": حكم الجبهة والأنف سواء، فواضع الأنف دون الجبهة كواضع راحتيه دون الأصابع أو الأصابع دونهما، لا فرق بين ذلك، قال: وبنحو هذا الذي قلناه قال جماعة من السلف.
قال ابن بطال: وبه قال طاوس وابن سيرين، وهو قول ابن القاسم.
وفي "المبسوط": ونقل عن ابن عمر مثل قول إمامنا النعمان.
وأما اليدان والركبتان والقدمان فهل يجب السجود عليهما؟ فقال الشيخ محيى الدين: فيه قولان للشافعي:
أحدهما: لا يجب لكن يستحب استحبابًا متأكدًا.
والثاني: يجب وهو الأصح، وهو الذي رجحه الشافعي، فلو أخل بعضو منها لم تصح صلاته، وإذا أوجبا لم يجب كشف القدمين والركبتين، وفي الكفين قولان للشافعي: أحدهما يجب كشفهما كالجبهة، وأصحهما لا يجب.
وفي "شرح الهدايه": السجود على اليدين والركبتين والقدمين غير واجب.
وفي "الواقعات": لو لم يضع ركبتيه على الأرض عند السجود لا يجزئه، وقال أبو الطيب: مذهب الشافعي أنه لا يجب وضع هذه الأعضاء، وهو قول عامة الفقهاء، وعند زفر وأحمد بن حنبل: يجب، وعن أحمد: في الأنف روايتان.
وفي "المغني" لابن قدامة: والسجود على جميع هذه الأعضاء واجب إلا الأنف فإن فيه خلافا كما سنذكره، وبهذا قال طاوس والشافعي -في أحد قوليه- وإسحاق، وقال مالك وأبو حنيفة والشافعي- في القول الآخر: لا يجب السجود على غير الجبهة، وفي الأنف روايتان:
إحداهما: يجب السجود عليه، وهذا قول سعيد بن جبير، وإسحاق، وأبي خيثمة، وابن أبي شيبة.
والرواية الثانية: لا يجب السجود عليه، وهو قول طاوس وعطاء، وعكرمة والحسن، وابن سيرين والشافعي، وأبي ثور وصاحبي أبي حنيفة.
فإن قيل: كيف اقتصر أبو حنيفة في فرض السجود على الجبهة أو الأنف وحدها؟ والأحاديث المذكورة تدل على أن الفرض على الأعضاء السبعة كما ذهب إليه الشافعي وزفر وغيرهما ممن ذكرنا فيما مضى؟
قلت: الأمر في النص تعلق بالسجود مطلقا من غير تعيين عضو، ثم انعقد الإجماع على التقييد ببعض أعضاء الوجه، فلا يجوز تعيين غيره، ولا يجوز تقييد مطلق الكتاب بخبر الواحد، فنحمله على بيان السنة؛ عملا بالدليلين.
ثم اختلف أصحابنا الثلاثة في ذلك البعض، فقال أبو حنيفة رحمه الله: هو الجبهة أو الأنف من غير تعيين، لو وضع أحدهما في حالة الاختيار تجزئه، غير أنه لو وضع الجبهة وحدها جاز من غير كراهة، ولو وضع الأنف وحده يجوز مع الكراهة.
وعند أبي يوسف ومحمد: هو الجبهة على التعيين لو ترك السجود عليهما حالة الاختيار لا تجزئه، وأجمعوا على أنه لو وضع الأنف وحده في حال العذر تجزئه، ولا خلاف في أن المستحب هو الجمع بينهما حالة الاختيار.
ص: وقد روي ذلك أيضا عن عمر، وعبد الله وغيرهما، كما حدثنا فهد بن سليمان، قال: ثنا عمر بن حفص، قال: ثنا أبي، قال: ثنا الأعمش، قال: حدثني إبراهيم، عن أصحاب عبد الله علقمة والأسود، قالا:"حفظنا من عمر رضي الله عنه في صلاته أنه خر بعد ركوعه على ركبتيه، كما غير البعير، ووضع ركبتيه قبل يديه".
حدثنا أبوبكرة، قال: ثنا أبو عمر الضرير، قال: أنا حماد بن سلمة، أن الحجاج بن أرطاة أخبرهم، قال: قال إبراهيم النخعي: حُفِظَ عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "أن ركبتيه كانتا تقعان إلى الأرض قبل يديه".
حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا وهب بن جرير، عن شعبة، عن مغيرة قال:"سألت إبراهيم عن الرجل يبدأ بيديه قبل ركبتيه إذا سجد، فقال: "أو يضع ذلك إلا أحمق أو مجنون".
ش: أي قد روي وضع الركبتين قبل اليدين أيضًا عن عمر بن الخطاب وعبد الله ابن مسعود، وكذا روي عن إبراهيم النخعي.
أما أثر عمر رضي الله عنه فأخرجه بإسناد صحيح، عن فهد، عن عمر بن حفص، عن أبيه حفص بن غياث، عن سليمان الأعمش، عن إبراهيم النخعي، عن علقمة بن قيس والأسود بن يزيد
…
إلى آخره.
وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(1): ثنا وكيع، عن الأعمش، عن إبراهيم:"أن عمر رضي الله عنه كان يضع ركبتيه قبل يديه".
وثنا يعلى (2)، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود:"أن عمر رضي الله عنه كان يقع على ركبتيه".
وأخرجه عبد الرزاق أيضا في "مصنفه"(3): عن الثوري ومعمر، عن الأعمش، عن إبراهيم:"أن عمر رضي الله عنه كان إذا ركع يقع كما يقع البعير، ركبتاه قبل يديه، وكان يكبر وهو يهوي".
وأما أثر ابن مسعود فأخرجه من طريق فيه ضعف وانقطاع، أما الضعف فإن الحجاج بن أرطاة فيه مقال، وأما الانقطاع فإن إبراهيم لم يرو عن ابن مسعود شيئًا (4).
وأبو بكرة هو بكار القاضي.
وأبو عمر حفص بن عمر الضرير شيخ أبي داود وابن ماجه.
وأما أثر إبراهيم فأخرجه بإسناد صحيح: عن إبراهيم بن مرزوق، عن وهب ابن جرير بن حازم، عن شعبة، عن مغيرة بن مقسم الضبي، عن إبراهيم النخعي.
وأخرجه عبد الرزاق في "مصنفه"(5): عن الثوري، عن معمر، عن إبراهيم:"في الرجل تقع يداه قبل ركبتيه قال إبراهيم: أو يفعل ذلك إلا المجنون". والله أعلم.
(1)"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 236 رقم 2703).
(2)
"مصنف ابن أبي شيبة"(1/ 236 رقم 2704).
(3)
"مصنف عبد الرزاق"(2/ 176 رقم 2955).
(4)
وقد صحح قبل ذلك روايته عن ابن مسعود، وتعقبناه هناك!.
(5)
"مصنف عبد الرزاق"(2/ 176 رقم 2956).